إسلام ويب

يلبي الحاج في سيره من مزدلفة إلى منى، وينتهي من التلبية بانتهاء رمي الجمرة، ويلتقط حصى الجمرات من منى أو مزدلفة بقدر ما يخذف بين الأصبعين. وقد أذن أن يرمي الحاج وهو راكب، وأن يستظل بشيء ليس فيه اتصال بالجسد كالمظلة.

التلبية في السير

شرح حديث الفضل بن عباس: (كان رديف النبي فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التلبية في السير.

أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن عبد الملك بن جريج وعبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم أنه: (كان رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)].

يقول النسائي رحمه الله: التلبية في السير، أي: في السير من مزدلفة إلى جمرة العقبة، أو من مزدلفة إلى منى، ومقصود النسائي من هذه الترجمة بعد أن مر ذكر التلبية في مزدلفة، أتى بما يدل على التلبية في السير من مزدلفة إلى منى، وأورد فيه حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه [(كان رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم)]، يعني: في الانصراف من مزدلفة إلى منى، وكان عليه الصلاة والسلام (يلبي حتى رمى جمرة العقبة)، ومعلوم: أن النبي صلى الله عليه وسلم في سيره من عرفة إلى مزدلفة أردف أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، وفي سيره من مزدلفة إلى منى أردف الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخبر الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يلبي في سيره، حيث كان معه رديفاً على الراحلة حتى رمى جمرة العقبة، أي: في السير وهو سائر إلى الجمرة من منصرفه من مزدلفة وهو يلبي، وقد عرفنا فيما مضى: أن الذي يحرم بالحج فإنه يلبي في جميع أحوال إحرامه حتى يرمي جمرة العقبة.

واختلف في المراد برمي جمرة العقبة: هل هو الشروع بها أو إتمامها؟ على قولين للعلماء: منهم من قال: إنه عندما يبدأ يقطع التلبية، ومنهم من يقول: عندما ينتهي يقطع التلبية، وعلى هذا، فقول الفضل بن عباس: حتى رمى جمرة العقبة، فسر أنه: حتى شرع في رميها، على القول الأول، وهو قول الجمهور، وعلى القول الثاني: أنه حتى فرغ منها، وقال به بعض الفقهاء، لكن جاء في صحيح ابن خزيمة وذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وقال عنه: إنه حديث صحيح، ما يدل على أن المقصود الفراغ منها، وقد ذكر أنه عند آخر حصاة من رمي جمرة العقبة، وعلى هذا فالحديث الذي في صحيح ابن خزيمة يعين المقصود ويبين المراد، وهو أن المقصود من ذلك: الانتهاء من رمي جمرة العقبة.

تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن عباس: (كان رديف النبي فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)

قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].

هو: حميد بن مسعدة البصري، وهو صدوق أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن سفيان وهو: ابن حبيب].

سفيان وهو: ابن حبيب، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن عبد الملك بن جريج].

هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

عبد الملك بن أبي سليمان].

هو: عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن عطاء].

وهو: ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

[عن أخيه الفضل بن العباس].

الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أكبر أولاد العباس وبه يكنى، وكذلك تكنى به لبابة بنت الحارث الهلالية يقال لها: أم الفضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن رسول الله لبى حتى رمى الجمرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار عن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبى حتى رمى الجمرة)].

أورد النسائي حديث ابن عباس أيضاً، وهو: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام لبى حتى رمى الجمرة)]، هو مثل الذي قبله، (لبى حتى رمى الجمرة)، وهذا عن ابن عباس فقط، فهذا مرسل، يعني: مرسل صحابي من مراسيل ابن عباس، وهو قد أخذه عن أخيه كما بينته الرواية السابقة التي فيها بيان الواسطة التي أخذ منها، أو التي تلقى عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أخو الفضل بن عباس، وهو مثل الذي قبله: [(لبى حتى رمى الجمرة)]، أي: أنه استمر يلبي، [(حتى رمى الجمرة)]، أي: حتى شرع في رميها، أو حتى فرغ من رميها على القولين المشار إليهما آنفاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله لبى حتى رمى الجمرة)

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

محمد بن بشار، هو الملقب: بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة ومن دون واسطة.

