إسلام ويب

من الآداب التي ينبغي للمسلم مراعاتها عند قضاء الحاجة ألا يستجمر بالروث والرمة، لأنها لا تطهر موضع النجاسة؛ ولأنها طعام دواب الجن. ومن الآداب كذلك ألا يكتفي بأقل من ثلاثة أحجار؛ لأن بها يكون الإنقاء والإيتار.

النهي عن الاستطابة بالروث

شرح حديث أبي هريرة في النهي عن الاستطابة بالروث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن الاستطابة بالروث.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى يعني ابن سعيد عن محمد بن عجلان أخبرني القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستنج بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرمة) ].

أورد النسائي هذه الترجمة: باب النهي عن الاستطابة بالروث؛ لأن الترجمة السابقة: النهي عن الاستطابة بالعظم، وهنا النهي عن الاستطابة بالروث، وكان بإمكانه أن يقول: النهي عن الاستطابة بالعظم والروث ثم يأتي بالأحاديث التي وردت في هذا وفي هذا، لكنه أراد أن يعدد المسائل الفقهية، والمسائل التي يستدل عليها، وأن يفرد كل مسألة بحديث، فمن أجل هذا فعل هذا، وإلا كان بإمكانه أن يضم، لكنه هذه طريقته -كما قلت لكم سابقاً- وهي مثل طريقة البخاري , وكتابه كتاب دراية كما أنه كتاب رواية: ففيه فقه وحديث، فيه سنة وما يستنبط من السنة الذي هو الفقه، والفقه في التراجم، ويقولون عن البخاري : إن فقهه في تراجمه، وكذلك يقال في النسائي أيضاً: إن فقهه في تراجمه، بل إنه يشبه البخاري في الدقة في التعبير, وفي الدقة في وضع الترجمة، ومما يدل عليه ما سبق أن مر من الأمثلة، وأوضحها الترجمة التي سبق أن مرت: الرخصة في الاستياك بالعشي للصائم، ويورد تحتها حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةالنسائي أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الترجمة وحديث أبي هريرة يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم) وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم تمهيداً لما بعده من بيانه للأمور التي هي آداب قضاء الحاجة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد) بل هو أعظم من الوالدين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، يجب أن يكون أحب إلى كل مسلم من والديه وأولاده والناس أجمعين؛ لما ثبت في حديث أنس بن مالك في الصحيحين: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ، فهو عليه الصلاة والسلام ذكر أنه قال: (إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم) وهو عليه الصلاة والسلام أحرص وأعظم من الوالدين في التعليم والبيان؛ لأنه أنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً, وأكملهم بياناً, وأفصحهم لساناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنه قال هذا التمهيد؛ لأن من شأن الوالد أن يكون حريصاً على تعليم ولده كل شيء، حتى الأمور التي يحتاج إليها مما يستحيا من ذكرها.

فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه يبين لهم كل ما يحتاجون إليه، وأن الوالد هذا شأنه أن يحرص على تعليم ولده كل ما يحتاج إليه، ولو كان من الأمور التي يُستحيا منها، ومن ذلك: ما يتعلق بقضاء الحاجة, وما إلى ذلك.

ثم بين عليه الصلاة والسلام ما بهذا التمهيد، فقال: ( إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها )، يعني: عند قضاء الحاجة لا يستقبل القبلة -أي: لا يتجه إلى الكعبة وهو يقضي حاجته- ولا يستدبرها، وقد مرت الأبواب في موضوع الاستقبال والاستدبار، لكن المقصود من إيراد الحديث هو ما يأتي من ذكر الروث والرمة.

( ولا يستنجي بيمينه )؛ أي: لا يستعمل اليمين وهو يستنجي، وإنما يستعمل اليسار، وهذا سبق أن مر في أبواب عدم الاستنجاء باليمين والنهي عن ذلك.

( وكان يأمر بثلاثة أحجار عند الاستنجاء )؛ أي: أمر بأخذ ثلاثة أحجار يستنجي بها عندما ينتهي من قضاء حاجته، ويزيل أثر الخارج بالحجارة، ويكون ذلك ثلاثاً، والأمر بالثلاثة ليكون جامعاً بين الإيتار والإنقاء؛ لأن الثلاثة تنقي وأيضاً هي وتر، وقد جاء في بعض الأحاديث التنصيص على الإيتار في الاستنجاء، وهنا ذكر أن الاستنجاء يكون بثلاثة أحجار؛ لكونها وتراً، ولكونها تنقي ويحصل بها الإنقاء والتنظيف والتطهير والتطييب الذي عبر عنه بالاستطابة.

