إسلام ويب

من الأمور التي ينتقض بها الوضوء المذي، فقد أمرنا الشرع بنضح الفرج بالماء عند خروجه، والوضوء عند إرادة الصلاة أو قراءة القرآن أو الطواف، ومن الأمور التي ينتقض بها الوضوء الغائط والبول.

تابع ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.

أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي عن مالك وهو ابن أنس عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: إن علياً رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة)].

هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.

وقد مر معنا سابقاً ترجمة مطلقة عامة، وتحتها أبواب متعددة، وهي: ما ينقض وما لا ينقض، والباب الذي بدأ به من هذه التراجم هو الوضوء من المذي من حديث علي رضي الله عنه في قصة طلبه من المقداد، ومن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقد مر بنا بعض الطرق المتعلقة بذلك، وكلها من حديث علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الحديث الذي معنا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه؛ لأنه هو الذي يحدث، وهو الذي يحكي ما حصل، بخلاف ما تقدم فإن علياً هو الذي يحكي ما حصل، فهو المحدث بهذا الحديث، وهو الذي أُخذ عنه هذا الحديث.

أما هذه الطريقة التي معنا فـالمقداد بن الأسود يقول: إن علياً رضي الله عنه طلب منه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا أمذى ماذا عليه؟ وأما علي رضي الله عنه فلم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته فاطمة منه، ولكونه صهره، وأما المقداد يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)، فالمتن هذا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث عن علي رضي الله عنه؛ لأنها كلها قصة واحدة، وكلها موضوعها واحد، وهو أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً، وأنه لمصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم استحيا أن يواجه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال، فطلب من بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بمحضر من علي، فلهذا كان علي رضي الله عنه يروي الحديث بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المقداد كما هنا يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه)، والمراد بالنضح: هو الغسل، وهو الاستنجاء الذي سبق أن مرت الإشارة إليه، والنضح يأتي هنا بمعنى الغسل الخفيف وبمعنى الرش.

ولكن هنا المقصود به الغسل؛ لأن معنى ينضح فرجه يعني: يغسل فرجه الذي هو الاستنجاء، وذلك لإزالة ما قد يكون ظهر وانتشر من الخارج النجس، الذي هو المذي، وهو -كما عرفنا- من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له النسائي هنا حيث قال: باب: الوضوء من المذي، فإنه من جملة نواقض الوضوء، بل إن كل خارج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواءً كان مذياً أو بولاً أو غير ذلك.

قوله: (وليتوضأ وضوءه للصلاة)، ليس المقصود من ذلك من حصل منه هذا فيجب عليه على الفور، وإنما المقصود من ذلك أنه انتقض وضوءه، إذا كان متوضئاً، فإذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يقرأ قرآناً، أو أراد أن يطوف، أو يعمل أي عمل من شرطه الطهارة، فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه إذا كان متوضئاً، وحصل منه ذلك المذي الذي خرج نتيجة للملاعبة والمداعبة، فإنه يكون قد انتقض الوضوء، ولابد من إعادته عند إرادة الصلاة، أو القراءة، أو الطواف، أو ما غير ذلك مما يشرع له الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي].

هو عتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي، وهو صدوق، وخرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، ويروي غالباً عن مالك.

[عن مالك].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفين بالفقه، وهو محدث، فقيه، كثير الحديث، والذي نقل عنه من الفقه شيء كثير.

وفي الإسناد (هو ابن أنس)؛ لأن هذه الكلمة تتكرر، وذكرت أن المراد منها بيان أن من دون التلميذ أضاف في بيان اسم الراوي ما يميزه، وما يوضحه، وأُتي بكلمة (هو) حتى يعرف أنها ليست من كلام التلميذ؛ لأن التلميذ الذي هو عتبة بن عبد الله قال: عن مالك، ما زاد على كلمة مالك، لكن الذين بعده لما أرادوا أن يوضحوا وهم: النسائي ومن دون النسائي أتوا بنسبه وهو ابن أنس.

[عن أبي النضر].

