إسلام ويب

إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن وأكمل هدي، فمن هديه أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وربما فعل ذلك لمصلحة كمناقشة أحوال المسلمين، كما كان من هديه في صلاة العشاء أن يعجل الصلاة إذا رأى الناس قد اجتمعوا، وإن تأخروا انتظرهم.

كراهية النوم بعد صلاة المغرب

شرح حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب

أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثني سيار بن سلامة قال: (دخلت على أبي برزة فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة)].

هنا أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، والترجمة باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب, والمقصود من الكراهية هو حتى لا ينام عن صلاة العشاء، ومن المعلوم أنه قد جاء في الحديث (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبواً)؛ وذلك أن العشاء تكون في أول الليل، حيث يكون الناس بحاجة إلى النوم بعد الكدح بالنهار، والفجر تكون في آخر الليل عندما ينتهي الليل، عندما يتلذذ الناس في الفراش, وفي النوم, ويطيب لهم النوم، ويتمكنون منه ويتلذذون به، فكانت الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أشدهما ثقلاً، وأثقل الصلاة جميعاً هاتان الصلاتان على المنافقين.

والترجمة هي: كراهية النوم بعد المغرب؛ لأن ذلك يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء، وهذا من أحاديث سد الذرائع، والنصوص في سد الذرائع عديدة، وقد أورد ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) تسعة وتسعين دليلاً من الكتاب والسنة، هي من أدلة سد الذرائع، فكراهية النوم قبل صلاة العشاء وبعد صلاة المغرب؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى النوم عن صلاة العشاء.

وقد أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، أن سيار بن سلامة دخل هو وأبوه على أبي برزة الأسلمي فسأله أبوه، وأبوه ليس راوياً هنا، وإنما الراوي هو سيار بن سلامة، يعني: ذكر أباه؛ لأنه هو السائل، وكان معه مثلما كان بشير بن سلام مع محمد بن علي، يعني: السؤال حصل منهما، والراوي أحدهما، وهنا السؤال من أبيه والرواية منه؛ لأنه كان مع أبيه.

قوله: (فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟).

وهذا أيضاً فيه ما في الذي قبله من حرص التابعين على سؤال الصحابة عن أمور دينهم، وعن أفعال رسول الله عليه الصلاة والسلام.

قوله: (قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى).

الهجير هي: الظهر؛ لأنها تقع في الهاجرة، يعني: في منتصف النهار، بعدما تزول الشمس.

ويقال لها: الأولى؛ لأنها أول صلاة في النهار، يعني: بعد طلوع الشمس، وإلا فإن الفجر هي في النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، والصيام؛ صيام النهار يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكنها الأولى، يعني: بعد طلوع الشمس وحصول الضياء والإشراق، فهي الأولى بهذا الاعتبار، وقيل: إنها الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالرسول عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلوات.

قوله: (حين تدحض الشمس).

يعني: حين تزول، هذا هو المقصود بالدحض.

قوله: (وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية).

معناه: في أول وقتها.

قوله: (ونسيت ما قال في المغرب).

الذي نسيه هو سيار بن سلامة، وهو الذي يتحدث ويحكي ما أخبره به أبو برزة.

قوله: (وكان يستحب أن يؤخر العشاء).

وما كان يمنعه من ذلك إلا نوم الصبيان والنساء، وكون الناس يحصل لهم النوم وهم ينتظرونها، فكان يستحب ذلك، ولكنه كان الغالب عليه أن يصليها في أول وقتها؛ رفقاً بأمته، ورفقاً بأصحابه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

قوله: (التي تدعونها العتمة).

سيأتي أبواب تتعلق بالعتمة، وأنه جاء في الأحاديث إطلاق العتمة عليها.

قوله: (وكان يكره النوم قبلها)، يعني: قبل صلاة العشاء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى النوم عنها، (والحديث بعدها)؛ لئلا يحصل السهر الذي يترتب عليه النوم عن صلاة الفجر، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك أحياناً، وكان يسمر مع أبي بكر في النظر في أمور الناس، وفي أمور المسلمين عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا هو هديه، وهذا هو الذي كان يستحبه، فكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، ولكنه كان يسهر أحياناً مع أبي بكر في بعض المصالح، وهذا يدل على أن السمر للحاجة لا بأس به، ولكن بشرط أن لا يترتب عليه مضرة، ومن أعظم المضار التي تترتب عليه النوم عن صلاة الفجر.

وقد مر في بعض الأحاديث قريباً: أن جبريل عندما صلى بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما صلى المغرب ناموا، ثم قاموا، ثم ناموا، ثم قاموا، ثم صلى العشاء.

قوله: (وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه).

