إسلام ويب

من قواعد الشريعة الإسلامية أن اليقين لا يزول بالشك، فمن كان على طهارة لا ينقضها مجرد الشك في بقائها ويبقى طاهراً حتى يطرأ على طهارته ناقض من نواقضها، ومن تلك النواقض مس الذكر كما دل عليه حديث بسرة، وكذلك النوم، وأما النعاس فلا يعد ناقضاً، وإنما على الناعس أن يترك الصلاة لئلا يدعو على نفسه.

الوضوء من الريح

شرح حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الريح.

أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري ح وأخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني سعيد يعني ابن المسيب وعباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً، أو يسمع صوتاً)].

يقول النسائي رحمه الله: باب الوضوء من الريح. المراد بهذه الترجمة هو أن ما يخرج من السبيلين يكون ناقضاً للصلاة؛ سواء كان ريحاً أو صوتاً أو غير ذلك، وعليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة، فهذا يدل على قاعدة من قواعد الشريعة وهي: إذا كان الإنسان في خارج الصلاة وهو على طهارة، ولكنه شك هل أحدث أو ما أحدث، فإنه يبقى على ما هو عليه، ما دام أن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك فيه فإن بقي على ما هو عليه فلا بأس، وإن جدد الوضوء حتى يذهب ما في نفسه من الشك فإن هذا حسن، وأما في داخل الصلاة، فإنه لا يقطع صلاته ويخرج منها بمجرد ما وقع في نفسه من الشك، بل لا يخرج حتى يحصل التحقق لخروج ريح يشمها، أو سماع صوت لذلك الذي يخرج منه.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قوله: [أخبرنا قتيبة].

وهوقتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا حديثه.

[عن سفيان].

وسفيان هنا غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، ومن المعلوم أن قتيبة إنما روى عن ابن عيينة، ولم يرو عن الثوري.

فإذاً: يحمل على أنه ابن عيينة، فيكون عدم نسبته لأن الأمر واضح في حقه، إذ هو الذي روى عنه قتيبة، ثم من جهة أخرى سفيان هنا يروي عن الزهري، والحديث من طريق قتيبة عن سفيان، عن الزهري، وعرفنا فيما مضى: أن سفيان بن عيينة هو المعروف والمشهور بالرواية عن الزهري، وذكرت: أن سفيان بن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، وأن سفيان الثوري مقل عنه، وكان هذا الذي قلته سابقاً مبنياً على أن ابن خلكان في وفيات الأعيان عندما ترجم لـسفيان بن عيينة، ذكر ثلاثة ممن رووا عنه، وهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشخص ثالث، وكذلك أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، ففهمت من كلام ابن خلكان، ومن كلام ابن حجر أن سفيان الثوري روى عن الزهري، ولكن بالرجوع إلى تهذيب الكمال للحافظ المزي في ترجمة الزهري فإنه لم يذكر من بين الذين رووا عنه سفيان الثوري، وإنما ذكر سفيان بن عيينة، مع أنه يستقصي في التلاميذ وفي الشيوخ، ويذكرهم على حسب ترتيب حروف المعجم بالنسبة للتلاميذ، وبالنسبة للشيوخ.

ثم أيضاً وجدت في فتح الباري أن الحافظ ابن حجر قال: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذاً: تبين أن ما أشرت إليه من قبل، هو مبني على ما ذكره ابن خلكان، ومبني على ما فهمته من كلام ابن حجر من قوله في بعض المواضع في الفتح: وابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، يعني: قد يفهم منه أن الثوري ليس معروفاً بالرواية عن الزهري، ولكن الرواية موجودة، لكن ما ذكره ابن حجر في فتح الباري من أن الثوري إنما يروي عن الزهري بواسطة، وأنه لا يروي عنه مباشرة، وكذلك ما جاء في تهذيب الكمال من عدم ذكره في الذين رووا عن الزهري سفيان الثوري يشعر ويدل على أن سفيان الثوري لم يرو عن الزهري مباشرةً، ولعل ما ذكره ابن خلكان وهم؛ لأن الحافظ المزي بتتبعه واستقرائه وإحاطته فيما يتعلق بالرجال، وفيما يتعلق بالمتون -وهو مؤلف كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف، وهي الكتب الستة، وهو أيضاً مؤلف تهذيب الكمال، وقد ذكر فيه: أن الذي روى عن الزهري هو ابن عيينة، ولم يذكر الثوري فيمن روى عنه، مما يشعر بأن الثوري لم يرو عن الزهري، وعلى هذا: فإذا جاء ذكر سفيان غير منسوب وهو يروي عن الزهري، فإنه يحمل على ابن عيينة، وهنا يكون الحمل على ابن عيينة من جهتين: من جهة أن قتيبة لم يرو عن الثوري، وإنما روى عن ابن عيينة فقط، ومن جهة أن ابن عيينة هو الذي ذكر أنه روى عن الزهري، ولم يذكر في تهذيب الكمال أن الثوري ممن روى عن الزهري، وإنما الذي ذكره من أن الثوري روى عن الزهري هو ابن خلكان في وفيات الأعيان.

