إسلام ويب

خص الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام بأمور وأحكام في أمور الزواج، من ذلك تخيير نسائه بين البقاء معه والدار الآخرة، وبين الدنيا وزينتها، وأبيح له من النساء ما شاء حتى نزل عليه تحريم الزيادة، وهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام.

ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربةً إليه

شرح حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربة إليه.

أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي عن معمر عن الزهري حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، قالت عائشة: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، قالت: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [الأحزاب:28]، فقلت: في هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة)].

يقول النسائي: ما افترض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله بذلك قربة عند الله عز وجل، ذكر الافتراض في الترجمة غير واضح من حيث أن ما ذكر مفروض عليه، وأنه واجب عليه؛ لأن الذي ذكر تحت هذه الترجمة هو: كونه أحل الله له من النساء ما شاء، وأنه لم يمت حتى أحل له من النساء ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والافتراض غير واضح في ذلك، ثم تخيير المرأة بين البقاء عند زوجها وبين فراقه ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام، بل يجوز للإنسان أن يخير امرأته بين أن تبقى معه، وبين أن يفارقها، ولكن الذي اختص به عليه الصلاة والسلام هو ما أنزل الله عز وجل عليه من القرآن في تخيير نسائه، وكونه خيرهن بين أن يبقين بعصمته مع عدم السعة في الرزق، وأن يفارقهن إذا كن يردن الدنيا وزينتها، فاخترن البقاء معه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو إذا أُريد من هذه الناحية أنه اختص بهذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فله وجه، وإلا فإن الأحاديث التي وردت في الباب ليست من قبيل الافتراض، وإنما هي من قبيل الإباحة له صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز له أن يتزوج من النساء ما شاء، ولم يكن ذلك مفترضاً عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها في التخيير، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، فبدأ بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها وخيرها، ثم خير نساءه بعدها، والكل اختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة، وهو دال على فضلهن جميعاً، ونبلهن جميعاً، حيث آثرن البقاء مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان العيش قليلاً، وليس هناك سعة في المآكل والمشارب، لكنهن آثرن الله عز وجل والدار الآخرة، وصبرن في الدنيا على ما يحصل لهن من قلة ذات اليد، والله تعالى يثيبهن على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.

وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، لما خيرها الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ بها، قبل أن يذكر لها التخيير مهد لذلك بتمهيد وقال: [(إني ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك)]، يعني: تستشيريهما، وتحصل منك طلب مشورتهما، ولعل النبي عليه الصلاة والسلام مهد بهذا التمهيد لكونها شابة، وصغيرة، وقد يكون عندها شيء من التطلع إلى الدنيا وزينتها، فأراد أن تأخذ برأي الأكابر، وقد قالت رضي الله عنها وأرضاها: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، فعندما خيرها قالت: [إنها تختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة]، أي: الجانب الثاني من التخيير؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، فهذا تخيير، وهذا أحد الشيئين المخير فيهما، فاختارت الشيء الثاني: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:29]، فهي قالت: أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة، يعني: كما جاء في القرآن، فكان التخيير بين شيئين: الدنيا وزينتها مع فراقه عليه الصلاة والسلام، والله عز وجل والدار الآخرة مع البقاء في عصمته عليه الصلاة والسلام، فاختارت الله، ورسوله، والدار الآخرة، وهذا يدل على فضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها مع صغر سنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمرها ثماني عشرة سنة، وكان التخيير قبل ذلك وسنها صغير، ولكن لفضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها اختارت الرسول صلى الله عليه وسلم، والبقاء في عصمته، والصبر على ما يحصل من قلة ذات اليد؛ رجاء ما عند الله عز وجل والدار الآخرة، ثم ما يترتب على البقاء في عصمته من تلقي السنن، ومعرفة الأحكام الشرعية لا سيما المتعلقة بالبيوت، والتي لا يطلع عليها إلا الأزواج، وخاصة الأمور التي تجري بين الرجل وأهله مما لا يعرفه إلا النساء، ولا يطلع عليه إلا النساء، فكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها من أوعية السنة، وكانت حافظة للسنن، وروت الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مثلما روت، كثرة، وسعة، وشمولاً رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فاختارت الله عز وجل، ورسوله، والدار الآخرة، وكذلك غيرها من زوجات الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهن أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين

قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري].

