إسلام ويب

المسابقة: عقد بين فردين أو فريقين في مجال علمي أو رياضي أو عسكري لمعرفة السابق، وهي ثلاثة أقسام: الأول: مسابقات مشروعة، كالسبق بالإبل والخيل وغيرها، ويجوز أخذ العوض فيها من الإمام أو من أجنبي أو من أحدهما، واختلف إذا كان منهما. الثاني: محرمة، وهي ما يترتب

أحكام المسابقات العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

تكلمنا عن شيء من أحكام المسابقات، وذكرنا أن المسابقات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المسابقات المشروعة، وهذه هي التي رخص فيها الشارع ببذل العوض من الجانبين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ).

وتكلمنا أيضاً عن أحكام بذل العوض في هذا النوع، وذكرنا أن بذل العوض ينقسم إلى أربعة أقسام... إلى آخره.

ثم تطرقنا للقسم الثاني وهو: المسابقات المحرمة، وذكرنا ضابطاً لها، وتكلمنا عن حكم بذل العوض فيها، وأنه لا يجوز مطلقاً.

ثم تكلمنا عن القسم الثالث وهو: المسابقات المباحة، وهو ما عدا هذين القسمين، وذكرنا ضابطاً لها، وذكرنا شروطها وما يتعلق ببذل العوض فيها... إلى آخره.

بقي علينا في درس هذا اليوم من المسابقات ما يتعلق بالمسابقات العلمية التي تكون في علوم الشريعة، وقد سبق أن ذكرنا عندما تحدثنا عن الجوائز أن من أقسام الجوائز التي تكون عن طريق المسابقات؛ ويُقصد منها تعليم الناس وإرشادهم أمور دينهم.

مثل: أن تقوم مؤسسة تربوية أو مؤسسة تعليمية بإقامة مسابقة على شريط من الأشرطة الهادفة التي تربي الناس أو تعلمهم، أو على كتاب علمي، أو على أسئلة شرعية علمية يقصد من ذلك تبيين هذا الحكم للناس.

الخلاف في المسابقات على المسائل العلمية

أشرنا أن هذه المسابقة تبنى على خلاف أهل العلم رحمهم الله في أخذ العوض على المسابقات في المسائل العلمية، والعلماء رحمهم الله اختلفوا فيه على رأيين:

الرأي الأول وهو رأي جمهور أهل العلم: أنه لا يجوز أخذ العوض -يعني: الرهان- على المسائل العلمية، وأن هذه المسائل حكمها حكم المسابقات المباحة، يعني: إذا كان العوض من كلٍ منهما فإنه لا يجوز.

إذاً: رأي الجمهور أنها تلحق بالمسابقات المباحة ولا تُلحق بالمسابقات الشرعية، فلا يجوز أخذ العوض -الرهان- عليها؛ بحيث يبذل كل واحد من المتسابقين عوضاً، ومن فاز فإنه يأخذ هذا العوض، فلا يلحقونها بالقسم الأول وهو المسابقات الشرعية.

واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ) فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم حصر العوض ( لا سبق ) يعني: لا عوض إلا في هذه الأشياء الثلاثة.

الرأي الثاني وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم : أنه يجوز بذل العوض في مثل هذه المسابقات، ويجوز أخذ الرهان عليها، وتُلحق بالقسم الأول المسابقات الشرعية.

واستدلوا على ذلك بأدلة، ومنها: أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه راهن كفار مكة على غلبة الروم للفرس، وقد بذل كلٌ منهم جعلاً.. أبو بكر رضي الله تعالى عنه بذل جعلاً، وكفار مكة بذلوا جعلاً.

أبو بكر يذهب إلى غلبة الروم، وكفار مكة يذهبون إلى غلبة الفرس.

إذاً: بذل كلٌ منهم جعلاً ولم يقم دليلٌ على نفي ذلك، وهذه المراهنة ليست من الأصناف الثلاثة التي حصرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، وهذا أخرجه الترمذي في سننه، وقال ابن حجر في الإصابة: رجاله ثقات.

وكذلك أيضاً استدلوا: بأن الدين كما أنه قام بالسيف والسنان أيضاً قام بالعلم والبيان؛ فالدين قام بالعلم والبيان كما أنه قام بالسيف والسنان، والنبي عليه الصلاة والسلام في المرحلة المكية ظل ثلاث عشرة سنة وهو يعلم الناس ويبين لهم، ولم يؤذن له بالجهاد، ولم يُفرض عليه الجهاد حتى انتقل إلى المدينة.