ومن المعلوم أن كلام ابن حجر، وكلام المزي في تهذيب الكمال أتقن وأضبط؛ لأن هؤلاء هم أهل الفن، وهم أهل الاختصاص، بخلاف ابن خلكان فإنه ليس مثلهم؛ لأنه مؤرخ وليس معروفاً بالحديث، أو بالعناية برجال الحديث أو الخبرة، فهؤلاء هم المقدمون عليه وعلى غيره ممن يشابهه ويماثله.

تراجم رجال الإسناد الثاني لحديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

وأما ما يتعلق بالإسناد الثاني؛ لأن النسائي عمل تحويلة، يعني: بعدما ذكر الزهري أتى بإسناد آخر فيه تحويل. قال: [ح وأخبرنا محمد بن منصور].

ومحمد بن منصور سبق أن عرفنا أن هناك شخصين يقال لكل منهما: محمد بن منصور، وهما من شيوخ النسائي، وهم: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، فهذان الاثنان كل منهما شيخ للنسائي، لكن سبق أن عرفنا: أنه إذا جاء سفيان ويروي عنه محمد بن منصور، فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وهو أقرب، ويزيد هذا وضوحاً أن سفيان في الإسناد الذي قبل هذا هو ابن عيينة، فيكون هنا أيضاً هو ابن عيينة، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، وهو من شيوخ النسائي، ولم يخرج له إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة.

وأما سفيان بن عيينة في الإسنادين، فقد مر فيما مضى: أنه من رجال الجماعة، وأنه ثقة حافظ، وحجة عابد، وصفات عديدة ذكرها عنه الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا الزهري].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده الزهري الذي هو زهرة بن كلاب، وأيضاً إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو مشتهر بهاتين النسبتين، وهو إمام، حجة، معروف بفضله ونبله، وسعة علمه، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني سعيد يعني: ابن المسيب].

والزهري إنما عبر بلفظ أخبرني سعيد، وما زاد عليها عندما ذكر شيخه في هذا الإسناد، ولكن الذين جاءوا من بعده أرادوا أن يوضحوا من هو سعيد، فأتوا بنسبه، وأتوا بكلمة تدل على أن الإضافة كانت ممن دون الزهري، وأنها ليست من الزهري، وذلك بقول: (يعني: ابن المسيب) فكلمة (يعني) هذه لها قائل ولها فاعل، قائلها من دون الزهري، وهو الذي أراد أن يوضح، وفاعل (يعني) وهي فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى الزهري؛ لأن الزهري ما قال: ابن المسيب، وإنما قال: سعيد فقط، لكن الذين جاءوا بعده أضافوا ابن المسيب، وما قالوا: سعيد بن المسيب؛ لأنهم لو قالوها لصارت هي عبارة الزهري، لكنهم أتوا بكلمة (يعني) حتى يفهم أن من دون التلميذ زادها، ليبين هذا الشخص الذي لم ينسب، فلا يضيف إليه ما لم يقله.

وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وأحد المحدثين، فهو فقيه محدث، وهو ثقة حجة، وهو إمام مشهور ومعروف، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، الذين هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة المتفق عليهم، والسابع الذي اختلف فيه، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر. وسعيد بن المسيب هذا هو أحدهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

عباد بن تميم].

وهوعباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكل من سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم يرويان عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وهنا قال: (عن عمه)، يعني: عم عباد بن تميم، وهو عبد الله بن زيد لأن أم عباد وأم عبد الله بن زيد واحدة، فهما أخوان من أم.

[عن عمه].

لأن تميماً وعبد الله بن زيد أخوان من أم، ولهذا يقال: إنه عم عباد، يعني: أخو أبيه لأمه، وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني هو أحد الصحابة، وهو راوي حديث الوضوء الذي سبق أن مر فيما يتعلق بصفة الوضوء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً: فرواة هذا الإسناد كلهم من رجال الجماعة، إلا محمد بن منصور شيخ النسائي، فإنه من رجال النسائي وحده، والباقون كلهم من رجال الجماعة؛ الذين هم قتيبة، وابن عيينة، والزهري، وسعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، وعبد الله بن زيد.

الوضوء من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من النوم.

أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)].

هنا أورد النسائي باب: الوضوء من النوم. وأورد فيه حديث أبي هريرة، وهو أول حديث أورده النسائي في سننه، وهو: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)، وقد أعاده هنا من أجل الاستدلال على أن النوم ينقض الوضوء.

ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات)، يعني: يغسلها، معناه: أن الإنسان يتوضأ إذا قام من نومه، وإذا توضأ فهو يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، هذا هو وجه الاستدلال على أن النوم ناقض للوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان يتوضأ، ولكن قبل أن يتوضأ لا يغمس يده في الإناء، بل يغسلها خارج الإناء، فإذا غسلها خارج الإناء، أدخلها في الإناء، ويبدأ يتوضأ.

ومن الأدلة الدالة على أن النوم ناقض للوضوء: حديث صفوان بن عسال الذي مر في ذكر الوضوء من الغائط والبول، وكذلك من النوم؛ لأن حديث صفوان بن عسال مشتمل على الثلاثة، حيث قال: (إنه كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من غائط، أو بول، أو نوم)، يعني: أنهم يتوضئون، ويمسحون، ولا يحتاجون إلى خلع إذا حصل غائط، أو بول، أو نوم، فإذاً الثلاثة كلها ناقضة للوضوء.

إذاً: فالنوم كونه ناقض للوضوء دل عليه هذا الحديث الذي هو معنا، من جهة أن من قام من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، وفي بعض الروايات: (فلا يدخلها في وضوئه)، يعني: في الماء الذي يتوضأ به قبل أن يغسلها خارج الإناء ثلاث مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة].

إسماعيل بن مسعود هو: أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.

وحميد بن مسعدة هذا صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكر هذا الرجل في شيوخ النسائي مرات عديدة.

[قالا: حدثنا يزيد بن زريع].

ويزيد بن زريع هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا معمر].

وهو ابن راشد، وهو الذي روى عنه عبد الرزاق كثيراً، ومن جملة ما رواه عنه صحيفة همام بن منبه الطويلة، المشتملة على مئة وأربعين حديثاً، وخرج البخاري ومسلم أحاديث منها على سبيل الاتفاق بينهم، ومنها على سبيل انفراد واحد منهما عن الآخر، وكلها بإسناد واحد، وهو من طريق عبد الرزاق عن معمر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري].

والزهري هو الإمام المشهور، الذي جاء ذكره كثيراً، وفي الحديث الذي قبل هذا جاء ذكره.

[عن أبي سلمة].

وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو مشهور بكنيته: أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على خلاف هل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب؟

وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهو أحد الثقات.

[عن أبي هريرة].

وأبو هريرة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد مر ذكره مراراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

النعاس

شرح حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعاس.

أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري )].

