إسلام ويب

من الأمور الضرورية التي ينبغي للمسلم معرفتها أن الزكاة واجبة ويكفر منكرها، وإخراجها عن طيب نفس دليل على صحة الإيمان، ولهذا جعل الله تعالى للمتصدقين باباً في الجنة يدخلون منه وهو: باب الصدقة.

تابع وجوب الزكاة

شرح حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى تحت ترجمة: [ باب وجوب الزكاة

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: ( قلت: يا نبي الله! ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه، أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله، وإني أسألك بوحي الله: بم بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي إلى الله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ) ].

فقد أورد النسائي رحمه الله تحت ترجمة: باب وجوب الزكاة، حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وبعثه إلى اليمن، وأمره بأن يدعو إلى التوحيد أولاً، ثم إلى الصلاة ثانياً، ثم إلى الزكاة ثالثاً، ثم أورد النسائي حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: إنني ما جئتك إلا وقد حلفت عددتهن لأصابع يدي، يعني: أنه حلف عشرة أيمان بعدد أصابع اليدين أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدخل في دينه، يعني أنه كان كارهاً للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام، ثم إن الله تعالى من عليه وهداه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، وأن يبين له الدين الذي بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم به، فقال: الإسلام، فقال: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، والمقصود من الحديث الجملة الأخيرة، وهي قوله: وتؤتي الزكاة؛ لأنه أرشده إلى ثلاثة أمور، إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، والتخلي من عبادة كل من سواه، ثم الصلاة، ثم الزكاة، وهذه هي الأمور الثلاثة التي جاءت في حديث معاذ مرتبة على حسب الأهمية، بأن يبدئ بالدعوة إلى الصلاة، ثم يبدئ بالدعوة إلى الزكاة، فهو أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أعظم أمور الإسلام، وآيات الإسلام، والأشياء المطلوبة في الإسلام، وهي الشهادتان التي أشار إليها بقوله: أسلمت وجهي لله وتخليت، والرجل جاء يخاطب النبي ويقول: يا نبي الله! فمعنى ذلك أن أعظم شيء يدعى إليه في دين الإسلام هو الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

وهنا قال: (أسلمت وجهي لله وتخليت)، وهذا يعني: لا إله إلا الله؛ لأن لا إله إلا الله، نفي وإثبات، تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وتثبتها لله وحده لا شريك له، فإن قوله: (أسلمت وجهي لله)، هي بمعنى: إلا الله، وتخليت، هي بمعنى: لا إله، ففيها نفي وإثبات، وفيها ترك وإتيان؛ ترك عبادة كل من سوى الله، والإتيان بالعبادة لله وحده لا شريك له.

فلا إله إلا الله متكونة من ركنين: نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، وهذان الركنان معناهما: أنك تنفي العبادة عن كل من سوى الله في الركن الأول، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له في الركن الثاني؛ لأن الأول نفي عام، والثاني إثبات خاص، نفي العبادة عن كل من سوى الله وهذا النفي العام، وإثبات العبادة لله وحده وهذا هو الإثبات الخاص.

فقوله: (أسلمت وجهي إلى الله)، هي تماثل: إلا الله، (وتخليت) تماثل: لا إله، أي: أنه تخلى من عبادة كل أحد سوى الله سبحانه وتعالى، وأتى بالعبادة لله وحده لا شريك له خالصة له، كما أنه لا شريك له في ملكه فلا شريك له في العبادة، كما أنه رب العالمين، وهو خالق الخلق، فهو الإله الحق الذي يجب أن يفرد بالعبادة، ولا يجوز أن يصرف لغيره شيء من أنواع العبادة، بل العبادة كلها تكون خالصة لوجهه.

ومن المعلوم أن العبادة التي تكون لله خالصة لا بد أن تكون مطابقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما أشرت إليه في الدرس الماضي من أن هذا هو مقتضى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، أي: تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

فلا ينفع العمل صاحبه إلا إذا كان خالصاً لله لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وكذلك أيضاً لا ينفعه العمل مع كونه خالصاً لله إلا إذا كان مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تخلف أحد الاثنين: الإخلاص أو المتابعة فإن العمل لا ينفع صاحبه عند الله، بل لا بد من نفعه وقبوله عند الله أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما إذا كان ليس خالصاً لله فإنه مردود؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وعائشة رضي الله عنها لما ذكرت ابن جدعان وأنه كان يتصف بكذا وكذا وكذا، يعني: من أعمال الخير والإحسان، والمساعدات والإعانات، قال عليه الصلاة والسلام: ( إنه لم يقل: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )، يعني: لا ينفعه ذلك؛ لأنه لم يؤمن بالله عز وجل، ويخص الله تعالى بالعبادة، ويكون مؤمناً بالله، عابداً لله وحده، فلم ينفعه ذلك.

