إسلام ويب

لا يلزم من أكل سويقاً أو شرب لبناً أن يتوضأ، وإنما يكتفي بالمضمضة، ويجب الاغتسال لمن أسلم عند بعض العلماء، وهو من أوائل ما يفعله الكافر إذا أسلم.

المضمضة من السويق

شرح حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من السويق.

أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى بني حارثة أن سويد بن النعمان رضي الله عنه أخبره: (أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء -وهي من أدنى خيبر- صلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ)].

النسائي رحمه الله لما أورد الترجمتين السابقتين وهما: الترجمة الأولى: الوضوء مما مست النار، والترجمة الثانية: ترك الوضوء مما مست النار، أتى بعد ذلك بترجمة وهي: المضمضة من السويق، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكل سويقاً تمضمض، ولم يتوضأ، وصلى، ولم يتوضأ.

والسويق قيل: هو الشعير أو البر، أو الحب، أو الحنطة التي تقلى على النار ثم تتخذ زاداً في السفر أو غيره، فإذا احتيج إليها دقت، ثم صب عليها ماء أو سمن، ثم أكلت، فهي طعام يعتبر جاهزاً؛ بمعنى: أنه لا يحتاج إلى عناء وإلى كلفة؛ لأنه قد هيئ، ولهذا يقال فيه: إنه قوت المسافر، وبلغة المريض، وطعام العجلان، فالذي يريد أن يأكل بسرعة، ولا يحتاج إلى عناء ومشقة في الطبخ؛ كجمع الحطب وما إلى ذلك، فإن هذا لا يحتاج إليه؛ لأنه قد حمس على النار، وقلي، ثم يدق، ويصب عليه الماء أو السمن، ثم يؤكل، فهو لا يحتاج إلى كبير مؤنة.

والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، عن سويد بن النعمان رضي الله عنه، أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأنهم لما كانوا بالصهباء، وهو أدنى مكان من خيبر، (دعا بالأزواد)، يعني: طلب من أصحابه الذين كانوا معه أن يحضروا أزوادهم ليشتركوا فيها، وذلك أن المسافرين أو الجيش عندما يكون مع بعضهم طعام، فإنهم يجمعون أزوادهم، فإذا لم يكن هناك زاد مشترك يغذى منه الجميع وكل يحمل زاده، فإنهم يجمعون أزوادهم، ثم يأكلون منها جميعاً؛ فالذي منه الزاد والذي ليس منه يشتركون فيه، ويجتمعون عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام طلب الأزواد، يعني: أمرهم بأن يحضروا ما معهم من الزاد.

قال: (فلم يؤت إلا بالسويق) يعني: أنه ما وجد معهم شيئاً إلا هذا الطعام، وإلا فإنهم يأتون به ولا يتأخرون، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم من قلة ذات اليد، وشدة الحاجة، وأنهم وهم في هذا السفر، وهم في هذا الغزو، لما طلب منهم الأزواد، ما وجد معهم إلا السويق.

قال (فأمر به فثري)، يعني: بل بالماء ورش بالماء حتى يؤكل بعد ذلك، وهذا هو معني الفري، وكان هذا بعد صلاة العصر، ثم إنه لما جاء وقت صلاة المغرب قام وتمضمض وتمضمضوا معه، وصلى ولم يتوضأ. والسويق كما هو معلوم مسته النار، فهو دال على ما دل عليه أحاديث الباب الذي قبله، وهو ترك الوضوء مما مست النار.

وإنما تمضمض رسول الله عليه الصلاة والسلام ليزيل أثر ذلك الطعام من فمه، حتى لا يبقى منه بقية تشغله في صلاته، والأمر لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى التنظيف بالماء مما علقه، ومما بقي فيه من آثار هذا الطعام الذي هو السويق.

إذاً: هذا فيه التنبيه والإرشاد إلى أن من حصل منه أكل شيء -وهو لا يحتاج الأمر فيه إلى وضوء- أنه يتمضمض إذا كان سيبقى في فمه أثر؛ حتى لا يشغله آثار ذلك التي بقيت في الفم عن صلاته، فبحصول المضمضة يحصل التخلص من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].

محمد بن سلمة هو: المرادي، المصري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه .

أما الحارث بن مسكين، فهو أيضاً ثقة، وهو ممن خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وقد مر ذكر هذين الشخصين.

[قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].

وهذا كثيراً ما يحصل من النسائي، إذ أنه إذا قرن الحارث بن مسكين مع غيره، أنه يجعل اللفظ المسوق من لفظ شيخه الحارث بن مسكين.

[عن ابن القاسم].

ابن القاسم هو: عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وراوي الحديث والمسائل، فهو يروي الحديث، ويروي المسائل الفقهية عن الإمام مالك، وهو من أصحابه المشهورين، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي.

[حدثني مالك].

هو الإمام مالك إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، العلم، أحد الفقهاء، والمحدثين، مشهور بالحديث والفقه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة؛ وهي: مذهب أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد، فهو صاحب مذهب مشهور، حصل له أتباع وأصحاب نشروه وأظهروه، وغير هؤلاء الأربعة لكن ما حصل لهم ما حصل لهؤلاء من وجود أصحاب وأتباع يظهرون فقههم، ويعنون بتدوينه ونشره، منهم مشهورون بالفقه، ومشهورون بالحديث، لكن هذه المذاهب الأربعة انتشرت لوجود أتباع وأصحاب عنوا بها، وقاموا بتدوينها، وجمع مسائلها، ونشرها، والتأليف فيها، فصار لها ذلك الانتشار والظهور.

فثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة بعضهم تلميذ لبعض، فـأحمد تلميذ لـلشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، وقد سبق أن ذكرت: أن في مسند الإمام أحمد حديثاً رواه الإمام أحمد عن شيخه الشافعي، والشافعي رواه عن شيخه الإمام مالك، والإمام مالك رواه عمَّن فوقه، ولكن محل الشاهد من ذكره والإشارة إليه: هو أن فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، والحديث هو: (نسمة المؤمن على صورة طير يعلق بالجنة)، والحديث أورده الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله في سورة آل عمران: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأورد هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: إن هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المعروفة يروي بعضهم عن بعض، وهؤلاء الثلاثة كل منهم كنيته: أبو عبد الله.

وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن البخاري قال: إن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.

[عن يحيى بن سعيد].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، كالإمام مالك، هو من أهل المدينة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن بشير بن يسار].

هوبشير بن يسار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو بالتصغير بشير، وفي التقريب لما ذكر: بَشير وبُشير، بشير ذكر فيه عشرون شخصاً يقال لهم: بشير، وأما بُشير فلم يذكر إلا شخصان، أحدهما هذا، وذلك أن بشير المسمى به كثير، وأما بشير بالتصغير فهذا قليل، وهذا مثل ما أشرت سابقاً أو قريباً عندما جئنا عند ذكر: حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، فقلنا أن أبا حفصة اسمه: نابت، وقيل: كالجادة؛ يعني: ثابت؛ لأن كلمة نابت قليل التسمية، وكلمة ثابت كثير التسمية، فقيل لثابت: الجادة؛ يعني: أنه الطريق المسلوك، فهذا مثل بشير وبشير، بشير يقال له: الجادة، أو التسمية ببشير أو كذا، يطلق عليه الجادة؛ لأن الذي يسمى به كثير، بخلاف بُشير فإنه قليل التسمية، ولهذا في التقريب: بشير اثنان، وبشير عشرون شخصاً، فهذا يصدق عليه أن يقال فيه: الجادة، وهذا هو الذي كما أشرت يفعله ابن حجر في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، عندما يأتي بَشير وبُشير، هذا هو المؤتلف والمختلف، يعني: يتفقان في الصيغة لكن يختلفان في النقط والشكل، فهنا يختلفان بالشكل وإلا الصيغة والهيئة واحدة: (ب ش ي ر)، إلا أن هذا بَشير وهذا بُشير، فهذا يسمى في المصطلح: المؤتلف والمختلف، أو المتشابه.

وعندما يأتون ويتكلمون على المشتبه، وأن هذا يكون بهذا كذا، يقولون عن الذي تكثر فيه التسمية: الجادة، ثم يذكر الذي على خلاف الجادة الذي هو قليل، ولهذا فبَشير وبُشير يخلص أن يقال فيه ما قيل في هذا الموضوع، بأن بَشير هو الجادة، وأنه كثير التسمية به، وأما بُشير فهو قليل التسمية.