هنا أورد النسائي باب: النعاس. وبعد ما ذكر النوم، وترجمة الوضوء من النوم، وأن النوم ناقض للوضوء قال: باب النعاس، والمقصود من ذلك أنه لا ينقض الوضوء؛ لأن الحديث الذي أورده يدل على عدم نقضه للوضوء، ولأن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري )، فهذا الحديث الذي أوردته عائشة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن من نعس وهو في الصلاة أن ينصرف، فهذا يدل على أن النعاس غير ناقض للوضوء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علل ذلك بقوله: (لعله يدعو...)، وما قال: أنه قد انتقض وضوءه وأن عليه أن يذهب ويتوضأ، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف وألا يستمر في ذلك؛ لئلا يسب نفسه ويدعو على نفسه، فبدل أن يدعو لنفسه يدعو على نفسه بسبب النوم أو بسبب النعاس، فإذاً: هذا يدل على أنه غير ناقض للوضوء؛ لأنه لو كان ناقضاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا نعس وهو في الصلاة أن يقطع الصلاة ويذهب يتوضأ، فالرسول ما قال هكذا، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف؛ لئلا يسب نفسه، ولئلا يدعو على نفسه، فمعناه أن وضوءه صحيح، وأنه باق على وضوئه، فدل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يجلسون للصلاة وينتظرونها، فيصيبهم النعاس فتخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فإذا حصل للإنسان وهو جالس وخفق رأسه، فإنه لا ينتقض وضوءه.

إذاً: عندنا هناك نوم ونعاس، فالنوم الذي فيه استغراق، وفيه تمكن، وقد يكون فيه اضطجاع، وقد يكون فيه رؤيا وحلم، فهذا ناقض للوضوء بلا شك.

وأما إذا كان نعاساً خفيفاً حصل له في الصلاة، مثلاً: نعس وهو جالس، أو ساجد، أو واقف، أو كان ينتظر الصلاة، وحصل منه النعاس، فإنه لا ينتقض وضوءه وصلاته صحيحه، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن ينصرف، ولكن هذا الانصراف الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بقطع للصلاة، وإنما بأن يتمها خفيفة ويخرج منها.

فإذا كان الإنسان من عادته أنه يصلي الليل، ويقوم من الليل ركعات، ثم أدرك أو أحس في بعض الركعات بأنه أصابه النعاس فإنه يتم الركعتين اللتين وجد النعاس فيهما، ثم ينصرف، وليس معنى ذلك: أنه ينصرف أثناء الصلاة، فإنما المقصود منه الإرشاد إلى أنه لا يستمر في ذلك، ولكنه يتم صلاته خفيفة، ثم بعد ذلك لا يدخل في صلاة أخرى؛ لئلا يدعو على نفسه.

إذاً: فتبين لنا أن النعاس لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم، سواءً كان مضطجعاً، أو جالساً متمكناً مستغرقاً، وإذا حصل حلم أو رؤيا في تلك النومة فهذا بلا شك نوم ناقض للوضوء، والذي لا ينقض هو الذي يكون في أثناء الصلاة من النعاس، أو يكون من النعاس في حق من ينتظر وهو جالس، فإنه إذا نعس يخفق رأسه، فيتنبه من تلك الخفقة، فيتنبه ويذهب ما به من نعاس.

ولهذا النسائي في الترجمة ما قال فيها مثل التي قبلها: (باب: الوضوء من النعاس)، بل قال: (باب النعاس)، والتي قبلها قال: الوضوء من النوم؛ لأنه ناقض للوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف ...)

قوله: [أخبرنا بشر بن هلال].

وهو بشر بن هلال الصواف البصري، وهو ثقة، حديثه عند مسلم والأربعة، لم يخرج له البخاري شيئاً.

[حدثنا عبد الوارث].

هو ابن سعيد بن ذكوان، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أيوب].

وهو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن هشام بن عروة].

وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات.

[عن عائشة].

وهي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي كما عرفنا مراراً وتكراراً من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهؤلاء السبعة قد نظمهم السيوطي في ألفتيه في بيتين من الشعر، فقال:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيِّ

والمقصود بزوجة النبيِّ هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من مس الذكر.

أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ)].