(ونهى عن الروث والرمة) هذا هو محل الشاهد من النهي عن الاستطابة بالروث والرمة.

والرمة: هي العظم، وقيل أن المراد بها: العظم البالي، قالوا: وإذا كان النهي ورد وإن كان بالياً فإن غيره من باب أولى، وقد جاء الحديث بالإطلاق في ذكر العظم، فسواء كان موصوفاً بأنه بالٍ أو غير بال كل ذلك يدخل تحت العظم المنهي عنه في الاستعمال، وقد عرفنا ما يتعلق بالاستنجاء بالعظم في الباب الذي قبل هذا، أما ما يتعلق بالروث -وهو الذي ترجم له في هذا الحديث- فقد جاءت أيضاً السنة في بيان الحكمة في المنع منه في الحديث الذي ورد فيه النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، فقال: ( إن العظم طعام إخوانكم من الجن، والروث طعام دوابهم ).

فإذاً: التعليل الواضح الذي جاء به الحديث الصحيح أن النهي لحكمة وهي: عدم إفساد الطعام على الجن وكذلك عدم تلويث وتقذير الطعام الذي هو لدواب الجن, كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

والعظم البالي هو: العتيق القديم الذي يؤكل ومضى عليه مدة طويلة حتى صار يتفتت. أما الاستقبال والاستدبار في غير قضاء الحاجة ما أعلم أن شيئاً يمنع منه، لا عند النوم ولا عند الجلوس، فكون الإنسان يمد رجله إلى القبلة لا أعلم شيئاً يمنع منه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن الاستطابة بالروث

قوله: [ أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ].

هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقد ذكرت لكم قبل مدة: أن الدورقي يعقوب بن إبراهيم شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه، وذكرت لكم: أن هناك شخصين يماثلانه بكونهم شيوخ لأصحاب الكتب، وبكونهم ماتوا معه في سنة واحدة -وهي سنة مائتين واثنين وخمسين- وهما: محمد بن بشار الملقب بـبندار، ومحمد بن المثنى الملقب بـالزمن ، فإن هذين مع هذا الذي هو يعقوب كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكل منهم مات في سنة مائتين واثنين وخمسين، بل إن الاثنين الآخرين -وهما: محمد بن المثنى , ومحمد بن بشار- اتفقا في شيء أكثر من هذا؛ فإنهما اتفقا في سنة الولادة وسنة الوفاة، واتفقا في الشيوخ والتلاميذ، وهم في طبقة واحدة من البداية حتى النهاية، حتى قال الحافظ ابن حجر : وكانا كفرسي رهان؛ أي: لا أحد منهما يسبق الآخر، فكل واحد منهما بجوار الآخر.

[ حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد ].

يحيى بن سعيد ، هو: ابن سعيد القطان الإمام, المحدث, الناقد الذي هو إمام في الجرح والتعديل، وهو من رجال الجماعة، وقد ذكرت فيما مضى فائدة تتعلق به عن الذهبي, ومعه شخص آخر يشاركه فيها؛ وهو عبد الرحمن بن مهدي ، يقول الذهبي عنهما في كتاب من يعتمد قوله في الجرح والتعديل: إنهما إذا جرحا شخصاً؛ فإنه لا يكاد يندمل جرحه، ومعناه: أنهما إذا جرحاه؛ فإن جرحهما أصاب الهدف، وهذا يدل على تمكنهما، وأنهما إذا اجتمعا على شخص فمعنى ذلك: أنه يتمسك بكلامهما؛ لأن جرحهما لا يكاد يندمل إذا جرحا شخصاً واتفقا على جرحه.

وذكرت أيضاً: أن هذا الشخص يأتي في طبقته شخص آخر يقال له: يحيى بن سعيد؛ لأنه من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة, وهو يحيى بن سعيد الأموي ولكن الإكثار من الرواية هو عن القطان . ثم أيضاً من علامة الأموي أنه يروي عنه ابنه سعيد ، فإذا جاء في الإسناد: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثني أبي؛ فالمقصود به: الأموي ، أو قال: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثنا يحيى بن سعيد؛ فالمقصود به الأموي ، أما يحيى بن سعيد القطان فهو أكثر رواية وأكثر شهرة.

