إسلام ويب

وردت أحاديث كثيرة تبين ما ينبغي فعله عند الزيادة في الصلاة سهواً، وأنه يسجد له سجدتين بعد السلام؛ لأنه عن زيادة، وقد سها عليه الصلاة والسلام في صلاته مما يدل على أنه بشر ينسى.

ما يفعل من صلى خمساً

شرح حديث: (صلى النبي الظهر خمساً... فثنى رجله وسجد سجدتين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يفعل من صلى خمساً.

أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لـابن المثنى قالا: حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجله وسجد سجدتين)].

يقول النسائي رحمه الله: باب ما يفعل من صلى خمساً؛ أي: أنه سهى في الصلاة الرباعية فجعلها خمساً، والمراد مما يفعله أنه يسجد سجدتين بعد السلام كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات؛ وذلك أن زيادة ركعة يجعل الذي سهى وزادها يكون سجوده بعد السلام، وهذا مثل ما مر في حديث ذي اليدين: (أن النبي عليه الصلاة والسلام سجد بعد السلام)؛ وذلك لأنه سلم من اثنتين وأخبر بأنه حصل نسيان، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يظنون أن الصلاة قد قصرت، ولما قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم يكن، قال: بل كان بعض ذلك يا رسول الله! أي: النسيان، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقال الحاضرون وفيهم أبو بكر وعمر: نعم، فقام وأتى بالركعتين ثم سجد بعد السلام؛ وذلك أن فيه زيادة في الصلاة وهي زيادة السلام الذي في أثنائها.

وكذلك ما جاء في هذا الحديث الذي فيه زيادة ركعة خامسة سهواً، فإن السجود يكون بعد السلام؛ لأن السهو إذا كان عن زيادة فالسجود له يكون بعد السلام كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود المتعلق بزيادة ركعة خامسة سهواً، وكما جاء في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن أتى بالركعتين الباقيتين عليه، وكان تخلل ذلك سلام فكان سجوده لذلك السهو بعد السلام.

وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الظهر خمساً، فسألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام وذكروا له الزيادة وأنه صلى خمساً، وقد سبق أن مر حديث ابن مسعود وفيه أنه زاد أو نقص، وكان ذلك شكاً هل كان زيادة أو نقصان، لكن جاءت بعض الروايات، -ومنها هذه الرواية التي معنا- مبينة أن السهو كان بزيادة ركعة، فتعين من هذه الرواية وغيرها من الروايات أنه حصل الجزم بما حصل وهو الزيادة، وكان في بعض الروايات تردد من الراوي هل زاد أو نقص، فلما أخبروه ثنى رجله وسجد سجدتين وهو جالس، وهنا في هذا الحديث فيه أنه صلى الظهر خمساً، ففيه تعيين الصلاة أنها الظهر، وأن الذي حصل هو الزيادة، وهو زيادة ركعة، فلما أخبروا بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام ثنى رجله وسجد سجدتين، وجاء في بعض الروايات أنه بعد السلام؛ وذلك لأنه كان عن زيادة، والسهو إذا كان عن زيادة يكون السجود له بعد السلام.

قوله: [صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجله وسجد سجدتين].

الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما صلى خمساً، وكانوا يعلمون أنها خمس، ولكن الزمن زمن تشريع، فإذا حصل شيء من ذلك ظنوا أن الوحي نزل وأن الصلاة زيد فيها أو نقص، ففي هذا الحديث قالوا: أزيد في الصلاة؟ وفي حديث ذي اليدين قالوا: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ لأنه صلى ركعتين والصلاة رباعية، وهنا الرباعية صارت خمساً، فقالوا: أزيدت الصلاة؟ أي: أنه شرع أو نزل الوحي بزيادة ركعة خامسة في صلاة الظهر، فقالوا: وما ذاك؟ فأخبروه أنه زاد ركعة خامسة، فسجد سجدتين للسهو، وذلك بعد السلام؛ لأنه بعد ما سلم وتكلم كلموه فسجد سجدتين بعد السلام.