يقول النسائي رحمه الله: (باب الوضوء من مس الذكر). أي: أن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه قد انتقض وضوءه، هذا مقصود الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذا حديث بسرة بنت صفوان من طريقين، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من مس ذكره، فليتوضأ)، وعلى هذا، فإن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فعليه أن يتوضأ، وحديث بسرة ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى نقض الوضوء بمس الذكر، أي: إذا كان بدون حائل.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينتقض الوضوء بمس الذكر، ويستدلون على ذلك بحديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه، الذي فيه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك)، أو (إلا مضغة منك)، وهذا يشعر بأنه غير ناقض للوضوء، والحديث أيضاً صحيح، وهو ثابت، لكن العلماء صاروا إلى أحد القولين، منهم من قال: بأنه ناقض إذا حصل المس، ومنهم من قال: إنه غير ناقض إذا حصل المس، ومنهم من فرق بين المس بشهوة والمس بغير شهوة، فإذا كان بشهوة فهو ينتقض به الوضوء، قالوا: وعليه يحمل ما جاء في حديث بسرة، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض به الوضوء، ويحمل على ما جاء به حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه.

ومن المعلوم أن القول بالانتقاض مطلقاً هو الأولى.

أولاً: لأن الحديث الذي فيه الوضوء من مس الذكر ثابت، وهو مطلق، فيدل على النقض مطلقاً.

ثانياً: أن حديث طلق بن علي كان المتقدم، وكان في أول الأمر؛ لأنه جاء في بعض طرقه: (جئت وهم يؤسسون المسجد)، أي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوفد على الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة، وكان ذلك في أول الأمر، قال: فسأله رجل لعله من البادية عن الوضوء من مس الذكر، فقال: (هل هو إلا بضعة منك).

ثالثاً: أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وهو انتقاض الوضوء، وحديث طلق مطابق للأصل، وهذا يدل على أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، والأصل البراءة والسلامة، وقد جاء ما يدل على النقض، وهو حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها.

فالقول الأولى والأرجح والأحوط هو: أن مس الذكر بدون حائل ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الأظهر، وهو الأحوط في الدين، وهو الذي قاله جماعة كثيرون من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].

وهو: أبو موسى الحمال البغدادي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري شيئاً.

[حدثنا معن].

وهو ابن عيسى، صاحب الإمام مالك، وهو من أثبت الناس في مالك، ومن أحفظ الناس لحديث مالك، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا مالك].

ومالك هو إمام دار الهجرة، العلم، المشهور، الإمام، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن الإسناد الذي يكون فيه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أصح الأسانيد عند البخاري.

والنسائي روى الحديث عن مالك من طريقين، الطريق الأولى: عن هارون بن عبد الله الحمال، عن معن بن عيسى، عن مالك، والطريق الثانية: عن الحارث بن مسكين قال: (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، عن مالك.

[الحارث بن مسكين].

الإمام النسائي هنا يقول: (والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع)، ولا يقول: وأخبرني، وإنما يقول: والحارث بن مسكين، وفي بعض الأسانيد يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وذكرت فيما مضى: أن هذا يحمل على حالين: الحال الأولى: وهي التي كان قد منعه من الأخذ عنه، فكان يسمع بدون علم الحارث، وهي الحالة التي لا يقول فيها: أخبرني، وإنما يعطف ويقول: والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحالة الثانية: وهي التي قد أذن له فيعبر فيقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.

والحارث بن مسكين ثقةٌ، حديثه عند أبي داود، والنسائي.

[عن ابن القاسم].

وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، والذي روى عنه الفقه، والحديث، وهو ثقةٌ، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وأبو داود في المراسيل، وقد سبق أن عرفنا ذلك فيما مضى، وهو من رجال البخاري، ورجال النسائي، ومن رجال الإمام أبي داود في كتابه المراسيل، ولم يخرج له في كتاب السنن شيئاً.

[قالا: حدثنا مالك].

وهو الإمام مالك، وقد استعمل النسائي التحويل، وذكرت فيما مضى أن التحويل هو: التحول من إسنادٍ إلى إسناد، ويؤتى بحرف (ح) بين الإسنادين المحول عنه والمحول إليه؛ حتى يتبين بأن فيه تحولاً من إسناد إلى إسناد، وعلامة ذلك حرف (ح) التي يأتون بها بين الإسنادين كما فعل النسائي، وقد ذكرت فيما مضى: أن النسائي مثل البخاري لا يستعمل التحويل كثيراً؛ لأنه على طريقة البخاري يورد الأحاديث من طرقٍ متعددة في أبواب مختلفة، فلا يحتاج إلى التحويل، بخلاف الإمام مسلم الذي يكثر من التحويل؛ لأنه يروي الأحاديث في مكانٍ واحد، فيحتاج إلى أن يستعمل التحويل.