وأيضاً مما ذكروا: أن تعلم العلم من الجهاد في سبيل الله، ولهذا في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من خرج في طلب العلم فهو سبيل الله حتى يرجع )، وهذا القول هو الصواب، وأنه يجوز بذل العوض في المسابقات العلمية.

وعلى هذا نقول: المسابقات العلمية تُلحق بالقسم الأول وهي المسابقات الشرعية، فيجوز أخذ العوض من كل من المتسابقين، يعني: إذا كان بذل العوض من كل من المتسابقين جاز ذلك، وإذا كان بذل العوض من الإمام جاز ذلك، وإذا كان من أحدهما جاز ذلك، إذا كان من أجنبي جاز ذلك.

شروط جواز المسابقات العلمية

قلنا: إن هذا القسم يلحق بالقسم الأول هو المسابقات الشرعية، لكنا نشترط لهذا القسم -في المسابقات العلمية- ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن تكون المسابقات في المسائل العلمية الشرعية، كمسائل الفقه، والعقيدة، والحديث، وأصول الفقه، والتفسير... وغير ذلك، ولا تكون في المسائل العلمية المباحة.

الشرط الثاني: أن لا يُقصد من هذه المسابقات الكسب والتجارة، يعني: من أقام هذه المسابقة لا يقصد بذلك الكسب والتجارة، وإنما يقصد تعليم الناس وإرشادهم، وعلى هذا فما تفعله بعض الجهات التجارية أو المؤسسات التجارية من إقامة مسابقات شرعية قصدها بذلك الكسب والتجارة، ولا تقصد بذلك إرشاد الناس وتعليمهم؛ ولهذا تجد أن هذه المسابقات سهلة جداً، قد تكون صح وخطأ، ولا تحتاج إلى بحث وقراءة، أو تكون الإجابة عليها في متناول الناس؛ ويقصدون من هذا الكسب والتجارة.. فهذا لا يصح ولا يجوز؛ لأنه إنما رخّص الشارع في مثل هذه الأمور، ورخّص أخذ الرهان والميسر فيها إذا كان في ذلك نصرة للدين، وتعلم لأحكامه، وتبيين هذه الأحكام وإرشاد الناس إليها.

أما إذا قُصد من وراء ذلك الكسب والتجارة كما قد تفعله بعض المؤسسات التجارية وليس قصدها الأول هو تعليم الناس، وإنما قصدها الأول بيع مثل هذه السلع ونحو ذلك، فيدخل الناس عن طريق رسوم بطاقات، أو عن طريق دفع أو نحو ذلك، وقصدهم الكسب والتجارة، أو عن طريق شراء السلع، وهذه الجوائز أثرت في أثمان السلع بزيادتها، فنقول: هذا لا يجوز.

الشرط الثالث: أن يحذر من الميسر بعد إقامة المسابقة؛ لأن هذه المسابقات التي تقام يدخل فيها الناس وهم غانمون أو غارمون وهي بدون عوض، هذا جوزه الشارع، ولكن بعد انتهاء المسابقة القائمون على مثل هذه المسابقات يقومون بإجراء القرعة بين الفائزين، أو بالسحب، وهذا من الميسر، فكونهم يقومون بالسحب ولا يعطون كل من فاز جائزة هذا من الميسر؛ لأن هذا إما يغنم أو يغرم، يعني: أُقيمت المسابقة على كتاب علمي، شارك في المسابقة مائتا شخص، فاز مائة شخص، هؤلاء المائة الذين فازوا تجد أن القائمين على المسابقة لا يعطونهم كلهم جوائز، مع أنهم كلهم استحقوا الجائزة، لكن يجرون بينهم القرعة، وإجراء القرعة كما ذكر العلماء رحمهم الله مع الاستحقاق يعني: أن كل واحد منهم مستحق، هذا من الميسر.

فكونهم بعدما يفرزون الفائزين يقومون بإجراء القرعة على من فاز، فمن خرجت له القرعة أخذ ومن لم تخرج له القرعة لم يأخذ، هذا لا يجوز ومحرم وهو من الميسر.