[عن عبد الرحمن].

وهو: ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سفيان].

وهو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن حبيب].

وهو: حبيب بن أبي ثابت، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وفي إحدى النسخ عن سفيان بن حبيب، وهو يلتبس بما تقدم بالإسناد الذي قبله؛ لأن فيه سفيان بن حبيب، وهو من طبقة متأخرة، من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وأما هذا فهو من طبقة متقدمة، يعني: من طبقة شيوخ شيوخه، يعني: فهو سفيان، غير سفيان بن حبيب، ففي إحدى النسخ عن سفيان عن حبيب، وهذا هو الصحيح، وهذا هو الموجود في تحفة الأشراف، وهذا هو المناسب بخلاف ما هو موجود في أصل النسخة التي معنا سفيان بن حبيب، وهو لا يستقيم، يعني: سفيان بن حبيب من طبقة متأخرة كما مر في الإسناد الذي قبل هذا، أو في إسناد قبل هذا في الحديثين السابقين من طبقة متأخرة، وعلى هذا فـسفيان هو الثوري، وحبيب هو ابن أبي ثابت.

[عن سعيد بن جبير].

سعيد بن جبير، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

عبد الله بن عباس، وقد مر ذكره.

التقاط الحصى

شرح حديث الفضل بن العباس في التقاط الحصى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التقاط الحصى.

أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا ابن علية حدثنا عوف حدثنا زياد بن حصين عن أبي العالية قال ابن عباس رضي الله عنهما: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غداة العقبة وهو على راحلته: هات القط لي، فلقطت له حصيات هنّ حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)].

أورد النسائي ترجمة التقاط الحصى، وهو أن الحصى يلتقط، ويكون ذلك في الطريق إلى الجمرة، سواءً كان التقاطه في أرض من أرض مزدلفة، أو من أرض منى، كل ذلك صحيح، ففي ليلة العيد يلتقط سبع حصيات، يرمي بها جمرة العقبة، من طريقه إلى الجمرة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان على راحلته راكباً، والفضل بن عباس رديفه على تلك الراحلة، فأمر رديفه أن يلتقط له سبع حصيات، فالتقطها، وهذا فيه دليل على أن الحصى لا يلزم أن يلتقطه الذي يرمي به، بل يمكن أن ينيب في الالتقاط، وأن غيره يمكن أن يلتقط له، وليس بلازم إن الإنسان يلتقط الحصى بنفسه، فيمكن أن يلقط لنفسه ولغيره، ويمكن أن يلقط له غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(التقط لي حصى)].

قوله: [(هنّ حصى الخذف)]، أي: هنّ مثل حصى الخذف، وهي الحصى التي فوق الحمص ودون البندق، وهي التي يرمى بها بين الإصبعين، يعني إما بين السبابتين، بأن يجعل الحصاة بين السبابتين، ثم يطلقها، أو يكون الإبهام مع السبابة، ثم يطلقها، فالحصى صغير على مقدار ما يفعل بالخذف في اليد، ليس بالصغير جداً، وليس بالكبير، وإنما هو بهذا المقدار.

قوله: [(فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)].

فلما لقطهن ابن عباس، ووضعهن في يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، جعل يقلبهن، ويحركهن بيده والناس يرون، وقال عليه الصلاة والسلام: [(بمثل هذا)]، يعني: بمثل هذا ارم.

[(وإياكم والغلو)]، يعني: إياكم أن تزيدوا على هذا المقدار، وأن ترموا بحصى كبار، فإن هذا غلو، ومجاوزة للحد، ومثل ذلك أن يرمى بغير الحجارة، كالنعال، أو المضلات، أو الخشب، أو ما إلى ذلك، كل ذلك لا يجوز، وإنما الرمي يكون في حدود المشروع، وهو الحصى الذي مثل حصى الخذف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعل يحركهن بيده والناس يرون، ويقول: (بمثل هذا)، أي: فارموا، وإياكم والغلو، احذروا أن تغلوا في الدين فتزيدوا على هذا المقدار؛ لأن الزيادة على هذا المقدار غلو.

(وإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، يعني: الأمم السابقة التي غلت في دينها كان ذلك سبباً في هلاكها، وقد ضلت بذلك، فاحذروا أن تضلوا، واحذروا أن تهلكوا بالغلو في دين الله، وإنما الإنسان عليه الاعتدال، والتوسط في الأمور، لا إفراط ولا تفريط، لا زيادة ولا نقصاً، فيكون الحصى على هذا المقدار الذي رمى به الرسول صلى الله عليه وسلم بدون زيادةٍ عليه، وبدون نقضٍ عنه، فلا يرمى بحصى صغير جداً، ولا يرمى بحصى أكبر من هذا الحصى الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث التحذير من الغلو في الدين، وأن الاعتدال والتوسط في الأمور هو المطلوب، والشيطان يأتي إلى الإنسان من الأمور التي يرى ميله إليها، فإذا رآه معرضاً عن العبادة، منصرفاً إلى اللهو والشهوات، جاءه عن طريق التخلص من العبادة، وترك العبادة، وجاءه عن طريق مرض الشهوة، يعني: أن يقع في المعاصي، ويتخلص من العبادات، ويترك العبادة؛ لأنه هناك مرض إما شهوة وإما مرض شبهة، فإذا كان هناك تقصير في أمور الدين، يأتي الشيطان إلى العبد من هذه الناحية، لكن إذا رأى عنده إقبال على الدين، واتجاه إلى الدين، جاءه من جهة الغلو، يريد منه أن يزيد، وأن يتجاوز الحد، فيوجد منه الغلو، وهذا مرض الشبهة، الذي هو الزيادة على المشروع، ومرض الشهوة: هو الذي يتعلق بالرغبة في الوقوع في الملذات، وقد تكون محرمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، أي: إن الشهوات توصل إلى النار إذا استرسل الإنسان معها، وأقدم على ما تشتهي نفسه ولو كان ذلك حراماً، وأما الشبهات فيأتي عن طريق الفتنة في الدين، وعن طريق الغلو في الدين، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [(وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)]، يعني: سبباً في هلاكه، حيث غلو في دينهم، وتجاوزوا الحدود التي حدت لهم، والإنسان عليه أن يأخذ في حدود ما أمر به، لا يقصر ولا يزيد، لا يغلو في الدين، ولا ينقص عن الشيء الذي أمر به في دين الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن العباس في التقاط الحصى

قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].

هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

[حدثنا ابن علية].

وهو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عوف].

عوف، وهو: ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا زياد بن حصين].

زياد بن حصين، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

[عن أبي العالية].

أبو العالية، وهو: رفيع الرياحي، وهو ثقة، يرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

وهو: الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ لأنه لا يصلح أن يكون ابن عباس عبد الله؛ لأنه قال: (التقط لي)؛ ولو لم يكن فيه المخاطبة بأن يلتقط له، لأمكن أن يكون عن ابن عباس، وهو المشهور حيث لا يسمى، ويكون من المراسيل، ويكون أخذه عن أخيه مثل الحديث الذي قبل هذا وهو حديث: (لبى حتى رمى الجمرة)، فإنه يكون من مراسيل ابن عباس، وله مراسيل كثيرة؛ لأنه من صغار الصحابة، وهو يروي عن الصحابة، وهو من المكثرين من الرواية.

ومراسيل الصحابة كلها حجة ومعتمدة؛ لأنهم لا يروون إلا عن الصحابة، وإذا رووا عن غيرهم بينوا، وعلى هذا، فمقصود ابن عباس هنا: الفضل وليس عبد الله؛ لأن عبد الله مقدماً، أرسل مع الضعفة إلى منى في آخر الليل، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر حتى أسفر جداً وانطلق، بل الذي بقي معه أخوه الفضل بن عباس، وكان رديفه، وهو الذي التقط له الحصى؛ لأنه قال: (التقط لي حصى)، أما ابن عباس ليس موجوداً معه في الطريق؛ لأنه ذهب بالليل إلى منى، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهم ذكروه في ترجمة ابن عباس.