وقوله: (يعني) هذا مثل (هو) الذي ذكرته فيما مضى، فإن هذه اللفظة (هو) و(يعني) يأتون بها؛ لأن التلميذ الذي هو يعقوب بن إبراهيم عندما روى عن شيخه يحيى اكتفى بكلمة (يحيى) ما قال: يحيى بن سعيد، فالذين جاءوا بعده -النسائي ومن دون النسائي- أرادوا أن يوضحوا يحيى فقالوا: (يعني ابن سعيد) فكلمة (يعني) قالها من دون الدورقي ، وفاعلها الدورقي ؛ لأن كلمة (يعني) لها قائل ولها فاعل؛ لأن كلمة (يعني) فعل مضارع، فاعله ضمير مستتر يرجع إلى الدورقي، والذي دون الدورقي أتى بكلمة (يعني) فهو قائلها، وليس قائلها الدورقي؛ لأن الدورقي لا يحتاج أن يقول: (يعني)، بل يقول: فلان بن فلان ويذكر اسمه إلى عشرة أجداد، فكلامه لا يحتاج إلى كلمة (هو) ولا يحتاج إلى كلمة (يعني).

[ عن محمد بن عجلان ].

محمد بن عجلان، هذا يأتي لأول مرة؛ ما سبق أن جاء ذكره في الأحاديث الماضية، ومن الأشياء اللطيفة التي ذكروها في ترجمته، قالوا: إن أمه حملت به أكثر من ثلاث سنوات؛ أي: بقي في بطنها أكثر من ثلاث سنوات. وهو صدوق اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة وهذا منها، وقد روى له البخاري تعليقاً, ومسلم, والأربعة رووا عنه. لكن -كما عرفنا- حديث العظم والروث جاء في أحاديث ثابتة، فلا يؤثر كونه اختلط في حديث أبي هريرة.

ترجمة القعقاع بن حكيم وأبي صالح

[ أخبرني القعقاع ].

القعقاع هذا أيضاً يأتي لأول مرة ذكره في رجال النسائي، والقعقاع في رجال النسائي شخصان هما: القعقاع بن حكيم، والقعقاع بن اللجلاج، وهما في طبقة متقاربة، إلا أن ابن اللجلاج مجهول، وانفرد بالإخراج له النسائي.

وأما ابن حكيم فهو ثقة.

فكيف نعرف الاسم المبهم المهمل الذي ما نسب هنا؟ نقول: الحديث رواه أبو داود ورواه ابن ماجه ، وفي أسانيد ابن ماجه ذكر مرتين، وعند أبي داود من طريقه كلها يقول: القعقاع بن حكيم، ففي هذه الطرق الثلاث: طريق عند أبي داود، وطريقان عند ابن ماجه يقولون فيها: القعقاع بن حكيم، إذاً: عرف المقصود والمعني هنا بأنه القعقاع بن حكيم.

والقعقاع بن حكيم ثقة، روى عنه البخاري في الأدب المفرد، وروى عنه مسلم والأربعة، فهو مثل ابن عجلان إلا أن ابن عجلان في الصحيح تعليقاً، وهذا روى عنه في الأدب المفرد. وكتاب الأدب المفرد كتاب مستقل، قيل: إنه سمي بالأدب المفرد؛ حتى يتميز عن الأدب الذي بداخل الصحيح؛ لأن في داخل الصحيح كتاباً اسمه كتاب الأدب، وخارج الصحيح كتاباً اسمه الأدب المفرد، إذاً: فهو كتاب مستقل سماه: الأدب المفرد؛ حتى يتميز عن الأدب الذي بداخل الصحيح؛ لأن جملة كتب البخاري في صحيحه سبعة وتسعين كتاباً، وأحد هذه الكتب السبعة والتسعين كتاب الأدب، فسمي كتاب الأدب المفرد لكي لا يلتبس بكتاب الأدب في داخل الصحيح.

[عن أبي صالح ].

أبو صالح هو: السمان، ويقال له: الزيات، واسمه ذكوان الزيات, أو ذكوان السمان، وأحياناً يأتي ذكره باسمه فيقال: ذكوان، وأحياناً يأتي ذكره بكنيته -وهو كثير كما هنا- أبو صالح، وسمي بـالسمان؛ لأنه كان يبيع السمن والزيت، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة, حافظ, وكثيراً ما يروي عنه ابنه سهيل بن أبي صالح، لكن البخاري ما خرج لـسهيل بن أبي صالح، فليس من رجاله؛ لكن روى عن أبيه كثيراً. أما مسلم فقد أكثر من الرواية عن سهيل عن أبيه، فـسهيل بن أبي صالح عن أبيه موجود بكثرة في صحيح مسلم .

[عن أبي هريرة ].

أبو هريرة جاء ذكره كثيراً فيما مضى، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، فالمكثرون من الصحابة سبعة، وأكثرهم أبو هريرة رضي الله تعالى عنه. وأبو هريرة هو نفسه جاء في صحيح البخاري عنه يقول: (لا أعلم أحداً من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو, فإنه كان يكتب ولا أكتب).