وقول النسائي: (قالا: حدثنا مالك)، المقصود بقوله: (قالا) هما: معن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم فهما اللذان قالا: حدثنا مالك.

[عن عبد الله بن أبي بكر].

وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، ولم يسبق أن مر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[أنه سمع عروة بن الزبير].

وعروة بن الزبير هو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة.

[دخلت على مروان بن الحكم].

مروان بن الحكم كان قد دخل عليه في زمن إمارته على المدينة لما كان أميراً على المدينة، فجرى البحث عنده في نواقض الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، يعني: أن مس الذكر من نواقض الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، يعني: ما علمت شيئاً يدل على هذا، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، فعند ذلك أسند مروان بن الحكم الحديث، وبين الدليل الذي استند إليه في أن مس الذكر من نواقض الوضوء، جاء ذلك في إسناده الحديث إلى بسرة بنت صفوان الصحابية رضي الله عنها، وجاء في بعض طرق الحديث الذي بعد هذا أن عروة لما رآه وجادله أرسل حرسياً له إلى بسرة، فجاء وأخبره بأن الأمر هو كما حدثت به مروان بن الحكم، وجاء في بعض الطرق: أن عروة ذهب إلى بسرة وأخذ منها، وسمع منها مباشرةً، فيكون الحديث من رواية عروة عن بسرة، ومن رواية عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان.

ومروان بن الحكم هو أمير المدينة في زمن معاوية، وتولى الخلافة بعد ذلك مدة سنة أو قريباً من السنة، وهو جد الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي جاء من بعده أولاده الأربعة: الوليد، وهشام، وسليمان، ويزيد، ومروان تولى الخلافة مدةً وجيزة، وتولاها بعده ابنه عبد الملك، ثم أولاد عبد الملك الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، والحديث صحيح ثابت، وهو متصل، وقد رواه عروة عن بسرة نفسها، ورواه عنها بواسطة، فالحديث صحيح.

شرح حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب عن الزهري أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: (ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان)].

وهنا أورد النسائي حديث بسرة بنت صفوان من طريق أخرى عن عروة بن الزبير رحمة الله عليه، وهو بمعنى ما تقدم إلا أن فيه ذكر المجادلة والمماراة، وأنه قال: لا يتوضأ، يعني بناء على الأصل، وهو أنه لا يقال بالنقض إلا بدليل؛ لأن الأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يدل على النقض، فأخبره عن بسرة بنت صفوان، أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملةً مما ينقض الوضوء، قال: (ويتوضأ من مس الذكر)، فدل هذا على النقل عن الأصل الذي هو عدم النقض إلى النقض من مس الذكر.

تراجم رجال إسناد حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا أحمد بن محمد].

وهو: أحمد بن محمد بن المغيرة، وهو صدوقٌ، خرج حديثه النسائي وحده، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير النسائي.

[حدثنا عثمان بن سعيد].

وهو ابن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[عن شعيب].

وهوشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً: هذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وهم: أحمد بن محمد بن المغيرة شيخ النسائي، فهو حمصي، وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، فهو أيضاً حمصي، وشعيب بن أبي حمزة وهو حمصي، ففيه ثلاثة حمصيون، الأول لم يرو له إلا النسائي، والثاني روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، والثالث روى له أصحاب الكتب الستة، وهو شعيب بن أبي حمزة.

[عن الزهري].

وهو ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهو إمام جليل، ومحدث كبير، ومن الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني عبد الله بن أبي بكر].

وهو عبد الله بن أبي بكر بن حزم الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[أنه سمع عروة بن الزبير].

عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

ومروان بن الحكم حديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وذكرت: أن عروة روى هذا الحديث عن بسرة مباشرةً كما رواه عنها بواسطة.

[أخبرتني بسرة بنت صفوان].

وبسرة بنت صفوان صحابية، ليس لها أحاديث في الصحيحين، وإنما أحاديثها عند أصحاب السنن الأربعة، وبلغت أحد عشر حديثاً.

