إسلام ويب

أجمع السلف على كفر تارك الصلاة، ويترتب على الكفر أحكام دنيوية: كحرمة تزويجه، وسقوط ولايته، وسقوط حقه في الحضانة والإرث، ودخوله حرم الله.. كما يترتب على كفر تارك الصلاة أحكام أخروية: كعدم تغسيله وتكفينه ودفنه بين المسلمين، وحرمة الدعاء له.. والتكفير حكم شر

الأحكام المترتبة على كفر تارك الصلاة

المقدم: عرفنا في لقاء مضى أن تارك الصلاة يحكم عليه بالكفر، لكن نريد أن نعرف ما الذي يترتب على هذا الكفر على تارك الصلاة؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يترتب على ترك الصلاة المؤدي إلى الكفر ما يترتب على أي مرتدٍ آخر بسببٍ يقتضي الردة، والذي يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكامٌ أخروية.

الأحكام الدنيوية

فمن الأحكام الدنيوية: أنه لا يحل أن يزوَّج؛ لأن الكافر لا يحل أن يزوج بمسلمة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، ولقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221].

ومن عقد لشخص على ابنته المسلمة وهذا الشخص لا يصلي فإن النكاح باطل، ولا تحل به المرأة لهذا الرجل، ولا يستبيح منها ما يستبيح الرجل من امرأته؛ لأنها محرمةٌ عليه، فإن هداه الله ومنّ عليه بالتوبة فلا بد من إعادة العقد.

الحكم الثاني: سقوط ولايته، فلا يكون ولياً على بناته، ولا على قريباته، فلا يزوج أحداً منهن؛ لأنه لا ولاية لكافرٍ على مسلم.

الثالث: سقوط حقه من الحضانة، فلا يكون له حقٌ في حضانة أولاده؛ لأنه لا حضانة لكافرٍ على مسلم، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141].

الرابع: تحريم ما ذكاه من الحيوان، فذبيحته التي يذبحها حرام؛ لأن من شرط حل الذبيحة أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً وهو اليهودي والنصراني، والمرتد ليس من هؤلاء، فذبيحته حرام.

الحكم الخامس: أنه لا يحل له دخول مكة وحرمها؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] وعليه فلا يحل لأحد أن يمكن من لا يصلي من دخول مكة وحرمها لهذه الآية التي ذكرناها.

الأحكام الأخروية

وأما الأحكام الأخروية، فمنها: أنه إذا مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفنوه في مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم، وإنما يخرج به إلى مكان منفرد فيدفن؛ لئلا يتأذى الناس برائحته، أو يتأذى أهله بمشاهدته، ولا يحل لأحدٍ أن يدعو بالرحمة لمن مات من أقاربه وهو يعلم أنه لا يصلي؛ لقوله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] . ولا يقولن قائل: إن الله عز وجل يقول: أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:113] وتارك الصلاة ليس بمشرك؛ لأننا نقول: إن ظاهر حديث جابر: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أن ترك الصلاة نوعٌ من الشرك، ثم نقول: إن الله تعالى عللّ ذلك بقوله: مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، وتارك الصلاة قد تبين لنا بمقتضى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والمعنى الصحيح قد تبين لنا أنه من أصحاب الجحيم، فالعلة هي هي، والحكم إذا ثبت بعلة شمل كل ما تؤثر فيه هذه العلة.

ومن الأحكام القوية التي تترتب على ترك الصلاة: أنه إذا كان يوم القيامة حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر، والمحشور مع هؤلاء مآله مآلهم، وهو النار والعياذ بالله.

فليحذر الإنسان من ترك الصلاة، وليخف ربه، وليؤد الأمانة التي حمله الله إياها في نفسه، فإن لنفسه عليه حقاً.

مناقشة من لا يرى كفر تارك الصلاة

قد يقول قائل: إن قولكم: بأنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة معارضٌ لقول من قال من أهل العلم: إنه كفرٌ دون كفر، وإنه لا يخرج به من الإسلام، وإن الأحاديث الواردة في ذلك على من تركها جحوداً لا من تركها تهاوناً؟

والجواب عن ذلك أن نقول: إن المسألة لا شك أنها مسألة خلافية، ولكن الله عز وجل يقول: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، ويقول عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] .

وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ورسوله تبين لنا أن الحكم مركبٌ على الترك لا على الجحود، وقد ذكرنا ذلك في حلقة سابقة، ثم إننا نقول: هل أحد من الناس يزعم أنه أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الله عز وجل؟

وهل أحد يدعي أنه أنصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق؟

وهل أحدٌ يزعم أنه أفصح من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ينطق به؟

وهل أحدٌ يزعم أنه أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم فيما يريده؟

هذه الأمور الأربعة لا يمكن أحدٌ أن يدعيها، فإذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بشريعة الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وأعلم الخلق فيما يقول، يقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ، ويقول: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، فأي بيانٍ أوضح من هذا في أن الحكم معلقٌ بالترك؟ ثم نقول لمن زعم أن المراد من تركها جاحداً لها: إنك حرفت النص من وجهين:

الوجه الأول: أنك ألغيت الوصف الذي ركب عليه الحكم وهو الترك.

الوجه الثاني: أنك جعلت وصفاً يتعلق به الحكم لا يدل عليه اللفظ وهو الجحد، فأين الجحد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تركها فقد كفر

ثم إننا نقول: إذا جحد الإنسان فرض الصلاة فهو كافرٌ وإن صلى، فهل تقول أنت: إنه إذا جحدها وصلى لم يكن كافراً؟ فيقول: لا، فيقول: إني أقول: إذا جحدها -أي: جحد وجوبها- فهو كافرٌ وإن صلى، فنقول: إذاً خالفت الحديث: (فمن تركها)، وأنت قلت: إن الحديث يراد به من تركها جاحداً لها، والكفر مرتبٌ على زعمك على من تركها جاحداً لا من جحدها بدون ترك، وأنت لا تقول بهذا، أي: لا تقول: إن من جحدها بلا ترك يكون مسلماً.

فتبين بهذا واتضح أن القول الصواب: أن من تركها متهاوناً متكاسلاً فهو كافر. أما من جحدها فهو كافر سواءٌ صلى أم لم يصل.

وما أشبه هذه الدعوى -أعني: دعوى أن المراد من تركها جاحداً وجوبها- ما أشبهها فيما نقل عن الإمام أحمدفي قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] قيل للإمام أحمد : إن بعض الناس يقول: إن المراد من قتل مؤمناً مستحلاً بقتله، فتعجب الإمام أحمد من هذا، وقال: إنه إذا استحل قتله فإنه كافر سواءً قتله أو لم يقتله، والآية علقت الحكم بالقتل، وهذا نظير مسألتنا فيمن ترك الصلاة.

ونحن إذا قلنا: بكفر تارك الصلاة فإننا نبرأ إلى الله عز وجل أن نقول عليه ما لا يدل عليه كلامه أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ونرى أن القول بالتكفير كالقول بالإيجاب والتحريم، لا يتلقى إلا من جهة الشرع، وأن الجرأة على القول: بالتكفير كالجرأة على القول بالإيجاب بما لم يجب، وبالتحريم بما لم يحرم؛ لأن الكل أمره إلى الله عز وجل، لا التحليل والتحريم والإيجاب والبراءة ولا التكفير وعدم التكفير كله أمره إلى الله عز وجل، فعلى المرء أن يقول بما يقتضيه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلاحظ أي اعتبار يخالف ذلك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات [23] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net