هو المشهور بـالذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

[حدثنا محمد بن موسى بن أعين].

صدوق، أخرج له البخاري، والنسائي.

[حدثنا أبي].

هو موسى بن أعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[عن معمر].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبو سلمة].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.

[عن عائشة].

هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة، والمناقب الجمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كان الذين عرفوا بالكثرة من أصحابه سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم لدلالتهم الأمة

ومن المعلوم: أن من روى عن النبي عليه الصلاة والسلام سنناً وحفظها عنه، وأداها إلى من بعده، فإن له مثل أجور كل من عمل بهذه السنن إلى يوم القيامة؛ لأنه كان سبباً في وصول هذا الخير إليهم، وفي معرفة هذا الحق والهدى، ولهذا فإن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فدلهم على كل خير، وحذرهم من كل شر، وله عليه الصلاة والسلام أجور أعماله، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على هدى فله مثل أجر فاعله)، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه درجات ورفعة في الدرجات، فعليه أن يتابع الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعمل بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم الله عز وجل يثيبه على عمله، ويثيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما أثابه؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وعلى هذا الخير، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وأوفر الناس حظاً ونصيباً بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين تلقوا السنن عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وكانوا الواسطة بين الناس وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يعرف الناس الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، وكل حق وهدى إنما وصل إلى الناس عن طريقهم، فالقرآن ما عرف إلا عن طريق الصحابة، والسنن والأحاديث ما عرفت إلا عن طريق الصحابة، فكل صحابي روى حديثاً أو أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أي إنسان عمل بهذه السنن التي رواها ذلك الراوي من الصحابة، فإن الله تعالى يثيب ذلك الصحابي مثل أجور كل من عمل بهذه السنن التي تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشرها وأعطاها لغيره، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، هي الصحابية الوحيدة التي روت الآلاف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلها أجور أعمالها، ولها مثل أجور كل من عمل بالسنن والأحاديث التي وردت عنها، ومن طريقها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم، وتميزهم على غيرهم.

شرح حديث: (قد خير رسول الله نساءه أو كان طلاقاً؟)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قد خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أو كان طلاقاً؟)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه)]، وهو يتعلق بالحديث الذي قبله، من حيث التخيير ودليل التخيير، لكن هذا الحديث يدل على أن هذا التخيير الذي حصل لهن، واخترن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لم يكن طلاقاً؛ وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها، لكن بعض أهل العلم قال: إنها إذا خيرها بين البقاء وعدم البقاء فاختارت نفسها، فإنها تكون بائناً، وإذا اختارت زوجها، فإنها تكون طلقة رجعية، وهذا ليس بصحيح، بل الأمر كما جاء في هذا الحديث، فإذا اختارت المرأة زوجها فليس بطلاق، إذا قال لها: اختاري أن تبقي أو لا تبقي؟ فقالت: اختار أن أبقى، فالعصمة باقية على ما هي عليه، وما حصل طلاق حتى يحصل مراجعة، وعلى هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه فاخترن البقاء معه، فبقين في عصمته وما كان طلاقاً؛ لأن بقاءهن معه يحتاج إلى رجعة لو كان طلاقاً، ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم راجعهن بعد أن اخترنه، فدل هذا على أنه ليس هناك طلاق، ولهذا قالت عائشة: (أو كان طلاقاً؟) أي: فلم يكن طلاقاً، حيث اخترنه عليه الصلاة والسلام، وإنما يكون كذلك لو اختارت المرأة نفسها.

