اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب الوضوء من الإناء - باب التسمية عند الوضوء للشيخ : عبد المحسن العباد
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب الوضوء من الإناء - باب التسمية عند الوضوء للشيخ : عبد المحسن العباد
أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فوضع يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضئوا، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الوضوء من الإناء، وأورد تحته حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه وقد حانت صلاة العصر، فالتمسوا الماء فلم يجدوا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بوَضوء في إناء -يعني: قليل- فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، حتى توضئوا جميعاً ) أي: من هذا الماء القليل الذي بارك الله تعالى فيه بملامسة النبي صلى الله عليه وسلم له، ودعائه عليه الصلاة والسلام، فكثر الماء ببركة ملامسته للماء القليل، وكثره الله عز وجل حتى كفى الفئام الكثيرة من الناس.
وهذا الحديث هو من أحاديث دلائل النبوة، ومن الأدلة الدالة على صدقه عليه الصلاة والسلام؛ حيث إن الله عز وجل يجري على يديه هذه الخوارق من العادات؛ فهنا ماء قليل يدخل يده في الإناء, فيتفجر الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام حتى يستفيد الناس جميعاً، وحتى يتوضأ الناس جميعاً من أولهم إلى آخرهم، ولم يبق أحد بحاجة إلى الوضوء.
ومحل الشاهد منه: الوضوء من الإناء، فالرسول صلى الله عليه وسلم توضأ من الإناء، والصحابة توضئوا من هذا الإناء الذي فيه ماء قليل, وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه، وبارك الله تعالى فيه، حتى كفى الفئام من الناس، وحتى كفى هذا العدد الكبير من الناس.
قد مر ذكر قتيبة مراراً وتكراراً، وهو من رجال الجماعة ومن الثقات, الأثبات، وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني.
[ عن مالك].
مالك هو إمام دار الهجرة الذي مر ذكره مراراً، وفي الحديث المتقدم مر ذكره.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
إسحاق هو أحد الثقات الأثبات, وهو من أهل المدينة، وحديثه في الكتب الستة، وقد سبق أن مر ذكره، بل سبق أن مر قريباً مثل هذا الإسناد تماماً.
[ عن أنس ].
هنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة يروي عن عمه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه، وعبد الله بن أبي طلحة الذي هو والد إسحاق هو الذي حنكه الرسول صلى الله عليه وسلم حين ولد، فبعدما وقع في قصة مجيء أبي طلحة إلى أم سليم، وكان لهما ولد، وكان مريضاً، وفي الوقت الذي جاء كان قد مات، وهي لم تخبره بموته، وتجملت وصنعت له طعاماً وأكل ثم جامعها، وقد سألها قبل ذلك عن الولد فقالت: إنه أهدأ ما يكون، وقد سكنت نفسه -وهي صادقةٌ فيما قالت- فهو فهم أنه شفي من المرض، وأنه هدأ نفسه، يعني: كان ثائر النفس من شدة المرض، وأنه هدأ نفسه، وهي تريد أنه هدأ نفسه أي: ذهبت النفس، وأنه استراح ليس فيه حركة، وهو يفهم أنه في راحة، فلما جامعها وأصبح، مهدت لذلك وقالت: أرأيت لو أن أناساً عندهم عارية، فردت العارية إلى صاحبها ما شأنهم؟ ثم قالت: إن ابنك قد مات، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حصل، فقال: (بارك الله لكما)، فنشأ عن ذلك الوقاع الذي حصل ولد وهو عبد الله هذا، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحنكه، وعبد الله صار له عدد من الأولاد وفيهم خير، ومن أهل علم، وفيهم إسحاق هذا الذي يروي عن أنس بن مالك الذي هو أخو أبيه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه؛ لأن أم عبد الله هي أم سليم أم أنس بن مالك، وإسحاق كما ذكرت هو من رجال الجماعة, ومن الثقات الأثبات, يروي عن أنس بن مالك، وأنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر ذكره في أحاديث عديدة، وهو من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق أن ذكرت ذلك فيما مضى.
هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث أنس بن مالك المتقدم: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بوضوء، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوا، فأتي بتور فيه ماء -والتور هو الإناء، ويقال: مثل الطست- فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه، فجعل ينبع من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، فتوضئوا جميعاً وناداهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حي على الطهور والبركة من الله)، يعني: هذا الماء الذي هو قليل، وهو طهور يتوضأ به، بارك الله تعالى فيه حتى كثر وكفى الفئام من الناس.
ثم ذكر الأعمش -وهو أحد رواة الأحاديث- أنه روى عن سالم بن أبي الجعد قال: ( كم كنتم يومئذ؟ قالوا: كنا ألفاً وخمسمائة )، وكان هذا في غزوة الحديبية، وهذا حديث آخر غير حديث عبد الله؛ لأن جابراً يروي هذا الحديث، وعبد الله بن مسعود يروي هذا الحديث، فإذاً: هذان حديثان: حديث عن جابر، وحديث عن عبد الله بن مسعود، وهذا الحديث -كما ذكرت في الحديث السابق- من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وهو أن الماء القليل يكون في إناء، ثم يبارك الله فيه فيكفي لألف وخمسمائة من الناس يتوضئون منه؛ لأن الأصل أن هذا الإناء يكفي لوضوء شخصٍ واحد، لكن أنزل الله تعالى فيه البركة، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام، حتى كفى ألفاً وخمسمائة من الناس توضئوا منه، فهو من دلائل نبوته الكثيرة، وهو من الأحاديث العديدة الدالة على ما ساقه الله على يديه من الخوارق للعادات.
طريقة النسائي -كما هو معلوم- المطردة في هذا الكتاب وغيره من كتبه أنه يقول: (أخبرنا).
وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه الذي سبق أن مر ذكره مراراً، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو محدث, فقيه، وقد خرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجه، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة كلهم رووا عنه مباشرةً إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وهو الذي سبق أن ذكرت أن من عادته وطريقته أنه يستعمل (أخبرنا) في روايته عن شيوخه.
[أخبرنا عبد الرزاق ].
هو ابن همام الصنعاني، المحدث, الفقيه, المشهور، ويأتي ذكره عند النسائي لأول مرة، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، هو أحد الثقات الحفاظ، ورحل العلماء إليه في اليمن لأخذ الحديث عنه، وكان مكثراً من الرواية في الحديث. وقيل عنه: إنه تشيع، لكن تشيعه هو من جنس -كما ذكرت سابقاً- تقديم علي على عثمان في الفضل، وتقديم علي على عثمان في الفضل لا يؤثر، ولا يبدع من قال به، وفيه جماعة من السلف يقولون بذلك، منهم: عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وعدد يقولون بهذا، وإن كان المشهور عند أهل السنة تقديم عثمان على علي في الفضل كما أنه مقدم عند الجميع في الخلافة، التقديم بالخلافة فما أحد يقول من أهل السنة: إن علياً أولى منه؛ لأن الصحابة اتفقوا على ذلك، فمن قال: بأن علياً أولى، فمعناه: أنه قال قولاً يخالف ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ضلال بلا شك، ولهذا قال بعض العلماء: من قدم علياً على عثمان في الخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، أما تقديمه عليه بالفضل فقد جاء عن بعض السلف، لكن لا يبدع من يقول به، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية، وقال: إن هذا لا يؤثر ولا يضر، ولا يبدع من يقول به، وإنما الذي يبدع فيها مسألة الخلافة؛ لأن معنى من قال بها أنه خالف ما عليه الصحابة، وخالف ما أطبق عليه الصحابة، وأجمع عليه الصحابة من تقديم عثمان على علي، والمشهور عن أهل السنة أن عثمان هو المقدم في الفضل كما هو المقدم في الخلافة، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على هذا؛ لأنهم كانوا في عهدهم يقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان، يعني: في زمن النبي عليه الصلاة والسلام.
[أخبرنا سفيان، عن الأعمش].