[أن سويد بن النعمان].

سويد بن النعمان هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه ، وله سبعة أحاديث، وهو مقل من الحديث، ولم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، وهذا يسمونه الوحدان، يعني: من لم يرو عنه إلا واحد يسمى الوحدان، وهذا سويد بن النعمان لم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، شخص واحد، ما عرف بالرواية عنه إلا بشير بن يسار.

المضمضة من اللبن

شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من اللبن.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، ثم دعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسماً)].

هذه الترجمة وهي: المضمضة من اللبن، أورد النسائي تحتها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه شرب لبناً، ثم دعا بماء، فتمضمض، وقال: (إنه له دسماً)، يعني: أن هذه المضمضة من أجل الدسومة التي فيه، فهو يريد أن يذهب آثار الدسومة عن فمه، وهذا من النظافة، وعدم وجود أثر الطعام في الفم، الذي قد يشغل الإنسان بطعمه وبوجوده في فمه، أو قد يترتب على ذلك مضرة، حيث يبقى في الفم مثل هذه الآثار، فهو يدل على الإرشاد والتنبيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قوله: [أخبرنا قتيبة].

قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذي أكثر من الرواية عنهم، ولهذا يأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي يروي عنه، وهو أول شيخ روى عنه في سننه.

[حدثنا الليث].

الليث هو: ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور في مصر، محدث مصر وفقيهها، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الأشخاص المعروفين أنه إذا روى عن مدلسين، فإنه لا يروي عنهم إلا ما ثبت سماعهم له، فهذا هو الليث بن سعد رحمة الله عليه.

[عن عقيل].

عقيل هو: عقيل بن خالد، أبو خالد الأيلي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فعقيل هو أيضاً من الأسماء القليلة، وعقيل مما يسمى به كثيراً، ولهذا في التقريب ورد أسماء عديدة لعلها ستة أسماء باسم عقيل، وأما عقيل بالتصغير ما فيه إلا شخص واحد، وهو: عقيل بن خالد الأيلي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن كنيته: أبو خالد، وأبوه: خالد، فهذا مما عدوه من أنواع علوم الحديث؛ لأن معرفة هذا النوع قالوا فيها: إن فيها الأمن من التصحيف، فالإنسان إذا عرف أن كنيته أبو خالد، وأن اسم أبيه خالد، فلو جاء مرة بكنيته ومرة باسمه، يكون كله صواباً، لكن الذي لا يعرف إلا أنه عقيل بن خالد، لو رواه مرة عقيل أبو خالد، ممكن يقول: (أبو) هذه مصحفة عن (ابن)، لكن من عرف أن كنيته أبو خالد، فإنه إذا جاء عقيل أبو خالد فهو صواب، وإن جاء عقيل بن خالد فهو صواب، ولذلك أمثلة عديدة مرت بنا، مثل هناد بن السري وهناد أبو السري، وغيره من الأسماء الكثيرة التي تأتي يتفق اسم أب الراوي مع كنيته.

[عن الزهري].

الزهري، هو الإمام، المشهور، المحدث، الفقيه، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو أول من قام بجمع السنة بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، وأيضاً مشهور بنسبته إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب أحياناً، ويقال له: الزهري أحياناً، وأحياناً قليلة يأتي اسمه: محمد بن مسلم، وهذا قليل جداً، وإنما الكثير ابن شهاب أو الزهري.

[عن عبيد الله بن عبد الله].

هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، والذين أشرت سابقاً إلى أن ابن القيم جمعهم في بيتين ذكرهما في أول كتابه إعلام الموقعين، ولا أدري هل البيتان له أو لغيره؟ والبيتان هو قوله:

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه

فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة

سبعة في البيت الثاني، هؤلاء الفقهاء يقال لهم: الفقهاء السبعة في المدينة، وهم محدثون وفقهاء، وستة منهم متفق عليهم أنهم من السبعة، والسابع مختلف فيه، فقيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو الذي ذكره ابن القيم، فهذا هو السابع على أحد الأقوال، وقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بدل أبو بكر بن عبد الرحمن، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وأما الستة الباقون فهم متفقون على عدهم، وهم الموجودون في هذا البيت: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عروة بن الزبير بن العوام، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، سعيد بن المسيب، سليمان بن يسار، خارجة بن زيد بن ثابت، هؤلاء ستة متفق عليهم.