تراجم رجال إسناد حديث: (قد خير رسول الله ساءه أو كان طلاقاً؟)

قوله: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري].

ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا غندر].

هو لقب لـمحمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يأتي بلقبه كما هنا، ويأتي باسمه كثيراً، فيقال: محمد بن جعفر، ويأتي كثيراً غير منسوب إذا كان الراوي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار، فهو يروي عن شعبة، ويأتي غير منسوب، فيكون المراد به: غندر هذا، ويأتي ذكره باسمه وذكره بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه مرة، ثم ذكر بلقبه مرة أخرى، فإن من لا يعرف أن هذا لقب لفلان يظن أن غندراً شخص، وأن محمد بن جعفر شخص آخر، لكن من عرف أن محمد بن جعفر يلقب غندر، فسواءً جاء في الإسناد محمد بن جعفر أو جاء غندر، فإن من يعرف ذلك لا يلتبس عليه الأمر، وإنما يلتبس الأمر على من لا يعرف ذلك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا شعبة].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أرفع صيغ التعديل وأعلاها، كون الشخص يوصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، هذا لقب رفيع، ووصف عال لم يظفر به إلا القليل من المحدثين، منهم: شعبة هذا، وسفيان الثوري، والدارقطني، والبخاري، وإسحاق بن راهويه، وعدد من المحدثين وصفوا بهذا اللقب، فـشعبة بن الحجاج الواسطي لقب بهذا اللقب، وهو دال على علو منزلته، وضبطه، وإتقانه رحمة الله عليه.

[عن سليمان].

هو غير منسوب، وهو سليمان بن مهران الكاهلي، ولقبه: الأعمش، يأتي في بعض الأسانيد الأعمش، وفي بعضها سليمان، وكثيراً ما يكون غير منسوب كما هنا، وهو: الأعمش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال فيه ما قيل في غندر الذي ذكر بلقبه، وهنا ذكر الأعمش باسمه.

[سمعت أبا الضحى].

هو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن مسروق].

هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)].

أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)]، يعني: لما اخترن الرسول عليه الصلاة والسلام بقين في عصمته، فلم يكن هناك طلاق، والرواية السابقة، (أو كان طلاقاً)، يعني: أنه لم يحصل، وهنا قالت: [(فاخترناه فلم يكن طلاقاً)]، وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها عندما تخير، لكن كونها تختار زوجها، فالأمور باقية على ما هي عليه، ما حصل شيء جديد.

تراجم رجال إسناد حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

[حدثنا عبد الرحمن].

هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، من أئمة الجرح والتعديل، وكذلك عمرو بن علي الفلاس من أئمة الجرح والتعديل، وحديث عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن سفيان].

هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ثقة فقيه، معروف بالفقه، والحديث، ووصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها كما مر عند ذكر شعبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن إسماعيل].

هو ابن أبي خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الشعبي].

هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يؤثر عنه في الرافضة قوله: إن الرافضة فاقوا اليهود والنصارى بخصلة، فاليهود لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، والنصارى لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد، وهذا الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه، قاله رافضي في قصيدة سيئة مملوءة من الوقاحة، والخبث، والذم، والعيب لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهي قوله في قصيدته:

أهم خير أمة أخرجت للناسهيهات ذاك بل أشقاها

هيهات ذاك، يعني: هذا لا يكون، بل أشقاها، أي: أشقى أمة أخرجت للناس، يقصد بذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فهذا الخبث المتناهي، وهذه الوقاحة وهذه الخسة، وهذا الحقد الدفين على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين هم خير القرون، لا يصدر إلا من قلب ممتلئ بالخبث، والخسة، والسوء والعياذ بالله.