من أين يلتقط الحصى؟

شرح حديث الفضل بن العباس في الموضع الذي يلتقط منه حصى الرمي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [من أين يلتقط الحصى؟

أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن أبي معبد عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس حين دفعوا عشية عرفة وغداة جمع: عليكم بالسكينة، وهو كاف ناقته، حتى إذا دخل منى، فهبط حين هبط محسراً، قال: عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة، قال: والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان)].

أورد النسائي: من أين يلتقط الحصى؟ أي: حصى الجمار، وأورد فيه حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم أنه عشية عرفة وغداة جمع، يعني: أنه في طريقه من عرفة إلى مزدلفة، وفي طريقه من مزدلفة إلى منى كان يأمر الناس بالسكينة، في الطريق من عرفة إلى مزدلفة كان رديفه أسامة بن زيد، وفي الطريق من مزدلفة إلى منى رديفه الفضل بن عباس، فهو يحكي عن شيء شاهده منه فهذا الطريق ما كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما لم يكن رديفاً، وهو في الطريق من عرفة إلى مزدلفة، لكنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، يشاهد ويعاين، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: [(عليكم بالسكينة)]، يعني: في انصرافهم من عرفة، وفي انصرافهم من مزدلفة أي: عليكم بالهدوء، والسمت، وعدم السرعة، وعدم العجلة، وألا يشق بعضهم على بعض بسبب السرعة، وبسبب العجلة، وإنما يمشون بالسكينة، وكان يقول عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الأحاديث: (فإنه ليس البر بالإيضاع)، يعني: ليس بالإسراع البر وليس بأفضل، وإنما السكينة والمشي، وفي السكينة فوائد، أولاً: فيه عدم التعرض لإيذاء أحد من الناس بسبب السرعة والزحام، ثم أيضاً فيه رفق بالناس، ورفق بالحيوان الذي يركبونه، فيترتب على ذلك مصالح للراكب وللمركوب، للناس وللرواحل.

قوله: [(وهو كاف ناقته)].

يعني: لئلا تسرع؛ لأن الناقة إذا أرخي لها الخطام أسرعت، وتمكنت من السرعة، لكنه إذا رد رأسها بالخطام، فإنها لا تتمكن من السرعة، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أنه ( حتى أن رأسها ليصل إلى مقدمة الرحل)، يعني: من شدة جذبه لها حتى لا يحصل إسراع، والمقصود من ذلك: تحقيق السكينة التي أمر بها عليه الصلاة والسلام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يأمر الناس، وهو أسرع الناس، وأسبق الناس إلى ما يأمرهم به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يأمرهم بالسكينة، وهو الذي يفعل السكينة عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك كونه يجذب خطام الراحلة حتى لا تتمكن من السرعة، وقد مر بنا الحديث الذي فيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسير العنق -وهو نوع من السير- فإذا وجد فرجةً نص)، يعني: أسرع قليلاً، لأنه لا يكون في زحام، وحتى يقطع الطريق، فيكون جمع بين المصلحتين، عندما يوجد زحام يكون السير بالسكينة وبالهدوء، وإذا وجد فرجة أسرع قليلاً، إسراعاً لا يضر، ولكنه ينفع، (كان يسير العنق)، وهو نوع من السير، (فإذا وجد فرجةً نص)، يعني: نوع من السير أشد وأسرع، يعني: من العنق.

[(حتى إذا دخل منى فهبط حين هبط محسراً)].

يعني: إذا وصل منى وهبط محسراً، ومحسراً: وادي، قيل: إنه يفصل بين منى ومزدلفة، وقيل: إنه من منى وليس من مزدلفة وليس فاصلاً، بل هو داخل في منى، والنبي صلى الله عليه وسلم كما مر في بعض الأحاديث: أنه أسرع لما جاء محسراً؛ ذلك لأنه موطن عذب فيه أهل الفيل، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الإسراع في أماكن التعذيب كما هنا، وكما في ذهابه إلى تبوك، حيث مر بديار ثمود كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه: (أسرع حتى تجاوز ديارهم)، أي: ديار ثمود صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، حتى إذا هبط الوادي.

