إسلام ويب

للمساجد في الإسلام منزلة عظيمة، وقد بين الشرع الحكيم بعض الأمور الجائزة فيها، ومنها: إدخال الصبيان إليها، وربط الأسير فيها، وإنشاد الأشعار الحسنة، وإدخال البعير لحاجة.

إدخال الصبيان المساجد

شرح حديث أبي قتادة في صلاة النبي وهو يحمل أمامة على عاتقه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إدخال الصبيان المساجد.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي : أنه سمع أبا قتادة رضي الله عنه يقول: ( بينا نحن جلوس في المسجد، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي صبية يحملها، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع، ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها ) ].

يقول النسائي رحمه الله: إدخال الصبيان المساجد، وهذه الترجمة معقودة لبيان جواز إدخال الصبيان المساجد، والمراد بالصبيان الذين عقدت الترجمة لهم: هم الذين دون التمييز، أما المميز فهو مأمور بالصلاة حتى يتعود عليها، وحتى يكون على معرفة بها منذ صغره، وأما إذا لم يكن مميزاً وهو صغير يحمل، أو الذي فوقه بقليل، فإن هذا هو الذي عُقدت الترجمة من أجله، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: ( بينما نحن جلوس في المسجد، إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وهي ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي صبية يحملها، فصلى بهم وهي على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام إلى الركعة الثانية حملها، ويفعل ذلك بها في صلاته ).

المقصود من الترجمة: كونه أدخل معه أمامة بنت ابنته زينب، وأبوها أبو العاص بن الربيع، ويحملها في الصلاة، فدل ذلك على جواز إدخال الصبيان في المساجد، لكن هذا الإدخال مقيد حيث لا يكون ضرر من وراء إدخالهم، أما إذا أدخلوا، وتركوا يلعبون في المسجد، ويحصل منهم أصوات، وتشويش على الناس، فمثل هذا لا يجوز، ولا يسوغ، وإدخالهم، وإحضارهم جائز، لكن مع المحافظة عليهم، ومع عدم إفلاتهم يشوشون على الناس، ويحصل منهم الصخب واللعب الذي يحصل به الأذى، والإضرار بما هو موجود في المسجد، فمن أحضرهم فإنه يؤدبهم ويعودهم على عدم حصول إضرار، وعلى عدم حصول تشويش على أحد من الناس.

ومما يدل على إدخال الصبيان المساجد وهم صغار: الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصلاة وهو يريد التطويل، فيسمع بكاء الصبي -أي: الصبي الرضيع الصغير- فيخفف في صلاته شفقة على أمه)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحديث أيضاً فيه أن مثل هذا العمل في الصلاة، أنه سائغ حيث يكون هناك حاجة إليه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ليدل على الجواز، ومن العلماء من قال: إن هذا من خصائصه، والخصائص لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل إنما تثبت بالدليل، وأن هذا يخصه، ولا يتعداه إلى غيره، لكنه فعله صلى الله عليه وسلم ليبين أن ذلك جائز عند الحاجة، وإذا لم يكن ضرورة إليه فإن الأولى الابتعاد عنه وتركه، وليس لأن كل ما هو جائز ينبغي أن يفعل، وإنما عند الحاجة الأمر سائغ وجائز، ولا سيما إذا كان عن ضرورة، فإن الأمر في ذلك واضح، وأما إذا كان من غير ضرورة فهو جائز، لكنه خلاف الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ليبين على أنه ليس بحرام، ولكنه جائز، لكن ليس كل جائز يفعله الإنسان؛ لأن هذا ليس من الأمور المستحبة التي يتعبد الإنسان بها، وإنما هو من الأمور الجائزة التي عند الحاجة تفعل، وعند عدم الحاجة إليها لا تفعل.

وقوله: [وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم] المقصود منه بيان صلتها بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أولاً: نسبها إلى أبيها، ثم ذكر أنها ابنة ابنته، وقد أحضرها، فهو يبين صلتها بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها ابنة ابنته.

ثم قوله: (وهي صبية يحملها)، قد جاء قبل ذلك: [خرج يحمل]، وقال في الآخر: [وهي صبية يحملها]، يعني: أنها تحمل عادة، يعني إنها صغيرة، المقصود بالثانية أن هذه من عادته، أو من العادة أنها تحمل؛ لأنه في الأول ذكر حملها في الحال الواقعة هذه القصة، خرج وهو يحملها، لكن في الآخر قوله: [وهي صبية يحملها]، يعني: في العادة أنها صغيرة تحمل، لم تكن تمشي على رجليها، وإنما تحمل، وهي صبية يحملها، أي: عادة.