وأما إذا كان العمل ليس على السنة فإنه مردود على صاحبه، فيدل على ذلك الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية لـمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

فإذاً: من شروط القبول: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الجملة الأولى فيما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل بقوله: (أسلمت وجهي إلى الله وتخليت)، فيه إخلاص العبادة لله عز وجل، ونبذ عبادة كل من سواه، ثم ذكر الإتيان بالصلاة، ثم ذكر إيتاء الزكاة، التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد أرشده إلى هذه الأمور الثلاثة التي هي التوحيد، والصلاة، والزكاة، وغير ذلك تبع له، فمن استسلم وانقاد، وأتى بهذه الأمور الثلاثة يسهل عليه أن يأتي بما سواها.

ثم إن الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بشدة عداوته له، وأنه كان كارهاً له ولدينه، وقد حلف عشرة أيمان بعدد أصابع يديه أن لا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي دينه، ثم إن الله عز وجل قذف في قلبه الإيمان، ووفقه للإيمان، وهداه للإيمان، فتبدلت حاله من السوء إلى الحسن، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً متعلماً، سائلاً النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء التي هي مطلوبة منه، والتي بعثه الله تعالى بها، فبين له عليه الصلاة والسلام أعظم ما هو مطلوب من المسلم إذا أسلم لله عز وجل ودخل في الدين، فإنه أول ما يطالب به: أولاً المفتاح الذي هو الشهادتان، ثم أول شيء بعد ذلك الصلاة، ثم بعد ذلك الزكاة.

ففي هذا بيان ما كان عليه ذلك الرجل من شدة العداوة والبغض، كونه ألزم نفسه بأيمان حتى لا يهون عليه أن يأتي إليه، وتلك الأيمان هي بأصابع يديه، وقوله في الحديث: عددهن لأصابع يديه، يعني: هذا المقصود بالضمير بعددهن، أي: عدد أصابع اليدين، يشير لأصابع يديه، يعني: كأنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بيديه، وقال: عددهن، يعني: أنه يشير إلى أصابع يديه، ثم إن الله عز وجل هداه ومن عليه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسترشداً وسائلاً عن أمور الدين، فبين له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك وأجابه على ما سأله عنه.

والشاهد أن الزكاة هي أهم شيء يدعى إليه بعد التوحيد والصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وما آيات الإسلام؟ ... وتؤتي الزكاة)

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].

هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه.

[ حدثنا معتمر ].

هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو هنا غير منسوب، لكن لا لبس في عدم النسبة؛ لأنه لا يوجد في الكتب الستة من اسمه معتمر سواه، هو الشخص الوحيد الذي يسمى بهذا الاسم، يعني: معتمر بهذا الاسم ليس معه أحد في هذا، ولهذا سواء نسب أو لم ينسب؛ لأن ما هناك رجل عند النسائي اسمه معتمر إلا هذا الرجل، بل ولا في الكتب الستة كلها رجل يقال له: معتمر إلا هذا الرجل، وهو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت بهز بن حكيم يحدث عن أبيه عن جده ].

هو بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.

يروي عن أبيه حكيم بن معاوية القشيري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.

وحكيم يروي عن معاوية الذي هو جد بهز وأبو حكيم ، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري تعليقا،ً ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، أي أن هؤلاء الثلاثة الذين هم: الجد والابن والحفيد كلهم خرج لهم البخاري تعليقاً وأصحاب السنن الأربعة، وحكيم وبهز كل منهما صدوق، وأما معاوية فهو صحابي.

[ وإني كنت امرءاً ما أعقل شيئاً إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله ].

إني كنت لا أعقل شيئاً، يعني: ليس عنده شيء من العلم ومن الحق إلا ما يأخذه عن الله وعن رسوله، أي: عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو يبلغ عن الله، يعني: أنه ليس عنده شيء من الدين إلا ما يأخذه من النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبلغه عن الله عز وجل، ولهذا سأله عن الذي بعثه الله تعالى به، وليس معنى ذلك أنه يشير إلى أنه ليس عنده علم؛ لأنه من المعلوم أنه الآن يبحث عن الإسلام والذي هو الأساس، فإذاً هو يسأل عن ما هو مطلوب منه، وما هو لازم له، وليس معنى ذلك أن عنده علماً سابقاً.

