اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب المضمضة والاستنشاق) إلى (باب المبالغة في الاستنشاق) للشيخ : عبد المحسن العباد
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب المضمضة والاستنشاق) إلى (باب المبالغة في الاستنشاق) للشيخ : عبد المحسن العباد
أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه اليمنى إلى المرفق ثلاثاً, ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي, ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا, ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء, غفر له ما تقدم من ذنبه)].
هنا أورد النسائي باب المضمضة والاستنشاق، وأورد تحتها حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه حمران بن أبان.
وقد (أفرغ على يديه ثلاثاً)، وهذا النص صريح في الترجمة السابقة، لكن هنا تفصيل: أفرغ على يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء، يعني: غسلهما خارج الإناء ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق، ولم يذكر التثليث، لكنه جاء في بعض الروايات. ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً، ثم اليد اليسرى ثلاثاً، ومسح على رأسه، وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، ثم رجله اليسرى ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، وقال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه).
إذاً: فالحديث دال على مشروعية المضمضة والاستنشاق، ومن العلماء من قال باستحباب ذلك، ومنهم من قال بالوجوب، والأظهر هو القول بالوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين كيفية الوضوء، وبين كيفية ما جاء في آية المائدة في الوضوء بفعله، وأيضاً جاء الأمر بالمضمضة والاستنشاق، وأن يبالغ في الاستنشاق إلا أن يكون صائماً.
وهو سويد بن نصر المروزي، ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
وهو ابن المبارك، وإذا جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله فهو ابن المبارك؛ لأنه راويته. وعبد الله بن المبارك الإمام، المحدث، المشهور، الذي قال عنه في التقريب: إمام، حافظ، ثقة، عالم، مجاهد، جواد، جمعت فيه خصال الخير. وحديثه في الكتب الستة كما عرف.
[عن معمر]
ومعمر هو: ابن راشد الأزدي نزيل اليمن، وهو الذي يروي عنه عبد الرزاق بن همام كثيراً، وصحيفة همام بن منبه المشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً بإسناد واحد: عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فـمعمر بن راشد الأزدي هذا هو أحد الثقات، الحفاظ، وحديثه في الكتب الستة .
[عن الزهري].
هو الإمام، المشهور، وهو من رجال الكتب الستة كما عرفنا ذلك.
[عن عطاء بن يزيد الليثي].
عطاء بن يزيد الليثي هو من الثقات، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حمران].
وحمران يأتي لأول مرة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن عفان].
وعثمان بن عفان رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الخلفاء الراشدين، وهو صهر الرسول صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية وأم كلثوم، وصاحب المناقب الكثيرة، الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه تستحي منه الملائكة)، وهو من أصحاب الأموال التي استفاد منها أصحابها؛ حيث كان ثرياً، جهز جيش العسرة في غزوة تبوك، جهز فيه ثلاثمائة بعير بأحمالها وعتادها، وهو الذي اشترى بئر رومة وجعلها وقفاً للمسلمين، ومناقبه كثيرة جمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عن الجميع.
أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني عطاء بن يزيد، عن حمران: (أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء فتمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل من رجليه ثلاث مرات، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا, ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء, غفر الله له ما تقدم من ذنبه)].
يقول النسائي رحمه الله: بأي اليدين يتمضمض، لما ذكر الترجمة السابقة التي فيها المضمضة والاستنشاق، وأنها مشروعة، ذكر بعد هذه الترجمة باب: بأي اليدين يتمضمض، أي أنه يأخذ ماءً ليتمضمض به بأي اليدين، هل هو باليمنى أو باليسرى؟
وقد أورد حديث حمران عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والمشتمل على بيان أن الماء للمضمضة يؤخذ باليد اليمنى، فقد أورد تحت هذه الترجمة حديث عثمان الذي سبق ذكره، وفي الباب الذي قبل هذا الباب أورده من طريق أخرى.
قال: إن عثمان رضي الله عنه دعا بوَضوء، يعني: دعا بماء يتوضأ به.
والوَضوء بالفتح هو: الماء المستعمل الذي يتوضأ به. وأما الوُضوء بالضم فهو: فعل الوضوء، فقد جاء ذكر اللفظين في هذا الحديث ذكر الوَضوء في أوله، ثم قال: (من توضأ وضوئي)، يعني في آخر الحديث، قال (وضوئي).
وعثمان رضي الله عنه لما دعا بوضوء أفرغ على يديه فغسلهما ثلاثاً خارج الإناء، ثم أدخل يده اليمنى في الماء وأخذ ماءً للمضمضة, فتمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلاً من رجليه ثلاث مرات، ثم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ وقال: ( من توضأ مثل وضوئي هذا, ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء, غفر له ما تقدم من ذنبه ).
