إسلام ويب

الشرط والسبب من أقسام الحكم الوضعي، وكلاهما يلزم من عدمه العدم، ولذا قد يشتبه الأمر في علامة الحكم هل هي شرط أم سبب، فلذلك عمدوا إلى التفريق بين الشرط والسبب.

الفرق بين السبب والشرط

سبق أن الشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، وبينا أن كلمة (لذاته) احتراز مما إذا لم يبق من الشروط إلا شرط واحد، فوجد هذا الشرط، فإنه يلزم من وجوده الوجود؛ لا لذاته، ولكن لتوقف الصحة عليه من حيث تمام الشروط.

وبينا أن الكلام الذي أكثر المؤلف فيه كلام لا نحتاج إليه في الحقيقة، أهم ما عندنا أن نعرف الفرق بين الشرط والسبب، فالسبب يلزم من وجوده الوجود، والشرط لا يلزم.

وفرق آخر لكنه فقهي: يجوز للإنسان أن يقدم مقتضى السبب بعد وجوده وقبل وجود الشرط، ولا يجوز أن يقدم مقتضى السبب قبل وجود السبب، يعني: فالمقتضى يجوز تقديمه على الشرط ولا يجوز تقديمه على السبب.

ويتضح بالمثال: رجل أقسم قال: والله لا أكلم فلاناً، فكلمه، فتجب عليه الكفارة، لوجود السبب وهو اليمين، والشرط وهو الحلف.

مثال آخر: قال: والله لا أكلم فلاناً، ثم كفر ثم كلمه، فهل يجوز أم لا؟

هنا قدم مقتضى اليمين وهو الكفارة، على شرطه وهو التكليم.

مثال ثالث: رجل كفر كفارة يمين بناء على أنه سيحلف ثم يحنث، يعني: قدم الكفارة قبل اليمين، فهل يجوز أم لا؟

الجواب: لا يصح، فلو حلف ثم حنث وجبت عليه الكفارة، والكفارة الأولى ليست بشيء.

مثال آخر أيضاً: ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، وتمام الحول شرط للوجوب، فعندنا رجل ملك نصف نصاب، فزكى زكاة نصاب، فقدم الزكاة قبل أن يملك بقية النصاب، ثم رزقه الله نصاباً وتم عليه الحول، فهل تجزئه الزكاة التي قدمها قبل تمام النصاب؟

الجواب: لا؛ لأنها قبل السبب.

مثال آخر: ملك نصاباً، ثم أخرج زكاته قبل تمام الحول، فهل يصح؟

الجواب: يصح؛ لأن السبب وجد، والشرط لا يلزم وجوده.

مثال ثالث: ملك نصاباً وتم عليه الحول فأخرج الزكاة؛ فهذا جائز لا إشكال فيه؛ لأنه بعد السبب والشرط.

فهذا أيضاً من الفروق بين السبب والشرط.

مشابهة الشرط اللغوي للسبب

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو لغوي] يعني: من أقسام الشرط: الشرط اللغوي [كأنت طالق إن قمت]، وأظن إننا تكلمنا على هذه الجملة من الناحية الفقهية.

ثم قال: [وهذا كالسبب] يعني: الشرط اللغوي كالسبب في أن الشرط مقيد بالمشروط، فإذا وجد المشروط وجد الشرط، فكان كالسبب؛ لأنه يلزم من وجوده وجود المشروط، فإذا قال: أنت طالق إن قمت، فقامت، فإنها تطلق، أي: إذا قصد الشرط، (وهذا كالسبب)؛ لأنه لزم من وجود القيام وجود الطلاق، فصار الشرط اللغوي كالسبب الشرعي، أي: أنه يلزم من وجوده الوجود، وهذه فائدة مهمة: أن الشرط اللغوي كالسبب الشرعي في أنه يلزم من وجوده الوجود.

السبب العادي

قال المؤلف: [وعادي كغذاء لحيوان]، هذا شرط عادي، يعني: لا يمكن للحيوان أن يبقى إلا بغذاء، فالغذاء شرط لبقاء الحيوان، وهذا لا حاجة إلى ذكره.