وقوله: أسألك بوحي الله، النسائي أورد الحديث في موضعين في هذا الباب، وأورده في باب: السؤال بوجه الله، والحديث جاء فيه بلفظ: أسألك بوجه الله، وفي هذه الرواية: بوحي الله، والرواية التي ذكرها النسائي في باب سيأتي: أسألك بوجه الله، والسؤال بوجه الله سؤال بصفة من صفاته، وكذلك السؤال بوحي الله سؤال بصفة من صفاته؛ لأن الكلام هو وحي الله عز وجل، وحي الله هو كلامه الذي أوحى به إلى رسله الكرام، فسواء كانت وحياً، أو سواء كانت وجهاً، الوحي هو كلام الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، والوجه صفة من صفات الله، وهو سؤال بصفة من صفات الله، فإن كان كل من الروايتين محفوظاً فكل له معنى، وإن كانت واحدة، يعني: مصحفة عن الثانية، وفي بعض النسخ هنا كما أشار في التعليق، فيها: بوجه الله، وعلى هذا تتفق مع الرواية التي ستأتي، ولكن على كون هذه محفوظة، فإن وحي الله هو كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ووجه الله صفة من صفاته.

شرح حديث: (... والزكاة برهان ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عيسى بن مساور حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك ) ].

أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه الذي فيه بيان فضائل لعدة خصال وعدة أعمال، اشتمل على فضائل لعدة أعمال، اشتمل على فضل الطهور، والوضوء وإسباغه، واشتمل على فضل التحميد والتسبيح، واشتمل على فضل الصلاة، وعلى فضل الزكاة، وعلى فضل الصبر، وعلى بيان أن القرآن حجة للإنسان أو عليه، فهو مشتمل على فضائل عديدة.

ومقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب الذي هو باب وجوب الزكاة، أو ما يتعلق بالزكاة قوله: (والزكاة برهان)، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث؛ لأن الحديث يتعلق بالصلاة، ويتعلق بالزكاة، ويتعلق بالصبر، ويتعلق بالوضوء وإسباغه، ويتعلق بذكر الله عز وجل، والثناء عليه، كل هذه فضائل دل عليها هذا الحديث، أو اشتمل عليها هذا الحديث على فضائل أعمال قولية وفعلية، والمقصود من إيراده جملة من جمله وهي: (والزكاة برهان)، وفي بعض الألفاظ: (والصدقة برهان)، وقد ذكرت أن الزكاة أنها تأتي يراد بها الفريضة، وتستعمل للفريضة، وأن الصدقة تأتي للنافلة وللفريضة، وذكرت بعض النصوص التي فيها ذكر الصدقة بمعنى الفريضة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، وكذلك: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[التوبة:103]، وحديث معاذ الذي مر بنا بالأمس: ( أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)، وفي الحديث هنا يقول: ( والصلاة نور، والزكاة برهان ).

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان )، وقد جاء في صحيح مسلم : (الطهور شطر الإيمان)، والمراد بالطهور هو الوضوء، وقيل: إن قوله: إنه شطر الإيمان؛ لأن الوضوء فيه طهارة الظاهر، وفيه نظافة الظاهر، والإيمان فيه نظافة الداخل الباطن؛ لأن الإيمان فيه طهارة الباطن، والوضوء فيه طهارة الظاهر، فصارت الطهارة ظاهرة وباطنة، فالباطنة هي: تتعلق بالقلب وهو الإيمان، وظاهره: تتعلق بالجوارح التي هي نظافتها، فنظافة القلب بالإيمان، ونظافة الجوارح بالطهارة التي هي الوضوء.

وقيل: إن المراد بالإيمان هو الصلاة، والطهور هو شطره، بمعنى أنه لا صلاة إلا بطهور، ليس هناك صلاة إلا بطهور، فهي شرط من شرائط الصلاة، بل من أعظم شرائط الصلاة أن الإنسان يكون على طهارة، ولا ينفع إنسان أن يصلي على غير طهارة، ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا صلاة إلا بطهور.