لكن أجاب العلماء عما وجد من كثرة حديث أبي هريرة وقلة حديث عبد الله بن عمرو -حيث كان دون ما رواه أبو هريرة- بأجوبة عديدة؛ منها: أن أبا هريرة كان مقيماً في المدينة، وكانت المدينة يرد إليها الناس فيصدرون منها، ومن المعلوم أن من كان في المدينة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاء الناس من خارجها إليها أنفس ما عندهم أن يبحثوا عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم, ويلتقوا بهم ويتلقوا عنهم العلم، فكثر الآخذون عنه، وهو أيضاً يأخذ عن الصحابة الذين يأتون، ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة حجة، فهو إما أن يأخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان ملازماً من حين أسلم في عام خيبر للرسول صلى الله عليه وسلم في بقية حياته، وكان مقيماً في المدينة.

ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعا له كان يحفظ كل ما يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما يسمعه من غيره رضي الله عنه وأرضاه.

النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

شرح حديث سلمان في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: ( قال له رجل: إنَّ صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة؟! قال: أجل! نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي بأيماننا، أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار ) ].

هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب: النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار، هذه الترجمة عقدها النسائي بالرغم من أن الحديث الذي قبله مشتمل على ما استندت عليه هذه الترجمة، أو يدل على هذه الترجمة، وهو: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستنجى بثلاثة أحجار )، لكن هنا أورد هذه الترجمة المشتملة على النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار، وأورد فيها حديث سلمان: (أنه قال له رجل: إن صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة؟!) وهذا الرجل جاء في بعض الطرق عند ابن ماجه أنه من المشركين، وقال هذا على سبيل الاستهزاء, أو على سبيل العيب؛ لكن سلمان رضي الله عنه وأرضاه ما قابل ذلك الكلام بالذم أو التوبيخ، بل قابله بالإثبات, وأن هذه ممدحة ومحمدة، وهو أن ديننا كامل، وأن كل شيء علمناه حتى عند قضاء الحاجة، فما حصل تقصير في شيء ونقصان في شيء، بل الشريعة كاملة غاية الكمال، حتى أدب قضاء الحاجة علمنا إياها رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وعندما رد عليه سلمان (قال: نعم) فما قابله بالتوبيخ, أو السب, أو الشتم، أو قال: كيف تستهزئ؟ بل قال: نعم، علمنا كيف نقضي الحاجة؟! وكيف نجلس؟ ولا نفعل كذا ولا كذا.. إلى آخره، وكل هذه من آداب قضاء الحاجة.

وهذا مما يستدل به أهل السنة -وكثيرا ما يأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- في بيان العقيدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه في أمور العقيدة، وقال: كيف يقال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الناس دون أن يبين لهم أمور العقيدة, وتركهم يخوضون ويتخرصون فواحد يقول: المراد كذا والمراد كذا، والرسول ما بين لهم المراد؟ فكيف يبين الرسول عليه الصلاة والسلام آداب قضاء الحاجة ولا يبين أمور العقيدة؟! هذا كلام يعقل؟! وهذا الكلام ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الحموية وفي غيرها، وبين فيه كمال الشريعة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بينها في العقائد كما بينها في الأحكام، بل بيانها في العقائد أتم وأكثر.

ثم قال: كيف يعقل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بين للناس أمور قضاء الحاجة كما جاء في حديث سلمان, ثم لا يبين للناس أمور العقيدة؟ بل من باب أولى تبيينه، وهذا هو الذي وقع وحصل، فهذا المشرك أتى بهذه الكلمة يريد أن يستهزئ؛ ولكنه قوبل بعكس ما يريد، وأن هذه محمدة وليست مذمة؛ لأن شريعتنا كاملة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم بين لنا كل شيء، وهذا هو شأنه, وهذه مهمته صلى الله عليه وسلم ووظيفته ووظيفة الأنبياء من قبله، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ( ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم )، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين آداب قضاء الحاجة.

( أجل! نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول )، يعني: أننا إذا جلسنا لقضاء الحاجة لا نتجه إلى الكعبة، وهذا من آداب قضاء الحاجة.

( أو نستنجي بأيماننا )؛ أي: أن ننزه اليمين عن أن تتعرض للنجاسات، وإنما نخص الشمال بذلك، فنجعل الشمال هي التي تتولى هذه المهمة، ولا نستنجي باليمين، وهذا من آداب قضاء الحاجة التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم.

( أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار )؛ لكي يكون هناك شيئان: الإنقاء -وهو: التنظيف , والتطهير, والتطييب- والإيتار؛ لأن الثلاثة وتر، ومن المعلوم أن الحجر الواحد وتر، لكن ذكرت الثلاثة الأحجار ليحصل مع الإيتار الإنقاء؛ وهو حصول التطهير والتنظيف.