وقد ذكر العلماء هذا في أحكام القرعة وأن القرعة يصار إليها عند اشتباه الحقوق وتساويها.. أما إذا استحق كلٌ منهم فإنه لا يجوز إجراء القرعة، فمثلاً: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، إذا وجد عندنا قارئان اجتمعت فيهما الصفات الشرعية للإمامة من القراءة، والسنة، والسبق للهجرة، والإسلام، والسن... وغير ذلك، فإننا نجري القرعة حينئذ، أما إذا كان كل واحد منهما مستحقاً ويمكن القسمة بين هذين المستحقين ولا تزاحم بينهما، أو لم يتبين لنا المستحق هنا تجرى القرعة.

فتلخص لنا: أن هذه المسابقات العلمية الأصل فيها الجواز، كما دل لذلك رهان أبي بكر رضي الله تعالى عنه مع المشركين، وذكرنا لذلك ثلاثة شروط.

الإجارة المنتهية بالتمليك

عندنا الآن الإجارة المنتهية بالتمليك، وهذا المصطلح اصطلاح معاصر، لم يكن عند الفقهاء السابقين، فهو مركب من كلمتين: الكلمة الأولى: التأجير أو الإجارة، والكلمة الثانية: التمليك.

وسنعرف هاتين الكلمتين، ثم نقوم بتعريف هذا العقد مركباً.

معنى التأجير

التأجير في اللغة: مشتق من الأجر وهو الجزاء عن العمل، ويطلق أيضاً على الثواب، وكذلك أيضاً الإجارة تُطلق على أنها اسمٌ للأجرة، وهي ما يُعطى من الأجر على العمل.

وأما الإجارة في اصطلاح الفقهاء رحمهم الله فهي: عقد على منفعة معلومة مباحة من عين معينة أو موصوفة في الذمة، أو على عمل معلوم بعوض معلوم، مدة معلومة.

فتلخص لنا أن الإجارة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: إجارة أعيان.

القسم الثاني: إجارة أعمال.

معنى التمليك

والتمليك في اللغة: جعل الغير مالكاً للشيء.

وفي الاصطلاح: ما يخرج عن المعنى اللغوي.

والتمليك قد يكون تمليكاً للعين، وقد يكون تمليكاً للمنفعة، وقد يكون بعوض، وقد يكون بغير عوض.

فإذا كان تمليكاً للعين بعوض فهذا هو البيع، وإذا كان تمليكاً للمنفعة بعوض فهذه هي الإجارة، وإذا كان تمليكاً للعين بلا عوض فهذه هي الهبة، وإذا كان تمليكاً للمنفعة بلا عوض فهذه عارية.

تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها مركبة من هاتين الكلمتين، فكما يلي:

تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك وتأريخ نشأتها

الإجارة المنتهية بالتمليك في اصطلاح المتأخرين هي: تمليك منفعة من عين معلومة مدة معلومة، يتبعه تمليك العين على صفة مخصوصة على عوض معلوم.

وقولهم: (تمليك منفعة) هذا هو الإجارة.

وقولهم (يتبعه تمليك العين) هذا البيع؛ فهي إجارة منتهية بالتمليك.

وعقد الإجارة المنتهية بالتمليك وجد عام 1846م في إنجلترا، وأول من تعامل بهذا العقد أحد تجار الآلات الموسيقية في إنجلترا، فكان يؤجر آلاته الموسيقية إجارة يتبعها تمليك العين، وقصد من ذلك ضمان حقه، ثم بعد ذلك انتشر مثل هذا العقد، وانتقل من الأفراد إلى المصانع، وكان أول هذه المصانع تطبيقاً لهذا العقد مصنع كنجر لآلات الخياطة في إنجلترا، ثم بعد ذلك تطور هذا وانتشر بصفة خاصة في شركات السكك الحديدية التي تشتري المركبات وتؤجرها لمناجم الفحم تأجيراً ينتهي بالتمليك، ثم بعد ذلك انتقل هذا العقد وانتشر إلى بقية دول العالم، وانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1953م، ثم بعد ذلك انتقل إلى فرنسا عام 1962م، ثم بعد ذلك انتقل إلى البلاد العربية والإسلامية عام 1397هـ.