يعني: الذي يصلي بجواره، ومن المعلوم: أن معناه: أنه بغلس؛ معناه: أنه كان يصلي الصلاة في أول وقتها، وكان يقرأ بالستين إلى المائة، وإذا فرغوا من الصلاة الواحد يعرف جليسه، معناه: أنه حصل شيء من الضياء بحيث يعرف الواحد جليسه، وهذا يدل على التبكير بالصلاة في أول وقتها؛ لأنه كان يصلي ويقرأ هذه الآيات الكثيرة، وكان يرتل في قراءته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك حصل الضياء الذي به يعرف الواحد جليسه، وليس معناه: ضياء واضح، وإنما معناه: الواحد ينظر إلى جليسه فيعرفه، فهي أقل الصلوات من ناحية العدد -أي: عدد الركعات- ولكنها أطول الصلوات من حيث القراءة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

وهو الملقب بندار، وهو ثقة, خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة بدون واسطة، وقد مر ذكره في الدرس الماضي.

[حدثنا يحيى].

وهو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عوف].

وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثني سيار بن سلامة].

وهو سيار بن سلامة الرياحي أبو المنهال، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[قال: دخلت على أبي برزة].

هو أبو برزة الأسلمي، واسمه، نضلة بن عبيد مشهور بكنيته أبو برزة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهذا الإسناد كل رجاله خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة: محمد بن بشار، ويحيى بن سعيد القطان، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي، وسيار بن سلامة الرياحي، وأبو برزة الأسلمي.

أول وقت العشاء

شرح حديث جابر في أول وقت العشاء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول وقت العشاء.

أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن حسين بن علي بن حسين أخبرني وهب بن كيسان حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد! فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد! فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد! فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله)].

الآن لما فرغ المصنف من التراجم المتعلقة بصلاة المغرب وما قبلها من الصلوات التي هي: الظهر, والعصر انتقل بعد ذلك إلى صلاة العشاء، فقال: باب: أول وقت العشاء، وكان من عادته أنه يترجم لكل صلاة عدة تراجم، من هذه التراجم أول وقت الصلاة, وآخر وقت الصلاة، ويبدأ بأول وقت الصلاة، وهنا لما فرغ من المغرب التي هي قبل العشاء أتى بأول تراجم صلاة العشاء، وهي: باب أول وقت العشاء، وأورد فيه عدة أحاديث: أولها: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن جبريل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام في يومين، وأمره بأن يصلي الصلوات الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر الوقت.

والمقصود من هذا الحديث الطويل الذي أورده عن جابر هو الاستدلال على أول وقت العشاء؛ لأنه مشتمل على أول وقت العشاء, وآخره، وعلى أوائل الصلوات الأخرى, وأواخر أوقاتها، ولكن يأتي في الترجمة، ويذكر الحديث الطويل المشتمل على ما تقتضيه الترجمة أو ما يريده من الاستدلال على الترجمة.

قوله: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد، فصل الظهر حين مالت الشمس).

يعني: حيث زالت الشمس، وهذا هو أول وقت صلاة الظهر، وصلاتها في أول وقتها هو الأفضل، إلا إذا اشتد الحر فقد جاءت السنة بالإبراد، وهو تأخيرها حتى تنكسر حدة الشمس بمضي وقت بعد الزوال، أما في غير هذه الحالة فإن الأفضل هو صلاتها في أول وقتها.

قوله: (ثم مكث، حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر).

وهذا هو أول وقت صلاة العصر: إذا كان ظل الشيء مثله، وهو نهاية وقت الظهر؛ لأن ببلوغ ظل الشيء مثله ينتهي وقت الظهر، ويبدأ وقت العصر، وليس هناك فجوة من الوقت تفصل بين وقتي الصلاتين الظهر والعصر.

قوله: (ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء).

يعني: حينما حصل الغروب حصلت الصلاة، وذلك -كما عرفنا فيما مضى-: إذا غاب حاجب الشمس؛ وهو طرفها الذي بقي منها بعد ما يغيب أكثرها، فإذا غاب آخرها، وتوارت بالحجاب عند ذلك تبدأ وقت صلاة المغرب.

قوله: (ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها).

يعني: غاب الشفق، وهو الضياء الذي يبقى بعد غروب الشمس، فإذا ذهب ذلك الضياء ولم يبق له أثر، وصارت جهة المغرب وجهة المشرق على حد سواء؛ كلها ظلام دامس عند ذلك يدخل وقت صلاة العشاء، فجاءه حين ذهب الشفق، فقال له: قم فصل العشاء فصلاها، يعني: صلاها في أول وقتها.

قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح).

قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح)، يعني: بدا نوره، وهذا هو أول وقت صلاة الفجر، إذا طلع الفجر، وهو الفجر الصادق المعترض الذي يمتد في الأفق، ويظهر شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، وليس الفجر الكاذب الذي يظهر في آخر الليل، ويمتد مستطيلاً في السماء، أغبر مثل ذنب السرحان فإن هذا ليس وقتاً لصلاة الصبح، وإنما المقصود بذلك الذي يكون معترضاً في الأفق، ثم يتزايد حتى طلوع الشمس، فلما سطع الفجر جاءه وقال: قم فصل الفجر، فصلاها، وهذا في اليوم الأول أمره بأن يصلي الصلوات في أول أوقاتها.

قوله: (ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر).

يعني: في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثله، وقال: فصل الظهر فصلاها، وهذا في آخر وقتها، فعندما يبلغ ظل الشيء مثله هو آخر وقت صلاة الظهر، وبعده مباشرة أول وقت صلاة العصر.

قوله: (ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر).

وهذا هو آخر وقت صلاة العصر، أي: الوقت الاختياري لأن أول وقتها الاختياري، هو عندما يبلغ ظل الرجل مثله الذي هو نهاية الظهر، ويستمر حتى يكون ظل الشيء مثليه، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وبعده يبدأ الوقت الاضطراري الذي لا يجوز للإنسان أن يؤخر إليه، ولكنه لو اضطر وحصل له نوم, أو حصل له نسيان، أو حصل شيء شغله وغفل عن الوقت، ثم صار بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فإنه يصلي العصر حينئذ، ولكنه ليس وقتاً اختيارياً، وإنما وقت اضطراري، فإذا بلغه الإنسان مضطراً فإن الصلاة ما زالت في وقتها، ولكن لا يجوز للإنسان أن يبلغه مختاراً، وقد جاء في الحديث: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك الصلاة في الوقت؛ لأن الوقت الاضطراري نهايته غروب الشمس، ومن أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، فإنه يكون مدركاً لصلاة العصر في وقتها، لكن هذا في حال الاضطرار، وجبريل جاءه في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثليه الذي هو نهاية الوقت الاختياري، وقال: قم فصل العصر، فصلاها.

قوله: (ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب).

يعني: وقتاً واحداً لم يزل عنه، يعني: في اليوم الأول وفي اليوم الثاني جاءه بعد غروب الشمس، وقد سبق أن مر الحديث عن جابر رضي الله عنه, أنه جاءه في اليوم الثاني حين غابت الشمس، وهو مطابق لما هنا، ومعناه: أنه في حديث جابر ما ذكر أولاً وآخراً بالنسبة للمغرب، وإنما ذكر وقتاً واحداً، هو الأول، ولكنه جاء في حديث غيره، وفي الأحاديث المتعددة الكثيرة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل عندما كاد الشفق أن يغرب، وصلى المغرب.

إذاً فنهاية وقتها مغيب الشفق، وبدء صلاة العشاء إذا غاب الشفق.

قوله: (ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء).

وقد عرفنا فيما مضى أن الروايات أو بعض الأحاديث جاءت بأنها منتصف الليل، فيكون الوقت الاختياري نهايته منتصف الليل، وبعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر الثاني يكون وقتاً اضطرارياً، يعني: من نام واستيقظ بعد نصف الليل فإنه يصلي العشاء في وقتها، ولكن ليس للإنسان مختاراً أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل، بل يأثم بالتأخير.

قوله: (ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله).

يعني: أن الإسفار حصل وكادت الشمس أن تطلع فعند ذلك جاءه وقال: (قم فصل الفجر، فصلاها، ثم قال: ما بين هذين وقت كله)، يعني: ما بين الوقتين كله وقت، فكون الإنسان صلاها في أول الوقت، أو في وسطه، أو في آخره، كل ذلك وقت للصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في أول وقت العشاء

قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].

وهو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة, خرج حديثه الترمذي, والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو مروزي، كما أن عبد الله بن المبارك مروزي.

[حدثنا عبد الله بن المبارك].

هو المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد, ذكر الحافظ ابن حجر في (التقريب) جملة من أوصافه، وقال: جمعت فيه خصال الخير.

وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن حسين بن علي بن حسين].

وهو الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، وهو صدوق, مقل من الحديث، وحديثه أخرجه الترمذي, والنسائي، مثل: سويد بن نصر، فقد خرج له الترمذي, والنسائي، وهو صدوق مقل من رواية الحديث.

[أخبرني وهب بن كيسان].

وهو وهب بن كيسان, ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا جابر بن عبد الله].

وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي

فـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.

تعجيل العشاء

شرح حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل العشاء.

أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن حسن قال: قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس بيضاء نقية، والمغرب إذا وجبت الشمس، والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر) ].