فإسباغ الوضوء شطر الإيمان، قالوا: إن الإيمان هنا مراد به الصلاة، ويأتي إطلاق الإيمان على الصلاة، كما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، يعني: الصلاة الأولى التي صلوها إلى بيت المقدس وماتوا، أو الذين كانوا موجودين، فصلاتهم إلى بيت المقدس في محلها؛ لأنها طاعة لله، وصلاتهم إلى الكعبة أيضاً في محلها؛ لأنها طاعة لله، والذي ذهب لا يضيعه الله، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس التي كانت قبل النسخ والتحويل، فمن العلماء من قال: إن المراد بالإيمان الصلاة، والإتيان بالصلاة لا يتم إلا بالوضوء.

وكما قلت: في مسلم: ( الطهور شطر الإيمان )، وهنا (إسباغ الوضوء)، وإسباغ الوضوء يكون بالاستيعاب، وكذلك أن يشرع في العضد، وفي الساقين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل المرفقين والكعبين، ويشرع في الساقين والعضدين، معناه: أنه يدخل فيها، لكنه لا يستمر فيها ويطيل، وإنما يشرع فيها أن يتجاوز المرفق، فهذا من إسباغه، يعني: العناية بالاستيعاب، وكون الإنسان يشرع في الغسل الذي فيه النهاية، وهو الكعبان في الرجلين، والمرفقان في اليدين، بحيث يدخل في العضد ويدخل في الساقين، لكن لا يطيل ولا يستمر، وإنما يشرع فيهما، وكذلك أيضاً يكون بالتكرار، يعني: يغسل ثلاث مرات، يغسل مرتين أو ثلاث مرات؛ لأن هذا من الإسباغ، فهو شطر الإيمان، يعني: إكمال الوضوء وإسباغه هو شطر الإيمان.

( والحمد لله تملأ الميزان )، الحمد لله ثناء على الله عز وجل، وكلمة الحمد لله كلمة يقولها الإنسان بلسانه وشأنها عظيم عند الله عز وجل، فقيل في معناها: أن الأعمال التي تكون أعراضاً تكون أجساداً وأجساماً يوم القيامة وتوضع في الميزان، هي وإن كانت عرضاً بمعنى أنها صفة وهي كلام، إلا أن ذلك الكلام يجعله الله عز وجل على صورة جسم وعلى صورة شيء يوضع في الميزان، ولهذا جاء أن الأعمال تكون أعراضاً وتوضع في الميزان، وجاء أيضاً كونها تنفع صاحبها مثل ما جاء في البقرة وآل عمران، يعني: قراءتهما يأتيان يوم القيامة وهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تظل صاحبها يوم القيامة، تكون ظلاً له، يعني: فقراءته التي قرأها لهاتين السورتين يجعلهما الله عز وجل يعني: سحابة، أو غمامة، أو فرقان من طير صواف، يعني: تظلل صاحبها، الأعمال تقلب أعراضاً، ويجعلها الله أعراضاً وتوضع في الميزان، ويستفيد منها صاحبها كالتظلل الذي حصل.

( الحمد لله تملأ الميزان )، يعني: شأنها عظيم عند الله عز وجل، وفيه أيضاً دليل على أن الأعمال توزن، وإثبات الميزان وأن هناك ميزاناً توزن به الأعمال، والمقصود من الوزن هو: إيقاف الإنسان على أعماله، والموازنة بين سيئاته وحسناته، وليس ليعلم الله عز وجل المقدار؛ فالله تعالى عالم به وعالم بكل شيء وزن أو لم يوزن، لكن المقصود من ذلك إظهار وإيقاف الإنسان على حسناته وسيئاته، والموازنة بينها، حتى يقف على ذلك وأنه لا يظلم، وأن الله تعالى يجازيه بالعدل وبالقسط: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، فهذا هو المقصود من الوزن: إيقاف الناس على أعمالهم والموازنة بينها.

( والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض ).

والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، وفي لفظ مسلم: ( وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض )، تملآن أو تملأ الواحدة منهما ما بين السماء والأرض، يعني: أن الله تعالى يجعلهما على صفة أجسام وتوضع في الميزان.

( والصلاة نور ).