التكييف الفقهي لمسألة الإجارة المنتهية بالتمليك

قبل أن ندخل في الإجارة المنتهية بالتمليك لا بد من بحث بعض المسائل الفقهية التي تبنى على هذا العقد، فإن الذين منعوا مثل هذا العقد مطلقاً، وقالوا بأن هذا العقد اشتراط عقد في عقد، وهذا لا يجوز عند جمهور أهل العلم، وقالوا: إنه أيضاً يتضمن تعليق عقد البيع على شرط المستقبل، وهذا لا يجوز، تعليق الهبة على شرط المستقبل أيضاً لا يجوز، وحكم الوعد هذا مبني على الإلزام به، والوعد هذا غير لازم عند جمهور العلماء رحمهم الله.

فمثل هذه المسائل سنشير إلى كلام أهل العلم رحمهم الله فيها عن طريق الإجمال؛ لأنه كما أسلفت عقد الإجارة المنتهي بالتمليك يبنى على مثل هذه المسائل، فإذا عرفنا الحكم في هذه المسائل يتبين لنا الإجارة، ويتبين لنا الإجابة عن قول من منع مثل هذا العقد مطلقاً بكل أقسامه وصوره، وسيأتينا أن هذا العقد له ثلاثة أقسام: قسم جائز، وقسم محرم، وقسم ذكر له العلماء ضوابط.

فالذين منعوا هذه الأقسام كلها ومنعوا صور الإجارة المنتهية بالتمليك كلها، تمسكوا بالمسائل الفقهية التي ذكرت، قالوا: هذا فيه شرط منفعة في عقد البيع.. وشرط المنفعة هذه أكثر العلماء على منعها.

- اشتراط عقد في عقد: أكثر العلماء على منعه.

- حكم الوعد والإلزام به: جمهور العلماء على أنه لا يجب الوفاء بالوعد.

- تعليق عقد البيع على شرط المستقبل: جمهور العلماء قالوا: إن هذا التعليق يفسد العقد.

- تعليق الهبة على شرط المستقبل، قالوا: إن كل العلماء يمنعون من ذلك.

أقسام الشروط في عقد البيع

وهذه المسائل الست سنتعرض لها بإجمال قبل أن نذكر أقسام الإجارة المنتهية بالتمليك.

الشروط في عقد البيع الأصل فيها الصحة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] والإيفاء بالعقد يتضمن الإيفاء بأصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه.

وأيضاً: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلمون على شروطهم ).

والشرط في عقد البيع هو: ما يشترطه أحد المتعاقدين مما له فيه مصلحة.

وتقدم أيضاً أن ذكرنا أن محل هذه الشروط يصح أن تكون قبل العقد، ويصح أن تكون في صلب العقد، ويصح أن تكون في زمن خيار الشرط وفي زمن خيار المجلس.

فيصح للبائع أن يشترط في خيار المجلس، يقول: لي أن أستعمل السيارة كذا.. وإن لم يشترطه في صلب العقد.

وأيضاً: يصح أن يشترطه في زمن خيار الشرط مثلاً يقول: بعتك السيارة ولي الخيار لمدة يوم، لما مضى نصف يوم قال: أشترط أن أستعملها لمدة أسبوع، فهذا كله صحيح.

الشرط في عقد البيع ينقسم إلى أربعة أقسام:

شرط يقتضيه العقد

القسم الأول: شرطٌ يقتضيه العقد، فهذا صحيح بالاتفاق، ولهذا العلماء في المختصرات لا يذكرونه وإنما يذكرونه في المطولات، وذكر مثل هذا الشرط إنما هو من قبيل البيان والتوكيد.

مثال ذلك: اشتراط أن يكون الثمن حالّاً، لو قال البائع: أبيع لك السيارة أو أبيع لك البيت لكن بشرط أن يكون الثمن حالّاً، هذا الشرط لا حاجة له؛ لأن العقد يقتضي أن يكون الثمن حالّاً وليس مؤجلاً، إذا أراد أن يؤجل فله أن يشترط عدم التأجيل.

أيضاً: لو قال المشتري: أشتري منك السيارة بشرط أن أقبضها الآن، هذا أيضاً شرط يقتضيه العقد؛ لأن الأصل أن البائع يقبضك السلعة الآن، فإذا أراد أن يؤخر فله أن يشترط.

أيضاً لو قال: أشتري منك السيارة لكن لي أن أبيعها أو لي أن أستعملها أو لي أن أوقفها... إلى آخره، كل هذه شروط يقتضيها العقد ولا حاجة إليها، وإن ذكرها أحد المتعاقدين فإن هذا من باب البيان والتوكيد.