ثم قال: ( فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع، ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها ).

تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في صلاة النبي وهو يحمل أمامة على عاتقه

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري، الثقة، المحدث، الفقيه، محدث مصر وفقيهها، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن أبي سعيد ].

هو المقبري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.

[ عن عمرو بن سليم الزرقي ].

هو عمرو بن سليم الزرقي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ سمع أبا قتادة ].

هو الحارث بن ربعي الأنصاري، وهو صحابي مشهور بكنيته أبي قتادة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد رواته كلهم من رجال الكتب الستة: قتيبة بن سعيد، والليث بن سعد، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو قتادة الأنصاري، فهؤلاء خمسة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

ربط الأسير بسارية المسجد

شرح حديث أبي هريرة في ربط الأسير بسارية المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ربط الأسير بسارية المسجد.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربط بسارية من سواري المسجد ) ]، مختصر.

هنا أورد النسائي ربط الأسير بسارية من سواري المسجد، والمقصود من ذلك: الدلالة على جواز مثل ذلك العمل، وقد أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خيلاً قبل نجد فأتوا برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطه بسارية من سواري المسجد ) مختصر، قال النسائي : مختصر؛ أي: أن هذا الحديث مختصر في اللفظ، وهو مطول، قد جاء في الصحيحين وغير الصحيحين بقصة طويلة قبل ربطه وبعد ربطه.

وفيه: أن الرسول كان يأتي إليه ويسأله ما عندك يا ثمامة، وبعد ذلك أطلقه الرسول فذهب واغتسل وجاء وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ودخل في الإسلام، ثم ذهب إلى مكة معتمراً، ولما جاء إلى أهل مكة كفار قريش جعلوا يتكلمون عليه ويقولون: إنك صبأت، هذا هو الصابئ الذي خرج عن دين قومه، واتبع دين محمد، فقال لهم: أنه اتبع دين محمد، وأنه دخل في الإسلام، وهو سيد أهل اليمامة، وكانت تأتيهم الحنطة من اليمامة، أي: تجلب عليهم إلى مكة، فقال: والله لا يأتيكم حبة حنطة إلا إذا أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: يمنع جلب الحنطة عليهم، وقد كانت تجلب عليهم، فأسلم، وحسن إسلامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فالمقصود من الترجمة هو ما ذكره مختصراً من أجل محل الشاهد؛ وهو أنه أتي به فربط بسارية من سواري المسجد، ثم إنه بعد ذلك أسلم، والحديث مطول في الصحيحين وفي غيرهما.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في ربط الأسير بسارية المسجد

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

[ حدثنا الليث ].

قد مر ذكره أيضاً.

[ عن سعيد بن أبي سعيد ].

أيضاً قد مر في الإسناد الذي قبل هذا.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة رضي الله عنه، هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة الذين هم أكثر الصحابة حديثاً، بل هو أكثر السبعة حديثاً.

والإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وهذا كذلك؛ لأن فيه قتيبة عن الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، فهم أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وقد ذكرت فيما مضى: أن أصحاب الكتب الستة عند ثلاثة منهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، فالثلاثة الذين عندهم الثلاثيات: البخاري، والترمذي، وابن ماجه ؛ فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثيات كلها بإسناد واحد، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فهؤلاء الثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا هو من أمثلة الأسانيد العالية التي هي أعلى ما عند النسائي، ورجاله حديثهم عند أصحاب الكتب الستة فثلاثة مروا في الإسناد الذي قبل هذا، والصحابي هنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.

إدخال البعير المسجد

شرح حديث: (إن رسول الله طاف في حجة الوداع على بعير ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إدخال البعير المسجد.

أخبرنا سليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ) ].

هنا أورد النسائي رحمه الله إدخال البعير المسجد، والمقصود من ذلك: بيان الجواز، ولكنه أيضاً يدل على أمر آخر، وهو طهارة بول البعير وروثه، ومثله كل ما يؤكل لحمه فروثه وبوله طاهران، ولكن المقصود هنا من إيراد الحديث هو إدخال البعير المسجد، وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن )، الركن هو الحجر الأسود، وبمحجن، المحجن هو العصا المحنية الرأس، المحجن هو العصا التي هي محني رأسها، فكان على بعير لا يصل الحجر تحته، فكان يمد يده إلى الحجر بواسطة المحجن، فيستلم الحجر بالمحجن عليه الصلاة والسلام.