[عن مسروق عن عائشة].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حفظناه من عمرو عن عطاء قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل له النساء)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام ما مات حتى أحل له النساء)]، يعني: أن يتزوج من النساء ما شاء، قالوا: والمقصود بذلك قوله: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، وقالوا: إنها ناسخة للآية التي بعدها: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب:52]، فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه يتزوج ما شاء من النساء من غير قيد بعدد، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يزد على التسع اللاتي كن في عصمته رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن اللاتي توفي عنهن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الله قد أباح له ذلك، ولم يحرم عليه، وكان قد منع من ذلك، وقيل له: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الأحزاب:52]، ثم قالوا: فنسختها الآية التي قبلها وهي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، فلم يبق المنع على ما كان عليه، بل رفع المنع، وأبيح للرسول صلى الله عليه وسلم الزواج كيف شاء، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي على ما كان عنده من النساء التسع اللاتي مات عنهن صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.

[عن سفيان].

هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عمرو].

هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عطاء].

هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[قالت عائشة].

وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا وهيب حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه قولها: [(ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)]، يعني: رفع عنه المنع الذي كان قد حصل، وأبيح له أن يتزوج ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من خصائصه التي اختص بها دون غيره من سائر الأمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

هو المخرمي، وهو بالراء المشددة المكسورة، وقد ذكر هذا الصنعاني في تهذيب الأنساب، وأورده ابن الأثير في اللباب في تهذيب الأنساب، وقال: إنها نسبة إلى محل ببغداد، والمخرمي هذا بغدادي، وينسب إلى بغداد، فيقال: البغدادي، ففي اللباب في تهذيب الأنساب ذكر أن هذه النسبة المخرمي هي بكسر الراء المشددة إلى محلة ببغداد، فهو بغدادي مخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا أبي هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي].

محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي عندما روى الحديث عن أبي هشام لم يزد على الكنية، فقال: عن أبي هشام، فجاء النسائي أو من دون النسائي وأرادوا أن يوضحوا من هو أبو هشام هذا؟ فذكروا أنه المغيرة بن سلمة المخزومي، فأتوا بكلمة هو، (وهو): المغيرة بن سلمة المخزومي؛ حتى يعرف بأن هذه الزيادة التي بعد (هو) ليست من التلميذ الذي هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وإنما هي من النسائي الذي روى عنه أو ممن دونه ولو قال: عن أبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي؛ لفهم أن هذا كلام التلميذ، لكن لما جاءت (هو) عرف أن هذا ليس من كلام التلميذ، وإنما هو من كلام من دون التلميذ، وهذا يدل على دقة علماء الحديث في التعبير، والإتيان بالألفاظ التي تدل على الاحتياط، والتوقي، والورع، وأن الواحد منهم يوضح ويبين ما فيه لبس، دون أن يغفل أو يخلي المقام مما يوضح أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، بل هي ممن دون التلميذ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

[حدثنا وهيب].

هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا ابن جريج].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عطاء].

هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبيد بن عمير].

هو عبيد بن عمير الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

هي أم المؤمنين وقد مر ذكرها.

الحث على النكاح

شرح حديث عثمان: (من كان منكم ذا طول فليتزوج ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحث على النكاح.

أخبرنا عمرو بن زرارة حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة قال: كنت مع ابن مسعود وهو عند عثمان رضي الله عنهما، فقال عثمان: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فتية، قال أبو عبد الرحمن: فلم أفهم فتية كما أردت، فقال: من كان منكم ذا طول فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لا فالصوم له وجاء)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: (الحث على النكاح)، أي: الحث والترغيب، والحظ عليه، والأمر به، وأورد النسائي في هذا حديث عثمان رضي الله عنه: أنه لقي عبد الله بن مسعود فقال عثمان: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتية، قال أبو عبد الرحمن: ولم أفهم فتية كما أردت)]، فهو ما ضبط هذه الكلمة، وهل هي فتية أو لفظ آخر قريب منها، ومعنى فتيان: جمع فتى، لكن المقصود: أن هذه الكلمة ما ضبطها بهذا اللفظ، فعنده تردد هل هو بهذا اللفظ أو بلفظ قريب منه، أو بلفظ يؤديه؟ هذا هو المقصود من قول النسائي في هذه الجملة الاعتراضية التي جاءت في أثناء الحديث قوله: [(لم أفهم فتية كما أردت)].