شرط مصلحة

القسم الثاني: شرط مصلحة.

سواءٌ كانت هذه المصلحة راجعة إلى العقد أو إلى أحد المتعاقدين، فهذا الشرط صحيحٌ باتفاق الأئمة، مثل: شرط الرهن، وشرط الضمين، وشرط الكفيل... إلى آخره.

هذه شروط صحيحة، فلو أن المشتري قال: أشترط أن يكون الثمن مؤجلاً، قال البائع: أشترط أن تعطيني رهناً، فاشتراط الرهن هذا من مصلحة العقد يصح، وهذا باتفاق الأئمة على أنه صحيح.

أو قال مثلاً: بشرط أن تعطيني ضميناً أو كفيلاً.. ونحو ذلك، فهذه شروط صحيحة باتفاق الأئمة.

شرط وصف في المبيع أو الثمن

القسم الثالث: شرط وصف في المبيع أو في الثمن.

أيضاً هذا صحيح باتفاق الأئمة، لو قال: أنا أشتري السيارة لكن بشرط أن تكون سرعتها كذا وكذا، وأن تكون إطاراتها كذا وكذا، وأن تكون المكينة قوتها كذا وكذا... إلى آخره، أو قال: أشتري الكتاب بشرط أن يكون كذا وكذا، أو البيت قال: بشرط أن يكون تأسيسه كذا، والتمديدات الكهربائية كذا، وتمديدات الماء كذا... إلى آخره.

هذا شرط وصف وهو جائز، يعني: حتى لو اشترط المشتري مثلاً مائة شرط، هذه كلها شروط صحيحة، والأئمة يتفقون على أن شروط الأوصاف صحيحة ولا بأس بها.

شرط المنفعة

القسم الرابع: شرط المنفعة.

وهذا هو الذي اختلف العلماء رحمهم الله فيه، يعني: كونه يشترط منفعة المبيع.

فمثلاً يقول: أبيعك السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة أيام أو خمسة أيام... إلى آخره.

أو تكون المنفعة في البائع، تقول: أشتري السيارة بشرط أن تنقل السيارة، أو أن تصلح الخلل الموجود في آلاتها أو في إطاراتها.. أو نحو ذلك، هذا شرط منفعة.

وأضيق المذاهب في ذلك هو مذهب الشافعية فهم لا يجوزون أي شرط، يعني: أكثر العلماء إذا استقرأت كلامهم تجد أنهم يمنعون شرط المنفعة.

أما الشافعية فهم أضيق المذاهب في ذلك إذ يمنعون أي شرط.

والحنابلة لا يجيزون إلا شرطاً واحداً، يعني: يصح أن تشترط شرطاً واحداً، سواءٌ كان هذا الشرط في المبيع أو في البائع، أما أنه تجمع شرطين فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحلف سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ) فقالوا: تجمع شرطين من شروط المنافع هذه لا يجوز.

والمالكية يقولون: يجوز الشرط اليسير، فإذا كان الشرط يسيراً جاز، وإذا كان كثيراً فلا يجوز.

والحنفية يقولون: إذا جرى تعامل الناس به جاز، وإذا لم يجر تعامل الناس به فلا يجوز.

وأوسع الناس في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم ، وهو رواية عند الحنابلة: أنها تجوز شرط المنفعة وإن كثرت، حتى وإن تشترط شرطين أو ثلاثة أو أربعة... كل شروط المنافع هذه يرونها جائزة وإن كثرت.

وهذا القول هو الصواب؛ لما ذكرنا أن الأصل في الشروط في البيع الحل، فإذا اشترط شرطين يعني: قال: أشتري منك السيارة بشرط أنك تصلحها وتغسلها وتصلح الشيء الفلاني وتقوم بفحصها... إلى آخره، اشترط ثلاثة شروط أو أربعة شروط قالوا: هذا جائز ولا بأس به؛ لما تقدم من الضابط، وذكرنا الدليل على ذلك: ففي حديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليه حملان ظهر الجمل الذي باعه عليه إلى المدينة).

هذا ما يتعلق بحكم الشرط، وذكرنا أن الشرط في عقد البيع أربعة أقسام، وأن الصحيح أنها كلها جائزة.