وأبو النضر هي كنية، وصاحبها هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، ومن رجال الجماعة.

[عن سليمان بن يسار].

هو سليمان بن يسار الهلالي المدني، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت: أن الفقهاء السبعة ستة منهم اتفقوا على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه خلاف، وأما الستة المتفق عليهم هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: من العلماء من قال: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ورحم الله سالماً، والقول الثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقول الثالث: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والذي معنا هنا من الذين اتفق على عده منهم، وليس من الذين اختلف فيهم، وهو سليمان بن يسار الهلالي.

قوله: [عن المقداد].

هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرائي الكندي الزهري، ولديه ثلاث نسب، أما النسبة الأولى فهي نسبة أصل وهي البهرائي نسبة إلى بهراء، وهي قبيلته، والنسبة الثانية الكندي نسبة إلى محالفة؛ لأن أباه حالف كنده، فنسب إلى كنده بسبب الحلف، والنسبة الثالثة: الزهري؛ لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية، فنسب إليه، فيقال له: المقداد بن الأسود، والأسود ليس أباه، وإنما هو أبوه بالتبني، وكان مشهوراً به في الجاهلية، وإلا فأبوه هو: عمرو بن ثعلبة بن مالك؛ ولأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية لما كان التبني موجوداً في الجاهلية، وقد جاء الشرع ونسخه وألغاه وقضى عليه، وصار الناس إنما ينسبون لآبائهم، لكنه اشتهر بهذه النسبة، فلهذا يذكر أحياناً فيقال: المقداد بن الأسود، وأحياناً يقال: المقداد بن عمرو، فهذه نسبة بسبب التبني، والمقداد بن عمرو هي نسبة نسب وأصل.

والمقداد بن عمرو، أو المقداد بن الأسود هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله اثنان وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على واحد، وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث.

شرح حديث علي في الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني سليمان قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء)].

أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو كالذي قبله، فالقصة واحدة، والموضوع واحد، وكلها تتحدث أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً؛ يعني: يخرج منه المذي كثيراً بسبب المداعبة والملاعبة لأهله، وأنه استحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب كونه صهره، وابنته فاطمة تحته، فأمر المقداد بن الأسود أن يسأله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب: (بأن فيه الوضوء)، فهو دال على ما دلت عليه الطرق المتقدمة من أن المذي إذا خرج من الإنسان، وكان متوضئاً فإن وضوءه ينتقض، وأنه عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ الوضوء الشرعي المعروف.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].

هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم، وعند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وعند أبي داود في كتاب القدر.

[حدثنا خالد].

هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

هو شعبة بن الحجاج الإمام المعروف، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وصيغ التوثيق، وهو من المحدثين الذين لهم معرفة، ولهم كلام كثير في الجرح والتعديل، والكلام في الرجال، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني سليمان].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، الملقب بـالأعمش، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه الذي هو: الأعمش كثيراً، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في مصطلح الحديث؛ لأن الذي لا يعرف اللقب للمحدث قد يراه باسمه مرة، وبلقبه أخرى، فيظن أن هذا غير هذا، ففائدة معرفته دفع أن يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه.

وسليمان بن مهران الكاهلي الأعمش هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعروف بالتدليس، لكن من الرواة من علم بأنهم لا يروون عن المدلسين إلا ما أمن تدليسه، ومن هؤلاء شعبة، فإنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، فإذا جاء شعبة يروي عن مدلس، فلو عنعن المدلس، فإن روايته محمولة على الاتصال؛ لأنه قد عرف أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، والذي أمن فيه تدليسهم.

[سمعت منذراً].

هنا قد صرح بالسماع، فلو لم يرو عنه شعبة فإن تصريحه بالسماع هذا هو الأصل؛ لكن مثل شعبة لو جاء يروي عنه وهو معنعن، فإنه محمول على السماع؛ لأن هذه من القواعد التي ينبه عليها عند ذكر مدلسين، وذلك أن بعض تلاميذهم لا يروون عنه إلا ما أمن فيه تدليسهم.