فحديث عثمان رضي الله عنه مشتمل على بيان كيفية الوضوء، وأورده هنا من أجل بيان اليد التي يحصل بها أخذ الماء للمضمضة، وأنها اليمنى كما صرح به في هذا الحديث.
قال في آخره: ( من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين )، يدل على أن الوضوء يستحب أن يصلى بعده ركعتان سنة الوضوء، ثم قال: (من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء, غفر له ما تقدم من ذنبه).
وفيه بيان الإقبال على الصلاة وصرف ما يشغل عنها، وإذا هجم على الإنسان هاجس أو خاطر فإنه يدفعه ويكون مقبلاً على صلاته، وبهذا يغفر له ما تقدم من ذنبه، والمراد بالذنوب التي تغفر: الصغائر، أما الكبائر فإنها لا تغفر إلا بالتوبة، فإذا تاب وصلى الركعتين وقد تاب من جميع الذنوب، فإنها تغفر الذنوب بتوبته وبصلاة هاتين الركعتين، أما الصغائر فإنها تغفر باجتناب الكبائر، وتغفر أيضاً بفعل الصالحات كما جاء في هذا الحديث، وكما جاء في الحديث الآخر: (الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان, كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
وهو حمصي، خرج له النسائي وحده، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق.
[ عن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ].
وهو أيضاً حمصي كما أن تلميذه حمصي، وعثمان هذا ثقة، خرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري ومسلم ولا الترمذي، وهو ثقة، عابد، ويروي عن شيخه شعيب بن أبي حمزة.
[عن شعيب هو ابن أبي حمزة].
وشعيب بن أبي حمزة هو أيضاً حمصي، وهو ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويقال: إنه من أثبت أصحاب الزهري، وهؤلاء الثلاثة يأتي ذكرهم لأول مرة في سنن النسائي، وهم: أحمد بن محمد بن المغيرة وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة، وكلهم من أهل حمص.
[عن الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الذي هو أبو قصي بن كلاب.
وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات، الحفاظ، المعروف بالفقه والحديث.
[أخبرني عطاء بن يزيد].
هو الليثي كما ذكر قبل، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حمران].
هو ابن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عن عثمان وعن الصحابة أجمعين، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات، وهو الذي يروي عن عثمان بن عفان صفة الوضوء التي فعلها عثمان وقال: إنه يتابع فيها وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: إن الرسول توضأ وضوئي هذا، ثم قال: ( من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه ).
قال في الرواية السابقة: (نحو وضوئي)، وفي هذه قال: (مثل وضوئه).
معلوم أن (المثل) يعني: معناه المشابهة والمطابقة، وأما (نحو) فإنها المقاربة، يعني: قريب منه، قريب من أن يشبهه، هذا هو المراد بـ(نحو) والمراد بـ(مثل).
ومن المعلوم أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه توضأ وضوءاً تابع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل كما عمل رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الحديث مخرجه واحد، فإحدى الروايتين إنما هي بالمعنى.
أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد ح وأخبرنا الحسين بن عيسى حدثنا معن عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اتخاذ الاستنثار، يعني: فعله في الوضوء، والاستنثار هو: إخراج الماء من الأنف بعد إدخاله فيه بالاستنشاق؛ وذلك لتنظيفه وإخراج ما فيه من وسخ، والاستنشاق هو: إدخاله وجذبه بريح الأنف، فالاستنشاق والاستنثار يتعلقان بالأنف، وتقدم ذكر المضمضة والاستنشاق، وهنا قال: اتخاذ الاستنثار .
وقد أورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)، فقوله: (فليجعل في أنفه ماء)، هو الاستنشاق، ثم قال: (ثم ليستنثر)، هو إخراجه من الأنف، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، أي: كونه دالاً على فعل الاستنثار.
النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة، وقد مر ذكر رواية النسائي عن محمد بن منصور قبل هذا الحديث، وذكرت أن الأقرب والأظهر منهما: أنه محمد بن منصور المكي الملقب بـالجواز، فهو أقربهما؛ وذلك أنه مكي وسفيان بن عيينة مكي، ومن المعلوم أن من يكون له علاقة بشيخه إما أن يكون معروفاً بإكثار الرواية، أو لكثرة الاتصال والعلاقة به، فإنه إذا أُهمل يكون تعيينه بمعرفة هذه الملابسات، وهذه العلاقة التي يتميز بها عن زميله وقرينه في الطلب. ومحمد بن منصور الثاني فهو طوسي كوفي، فيكون الأقرب والأظهر في التعيين بأن يكون المكي الملقب بـالجواز وهو شيخ النسائي في هذا الحديث، وفيما يأتي من الأحاديث في الرواية عن سفيان بن عيينة ويكون غير موضح بأنه الجواز؛ فإنه يحمل عليه.