[عن ابن عباس].

هو ابن عباس رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي وعمره خمسة عشر عاماً؛ لأنه في حجة الوداع يقول: كنت ناهزت الاحتلام، وجاء على حمار أتان، وقال: كنت غلاماً، قد ناهزت الاحتلام، والرسول صلى الله عليه وسلم توفي بعد حجة الوداع بأشهر قليلة؛ ثلاثة شهور، فهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وهو من العبادلة الأربعة في الصحابة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو. وفي الصحابة كثيرون يقال لهم: عبد الله، لكن اشتهر هؤلاء الأربعة بأنهم العبادلة، وليس فيهم ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود متقدم عنهم، وهو أكبر منهم، وكان من كبار الصحابة، وممن تقدمت وفاته؛ لأنه توفي سنة 32 للهجرة، وأما هؤلاء فوفاتهم بعده بمدة طويلة، وهم متقاربون بالسن، ولهذا يقال لهم: العبادلة.

وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين يقول فيهم السيوطي في ألفيته:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي

وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم

شرح حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم.

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن الأغر وهو: ابن الصباح عن خليفة بن حصين عن قيس بن عاصم رضي الله عنه: (أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)].

أورد النسائي عنواناً عاماً، وهو: ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، وقد ذكر قبل هذا ترجمة عامة وهي ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم أورد عدة من الأبواب بعد هذا العنوان العام، منها ما ينقض ومنها ما لا ينقض، وهنا لما فرغ من ذلك، وعقبه ببعض المسائل المتعلقة بذلك التي ليس فيها وضوء، وليس فيها إيجاب وضوء، وهو مثل أكل السويق والمضمضة، وشرب اللبن، وما إلى ذلك، هذا مما لا يوجب وضوءاً.

بعد ذلك قال: ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، فهذا عنوان عام، يأتي تحته عناوين خاصة، العنوان الأول: غسل الكافر إذا أسلم، أورد تحت هذه الترجمة حديث قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، وأمره إياه بالاغتسال بعد الإسلام؛ لأن قوله هنا: (أسلم فأمره)، يعني: أنه وجد الإسلام فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، حتى يذهب عن جسده ما فيه من نجاسة بسبب الشرك والكفر؛ لأن الكفار لا يتنزهون، وقد يكون عليه جنابة، فالاغتسال للكافر فيه تنظيفه وتطهيره من أن يكون في جسده شيء من النجاسات، ولا يلزم أن يكون الاغتسال قبل الإسلام؛ لأن المبادرة إلى الإسلام مطلوبة، وبعد أن يدخل في الإسلام، ويطهر بهذه النعمة التي هي أعظم النعم، يغتسل، وإن اغتسل قبل ذلك لا بأس، مثلما جاء في الحديث الذي بعد هذا؛ حديث ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه، فإنه اغتسل أولاً، ثم جاء وأسلم.

وجمهور العلماء على أن الاغتسال للكافر مستحب، ومن العلماء من أوجبه لحصول الأمر به.

قوله: (أن يغتسل بماء وسدر).

يعني: هذا من كمال التنظيف، ولا شك أن هذا شيء طيب، يعني: أن هذا فيه كمال التنظيف، أما الصابون فيمكن يؤدي ما يؤديه السدر.

تراجم رجال إسناد حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

عمرو بن علي هو: الفلاس المحدث، المشهور، النقاد، المعروف بالجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي، يروي عنه النسائي أحاديث كثيرة، وكثيراً ما يأتي قول النسائي: أخبرنا عمرو بن علي الذي هو: الفلاس.

[حدثنا يحيى].

يحيى هو ابن سعيد القطان المحدث، المشهور، المعروف بكلامه في الجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سفيان].

هو سفيان بن سعيد المسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، خرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن الأغر].

