إسلام ويب

العلم عند العلماء هو اسم يعين مسماه، ثم إن كان التعيين ذهنياً فهو علم الجنس، وإن كان يعينه في الخارج والواقع فهو علم الشخص. وأما العلم الموضوع للماهية فهو ما يطلقون عليه اسم الجنس، والحقيقة والمجاز من مباحث اللغة والأصول، وقد قسموا الحقيقة إلى لغوية وعرفي

العلم الشخصي والجنسي واسم الجنس

ثم قال المؤلف: [فائدة]، الفائدة اسم فاعل من فاد يفيد، والفائدة: هي الزيادة، ومنه يقال: إن الإنسان ربح فائدة، أو استفاد فائدة من هذا المال، فهو بمعنى الزيادة، يعني: هذه زائدة على ما سبق من البحوث، وهي:

[العلم اسم يعيِّن مسماه مطلقاً].

العلم: هو الاسم الموضوع للدلالة على شخص أو على جنس، فهو اسم يعيِّن مسماه مطلقاً، وقوله: (مطلقاً)، أي: بدون سبب آخر.

فقولنا: (اسم يعيِّن مسماه) خرج به النكرة، مثل: دار، بعير، بيت، سيارة، هذه نكرة ما عينت.

وقولنا: (مطلقاً) خرج به بقية المعارف، مثل: اسم الموصول، والضمير، واسم الإشارة، والمحلى بأل، هذا ليس علماً؛ لأنه لا يعيِّن مسماه إلا بشرط، فاسم الإشارة يعين المشار إليه بواسطة الإشارة، والاسم الموصول يعيِّن بواسطة الصلة، والمحلى بأل بواسطة أل، أما العلم فيعيِّن مسماه مطلقاً، ويكون للعاقل ولغير العاقل، وللذكور وللإناث.

قال: [ثم هذا التعيين إن كان خارجياً فعلم شخص، وإلا فعلم جنس].

أفادنا المؤلف رحمه الله أن العلم قسمان:

علم جنس: وهو ما يعيِّن مسماه تعييناً خارجياً، يعني: شيئاً موجوداً في الخارج.

وعلم شخص: وهو ما يعيِّن مسماه تعييناً ذهنياً، أي في الذهن.

فمثلاً: زيد وبكر وخالد، هذا علم شخص، لأنه يعيِّن مسمىً موجوداً في الخارج مشاهداً.

ومثل: كسرى، قيصر، نجاشي، هذا علم جنس؛ لأنه علم على كل من ملك الحبشة في النجاشي، وكل من ملك الروم في قيصر، وكل من ملك الفرس في كسرى.

ومنه أيضاً: أسامة، للأسد؛ لكن لو ربيت أسداً وسميته أسامة صار علم شخص.

فأسامة علم على جنس الأسود.

وثعالة علم جنس على الثعالب. وأم عريط للعقرب، أنا ليس عندي عقرب معينة سميتها أم عريط، لو كان عندي عقرب معينة اسمها أم عريط صار علم شخص، لكن أم عريط لكل هذا الجنس من الدواب، يعني: أن العرب وضعت هذا العلم لهذا الجنس.

يقول: [والموضوع للماهية من حيث هي اسم جنس] أي الموضوع للماهية من حيث هي لا باعتباره علماً لها، يسمى اسم جنس. أسامة قلتم قبل قليل: إنه علم على الأسود، لكن أسد ما هو علم، أسد اسم جنس، لأنه لم يوضع على أنه علم لهذا الجنس من الدواب، لكن وُضِع على أنه اسم مطلق لهذا الجنس من الدواب.

رجل: اسم جنس، لكن إذا فرضنا أن قوماً من الناس تكنوا بكنية معلومة مثل: أولاد علي، أظنها كنية عندنا في القصيم لكل أهل القصيم، فيكون علم جنس على هؤلاء القوم.

الفرق بين هذه الثلاثة: أن علم الشخص يعين مسماه شخصياً. وعلم الجنس يعين مسماه باعتبار الجنس. واسم الجنس لا يعين، لكن يدل على الجنس دلالة مطلقة.

من حيث الأحكام: علم الشخص كعلم الجنس في أحكامه، يعني: يُعتبر معرفة ويصح الابتداء به، وتجيء منه الحال، ويكون نعته معرفة، يعني: جميع أحكام العلم الشخصي تثبت للعلم الجنسي.

أما اسم الجنس فهو نكرة لا يصح الابتداء به، ولا تأتي منه الحال إلا بشروط، ولا يوصف بمعرفة، وإنما يوصف بنكرة، فهذا هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة.

الحقيقة والمجاز

قال المؤلف رحمه الله: [فصل: الحقيقة: قول مستعمل في وضع أول، والمجاز: قول مستعمل في لفظ بوضع ثانٍ لعلاقة].