والمقصود هنا ما عقد الترجمة له؛ وهو إدخال البعير المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم أدخل البعير بحاجته إلى ذلك؛ لأنه كان يريد أن يراه الناس؛ فأراد أن يكون عالياً حتى يراه الناس؛ لأنه جاء في بعض الروايات: (أن الناس غشوه)، يعني: أحاطوا به حتى لا يراه الناس الآخرون، فكان طوافه على بعير، حتى يكون عالياً يرى الناس حركاته، وسكناته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

والحديث يدل على ما ترجم له النسائي، ويدل أيضاً على طهارة أبوال الإبل وأرواثها، ووجه الدلالة: أن إدخالها المسجد مع معرفة أنها عرضة لأن يحصل منها الروث، ويحصل منها البول، فلولا أنها طاهرة لما عرض الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد لحصول النجاسة فيه، فلما أدخلها دل على طهارتها، ومما يدل على طهارتها أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في شرب أبوالها في التداوي، وهذا يدل على طهارتها وعلى عدم نجاستها، فكونه أذن بشربها، وكذلك هنا كونه أدخل البعير المسجد وهو عرضة لأن يبول، وأن يحصل منه الروث، فدل على طهارة البول، ودل أيضاً على صحة طواف الراكب عند الحاجة إلى ذلك، كما فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، أي: إذا كان راكباً أو محمولاً فطوافه صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله طاف في حجة الوداع على بعير ...)

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ].

هو أبو الربيع المصري، ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.

[ عن ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس ].

هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً في سنن النسائي، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إمام جليل، معروف بالفقه والحديث، وقد مر أيضاً أنه هو الذي كلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز بجمع السنة، وكتابة الحديث، وهو الذي قال فيه السيوطي :

أول جامع الحديث والأثرابن شهابٍ آمر له عمر

وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن عبيد الله بن عبد الله ].

هو ابن عتبة بن مسعود، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين بهذا اللقب في عصر التابعين؛ لأنه قد عرف في كتب الفقه، وفي شروح الحديث عندما يأتي مسألة خلافية، وتذكر أقوال العلماء فيها، فإذا كان الفقهاء السبعة اتفقوا على القول بها فإنهم يقولون: قال بها الفقهاء السبعة، فهو لقب أطلق عليهم، فإذا قيل: وقال به الفقهاء السبعة، فالمراد بهم فقهاء المدينة السبعة، وكذلك يقال: قال به الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، والمراد بالأئمة الأربعة الذين هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والفقهاء السبعة الذين هم فقهاء التابعين في المدينة المشهورين بهذا اللقب، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع منهم ففيه ثلاثة أقوال: قيل: إنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المشهورين بالعلم والفقه من الصحابة، وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان أعلم الناس بتفسير القرآن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في قوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِ

والبحر المقصود به ابن عباس، يقال له: البحر، ويقال له: الحبر.

فهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو من صغار الصحابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهو في البلوغ أو ناهز البلوغ؛ لأنه كما جاء في حجة الوداع، أنه كان راكباً على حمار أتان، قال: وكنت قد ناهزت الاحتلام، وكان في حجة الوداع في منى، والرسول صلى الله عليه وسلم توفي بعد حجة الوداع بثلاثة أشهر تقريباً، فهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وهو أيضاً أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، فإذا قيل: العبادة الأربعة فهو أحدهم، وهم: ابن عباس هذا، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب، وقد عاشوا، واستفاد الناس من علمهم وحديثهم، ولهذا يطلق عليهم لقب العبادلة الأربعة في الصحابة، وليس ابن مسعود من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة، وهو من كبار الصحابة، وقد توفي سنة: (32هـ)، وأما هؤلاء فقد عاشوا بعد ذلك بمدة طويلة، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود من التابعين، وأخذوا عنهم الحديث، وأخذوا العلم، فـابن عباس رضي الله عنه أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة من الصحابة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.

النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صلاة الجمعة

شرح حديث: (أن النبي نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة وعن الشراء والبيع في المسجد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صلاة الجمعة.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرني يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وعن الشراء والبيع في المسجد ) ].

هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: النهي عن البيع والشراء في المسجد، وعن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وقد أورد النسائي الحديث الدال على الأمرين اللذين اشتملت عليهما الترجمة، وهما: البيع والشراء في المسجد، والتحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، والتحلق هو الجلوس حلقاً لعلم أو لغيره؛ وذلك أنه يشغل عن الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها، وكذلك أيضاً الاشتغال بذكر الله عز وجل، والاستعداد لسماع الخطبة، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.

ونهى عن البيع والشراء في المسجد؛ وذلك أن البيع والشراء هو شأن الأسواق، وليس شأن المساجد؛ لأن المساجد ما بنيت لتحصيل الدنيا، وللبحث عن الدنيا، وإنما بنيت وعمرت لتحصيل مكاسب الآخرة، والعواقب الحميدة التي تحصل في الدار الآخرة، ولم تبن كما هو شأن الأسواق للبيع والشراء، ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد؛ فإن ذلك لا يسوغ، ولا يجوز.

فالحديث دال على الترجمة بشقيها، وهي: التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، والبيع والشراء في المسجد، فكل من هذين نهى عنه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والنهي عن البيع والشراء في المسجد مطلقاً يوم الجمعة وغير الجمعة، فليس المقصود منه أنه يوم الجمعة، وأنه ذكر التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وقد جاء في القرآن: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، يعني: في يوم الجمعة، فليس النهي عن البيع والشراء خاصاً بيوم دون يوم، وفي وقت دون وقت، بل هو ممنوع دائماً وأبداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه مطلقاً، وليس مقيداً في وقت دون وقت، أو في يوم دون يوم، فذلك لا يسوغ ولا يجوز.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة وعن الشراء والبيع في المسجد)

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المشهور بـابن راهويه، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه هذا محدث، فقيه، وهو ممن ظفر أو ممن حصل له لقب أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، ولم يحصل إلا لقليل من المحدثين ومنهم إسحاق بن إبراهيم هذا، وهذا لقب رفيع ومنزلة عالية لم تحصل للكثير من المحدثين، وإنما حصلت للنادر والقليل منهم، وهذا منهم رحمة الله عليه، وهو أيضاً معروف بالفقه والحديث، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

وكلمة (راهويه) هذا المعروف عند المحدثين بهذه الصيغة، تكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم، وأما عند اللغويين، فتكون الواو مفتوحة والياء بعدها ساكنة، يعني: مختوم بـ(ويه) بصيغة ويه، أي: هذا عند اللغويين، وأما المحدثون فهم يقولون: راهويه، وأما اللغويون يقولون: راهويه.

[ أخبرني يحيى بن سعيد ].

هو القطان البصري، المحدث، الناقد، المعروف بكثرة كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عجلان ].

هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد ذكروا في ترجمته أنه حملت به أمه ثلاث سنين أو أربع سنين.

[ عن عمرو بن شعيب ].

هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، خرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.

يروي عن أبيه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر بأنه ثبت سماعه عن جده عبد الله، وعلى هذا فيكون الذي يروي عن جده هو شعيب، وكذلك أيضاً يقال له: جد عمرو ؛ لأن جد الأب جد للإنسان، لكن الذي هنا في الإسناد المراد به الجد ليس الجد الأدنى، وإنما هو الجد الثاني؛ لأنه شعيب بن محمد بن عبد الله .

فإذاً: عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، فليس الضمير في جده يرجع إلى عمرو فيكون محمد الذي هو أبو شعيب ؛ لأن محمد ليس صحابياً، ويكون الإسناد مرسلاً، لو كان الرواية عن محمد، لكن الرواية هي: عن شعيب عن عبد الله الذي هو جده، فالرواية ليست عن جد عمرو الذي هو محمد، وإنما أبوه شعيب يروي عن جده عمرو، وشعيب سمع من جده عبد الله بن عمرو فيكون متصلاً، وإذا ثبت الإسناد إلى عمرو بن شعيب فحديثه من قبيل الحسن، إذا كان ما بقي إلا رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فهذه ما فيها إشكال، وفيها خلاف عند العلماء، ولكن المشهور والمعروف أن روايته ثابتة، وقد احتج العلماء بأحاديث كثيرة، وبمسائل عديدة جاءت من هذه الطريق التي هي رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وكما ذكرت: شعيب يروي عن جده عبد الله، وعبد الله بن عمرو هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين مر ذكرهم قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

النهي عن تناشد الأشعار في المسجد

شرح حديث: (أن النبي نهى عن تناشد الأشعار في المسجد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ النهي عن تناشد الأشعار في المسجد.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تناشد الأشعار في المسجد ) ].

هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن تناشد الأشعار في المسجد، والترجمة معقودة للتناشد، ومفهومها أنها تكون من جانبين، أو من جوانب متعددة، بحيث هذا ينشد وهذا ينشد، وهذا قد يكون فيه شيء من المغالبة، وقد يكون فيه من الشيء المذموم، أي: عندما يكون فيه مقابلة، وكل يريد أن يغلب الآخر، فإن هذا يكون فيه محذور، فيكون من قبيل المذموم، وهذا هو الذي يدل عليه الحديث؛ لأن الرسول نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، والتناشد يكون من جوانب متعددة أو من جانبين ، بحيث يكون اثنان يتقابلان، فهذا ينشد وهذا يرد عليه، أو هذا يعارضه، وغالباً أن ذلك مظنة الشعر المذموم، حيث يكون كل واحد يريد يغلب الآخر.

وفي الحديث الذي بعده، وهو أن حسان رضي الله تعالى عنه، كان ينشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيجمع بين هذا والذي يأتي بعده بأن هذا فيما إذا كان مذموماً، أو كان فيه شيء من المقابلة والمعارضة، وحسان فيما إذا كان محموداً، ولم يكن فيه شيء من المغالبة التي يكون فيها شيء من تنافر النفوس، وحب الظهور، وحب الغلبة، وما إلى ذلك مما هو محذور.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي نهى عن تناشد الأشعار في المسجد)

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

قتيبة قد مر ذكره.

[ حدثنا الليث بن سعد ].

الليث بن سعد أيضاً قد مر ذكره.

[ عن ابن عجلان ].

ابن عجلان قد مر ذكره في الذي قبله.

[ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ].

هذا الإسناد مثل الذي قبله تماماً، الإسناد هو إسناد الحديث الذي قبله تماماً.

الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد

شرح حديث حسان بن ثابت في الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد.

أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال: ( مر عمر بـحسان بن ثابت رضي الله عنهما وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد أنشدت وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ قال: اللهم نعم ) ].

هنا أورد النسائي حديث حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: أنه كان ينشد الشعر في المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن عمر رضي الله عنه مر وهو ينشد، فلحظه؛ يعني: نظر إليه نظرة كأنه ينكر عليه، فقال: قد كنت أنشده وفيه من هو خير منك؛ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استشهد بـأبي هريرة فشهد، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له، وقال: اللهم أيده بروح القدس، والحديث دال على الترخيص في مثل ذلك، فيما إذا كان الشعر حسناً سليماً، وكان يلقى من شخص ليس فيه معارضة، وفيه مقابلة، ومنافسة، ومغالبة.

ثم أيضاً ليس من قبيل ما يسمى في هذا الزمان بالأناشيد الإسلامية التي يجتمع فيه ناس، وينشدون بصوت واحد، ويكون فيها العناية بالأصوات أهم من العناية بالمعاني، فمثل هذا لا يصلح أن يكون في المسجد؛ لأن هذا فيه تلحين، وفيه اهتمام بالصوت أكثر من الاهتمام بالمعنى، وإنما الذي يسوغ مثلما كان يفعله حسان، والذب عن هذا الدين الحنيف الذي جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

إذاً: فـالنسائي لما ذكر النهي ذكر الرخصة بعد ذلك، والنهي جاء بالتناشد، والرخصة جاءت بالإنشاد، ولكن ذلك فيما إذا لم يكن مذموماً، ولم يكن فيه محذور.

تراجم رجال إسناد حديث حسان بن ثابت في الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

