إسلام ويب

العدل صفة بارزة في النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرز واضحة وجلية في قسمته لنسائه، فكان يقسم لكل واحدة منهن ليلة واحدة ينام عندها ويأكل عندها.

كتاب النكاح ذكر أمر رسول الله وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته

شرح حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب النكاح. ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته.

أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا جعفر بن عون أخبرنا ابن جريج عن عطاء أنه قال: (حضرنا مع ابن عباس رضي الله عنهما، جنازة ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم جنازتها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمانٍ وواحدة لم يكن يقسم لها)].

يقول النسائي رحمه الله: كتاب النكاح، النكاح في اللغة قيل: هو الضم والتداخل، وفي الشرع: يطلق على العقد وعلى الوطء، فيطلق عليهما جميعاً، فيأتي في نصوص الكتاب والسنة النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، فهو حقيقة في الاثنين يطلق على هذا ويطلق على هذا، لكن إطلاقه على العقد أكثر من إطلاقه على الوطء، ويقولون: إذا قيل: نكح رجل ابنة فلان أي عقد عليها وتزوجها، وإذا قيل: نكح زوجته فالمراد به الوطء، فيأتي في الكتاب والسنة ذكر النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، ومن الأمثلة الواضحة لإطلاق النكاح على العقد قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، فإنه قال هنا (نكحتم) ثم قال: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) يعني أطلق على العقد دون الوطء، وإن لم يكن معه وطء، ومن أمثلة إطلاقه على الوطء قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]؛ لأن هذا النكاح يراد به الوطء؛ لأن السنة قد جاءت ببيان أن المراد به الوطء كما جاء في حديث الصحابي أو (المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر كونها عند زوجٍ أول وأنه طلقها وبت طلاقها، وتزوجت من رجلٍ آخر وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب، وقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن ترجعي إلى فلان؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)، فبين عليه الصلاة والسلام أن المراد بالنكاح هنا الوطء وليس العقد، وأنه لا يكفي مجرد العقد بما يتعلق بتحليلها أو بحلها للزوج الأول الذي طلقها ثلاثاً.

والنسائي رحمه الله، أورد أول الأبواب باب يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وما خصه الله عز وجل به وما أكرمه الله عز وجل به، وفيه إظهار لفضيلته، فقال: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح الله له وحظره على غيره من الخلق تكريماً له وبياناً لفضيلته صلى الله عليه وسلم.

وقول النسائي رحمه الله في الترجمة: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح، ليس المقصود الأمر الذي هو الحث والترغيب، وواحد الأوامر بل هو واحد الأمور؛ لأن الأمر يجمع على أمور ويجمع على أوامر، وهنا من قبيل ما يجمع على أمور بمعنى الشأن، يعني شأن الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به، وليس المقصود الأمر الذي هو واحد الأوامر بمعنى حث وترغيب على النكاح؛ لأن هذا سيأتي له باب يخصه وهو الترغيب في النكاح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، هذا أمر من أحد الأوامر وهو قوله: (فليتزوج)، لكن الأمر في قوله: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه صلى الله عليه وسلم وما خصه الله تعالى به وحظره على غيره، هذا واحد الأمور وليس واحد الأوامر، ويأتي كثيراً في الكتاب والسنة ذكر الأمر يراد به واحد الأوامر، مثل قوله: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه:93]، يعني ما أمر به، وكذلك يأتي بمعنى واحد الأمور مثل الدعاء الذي فيه: يَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه:26]، يعني شأني.

فهنا قول النسائي: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح -يعني شأنه الذي هو واحد الأمور- وأزواجه، يعني وكونه انفرد عن غيره من الأمة بأن تزوج بعدد لا يحل لأحد في أمته أن يتزوج بمثل هذا العدد، فلا يجوز لأحد في هذه الأمة أن يزيد على الأربع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج إحدى عشرة امرأة مات منهن اثنتان في حياته عليه الصلاة والسلام، وهما خديجة أول زوجاته وزينب بنت خزيمة، والتسع الباقيات توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الإحدى عشرة امرأة أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فقد قال الله عز وجل: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات المؤمنين، أمومة دينية تتطلب الاحترام والتوقير والإكرام وليست هذه الأمومة من قبيل ما يتعلق بالنسب من جهة التحريم وما إلى ذلك، وإنما هي من جهة الحرمة والاحترام، وليس من جهة التحريم، وأنهن بمثابة الأمهات اللاتي ولدن، فالأمومة دينية، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، اللاتي تزوج بهن، وهن أمهات المؤمنين، إحدى عشرة، توفي في حياته اثنتان، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع رضي الله تعالى عن الجميع وهذه مرتبات على حسب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بهن: سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخرهن.

