إسلام ويب

الصلاة أمرها عظيم وهي صلة بين العبد وربه، فقطعها ليس بالأمر الهين؛ ولهذا بيّن الشرع الحكيم ما يقطع الصلاة وما لا يقطع؛ وشرع للمصلي وضع سترة تحول بينه وبين المارة.

ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة

شرح حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة.

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قلت: ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان ) ].

لما ذكر المصنف سترة المصلي واتخاذها، وكيف تتخذ، وأنها مثل مؤخرة الرحل، أورد بعد ذلك هذه الترجمة، وهي: ما يقطع الصلاة، أي: الأشياء التي تقطع الصلاة إذا حصل مرورها بين يدي المصلي.

وقد أورد النسائي فيه عدة أحاديث، أولها: حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا كان أحدكم قائماً يصلي، فإنه يستره مثل مؤخرة الرحل )، أي: فإنه يتخذ سترة تكون مثل مؤخرة الرحل، أي: أنها بارزة، ومؤخرة الرحل كما عرفنا في الحديث السابق: هي العود أو الخشبة التي تكون في مؤخر الرحل يستند عليها الراكب على البعير، فمثل به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بسترة المصلي، وسترة المصلي تكون بمثل مؤخرة الرحل، وتكون بالعصا التي تغرز، وتكون بمثل العمود الذي هو من أعمدة المسجد، أو جدار أو ما إلى ذلك من الأشياء الشاخصة التي يصلي الإنسان إليها، ويكون قريباً منها.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا لم يكن بين يديه سترة فإنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قيل: يا رسول الله! ما بال الكلب الأسود؟ قال: الكلب الأسود شيطان ). فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما يقطع الصلاة، وهي: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، وقد جاء في بعض الأحاديث إطلاق الكلب، واختلف العلماء في المراد بالقطع، فذهب بعض العلماء إلى أن المراد به الإبطال، وأنه يستأنف الصلاة عندما يحصل مرور هذه الثلاثة، وذهب جمهور العلماء: إلى أن المراد بذلك ما يحصل للصلاة من نقصان بسبب انشغال القلب بهذه الثلاثة التي تمر بين يديه، وينشغل قلبه بها، فينشغل عن صلاته، فيذهب عنه الخشوع، ويشتغل بها، ويتعلق قلبه بها، فيكون ذلك سبباً في نقص صلاته.

وقد سئل عليه الصلاة والسلام لما ذكروا الكلب الأسود ما باله، وما الفرق بينه وبين غيره؟ فقال: (الكلب الأسود شيطان)، وقد ذكر بعض العلماء: أنه محمول على ظاهره، وأن المراد بذلك أن الشيطان يتمثل غالباً بالكلب الأسود، ومن المعلوم أن الشياطين تتصور بصور الإنسان وغير الإنسان، فشياطين الجن يتصورون بصور الحيوانات، كما أنهم يتصورون بصور الإنسان، ويأتون على صورة الإنسان، وكذلك يأتون على صورة الحيوان؛ فيأتون على صورة الحيوانات المختلفة، مثل: الكلاب، والحيات وغير ذلك؛ كما جاءت به السنة، وكما ثبت ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم قائماً يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل...)

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].

عمرو بن علي هو: الفلاس ، هو: محدث، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وهو: ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الرجال في الجرح والتعديل، يقال: قال الفلاس كذا.

[ حدثنا يزيد ].

يزيد هو ابن زريع البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.

[ حدثنا يونس ].

يونس هو ابن عبيد البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن هلال ].

حميد بن هلال البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن الصامت ].

عبد الله بن الصامت البصري ، وهو: ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن أبي ذر الغفاري ].

واسمه جندب بن جنادة على أصح الأقوال فيه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

إذاً فهذا الإسناد الذي معنا رجاله أكثرهم بصريون، وهم: عمرو بن علي، ويزيد بن زريع، ويونس بن عبيد، وحميد بن هلال، وعبد الله بن الصامت .. هؤلاء بصريون، وأيضاً هؤلاء الرجال كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا عبد الله بن الصامت فإنه لم يخرج له البخاري في صحيحه، وإنما خرج له تعليقاً، والباقون خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثني شعبة وهشام عن قتادة ، قال: ( قلت لـجابر بن زيد : ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: المرأة الحائض والكلب )، قال يحيى : رفعه شعبة ].

أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، من طريقين: من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وشعبة بن الحجاج ، يرويان عن قتادة ، وقد رفعه أحدهما، ووقفه أحدهما على ابن عباس ، وقفه أحدهما، أي: هشام؛ على ابن عباس ، ورفعه شعبة ، يعني: أن ابن عباس رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد شعبة بن الحجاج ، والحديث فيه ذكر اثنين من الثلاثة المتقدمة، وأنها تقطع الصلاة، وهي: المرأة الحائض، والكلب، وفيه تقييد المرأة بأنها الحائض، والمراد بالحائض: هي التي بلغت المحيض، وليس المراد بها التي عليها الحيض، والتي هي متلبسة بالحيض، وإنما المراد بها التي بلغت سن المحيض، وهي المرأة البالغة، ومثل هذا الحديث الذي ورد: ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، المقصود بالحائض هي البالغة؛ لأن الحائض لا تصلي، ولكن المقصود بالحائض يعبر بها عن البالغة، يعني: التي بلغت سن المحيض، وهنا المرأة الحائض المراد بها البالغة؛ المقصود التي بلغت سن المحيض، وهي التي توصف بأنها امرأة، وهذا هو المقصود بها، وكما ذكرت: الحديث اشتمل على ذكر اثنين من الثلاثة اللذين تقدم ذكرهما في الحديث الذي قبل هذا، وفيه ذكر إطلاق الكلب، وعدم تقييده بالأسود.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في قطع المرأة الحائض والكلب للصلاة

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].

وهو الفلاس المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا.

[ عن يحيى ].

وهو ابن سعيد القطان ، المحدث الناقد من أئمة الجرح والتعديل، وهو بصري ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني شعبة وهشام ].

شعبة، وهشام ، وهو شعبة بن الحجاج أحد الأئمة الثقات، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ يرويان عن قتادة ].

قتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ قلت لـجابر بن زيد ].

جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي بالكنية، وقد ذكرت فيما مضى: أن من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث: معرفة كنى المحدثين، وفائدة ذلك: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي كثيراً بـأبي الشعثاء التي هي الكنية، وهنا قال: قلت لـجابر بن زيد ، وهو أبو الشعثاء ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وهو أيضاً أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

ثم في الإسناد كما ذكر النسائي في آخره قال: رفعه شعبة ، يعني: أن الإسناد جاء عن شخصين، أي: أن يحيى بن سعيد القطان يرويه عن شخصين، وهما: شعبة، وهشام ، وذكره على لفظ هشام ؛ لأنه ذكره موقوفاً، ثم قال بعد ذلك: قال يحيى : رفعه شعبة ، قال يحيى -أي: ابن سعيد القطان -: رفعه شعبة ، يعني: أنه جاء موقوفاً على ابن عباس من طريق هشام ، وجاء مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: رفعه ابن عباس من طريق شعبة بن الحجاج ، ولا تنافي بين الرفع والوقف؛ لأن الوقف أيضاً له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، وإنما يستند فيه إلى النصوص، فلا تنافي بين ما جاء من الرفع والوقف لحديث ابن عباس هذا.

شرح حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جئت أنا، والفضل على أتان لنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بعرفة، ثم ذكر كلمة معناها، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا وتركناها ترتع، فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ) ].

أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، الذي استدل به على أن مرور الحمار لا يقطع، ولا دلالة في ذلك، ولا تنافي بينه وبين حديث ابن عباس المتقدم.

فإن حديث ابن عباس هذا أنه قال: ( مررنا بين يدي الصف )، ومن المعلوم أن المرور أمام الصف على الحمار ليس مروراً بين المصلي وبين السترة، ولا أمام الإمام؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصف، لا بالنسبة للحمار ولا لغيره، وإنما المرور الذي يؤثر والذي جاء فيه ذكر القطع هو أن يكون بين يدي الإمام.

