اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب سؤر الكلب) إلى (باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب) للشيخ : عبد المحسن العباد
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب سؤر الكلب) إلى (باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب) للشيخ : عبد المحسن العباد
أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) ].
يقول النسائي رحمه الله: سؤر الكلب.
السؤر في الأصل هو: البقية، وذلك عندما يحصل الأكل, ثم يبقى فضلة، فالفضلة يقال لها: سؤر، ولهذا يقولون: إن كلمة (سائر) في اللغة لا تستعمل إلا بمعنى الباقي، وقد قال بعضهم: إنها لا تكون بمعنى الجميع، ولهذا يأتي كثيراً في الاستعمال عند ذكر الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم: فصلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، يعني: على باقيهم. والجوهري في الصحاح يقول: إن سائر تكون بمعنى الجميع، ولا يلزم أن تكون بمعنى الباقي.
والمقصود من الترجمة هو بيان حكم سؤر الكلب، وهو ما يبقى في الإناء إذا شرب منه فما حكمه؟ وحكمه: أنه نجس وتجب إراقته، ثم يغسل الإناء الذي شرب فيه الكلب، ويغسل سبع مرات، ولو لم يمس لسانه الإناء, وإنما ولغ في الماء الذي في الإناء, ولكن النجاسة تنتقل إلى سائره.
وقد أورد النسائي في هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم, فليغسله سبع مرات) فجاء في هذه الطريق بلفظ الشرب، وجاء في بعض الطرق الأخرى بلفظ الولوغ، والشرب كما هو معلوم واضح بأن المراد به فيما إذا شرب، أما الولوغ فإنه يشمل الشرب وغير الشرب، بمعنى: أن يدخل لسانه في الماء ويحركه سواء شرب, أو لم يشرب، هذا يقال له: ولوغ.
والحكم كما جاء في الحديث: أن الولوغ- وهو: إدخال الكلب لسانه في الماء وتحريكه فيه, سواء شرب منه أو لم يشرب- فإنه ينجسه، وتجب إراقته، وذلك فيما إذا كان الإناء صغيراً، والماء قليلاً.
وأما الماء الكثير وهو ما فوق القلتين فهذا لا تؤثر فيه النجاسة كما عرفنا ذلك فيما مضى لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وهنا التعبير بالإناء في الغالب أن المقصود به إناء يكون صغيراً ولا يبلغ القلتين، ولهذا فإن النجاسة تؤثر فيه، وينجس الماء بوجود النجاسة فيه.
إذاً: فلفظ الشرب كما جاء في هذا الحديث ليس الأمر خاصاً بالشرب, وأنه لو أدخل لسانه ولم يشرب فإن الحكم يختلف, لا، بل لو أدخل لسانه ولم يشرب, فإن النجاسة حاصلة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم, فليغسله سبع مرات) لأن لفظ الولوغ يشمل الشرب وغير الشرب، والحديث جاء بذكر الشرب وجاء بذكر الولوغ، فلا تنافي بين ذكر الشرب وذكر الولوغ؛ لأن الشرب بعض ما يندرج تحت الولوغ، فالولوغ أعم من الشرب، والشرب جزء من الولوغ.
إذاً: فالحكم لا يختص بالشرب، بل بالولوغ, شرب أو لم يشرب، تحصل النجاسة وتجب إراقة الماء، ويجب غسل الإناء سبع مرات.
والحديث دل على أنه يجب غسل الإناء سبع مرات، وهذا جاء في هذه النجاسة الخاصة، وهي ولوغ الكلب في الإناء فإنه ينجسه، وتطهيره يكون بغسله سبع مرات، وما جاء في بعض الروايات من الأمر بالإراقة، وفي بعض الروايات: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات) يدل على أنه يتنجس، وأن الأمر بالغسل سبعاً إنما هو للنجاسة، وليس لمجرد التعبد كما قال ذلك بعض العلماء؛ لأن الأمر بالإراقة يدل على النجاسة، وقوله: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً) يدل على النجاسة. إذاً: فيجب الغسل سبع مرات.
وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم) هذا القيد لا مفهوم له، أنه لا يغسل إلا إذا كان الإناء للإنسان، أما إذا كان لغيره فلا, هذا لا مفهوم له, سواء كان له أو لغيره، وإنما هذا جرى على الغالب من أن الإنسان يكون إناؤه معه، وكونه يكون معه إناء غيره فهذا قليل وليس له مفهوم، بمعنى أن هذا الحكم يختص فيما إذا كان الإناء له، أما إذا كان الإناء لغيره فيختلف، لا مفهوم لهذا القيد في الإضافة في قوله: (إناء أحدكم).
وكذلك في قوله: (فليغسله) أيضاً لا مفهوم له، فيمكن أن يغسله غيره، وليس بلازم أن يغسله هو بنفسه، فقوله: (فليغسله) ليس الأمر متعيناً بأن يكون الغسل من صاحب الإناء، بل المطلوب هو غسله سبع مرات، سواءً كان ذلك بفعله أو بفعل غيره، وليس له مفهوم, بمعنى: أن صاحبه هو الذي يتولاه, كما جاء في لفظ الحديث: (فليغسله)؛ لأن المطلوب هو التطهير، والمطلوب الغسل، وليس المطلوب أن يتولاه بنفسه، فلو قام غيره بالنيابة عنه أو أعطى غيره ليغسله فإن الطهارة تحصل، والمقصود يحصل.
قوله: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)، لفظ الكلب هذا لفظ عام يشمل جميع الكلاب، فجميع الكلاب تدخل فيه سواءً كانت كلاب صيد، أو كلاب ماشية، أو كلاب زرع, التي أذن في استعمالها، أو من الكلاب التي لم يؤذن باستعمالها؛ لأن (أل) في الكلب للجنس، أي: لجنس الكلاب، وليس المقصود من ذلك كلاباً معينة, أو الكلاب التي جاء الشرع في الإذن باستعمالها وهي: للزرع, وللصيد, وللماشية، فكل الكلاب هذا حكمها, وهذا شأنها، ولا يختص الأمر بنوع منها دون نوع، بل هو عام في جميع الكلاب.
قتيبة هذا تكرر ذكره كثيراً، قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني من رجال الجماعة، وهو ثقة حافظ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
مالك هو إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة المشهورين الذين صار لهم مذاهب, واعتني بفقههم وبجمعه, وصار لهم أصحاب يدونون مذاهبهم ويعتنون بها، فهو أحد الأئمة الأربعة، وهو محدث فقيه، ومن أجلة العلماء وكبارهم، وقد قال البخاري : إن أصح الأسانيد على الإطلاق: رواية مالك عن نافع عن ابن عمر ، فـهذه عند البخاري السلسلة الذهبية التي تعتبر أصح الأسانيد، ومالك هو أحد رجالها رحمة الله عليه.
[عن أبي الزناد].
أبو الزناد سبق أن مر بنا ذكره أيضاً وهو عبد الله بن ذكوان ، وأبو الزناد هذا لقب بصيغة الكنية، وهو من الثقات, الحفاظ, ومن رجال الجماعة.
[والأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز ، مشهور بلقبه، ويأتي ذكره أحياناً باللقب, وأحياناً بالاسم، فيقال: عبد الرحمن بن هرمز ، ويقال: عبد الرحمن ، ويقال: الأعرج .
وقد سبق أن عرفنا أن من الأمور المهمة في علوم الحديث: معرفة ألقاب المحدثين، وفائدة ذلك: ألا يظن الشخص الواحد شخصين, فيما لو ذكر باسمه في بعض المواضع, وذكر بلقبه في بعض المواضع، فالذي لا يدري أن الأعرج كنية لــعبد الرحمن بن هرمز يظن أن الأعرج شخص آخر غير عبد الرحمن بن هرمز.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وقد سبق أن مر ذكره مراراً.
إذاً: فهؤلاء الخمسة من رجال الإسناد: قتيبة, ومالك , وأبو الزناد , والأعرج , وأبو هريرة كلهم حديثهم في الكتب الستة، والأربعة الأول الذين هم: قتيبة, ومالك , وأبو الزناد , والأعرج كلهم من الثقات الحفاظ.