وما أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه إلا تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، أي أن الوصول إلى هذا العدد الذي هو إحدى عشرة، وكونه جمع بين تسع توفي عنهن، هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، وكون النبي عليه الصلاة والسلام، تزوج بهذا العدد، لذلك حكم منها وهو من أهمها: يعني مصاهرة عدد كبير من القبائل؛ ليكون بذلك المودة والعون على النصرة في الدين، وكذلك أيضاً لكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله وهناك أمور لا يطلع عليها إلا الزوجات، فشرع له هذا العدد حتى يحصل منهن تلقي سنته المتعلقة بالبيوت والتي تكون بين الرجل أهل بيته، فيكون في ذلك اطلاع أو وقوف على شيء لا يقف عليه سواهن، فأباح الله عز وجل لنبيه هذا العدد أو هذا التعدد الذي لم يبحه لغيره من أمته لهذه الحكم ولغيرها، وأورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أن عطاء بن أبي رباح قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بنت الحارث الهلالية إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر زوجاته اللاتي تزوج بهن، أي آخرهن زواجاً؛ لأنه لم يتزوج ميمونة، أحدا فحضروا جنازتها بسرف -وهو موضع قريب من مكة- ولما أرادوا أن يرفعوها قال: إذا رفعتموها [(فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها)]، يعني يريد بذلك الرفق بها وأنها محترمة في حياتها وبعد وفاتها، فإنه أرشدهم إلى أن يرفقوا بها، فلا ينزعوها بقوة وبشدة ولا يحركوها تحريكاً شديداً يحصل به اضطراب الجسد بسبب هذا التحريك وهذه الزعزعة، ومقصوده من ذلك هو الإشارة إلى الرفق والتوقير والتعظيم والاحترام لها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع، وكان يقسم لهن إلا واحدة لم يكن يقسم لها، والمقصود من ذلك: أن ميمونة واحدة من التسع، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع وهي من جملتهن، وهي من أمهات المؤمنين لها حق الاحترام والتوقير والتعظيم رضي الله تعالى عنها وأرضاها، (فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة)، ومن بينهن كما هو معلوم هذه المرأة التي هي ميمونة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا هو المقصود يعني من ذكر الحديث؛ لأنها من جملة هؤلاء التسع اللاتي كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لها حق التوقير والتعظيم والاحترام، وهذا هو مقتضى الأمومة الدينية الذي يتطلب توقيراً واحتراماً وتعظيماً ومحبة وترضياً وثناءً عليهن بما يليق بهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وقد حرم الله نكاحهن من بعده عليه الصلاة والسلام.

قوله: [(فكان يقسم لثمانٍ وواحدةٌ لم يكن يقسم لها)].

يعني من هؤلاء التسع وهن من عدا سودة بنت زمعة؛ لأنه جاء في الحديث الذي بعد هذا أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة، فكان يقسم لـعائشة نوبتها ونوبة سودة، وكل واحدة من الباقيات يعطيها نوبتها رضي الله تعالى عنهن أجمعين، فـسودة رضي الله عنها تنازلت وجعلت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فكان يقسم لثمان من التسع، والتي لا يحصل لها قسم هي سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج أكثر من أربع، وأن هذا من خصائصه، وهو مباح له تكريماً له، وإبانة لفضيلته، ولا يجوز لأحد من أمته أن يزيد على أربع، وهذا من الحكم في كونه تزوج الأربع الذي أشار إليه كون تكريماً له، وإبانة لفضيلته، لكن أيضاً مع ذلك ما ذكره أهل العلم مما أشرت إليه آنفاً، وهو كونه يصاهر عدداً كبيراً من القبائل، فيكون في هذه المصاهرة مصلحة في الدعوة، وفي تبليغ الرسالة، وفي تأييده ونصرته صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً فيه تكريم لهؤلاء الذين صاهرهم، ثم أيضاً ما يترتب على ذلك من تلقي السنن، ومعرفة الأشياء التي لا يطلع عليها إلا ربات البيوت، فيبلغن هذه السنن عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)

قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].