الأغر هو ابن الصباح، وسفيان عبر بـالأغر فقط، ما قال: ابن الصباح، لكن الذين دونه وهم: يحيى بن سعيد القطان، أو عمرو بن علي الفلاس، أو النسائي، أو من دون النسائي هم الذين أتوا بنسبته وهي قولهم: هو ابن الصباح، ولما أتوا بها، وهي ليست من التلميذ أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها زيدت ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: هو ابن فلان، وإنما يسميه كما يشاء، ممكن أن يأتي بسطرين يمدحه، ويثني عليه، ويذكر نسبه، وقد يذكر نسبه إلى ذكر عدة أجداد له؛ لأنه لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما يقول: حدثنا شيخنا فلان بن فلان بن فلان، الإمام، الثقة.. إلخ، يقول ما يشاء، لكن من دون التلميذ هو الذي يزيد إذا أراد أن يزيد ما يوضح، لكن يأتي بكلمة (هو) أو يأتي بكلمة (يعني)، أو (الفلاني)، أو (هو الفلاني)، أو (يعني الفلاني)، أو (يعني ابن فلان)، فكلمة (هو) تشعر بأن هذه زيادة ممن دون التلميذ، وفائدتها: التنبيه على أن التلميذ ما قالها، ولو قالوا: الأغر بن الصباح لفهم من أول وهلة أن سفيان هو الذي قال: ابن الصباح، لكن لما جاءت كلمة (هو) عرفت أنها ليست من سفيان، وإنما هي ممن دون سفيان، وهذه تأتي كثيراً في الأسانيد (هو) أو (يعني ابن فلان)، وهذا هو معناها.

والأغر بن الصباح هذا كوفي، وهو تميمي، منقري بالولاء، يعني: مولى بني تميم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له الشيخان ولا ابن ماجه .

[عن خليفة بن حصين].

خليفة بن حصين هذا جده قيس بن عاصم الذي جرى عنه في هذا الإسناد؛ لأنه خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، فهو يروي عن جده قيس هنا في الإسناد، وخليفة بن حصين هذا ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي فهو مثل تلميذه الأغر بن الصباح، خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.

[عن قيس بن عاصم].

قيس بن عاصم هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر المنقري التميمي؛ يعني: ينسب إلى جده منقر فيقال: منقري، وينسب نسبة عامة فيقال: التميمي، والمنقري نسبة خاصة؛ لأن منقر من تميم، وينسب نسبة عامة، فيقال: المنقري، ويقال: التميمي.

وقيس هذا صحابي، مشهور بالحلم، ومشهور بالجود، والكرم، ويقال: إنه قيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ وهو مشهور بالحلم، فقال: من قيس بن عاصم.

وقيس بن عاصم هذا الصحابي الجليل خرج حديث أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، مثل حفيده والذي روى عن حفيده؛ لأنهم ثلاثة على الولاء كلهم خرج لهم ثلاثة من أصحاب السنن، ما عدا ابن ماجه ، وأيضاً ذكر في تهذيب التهذيب أنه خرج له البخاري في الأدب المفرد، وفي نسخة التقريب المصرية ما فيه إلا البخاري في الأدب المفرد، لكن في تهذيب التهذيب خرج له البخاري في الأدب المفرد، وخرج له أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه .

وقيس بن عاصم هذا لما توفي رثاه عبدة بن الطيب في أبيات يقول فيها:

عليك سلام الله قيس بن عاصمورحمته ما شاء أن يترحما

ثم ذكر بيتاً مشهوراً يعتبر بمثابة المثل الذي يضرب عندما يموت شخص كبير؛ يعني: إنسان يعتبر له منزلة كبيرة، وموته يعتبر فيه نقص كبير على المسلمين، يتذكر هذا البيت، يقول فيه:

وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدما

يعني: ما موته موت شخص واحد، وإنما هو بنيان قوم تهدما، معناه: أنه قوم عندهم شخص له منزلة عظيمة، وقد حصل بموته هذا الخطب العظيم، والمصيبة الكبيرة.