وقد جاءت بعض الروايات مبينة أن ذلك كان بعد السلام، والروايات المتقدمة التي فيها الشك هل زيد أو نقص ولما أخبروه قال: (لو حدث شيء لأخبرتكم، ثم سجد السجدتين بعد السلام).

تراجم رجال إسناد حديث: (صلى النبي الظهر خمساً... فثنى رجله وسجد سجدتين)

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى واللفظ له].

أي: لـمحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار، وهو محمد بن بشار البصري.

قوله: [واللفظ لـابن المثنى] الذي هو الشيخ الأول من الشيخين؛ محمد بن المثنى وهو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو بصري، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ويعتبر من صغار شيوخ البخاري؛ إذ كانت وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

ومحمد بن المثنى لقبه الزمن ومحمد بن بشار لقبه بندار، وهو بصري، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاته في السنة التي مات فيها محمد بن المثنى وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وولادته في نفس السنة التي ولد فيها محمد بن المثنى، فهذان الشخصان: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ولدا في سنة واحدة وماتا في سنة واحدة، وكل منهما بصري، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال عنهم الحافظ في التقريب: وكانا كفرسي رهان؛ لأنهما اتفقا في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، وفي أنهما من أهل البصرة، وفي أنهما جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة، فكانوا متماثلين، فكانا مثل فرسي الرهان اللذين يتسابقان وكل واحد لا يسبق الثاني لتنافسهما، فهما متساويان في هذه الأمور كلها، وهما من صغار شيوخ البخاري، وهناك شخص ثالث مات في نفس السنة التي مات فيها، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، هذا الشخص مع هذين الشخصين كل منهم توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهم جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة.

[قال: واللفظ لـابن المثنى].

أي: المتن الموجود هو لفظ ابن المثنى، ومعنى هذا أن ابن بشار لفظه يختلف، فـمحمد بن بشار لفظه ليس هذا الموجود، بل هو يختلف عن هذا؛ لأنه نص على أن اللفظ للأول منهما، وهو محمد بن المثنى؛ أي: المتن الموجود هو لفظ محمد بن المثنى أما لفظ محمد بن بشار فهو مثله في المعنى ولكنه يختلف عنه، ولهذا نص على من له اللفظ منهما، وهو الشيخ الأول محمد بن المثنى.

[قالا: حدثنا يحيى].

يحيى هذا شيخ لهذين؛ وهما محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، وهو يحيى بن سعيد القطان البصري، وأهمل فلم ينسب؛ لأنه معروف، وإذا أطلق هذان الشخصان يرويان عن يحيى فالمراد به يحيى بن سعيد القطان وهو محدث، ثقة، ناقد، متكلم بالرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل قال عنه وعن عبد الرحمن بن مهدي أنهما إذا جرحا شخصاً فهو لا يكاد يندمل جرحه؛ أي: أنهما يصيبان الغرض، وأنه يعول على كلامهما.

[عن شعبة].

هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، فإن كونه يقال عن شخص: أمير المؤمنين في الحديث معناه أن هذا قمة في التعديل وقمة في التوثيق، وهذا اللقب الرفيع لم يظفر به إلا القليل النادر من المحدثين ومنهم شعبة هذا، وكذلك منهم: سفيان الثوري، ومنهم: البخاري، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: الدارقطني، وعدد قليل نص على تلقيبهم بهذا اللقب أو على وصفهم بهذا الوصف الذي هو من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديث شعبة عند أصحاب الكتب الستة.

[عن الحكم].

هو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، فقيه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن إبراهيم].

هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي محدث، فقيه، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المأثورة المشهورة عند الفقهاء عند التعبير عن الذي لا دم له بأنه لا نفس له سائلة، هو أول من عبر بهذه العبارة فتلقاها الفقهاء من بعده فعبر عن الحيوانات التي لا دم فيها مثل الجراد، ومثل الذباب وغيرها من الحيوانات التي ليس فيها دم، قال: لا نفس لها سائلة، فهذه العبارة قال الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد: أول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وقد أخذوا ذلك من كون النبي عليه الصلاة والسلام أرشد أن الذباب إذا وقع في إناء أحدكم فليغمسه، ثم يخرج الذباب ويشرب، فلذلك يغمسه حتى يكون الجناح الذي فيه الدواء يأتي مع الجناح الذي فيه الداء.