أما الصحابي فلا يحتاج إلى أن يقال فيه: ثقة، بل يكفيه شرفاً وفضلاً ونبلاً أن يقال: إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين, بعد أن أثنى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام على الصحابة، فيكفيهم شرفاً وفضلاً ونبلاً أن يقال: إن فلاناً صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إنه من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد عرفنا فيما مضى: أن كل راو لا بد من معرفته، وإذا كان مجهولاً لا يعرف, فإنه لا يحتج به ولا يعتد به, حتى يعرف وتعرف عدالته.
وأما الصحابة رضي الله عنهم فالمجهول فيهم عمدة يعول عليه, ويقبل ما جاء عنه, ولو لم يذكر اسمه، فإذا جاء في الإسناد: عن رجل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى أن يعرف اسمه، فيكفي أن يقال: إنه صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما غيرهم فلا بد من معرفة أشخاصهم، ولا بد من معرفة أحوالهم، ولا بد من توثيقهم وتعديلهم وتجريحهم، وأما الصحابة فإنهم لا يتكلم في عدالتهم ولا في توثيقهم؛ لأن ثناء الله عز وجل عليهم, وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم لا يحتاجون معه إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
أخبرني إبراهيم بن الحسن قال: حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني زياد بن سعد أنه أخبره هلال بن أسامة أنه سمع أبا سلمة يخبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله].
هنا ذكر النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى من غير طريق مالك ، وفيها: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) ، وفي رواية مالك: (شرب) وهنا جاءت بلفظ الولوغ، وقد عرفنا أن الولوغ أعم من الشرب، فلو أدخل لسانه في الماء وحركه فيه, فإنه قد حصلت فيه النجاسة, سواء شرب أو لم يشرب.
إذاً: فهذه الرواية وهي: (إذا ولغ الكلب) تدل على عموم الحكم في حال شرب الكلب أو عدم شربه فيما إذا ولغ, بأن أدخل لسانه في الماء وحركه فيه، فهو يشمل الحالتين, وهو أعم من الشرب.
والحديث هو بلفظ الحديث المتقدم، إلا أنه بلفظ الولوغ، فلا فرق بينهما إلا بلفظ الولوغ، وقد عرفنا أنه أعم مما تقدم.
وقوله: (أخبرني إبراهيم بن الحسن).
كثيراً ما يأتي النسائي ويقول: أخبرنا، وهنا قال: أخبرني، فما الفرق بين أخبرني وأخبرنا؟ أو حدثني وحدثنا؟
الفرق بينهما: أن أخبرني وحدثني تستعمل فيما إذا حصل للراوي وحده، وليس له مشارك حين الأخذ من الشيخ؛ وأما إذا كان هو وغيره أخذوا عن الشيخ, فإنه يقول: حدثنا وأخبرنا، وأما إذا أخذ وحده وسمع وحده، أو قرأ على الشيخ وحده؛ فإنه في هذه الحال يقول: أخبرني أو حدثني، هذا هو الفرق بين لفظ الجمع ولفظ الإفراد؛ لأن لفظ الإفراد معناه: أنه تحمل وحده، ولفظ الجمع أنه تحمل مع غيره.
هو أبو إسحاق المصيصي ، وهو ثقة, خرج حديثه أبو داود , والنسائي , وابن ماجه لم يخرج له في السنن وإنما خرج له في التفسير.
[عن حجاج].
حجاج هو الذي سبق أن مر بنا ذكره, وهو ابن محمد المصيصي ، وذاك أبو إسحاق المصيصي، فكلهم ينسبون إلى المصيصة، وحجاج بن محمد المصيصي هو المعني هنا؛ لأن حجاجاً هنا مهمل لم ينسب، ولكنه في شيوخ إبراهيم بن الحسن ما ذكروا إلا الحجاج بن محمد المصيصي ، وكذلك أيضاً ذكروا في تلاميذ الحجاج بن محمد المصيصي : إبراهيم بن الحسن أبا إسحاق المصيصي .
وقد عرفنا فيما مضى: أن الحجاج بن محمد المصيصي ثقة, خرج حديثه الجماعة أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، ثقة, فقيه, فاضل وكان يدلس، وهنا الحديث فيه التصريح بالإخبار؛ لأنه جاء في الإخبار قال: أخبرني الذي هو ابن جريج ، يقول: أخبرني زياد بن سعد ، فقد صرح بالإخبار وهو من رجال الجماعة، وابن جريج من رجال الجماعة.