هو الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[عن جعفر بن عون].

صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن جريج].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عطاء].

هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا سفيان حدثني عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده تسع نسوة يصيبهن إلا سودة فإنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة)].

أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو في معنى ما تقدم من كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بهؤلاء التسع، والمقصود أنه توفي عنهن كما في كلام ابن عباس رضي الله عنه، وإلا فالزواج بإحدى عشرة، ولكن اللاتي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصيبهن إلا واحدة وهي سودة بنت زمعة التي وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ورضي الله تعالى عن أزواجه وعن الصحابة أجمعين. فكان يقسم لهؤلاء إلا سودة، فهذا الحديث فيه بيان المرأة التي ذكرت في الحديث الأول مبهمة، والتي كان لا يقسم لها فبين هذا الحديث أنها سودة بنت زمعة، والسبب في ذلك أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها.

وفي الحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه لكل واحدة يوم وليلة، وهذا هديه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أرفق؛ لأن اللقاء يكون متقاربا، بخلاف ما لو يكون عند المرأة عدد من الأيام، ثم يأتي إلى الثانية عدد من الأيام فإنه يطول الالتقاء بينهم، فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التيسير والتسهيل، وهو أنه كان يقسم لكل واحدة اليوم والليلة معاً ثم يذهب إلى الثانية.

تراجم رجال إسناد حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].

هو الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.

[عن ابن أبي مريم].

هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن سفيان].

هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عمرو بن دينار].

هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عطاء].

قد مر ذكره.

[عن ابن عباس].

قد مر ذكره.

شرح حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنساً رضي الله عنه حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة)].

أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذٍ تسع نسوة)، يعني معناه: أنه يطوف في الليلة الواحدة على تسع نسوة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يقسم لهن، وأن كل واحدة لها يوم وليلة، وهذا الحديث فيه أنه كان يطوف عليهن في الليلة وهن تسع، فكيف يوفق بين هذا وما تقدم من أنه كان يقسم لهن وأنه يكون لواحدة يوم وليلة وهنا فيه أنه يطوف عليهن في الليلة الواحدة وهن تسع رضي الله تعالى عنهن، وأجيب عن ذلك بأجوبة قيل: إنه كان برضاهن وأنه برضا صاحبة النوبة أنه يطوف على نسائه في ليلتها، وقيل غير ذلك من التعليلات، لكن هذا أقربها، وقيل: إنه كان يفعل ذلك؛ لأن القسم ليس واجباً عليه وإنما هو كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً إليهن جميعاً، ومن العلماء من قال: إنه لم يكن واجباً عليه ومنهم من قال: كان واجباً عليه، فيكون هذا القسم امتثالاً لما هو واجب عليه، والفريق الثاني يقول: إنه ليس واجبا ولكنه مع ذلك كان يقسم إحساناً إليهن وإدخالاً للسرور عليهن جميعاً، وإن كان ذلك غير واجب عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].

هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[عن يزيد وهو ابن زريع].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن زريع هذه أتى بها النسائي أو من دون النسائي؛ لأن مثل هذه الجملة يؤتى بها لتوضيح الشخص؛ لأن تلميذه ما زاد على كلمة: يزيد، لكن من دون التلميذ أضاف كلمة: ابن زريع، وأتى قبلها بهو حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، ولكنها جاءت ممن دونه من أجل الإيضاح والبيان لهذا الذي أهمل فلم ينسب فذكر النسبة؛ لأنه لو أتى بها بدون هو لظن أن هذا لفظ التلميذ، وأن التلميذ نسب شيخه في هذا الإسناد، لكن أتي بكلمة هو حتى يتبين أنها ليست من التلميذ وأن التلميذ اقتصر على الاسم فقط، وأن من دون التلميذ زاد هذه النسبة وأتى بهذا اللفظ حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ وهذا فيه الدقة والاحتياط في النقل.