أما أن يمر حمار أو امرأة أو كلب بين يدي الصف أو بين الصفوف وهم يصلون وراء إمامهم فإن ذلك لا يؤثر، ولا يعارض ما جاء في الحديث المتقدم من ذكر القطع لهذه الأمور الثلاثة؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين؛ ولهذا يجوز المرور بين الصفوف إذا كان هناك حاجة، كأن يصل صفاً، أو يصل إلى فرجة يسدها، وليس لأحد أن يمنع من يمر بين الصف، أي: المأموم؛ لأن المأموم سترته الإمام، لكن إذا لم يكن هناك حاجة لا ينبغي المرور؛ لأن المرور لا يخلو من تشويش على المصلي فيما إذا مر بين يديه أحد، ولو كان مأموماً، لكن من حيث السترة، فإن سترة الإمام سترة للمأمومين، فلا يؤثر المرور بين الصفوف.

إذاً: فحديث ابن عباس هذا ليس معارضاً لما تقدم من ذكر القطع بالمرور؛ لأن ذلك إنما يكون للإمام، أي: القطع، وأما المرور بين الصف، أي: مرور الحمار بين الصف أو أمام الصف، فإن ذلك لا يؤثر، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم، ولم يقل شيئاً في صنيعهما، وقد جاء على حمار أتان، والأتان: هو أنثى الحمار، يقال لها: أتان، ونزلا وتركا الحمار ترتع، يعني: ترعى، ودخلا في الصف بعد أن مشيا أمام بعض الصف.

وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث، وما جاء في الحديث المتقدم؛ لأن ذاك إنما هو أمام الإمام، وأما ما هنا فإنما هو أمام الصف، أو أمام بعض الصف، وليس أمام الإمام.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في أثر مرور الحمار بين يدي الصف على الصلاة

قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].

النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور الجواز المكي، والثاني: محمد بن منصور الطوسي ، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة ، لكن تعيين أي الاثنين يكون بأنه المكي؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وإذا كان احتملا الرواية عن اثنين، فإنه يحمل عندما يأتي محمد بن منصور مهملاً، على أنه المكي؛ لملازمته لـابن عيينة ؛ لكونه من بلده، بخلاف الطوسي ، فإنه من بلد آخر، واتصاله بـسفيان بن عيينة لا يكون إلا عن طريق سفر، أو عن طريق الإتيان إلى مكة لحج أو عمرة، أو لقاء في وقت من الأوقات، أما إذا كان الإنسان من البلد، وهو مقيم معه في بلده، فاتصاله به كثير، فيكون الغالب الحمل عليه، وقد جاء في بعض الأسانيد التي سبق أن مرت بنا مثل هذا الإسناد، وينص فيه النسائي على ذكر محمد بن منصور المكي ، فيكون تعيين أحد الاثنين لتميز أحدهما -أي: التلميذين- بملازمته، أو بكونه من أهل بلد شيخه الذي هو: سفيان بن عيينة ، فيكون الأقرب أنه الجواز ، وهو: ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.

[عن سفيان ].

وسفيان هنا هو ابن عيينة؛ لأنه يروي عن الزهري ، مثلما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الزهري معروف بالرواية عن ابن عيينة ، بخلاف الثوري ، وقال في موضع آخر من الفتح: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة.

فإذاً: سفيان هنا المراد به ابن عيينة ؛ لأن شيخه هو الزهري ، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة ، وابن عيينة ثقة، إمام، حجة، خرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ، وهو ثقة، حجة، إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عبيد الله ].

وعبيد الله هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في هذه المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر التابعين، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب ، هؤلاء ستة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وعبيد الله بن عتبة هذا حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما أنه قال: ( زار رسول الله صلى الله عليه وسلم عباساً في بادية لنا، ولنا كليبة، وحمارة ترعى، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر وهما بين يديه، فلم يزجرا ولم يؤخرا ) ].

أورد النسائي هذا الحديث حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بعدم قطع الصلاة لمرور الكلب والحمار، لكن ذلك ليس بظاهر؛ لأنه ليس فيه دليل أنه بينه، وبين السترة، فيمكن أن يكون وراء السترة، ومن المعلوم أن ما كان وراء السترة فإنه لا علاقة للمصلي به، ولا يؤثر على صلاته، ما دام أنه وراء السترة، وكلمة بين يديه تشمل ما كان دون السترة وما كان وراءها، وهو محتمل لهذا ولهذا، لكنه ليس بظاهر، أو ليس بواضح أن المرور إنما هو بين المصلي وبين السترة، فمحتمل أن يكون بين المصلي والسترة، ويمكن أن يكون وراءها، وإذا كان وراءها فإنه لا يؤثر، فإذا كان وراء السترة فإن ذلك لا تأثير له إذا كان من وراء السترة.

تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن العباس في صلاة النبي العصر وبين يديه حمارة وكليبة ترعيان

قوله: [ أخبرنا عبد الرحمن بن خالد ].

وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي.

[ حدثنا حجاج ].

هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد بن عمر بن علي ].

هو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب .

وهو صدوق، أخرج له الأربعة.

[ عن العباس بن عبيد الله ].

هو العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي.

[ عن الفضل بن العباس ].

الفضل بن العباس هو أكبر أولاد العباس بن عبد المطلب ؛ ولهذا كنية العباس أبو الفضل وكذلك أم أولاد ابن عباس، لبابة بنت الحارث الهلالية يقال لها: أم الفضل تكنى بابنها هذا الذي هو الفضل بن العباس ، فهو أكبر أولاد العباس ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، حديث الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما عند أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده العباس بن عبيد الله بن العباس ، وهو مقبول، والمقبول في اصطلاح ابن حجر في التقريب: أنه إذا لم يحصل له ما يعضده فإنه يكون ضعيفاً، يعني: لا يحتج بحديثه إذا لم يأت ما يعضده، والحديث كما قلت لكم أنه محتمل لأن يكون هذا المرور من وراء المصلي، وعلى هذا لا إشكال، ولا تعارض بينه وبين الأحاديث السابقة.

وعلى الاحتمال الثاني: أنه يكون بينه، وبين المصلي، فيكون فيه معارضة، وعلى هذا فيكون فيه مخالفة ضعيف لثقة، فيكون منكراً، فيكون من قبيل المنكر؛ لأن الضعيف إذا خالف الثقة فحديثه منكر، لكن لا يعتبر فيه مخالفة إلا إذا كان المرور بين المصلي وبين السترة، أما لو كان من وراء السترة، فإنه لا إشكال فيه، ولا يعتبر فيه معارضة.

شرح حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد حدثنا شعبة أن الحكم أخبره سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن صهيب سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث: ( أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وغلام من بني هاشم على حمار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فنزلوا، ودخلوا معه، فصلوا ولم ينصرف، فجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذتا بركبتيه ففرع بينهما، ولم ينصرف ) ].

أورد النسائي هذا الحديث عن ابن عباس ، وهو مروره ومعه غلام من بني هاشم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلوا ودخلوا معه.

وأنهم مروا بين يدي الصف من أمام الصف كما جاء مبيناً في الحديث الآخر أو الرواية الأخرى؛ أن مرورهم إنما كان بين يدي الصف، وكونه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون معناه أنهم جاءوا من وراء سترته، ثم جاءوا أمام الصف، وعلى هذا فلا إشكال، ولا معارضة؛ لأنه يحمل، أو أن هذا الحديث يبينه ذاك الحديث؛ لأن حديث ابن عباس قصته واحدة، فيحمل على ذاك الذي هو مرور بين بعض الصف، وما جاء بين يدي الرسول، فإن كان محفوظاً، فإنه يحمل على أنه من وراء سترته، والمعلوم أن بين يديه يطلق على ما كان أمامه، ولو كان بينه وبينه مسافة، لكن الخطأ كما هو معلوم إنما يكون إذا كان قريباً منه.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في مرور حمار بين يدي رسول الله وهو يصلي

قوله: [ أخبرنا أبو الأشعث ].

وهو أحمد بن مقدام العجلي ، وهو: صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، لم يخرج له مسلم ولا أبو داود ، وإنما خرج له الباقون.

[ حدثنا خالد ].

وهو ابن الحارث ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو ابن الحجاج ، وقد مر ذكره قريباً.

[يروي عن الحكم ].

وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن يحيى بن الجزار ].

وهو صدوق، أخرج له مسلم، والأربعة.

[ عن صهيب ].

هو أبو الصهباء البكري ويقال له: المدني، مولى ابن عباس مقبول، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.

[ عن ابن عباس ].

وقد مر قريباً في الإسناد الذي قبل.