قالوا: إنه إذا غمس قد يكون الماء حاراً فيموت بسبب هذا الغمس، ومع ذلك الرسول أرشد إلى شربه، وإلى استعماله، فدل هذا على عدم نجاسة ما لا نفس له سائلة إذا مات في الماء.

وحديث إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن علقمة].

هو ابن قيس النخعي ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله].

هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الرحمن وهو من المهاجرين وممن هاجر الهجرتين، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم رضي الله عنه وأرضاه، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وليس أحد العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأنه من كبار الصحابة، والعبادلة الأربعة المشهورون هم من صغار الصحابة؛ الذين هم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، وابن عباس، وبعض العلماء يجعل عبد الله بن مسعود منهم، والصحيح عند العلماء أنه ليس منهم وإنما هم أربعة من صغار الصحابة عاشوا في وقت واحد وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ؛ لأنه متقدم الوفاة وهم تأخروا عنه ما يقرب من ثلاثين سنة، فبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة، والصحيح المشهور أنه ليس منهم، وأن العبادلة الأربعة يطلقوا على أربعة من صغار الصحابة كانوا في وقت واحد وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

وحديث عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد: محمد بن بشار ومحمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله بن مسعود كل هؤلاء حديثهم أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن النبي صلى بهم الظهر خمساً ... فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم حدثنا ابن شميل أخبرنا شعبة عن الحكم ومغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى بهم الظهر خمساً، فقالوا: إنك صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس)].

هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها التنصيص على أن السجود بعد السلام، وأنه جالس، ومعناه: أن السجود للسهو يكون عن جلوس وليس عن قيام، فإذا أراد أن يسجد للسهو يسجد وهو جالس، يخر إلى السجود عن جلوس، لا يحتاج الأمر إلى أن يقوم ليخر ساجداً من قيام، ففيه الزيادة عن الرواية السابقة التنصيص على أن السجود يكون بعد السلام وأن السجود يكون عن جلوس.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى بهم الظهر خمساً ... فسجد سجدتين بعدما سلم وهو جالس) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم].

صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.

[حدثنا ابن شميل].

هو النضر بن شميل، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا شعبة].

قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

[عن الحكم ومغيرة].

الحكم هو ابن عتيبة وقد مر ذكره، ومغيرة هو ابن مقسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقيل: إنه يدلس، ولا سيما عن إبراهيم، وهو هنا يروي عن إبراهيم، لكن كما هو معلوم معه الحكم بن عتيبة شاركه في الرواية عن إبراهيم.

[عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله].

إبراهيم وعلقمة وعبد الله بن مسعود قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث: (أن النبي صلى خمساً فوشوش القوم ... فثنى رجله فسجد سجدتين ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثني يحيى بن آدم حدثنا مفضل بن مهلهل عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد قال: صلى علقمة خمساً فقيل له، فقال: ما فعلت؟ قلت برأسي: بلى، قال: وأنت يا أعور؟ فقلت: نعم، فسجد سجدتين، ثم حدثنا عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى خمساً فوشوش القوم بعضهم إلى بعض فقالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: لا، فأخبروه فثنى رجله فسجد سجدتين ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)].

أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأورده النسائي من هذه الطريق، وفيها أن علقمة بن قيس النخعي صلى وسهى وزاد خامسة، فقالوا له، فثنى رجله وسجد، ثم أخبرهم وحدثهم عن عبد الله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام [أنه صلى بالناس خمساً فوشوش القوم]، أي: حصل بينهم كلام خفي، يتكلم بعضهم مع بعض حول الزيادة وأنه حصل زيادة في الصلاة، ثم إنهم سألوه وقالوا: [أزيد في الصلاة يا رسول الله؟] بعد ما تكلموا فيما بينهم أنه حصل زيادة، فسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: أزيد في الصلاة؟ [فقال: لا]، فأخبروه وقالوا: أنه حصل زيادة، [ثم إنه ثنى رجله]، أي: اتجه إلى القبلة وسجد سجدتين ثم التفت وأقبل على الناس وقال: [إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون]؛ أي: أن هذا الذي حصل منه نسيان وأنه بشر يحصل منه النسيان، وأنه جاء في بعض الروايات: (فإذا نسيت فذكروني) وهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينسى في مثل هذه الأفعال، ولكنه لا ينسى شيئاً مما أمر بتبليغه، والشرع الذي كلف بإبلاغه فإنه يؤديه كاملاً، ولا ينسى منه شيئاً عليه الصلاة والسلام، ولكنه ينسى كغيره من البشر يحصل منه النسيان، فصلى هذه الصلاة وزاد ركعة خامسة، وذلك نسيان منه، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يظنون أن الصلاة بدل ما تكون أربعاً زيد فيها فصارت خمساً، والزمن زمن التشريع، وما جاء من الحديث الذي يقول فيه: (إنني لا أنسى ولكني أنسى لأسن) هذا لم يثبت، بل الثابت هو هذا الحديث الذي يقول: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) وفي بعض الروايات: (فإذا نسيت فذكروني).

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى خمساً فوشوش القوم ... فثنى رجله فسجد سجدتين ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].

محمد بن رافع القشيري النيسابوري أحد شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم في صحيحه، وهو من بلد مسلم، ومن قبيلته؛ لأن مسلماً قشيري من حيث النسب، ونيسابوري من حيث البلد، ومحمد بن رافع شيخه قشيري نسباً، وهو نيسابوري بلداً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، ومسلم رحمه الله روى من طريقه أحاديث صحيفة همام بن منبه؛ الأحاديث الكثيرة التي جاءت بإسناد واحد من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رواها من طريق شيخه محمد بن رافع، والأحاديث التي انتقاها وأوردها في صحيحه من صحيفة همام بن منبه رواها من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري.

وصحيفة همام بن منبه صحيفة مشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً هي بإسناد واحد، ويفصل بين كل حديث وحديث جملة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: تأتي كلمة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعين مرة، ولكن جاء الإسناد في أول مرة عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة وهي مشتملة على مائة وأربعين حديثاً، انتقى البخاري منها أحاديث، وانتقى مسلم منها أحاديث فاتفقا على إخراج أحاديث من الصحيفة وانفرد البخاري بإخراج أحاديث من الصحيفة، وانفرد مسلم بإخراج أحاديث من الصحيفة، وهي بإسناد واحد، وهذا من أوضح الأدلة على أن البخاري، ومسلماً ما اشترطا إخراج كل حديث صحيح، ولم يلتزما ذلك، ولو كانا قد اشترطاه لأوردا صحيفة همام بن منبه بكمالها؛ لأن إسنادها واحد، ومع ذلك أخذوا منها أحاديث وتركوا أحاديث، وصحيفة همام بن منبه موجودة في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة بكاملها هي عن شيخ الإمام أحمد عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة.

وهي أيضاً مطبوعة مستقلة ومعتنى بإخراجها بعنوان: صحيفة همام بن منبه وعليها تعليقات بمجلد كبير.

[حدثني يحيى بن آدم].

هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، حافظ، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مؤلف كتاب الخراج.

[حدثنا مفضل بن مهلهل].

ثقة، ثبت، نبيل، عابد، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

[عن الحسن بن عبيد الله].

هو الحسن بن عبيد الله النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن إبراهيم بن سويد].

هو إبراهيم بن سويد النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[صلى علقمة.. إلخ.