محمد بن منصور الجواز خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب سواه.
[سفيان].
سفيان المهمل هنا هو ابن عيينة، وكل من محمد بن منصور، وابن عيينة مكي.
إذاً: فـسفيان الذي أهمل هنا ولم يذكر هو ابن عيينة، وقد سبق أن مر ذكره، وأنه من الثقات، الحفاظ، ثقة، حافظ، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب على صورة الكنية وليست كنيته، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولقبه أبو الزناد، وهو من الثقات، الحفاظ، وحديثه مخرج في الكتب الستة.
[أخبرنا الحسين بن عيسى].
ثم قال: ح، و(ح) هذه معناها التحويل من إسناد إلى إسناد، وقد ذكرت فيما سبق أن النسائي يقل من استعمالها ولا يكثر منها، وأن عمله يشبه عمل البخاري؛ لأنه قليل التحويل؛ حيث لا يحتاج إليه، وكذلك النسائي قليل التحويل؛ لأنه لا يحتاج إليه، وذلك أنه يكثر الأبواب، ويأتي بالأحاديث بطرق مختلفة للاستدلال بها على موضوعات في تراجم، وهذا يفيد أنهما عمدا إلى أن يكون كتاباهما كتابي فقه وحديث، وكتابي رواية ودراية، فكان الحديث الذي يأتي بطرق مختلفة يذكرانه في مواضع متعددة من أجل الاستدلال به على موضوعات مختلفة، بخلاف مسلم؛ فإنه يذكر الأحاديث في مكان واحد فيحتاج إلى أن يستعمل التحويل.
وهنا يقول: ح، وفائدة ذكر (ح): حتى لا يظن أن الأسانيد متصل بعضها ببعض من حيث أن ما يكون بعدها يكون سابقاً لما قبلها؛ لأنها تعني الرجوع إلى بدء إسناد آخر؛ لأن أبا الزناد يروي عن الأعرج، والأعرج يروي عن أبي هريرة، والذي بعد (ح) يروي عنه النسائي، فهو إشارة إلى رجوع إلى شيخ آخر، وإلى ابتداء إسناد جديد، فكلمة (ح) تشعر بهذا وتدل عليه.
والحسين بن عيسى هو الطائي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو صدوق، صاحب حديث؛ كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، يعني مثل إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فإن ابن ماجه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا معن].
معن هو: ابن عيسى الذي تقدم ذكره، وأنه أثبت أصحاب مالك، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
مالك هو إمام دار الهجرة الذي تقدم ذكره كثيراً، وحديثه في الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
فالإسناد الأول عالي، والإسناد الثاني نازل؛ لأن الأول بين النسائي وبين أبي الزناد واسطتان هما شيخه محمد بن منصور وسفيان بن عيينة، والثاني بينه وبينه ثلاثة، الحسين بن عيسى الطائي ومعن بن عيسى والإمام مالك، فهو نازل.
[الأعرج].
فهو لقب لـعبد الرحمن بن هرمز، وهو مشهور به، يأتي ذكره كثيراً بلقبه، كما يأتي ذكره باسمه عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، من رجال أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه أحد الصحابة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق ذكره مراراً وتكراراً .
في الإسناد المتقدم صحابي الحديث عثمان بن عفان، وأحاديثه في الكتب مائة وستة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثة، وانفرد البخاري بثمانية، وانفرد مسلم بخمسة، أما أبو هريرة فقد سبق أن عرفنا ما له من الأحاديث، وأنها أكثر من خمسة آلاف حديث.
أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير، ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال: أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)].
هنا أورد النسائي بعد اتخاذ الاستنثار: المبالغة في الاستنشاق؛ لأن الاستنشاق هو إدخال الماء للأنف بجذبه بالنفس بريح الأنف، والاستنثار هو إخراجه، وهنا الترجمة: المبالغة في الاستنشاق إلا في حال الصيام، وأورد تحتها حديث: لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وإسباغ الوضوء يكون بتثليثه، بحيث يأتي به ثلاثاً ثلاثاً، وأيضاً بدلك الأعضاء باليد حتى يحصل التنظيف، وحتى يحصل التمكن وتكرر وصول الماء إلى أعضاء الوضوء، فهذه هي المبالغة في الوضوء.