قتيبة قد مر ذكره.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

إذا جاء سفيان غير منسوب فالمراد به ابن عيينة ليس الثوري ؛ لأن الثوري ليس معروفاً بالرواية عنه، بل قال ابن حجر : إنه يروي عن الزهري بواسطة، وأما ابن عيينة فإنه ملازم له ومكثر من الرواية عنه، ومن المعلوم أن سفيان بن عيينة متأخر، أي: بعد الثوري، ولكنه لازم الزهري وروى عنه كثيراً، وعمر بعده كثيراً، فالزهري توفي سنة: (125 أو 124هـ)، وابن عيينة في حول المائتين، يعني: في العشر الأخيرة من المائة الثانية، فهو متأخر عن الثوري، ولكن هذا قريب منه؛ لأن ابن عيينة مكي، والزهري مدني، وهو على صلة به، وهو مكثر من الرواية عنه، وابن حجر يقول: إن الثوري روى عنه بواسطة، فعلى هذا عندما يأتي ذكر سفيان غير منسوب، فالمراد به ابن عيينة حيث يروي عن الزهري، وهذا يسمونه في علم المصطلح المهمل؛ وهو أن الشخص غير منسوب، فيحتمل شخصين أو أكثر، ويمكن معرفة أيهما بمن يكون له به علاقة، أو يكون معروفاً بالرواية عنه، أو غير ذلك من الأمور التي يترجح بها أحد الجوانب على الأخرى.

[ عن سعيد بن المسيب ].

سعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة الذين مر ذكرهم قريباً، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[قال: مر عمر بـحسان ].

حسان ؛ لأن عمر ليس من الرواة، وإنما سبب إيراد الحديث هو هذه القصة، وهي كون عمر مر وهو ينشد فلحظه، وأجاب بإضافة ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فالحديث من مسند حسان وليس من مسند عمر؛ لأن عمر حصل منه ما حصل ، وسبب إيراد الحديث، وسبب ذكر الحديث، فهو عن حسان رضي الله تعالى عنه، وحسان بن ثابت هو الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الجمع بين حديث: (لا عدوى) وحديث: (فر من المجذوم)

السؤال: أرجو من فضيلتكم إزالة التعارض الظاهر في الأحاديث التالية، فمنها ما يثبت العدوى ومنها ما ينفيها، حديث: ( لا عدوى ولا طيرة )، أخرجه مسلم، والحديث الآخر: ( فر من المجذوم فرارك من الأسد )، وحديث آخر يقول: ( ما يعدي شيء شيئاً )، إلى آخر ما ذكر؟

الجواب: الأحاديث التي فيها ذكر نفي العدوى، والأحاديث التي فيها حصولها؛ التوفيق بينها: قيل فيها عدة أقوال في التوفيق، ولكن من أشهرها أن قوله: (لا عدوى ولا طيرة)، أي: أنها لا تعدي بطبعها، وأنه مجرد التقاء المريض بالصحيح ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح، وهذه عقيدة جاهلية كانوا يعتقدون أنه بمجرد ما يكون فإنه يحصل، لكن هناك شيء وراء هذا اللقاء؛ وهو قضاء الله وقدره، ومشيئته وإرادته، فإذا كان الله قد قدر وقضى بأنه يحصل انتقال المرض انتقل، وإذا شاء الله ألا ينتقل فإنه لا ينتقل، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: ( من أعدى الأول؟ )؛ الذي أصابه المرض أول مرة من أين جاءه المرض؟ جاءه من الله، الله تعالى هو الذي أنزله فيه، فليست القضية قضية أنه مجرد عدوى، فإذا شاء الله عز وجل أنه يوجد السبب، ويتخلف المسبب تخلف، مثل كون الإنسان يتزوج ولا يأتي له ولد، فهو أخذ بالسبب، ولكن تخلف المسبب الذي يريده، فهنا وجد السبب؛ وهو الاختلاط، ولكن الله ما شاء أنه ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح، فقوله: (لا عدوى ولا طيرة)، يعني: بطبعها، وأن مجرد الالتقاء يحصل به العدوى.

وأما قوله: ( فر من المجذوم فرارك من الأسد )، فهو محمول على عدم الأخذ بالأسباب التي فيها الاحتياط، وفيها عدم التعرض لحصول شيء ينتج، أو قد ينتج عن ذلك اللقاء، فإذاً: يحمل هذا على شيء، وهذا على شيء.

حكم الحديث في المسجد عن أمور الدنيا

السؤال: بعد صلاة الجمعة يحدث في هذا المسجد تجمع من بعض العمال يتحدثون بأصوات مرتفعة، فما هذا الحكم؟

الجواب: الاجتماع في المسجد، والتحدث بأمور الدنيا، لا سيما إذا كان برفع صوت، كل ذلك غير سائغ، أما إذا صاروا خارج المسجد، فالشوارع، والسوق هذا هو محل مثل هذه الأمور، أما المساجد فهي لذكر الله عز وجل، وعبادته، وليست للغط، والأصوات، والاشتغال في أمور الدنيا.