مسائل متعلقة بالإيجار المنتهي بالتمليك

ولا بد أن نفهم مسائل:

اشتراط عقد في عقد، وجمع عقدين مرة واحدة

المسألة الأولى: اشتراط عقد في عقد، وجمع عقدين مرة واحدة، وهذا لا بأس، تقول مثلاً: بعتك السيارة، وأجّرتك البيت بمائة ألف ريال. جمعت الآن بين البيع والإجارة بثمن واحد، هذا جائز عند الحنابلة والمالكية، لكن هذا ليس منه التأجير المنتهي بالتمليك كما سيأتي، التأجير المنتهي بالتمليك توارد عقدين على عين واحدة، لكن جمعت بينهما في صفة واحدة في ثمن واحد.

لكن القسم الثاني من الإجارة المنتهية بالتمليك التي منعها مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء في المملكة وهو توارد عقدين على عين واحدة.. عقد البيع وعقد الإجارة.

وسيأتينا إن شاء الله بيان ذلك، وكيف ورد عقد البيع وكيف ورد عقد الإجارة، فأصبحت هذه المعاملة لا تجوز.

إذاً: جمع العقدين في ثمن واحد في صفقة واحدة صحيح نص عليه الحنابلة والمالكية، فأنت تقول مثلاً: بعتك السيارة وأجرتك البيت -هذا بيع وإجارة- بعشرة آلاف ريال، هذا صحيح، وإذا أردنا أن نسقط أحدهما نقسّط الثمن.

هذا هو جمع العقدين في عقد واحد صفقة واحدة بثمن واحد وهو جائز ولا بأس به، لكن اشتراط عقد في عقد: المذهب أن هذا ممنوع. تقول مثلاً: بعتك البيت بشرط أن تؤجرني سيارتك، أو أجرتك السيارة بشرط أن تبيعني بيتك.. أو أجرتك بشرط أن تبيعني. هذا اشتراط عقد في عقد، فقالوا: هذا لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ) وقالوا أيضاً: هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

الرأي الثاني: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم والشيخ عبد الرحمن السعدي ، وهو أيضاً قول عند الحنابلة، أن اشتراط عقد في عقد آخر جائز ولا بأس به، إلا إذا تضمن محذوراً شرعياً، كأن يقول: أقرضتك بشرط أن تبيعني، فهذا -كما تقدم- داخل في منافع القروض المحرمة وهو أن يشترط الدائن على المدين منفعة لا يقابلها سوى القرض.

وأيضاً قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل سلف وبيع ) فيقول: أقرضتك بشرط أن تبيعني أو أن تؤجرني. هذا شرط عقد في عقد، تضمن محذوراً شرعياً لا يجوز؛ لأنه إخراجٌ للقرض عن موضوعه، وهو أنه يراد به الإرفاق ووجه الله عز وجل إلى الكسب والتجارة.

أيضاً قال: بعتك البيت بشرط أن تزوجني بنتك، وهذا نظيره النهي عن الشغار، يقول: زوجتك بشرط أن تزوجني، أو زوجت ابنك بشرط أن تزوجني أو تزوج ابني... إلى آخره، يزيد الشرط في عقد النكاح، يعني: ما يزوج إلا يزوجه الآخر. فهذا نظيره.

وأن الإنسان إذا قال: زوجتك بشرط أن تبيعني، لا ينظر لمصلحة موليته، إنما ينظر لمصلحته هو، فمن باعه أو أعطاه أو حاباه زوجه.

وهذا القول هو الصواب، أن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به ما لم يتضمن ذلك محذوراً شرعياً كما ذكرنا في المثال، ويستدل على ذلك بما ذكرنا من الضوابط السابقة أن الأصل في المعاملات الحل، والأصل في الشروط في المعاملات الحل.

وأما الشرطان اللذان نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، أو من باع بيعتين في بيعة فيردان أوكسهما أو الربا، فهذا ابن القيم رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية يحملون ذلك على بيع العينة؛ فإن بيع العينة تضمن بيعاً مؤجلاً وبيعاً حاضراً، وتضمن أيضاً الشرطين: شرط التأجيل وشرط الحضور. فيُحمل على بيع العينة.

وعلى هذا نقول: اشتراط عقد وعقد، هذا جائز ولا بأس به، إلا إذا تضمن محذوراً شرعياً.