قال: صلى علقمة بن قيس النخعي بالناس فصلى خمساً، فقالوا له، فقال: ما فعلت، أي: ما زدت، ما صليت خمساً صليت أربعاً، فأومأ إبراهيم بن سويد النخعي برأسه: أن نعم، فقال: وأنت يا أعور؟ ولقبه الأعور الذي هو إبراهيم بن سويد، فقال: وأنت يا أعور؟ فقال: نعم، أنا أقول أنك قد زدت خامسة، فثنى رجله وسجد سجدتين.

[حدثنا عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى خمساً فوشوش القوم بعضهم إلى بعض فقالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: لا، فأخبروه فثنى رجله فسجد سجدتين، ثم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)].

فهو مثل الذي قبله، وفيه أن سلف هذه الأمة عندما يعملون الأعمال ويأتون بالأدلة؛ لأن علقمة بن قيس لما فعل هذا الفعل وأنه سجد روى الحديث عن عبد الله بن مسعود الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل مثلما فعل، وأنه عليه الصلاة والسلام سهى وزاد خامسة، وأنه سجد بعد السلام، وعلقمة بن قيس لما سهى هذا السهو الذي هو كونه زاد خامسة سجد سجدتين بعد السلام.

شرح الأثر عن علقمة بن قيس في صلاته خمساً وسجوده للسهو

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن مالك بن مغول سمعت الشعبي يقول: سها علقمة بن قيس في صلاته فذكروا له بعدما تكلم فقال: أكذلك يا أعور؟ قال: نعم، فحل حبوته ثم سجد سجدتي السهو وقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وسمعت الحكم يقول: كان علقمة صلى خمساً].

أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود ولكنه هنا ما ذكر عبد الله بن مسعود، وإنما ذكر قصة سهو علقمة بن قيس النخعي، وهذا من المراسيل؛ لأنه قال: هكذا فعل رسول الله؛ أي: أن علقمة أضاف هذا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فإضافته إياه إلى الرسول يعتبر من قبيل المرسل؛ لأنه تابعي والتابعي إذا ضاف إلى الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً يقال: إنه مرسل، ومعلوم أنه جاءت الروايات السابقة تبين الواسطة وتعين الصحابي الذي روى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الهيئة وهذه الكيفية التي هي كونه عليه الصلاة والسلام سجد بعد أن سها في صلاته وصلى خمساً، فهنا يعتبر مرسل؛ لأن علقمة ما ذكر الصحابي وإنما قال: هكذا فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو من قبيل المرسل، ولكن هذا المرسل تبينه الروايات السابقة من أن علقمة إنما روى هذا الحديث الذي أرسله وأضافه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام كان ذلك من طريق عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد الأثر عن علقمة بن قيس في صلاته خمساً وسجوده للسهو

قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].

هو سويد بن نصر المروزي وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك.

[حدثنا عبد الله].

هو ابن المبارك المروزي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ في التقريب بعد أن ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن مالك بن مغول].

ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[سمعت الشعبي يقول].

هو: عامر بن شراحيل الشعبي مشهور بهذه النسبة، واسمه عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

وعامر الشعبي هذا هو الذي عزى إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة الكلمة المأثورة التي تدل على سوء الرافضة، وأنه قال: إن اليهود لو سئلوا: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، وأن النصارى لو سئلوا فقيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة لو سئلوا: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، هو الذي قال هذه الكلمة، وقد ذكرها عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.

[قال: سها علقمة بن قيس في صلاته، فذكروا له بعد ما تكلم، فقال: أكذلك يا أعور؟ قال: نعم، فحل حبوته].

قال: سها علقمة بن قيس في صلاته فأخبروه بعد ما تكلم، أي: بعد ما سلم وتكلم، فقال: أهكذا يا أعور؟ يخاطب إبراهيم بن سويد الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

قال: نعم، فحل حبوته؛ والحبوة هي ما يشده الإنسان على ظهره وعلى رجليه من ثوب، وقد يكون الإنسان يحتبي بيديه؛ وذلك بأن يجلس على مقعدته ويجعل قدميه على الأرض ثم يجعل يديه من وراء ساقيه، فهذا يقال له: احتباء، وقد يكون الاحتباء في ثوب؛ بأن يشده على ظهره وعلى رجليه، فحل حبوته ثم سجد سجدتي السهو وقال: [هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم].