ترك الوضوء من ذلك

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك.

أخبرنا هناد عن ملازم حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك)].

هنا أورد النسائي بعد الترجمة السابقة -وهي باب: الوضوء من مس الذكر- باب: ترك الوضوء من ذلك، يعني: أنه لا يتوضأ من مس الذكر، وأورد فيه حديث طلق بن علي: أنه قدم وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، قال: فبايعناه، وصلينا معه، ولما فرغ من الصلاة جاءه رجل كأنه بدوي، وسأله عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك، أو إلا مضغة)، وهذا يفيد بأنه لا يتوضأ من مس الذكر، وقد ذكرت الخلاف في هذه المسألة، وأن الأولى هو القول الأول، وقد ذكر أحد الشراح أن صنيع النسائي يشعر بأنه يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه ذكره متأخراً، وقدم حديث بسرة الذي فيه الوضوء، قال: فكأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه ذكر النقض أولاً وعقبه بعدم النقض، ولا أدري عن طريقة النسائي في التقديم والتأخير، وهل هو يعتبر أن ما يؤخر يكون هو الأرجح، وأن التعويل على ما يؤخره، أو أن له طريقةً أخرى؟ لا أدري عن طريقة النسائي في هذا، لكن أحد الشراح قال: كأن النسائي يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه أخره، وهذا يتوقف على معرفة اصطلاحه، وهذا لا يعرف إلا عن طريق الاستقراء، ولم يتبين شيء من طريقة النسائي في ذلك، ولكن من حيث الاحتياط في الدين، والنقل عن الأصل فإن حديث بسرة فيه الاحتياط، وفيه النقل عن الأصل، ومن أخذ به فقد احتاط لدينه، فالأخذ بحديث بسرة هو الأولى، كما أشرت إليه، وكما قال به كثير من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قوله: [أخبرنا هناد].

هو هناد بن السري، وهو ثقةٌ، حديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[عن ملازم].

وهو ابن عمرو السحيمي الحنفي اليمامي، وسحيم من بني حنيفة، فينسب ويقال له: السحيمي الحنفي اليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

لقد رأيت الذين وثقوه عدداً؛ وفي الخلاصة نقل جملة من الذين وثقوه، ومنهم: النسائي، وأبو زرعة وغيرهما، وكلام ابن حجر أنا ما اطلعت عليه، والطبعة المصرية ما رأيت فيها ترجمة ملازم، فلا أدري هل هو ساقط، أو أنه وضع في مكان لم أهتد إليه؟ لكنني رأيت الذين وثقوه وهم عدد مما يفيد بأنه ثقة، وإذا كان الحافظ قال عنه: صدوق، فهذا هو الذي انتهى إليه رأيه، كما هي عادته وطريقته.

[حدثنا عبد الله بن بدر].

وعبد الله بن بدر أيضاً هو سحيمي حنفي يمامي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.

[عن قيس بن طلق].

وقيس بن طلق صدوق، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.

[عن أبيه].

وهو طلق بن علي السحيمي اليمامي، وهو صحابي، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، وبايعه وصلى معه كما جاء في هذا الحديث، وله أربعة عشر حديثاً، خرج له أصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فإن رجال الإسناد كلهم إلا هناد هم حنفيون من بني حنيفة، وخرج لهم أصحاب السنن الأربعة، فهؤلاء الأربعة الذين هم: ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق، هؤلاء أربعة سحيميون من بني حنيفة ومن اليمامة، وممن خرج لهم أصحاب السنن الأربعة، وما خرج لهم البخاري، ومسلم شيئاً، فهؤلاء أربعة ليس لهم في الصحيحين رواية، وإنما روايتهم أربعتهم في كتب السنن الأربعة، وهم سحيميون، حنفيون، ويماميون من اليمامة.

والحديث صحيح ثابت؛ الذي هو حديث طلق، إنما الكلام في هل الأخذ به، أو الأخذ بحديث بسرة؟ وقد ذكرت لكم: أن الأخذ بحديث بسرة هو الأولى.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب الوضوء من الريح) إلى (باب ترك الوضوء من مس الذكر) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net