عندما يذهب شخص له منزلة كبيرة، وفائدته عظيمة للمسلمين، ينقدح في ذهن الإنسان هذا البيت؛ لأنه يدل على عظم المصيبة، وعلى كبرها، وعلى عظم حجمها، وأنا تذكرت هذا لما توفي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، في عام 1389هـ، وكان رجلاً عظيماً من نوادر الرجال، ومن الأفذاذ في هذه البلاد الذين لهم منزلة، ولهم هيبة، ولهم مكانة في النفوس، ويعتبر سداً منيعاً، ولما مات حصل بموته مصيبة كبيرة، فأنا تذكرت هذا البيت في ذاك الوقت، وكنت كتبت في وقتها كلمة عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، وأوردت فيها هذا البيت؛ يعني: هذا البيت الذي رثى به عبدة بن الطيب قيس بن عاصم، فذكرته مستشهداً، فقلت: إن هلاكه ليست مصيبة فرد، أو مصيبة عائلة، أو مصيبة جماعة، وإنما هي مصيبة أمة، ومصيبة عامة، وأن هذا البيت ينطبق عليه، ويناسب أن يذكر هذا البيت:

وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدما

وقيس بن عاصم رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الصحابة المشهورين بالحلم، وبالكرم، والجود، وكان زعيماً، كبيراً، ومشهوراً في قومه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

شرح حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إن ثمامة بن أثال الحنفي انطلق إلى نجل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر)] وفي بعض النسخ مختصر.

النسائي يقول: تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم. وأورد فيه قصة إسلام ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه: أنه ذهب إلى نخل أو نجل؛ يعني: في بعض النسخ نجل، وفي بعضها نخل، ونخل هي الأوضح؛ لأن نخل فيه ماء، وقيل: إن نجل يعني: أن فيه ماء ينبع، لكن الموجود في البخاري وفي غيره أنه نخل، يعني: إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، فاغتساله قبل إسلامه إنما حصل بفعله وليس بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، والحديث الذي قبله فيه: أنه أسلم فأمره أن يغتسل، ومن المعلوم أن المبادرة بالإسلام أولى من تأخير الاغتسال؛ لأن تأخيره قد يصيبه الموت قبل أن يسلم، فكونه يبادر إلى الإسلام ثم يغتسل هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الذي حصل في مثل قيس بن عاصم رضي الله عنه.

وأما هذا الذي في الحديث فهو من فعل ثمامة بن أثال، أنه اغتسل ثم جاء وأسلم، وشهد لله عز وجل بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

والحديث أورده هنا مختصراً، وأشار إليه في آخر الحديث، قال: مختصر؛ يعني: أنه ذكر الحديث مختصراً، والحديث مطول ذكره البخاري وغيره، وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل خيلاً قبل نجد، فوجدوا ثمامة بن أثال، فأتوا به، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاءه يوم وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط ما شئت، فتركه، فجاء من الغد وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال مثلما قال بالأمس، قال: عندي الذي قلته: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه، فلما جاء من بعد الغد جاء إليه، وقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: مثل الذي قال، فقال: أطلقوه، فلما أطلقوه ذهب إلى نخل قريب من المسجد واغتسل، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: يا محمد! إن وجهك كان أبغض الوجوه إلي، وإنه الآن أحب وجه على وجه الأرض إلي، وإن دينك كان أبغض الأديان إلي، وإن دينك الآن أحب الأديان إلي، وإن بلدك كانت أبغض البلاد إلي، وإن بلدك الآن هي أحب البلاد إلي) كل هذا في البخاري وهو الذي أشار إليه هنا بقوله: مختصر.

ثم قال: (يا رسول الله! إن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة -يعني: كان ذاهب للعمرة- فأخذته الخيل، وجاءوا به إلى المدينة، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل له من الإسلام، وأمره أن يعتمر، فذهب إلى العمرة من المدينة، ولما جاء إلى مكة صار كفار قريش يشيرون إليه ويقولون: هذا صبأ -يعني: أنه دخل في دين غير دينه- فقال: أنا أسلمت مع محمد لله رب العالمين، وهو سيد أهل اليمامة، وكانت الحنطة تأتي إلى مكة من اليمامة، فقال: ووالله لن يأتيكم حبة حنطة من اليمامة إلا إذا أذن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه)، وحصل منه هذا الموقف العظيم.

