إسلام ويب

نواقض الغسل هي نواقض الوضوء إلا الموت، ويحرم على الجنب الصلاة وقراءة القرآن، والمكث في المسجد، والطواف حول البيت. واليقين لا يزول بالشك، ويجب إزالة النجاسة بتعميم الماء عليها، أو ما يقوم مقامه.

التداخل بين موجبات الغسل ونواقض الوضوء

المقدم: في لقاءٍ مضى سألنا عن نواقض الوضوء، وأيضاً سألنا عن موجبات الغسل، وذكرتم أن نواقض الوضوء هي مبطلاته، وهي: الغائط، والبول، والريح، والنوم، وأكل لحم الجزور، وذكرتم أن موجبات الغسل هي إنزال المني بشهوة، أو في احتلام، والجماع، وخروج دم الحيض والنفاس، والموت وذلك يتعلق بالحي، فهل هل موجبات الغسل تعد من نواقض الوضوء أو لا؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قلت كلمةً وهي: أن الموت موجبٌ للغسل وذلك يتعلق بالحي، ومعنى (يتعلق بالحي) أن الحي هو الذي يوجه إليه الأمر بأن يغسل الميت، فالميت هو الذي يغسل، والحي هو الذي يغسله.

أما الجواب عن سؤالك وهو أن موجبات الغسل هل هي ناقضة للوضوء؟ فالمشهور عند فقهائنا رحمهم الله: أن كل ما أوجب غسلاً أوجب وضوءاً إلا الموت، وبناءً على ذلك فإنه لا بد لمن اغتسل من موجبات الغسل أن ينوي الوضوء، فإما أن يتوضأ، وإما أن يكفي الغسل بنيتين، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن نية الاغتسال عن الحدث الأكبر تغني عن نية الوضوء؛ لأن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى [المائدة:6] إلى آخره، فلم يذكر الله تعالى في حال الجنابة إلا التطهر، ولم يذكر الوضوء؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل حين أعطاه الماء ليغتسل قال: (خذ هذا فأسبغه على نفسك) ولم يذكر له الوضوء، أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين في حديث طويل.

وما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أقرب إلى الصواب، وهو: أن من عليه حدث أكبر ونوى الحدث الأكبر فإنه يجزئ عن الأصغر، وبناءً على هذا فإن موجبات الغسل منفردة عن نواقض الوضوء.

الأحكام المتعلقة بالجنابة

المقدم: ذكرتم من موجبات الغسل: الجنابة، فنود أن تحدثنا عن الأحكام المتعلقة بالجنابة؟

الشيخ: الأحكام المتعلقة بالجنابة هي:

أولاً: أن الجنب تحرم عليه الصلاة فرضها ونفلها حتى صلاة الجنازة.

ثانياً: يحرم عليه الطواف بالبيت.

ثالثاً: يحرم عليه مس المصحف.

رابعاً: يحرم عليه المكث في المسجد إلا بوضوء.

خامساً: يحرم عليه قراءة القرآن حتى يغتسل.

هذه أحكام خمسة تتعلق بمن عليه جنابة.

الشك في الطهارة

المقدم: أثابكم الله، أيضاً مما يتعلق بالطهارة الشك فيه، فنريد الحديث عن الشك في الطهارة، ومتى يكون آثماً؟

الشيخ: الشك في الطهارة نوعان: أحدهما: شكٌ في وجودها بعد تحقق الحدث، والثاني: شكٌ في زوالها بعد تحقق الطهارة.

أما الأول وهو الشك في وجودها بعد تحقق الحدث كأن يشك الإنسان هل توضأ أم لم يتوضأ وهو يعتقد أنه أحدث لكن يشك هل توضأ أو لا؟ ففي هذه الحال نقول: ابن على الأصل وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك الوضوء، مثال ذلك: رجلٌ شك عند أذان الظهر هل توضأ بعد نقض وضوئه في الضحى أم لم يتوضأ؟

يعني: أنه نقض الوضوء في الساعة العاشرة مثلاً، ثم عند أذان الظهر شك: هل توضأ حين نقض وضوءه أو لا؟ فنقول له: ابن على الأصل، وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك أن تتوضأ.

