إسلام ويب

إطلاق المشتق قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز وإن أريد الفعل، وحقيقة إن أريدت الصفة، وأما صفات الله تعالى فقد ذكر المؤلف أنها قديمة وأطلق، والصواب التفصيل كما بينه الشيخ. ثم إن الاشتقاق يشترط فيه صدق أصله، وإلا فلا اشتقاق إذا لم يكن أصل.

المجاز والحقيقة في الاشتقاق

ثم قال المؤلف: [وإطلاقه] أي: إطلاق المشتق. [قبل وجود الصفة المشتق منها مجاز إن أريد الفعل، وحقيقة إن أريدت الصفة].

نعم. يُطلق المشتق أحياناً بدون وجود الصفة المشتق منها، ويكون إطلاقه حينئذٍ مجازاً، مثل: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف:36]، هنا إطلاق الخمر على عنب لم يكن خمراً مجاز.

أيضاً أقول: سيفي هذا قاطع، وأنا إلى الآن ما قطعت به شيئاً، فأطلقت عليه أنه قاطع قبل وجود القطع، فهو مجاز إن أُريد الفعل. أما إذا أردت بقولك: قاطع بأنه صالح للقطع فهو حقيقة.

ومثل ذلك: الإنسان حيوان ناطق، ونسمي به طفلاً لم ينطق حتى الآن، فإن أردت الفعل فهو مجاز، لأنه لم ينطق حتى الآن، وإن أردت الصفة فحقيقة؛ لأن هذا الطفل من الحيوان الناطق، ولهذا قال: [وحقيقة إن أريدت الصفة كسيف قطوع ونحوه].

إذاً: إذا قال لنا قائل: المشتق هل يجوز أن يُذكر قبل وجود الصفة؟ نقول: نعم يجوز، ويكون مجازاً إن أُريد الفعل، وحقيقة إن أريدت الصفة.

صفات الله تعالى وبحثها في الاشتقاق

يقول: [فأما صفات الله تعالى فقديمة]، هكذا أطلق رحمه الله، قال: صفات الله قديمة. وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن صفات الله منها قديم ومنها ما هو غير قديم الآحاد، فالصفات الخبرية قديمة كاليد والوجه والعين والساق والقدم، والصفات المعنوية اللازمة لذاته وهي التي تسمى صفات ذاتية؛ هذه قديمة.

أما الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته فهذه قديمة النوع حادثة الآحاد، فمثلاً: الاستواء على العرش فعل، وجنس الفعل قديم، لكن كونه استوى على العرش هذا حادث، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] ، وهذا يدل على أن الاستواء حادث بعد أن لم يكن، (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، والنزول فعل، وجنس الفعل قديم؛ لكن النزول حادث؛ لأنه يكون كل ليلة، وأيضاً: هو كان بعد خلق السماء الدنيا.

الضحك فعل، وجنس الفعل قديم، لكن الضحك لوجود سببه كقوله: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة)، هذا حادث.

فإطلاق أن الصفات قديمة فيه نظر؛ لأنه ربما يوهم مذهب الأشاعرة في الكلام، لأن الأشاعرة يقولون: إن الكلام قديم، وكلام الله لا يتعلق بمشيئته؛ لأنه المعنى القائم بالنفس، وهذا موجود في الأزل.

إذاً نقول: يجب علينا أن نقول في كلمة (صفات الله قديمة) أو قديمة النوع والجنس، أما الآحاد فحديثة بالنسبة للصفات الفعلية.

قال المؤلف: [وحقيقة] يعني: صفات الله تعالى حقيقة ما فيها مجاز، فنزول الله حقيقة، ومجيء الله حقيقة، واستواء الله حقيقة، وضحك الله حقيقة، ورضا الله حقيقة.. وهكذا، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً لمن قال: إن الله سبحانه وتعالى لا صفات له، وأن صفاته مجاز عن صفات خلقه، وهؤلاء هم المعتزلة، فإنهم يقولون: إن الله تعالى له أسماء وليس له صفات، فهو عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر. لماذا يا جماعة؟ قالوا: لأن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذا خطر عظيم؛ لأن تعدد الصفات مهما بلغ من الكثرة لا يلزم منه تعدد الموصوف أبداً، وإلا لقلنا: كم من إنسان من واحد؟

كثير، لو قلنا: إن الإنسان إذا وصف بالسمع والبصر والكلام والقوة والضعف وما أشبه ذلك.. لو قلنا إنه يتعدد بتعدد هذه الصفات لكان البشر عدة أنواع.

هم يقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء، يعني: تعدد الآلهة، نقول: هذا خطأ، وأنتم بأنفسكم الآن تسمعون وتبصرون وتأكلون وتشربون، ففيكم هذه الصفات، ومع ذلك فالواحد منكم لا يلبس إلا ثوباً واحداً وجبة واحدة، فكيف تقولون: إن تعدد الصفات يستلزم تعدد القدماء؟

والأشاعرة قالوا: صفات الله حقيقة في سبع صفات فقط، والباقي مجاز، فالرحمة مجاز عن الإحسان أو عن إرادته، والرضا مجاز عن الثواب أو عن إرادته.. وهكذا.