قوله: [(فقال: من كان منكم ذا طول)]، يعني: من كان ذا سعة، [(فليتزوج)]، يعني: من كان قادراً على الزواج لوجود الأشياء التي توصل إليه وهي: المال، هذا محل الشاهد؛ ولهذا جاء في القرآن: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فالطول هو: السعة والقدرة المالية التي بها يستطيع الإنسان أن يتزوج.

قوله: [(من كان ذا طولٍ فليتزوج)]، وهذا فيه ترغيب في الزواج، وحث عليه، [(فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر)]، قوله: [(فإنه)]، أي: الزواج، أو حصول الزواج يكون فيه هذه الفوائد، [(فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر)]، يعني: يكون فيه الإحصان والعفة، وكون الإنسان تنكسر فيه الشهوة، ويسلم من تبعتها، [(وأغض للبصر)]، يعني: كون الإنسان يغض بصره؛ لأنه استغنى بالحلال، ففيه فائدتان من فوائد النكاح والزواج جاء ذكرهما في هذا الحديث: كون فيه إحصان للفرج، ومنع له من أن يقع في فاحشة؛ لأنه حصل له ما يريد من المتعة، وقضاء الوطر، وأغض للبصر أيضاً كذلك حتى لا تتشرف العيون، وتقع في الأمر المحرم الذي هو بريد ووسيلة إلى المحرم كما جاء في الحديث: (العين تزني وزناها النظر)، وهذه من جملة الفوائد.

والنكاح فيه فوائد كثيرة، منها هاتان الفائدتان، ومنها: حصول كثرة النسل، فقد رغب وقد أشار إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: [(تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم)]، فهذا فيه تحصيل هذه الفائدة، وهذه المصلحة الكبيرة، والمصلحة العظيمة.

قوله: [(ومن لا فالصوم له وجاء)]، يعني: ومن لا يكون قادراً، ولا يكون ذا طول، [(فالصوم له وجاء)]، يعني: أرشده عليه الصلاة والسلام إلى الصوم؛ لأن الصوم يضعف قوة الشهوة؛ لأن الغالب أن الشهوة تأتي مع كثرة الأكل، وكثرة التنعم، والتلذذ بمتع الدنيا، فإن هذا من الأسباب التي تؤدي إلى الشهوة وإلى قوة الشهوة، وقد تكون قوة الشهوة مع عدم وجود هذه التمتع، ولهذا رسول الله عليه الصلاة والسلام أعطي من القوة في الجماع ما لم يحصل لأحد، وهو مع ذلك ليس من أهل الأكل والتنعم في الدنيا، وكثرة الأكل والتمتع، لم يكن كذلك، بل كان رزقه كفافاً، وكان يمضي الشهر وليس في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والماء، وأحياناً التمر غير موجود، كما جاء في بعض الأحاديث: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها جاءتها امرأة معها ابنتان لها، فلم تجد إلا تمرتين، فشقت بينهما واحدة، ثم شقت الثانية بينهما ولم تأكل، يعني: أنه شيء قليل، فما استطاعت أن تعطيها شيئاً؛ لأنها ما وجدت في البيت شيئاً.

