إسلام ويب

من الأخطاء الشائعة عند الحجاج اعتقاد كون الجمرات هي الشياطين، وأن رميها رمي للشيطان، واعتقاد أن الرمي يكون بحصى من مزدلفة لا من غيرها.

تابع الأخطاء التي تقع في المزدلفة

المقدم: في اللقاء الماضي سألنا عن الأخطاء التي تقع في الانصراف إلى المزدلفة والوقوف بها، وذكرتم من هذه الأخطاء الانصراف قبل غروب الشمس، والإسراع الشديد الذي يضر الحاج نفسه ويضر بالحجاج، والنزول قبل المزدلفة، والبقاء حتى صلاة الفجر ولم يقف في المزدلفة، وصلاة المغرب والعشاء في الطريق قبل المزدلفة مع بقاء الوقت، هل هناك أيضاً أخطاء يمكن أن يلفت نظر الحجاج إليها في الانصراف إلى المزدلفة والوقوف بها؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.‏

تأخير صلاة المغرب والعشاء إلى بعد خروج وقتها

نعم، هناك أخطاء، منها: عكس ما ذكرناه في الذين يصلون المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة، فإن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز، وهو حرامٌ ومن كبائر الذنوب؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى فيهما: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، بل يصلي على حسب حاله، إن كان ماشياً وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكباً ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمراً بعيداً؛ لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي.

وعلى كل حال لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت صلاة العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة، فلا يصلي إلا في مزدلفة، فإن تأخيره هذا مخالفٌ للسنة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أخر لكنه صلى الصلاة في وقتها.

صلاة الفجر قبل دخول الوقت

ومن الأخطاء أيضاً في الوقوف في مزدلفة: أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته، فتسمع بعضهم يؤذن قبل الوقت بساعة أو بأكثر أو بأقل، المهم أنهم يؤذنون قبل الفجر، ويصلون وينصرفون، وهذا خطأٌ عظيم؛ لأن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة، بل محرمة؛ لأنها اعتداءٌ على حدود الله عز وجل، فإن الصلاة مؤقتة بوقتٍ حدد الشرع أوله وآخره، فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها، فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة، وألا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر.

صحيحٌ أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر ليلة مزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يقتضي ذلك بأن تصلى قبل الوقت، فليحذر الحاج من هذا العمل.

الاندفاع من المزدلفة قبل المكث فيها

ومن الخطأ في الوقوف في المزدلفة: أن بعض الحجاج يدفعون منها قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مروراً ويقول: إن المرور كافٍ، وهذا خطأٌ عظيم، فإن المرور غير كافٍ، بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى، وقد رخص النبي عليه الصلاة والسلام للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترقب غروب القمر، فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى، وهذا ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل؛ لأنه فعل الصحابي، والنبي عليه الصلاة والسلام أذن للضعفة في منى بأن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبيناً له وموضحاً له.

وعليه؛ فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس، ينبغي أن يقيد بذلك -أي: بغروب القمر- وغروب القمر في الليلة العاشرة يكون قطعاً بعد منتصف الليل، يكون حوالي بعد مضي ثلثي الليل.

وهذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي تقع في المبيت في المزدلفة.

الأخطاء التي تقع في رمي الجمرات

المقدم: لكن بالنسبة -أثابكم الله- للذين يشتغلون أيضاً بعد النزول في المزدلفة بلقط الحصى وترك الصلاة، أو يشتغلون بلقط الحصى وترك النوم والعبادات؟

الشيخ: هذا إن شاء الله سنتكلم عليه في الأخطاء التي تكون في رمي الجمرات؛ لأن الكلام عليه هناك أيسر من الكلام عليه هنا.

المقدم: ما دمتم وعدتمونا أن تتكلموا عنه في رمي الجمرات فنبكر في هذا السؤال ونطلب من فضيلتكم الأخطاء التي تقع؟

الشيخ: من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من مزدلفة، وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة، والرمي يكون بسبع حصياتٍ متعاقبات يكبر مع كل حصى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة من رمي الجمار بقوله: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات.

والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس في رمي الجمرات من وجوه متعددة، فمن ذلك:

الاعتقاد بأن الرمي لا يصح إلا بحصى من مزدلفة

أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيراً في لقط الحصى من مزدلفة قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظنٌ خاطئ، فالحصى يؤخذ من مزدلفة، من منى، من أي مكانٍ كان، المقصود أن يكون حصى، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول: إنه من السنة.

إذاً: فليس من السنة ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة؛ لأن السنة إما قول الرسول عليه الصلاة والسلام أو فعله أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لقط الحصى من مزدلفة.

غسل حصى الجمرات

ومن الخطأ أيضاً: أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله إما احتياطاً من خوف أن يكون أحدٌ قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى لظنه أن كونه نظيفاً أفضل، وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفهاً وضياعاً للوقت.

اعتقاد أن الجمرات هي الشياطين

ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات هي الشياطين، وأنهم يرمون الشيطان، فتجد الواحد منهم شديداً وحنقاً ومنفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه حين يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد، أولاً: أن هذا ظنٌ خاطئ، فإنما نرمي هذه الجمرات إقامةً لذكر الله، واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقيقاً للتعبد؛ لأن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها إنما يفعلها تعبداً لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل.

ثانياً مما يترتب على هذا الظن: أن الإنسان يأتي بانفعالٍ شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إذا نهروه، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جملٌ هائج.

ثالثاً مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة: أن الإنسان لا يستحضر أنه يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ومن ذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قولٍ غير مشروع، تجده يقول حين يرمي: اللهم غضباً للشيطان ورضاً للرحمن، مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: أنه بناءً على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي بها بناءً على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثراً وانتقاماً من الشيطان، وتجده أيضاً يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلاً قبل بناء الجسور على الجمرات جالساً على الحصى التي يرمى بها في وسط الحوض، هو وامرأة معه يضربان العمود بجزماتهما بحنقٍ وشدة، وحصى الرامين تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على هذا الأذى وعلى هذه الإصابة ابتغاء وجه الله عز وجل.

وإذا قلنا: إن هذا الاعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟

نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيماً لله عز وجل، وتعبداً له، واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات [55] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net