أما النوع الثاني فهو الشك في انتقاض الطهارة بعد وجودها، فإننا نقول أيضاً: ابن على الأصل، ولا تعتبر نفسك ناقضاً للوضوء، مثاله: رجل توضأ في الساعة العاشرة، فلما حان وقت الظهر شك: هل انتقض وضوءه أم لا؟ فنقول له: إنك على وضوئك، ولا يلزمك الوضوء حينئذٍ؛ وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، ويشير إلى هذا الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وجد في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال: (لا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).

وأما الشك في فعله أو الشك في أجزاء الطهارة مثل أن يشك الإنسان: هل غسل وجهه في وضوئه أم لا؟ وهل غسل يديه أم لا؟ وما أشبه ذلك، فهذا لا يخلو من أحوال أربعة:

الحالة الأولى: أن يكون مجرد وهم طرأ على قلبه أنه هل غسل يديه أم لم يغسلهما؟ وهماً ليس له مرجح، ولا تساوى عنده الأمران، بل هو مجرد شيءٍ خطر في قلبه، فهذا لا يهتم به، ولا يلتفت إليه.

الحالة الثانية: أن يكون كثير الشكوك، كلما توضأ مثلاً شك، إذا كان الآن يغسل قدميه وشك هل مسح رأسه أم لا؟ هل مسح أذنيه أم لا؟ هل غسل يديه أم لا؟ المهم أنه كثير الشكوك فهذا أيضاً لا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به.

الحالة الثالثة: أن يقع الشك بعد فراغه من الوضوء، فإذا فرغ من الوضوء شك: هل غسل يديه أم لا؟ أو هل مسح رأسه؟ أو هل مسح أذنيه؟ فهذا أيضاً لا يتلفت إليه، إلا إذا تيقن أنه لم يغسل ذلك العضو المشكوك فيه فيبني على يقينه.

فهذه ثلاث حالات لا يلتفت إليها في الشك.

الحالة الرابعة: أن يكون الشك شكاً حقيقياً وليس كثير الشكوك وحصل قبل أن يفرغ من العبادة، ففي هذه الحال يجب عليه أن يبني على اليقين وهو العدم، أي: أنه لم يغسل ذلك العضو الذي شك فيه، فيرجع إليه ويغسله وما بعده، مثاله: لو شك وهو يمسح رأسه: هل تمضمض واستنشق أم لا؟ وهو ليس كثير الشكوك وهو شكٌ حقيقي وليس وهماً، نقول له الآن: ارجع فتمضمض واستنشق، ثم اغسل يديك وامسح رأسك، وإنما أوجبنا عليه غسل اليدين مع أنه قد غسلهما من أجل الترتيب؛ لأن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب كما ذكر الله تعالى ذلك مرتباً، وقال النبي عليه الصلاة والسلام حين أقبل على الصفا: (أبدأ بما بدأ الله به)، هذا هو حال الشك في الطهارة.

النجاسة الحكمية

المقدم: أيضاً نريد أن نعرف ما هي النجاسات الحكمية من حيث المفهوم والعنوان؟

الشيخ: النجاسات الحكمية هي النجاسة الواردة على محلٍ طاهر، فهذه يجب علينا أن نغسلها، وأن ننظف المحل الطاهر منها فيما إذا كان الأمر يقتضي الطهارة.

وكيفية تطهيرها أو تطهير ما أصابته النجاسة تختلف بحسب الموضع، فإذا كانت النجاسة على الأرض فإنه يكتفى بصب الماء عليها بعد إزالة عينها إن كانت لا تزول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة حين بال الرجل في طائفة المسجد، أي: في جانبٍ منه، قال لهم: (أريقوا على بوله سجلاً من ماء)، فإذا كانت النجاسة على الأرض فإن كانت ذات جرم أزلنا جرمها أولاً، ثم صببنا الماء عليها مرةً واحدة ويكفي.

ثانياً: إذا كانت النجاسة على غير الأرض وهي نجاسة كلب، فإنه لابد لتطهيرها بسبع غسلات إحداها بالتراب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب).

ثالثاً: إذا كانت النجاسة على غير الأرض وليست نجاسة كلب، فإن القول الراجح: أنها تطهر بزوالها على أي حالٍ كان، سواءً زالت بأول غسلة أو بالغسلة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر، لكن إذا كانت النجاسة بول غلامٍ صغير لم يأكل الطعام فإنه يكفي أن تمر بالماء الذي يستوعب المحل النجس، وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح، ولا يحتاج إلى غسلٍ ودلك؛ لأن نجاسة بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسةٌ مخففة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات [20] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net