أيضاً الدفء شرط لبقاء البردان، واحد عنده برد شديد جداً (صقيع)، إذا لم يتدفأ مات، إذاً الدفء شرط لبقائه وحياته.

القيد في عقود المعاملات ومشابهته للشرط

ثم قال: [وما جعل قيدًا في شيء لمعنًى كشرط في عقد فكشرعي].

يعني المؤلف رحمه الله أن الشروط في العقود، -وهي المعاملات فيما بين الخلق- فما جعل شرطاً فيه فهو كالشرط الشرعي يلزم من وجوده الوجود، أما ما جعل شرطاً بفعل الآدمي فليس كالشرط الشرعي؛ لأن الشرط الشرعي يلزم من عدمه العدم، وأما الشرط الواقع بين متعاملين فهذا لا يلزم من عدمه عدم الصحة، لكن يلزم من عدمه عدم اللزوم.

وبعبارة أخرى: ما جعل شرطاً من قبل الشارع في المعاملات فهو كالشرط الشرعي في العبادات، مثل: الغرر في البيع، فمن شرط البيع أن يكون الثمن معلوماً؛ لأنه إذا لم يكن معلوماً صار غرراً، فنقول: هذا الشرط جعل قيداً في العقد من قبل الشرع، إذاً هو شرط شرعي وإن لم يكن في العبادة.

وما جعل قيداً في العقد من وضع العاقد فليس كالشرط الشرعي في الصحة، لكنه شرط في لزوم العقد، مثال ذلك: اشتريت منك براً، واشترطت أن يكون طيباً جيداً، فأتيت لي ببر متوسط أو رديء، فالعقد صحيح لكن لزوم العقد ليس بلازم، فلي أنا المشتري أن أرده وأقول: ليس هذا على الشرط الذي بيني وبينك، وهو أن يكون جيداً.

فهذا شرط من العاقد، فلا تتوقف عليه الصحة وإنما يتوقف عليه اللزوم، فإذا أسقطه من ولاه سقط، لكن كلام المؤلف يريد به الشرط في العقد.

وقول المؤلف: (لمعنى) هذا الظاهر لي أنه قيد لبيان الواقع؛ لأن جميع الشروط الشرعية لا بد أن تكون لمعنى، مثاله: العلم في المبيع وفي الثمن أيضاً، هذا شرط جعل لمعنى، وهو زوال الجهالة والغرر؛ لأن الجهالة والغرر تؤدي إلى التخاصم والتعادي بين المتعاقدين.

ما يستعمل فيه الشرط اللغوي

قال: [واللغوي: أغلب استعماله في سببية عقلية وشرعية]؛ أي لكن قد يستعمل في غيرهما.

فأغلب استعمال اللغوي، أي الشرط الحاصل بـ(إن) أو إحدى أخواتها، يرد استعماله في سببية عقلية، وقد يكون في سببية شرعية.

مثاله: إن توضأت للصلاة فصحت صلاتك، هذه سببية شرعية.

إذا دخل الوقت وجبت الصلاة، أيضاً سببية شرعية.

ومثال العادية: إن كان هذا حياً يحتاج إلى الغذاء، هذا شرط لغوي في سببية عادية؛ لأن الغذاء لحياة الحيوان من القسم العادي.

ومثال العقلية: إن كان حياً فهو عالم، هذه سببية عقلية؛ لأنه لا يمكن علم بلا حياة.

قال: [واستعمل لغةً] أي: استعمل السبب لغةً [في شرط لم يبق لمسبب شرط سواه].

يعني: أن الشرط إذا لم يبق للمسبب شرط سواه فإنه يقال له: سبب، لكن لغة لا اصطلاحاً.

مثال ذلك: رجل أراد أن يصلي وأتى بجميع شروط الصلاة إلا شرطاً واحداً وهو ستر العورة مثلاً، فهنا إذا ستر عورته فصلى صحت صلاته، فيصح أن نقول: إن سبب صحة صلاته ستر عورته، لماذا؟ لأنه لم يبق للمسبب شرط سوى هذا وقد أتى به، فصح أن يطلق على هذا الشرط أنه سبب؛ لأنه حصل بوجوده الوجود، وهذا هو السبب.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر التحرير [48] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net