والصلاة نور، يعني: نور لصاحبها في الدنيا والآخرة، فهي نور وإشراق وضياء في وجهه، علامة على العبادة والطاعة، ثم أيضاً تكون نوراً له يعني: نور معنوي، بمعنى أنه يبصره فيما يعود عليه بالخير وما يعود عليه بالمضرة، ويوضح ذلك قول الله عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فهذا من كونها نور، يعني: كونها فيها النهي عن الفحشاء والمنكر، وتنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، وتكون سبباً في امتناع صاحبها عن الفحشاء والمنكر، هذا من الضياء ومن النور الذي فيها، يعني: نور معنوي، وكذلك نور يوم القيامة يستضيء به الإنسان ويضيء للإنسان، ويكون نوراً بين يدي الإنسان، فهي نور كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، هي نور في الدنيا وفي الآخرة، نور في الوجه ونور في الطريق، وكون الإنسان يعرف الحق فيعمل به، وينتهي عن الباطل بسبب الصلاة، ووجه ذلك: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، هذا الفرض من غير النوافل، والإنسان عندما يكون محافظاً على الصلوات، وحريصاً على النوافل، إذا حدثته نفسه بسوء يتذكر: لماذا يصلي ولمن يصلي؟ يصلي يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، فكيف تحدثه نفسه بأن يقع في المعاصي، فتذكره صلاته ومحافظته على الصلاة، وصلته الوثيقة بالله عز وجل تكون سبباً في كونه يرعوي وينزجر، ويبتعد على أن يقع في المعاصي.

معنى أن الزكاة برهان والصبر ضياء

( والزكاة برهان ) هي برهان على إيمان صاحبها، وعلى صدق إيمانه، لماذا؟ لأن المال عزيز على النفوس، والنفوس جبلت على حب المال، فالإنسان الذي يؤدي الحق الذي فرض الله عليه طيبة به نفسه مع ما جبلت عليه النفوس على حب المال، فهذا دليل على إيمان صاحبها، وبرهان وعلامة واضحة على الإيمان؛ لأن الإيمان هو الذي دفعه إلى هذا، وضعف الإيمان هو الذي يجعله يبخل بالزكاة ويبخل بالمال، ولا يصرف المال فيما ينبغي أن يصرف فيه المال، وحرص النفوس على المال هذا أمر معلوم، ولهذا يأتي الإنفاق في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال، ويقدم المال على النفس، كل المواضع التي جاءت في القرآن فيها تقديم المال على النفس، إلا في موضع واحد قدمت النفس على المال، في آية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111]، يعني: قدم المال في الآيات الكثيرة على النفس، وذلك لما جبلت عليه النفوس من محبة المال، ولأن أيضاً الجهاد بالمال يحصل ممن عنده القدرة على الجهاد بالنفس وممن ليس عنده القدرة على الجهاد بالنفس، يعني: عنده مال، ولكن ما عنده قدرة على أن يجاهد بنفسه، ويكون عنده قدرة فيجمع بينهما، فجاء في القرآن كثيراً تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.

( والزكاة برهان، والصبر ضياء ).

والصبر ضياء، الصبر هو ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، صبر على النوائب والمصائب، الإنسان إذا وقعت به مصيبة لا يتسخط، بل يقول: قدر الله وما شاء فعل، إذا حصل له شيء يكرهه، وهو حريص على أن يحصل له ما يريد من الخير ولكن فاته وحصل له شيء لا يريده، فيقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، كما جاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فيصبر الإنسان على طاعة الله، ويصبر عن معاصي الله، ويصبر على أقدار الله المؤلمة التي فيها مصائب وفيها ابتلاء وامتحان، ويصبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس؛ لأن العاقبة حميدة على الصبر، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن العاقبة وخيمة؛ لأنها لذة ساعة وبعدها حسرة وندامة وعقوبة من الله عز وجل، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، أي: الطريق إلى الجنة يحتاج إلى صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، صبر على الطاعات ولو شقت على النفوس، والإنسان من المعلوم أنه إذا كان نائماً في الليل لا سيما في وقت الشتاء وفي شدة البرد، والفراش وفير، وفي فراش دافئ، ثم سمع الأذان وسمع: الصلاة خير من النوم يهب من فراشه ونفسه تميل إلى النوم، وتشتهي النوم والفراش، يعني: هو مرتاح في الفراش، لكن ما يدعى إليه وهو الصلاة خير من هذا الذي هو متلذذ فيه، والذي هو مرتاح إليه ومطمئن إليه وهو النوم، الصلاة خير من النوم، فيقوم ويذهب في البرد، وقد يكون الإنسان أيضاً يتوضأ بماء بارد وما عنده شيء يسخن فيه، ففيه مشقة على النفوس، كذلك الصيام فيه مشقة، والزكاة فيها مشقة، لأن النفوس مجبولة على حب المال، ومع ذلك تجد الإنسان يصبر على الطاعة ولو شقت على النفوس، ويصبر على المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن عاقبة الصبر على الطاعة حميدة، وعاقبة الانسياق وراء النفس الأمارة بالسوء أو الوقوع فيما تشتهيه النفوس مما لا يسوغ عاقبته وخيمة، وهذا هو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، فالصبر ضياء؛ لأن فيه الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، والصبر على أقدار الله، فهو ضياء يضيء للإنسان الطريق في الدنيا والآخرة، يضيء للإنسان الطريق في الدنيا؛ لأنه فيه صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وفي الآخرة حصول الثواب له بالنور والضياء والإشراق الذي يكون له بثبوته على طاعة الله وصبره عن معاصي الله عز وجل.