قوله: [(قال: عليكم بحصى الخذف)].

يعني: أمرهم بأن يلتقطوا الحصى، وهذا يفهم منه أن اللقط كان من أرض منى، ولكن ما جاء في حديث الفضل بن عباس الذي تقدم، وأنه قال له: (التقط لي حصى)، ليس فيه إشارة إلى مكان الالتقاط، فيحتمل أن يكون من مزدلفة، ويحتمل أن يكون من منى.

والحاصل: أن الأمر في ذلك واسع، فالسبع الحصيات التي يرمي بها الجمرة يوم العيد، إن التقطها من أرض مزدلفة لا بأس، وإن التقطها من أرض منى لا بأس.

قوله: [(والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده)].

يعني: إلى نوع الحصى الذي يلتقطونه، وأنه [(كما يخذف الإنسان)]، يعني: مثل حصى الخذف، متوسط ليس بالصغير جداً، ولا بالكبير، فهو مثل الحصى الذي يوضع بين الإصبعين فيخذف به، لكونه ليس صغيراً جداً ولا كبيراً؛ لأنه فوق الحمص ودون البندق.

تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن العباس في الموضع الذي يلتقط منه حصى الرمي

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].

هو: عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.

[حدثنا يحيى].

هو: يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن جريج].

ابن جريج، قد مر ذكره.

[أخبرني أبي الزبير].

هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي معبد].

أبو معبد هو: نافذ مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن عباس عن الفضل].

عبد الله بن عباس والفضل بن عباس، وقد مر ذكرهما.

قدر حصى الرمي

شرح حديث ابن عباس في قدر حصى الرمي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قدر حصى الرمي.

أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثنا زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة العقبة، وهو واقف على راحلته: (هات القط لي، فلقطت له حصيات هنّ حصى الخذف، فوضعتهن في يده، وجعل يقول بهن في يده، ووصف يحيى تحريكهن في يده بأمثال هؤلاء)].

أورد النسائي قدر حصى الرمي، يعني: أنه مثل حصى الخذف؛ لأن هذه الترجمة تتعلق بالمقدار، وأنه قدر حصى الخذف الذي يرمى به بين الأصابع، وقد مر ذلك؛ لأنه أورده هنا من أجل بيان المقدار، وقبل ذلك ذكر من أجل الالتقاط.

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى حدثنا عوف].

هؤلاء كلهم مر ذكرهم.

[حدثنا زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس].

كل هؤلاء مر ذكرهم في إسناد سابق.

الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم

شرح حديث أم حصين في الركوب للجمار واستظلال المحرم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم.

أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته أم حصين رضي الله عنها أنها قالت: (حججت في حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرأيت بلالاً يقود بخطام راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر وهو محرم، حتى رمى جمرة العقبة، ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، وذكر قولاً كثيراً)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، الركوب إلى الجمار، يعني: ذهب إليها راكباً، وأن المحرم يستظل، يعني: يجعل على نفسه شيئاً يظلله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى جمرة العقبة راكباً، وبلال بن رباح يقود الراحلة، وأسامة بن زيد يظلله بثوب، يعني: يجعله عليه يمنعه من حرارة الشمس.

ففيه: الركوب في الذهاب إلى الجمرة، وكذلك استظلال المحرم، وأنه يستظل، وأن ذلك سائغ، فهو يستظل في الشيء الغير المتصل، لا يستظل بطاقية أو بشيء يغطي به رأسه، ولكنه يجعل شيئاً منفصلاً كالمظلة، وكالثوب الذي يوضع فوق، وكسقف السيارة، وكالخيمة، وما إلى ذلك مما يستظل به الإنسان، ويتخذه ظلالاً يمنعه من حرارة الشمس.