شرح حديث عائشة : (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أقوم فأمر بين يديه، انسللت انسلالاً ) ].

أورد النسائي حديث عائشة أنها كانت تكون بين يديه وهو يصلي، وتكره أن تقوم فتمر بين يديه، فإذا أرادت أن تقوم انسلت انسلالاً، أي: دون أن تقوم قياماً، وإيراد الحديث هنا لا يعارض ما تقدم من ذكر القطع بمرور المرأة؛ لأن هذا ليس فيه مرور، وإنما هو اعتراض، فكانت تكون في قبلته وهو يصلي يعني في بيته، وكان كما جاء في بعض الأحاديث: أنه ليس فيه مصابيح، فإذا سجد غمزها، وإذا رفع مدت رجلها أو مدت رجليها، فكانت تكون في قبلته، فإذا أرادت أن تقوم لا تقوم، ولكنها تنسل انسلالاً، يعني: تسحب نفسها برفق ولين، وسهولة؛ حتى لا تشوش في ذلك على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومثل هذا لا يعتبر مروراً، ولا يعارض ما جاء في أحاديث القطع بمرور المرأة؛ لأن هنا كونها معترضة وليست مارة، وهنا جاء ما يدل على الجواز، وهناك جاء ما يدل على المنع، ولا تعارض بينها، لا تعارض بين هذا الحديث وبين ما تقدم من حديث أبي ذر في كون المرأة تقطع صلاة المصلي، وكذلك الحمار، والكلب الأسود.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت بين يدي رسول الله وهو يصلي فإذا أردت أن أقوم ... انسللت انسلالاً)

قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].

هو أبو مسعود ، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.

[ حدثنا خالد ].

هو خالد بن الحارث ، وهو ثقة، تقدم.

[ حدثنا شعبة ].

وقد تقدم.

[ عن منصور ].

وهو ابن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

وهو ابن يزيد بن قيس النخعي ، المحدث، الفقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود ].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين.

الأسئلة

حكم رواية الحديث بالمعنى

السؤال: هل نستطيع أن نأخذ من قوله في حديث ابن عباس : (ثم ذكر كلمة معناها...) جواز رواية الحديث بالمعنى؟

الجواب: رواية الحديث بالمعنى هي جائزة بلا شك فيما إذا لم يحفظ اللفظ، إذا لم يحفظ اللفظ فلا بد من الرواية بالمعنى، وإلا تضيع السنة وتترك السنة، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الإتيان باللفظ فإنه لا يعدل بالمعنى، ولا يقتصر إلى الرواية بالمعنى، لا يؤتى بالمعنى، هذا هو الأولى، لكن إذا لم يمكن بأن يكون الإنسان ما ضبط اللفظة، ولكنه متقن للمعنى، فله أن يعبر عنه بما يؤدي معناه، وهذا أمر لا بد منه، والرواية بالمعنى سائغة، وجائزة، حتى مع ضبط اللفظ، لكن الأولى أنه لا يكون هناك رواية بالمعنى إلا إذا لم يمكن ضبط اللفظ؛ لأن هذا هو الممكن، والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

الأحاديث الضعيفة في سنن النسائي

السؤال: هل ذكرتم أن سنن النسائي ليس فيها إلا حديث واحد ضعيف؟

الجواب: الذي ذكر هذا فهم خطأً، وأرجو أن يعتنى بالكلام، وأن يتحقق من الكلام؛ لأن الإنسان قد ينسب إليه الشيء وهو ما قاله، أنا هذا الكلام إذا نسب إلي، نسب إلي شيء آخر ما قلته، فكوني أقول: إن النسائي ليس فيه إلا حديث ضعيف، أو أن الألباني قال هذا الكلام، أبداً.

وإنما الإنسان كما هو معلوم يتنبه، وإذا كان عنده إشكال يبادر إليه في حينه.