(والقرآن حجة لك أو عليك)، هو حجة لك إن قمت بما يجب عليك نحوه، يعني: عملت بما فيه، امتثلت الأوامر، وانتهيت عن النواهي، وصدقت الأخبار، وعبدت الله طبقاً لما جاء في القرآن والسنة، فإن القرآن يكون حجة للإنسان، حجة له ينفعه عند الله عز وجل، وحجة على الإنسان إذا كان بخلاف ذلك، يعني: كونه يعرف الحق، ولا يعمل به، فيكون حجة عليه لا له، والقرآن إما حجة الإنسان وإما حجة على الإنسان، فإن قام بما يجب عليه نحوه كان حجة له، وإن كان بخلاف ذلك كان حجة عليه.

والحديث في صحيح مسلم وفي النسائي وفي غيره، وقد جاء حديث آخر في صحيح مسلم هو بمعنى هذا الحديث، وهو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث أخرجه مسلم، كان له أمير على مكة، فجاء الأمير، فسأله عمر: من أمرت على مكة، يعني: في حال غيبتك، أو من وليت على أهل مكة في حال غيبتك؟ فقال: ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى، قال: نعم يا أمير المؤمنين! إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، هذه مسوغات للتعيين والاختيار، والترشيح للعمل، إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، ماذا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه؟ تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين )، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع فيه آخرين )، مثل قوله: حجة لك أو عليك؛ لأن فيه من يرفع، وفيه من يوضع، فيه من يكون حجة له، ومن يكون حجة عليه، فيه من يكون القرآن شاهد له، ومنهم من يكون القرآن شاهد عليه؛ لأنه ما قام بما يجب عليه نحوه، ولهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه لما أخبره بوجه الاختيار وأنه لعلمه بالكتاب، وبمعرفته للفرائض والأحكام، تذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عند ذلك: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: فيه تنفيذ وتطبيق، أو مطابقة لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الإنسان: صدق الله، أو يقول: صدق رسول الله، مر بنا قريباً الحديث الذي فيه: إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال: صدق الله إذ يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، الحديث مر بنا قريباً، أن الإنسان إذا صام يوماً يكون عن عشرة أيام، ثم قال لعله أبو هريرة أو كذا: صدق الله عز وجل إذ يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام:160]، هنا لما قال له أن هذا الرجل اختاره على غيره وقدمه لأنه عالم بالكتاب، وعارف بالفرائض، تذكر الحديث وقال عنده: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ).

تراجم رجال إسناد حديث: (... والزكاة برهان ...)

قوله: [ أخبرنا عيسى بن مساور ].

صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

[ حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ].

صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

[ عن معاوية بن سلام ].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أخيه ].

هو زيد بن سلام، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.

[ أنه أخبره جده أبي سلام ].

واسمه ممطور ، وهو ثقة، يرسل، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن، يعني: مثل حفيده زيد بن سلام.

[ عن عبد الرحمن بن غنم ].

قيل: إنه معدود في الصحابة، وقيل: إنه تابعي، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.

[ أن أبا مالك ].

هو أبو مالك الأشعري، واختلف في اسمه، فقيل: إن اسمه الحارث ، وقيل: عبيد ، وقيل: كعب ، وقيل على ذلك أقوالاً كثيرة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود وابن ماجه.

شرح حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن نعيم المجمر أبي عبد الله أنه قال: أخبرني صهيب أنه سمع من أبي هريرة ومن أبي سعيد يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ( والذي نفسي بيده، ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا ندري على ماذا حلف، ثم رفع رأسه في وجهه البشرى، فكانت أحب إلينا من حمر النعم، ثم قال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، فقيل له: ادخل بسلام ) ].

ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم، وحلف، ولم يذكر المحلوف، ثم أكب، فأكب الناس يبكون، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى، ففرحوا، واعتبروا ذلك خيراً لهم من حمر النعم التي هي أنفس الأموال عندهم، وحمر النعم يأتي في الحديث ذكر الإشارة إليها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعلي : ( والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )؛ لأنها أنفس الأموال عندهم، فكانت أحب إليهم ومن أنفس ما هو عندهم، يعني: أن هذا الذي حصل أحب إليهم مما هو أنفس شيء عندهم في الحياة الدنيا، وهو هذه النعم الحمر الذي هذا وصفها.

فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة فقيل له: أدخل بسلام ).

يعني: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له: ادخل بسلام.

في الحديث ذكر الصلاة والمحافظة على الصلوات الخمس، وكذلك فيه ذكر الصيام وذكر الزكاة، والمقصود من إيراد الحديث هنا ذكر الزكاة، وكون الزكاة ذكرت، وكون الإنسان يؤدي الزكاة، ثم مع كونه يفعل هذه الأفعال يجتنب الكبائر السبع وهي الموبقات، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السبع الموبقات وهي: الشرك بالله، والزنا، وقتل النفس التي حرم الله، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، يعني: هذه وردت في حديث أبي هريرة في الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الجزاء يكون على ترك وعلى فعل، على ترك المحرمات، وترك الكبائر والموبقات، وعلى أيضاً فعل، وهو الإتيان بالصلوات، والإتيان بالصيام، والإتيان بالزكاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ].

ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[ عن شعيب ].

هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن الليث ].

هو الليث بن سعد، يعني: أبو شعيب، يعني: شعيب يروي عن أبيه الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا خالد ].

هو ابن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي هلال ].

هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نعيم المجمر ].

هو نعيم بن عبد الله المجمر أبو عبد الله، هو أبوه عبد الله، وكنيته أبو عبد الله، فكنيته توافق اسم أبيه، فهو نعيم بن عبد الله المجمر، وقيل له: المجمر؛ لأنه كان يجمر المسجد، يعني: يأتي بالجمر ويضع عليه العود أو البخور الطيب ويبخر المسجد، فقيل له: المجمر، يعني: لقب بهذا، وقيل: إنه لقب لأبيه وأيضاً هو لقب به، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني صهيب ].

صهيب مولى العتواريين، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده كما في التهذيب.

[ أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد ].

أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر الصحابة حديثاً، وأبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والحديث ذكره الألباني وحكم عليه بالضعف، ولعل حكمه عليه بالضعف بسبب صهيب هذا الذي ذكر أنه مقبول، لعله هذا سبب التضعيف.

وفي التقريب، يقول: صهيب مولى العتواريين، وفي موضع يقول في الهامش في نسخة تهذيب الكمال: العتواري، تفرد نعيم المجمر بالرواية عنه، ووهم من قال غير ذلك، مقبول من الطبقة الرابعة.

شرح حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير لك، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟! قال: نعم، وإني أرجو أن تكون منهم )، يعني: أبا بكر].

أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة، يقول: يا عبد الله! هذا خير لك، فإن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟) و(هل) هنا بمعنى النفي، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يقال له: ادخل الجنة من أي باب، يعني: كاف، فهل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ وهذا سؤال استفهام حقيقي، هل يدعى أحد؟ استفهام حقيقي، أما الأول بمعنى: النفي، مثل قوله: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، يعني: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، يعني: كون الإنسان يدعى من باب من أبواب الجنة، هذا خير له، المهم أن يدخل الجنة، لكن هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وأرجو أن تكون منهم)، يعني: لكونه يعمل هذه الأعمال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كونه يعمل هذه الأعمال التي لها هذه الأبواب للجنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، المراد بالزوجين قيل: الصنفان، الزوج هو: الصنف والنوع، يعني: والمراد من ذلك أنه يكرر، أو ينوع الصدقة ويكررها، ينفق نفقة معززة مشفوعة بغيرها، يعني: متكررة، هذا هو المراد بالزوجين، ( من أنفق زوجين في سبيل الله)، ثم إنه قيل له: هذا خير، ثم ذكر الصلاة والصيام والصدقة والجهاد، وفيها ما هو من الأعمال البدنية.