والبخاري ذكره في بعض المواضع مختصراً وفي بعضها مطولاً، وهذا الموضع الذي أشرت إليه هو في المغازي؛ يعني: في الوفود، وقد ذكره مطولاً، وفيه هذه المحاورة والكلام الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثمامة بن أثال الحنفي اليمامي.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قوله: [أخبرنا قتيبة].

هو قتيبة بن سعيد الذي مر في الإسناد الذي قبله.

[حدثنا الليث].

هو: الليث بن سعد أيضاً مر في الذي قبله.

[عن سعيد بن أبي سعيد].

سعيد بن أبي سعيد هو المقبري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

أبو هريرة رضي الله عنه، هو أحد الصحابة المكثرين، بل هو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً. ورجال هذا الإسناد الأربعة خرج لهم أصحاب الكتب الستة، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وهذا إسناد رباعي ليس بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص: قتيبة، والليث بن سعد، وأبو سعيد المقبري، وأبو هريرة؛ ولأنه ليس عنده أسانيد ثلاثية.

الأسئلة

توجيه معرفة ثمامة للغسل قبل الإسلام

السؤال: كيف عرف ثمامة الغسل قبل أن يسلم وقبل أن يدخل في الإسلام؟

الجواب: لعله عرف أن هذا هو شأن المسلمين إذا أرادوا أن يسلموا، أو لعله أراد بأن يتنظف وأن يتطهر، فقد يكون علم هذا.

مفهوم سلس البول

السؤال: ما مفهوم سلس البول؟ وهل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟

الجواب: صاحب سلس البول هو الذي يخرج منه البول دائماً، ويحصل منه قطرات البول، ويتوضأ عند كل صلاة، ويناسب أنه يرش على فرجه شيئاً من الماء؛ حتى لا يحصل تشويش عليه، ولو حصل بعد ذلك منه خروج البول فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن هذا هو الذي يستطيعه، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فهو يتوضأ لكل صلاة، ومثله المستحاضة التي جاء في الحديث أنها تتوضأ لكل صلاة، فالذي به سلس البول مثل المستحاضة.

لكن هل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟

الجواب: لا ما يستنجي، هذا يكون عند دخول الوقت؛ يعني: إذا أراد أن يتوضأ يستنجي؛ لأنه كما هو معلوم الوضوء لابد فيه من الاستنجاء إذا كان هناك نجاسة، أما إذا لم توجد نجاسة فالوضوء كما هو لا يحتاج إلى الاستنجاء، فالاستنجاء عند خروج الخارج. إذاً فلا يستنجي، ولا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، أما إذا أراد أن يتنظف قبل دخول الوقت فله أن يفعل ذلك.

حكم هدم بعض المساجد المتقاربة

السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا في بلادنا بعض المساجد قريبة جداً من بعضها الآخر، وعدد المصلين في كل مسجد قليل جداً، بحيث أنهم يعدون على الأصابع، فهل يجوز هدم أحد هذه المساجد أو تلك المساجد؟

الجواب: إذا كان القرب شديداً فلا ينبغي أن تكون المساجد كذلك، وأما إذا كان بينها شيء من التباعد، والذهاب إلى المكان الآخر فيه مشقة، فتعدد المساجد لا بأس به، ولو أزيل أحد المساجد، واكتفي بمسجد آخر، فإنه لا بأس إذا كان القرب شديداً، وأما إذا كان هناك تباعد فالمساجد تبقى.

بيتان في عدم الافتخار بالنسب

السؤال: فضيلة الشيخ! نرجو ذكر البيتين الذين ذكرتهما في عدم الافتخار بالأنساب؟

الجواب: يقول:

لعمرك ما الإنسان إلا بدينهفلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارسووضع الشرك النسيب أبا لهب

وهذان البيتان كما ذكرت سابقاً موافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)، فهو المبين لهذا المعنى.