وقال: [هكذا فعل رسول الله]، يقوله علقمة، وقد ذكرت أن هذا مرسل؛ لأن علقمة من التابعين، فإضافته الشيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يعتبر من قبيل المرسل، ولكن كما ذكرت الأحاديث السابقة بينت الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين علقمة؛ وهو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه.

[قال: وسمعت الحكم يقول: كان علقمة صلى خمساً].

لأن الرواية التي جاءت عن الشعبي ليس فيها ذكر الخمس وإنما فيه ذكر السهو فقط، ولكن يقول مالك بن مغول: وسمعت الحكم يقول: صلى علقمة خمساً؛ أي: أن السهو الذي حصل من علقمة أنه كان صلى خمساً، وقائل: (وسمعت) هو مالك بن مغول؛ لأنه هو الذي روى عن الشعبي وهو الذي روى عن الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي.

الأثر عن علقمة في صلاته خمساً وسجوده للسهو من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن سفيان عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم أن علقمة صلى خمساً، فلما سلم قال إبراهيم بن سويد: يا أبا شبل، صليت خمساً، فقال: أكذلك يا أعور؟ فسجد سجدتي السهو ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم].

هذا مثل الذي قبله، وإبراهيم الذي في الإسناد هو إبراهيم بن سويد الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وإبراهيم بن سويد هو الذي خاطبه علقمة بقوله: (يا أعور)، وكنية علقمة هي أبو شبل، ولهذا خاطبه إبراهيم بن سويد وقال: يا أبا شبل.

قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله].

قد مر ذكرهما.

[عن سفيان].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم].

الحسن بن عبيد الله وإبراهيم وهو ابن سويد قد مر ذكرهما.

[عن علقمة].

قد مر ذكره.

وهو مرسل؛ لأن قول علقمة: (هكذا فعل رسول الله) هو من قبيل المرسل.

شرح حديث: (أن رسول الله صلى إحدى صلاتي العشي خمساً ... فسجد سجدتين ثم انفتل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن أبي بكر النهشلي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي خمساً، فقيل له: هل زيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وأذكر كما تذكرون، فسجد سجدتين ثم انفتل)].

هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود وأنه قيل له: [يا رسول الله! هل زيد في الصلاة؟ فقال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون وأذكر كما تذكرون، ثم إنه سجد سجدتين ثم انفتل] يعني: التفت إلى الناس؛ أي وانصرف وأقبل عليهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى إحدى صلاتي العشي خمساً ... فسجد سجدتين ثم انفتل)

قوله: [أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله].

قد مر ذكرهما.

[عن أبي بكر النهشلي].

هو أبو بكر النهشلي الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[عن عبد الرحمن بن الأسود].

هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، مكثر، من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله].

عبد الله قد مر ذكره.

الأسئلة

حكم الرهان

السؤال: ما حكم الرهان في جميع صوره سواء جعل المال من المتسابقين أم من المسبوق؟

الجواب: المراهنة هذه التي تكون بين الناس مغالبة على شيء، ثم يكون هناك مقدار يكون لمن غلب، معلوم أنه جاء في السنة في أمور متعددة وهي فيما يتعلق بالخف أي: الحافر، وجاءت نصوص تدل على ذلك، فهذا يؤخذ فيه الذي يوضع أو الذي يكون لمن يسبق ولمن يفوز، فيه استعداد للجهاد في سبيل الله وفيه اعتياد بمثل هذا العمل الذي ينفع الناس؛ لأن فيه إعداداً للجهاد واستعداداً للجهاد وتمكن من الرمي ومن الكر والفر وما إلى ذلك، أما الأمور الأخرى التي تكون بين الناس من المراهنة والمغالبة فإن هذا لا يصلح أن يقع بين الناس مثل ذلك، ولا يؤخذ أجور على هذا.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب السهو - باب ما يفعل من صلى خمساً للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net