سماع عمرو بن شعيب من جده محمد بن عبد الله بن عمرو

السؤال: هل سمع عمرو بن شعيب من جده محمد بن عبد الله ؟

الجواب: لا أدري، لكن هو لو كان المقصود بالجد هو محمد لكان مرسلاً؛ لأن محمداً من التابعين، فما يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يكون منقطعاً، من قبيل المرسل، ما أدري، هل يمكن يكون في ترجمة عمرو هل سمع منه؟

حكم دخول الكافر المسجد

السؤال: لماذا لم تذكر في حديث أبي هريرة الذي مر في حديث ثمامة حكم دخول الكافر للمسجد للحاجة؟

الجواب: نعم، هو يدل على ذلك، فالحديث يدل على دخوله المسجد، أو إدخال الكافر المسجد لحاجة، لا بأس بذلك؛ لأن الرسول أدخله المسجد وربطه في سارية من سواريه.

عدد الأحاديث الضعيفة في كتاب المساجد من سنن النسائي

السؤال: لماذا لم تذكر صحة الحديث ليستفيد طلابكم وغيرهم؟

الجواب: كل الأحاديث هذه صحيحة؛ لأن الأحاديث التي عند النسائي الضعيفة قليلة، وكتاب المساجد الآن الذي نحن نقرأه فيه حديث واحد ضعيف، وذلك على حسب ما عمله الألباني في صحيح النسائي وضعيفه، فكتاب المساجد كله فيه حديث واحد ضعيف فقط.

حكم الأناشيد خارج المسجد

السؤال: بينتم حكم الأناشيد في المسجد، فما حكمها في خارج المسجد؟

الجواب: حكمها خارج المسجد مثل داخل المسجد؛ لأن إنشاد الشعر بالطريقة التي كان يفعلها حسان هذه التي جاءت، وأما هذه الطريقة من الأناشيد التي تكون بتلحين، وأناس يجتمعون عند المسجل أو عند الميكرفون، وينشدون بأصوات واحدة، أقول: هذا غير معروف، والعناية فيه بالأصوات -كما قلت- أكثر من العناية في المعاني، فيشتغل بما هو خير منه، وبما هو أولى منه.

تفسير قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون)

السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]؟

الجواب: الآية فيها عموم وفيها استثناء؛ لأنه معروف أن الشعراء، وتنافسهم، وتغالبهم، وكون كثير من الناس يتبعونهم ويعجبون بهم، وأيضاً كثير من أشعار الشعراء تكون بهجاء، وتكون بذم، وتكون في أمور غير طيبة، ولا يستثنى من ذلك: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الشعراء:227]، الذين استثناهم الله عز وجل، فأهل الغواية هم الذين يتبعون الشعراء، ولكن هذا في الشعر الذي يكون فيه مجون، ويكون فيه هجاء، ويكون فيه أمور غير مرضية.

أما إذا كان الشعر سليماً، وقرأه الإنسان أو حفظ منه، فإنه لا بأس، لكن مع هذا فيه انشغال عما هو أهم منه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً )، وهذا يدل على التحذير من الاشتغال بالشعر وإن كان سليماً، أما إذا كان مذموماً فالقليل منه يذم ويحذر منه، ولكن هذا في الشعر السليم الذي يشغل عما هو أهم منه، يكون شغله الشاغل الشعر، ثم ينشغل عن القرآن، وعن الحديث، وعن أمور دينه، وعما ينفعه، فهو مذموم إذا طغى على الإنسان، وغلب على الإنسان، وشغله عما هو أهم منه.

كيفية معرفة سفيان إذا روى عن غير الزهري

السؤال: رواية سفيان إذا كانت عن غير الزهري في الكتب الستة يحمل على من؟

الجواب: هذا يحمل كما ذكرت على من يكون له باختصاص، ويكون له من أهل بلده، أو يكون في قرابة، وما إلى ذلك، وهذا يعرف بالشيوخ والتلاميذ، أي: كون فلان روى عن فلان، ولم يرو عن فلان، يعرف بهذا الطريق؛ لأن بعض الأشخاص يكون روى عن شخص دون شخص، فيعرف أحد السفيانين بالتلاميذ، وكذلك الحمادين : حماد بن زيد وحماد بن سلمة، يعرف أيهما بالشيوخ والتلاميذ، كونه هذا التلميذ ما روى إلا عن أحد السفيانين، أو عن أحد الحمادين، يعرف إذا جاء سفيان غير منسوب فهو هذا الشخص الذي عرف بالرواية عنه، فهو يرجع إلى من له به خصيصة، ومن له به علاقة، ومن يكون من أهل بلده، أو يكون من المكثرين من الرواية عنه، وما إلى ذلك من الأمور التي يميز بها المهمل.