أهل السنة والجماعة يقولون: كل الصفات حقيقة.

المشتق حال وجود الصفة وبعد انقضائها

قال: [والمشتق حال وجود الصفة حقيقةً وبعد انقضائها مجاز].

هذا أيضاً معلوم مفهوم، لكن أتى به المؤلف للتوضيح، ومعناه أن المشتق إذا كانت الصفة لم تزل موجودة فهو حقيقة، وإذا كان باقياً بعد انقضاء الصفة فهو مجاز، فاليتيم ما دام لم يبلغ فالصفة حقيقة، لأن اليتم لا يزال باقياً، فقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] حقيقة.

أما قوله: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2] فهو مجاز، لأننا لا نعطيه ماله ما دام يتيماً، بل حتى إذا بلغوا النكاح فادفعوا إليهم أموالهم.

يمكن أن نمثل بهذا على كلام المؤلف: (المشتق حال وجود الصفة حقيقةً)، أيُّ الآيتين التي تنطبق على هذا؟

الجواب: قوله: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6] .

(وبعد انقضائها مجاز)، الآية: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2] فإنهم الآن ليسوا يتامى.

شروط الاشتقاق

قال: [وشرطه] يعني: شرط الاشتقاق؛ [صدق أصله]، أي: فإن لم يوجد الأصل فلا يمكن أن يشتق، يعني: لا يمكن أن نشتق (سميع) ممن لا سمع له أبداً، وكذلك لا يمكن أن نشتق (عاقل) ممن لا عقل له.

إذاً: شرط الاشتقاق: صدق أصله الذي اشتُقَّ منه، لأنكم عرفتم أن المشتق فرع عن المشتق منه، والمشتق منه أصل.

إذاً: فشرط الاشتقاق صدق أصله، يعني: وجود الأصل الذي اشتُقَّ منه في نفس الموصوف، فالذين قالوا مثلاً: إن الله سميع بلا سمع نقول: هذا غير ممكن، لأنه لا يمكن أن نصف أحداً بسميع إلا حيث كان له سمع، ولا نصف أحداً بعاقل حتى يكون له عقل، وعلى هذا فقس.

قال: [وكل اسم معنًى قائم بمحل يجب أن يشتق لمحله منه اسم].

وهذا عكس الذي ذكر قبل، أي: المشتق لا بد من صدق أصله، إذا وُجِد أصل فلا بد أن يشتق من ذلك الأصل اسم فاعل، فإذا وُجِد سمع لشخص وجب أن يشتق منه اسم فاعل، وأنا قلت الآن: سامع، لا بد، إذا وُجد قيام من شخص يجب أن نقول: هو قائم، وإذا وجد حياة من شخص نقول: هو حي، فإذا خرجت روحه نقول: هو ميت.

فكل اسم معنى مثل القيام، الحياة، السمع، البصر، كل اسم معنى قائم بمحل يجب أن يشتق لمحله منه -أي: من هذا الاسم- اسم فاعل.

إذاً نقول: نحن نثبت لله سمعاً، فيجب أن يكون سميعاً أو سامعاً، نثبت أن لله قدرة فيجب أن يكون قادراً أو قديراً، وهكذا. فهاتان قاعدتان متقابلتان:

القاعدة الأولى: كل اسم فاعل لا بد أن يكون في محله أصل، أي: لا بد أن يصدق أصله.

القاعدة الثانية: كل معنىً قائم بمحل يجب أن يُشتق منه اسم لذلك المحل. والله أعلم.

قال: [وأبيض ونحوه]، أي: أبيض ونحوه من ذوي الصفات من كل الألوان كأحمر وأسود، [يدل على ذات متصفة ببياض لا خصوصيتها به]، أي: فإذا قلت مثلاً: اشتريت الثوب الأبيض، أو اشتريت ثوباً أبيض، فليس معنى ذلك أنه لا يوجد بياض إلا في هذا الثوب، بل هذا الثوب وغيره، وإنما نص المؤلف على هذه المسألة مع أنها قد تفهم مما سبق؛ لأن كلمة (أبيض) اسم تفضيل، فقد يقول قائل: إن اسم التفضيل لا مشاركة فيه؛ لأن اسم التفضيل يدل على الأفضلية المطلقة، فإذا قلنا: هذا أبيض؛ معناه: أنه لا يوجد شيء يشاركه في هذا الوصف الذي هو أبيض، يعني: أعلى شيء في البياض، نقول: لا، فلا يدل على الاختصاص، بل قد يشاركه غيره فيكون أبيض، وكذلك (أسود) اسم تفضيل يدل على أن هذا غاية السواد، وليس معنى ذلك أن غاية السواد تختص بهذا الذي قلنا إنه أسود.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [18] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net