تراجم رجال إسناد حديث سلمان في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].

إسحاق بن إبراهيم هو: ابن راهويه عند المحدثين، وابن راهويه عند أئمة اللغة يعبرون براهويه, يقولون: إنه مختوم بـ(ويه)، يعني: الأسماء المختومة بـ(ويه)، كـ(نفطويه), (سيبويه), (راهويه)، أما المحدثون فإنهم ينطقون بها على أنها راهويه.

و إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قد ذكرت فيما مضى فائدة تتعلق به ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ويستدلون بها على تمييزه عمن يشابهه في الاسم، فالمعروف عن ابن راهويه أنه يقول: أخبرنا، ولا يستعمل حدثنا، وقد استعمل حدثنا لكنها بندرة، ويماثله في هذه الطريقة النسائي الذي معنا، فكل ما عندنا (أخبرنا).

وبعض العلماء يفرقون بين حدثنا وأخبرنا؛ فيجعلون (حدثنا) فيما سمع من لفظ الشيخ عندما يقرأ وهم يسمعون، فعند التعبير يقول: حدثنا، أما إذا كان الشيخ يسمع وواحد يقرأ فالسامعون عندما يتحملون عنه وعندما يروون عنه يقولون: أخبرنا، ومن العلماء من لا يفرق بينهما؛ مثل: النسائي , وابن راهويه، فهم يستعملون أخبرنا فيما سمعه وفيما قرئ على شيخه وهو يسمع.

وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. فأصحاب الكتب الخمسة: الشيخان البخاري ومسلم، وأبو داود, والترمذي، والنسائي كلهم رووا عنه مباشرة، فهو شيخ للخمسة، أما ابن ماجه فلم يرو عنه شيئاً ولم يخرج له شيئاً، وهو ثقة, حافظ, كما عرفنا ذلك فيما مضى.

[ أخبرنا أبو معاوية ].

أبو معاوية هذا سبق أن مر ذكره، وقلنا: إنه مشهور باسمه ومشهور بكنيته؛ ولكن كنيته أكثر، واسمه محمد بن خازم -بالخاء المعجمة والزاي- الضرير, وهو من رجال أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأعمش ].

الأعمش، هو سليمان بن مهران، والأعمش لقبه، وهو مشهور بلقبه، وتأتي الرواية عنه باسمه، كما تأتي الرواية بلقبه، فيقال: سليمان بن مهران، ويقال: سليمان فقط، ويقال: الأعمش؛ ولكن بكلمة الأعمش لا يلتبس بغيره، وهو من رجال الجماعة, وهو ثقة.

[ عن إبراهيم ].

إبراهيم أيضاً سبق أن مر بنا، وهو: ابن يزيد بن قيس بن أسود النخعي، وهو محدث, فقيه، وسبق أن ذكرت لكم فائدة معروفة مشهورة بالإضافة إليه، وقيل: إنها من أولياته، فهو أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، قال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد، قال: وأول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فصاروا يتداولونها ويعبرون بها.

وما لا نفس له مثل الذباب, والجراد, وهذه الحشرات, التي ليس فيها دم، و(ما لا نفس)، يعني: ليس له دم، فهذه كلمة مشهورة عن إبراهيم النخعي، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة, حافظ, فقيه.

[ عن عبد الرحمن بن يزيد ].

سبق أن مر بنا أن إبراهيم النخعي يروي عن الأسود بن يزيد، وهنا يروي عن عبد الرحمن بن يزيد، وعبد الرحمن بن يزيد أخو الأسود بن يزيد، وهما خالان له؛ لأنه يروي عن خاليه: الأسود , وعبد الرحمن ابني يزيد بن قيس النخعيين.

وسبق أن مر بنا روايته عن خاله الأسود , وهنا يروي عن خاله عبد الرحمن بن يزيد، فهما أخوان يروي عنهما ابن أختهما إبراهيم بن يزيد النخعي.

وعبد الرحمن بن يزيد ثقة، خرج حديثه الجماعة مثل أخيه الأسود بن يزيد، كل منهما من رجال الجماعة، وكل منهما من الثقات الحفاظ.

[ عن سلمان ].

سلمان هو: الفارسي رضي الله عنه، وقد أسلم في أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو الذي أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم في عام الخندق بحفر الخندق، وحديثه في الكتب الستة، وله في الكتب الستة ستون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة، وانفرد البخاري بواحد ومسلم بثلاثة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب النهي عن الاستطابة بالروث - باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net