فالحديث مشتمل على الأمرين اللذين ترجم بهما، وهما: الركوب إلى الجمرة، واستظلال المحرم، والنبي صلى الله عليه وسلم ظلل حتى رمى الجمرة، ثم بعد ذلك خطب الناس، وقال قولاً كثيراً، في خطبته، كما قالت ذلك أم الحصين الأحمسية رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث أم حصين في الركوب للجمار واستظلال المحرم

قوله: [أخبرنا عمرو بن هشام].

عمرو بن هشام، وهو: الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا محمد بن سلمة].

هو: محمد بن سلمة الحراني الباهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والنسائي.

محمد بن سلمة اثنان: أحدهما في طبقة شيوخ النسائي، وهو: محمد بن سلمة المرادي، والثاني: محمد بن سلمة الباهلي الحراني، وهو من طبقة شيوخ شيوخه، وهو يروي عنه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ النسائي، فالمراد به المرادي المصري، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن سلمة، فالمراد به: الحراني الباهلي.

[عن أبي عبد الرحيم].

أبو عبد الرحيم، وهو: خالد بن يزيد الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

[عن زيد بن أبي أنيسة].

زيد بن أبي أنيسة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن يحيى بن الحصين].

يحيى بن الحصين، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ومسلم.

[عن جدته أم الحصين].

جدته أم الحصين الأحمسية، وهي صحابية، أخرج حديثها مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث قدامة بن عبد الله: (رأيت رسول الله يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع حدثنا أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك)].

أورد النسائي حديث قدامة بن عبد الله رضي الله تعالى عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة راكباً، قال: [(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة راكباً على ناقةٍ له صهباء)]، وهذا فيه دليل على جواز الرمي عن ركوب، يعني: راكباً، كما أن الإنسان يرمي وهو قائم، فكذلك يرمي وهو راكب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة وهو راكب عليه الصلاة والسلام، وفي ركوبه عليه الصلاة والسلام بيان للناس؛ لأنهم يتمكنون كلهم من مشاهدته ومعاينته عليه الصلاة والسلام، فيعرفون منه كيفية الرمي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان بارزاً للناس، يرونه، وهو يرمي الجمرات صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان ذلك في هدوء ليس فيه ضرب، ولا طرد، ولا مزاحمة، (ولا إليك إليك)، يعني: تنحى عن الطريق، أو تباعد، وإنما هدوء وسكينة ووقار، هكذا كان عليه الصلاة والسلام ومن معه من أصحابه الكرام.

تراجم رجال إسناد حديث قدامة بن عبد الله: (رأيت رسول الله يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[أخبرنا وكيع].

هو: وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أيمن بن نابل].

أيمن بن نابل، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[عن قدامة بن عبد الله].

قدامة بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

شرح حديث جابر: (رأيت رسول الله يرمي الجمرة وهو على بعيره ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة وهو على بعيره وهو يقول: يا أيها الناس! خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا)].

أورد النسائي: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو أنه: [(رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة وهو على بعير، ويقول: يا أيها الناس! خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا)]، وهذا من كمال نصحه عليه الصلاة والسلام، وحرصه على أن تكون أمته على محجة بيضاء، وعلى معرفة بأحكام دينها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رغبهم في أن يأخذوا المناسك عنه، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، معناه: يقتدون به في أفعاله، وكذلك يقتدون به في أفعاله في حجه، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، فيه تحريض لهم على أن يتلقوا عنه؛ لأنهم لما قيل لهم: أنه قد لا يلقاهم، معناه: أنه لا بد من حرصهم على تلقي ما يشاهدون في تلك الحجة، ولهذا قيل لهذه الحجة: حجة الوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)]، فقد ودع الناس عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يرمي الجمرة وهو على بعيره ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو: عمرو بن علي الفلاس، قد مر ذكره.

[حدثنا يحيى بن سعيد].

هو: يحيى بن سعيد القطان، وقد مر ذكره كذلك.