[عن سعيد].

هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة يدلس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن قتادة].

هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أنس].

هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقول: أو تهب الحرة نفسها؟ فأنزل الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم)، تغار عليهن يعني تكره منهن مثل هذا الصنيع، وتعيب عليهن في ذلك وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني تريد بذلك عيب هذا العمل وأنه ما كان ينبغي لهن ذلك، وهي تريد الحظوة به صلى الله عليه وسلم وألا تكثر مشاركة غيرها له صلى الله عليه وسلم، فكانت تعيب على من تأتي تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الواهبات معذورات في ذلك وحق لهن أن يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن يردن أن يحصلن شرفاً عظيماً في أن يكن من أزواجه وأن يكن من أمهات المؤمنين، فالمرأة إذا وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم أو رغبت بأن يتزوجها رسول الله وعرضت نفسها على رسول الله فهي تريد الخير وتريد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد أن تكون من أمهات المؤمنين فهي معذورة إذا فعلت ذلك، وهذا الذي تطلبه شرف عظيم لها، لكن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تغار وتعيب ذلك عليهن وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني معناه أن هذا شيء لا ينبغي، وأن هذا شيء معيب، لكن كونها تهب نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم هذا شيء عظيم وشرف كبير إذا حظيت به المرأة فقد حظيت بالخير الكثير والنفع العظيم والقرب من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان بعض النساء يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما أرى الله يسارع إلا في هواك)، يعني الشيء الذي يعجبك وترتضيه الله تعالى يعجل لك الشيء الذي فيه تحقيق رغبتك، هذا هو معنى كلام عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي هذا دليل على أن الآية وهي قوله: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ [الأحزاب:51] يراد بها الواهبات، يعني اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أن يأخذ منهن من يريد وأن يترك من يريد، وله أن يترك ما يريد، تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ [الأحزاب:51]، أي من الواهبات أنفسهن لك، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، يعني إذا شئت أن تؤوي إليك أحداً من الواهبات وتتزوجها فلك ذلك، وإن شئت أن ترجي وتؤخر فلك ذلك، فكانت عائشة رضي الله عنها تعيب على من تهب نفسها، ولما أنزل الله عز وجل هذه الآية التي فيها أنه يأخذ من يشاء من الواهبات ويترك من يشاء من الواهبات، قالت هذه المقالة وهي أن الله تعالى أكرمه بأن يؤوي من يشاء إليه فيتزوجها ويرجي من يشاء منهن فلا يتزوجها، وقيل: إن المقصود بالضمير في (منهن) أنه يرجع إلى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يقسم لمن شاء منهن ويترك من شاء، وأن القسم ليس واجباً عليه، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً منه إلى زوجاته، ومن العلماء من قال: إنه لا مانع أن تشمل الآية الأمرين: تشمل ما يتعلق بالواهبات وأن الرسول له أن يأخذ منهن ما يشاء ويترك ما يشاء كما دل عليه حديث عائشة هذا، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن له أن يرجي منهن من يشاء، ويؤوي منهن من يشاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].

ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

[عن أبي أسامة].

هو أبو أسامة حماد بن أسامة، وافقت كنيته اسم أبيه، فكنيته أبو أسامة وأبوه أسامة، ومن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه لئلا يظن التصحيف فيما لو جاء حماد أبو أسامة وهو مشهور بـحماد بن أسامة، فإن كل ذلك صحيح، إذا جاء حماد بن أسامة فهو صحيح وإن جاء حماد أبو أسامة فهو صحيح، ومن كان يعرف أنه حماد بن أسامة، ولا يعرف أنه أبو أسامة، لقال: أبو مصحفة من ابن لكن من يعرف الحقيقة لا يظن هذا الظن؛ وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن هشام بن عروة].

ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المعروفين بهذا اللقب في عصر التابعين، وهم عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهؤلاء ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

[عن عائشة].

هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة والمناقب الجمة، وهي التي رميت بالإفك وأنزل الله عز وجل براءتها في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابيات رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة رجال وامرأة واحدة وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

شرح حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله، فرى في رأيك، فقام رجل فقال: زوجنيها، فقال: اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً ولا خاتماً من حديد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمعك من سور القرآن شيء؟ قال: نعم، قال: فزوجه بما معه من سور القرآن)].

أورد النسائي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه في قصة إحدى الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، والنسائي رحمه الله لما ذكر الحديث الذي قبله وفيه ذكر الواهبات وأن عائشة كانت تغار وتعيب عليهن هبتهن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، عقب بذلك بهذا الحديث الذي فيه ذكر خبر واحدة من الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول عليه الصلاة والسلام، وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أنا في القوم، يعني في القوم الذين في مجلسه صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة وقالت: إني وهبت نفسي لك يا رسول فرى في رأيك، يعني الذي تراه فيَّ افعله، وهي قد بذلت نفسها ووهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم تريد أن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتحصل الشرف، والمنقبة، والفضل العظيم الذي حظيت به واختصت به أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، والحديث هنا مختصر فالرسول صلى الله عليه وسلم صوب فيها النظر وخفضه ثم سكت فتكلم رجل من القوم وقال: (زوجنيها يا رسول الله)، فسأله هل عنده شيء يدفعه مهراً لها؟ فقال: لا، ثم قال له: (التمس ولو خاتماً من حديد) يعني ابحث عن شيء ولو كان قليلاً حتى ولو كان خاتماً من حديد، فذهب وجاء ولم يجد حتى الخاتم من حديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله: (هل عندك شيء من سور القرآن؟ فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا فزوجه إياها بما معه من القرآن)، أي على أنه يعلمها هذه السور ويكون هذا العمل هو مهرها؛ لأنه تكلف هذا العمل الذي هو تعليمها ويكون بذلك مهرها، والمقصود من ذلك أن المهر مطلوب وأنه لا بد منه، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إليه ولو كان شيئاً يسيراً وأنه إذا لم يوجد فيمكن أن ينتقل إلى شيء يقوم مقامه من عمل يقوم به فيه مصلحة للزوجة تعود منفعته عليها وعلى أهلها، فهنا سأله عن شيء من القرآن معه، فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا، فكان مهرها أن يعلمها شيئاً من القرآن الذي عنده.

والمقصود من هذا الحديث: ذكر هبة النساء أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يأخذ من شاء منهن ويترك، وهذه ممن تركها ولم يحقق رغبتها، ثم حصلت هذه المحاورة بينه وبين ذلك الرجل من الصحابة حتى انتهى الأمر إلى تزويجه إياها بأن يمهرها تعليمها شيئاً من القرآن، وليس المقصود من ذلك أنه زوجها إياه بدون مهر تكريماً له لأن عنده شيء من القرآن، فإن كونه يحمل شيئاً من القرآن هذا شيء يعود إليه وشيء نفعه له، ولكن المقصود النفع الذي يتعدى إليها والمصلحة التي ترجع إليها وهي كونها تعلم ويحبس نفسه شيئاً من الوقت لتعليمها، ولكونها تكون على علم بشيء من القرآن لم تكن تعلمه، فهو يدل على أن المهر لا بد منه ولو كان بالشيء اليسير، ويدل على أنه إذا لم يوجد المال فإنه يمكن الانتقال إلى شيء يقوم مقام المال من تحصيل منافع وأعمال يقوم بها الزوج للزوجة يكون بذلك العمل الذي عمله وهو تدريسه إياها وتعليمه إياها شيئاً من القرآن مهراً لها.

تراجم رجال إسناد حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].

هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.

[عن سفيان].

هو ابن عيينة المكي، وقد مر ذكره.

[عن أبي حازم].

هو أبو حازم سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن سهل بن سعد].

هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا هو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فإن كلاً منهما يكنى بأبي العباس، وحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - باب ذكر أمر الرسول في النكاح وأزواجه وما أباح الله لنبيه وحظره على خلقه للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net