وكذلك أيضاً كونه يشرع عند غسل اليدين والرجلين، أيضاً يشرع في العضد وفي الساق، بمعنى: أنه يتجاوز المرفقين والكعبين قليلاً بحيث يدخل فيما بعدهما، وهذا هو أقصى ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ حيث كان يدخل فيهما ويتجاوز الكعبين والمرفقين، ويبدأ بما وراءهما ولا يتعدى ذلك كثيراً، فهذا هو إسباغ الوضوء.
والمبالغة في الاستنشاق, يعني: جذبه بقوة، لكن استثني من ذلك حال الصيام؛ لأن حال الصيام قد يؤدي إلى وصول ودخول الماء في الفم عن طريق الأنف، ولهذا قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا فيه سد الذرائع؛ لأنه لما كان المبالغة في الاستنشاق ذريعة إلى وصول الماء إلى الحلق عن طريق الاستنشاق، استثنى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في حال الصيام؛ حيث قال: (إلا أن تكون صائماً)، وقد جمع ابن القيم من أدلة سد الذرائع تسعة وتسعين دليلاً أوردها في كتابه إعلام الموقعين، وقال: إن هذا العدد يوافق ما جاء في الحديث من ذكر أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحصاها دخل الجنة).
قتيبة بن سعيد مر ذكره كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو من الثقات، الحفاظ.
[ حدثنا يحيى بن سليم ].
هو يحيى بن سليم الطائفي، صدوق، سيء الحفظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسماعيل بن كثير ].
وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وتعليقاً في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة.
ثم حول الإسناد فقال: [ وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].
هو الحنظلي المعروف بابن راهويه، وهو من الثقات الحفاظ، ومن الفقهاء، وله كتاب مسند، وطريقته أنه يستعمل لفظ ( أخبرنا ) كما يستعملها النسائي، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[أخبرنا وكيع].
هو ابن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، والرؤاسي نسبة إلى قبيلة، والكوفي نسبة إلى بلد، فيقال له: الرؤاسي، ويقال له: الكوفي، وهو محدث، وصاحب تصانيف، وهو من الثقات، الحفاظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
وسفيان هنا غير منسوب، ووكيع يروي عن سفيان الثوري كثيراً، ويروي عن سفيان بن عيينة قليلاً، والأظهر أنه الثوري؛ لأنه أولاً من أهل بلده، أي: من الكوفة، وأيضاً هو معروف بإكثار الرواية عنه وقليل الرواية عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء وكيع عن سفيان غير منسوب فالمراد به سفيان الثوري، وقد نبه على هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري الجزء الأول صفحة (204) في إسناد فيه رواية وكيع عن سفيان، وقال: إن القاعدة: أنه إذا كان اثنان متفقان في الاسم، فيحمل على من يكون له خصوصية، بأن يكون مكثراً، قال: وسفيان الثوري له خصوصية، ووكيع له خصوصية بـسفيان الثوري؛ لأنه مكثر عنه.
[ عن أبي هاشم ].
أبو هاشم هذا هو إسماعيل، في الطريق الأولى إسماعيل بن كثير ، وكنيته أبو هاشم، ذكره في الإسناد الأول باسمه، وذكره في الإسناد الثاني بكنيته، ولهذا كما قلت: إن معرفة كنى المحدثين مهمة؛ لأن الذي لا يعرف يظن أن أبا هاشم شخص آخر غير إسماعيل بن كثير الموجود في الإسناد الأول، وإذا كان الإنسان يعرف أن إسماعيل بن كثير كنيته أبو هاشم، فإذا جاء مرة في الإسناد باسمه، ومرة في إسناد بكنيته، لا يظن أنه اثنين، وإنما يعرف أنه واحد.
أي: الإسناد الثاني أنزل من الأول؛ لأن الأول فيه بين النسائي وبين إسماعيل بن كثير واسطتان، هما: قتيبة ويحيى الطائفي، والطريق الثاني: فيها إسحاق بن إبراهيم ووكيع وسفيان الثوري، ثلاثة، فهو نازل عنه.
[عن عاصم بن لقيط].
هو عاصم بن لقيط بن صبرة، وعاصم هذا ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، وأبوه لقيط بن صبرة صحابي خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
وإذاً هذا الإسناد فيه ثلاثة كلهم روى عنهم البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، وهم عاصم، وأبوه لقيط، وإسماعيل بن كثير.
[عن لقيط بن صبرة].
هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقال: إنه هو أبو رزين العقيلي، وسبق أن مر بنا واحد من التابعين كنيته أبو رزين، وهو مسعود بن مالك الأسدي، وهذا صحابي كنيته أبو رزين، وهو لقيط بن صبرة، وله أربعة وعشرون حديثاً، وليس فيها شيء في الصحيحين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب المضمضة والاستنشاق) إلى (باب المبالغة في الاستنشاق) للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net