أنزل إسناد عند النسائي

السؤال: ما هو أنزل إسناد عند النسائي ؟

الجواب: الظاهر أن أنزل الأسانيد عند النسائي هي التساعيات، أو العشاريات، وما مر بنا إلى الآن حديث تساعي أو عشاري، الذي مر بنا ثماني، لكن في بالي إما التساعي وإما العشاري.

وحديث فيه قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، أنه عند الإمام أحمد تساعي، وعند النسائي عشاري، وقد ذكره ابن كثير في التفسير.

تشيع النسائي

السؤال: وما هو قولكم في تشيع النسائي ؟

الجواب: النسائي عرف عنه التشيع، لكن كما هو معلوم تشيعه لا يؤثر ولا يضر؛ لأنه حجة، وعمدة، واعتمد عليه أهل السنة، وسننه هي من المصادر التي اعتمد عليها أهل السنة، فتشيعه من قبيل التشيع الذي لا يؤثر ولا يضر.

الفرق بين مذهب الأشاعرة وعقيدة أهل السنة في القدر

السؤال: ما الفرق بين مذهب الأشاعرة وبين عقيدة أهل السنة في باب القدر؟

الجواب: هو فيما يتعلق بالمشيئة والإرادة؛ مشيئة الله وإرادته، فأهل السنة عندهم أن الله تعالى متصف بالمشيئة والإرادة، وأن كل ما يقع في الكون فهو بمشيئة الله وإرادته، وأما الأشاعرة في مسألة المشيئة عندهم فيها فذلكة، قال عنها بعض العلماء: إن مجالات الكلام ثلاث: كسب الأشعري، وطفرة النظام، ولهم فيها كلام يخالف أهل السنة الذي هو الكسب عند الأشاعرة، أي هذا الذي هو بالنسبة لأفعال العباد وخلقها، وأهل السنة كما ذكرت عندهم كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن كل ما كان بمشيئة الله وإرادته، وأن العبد له مشيئة، ومشيئته تابعة لمشيئة الله عز وجل، وأولئك عندهم كما قلت: كسب الأشعري، ولا أتذكر تفصيله ما هو، لكنه كما قال بعض العلماء من مجالات الكلام.

مدى اعتبار المسعى من المسجد

السؤال: المسعى هل يعتبر من المسجد أو من خارج المسجد؟

الجواب: هو الآن كما هو معلوم داخل المسجد، والأبواب هي خارج المسعى، والإنسان إذا أراد أن يدخل للمسجد، يدخل وهو من خارج المسعى، فالجدران محيطة بالمسعى كما هي محيطة بسائر المسجد، فهو من المسجد، ولكن طواف الحائض عند الحاجة؛ لأن المرأة قد تدخل عند الحاجة، يعني مرور أو ما إلى ذلك، فإذا كانت ما عليها إلا السعي وقد طافت، فإن لها أن تسعى وهي على حيضها؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة، وأما الجلوس في المسجد المرأة لا تجلس، والمسعى حكمه حكم المسجد، فهي لا تجلس فيه، ولكن كونها عندما تحتاج إلى السعي، في كونها طافت ولم يبق عليها إلا السعي، فإنها تسعى وهي حائض؛ لأن دخول المرأة المسجد للحاجة مع أمن تلويث المسجد بدمها، بحيث أنها تعمل الاحتياطات التي تمنع من حصول نزول الدم، فإنه لا بأس بذلك.

مدى منافاة حمل الصبي في الصلاة للخشوع

السؤال: ألا يقال: حمل الصبي في الصلاة منافٍ للخشوع؟

الجواب: ما يقال: إنه منافٍ للخشوع، وإنما هذا عند الحاجة كما هو معلوم يفعل الإنسان، ويكون مقبلاً على صلاته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد الخاشعين، وسيد المتواضعين، وسيد المتوكلين، وسيد البشر عليه الصلاة والسلام، وقد فعل هذا، فيدل على أنه عند الحاجة سائغ، ولا يقال: إنه ينافي الخشوع.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب المساجد - (باب إدخال الصبيان المساجد) إلى (باب الرخصة في إنشاد الشعر الحسن في المسجد) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net