والحديث قيل: ( من أنفق زوجين في سبيل الله )، فقيل: أن المقصود من ذلك: أن كل أعمال البر هي إنفاق، وإن كانت بعض الأعمال ليست مالاً وليست إنفاقاً للمال، إلا أنها إنفاق للجهد وإنفاق للنفس وبذل النفس، ولهذا يقال: أنفق عمره في كذا وكذا، أو صرف عمره في كذا، يعني: فيما يتعلق بالأعمال، ولهذا جاء بعد ذلك إن كان من كذا، فمن أنفق زوجين في سبيل الله دعي، قيل: هذا خير، فيحتمل أن يكون المراد أن ذلك يرجع إلى الصدقة، ويحتمل أن يكون ذلك يرجع إلى الإنفاق العام الذي يشمل الصدقة المالية والصدقة غير المالية التي تكون ببذل النفع وبذل الخير، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعديد الصدقات، وإطلاق الصدقات على أنواع كثيرة غير البذل، بذل المال، مثل: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل هذه من أنواع الصدقات؛ لأنها صدقة من الإنسان على نفسه؛ إذ عمل أعمالاً تفيده، وأيضاً تصدق على غيره إذ أحسن إليه بهذه الأنواع، إماطة الأذى عن الطريق؛ لأنه تصدق على الناس إذ أزال الأذى عن طريقهم حتى لا يتعرضوا لأذى، وحتى لا يحصل لهم أذى، والأمر بالمعروف صدقة؛ لأنه دلهم على الخير، والنهي عن المنكر صدقة؛ لأنه حذرهم من الشر، والكلمة الطيبة صدقة؛ لأن الإنسان تكلم بكلام سر الإنسان وأفاده واستفاد منه.

فيكون المراد بالإنفاق: العموم، يعني: ما يشمل المال وغير المال، يعني: الجهد والمال، ثم في الحديث دليل على أن تلك الأعمال لها أبواب في الجنة، الصدقة لها باب يقال له: باب الصدقة، والجهاد باب الجهاد، والصلاة باب الصلاة، والصيام يقال: باب الريان، يعني: يختلف، ما قيل اسمه: باب الصيام، وإنما قيل له: الريان؛ لأنه يشعر بالري، وأن من دخله يشرب ويروى؛ لأنه عطش نفسه في الدنيا، فأخبر بأنه يدخل من هذا الباب الذي يشعر بالري.

ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: (هل على من دخل من أي باب من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم).

تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله...)

قوله: [ أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ].

هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.

[ حدثنا أبي ].

وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه.

[ عن شعيب ].

هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني حميد بن عبد الرحمن ].

هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن أبا هريرة ].

عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

وهل بقية الأبواب في الجنة معروفة الأسماء؟

فالجواب: الله أعلم، ما ندري، ثم أيضاً لا يلزم أن يقال: إن الأبواب ثمانية بالنسبة لثمانية أعمال؛ لأن أبواب الجنة ثمانية كما هو معلوم، كما جاء ذلك في الأحاديث الكثيرة: ( فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )، من قال: كذا، ومن فعل كذا، لا يقال: إن كل عمل من الأعمال له باب، فيمكن أن يكون هناك أبواب عامة، وأبواب خاصة داخلة ضمن تلك الأبواب، يعني: تستوعب أعمال الخير، لكن كونها تكون أعمال ثمانية من أعمال الخير لها أبواب والباقي ليس له أبواب هذا ليس بظاهر، فيمكن أن تكون هناك أبواب رئيسية تسمى بهذا، وهناك أبواب جزئية، يعني: الأبواب الرئيسية ثمانية كما جاء في الحديث، لكن هناك أبواب داخلة في هذه الأبواب، وذكر المعلق أن فيه أشياء، يعني: ذكر في الحاشية أن فيه أبواب كذا، وقال: أن هذه سبعة، ويمكن أن يكون الثامن كذا وكذا، وهذا لا يعني أن تكون الأبواب هي بعدد هذه الخصال، بل خصال الخير كثيرة، ويدخل الجنة أصحابها، فيمكن والله أعلم أن الجنة لها ثمانية أبواب كما جاء أبواب الجنة الثمانية، لكن الأبواب تحتها أبواب.

وأبو بكر الصديق هو لا شك منهم؛ لأنه فعل أفعالاً، وقد جاء في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل قال: ( من أصبح منكم صائماً، من أصبح منكم عائداً مريضاً )، من فعل منكم كذا، وكلها اجتمعت في أبي بكر، وكلها يقول أبو بكر : أنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمعت فيه إلا دخل الجنة، وهذا الرجل كما هو معلوم ما مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين أفضل منه، هو الصديق .

الأسئلة

الطواف بالرجل الاصطناعية

السؤال: ما حكم الطواف بالرجل الاصطناعية؟

الجواب: ما فيه بأس، الإنسان إذا كان رجله يعني: كذا، وصنعت له رجل يمشي عليها فيطوف بها.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الزكاة - تكملة باب وجوب الزكاة للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net