تعليق عقد البيع على شرط مستقبل

المسألة الثالثة: تعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل.

يقول مثلاً: بعتك السيارة إذا دخل شهر رمضان، ونحو ذلك من الشروط المستقبلة.

أيضاً جمهور أهل العلم على منع ذلك، وأن تعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل غير جائز؛ والعلة في ذلك: أن هذا يقال بمقتضى العقد؛ إذ إن مقتضى العقد هو أن يكون منجزاً، مقتضى العقد الفورية ولا يكون معلقاً.

وأيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يخالف في هذه المسألة وعنده: أنه يصح تعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل.

ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في سرية مؤتة: ( أميركم زيد ، فإن أصيب فـجعفر ، فإن أُصيب فـعبد الله بن رواحة ) فالنبي عليه الصلاة والسلام علّق عقد الولاية.

ويدل لذلك أيضاً ما سبق أن ذكرنا: أن الأصل في العقود والشروط في العقود الصحة، وذكرنا الدليل على ذلك.

ويتلخص لنا: أن تعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل جائز ولا بأس به.

تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل

المسألة الرابعة: تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل.

أيضاً الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة، فجمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون ذلك، ، وتقدم أنهم يقولون: الأصل في العقود أن تكون منجزة. فمثلاً لو قال: وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان، قالوا يُمنع من ذلك.

والرأي الثاني: قول المالكية وقول عند الحنابلة، وقال به الحارث من الحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم : أن هذا جائز ولا بأس به.

وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى؛ لأن عقود التبرعات أوسع من عقود المعاوضات.

حكم الوعد والإلزام به

المسألة الأخيرة وهي: حكم الوعد والإلزام به؛ لأن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على الوعد والتمليك.

فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب؟

العلماء رحمهم الله لهم في ذلك خمسة أقوال، لكن نذكر ثلاثة منها:

رأي جمهور أهل العلم: أن الوفاء بالوعد غير واجب، يعني: إذا وعدت شخصاً فإنه لا يجب عليك أن توفي بهذا الوعد.

واستدلوا على ذلك فقالوا: لم يرو عن أحد من السلف الوفاء بالوعد والإلزام به، وابن بطال وغيره من أهل العلم أنهم لا يقولون بلزوم الوفاء به.

والرأي الثاني: قال به طائفة من السلف، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم : وهو أنه يجب الوفاء بالوعد، ولا يجوز إخلافه، وقال به إسحاق بن راهويه وعمر بن عبد العزيز وابن شبرمة وبعض الحنابلة.

واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وكذلك أيضاً قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، وكذلك أيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

وأيضاً حديث أبي هريرة في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث -وذكر منها-: وإذا وعد أخلف )، وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد.

الرأي الثالث: قول عند المالكية وهو أن الوعد إذا أدخل الموعود في ورطة فإنه يجب على الواعد أن يوفي بوعده، أما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فلا يجب عليه ذلك، ويستدلون بقاعدة: لا ضرر ولا ضرار.

والأقرب في هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم : أنه يجب الوفاء بالوعد.

فتلخصت هذه المسائل: أن الوفاء بالوعد واجب، وأن الشروط في العقود واشتراط عقد في عقد وتعليق عقد البيع على شرطٍ مستقبل، وتعليق عقد الهبة على شرطٍ مستقبل أن هذه كلها صحيحة.

وبهذا يتبين أن من منع عقد الإجارة المنتهية بالتمليك حتى مع وجود الضوابط التي يذكرها بعض العلماء وبعض الباحثين لنفي المحذورات الشرعية في هذا العقد، أنه غير متوجه، يعني: لو سد الباب كله وقال: هذا اشتراط عقد بعقد وأن الوعد لا يجب الوفاء به، وأن في هذا تعليق عقد البيع على شرط مستقبل، أو تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل... إلى آخره، أن هذا لا يتوجه.. فسد الباب بناءً على الخلاف في هذه المسائل، وأن هذه المسائل منع منها بعض أهل العلم، يتبين أن الصواب في هذه المسائل: أن هذه الشروط كلها صحيحة، وأن الوعد يجب الوفاء به، وحينئذ سد الباب بالكلية هذا غير متوجه، والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المعاملات المالية المعاصرة [6] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net