هنا أورد النسائي تعجيل صلاة العشاء، يعني: صلاتها في أول وقتها؛ لأن الترجمة السابقة هي: لبيان أول الوقت، وهنا الترجمة لتعجيل الصلاة في أول الوقت، فالترجمة لتعجيل العشاء، وقد أورد في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أنه سئل حين قدم الحجاج عن وقت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة), يعني: منتصف النهار عندما تزول الشمس، فالهاجرة هي عندما ينتصف النهار وتزول الشمس، فكان عليه الصلاة والسلام يصليها في أول وقتها، وهذا هو المقصود بالهاجرة.

قوله: (والعصر والشمس بيضاء نقية).

يعني: في أول وقتها حال شدتها وحرارتها وبياضها.

قوله: (والمغرب إذا وجبت الشمس).

يعني: إذا غابت الشمس، ووجبت، يعني: سقطت عن الأعين, وغابت عن الأعين، فكان يصليها عليه الصلاة والسلام إذا وجبت الشمس، والوجوب هو: السقوط، يعني: سقط آخرها بمعنى أنها غابت وذهبت عن الأبصار، فهذا هو أول وقت صلاة المغرب.

قوله: (والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).

يعني: بالنسبة لأول الوقت؛ لأنه ذكر أوائل الأوقات، بالنسبة للظهر والعصر والمغرب، ثم قال: العشاء أحياناً، يعني: معناه أنه يصليها في أول وقتها أحياناً، إن رآهم عجلوا عجل، وإن رآهم أخروا أخر.

قوله: (وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).

يعني: أخر الصلاة، فمحل الشاهد منه: (إذا رآهم قد اجتمعوا عجل)، يعني: إذا اجتمع الناس فإنه يبادر إلى الصلاة في الوقت، وإذا رآهم تأخروا فإنه ينتظر.

ومن المعلوم أن تأخير الصلاة مستحب؛ أي: صلاة العشاء، ولكن مراعاة للمصلحة بالصلاة في أول وقتها, وعدم المشقة على الناس فإنها تصلى في أول الوقت، ولهذا كان يراعي المصلحة، إذا رآهم عجلوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر، ومحل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة: (إذا رآهم عجلوا عجل)، يعني: عجل الصلاة في أول وقتها.

قوله: (قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله).

فسألنا جابر يعني: عن الوقت، ولعل ذكر الحجاج يعني: في ذكر قدومه، وأنهم سألوه عندما قدم؛ ليسمع الجواب، وأنهم كانوا يؤخرون الصلاة، لعلهم أرادوا أن يسمع الجواب؛ لأن الصلاة تصلى في أول وقتها، ومن المعلوم أن الصلاة في آخر وقتها إذا كان مختاراً سائغ، ولكن المبادرة إليها في أول وقتها هو الذي ينبغي، وهذا هو المطلوب؛ لأن فيه مسارعة إلى أداء الواجب، والمسارعة إلى الخيرات، والحرص إلى الإتيان إلى الصلاة من حينما تجب الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطئوا أخر)

[أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار].

عمرو بن علي هو الفلاس، وهو ثقة, ناقد من النقاد المتكلمين في الرجال وفي الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير، فعندما يقال: قال الفلاس، أو وثقه الفلاس، وقال الفلاس: ثقة، وقال الفلاس: ضعيف فالمراد به: عمرو بن علي، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

وأما محمد بن بشار فهو الملقب بندار، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة: محمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم ماتوا قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فالثلاثة: محمد بن بشار, ومحمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاة الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ)، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، يعني: البخاري توفي سنة (256هـ)، وشيوخه الثلاثة -بل شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة- ماتوا في سنة: (252هـ).

[قالا: حدثنا محمد].

وهو محمد بن جعفر غندر، الملقب غندر، هذا هو محمد المهمل، ويسمى الرجل الذي يذكر في الإسناد غير منسوب: المهمل، وأما إذا لم يذكر اسمه، ولكن ذكر بلفظ رجل عن رجل، فهذا لا يقال له: مهمل، ولكن يقال له: مبهم، فهذا نوع يسمى المبهم، وذاك يقال له: المهمل، والمهمل يعرف نسبه وتسميته عن طريق الشيوخ والتلاميذ وهو ثقة أي: غندر، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

وهو ابن الحجاج، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وهي صيغة وصف بها قليل أو عدد نادر قليل من المحدثين منهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن سعد بن إبراهيم].

وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة, عابد, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عمرو بن حسن].

وهو محمد بن عمرو بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة, خرج حديثه البخاري, ومسلم, وأبو داود, والنسائي، بمعنى: خرج له الشيخان واثنان من أصحاب السنن.

[عن جابر بن عبد الله].

وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي

فـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - (باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب) إلى (باب تعجيل العشاء) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net