و منذر هو: ابن يعلى الثوري أبو يعلى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد بن علي].

هو محمد بن علي بن أبي طالب، والمعروف بـابن الحنفية، أحد أولاد علي بن أبي طالب، وأمه الحنفية، ولهذا يقال له: ابن الحنفية، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن علي].

هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً: فالإسناد الذي معنا جميع رجاله ممن خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي محمد بن عبد الأعلى؛ فإنه لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له أيضاً أبو داود في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر، والبقية من رجال الكتب الستة، وهم خالد بن الحارث، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن مهران الأعمش، ومنذر بن يعلى، ومحمد بن علي بن أبي طالب، الذي هو ابن الحنفية، وعلي بن أبي طالب، فالإسناد سبعة، ستة منهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

الوضوء من الغائط والبول

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط والبول.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم، قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين، قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].

ثم أورد النسائي بعد باب: الوضوء من المذي، باب: الوضوء من الغائط والبول.

لأن الترجمة السابقة كما عرفنا ترجمة عامة وهي باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ثم بباب الوضوء من البول والغائط، وهكذا أبواب متعددة تأتي بعد تلك الترجمة العامة التي هي: ما ينقض وما لا ينقض.

وأورد فيه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه الذي قد مر ذكره في باب: المسح على الخفين، وأورده هنا من بعض الطرق من أجل الدلالة على أن البول والغائط يحصل نقض الوضوء بهما، وذلك أن صفوان رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزعه)، أي: الخفاف، قال: (إلا من الجنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم)، يعني أننا نمسح عليهما؛ بسبب حصول البول والغائط وبسبب النوم، أما الجنابة فإنه لابد من خلعهما عند الاغتسال من الجنابة، ولا مسح في الاغتسال من الجنابة على الخفين، وإنما عليه أن ينزعهما ويغسل جميع جسده بما في ذلك الرجلان.

أما إذا كان الحدث أصغراً، وكان نقض الوضوء بسبب النوم، أو بسبب الغائط، أو البول، فهذا يتوضأ، ولكنه إذا وصل إلى الرجلين فإنه يمسح على الخفين، ولا يحتاج إلى خلعهما من أجل أن يغسلهما إذا كان قد أدخلهما طاهرتين كما ثبت في ذلك الأحاديث، وكما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

إذاً: فحديث صفوان بن عسال دال على ما ترجم له المصنف من أن البول والغائط يتوضأ منهما، ومحل الشاهد من جهة أنه ذكر أن المسح يكون إذا حصل النوم، معناه: يتوضأ ويمسح، أي: يحصل وضوء ويحصل المسح على الخفين إذا حصل النوم أو البول أو الغائط، أما إذا حصلت الجنابة والإنسان عليه الخفان، فإن عليه أن يخلعهما، ولا يجوز له أن يغتسل وعليه الخفان، بل يجب خلعهما، والاغتسال لكامل الجسد، أما ما دون ذلك والذي هو البول، أو الغائط، أو النوم، فإن الإنسان يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، وكلما أحدث يتوضأ ويمسح على الخفين، ولا يلزمه خلعهما لذلك.

وزر بن حبيش يقول: أتيت إلى صفوان بن عسال وجلست عند بابه، فخرج علي فقال: ما شأنك؟ فقلت: أطلب العلم، فعند ذلك قال صفوان: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، ثم سأله عما يريد من العلم؟ فسأله عن الخفين، فأجابه بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الذي حصل من زر بن حبيش ما كان عليه سلف الأمة من الحرص على طلب العلم، ومن الإتيان إلى من عنده علم؛ من أجل أخذ العلم عنه، ومن أجل الاستفادة من علمه.