كيفية معرفة أوهام الثقات

السؤال: كيف يعرف المحدثون أن فلاناً الثقة أقل أوهاماً من فلان الثقة؟

الجواب: الثقات يعرفون كون بعض الثقات أقل أوهاماً من بعض؛ وذلك بحصر أغلاطهم، وبحصر أوهامهم، فإذا حصر الأوهام وأرادوا أن يقارنوا بين شخصين، يحصرون أغلاط كل واحد منهم وأوهامه، ثم يقارنون بينها أيها أكثر؟ فمن كان أكثر صار أقل، ومن كان أقل صار أدنى، وهذه هي الطريقة التي بها يميزون بين الأشخاص الذين في القمة، أيهم يقدم؟ وأيهم أوثق؟ وأيهم أعظم حفظاً؟ وأشد حفظاً؟

أي المذاهب يرى العمل بالمرسل

السؤال: أي المذاهب الأربعة يرى العمل بالحديث المرسل؟

الجواب: لا أدري من يرى العمل بالحديث المرسل من أصحاب المذاهب الأربعة.

الزمن والوقت المناسب لقيام طالب العلم بواجبه في نشر العلم

السؤال: متى يبدأ طالب العلم بنشر ما تعلمه ويدرسه؟ هل يكون ذلك بعد مدة الطلب على المشايخ، أم أنه كلما تعلم شيئاً من العلم ينقله ويدرسه، سواء في المسجد أم في البيت؟

الجواب: هو كونه يتعلم، وكونه يجتهد في طلب العلم، ويشغل نفسه في طلب العلم، هذا هو الذي ينبغي، ولكنه إذا وجد أناساً مثلاً يعلمهم ما عنده، أو بعض ما عنده، هذا شيء طيب، بعد أن يكون متحققاً وأن يكون عارفاً بذلك الشيء الذي سيدرسه مثلاً: إنسان يدرس الثلاثة الأصول، ويدرس هذه الكتب المفيدة التي فائدتها عظيمة للناس، والتي يحتاج إليها الصغار والكبار، ويحتاج إليها العوام وغير العوام، مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها وإلى معرفتها، إذا علمها غيره فهذا شيء طيب، ولكن كونه يعتني في الطلب، والجد، والاجتهاد، والاشتغال، هذا هو الذي ينبغي، وإذا احتيج إليه، أو علم مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها، والتي هي مختصرة ومفيدة، والتي يحتاج إليها العوام والخواص، والصغار والكبار، هذا شيء طيب.

وهو يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)؛ لأن الإنسان إذا علم شيئاً يعلمه غيره، ويبلغه غيره، لكن إذا كان الإنسان في الطلب يجتهد في الطلب ولا يشغل نفسه في التعليم؛ لأنه لو شغل نفسه في التعليم قد يدفعه ذلك، أو يقلل منه الإقدام على الطلب، والاشتغال في الطلب.

حكم الوضوء من شحم الإبل

السؤال: هل شحم الإبل وكبده وبقية أعضائه تأخذ حكم اللحم في نقض الوضوء؟

الجواب: كما هو معلوم أن اللحم غير الشحم، لكن الإنسان يتوضأ من الشحم، ومن استعمال الشحم؛ لأن المعنى الموجود في اللحم موجود فيه، فكونه يتوضأ من ذلك لا شك أنه هو الأوضح، وهو الأسلم وهو الأحوط.

وإذا شرب مرق الإبل فلا يقال أنه أكل لحماً، وعلى هذا لا يكون ناقضاً للوضوء؛ لأن المرق لا ينقض الوضوء؛ لأنه ما يقال: أنه أكل لحماً.

سبب نقض الوضوء من لحم الإبل

السؤال: اشتهر عند كثير من الناس أن سبب نقض الوضوء من لحم الإبل هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه ذات يوم، ووجد من أحدهم ريحاً، وما أراد أن يظهر ذلك الرجل أمام الناس، فقال: (من أكل لحم جزور فليتوضأ).

الجواب: لا، هذا غير صحيح، فالذين يذكرون أنها قصة ما أدري عن ثبوتها، ولا أدري أين وجدتها، وأين رأيتها، ولكنها مما يدل على الفراسة، ما أدري هل هي في الطرق القطبية في الفراسة أو في غيرها، أنهم كانوا جالسين، فخرج من أحدهم ريحاً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم من أحدث، فليتوضأ، وكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله! فقاموا وتوضأوا)، وهذا طبعاً من الفراسة؛ لأنهم إذا توضأوا كلهم فالذي حصل منه نقض للوضوء توضأ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب المضمضة من السويق) إلى (باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net