[حدثنا ابن جريج أخبرني أبي الزبير أنه سمع جابر].

وقد مر ذكرهم جميعاً.

وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر

شرح حديث: (رمى رسول الله الجمرة يوم النحر ضحى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر.

أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم الثقفي المروزي أخبرنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى بعد يوم النحر إذا زالت الشمس)].

أورد النسائي وقت رمي الجمرة، يعني: بيان الوقت الذي ترمى به الجمار، وأورد: حديث جابر، وهو: (أن النبي عليه الصلاة والسلام يوم العيد رمى الجمرة ضحى)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان في مزدلفة عند المسجد في المكان المعروف من مزدلفة إلى قرب طلوع الشمس، ثم مشى ووصل إلى الجمرة وقد احترت الشمس؛ ولهذا ظلل عليه بثوب عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك ضحى، وفي وقت الحرارة، واحترار الشمس.

وحديث جابر فيه: أنه رماها ضحى، والحديث الذي قبله: فيه أنه في وقت حرارة الشمس، وأنه قد ظلل عليه بثوب يستره عن الشمس صلى الله عليه وسلم، وهذا بالنسبة ليوم العيد.

ويوم العيد الوقت كله وقت للرمي، النهار من أوله إلى آخره، من طلوع الشمس إلى غروب الشمس كله وقت للرمي، وإذا لم يتمكن الإنسان من الرمي قبل الغروب فإنه يرمي بعد الغروب، ولا بأس بذلك؛ لأنه كله داخل في المساء، لكن كونه يرمي قبل الغروب، هذا هو الأولى، لا سيما واليوم كله وقت للرمي، فلا يكون في آخر النهار زحام، وإنما الزحام يكون في أول النهار، فالأمر في ذلك واسع.

وذكر أيضاً أن أيام التشريق الثلاثة كان يرمي بعد الزوال، وكان ينتظر الزوال، فإذا زالت الشمس رمى الجمرات الثلاث بدأً بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، ثم يذهب إلى مسجد الخيف، ويصلي بالناس صلاة الظهر عليه الصلاة والسلام، أي: أنه كان يرمي الجمار قبل صلاة الظهر، ولكن بعد دخول وقت الظهر، وحصول الزوال.

وكونه عليه الصلاة والسلام رمى الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاثة بعد الزوال، ولم يفعل ذلك قبل الزوال في يوم واحد من الأيام الثلاثة؛ حتى يبين أن ذلك غير جائز، أي: قبل الزوال دل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انتظر زوال الشمس ثلاثة أيام متوالية، حتى يوم التأخر الذي الناس تعجلوا، ولم يبق إلا من تأخر، انتظر الزوال حتى زالت الشمس، ورمى الجمرات صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو يدل على أنه لا يجوز تقديم الرمي الثلاثة قبل زوال الشمس، وإنما يكون الرمي بعد الزوال، وإذا لم يتمكن الإنسان من الرمي قبل الغروب، جاز له أن يرمي بعد الغروب يعني: في الليل.

تراجم رجال إسناد حديث: (رمى رسول الله الجمرة يوم النحر ضحى ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم الثقفي المروزي].

هو: محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم المروزي الثقفي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

[أخبرنا عبد الله بن إدريس].

هو: عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر].

وقد مر ذكرهم.

النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

شرح حديث ابن عباس في النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سفيان عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات يلطح أفخاذنا، ويقول: أبيني، لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس، والمقصود من ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الجمرة إنما ترمى بعد طلوع الشمس، والنبي صلى الله عليه وسلم رماها في الضحى كما مر في الحديث الذي قبل هذا.

وجاء في بعض الأحاديث عن الذين قدمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رموا قبل طلوع الشمس، فمن العلماء من حمل هذا النهي على الكراهة، وأن الأولى أن يكون الرمي بعد طلوع الشمس؛ لأنه جاء عن بعض أصحابه الذين قدمهم النبي صلى الله عليه وسلم للجمرة لمنى، أنهم رموا الجمرة قبل الصبح، قالوا: فهذا النهي يحمل على الكراهة، وأن الأولى هو أن يكون الرمي بعد طلوع الشمس، وأن الرمي إذا وجد قبل الطلوع، فإنه يصح، ولا يترتب عليه شيء؛ لأنه جاء فعله من بعض الصحابة الذين قدمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كبعض أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].