[عن زياد بن سعد].
و زياد بن سعد من أصحاب مالك ، وقال ابن عيينة عنه: إنه أثبت أصحاب مالك ، وهو ثقة, من رجال الجماعة خرج حديثه أصحاب الكتب.
[أن ثابتاً مولى عبد الرحمن].
وهو ثابت بن عياض الأحنف الأعرج مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، يقال له: العدوي نسبة إلى بني عدي وهذه النسبة نسبة ولاء، فأحياناً يقولون: مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وأحياناً يقولون: العدوي مولاهم، يعني: مولى بني عدي, لأن بني عدي يقال لهم: العدويون، ويقال للواحد منهم: العدوي، ويقال: العدوي مولاهم أي: نسبة ولاء، وهو مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري, ومسلم, وأبو داود, والنسائي.
[عن أبي هريرة].
وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.
أما الإسناد الثاني فهو مثل هذا الإسناد، إلا أنه يختلف عنه في شخصين، أحدهما: هلال بن أسامة ، والثاني: أبو سلمة.
قوله: [عن هلال بن أسامة].
هو هلال بن علي بن أسامة، وهو هنا منسوب إلى جده، وأحياناً تأتي النسبة إلى الجد، وهو ثقة من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب.
[عن أبي سلمة].
وأبو سلمة هو الذي مر بنا مراراً وفي أول حديث من أحاديث النسائي, هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الثقات الحفاظ، وهو أحد الفقهاء السبعة على قول كما عرفنا ذلك فيما مضى.
والنسائي أورد الطريق الأولى التي هي من طريق ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ، وهي عالية بالنسبة للطريق الثانية؛ لأن زياد بن سعد في الأولى بينه وبين أبي هريرة واحد، وهو: ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ، وفي الطريق الثانية زياد بن سعد بينه وبين أبي هريرة اثنان وهما: هلال بن علي بن أسامة وأبو سلمة ، فتعتبر طريقاً نازلة؛ لأن رجالها أكثر، والوسائط بين زياد بن سعد وبين أبي هريرة اثنان في الطريق الثانية وواحد في الطريق الأولى، فالطريق الأولى يقال لها: عالية بالنسبة للطريق الثانية.
وأما قوله: (مثله) فقد عرفنا فيما مضى أن المراد بها: أن المتن مماثل للمتن الذي قبله، فالمتن هو: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم, فليغسله سبع مرات) ، هذا هو متن الإسناد الثاني، واكتفى بكلمة (مثله)؛ لأنها تؤدي ذلك المعنى فيما لو ساقه بلفظه وحروفه؛ فإن لفظ المماثلة يقتضي المساواة، بخلاف لفظ (نحو) فإنه لا يقتضي المساواة، بل يوافق في المعنى ويخالف في اللفظ، ويكون هناك تفاوت في الألفاظ، فهذا هو الفرق بين كلمة (مثله), وكلمة (نحوه), إذا جاءت محالاً فيها إلى متن سابق.
ويمكن أن يكون المقصود من ذلك: وجود تعدد الطرق إلى أبي هريرة ، وأنه جاء عن أبي هريرة من طريقين: طريق ثابت , وطريق هلال بن علي بن أسامة .
أخبرنا علي بن حجر أخبرنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) .
قال أبو عبد الرحمن : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله: (فليرقه) ].
أورد النسائي حديث أبي هريرة أيضاً من طريق أخرى، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات) فهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة: (فليرقه).
ثم قال النسائي: (لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على لفظ: (فليرقه)، وهذه اللفظة وهي (فليرقه) تدل على أن الماء الذي يلغ فيه الكلب يكون نجساً، وأنه يراق؛ لأن إراقته تدل على نجاسته، إذ لو كان منتفعاً به ويمكن أن يتطهر به لما أمر بإراقته، ففيه دليل على نجاسة الماء الذي ولغ فيه الكلب، وأن لعابه نجس، وأنه إذا صار في الماء فإنه ينجسه، وهذا فيما إذا كان قليلاً، وأما إذا ولغ في ماء كثير وهو ما فوق القلتين, فهذا لا تؤثر فيه النجاسة كما عرفنا ذلك، إلا إذا غيرت له لوناً أو طعماً أو ريحاً، ومن المعلوم أن ما دون القلتين ينجس وإن لم يتغير، فهذا الإناء الذي ولغ فيه الكلب قد لا يتغير بمجرد أن يكون أدخل لسانه فيه.