سفيان هنا مهمل لم ينسب، وعبد الرزاق روى عن السفيانين: سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، والسفيانان رويا عن الأعمش، فإذاً : بالنسبة للشيوخ والتلاميذ فـالأعمش شيخ لـسفيان الثوري ولـسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق تلميذ لـسفيان بن عيينة ولـسفيان الثوري، فإذاً :كيف يعرف أيهما؟ نقول: من المعلوم أن سفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، والأعمش كوفي، فإذاً: الأقرب والأظهر أن يكون هو سفيان الثوري، مع أننا ما وجدنا شيئاً يدلنا على تسمية سفيان وتعيينه، هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ لكن كون الثوري من أهل الكوفة، والأعمش من أهل الكوفة، ومن المعلوم أن العلماء إذا كانوا في بلد يكون اتصالهم بهم أكثر، والأخذ عنهم أكثر، بخلاف من لا يلقاه إلا في سفر عارض طارئ فترة ثم ينقطع، فإن من كان من أهل بلده، ومن كان يلتقي به مراراً وتكراراً يكون أقرب إلى أن يكون هو المعني، فإذاً :كون سفيان الثوري من أهل بلد الأعمش الذي هو (شيخه) فإنه يدل على أن سفيان الذي لم ينسب هنا هو الثوري.
والأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي الذي سبق أن مر ذكره كثيراً، والأعمش لقب له، وهو يأتي باسمه ويأتي بلقبه، وهو من الثقات الحفاظ، ومن رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب.
[عن إبراهيم ].
إبراهيم هو: ابن يزيد النخعي الكوفي، الإمام, المشهور والمعروف بالفقه والحديث، فقد سبق أن مر ذكره فيما مضى.
[عن علقمة].
علقمة يأتي ذكره لأول مرة، وهو: علقمة بن قيس النخعي، صاحب عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وعلقمة هذا هو عم الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد؛ لأن يزيد الذي هو والد الأسود وعبد الرحمن بن يزيد بن قيس هو أخو علقمة، فهو عمٌ لـعبد الرحمن، وعم للأسود بن يزيد بن قيس، وعلقمة هذا من الثقات، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مسعود].
هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وكان متقدم الوفاة -توفي سنة اثنين وثلاثين- ولهذا فإنه لا يعتبر من العبادلة الأربعة، فإذا ذكر في الصحابة العبادلة الأربعة فليس فيهم ابن مسعود، وإنما هم صغار الصحابة: ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير، فهؤلاء هم العبادلة الأربعة، وليس فيهم عبد الله بن مسعود ؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنين وثلاثين، وأما هؤلاء فتأخرت وفاتهم؛ منهم من فوق السبعين ومنهم قبل ذلك، فهم يعتبرون من صغار الصحابة، وكانوا في عصرٍ واحد، وطالت حياتهم بعد وفاة عبد الله بن مسعود؛ ولهذا يقال لهم: العبادلة الأربعة، وعبد الله بن مسعود ليس واحداً منهم، رضي الله تعالى عن الجميع، وحديثه في الكتب الستة كما سبق أن عرفنا ذلك فيما مضى.
وفي إسناد الحديث المتقدم قال الأعمش: حدثني سالم بن أبي الجعد، -وهذه طريق أخرى غير الطريق الأولى- قال: سألت جابراً -والسائل هو سالم بن أبي الجعد-: ( كم كنتم يومئذ؟ قال: كنا ألفاً وخمسمائة ). وسالم بن أبي الجعد هو من أهل البصرة، وهو من الثقات، وخرج حديثه أصحاب الكتب.
وجابر بن عبد الله هو: جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد سبق أن مر ذكره فيما مضى، وحديثه في الكتب الستة.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت وقتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مع أحدٍ منكم ماء؟ فوضع يده في الماء ويقول: توضئوا باسم الله، فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم، قال ثابت: قلت لـأنس: كم تراهم؟ قال: نحواً من سبعين ).
يقول النسائي رحمه الله: باب التسمية عند الوضوء، يعني: في ابتداء الوضوء، عندما يبدأ الإنسان في الوضوء، أو يريد أن يتوضأ يسمي الله عز وجل، وقد أورد النسائي هذه الترجمة لبيان مشروعية التسمية، وأورد تحتها حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: ( أن بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام طلبوا الوضوء، فقال عليه الصلاة والسلام: هل أحد معه ماء؟ فأوتي بماء ووضع يده فيه وقال: توضئوا باسم الله، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضئوا جميعاً )، ثم قال ثابت البناني -وهو أحد الراويين اللذين رويا عن أنس هذا الحديث-: (كم تراهم)؟ يعني: هؤلاء الصحابة الذين توضئوا. قال: (نحواً من سبعين).