الحاصل: أنه لا بد من التنبه ولا بد من الاحتياط في النقل، يعني: لأن الإنسان قد يضيف لإنسان شيئاً ما قاله أبداً، ولا يجوز أن يقوله، ولا يتصور أن يقوله، كتاب النسائي ما يتصور ألا يكون فيه إلا حديث واحد ضعيف، ولكن أنا ذكرت تمثيلاً لقلة الأحاديث؛ لأنه قال لي بعض الطلاب: إنك ما تذكر الحديث صحيح أو.. قلت: كتاب النسائي بكله الأحاديث التي فيها صحيحة إلا حديث واحد، ذكره الألباني في كتاب الضعيفة، والباقي كلها صحيحة، وأنا أقول: أن كتاب النسائي هو أقل الكتب الأربعة التي هي السنن ضعيفاً؛ لأن الإنسان إذا رأى المجلدات التي فيها الضعيفة لـأبي داود ، والضعيفة للترمذي ، والضعيفة لـابن ماجه ، والضعيفة للنسائي ، يجد النسائي حجمه صغير، يعني: كتاب النسائي الذي عمله الألباني ضعيف النسائي ، يعني: صغير جداً، حجمه صغير بالنسبة للكتب الأخرى؛ ولهذا فهو أقل الكتب ضعيفاً، وسبق أن ذكرت: أن من العلماء من يرجح النسائي على أبي داود ، وسبب ذلك يقول: قلة الأحاديث الضعيفة التي فيه.

هل غسل اليدين واجب بعد كل نوم

السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، فهل غسل اليدين واجب بعد كل نوم؟

الجواب: الحديث سبق أن مر بنا، وهو أول حديث في سنن النسائي ، الحديث: ( إذا استيقظ أحدكم فلا يغمس يده، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده )، لكن قوله: (باتت يده)، يدل على أن هذا من نوم الليل؛ لأنه هو النوم الطويل المستغرق، الذي قد يكون فيه أن اليد تعبث، وتذهب إلى مكان فيه نجاسة وتعلق بها، بخلاف أي نوم في النهار أو كذا، لكن كما هو معلوم من حيث الاستحباب، يستحب للإنسان دائماً وأبداً إذا أراد أن يتوضأ من إناء، أن لا يغمس في الإناء إلا بعد أن يغسلها خارج الإناء، هذا على سبيل الاستحباب، وأما ذاك فإنه خاص بقيام نوم الليل؛ لأن فيه: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ).

وقت سجود السهو

السؤال: شخص في صلاة العصر جلس بعد الركعة الثالثة ولم يسلم، فعرف أنه يبقى عليه ركعة، فأتى بها ثم سجد سجود السهو قبل السلام وبعده. فهل عليه إعادة الصلاة؟

الجواب: السجود ما يكون قبل السلام، وإنما يكون بعد السلام..

مداخلة: هل عليه الإعادة؟

الشيخ: لا، ليس عليه إعادة، لكن سجوده يكون مرة واحدة ما يكون مرتين، ما يسجد قبل السلام وبعده، السجود إما قبله وإما بعده، لا يكون قبله وبعده، والسجود في الزيادة يكون بعد السلام.

معنى قول المحدثين: أخرجه البخاري تعليقاً

السؤال: ما معنى أخرجه البخاري تعليقاً؟

الجواب: أخرجه البخاري تعليقاً، يعني: أنه ما رواه مسنداً بالطريقة عن الشيوخ: حدثنا فلان قال حدثنا فلان، يقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، أو قال: فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا يقال: أخرجه تعليقاً، رواه تعليقاً، هذا هو التعليق، التعليق هو حذف بعض الرواة، أو كل الرواة من أول الإسناد، الحذف من أول الإسناد قد يكون حذف واحد اثنين ثلاثة أربعة، وقد لا يكون فيه حتى نهايته، بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا حذف من الإسناد كله، قيل له: تعليق؛ لأن الإسناد إذا حذف أسفله الذي هو أدناه يكون كالمعلق، يكون معناه كالمعلق، يعني: الإسناد موجود، ولكن أسفله خالي؛ ولهذا لما جاء ابن حجر وألف كتابه سماه تغليق التعليق، يعني: أن النقص الذي فيه يأتي به، الحذف الذي في أول الإسناد يأتي به حتى يتصل الإسناد، فيكون من أوله إلى آخره متصل، بدل ما كان أوله محذوف وأعلاه موجود، يعني: جاء ما يغلقه ويسد الفراغ الذي وجد.