إذاً: فما دون القلتين وهو الماء القليل تؤثر فيه النجاسة وإن لم تغير له طعماً أو ريحاً أو لوناً، فإنه يتأثر بالنجاسة وينجس, ولا يجوز استعماله في الطهارة، ولا يجوز التطهر به واستعماله؛ لأنه نجس.
إذاً: فالأمر بالإراقة يدل على النجاسة، ويدل على أن النجاسة إذا وقعت في سائل أنها تنتشر؛ لأنه كما هو معلوم أنه أمر بالإراقة, ثم أمر بغسل الإناء بعد أن أريق منه الماء؛ وما ذاك إلا لأن النجاسة وصلت إلى الإناء، فيدل على أن النجاسة تنتشر في السائل، وأنها تصل إلى ما لم تباشره النجاسة، ومعلوم أن الولوغ إنما هو في الماء، فالماء أمر بإراقته وأمر أيضاً بغسله؛ وما ذاك إلا لأن النجاسة وصلت إلى الإناء, فوجب غسله.
وقول النسائي : (لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر) علي بن مسهر ثقة، وهي زيادة من الثقة, فتكون مقبولة، ثم إن الحافظ ابن حجر قد ذكر أنه وجد له متابع، لكن بطريق غير صحيح، ووجد متابع بإسناد صحيح, ولكنه موقوف وليس بمرفوع، ولكن لو لم يحصل المتابع, فعلي بن مسهر ثقة, يعتبر ما جاء عنه ثابتاً، وتعتبر زيادة من ثقة, فتكون مقبولة، وهي تدل على نجاسة الماء، وعلى إراقته لنجاسته.
علي بن حجر بن إياس السعدي، تقدم ذكره مراراً، وهو من رجال البخاري, ومسلم, والترمذي, والنسائي، وهو من الثقات الحفاظ.
[عن علي بن مسهر].
علي بن مسهر أحد الثقات، وقد خرج حديثه الجماعة أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رزين وأبي صالح عن الأعمش].
الأعمش هو: سليمان بن مهران ، وقد تقدم ذكره مراراً، والأعمش هو لقب يلقب به سليمان بن مهران ، وهو مشتهر بهذا اللقب، وكثيراً ما يأتي ذكره بلقبه، ويأتي أيضاً ذكره باسمه كما سبق أن مر بنا ذلك، ويقال فيه ما ذكرت قريباً بالنسبة للأعرج: أن هذه من الألقاب التي يحتاج إلى معرفتها حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين, فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.
ويروي الأعمش (عن أبي رزين وأبي صالح) .
وأما أبو صالح فهو ذكوان السمان، وقد سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو من الثقات, ومن رجال الكتب الستة، واسمه ذكوان ، وكنيته أبو صالح، ولقبه السمان، وأحياناً يقال: الزيات؛ لأنه كان يجلب الزيت, ويجلب السمن, ويبيعهما فلقب بـالزيات ولقب بـالسمان، واسمه ذكوان ، ويأتي كثيراً ذكره بكنيته.
وفي صحيح مسلم أسانيد كثيرة عنه من رواية ابنه سهيل عنه؛ سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وأما البخاري فإنه لم يخرج لابنه سهيل شيئاً، وإنما خرج لـأبي صالح .
وأما أبو رزين فهو: مسعود بن مالك الأسدي الكوفي، وهو ثقة، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد, ومسلم والأربعة.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت مطرفاً عن عبد الله بن المغفل: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورخص في كلب الصيد والغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب )].
أورد النسائي: باب: تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب، وأورد فيه حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ورخص في كلب الصيد والغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، وعفروه الثامنة بالتراب).