أراد المؤلف في هذا الفصل أن يبين أن الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز..

فالبحر وضع أولاً للبحر المعروف، وهذه حقيقة، ووضع ثانياً للرجل الكريم أو العالم الكريم، كلهم يسمى بحراً. وهذا مجاز.

إذاً: اللفظ إذا استُعمل فيما وضع له أولاً فهو حقيقة، وإن استُعمل استعمالاً ثانياً فهو مجاز.

قال المؤلف: [وهي لغوية وعرفية وشرعية] إذاً: الحقائق ثلاث: لغوية وهي الأصل، لأن الذي وضع كلام العرب هم العرب، فما كان حقيقة في اللغة العربية فهو الحقيقة، ولهذا قال المؤلف: [وهي الأصل كأسد]، أي: مراداً به الحيوان المفترس.

[وعرفية] وهذا القسم الثاني من الحقائق. [وهي ما خص عرفًا ببعض مسمياته عامة كدابة للفرس أو خاصةً كمبتدأ].

فالقسم الثاني من الحقائق: حقيقة عرفية. والعرفية نوعان: عامة تشمل كل الناس، وخاصة تشمل ناساً معينين. العرفية: هي ما خُصَّ عرفاً ببعض أفراده، أي أن اللفظ في اللغة العربية عام، لكن العرف خصه بشيء معين، وهذا المعيَّن إما عام لكل الناس، وإما خاص لطائفة من الناس. العام: مثل كلمة (دابة)، حقيقتها اللغوية كل ما دب على الأرض، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ [الأنعام:38] هذا في اللغة، لكن في العرف يقولون: الدابة ذوات الأربع، أي الذي له أربع أرجل، وعليه؛ الحمار دابة، والبعير، دابة، والبقرة، دابة، والشاة، دابة، والعقرب ليست دابة، لأن لها ست أرجل. وأبو سبعة وسبعين رجلاً ليس دابة، لأنه له أكثر من أربع.

إذاً: كون الدابة خاصة بذوات الأربع نقول: هذه حقيقة عرفية لا لغوية، فإذا قال إنسان: والله ما في بيتي دابة وكله مملوء صراصير وخنافس؛ لكن ما عنده لا شاة ولا بعير ولا حمار ولا حصان ولا شيء، نقول: ليس عليه حنث، لكن لو اعتبرنا الحقيقة اللغوية لكان كاذباً في يمينه.

كون الدابة هي ذوات الأربع هذا عرف عام يشمل الفقهاء وأهل اللغة وأهل الجغرافيا، ويوجد ناس في عرفهم أن الدابة خاص بالحمار فقط، هذا أيضاً عرف آخر، على عرف هؤلاء: الحصان والبعير والبقر والشاة ليست بدابة، وهذا عُرف خاص تطلق عليه الكلمة، بمعنى أنه خاص بهؤلاء القوم.

قال المؤلف: [كمبتدأ]. المبتدأ في اللغة: كل ما ابتدئ به، لكن المبتدأ في عُرف النحويين غير ذلك، إذا قال المُعرب: هذا مبتدأ فليس المعنى مبتدأً به، قد يكون متأخراً، تقول: في الدار زيد، تعرب زيدً مبتدأ مع أنه مؤخر، لأن المبتدأ عند النحويين كل اسم مرفوع عارٍ عن العوامل اللفظية؛ وهذا عرف خاص.

هناك أيضاً في اصطلاحات أخرى للجغرافيين وللحسابيين وللفلكيين، كل أناس لهم اصطلاحاتهم.

فمثلاً إذا قرأنا كتاب جغرافيا يتكلم بكلام يخالف الحقيقة اللغوية لكن هو حقيقة عرفية عندهم، نقول: هذه حقيقة عرفية. عندنا مثلاً الشاة، الشاة في العربية تشمل الذكر والأنثى من الضأن والمعز، لكن في العرف تطلق على الأنثى من الضأن.

قلت لرجل: سأعطيك شاة، أو إن كان في بيتي شاة فهي لك. قال: نعم، اكتب، اكتب: إن كان في بيتي شاة فهي لك، دخل البيت فوجد فيه خروفاً ووجد فيه عنزاً ووجد فيه تيساً، من كل نوع أربع، فهذه اثنتا عشرة، فقال: أعطني إياها، قلت: ما هذا؟ الشاة هي الأنثى من الضأن، فقال: أنا أتكلم باللغة العربية، والشاة عندي تشمل كل هذا. فأقول له أنا: وأنا أتكلم باللغة العرفية، وكلام الناس يُحمل على عرفهم وأنا ما عندي الآن شاة، ما عندي أنثى من الضأن، تحاكمنا إلى القاضي فبماذا يحكم القاضي؟

الجواب: يحكم بالعُرف؛ لأن العرف هو المتبادر في ذهن المتكلم والمخاطَب.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [11] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net