هو: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.

[حدثنا سفيان].

سفيان، وهو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن سفيان الثوري].

قد مر ذكره.

[عن سلمة بن كهيل].

سلمة بن كهيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الحسن العرني].

وهو: الحسن بن عبد الله العرني، وهو ثقة، أرسل عن ابن عباس، يعني: أن حديثه عن ابن عباس مرسل، يعني غير متصل، وعلى هذا، فالإسناد فيه انقطاع، لم يذكر الواسطة بينه وبين ابن عباس، لكن الحديث الذي بعده عن ابن عباس نفسه، يشهد له ويقويه، وإن كان أيضاً فيه من هو معروف بالتدليس والإرسال، لكن يمكن أن يقوي الطريقين بعضهما بعضاً، والحسن بن عبد الله العرني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[عن ابن عباس].

هو: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.

حديث ابن عباس في النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان عن حبيب عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم أهله، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس)].

أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، [(وأنه قدم أهله وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس)]، وهو مثل الذي قبله، يعني: يشهد للذي قبله، ويقويه.

قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].

هو: محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.

[حدثنا بشر بن السري].

بشر بن السري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سفيان].

هو: سفيان الثوري وقد مر ذكره.

[عن حبيب].

هو: حبيب بن أبي ثابت، يقول المزي: أظنه حبيب بن أبي ثابت؛ لأنه لم ينسب، وحبيب بن أبي ثابت كما عرفنا ثقة، كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عطاء].

هو: عطاء بن أبي رباح، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

وقد مر ذكره.

الرخصة في ذلك للنساء

شرح حديث: (أن رسول الله أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في ذلك للنساء.

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عطاء بن أبي رباح حدثتني عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع، فتأتي جمرة العقبة فترميها، وتصبح في منزلها)، وكان عطاء يفعله حتى مات].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في ذلك للنساء، يعني: رمي جمرة العقبة في الليل، قبل طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وأورد فيه حديث عائشة أم المؤمنين [(أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع)]، يعني في الليل.

قوله: [(فتأتي جمرة العقبة، فترميها، وتصبح في منزلها)]، معناه: أنها ترمي الجمرة قبل طلوع الفجر، وتصبح في منزلها الذي هو منزلها من منى، وهذا فيه الدلالة على جواز الرمي في الليل في حق من يقدم، وقيده النسائي هنا بالنسبة للنساء؛ لأن الحديث فيه ذكر أن الذي فعل ذلك إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام.

وعطاء بن أبي رباح الذي يروي الحديث قال: [كان عطاء يفعله حتى مات]، أي: أنه يفعل هذا الفعل الذي هو التقدم في آخر الليل، والرمي كهذا الرمي الذي رمته إحدى أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو: عمرو بن علي الفلاس، تقدم ذكره.

[حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى].

هو: عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي].

هو: عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي الثقفي، وهو صدوق يخطئ ويهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.

[عن عطاء بن أبي رباح].

هو: عطاء بن أبي رباح، وقد مر ذكره.

[حدثتني عائشة بنت طلحة].

وهي: بنت طلحة بن عبيد الله، أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

[عن خالتها عائشة].

هي: أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هنا في الإسناد [عن خالتها]، هل أمها أسماء؟ ما أدري من هي أمها؟ ولا أدري ما معنى هذه الخئولة؟ وهي طبعاً من قبيلتها؛ لأن أبا بكر تيمي، وطلحة تيمي، فهما من قبيلة واحدة، لكن هذه الخئولة لا أدري ما المقصود بها؟ هل هي خئولة نسب أو غير ذلك؟



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (باب التلبية في السير) إلى (باب الرخصة في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس للنساء) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net