ثم أيضاً ما كان عليه السلف وما كان عليه الصحابة من الترغيب في طلب العلم والحث عليه؛ لأن صفوان رضي الله عنه لما قال له زر بن حبيش: (إني جئت أطلب العلم). أي: ما سكت، وقال له: اسأل عما تريد، بل أتى بشيء يدل على فضل العلم، وعلى الترغيب في طلب العلم، والحث على طلب العلم، فقال قبل أن يسأله هذه المقالة التي فيها الترغيب في طلب العلم، وهذا اللفظ الذي قاله هو من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا ما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه له حكم الرفع؛ لأن الصحابي إذا أتى بشيء لا مجال للاجتهاد فيه وأضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن له حكم الرفع، ويسمونه المرفوع حكماً؛ لأن هناك مرفوعاً صراحة، ومرفوعاً حكماً، والمرفوع صراحة هو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا مرفوع صراحة، أي: تصريحاً، والمرفوع حكماً هو: أن يأتي أو يذكر شيئاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأي فيه، كالأمور الغيبية مثل هذا: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، هذا له حكم الرفع، لكنه جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ضمن حديث طويل، وذكر صفوان رضي الله عنه له هنا يدل على رفعه حكماً؛ لأنه من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، والمرفوع عند العلماء قسمان: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].

هو محمد بن عبد الأعلى، الذي مر في الإسناد السابق.

[أخبرنا خالد].

هو خالد بن الحارث هو أيضاً نفس الذي مر.

[حدثنا شعبة].

هو نفسه الذي مر أيضاً في الإسناد السابق.

[عن عاصم].

هو عاصم بن أبي النجود، وأبو النجود اسمه بهدلة، وعاصم بن أبي النجود هو صدوق له أوهام، وهو إمام في القراءة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكن حديثه في الصحيحين مقرون؛ يعني: أنه مقرون بغيره، فـالبخاري، ومسلم عندما يذكرانه في الإسناد يذكرانه مقروناً مع غيره.

[أنه سمع زر بن حبيش].

هو زر بن حبيش بن حباشة، وهو ثقة، ثبت، وهو مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

قوله: [أتيت صفوان بن عسال].

هو صفوان بن عسال المرادي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، أي: عند ثلاثة من أصحاب الكتب الستة.

الوضوء من الغائط

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الغائط.

أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عاصم عن زر قال: قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].

هنا أورد النسائي رحمه الله ترجمة أخرى؛ وهي باب: الوضوء من الغائط. وهي بعض الترجمة السابقة؛ أي: جزء منها، وأورد النسائي تحتها حديث صفوان بن عسال وهو نفس الحديث لكن بطريق أخرى، ويتعلق ببيان حالة المسح على الخفين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا في سفر ألا ينزعوا خفافهم إلا من الجنابة، فيمسحون عليها من بول أو غائط أو نوم لمدة ثلاثة أيام، وهذا الأمر كما عرفنا هو أمر ترخيص ليس أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، بمعنى: أنه يستحب للناس أن يلبسوا الخفاف، فهو ترخيص، أي: إذا لبسوها يمسحون، وإذا ما لبسوها يغسلون أرجلهم، لكن السنة لا تترك تنزهاً عنها وتنطعاً، ويقال: إنني لا ألبس الخفين وإن كان ذلك مشروعاً؛ يعني: تنطعاً، هذا هو الذي لا يكون، أما كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم أمر إرشاد وترخيص، ولا يجب عليه أن يلبس، ولا يستحب له أن يلبس من أجل أن يمسح، إلا إذا كان هناك بيان للسنة، أو تترتب عليه بيان السنة، فهذا يكون له وجه.

أما أن يكون فعل ذلك مستحباً، وأنه يستحب للإنسان أنه يكون لابساً حتى يمسح فلا يستحب، وإنما هو مرخص له، بل إن المسح فرع عن الأصل؛ الذي هو الغسل، فالغسل هو الأصل وهذا فرع مرخص فيه للحاجة عندما يكون هناك حاجة إليه.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود].

هو عمرو بن علي الفلاس الإمام العارف بالجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات، الأثبات، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير.

وإسماعيل بن مسعود هو البصري، وهو ثقة، ومن شيوخ النسائي، وخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا يزيد بن زريع].

هو يزيد بن زريع، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

وبذلك يتحد الإسناد مع الإسناد السابق، وهم شعبة عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (تابع باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي) إلى (باب الوضوء من الغائط) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net