والمقصود من إيراد الحديث: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (توضئوا باسم الله)، فهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا؛ وهو للاستدلال به على مشروعية التسمية عند الوضوء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (توضئوا باسم الله)؛ أي: مبتدئين باسم الله، أو قائلين: باسم الله، وهو يدل على هذا، وقد ورد حديث صريح في المسألة؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وقد تكلم فيه، ولكن طرقه كثيرة، ويقوي بعضها بعضاً، ولهذا فإن بعض العلماء قال: بأنه مستحب، وبعضهم قال: بأنه واجب مع الذكر، أما إذا لم يذكر ونسي فإنه لا شيء عليه في ذلك، وقال السندي في حاشيته: لعل النسائي لم يذكر هذا الحديث لما فيه من الكلام، وأتى بهذا الحديث المشتمل على التسمية، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (توضئوا باسم الله).
ولفظ (الوضوء) الذي في الحديث: (أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طلبوا الوضوء) هو بفتح الواو، وقد عرفنا فيما مضى أن ما كان مفتوحاً من هذا اللفظ فالمراد به الماء الذي يتوضأ به، وإذا كان مضموماً فالمراد به الفعل الذي هي التوضؤ، فكون الإنسان يتوضأ بالفعل، هذا يقال له: وضوء، والماء الذي يستعمل في الوضوء يسمى وَضوءاً.
وهذا الحديث أيضاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ حيث يبارك الله عز وجل بالماء القليل الذي يضع يده فيه فيكفي الفئام من الناس، ويكفي الأعداد الكبيرة من الناس، فإن هذا الحديث يقول فيه أنس: إنهم كانوا (نحواً من سبعين)، وقد عرفنا سابقاً ما جاء في حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: ( أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة )، يعني: في الحديبية، وجاء في بعض الطرق: ( ولو كنا مائة ألف لكفانا )، فهذه الأحاديث هي من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث تقع أمور خارقة للعادة يجريها الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام، فهنا ماء قليل يكون في إناء فيبارك الله تعالى فيه؛ حيث يضع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يده فيه، فيتفجر الماء من بين أصابعه ويفور حتى يكفي الأعداد الكبيرة الهائلة من الناس، فهو من دلائل نبوته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه، وهو محدث, فقيه، إمام، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنهم رووا عنه مباشرةً، وهو من شيوخهم جميعاً إلا ابن ماجه فإنه لم يرو عنه شيئاً، ولم يخرج عنه شيئاً، وهو من الحفاظ والثقات, المتقنين المؤلفين، ولـإسحاق بن راهويه مسند، وعادته وطريقته أنه يستعمل (أخبرنا)، كما كانت هذه طريقة النسائي، حيث يقول عن شيوخه: أخبرنا، وكذلك إسحاق بن راهويه يقول عن شيوخه: أخبرنا.
[أنبأنا عبد الرزاق ].
هو ابن همام بن نافع الصنعاني، الإمام المشهور, الذي رحل الناس إليه في اليمن، وأخذوا الحديث عنه، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الحفاظ، وقد مر ذكره فيما مضى.
[حدثنا معمر ].
هو ابن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو من الثقات الحفاظ، ومن رجال الجماعة، وهو شيخ لـعبد الرزاق، روى عنه عبد الرزاق كثيراً من الأحاديث، وكثيراً ما يأتي في الصحيحين رواية عبد الرزاق عن معمر، بل إن صحيفة همام بن منبه التي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً هي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام؛ لأن الصحيفة كلها بهذا الإسناد: عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهي في مسند الإمام أحمد كلها، وهي ضمن مسند أبي هريرة، ويفصل بين كل حديث وحديث بقوله: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا؛ أي: يأتي بإسناد واحد في أولها ثم يفصل بين كل حديث وحديث بهذه الجملة.