نصيحة لمن يقومون بعمل المولد النبوي

السؤال: هذا يطلب منكم نصيحة لمن يقيمون هذه الأيام عيد المولد؟

الجواب: لا شك أن الواجب على كل مسلم أن يكون محباً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم محبة تفوق محبة أي مخلوق؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين)، الوالدان اللذان كانا سبب وجود الإنسان هم من أولى الناس بمحبته، وبره، وإحسانه؛ لأنهم سبب وجوده، ولهذا الله تعالى يقرن حقهما بحقه فيقول: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].

أما الرسول صلى الله عليه وسلم فمحبته تفوق محبة الوالدين، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله لنا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من النعمة التي حصلت لنا على يدي الوالدين؛ لأن الوالدين يوجد منهما الولادة، لكن بعد ذلك هناك شيء أهم، وهو الهداية للإسلام؛ لأن الوالدين يلدون، ثم يكون كافراً أومسلماً بعد هذه الولادة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ساق الله لنا على يديه أعظم نعمة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام التي لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة؛ ولهذا كانت محبته يجب أن تكون في قلوبنا أعظم من محبتنا لآبائنا، وأمهاتنا، وأجدادنا، وزوجاتنا، وأبنائنا، وبناتنا، وأقاربنا، والناس أجمعين، بل جاء في حديث عمر : (حتى أكون أحب إليك من نفسك)، الرسول صلى الله عليه وسلم يكون أحب إلى الإنسان من نفسه عليه الصلاة والسلام، وهذه المحبة لا بد أن نفهم معناها، ولا بد أن نفهم ما تطلبه هذه المحبة، هذه المحبة تتطلب أن يكون في قلوبنا في هذه المنزلة التي ذكرت، وأن يكون ذكره بألسنتنا بما يناسبه ويليق به، بأن نعظمه، ونثني عليه من غير غلو، ومن غير إطراء، وكذلك بالنسبة لأعمالنا، أن تكون تابعة لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا هو معنى: أشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن أشهد أن محمداً رسول الله، معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ودين الإسلام انبنى على قاعدتين: إحداهما: تجريد الإخلاص لله وحده، والثاني: تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

إذاً: من محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن نمتثل أوامره، وننتهي عن نواهيه، وأن نصدق أخباره، وأن نعبد الله طبقاً لشريعته، وأن تكون محبته في قلوبنا أعظم من محبة أي مخلوق، هذه هي المحبة الصحيحة، وفي القرآن آية يسميها بعض العلماء آية الامتحان، وهي: أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة، والبينة هي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران:31]، من يحب الرسول يحبه بمتابعته، وبامتثال أوامره، ما يحبه بأن يعمل أموراً محدثة ما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من هديه، وإنما هي من محدثات الأمور.

تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بما شرع وليس بما ابتدع، ومن المعلوم أن بدعة الموالد هذه المحدثة ما كانت موجودة في ثلاثمائة سنة كاملة من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مضى ثلاثمائة سنة كاملة ما يوجد للموالد أي ذكر، وليس لها أي وجود أبداً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، فالقرون المفضلة ما وجدت فيها هذه البدعة، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عمل شيئاً من ذلك، وما أرشد إليه، وأصحابه الكرام وهم الحريصون على كل خير، والسابقون إلى كل خير ما فعلوا شيئاً من ذلك، وأتباعهم وأتباع أتباعهم، وثلاثمائة سنة كاملة ما وجد فيها شيء من هذا، متى وجدت هذه البدعة؟ وجدت في المائة الرابعة، ومن أوجدها؟ أوجدها الرافضة الذين حكموا مصر الذين يقال لهم: العبيديون، كما ذكر ذلك المقريزي في كتابه تاريخ مصر، المسمى بالخطط والآثار، فإنه قال: إنهم أحدثوا ستة موالد، مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد علي رضي الله عنه، ومولد فاطمة رضي الله عنها، ومولد الحسن رضي الله عنه، ومولد الحسين رضي الله عنه، ومولد الحاكم الموجود من حكامهم في زمانهم، فأحدثوا هذه البدعة بعد القرن الرابع، وهم إنما حصل تسلطهم على مصر في: (317هـ) وما بعدها، وطالت مدتهم بعد ذلك، لكن هم الذين أحدثوا هذه البدعة.

إذاً: فالخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب القبلة - باب ذكر ما يقطع الصلاة للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net