إسلام ويب

التوسل نوعان: مشروع وبدعي، والمشروع أنواع: التوسل بأسماء الله وأوصافه، والتوسل بالإيمان به سبحانه ورسوله، والتوسل بالعمل الصالح، والتوسل بالحال والمسكنة، وتعريف التوسل: طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.

تابع خصائص الفرقة الناجية

المقدم: حدثتنا عن أبرز خصائص الفرقة الناجية التي حدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة بعد أن عدد فرق اليهود والنصارى، وذكرتم أبرز هذه الخصائص فيما يتعلق بالعقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات، فهل هناك إضافة حول خصائص هذه الفرقة الناجية؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الحقيقة أنه ليس هناك من إضافة؛ لأن الأصول الأربعة التي ذكرناها واضحة وكافية، لكن قد نحتاج إلى تفصيل في مسألة الأخلاق، فإن من أهم ما يكون من الأخلاق اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق الذي أوصانا الله سبحانه وتعالى في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم بريء منهم، فقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159].

فاتفاق الكلمة وائتلاف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، فهم -أعني: الفرقة الناجية- إذا حصل بينهم خلاف ناشئ عن اجتهاد في الأمور الاجتهادية لا يحمل بعضهم على بعض حقداً ولا عداوة ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة حتى وإن حصل بينهم من هذا الخلاف، حتى إن الواحد منهم ليصلي خلف الشخص يعتقد المأموم أنه ليس على وضوء ويعتقد الإمام أنه على وضوء، مثل: أن الواحد منهم يصلي خلف شخص أكل لحم إبل، وهذا الإمام يعتقد أنه لا ينقض الوضوء والمأموم يعتقد أنه ينقض الوضوء، فيرى أن الصلاة خلف ذلك الإمام صحيحة وإن كان هو لو صلاها بنفسه لرأى أن صلاته غير صحيحة، كل هذا لأنهم يرون أن الخلاف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الاجتهاد ليس في الحقيقة بخلاف؛ لأن كلاً من المختلفين قد اتبعا ما يجب عليهما اتباعه من الدليل الذي لا يجوز له العدول عنه.

فهم يرون أن أخاهم إذا خالفهم في عمل ما اتباعاً للدليل هو في الحقيقة قد وافقهم؛ لأنهم هم يدعون إلى اتباع الدليل أينما كان، فإذا خالفهم موافقة للدليل عنده فهو في الحقيقة قد وافقهم، لأنه يتمشى على ما يدعون إليه ويهدفون إليه من تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولا يخفى على كثير من أهل العلم ما حصل من الخلاف بين الصحابة في مثل هذه الأمور حتى في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من غزوة الأحزاب وجاءه جبريل وأشار إليه أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد؛ ندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)، فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة ووافقتهم صلاة العصر، فمنهم من أخر صلاة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج الوقت ولم يصل إلا بعد غروب الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)، ومنهم من صلى الصلاة لوقتها وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد منا المبادرة إلى الخروج ولم يرد منا أن نؤخر الصلاة عن وقتها، وهؤلاء هم المصيبون، لكن مع ذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين، ولم يحمل كل واحد على الآخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلافهم في فهم هذا النص.

لذلك أرى أن من الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة أن يكونوا أمة واحدة، وأن لا يحصل بينهم تحزب، هذا ينتمي إلى طائفة ما والآخر إلى طائفة أخرى والثالث إلى طائفة ثالثة.. وهكذا، بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة الألسن، ويتعادون ويتباغضون من أجل اختلاف يسوغ فيه الاجتهاد.

ولا حاجة إلى أن أمر على كل طائفة بعينها، ولكن العاقل يفهم ويتبين له الأمر، فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن اختلفوا فيما يختلفون فيه مما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم، فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد، والمهم ائتلاف القلوب واتحاد الكلمة.

ولا ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن يتفرقوا، سواء كانوا أعداءً يصرحون بالعداوة أو أعداءً يتظاهرون بالولاية للمسلمين أو للإسلام وهم ليسوا كذلك، فالواجب أن نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة الطائفة الناجية وهي الاتفاق على كلمة واحدة.

التوسل

المقدم: لا شك أن التوسل موجود الآن بين المسلمين وفي أوطانهم، لكن في برنامجنا هذا الذي بدأناه للحديث عن شئون الدين نود أن نعرف التوسل الصحيح والتوسل الباطل.

الشيخ: التوسل: مصدر توسل يتوسل، أي: اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده، فأصله: طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.

وينقسم إلى قسمين:

قسم صحيح وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب.

وقسم غير صحيح وهو التوسل بوسيلة لا توصل إلى المقصود.

التوسل المشروع وأنواعه

فأما الأول -وهو التوسل بالوسيلة الموصلة إلى المقصود- فإنه أنواع؛ منها: التوسل بأسماء الله وصفاته، سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص.

مثاله على سبيل العموم: ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم قال: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي...) إلى آخره. فهنا توسل بأسماء الله تعالى على سبيل العموم، (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك).

أما الخصوص: بأن يتوسل باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثلما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً يدعو به في صلاته، فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله تعالى باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب، فقال: (إنك أنت الغفور الرحيم).

وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.

أما التوسل إلى الله تعالى بصفاته فهو أيضاً مثل التوسل بأسمائه يكون عاماً وخاصاً.

أما العام فأن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، ثم تطلب مطلوبك.

وأما الخاص؛ فأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) فهنا توسل إلى الله تعالى بصفة العلم والقدرة، (بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق). هذا نوع.

النوع الثاني: أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بالإيمان به وبرسوله، فيقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، أو فوفقني. أو يقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... [آل عمران:190-191] إلى قوله: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193] فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار.

النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه فانطبق عليهم بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، فأحدهم توسل إلى الله تعالى ببره لوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفائه لأجيره، قال كل منهم: (اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة)، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح.

النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله، يعني: أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24]؛ يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله أن ينزل إليك الخير، ويقرب من ذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4]، فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات [14] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net