والبخاري ومسلم انتقيا من هذه الصحيفة؛ فأحاديث اتفقا على إخراجها، وأحاديث منها انفرد بإخراجها البخاري، وأحاديث منها انفرد بإخراجها مسلم، وقد ذكرت فيما مضى أن هذا من أوضح الأدلة التي استدلوا بها على أن البخاري ومسلماً لم يقصدا استيعاب الصحيح، ولم يريدا جمع الأحاديث الصحيحة كلها، وأنه لا يقال: إنهما أرادا ذلك؛ لأن هذه الصحيفة بإسناد واحد منها ما هو موجود عند البخاري , ومسلم، ومنها ما هو موجود وعند البخاري وحده ومنها ما هو موجود عند مسلم وحده، فلو كانت القضية جمع الأحاديث الصحيحة لاستوعباها، وإنما ذكرا بعضها اتفاقاً، وكل واحد منهما أخذ ما لم يأخذ الآخر، وتركا منها أشياء ليست عندهما، فإذاً: هذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على أن البخاري , ومسلماً ما أرادا استيعاب الأحاديث الصحيحة، ولا تخريج كل الأحاديث الصحيحة، وإنما أرادا جمع جملة كبيرة من الأحاديث الصحيحة، وليست كل الأحاديث الصحيحة، ولهذا فإن استدراك الحاكم عليهما لا وجه له؛ لأنهما ما أرادا الاستيعاب، فإلزامهم بأن هذا على شرطهم وما خرجوه ليس بلازم لهما؛ لأنهما لم يلتزما حتى يلزما، ولم يلتزما حتى يقال: فاتهما.
وهنا قتادة معطوف على ثابت؛ لأن معمراً روى عن ثابت وعن قتادة، وكل من الاثنين يروي عن أنس بن مالك، فـقتادة مجرور، لكونه ممنوعاً من الصرف فيكون مفتوحاً, لكن لا يكون مضموماً؛ لأنه سيكون معطوفاً على معمر، ومن المعلوم أن قتادة متقدم وفاته قبل العشرين ومائة، وأما عبد الرزاق فولادته بعد العشرين ومائة، فهو ما أدرك زمانه.
[عن ثابت وقتادة].
ثابت هو ابن أسلم البناني الذي سبق أن مر ذكره، وهو من الثقات الحفاظ، وممن خرج حديثه أصحاب الكتب.
وقتادة هو ابن دعامة السدوسي الذي سبق أن مر ذكره مراراً، وهو من الثقات، ومن رجال الكتب الستة، خرجوا حديثه جميعاً.
[عن أنس].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره مراراً، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ثابت: قلت لـأنس: (كم تراهم) يعني: تظنهم، وقوله: (نحواً) يدل على أن القضية ظن وليست علم؛ لأن ترى بالفتح بمعنى العلم، وأما تُرى بالضم فهي بمعنى الظن, وهي المطابقة لقوله: (نحواً من سبعين).
أقول: هما قضيتان: القضية التي يرويها أنس، وقضية صلح الحديبية التي فيها حديث جابر الذي قال: (كنا ألفاً وخمسمائة، ولو كنا مائة ألف لكفانا)، هذه مسألة أخرى.
وحصول دلائل النبوة، وحصول هذه الخوارق للعادات جرت في قصص متعددة وفي أحوال مختلفة، جمعها الذين عنوا بدلائل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل: أبي نعيم, ومثل: البيهقي، وإسماعيل الأصبهاني، والفريابي، وغيرهم كثير، وكتبهم اسمها: دلائل النبوة، فيجمعون مثل هذه الأحاديث التي فيها معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته، والخوارق للعادات التي أجراها الله تعالى على يديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ومن الكتب: (دلائل النبوة للبيهقي)، و(دلائل النبوة) لـأبي نعيم الأصبهاني، و(دلائل النبوة) لـإسماعيل الأصبهاني الذي هو قوام السنة، وكذلك (دلائل النبوة) للفريابي، وغيرهم ألفوا في هذا، وقد عنوا بجمع ما كان من هذا القبيل.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب الوضوء من الإناء - باب التسمية عند الوضوء للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net