هذه الترجمة معقودة لتتريب الإناء الذي يلغ فيه الكلب عند غسله, وهو أنه يعفر بالتراب, ويغسل بالتراب غسلة واحدة، والتتريب ثبت في هذا الحديث, وهو عند مسلم في صحيحه، وجاء هنا بلفظ الثامنة، وهذا فيه مغايرة لما تقدم من الروايات من أن الغسل إنما هو سبع، وليس بثمان، غسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب: (أولاهن بالتراب) ، وفي بعضها: (إحداهن بالتراب) ، ورواية (إحداهن) مجملة، و(أولاهن) محددة، فيكون العبرة بالأولى، وأما الثامنة فإنها تحمل على الأولى، ولكن يقال لها: ثامنة باعتبار أنه يستعمل التراب, ثم يستعمل بعده الماء الذي يباشر التراب, فتكون الغسلة الأولى معها تراب، فيكون غسله بالماء سبع مرات أولاهن بالتراب، فتكون سبعاً, ولكن لما كانت الغسلة الأولى فيها تراب وفيها ماء صارت بمثابة اثنتين، والحديث الآخر قال: (سبعاً أولاهن بالتراب) فهي واحدة من سبع، فتكون رواية الثمان محمولة على الأولى المكونة من شيئين: تراب, وماء، ثم استعمال التراب في الغسلة الأولى هو المناسب؛ لأنه أولاً يباشر ما حصل من الكلب، ثم أيضاً لو كانت الثامنة تراباً لاحتيج إلى أن يأتي بعدها ماء، ولكن جاءت الروايات الأخرى الصحيحة مبينة أن الأولى من السبع بالتراب، فتكون رواية الثامنة محمولة عليها، ويكون على هذا لا بد من السبع, ولا بد من التتريب.
وبعض العلماء قال: إنه يغسل سبعاً ولا يترب، وهذا هو مذهب المالكية، وقد قال القرافي وهو من المالكية: وقد صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعجب منهم -أي: المالكية- كيف لم يقولوا به! وقد قال هذا القرافي فيما نقله الحافظ ابن حجر عنه في فتح الباري.
إذاً: فلا بد من الغسل سبعاً, يعني: لا بد من التسبيع, ولا بد من التتريب، يعني: في الأولى.
وهذا قد سبق أن مر ذكره، وهو من الثقات، وقد خرج حديثه مسلم, والترمذي, والنسائي, وابن ماجه, وأبو داود لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر.
[ قال: حدثنا خالد ].
هو ابن الحارث الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو أحد الثقات وخرج حديثه الجماعة، وهو هنا مهمل لم ينسب، ولكن جاء في ترجمة محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أنه روى عن خالد بن الحارث، يعني: ما ذكر في شيوخه في تهذيب الكمال من يسمى خالداً سوى خالد بن الحارث ، وقد سبق أن مر ذكر هذا الرجل فيما مضى، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب.
[حدثنا شعبة].
وشعبة أيضاً ذكروا في تلاميذه: خالد بن الحارث، وشعبة هو أحد الثقات الأثبات, الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب يدل على المبالغة في التعديل، فقول: أمير المؤمنين في الحديث، إليه المنتهى في التثبت، هذه صيغ يقال عنها: إنها من أعلى الصيغ وأقواها، ولا تحصل لكل أحد، وإنما تحصل للنوادر والقلة من الرجال، فـشعبة بن الحجاج أحد الذين وصفوا بهذا الوصف, وهو من رجال الجماعة، وحديثه في الكتب الستة.
[عن أبي التياح].
هذه كنيه اشتهر بها يزيد بن حميد الضبعي، خرج حديثه الجماعة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب، وهو مشهور بكنيته أبي التياح.
[قال: سمعت مطرفاً].
هو ابن عبد الله بن الشخير ، وهو أحد الثقات العباد، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب، وهو فاضل.
[عن عبد الله بن مغفل].
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أصحابه أجمعين، وقد مر بنا ذكر هذا الصحابي فيما مضى، وقد ذكرنا فيما مضى: أن له ثلاثة وأربعين حديثاً, اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث، كما جاء في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب سؤر الكلب) إلى (باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب) للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net