حكم الاستمناء

فالحاصل: أن الأكل والتنعم سبب في قوة الشهوة، ولهذا أرشد إلى الصيام؛ لأن الصيام فيه امتناع عن الأكل، وامتناع عن التمتع بهذه المتع التي تورث قوة الشهوة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الصوم، ويكون هذا الصوم فيه قربة إلى الله عز وجل، وفيه تحصيل هذه المصلحة التي هي كسر الشهوة، وعدم وجود ما يدفع إلى التفكير بإفراغها بأي وسيلة تكون، قال بعض أهل العلم: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: [(فعليه بالصوم)] تحريم الاستمناء؛ لأنه لو كان ذلك سائغاً لأرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه أرشد إلى الصوم ولم يرشد إلى الاستمناء، فدل على أنه لا يجوز، ومن أوضح الأدلة على عدم جوازه وتحريمه القرآن؛ لأن الله عز وجل قال: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ))[المؤمنون:5-7]، فدلت الآية الكريمة على أن كل شيء وراء الزوجة وملك اليمين عدوان، ويدخل في ذلك الاستمناء، ((فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ))[المؤمنون:7]، فكل شيء غير الزوجة وملك اليمين فيه إفراغ الشهوة فهو من العدوان، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الصوم الذي يكون به قطع أو منع القوة، لكون الإنسان يمتنع من الأكل والشرب، فيكون عنده شيء من الضعف الذي يؤدي إلى ضعف قوة الشهوة التي تكون في الإنسان، (ومن لا فالصوم له وجاء)، يعني: بمثابة الخصاء؛ لأن الوجاء أو الوجء منه قطع الخصيتين: أو ربط الخصيتين، حتى يكون الإنسان ليس له حاجة للنساء، فيكون هذا الصوم جاعلاً الإنسان بهذه الطريقة، وبعض العلماء قال: يستدل بهذا الحديث على أنه إذا وجد أدوية فيها تقليل الشهوة، وإضعاف الشهوة، أن ذلك سائغ، لكن هذا الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أولى وأفضل؛ لأنه فيه جمع بين القربة الذي هو: الصوم، والعلاج الذي يكسر حدة الشهوة، وإذا كان ذلك الدواء الذي يستعمل يؤدي إلى قطع الشهوة نهائياً، فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه قد يحتاج إلى الزواج، ويكون عنده قدرة، فلا يتمكن من ذلك؛ لأنه قضى على هذه الوسيلة في نفسه.والحديث جاء في بعض الروايات أن له سبباً في التحديث به، وهو: أن عثمان

لقي عبد الله

وخلى به، وقال: ألا نزوجك جارية أو فتاة تذكرك ما مضى يعني: في شبابك، فحدث بهذا الحديث، وفي بعض الأحاديث أن الذي حدث به عثمان

كما هنا، وفي بعضها أن الذي حدث به عبد الله بن مسعود

رضي الله عنه، كما سيأتي في الطرق الأخرى أو الأحاديث الأخرى.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان: (من كان منكم ذا طول فليتزوج ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].

ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.

[حدثنا إسماعيل].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور: بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا يونس].

هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي معشر].

هو زياد بن كليب، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

[عن إبراهيم].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً غير منسوب ويقال: إبراهيم، لا سيما إذا كان يروي عن أصحاب ابن مسعود.

وقد ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد: أن إبراهيم النخعي هو أول من عبر بالعبارة المشهورة عند الفقهاء: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه. مثل: الجراد، والذباب، أي: الشيء الذي ليس فيه دم، إذا مات في ماء، فإنه لا ينجسه، وهي عبارة مشهورة عند الفقهاء، ما لا نفس له سائلة يعني: دم النفس، ويستدلون على ذلك بحديث الذباب، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أن الذباب إذا وقع في الإناء أنه يغمس، (فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء)، وهو عندما يقع ينزل الجناح الذي فيه الداء، فالرسول أمر بغمسه حتى يأتي الشفاء مع الداء فيزيله، قالوا: هذا الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من غمسه، قد يكون الماء حاراً، وينتج عن غمسه في الحال أن يموت، ومع ذلك الرسول أمر باستعماله، فلو كان ما لا نفس له سائلة ينجس الماء إذا مات فيه ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غمسه وإلى استعماله بعد غمسه فيه، هذه العبارة المشهورة قال ابن القيم في زاد المعاد: وأول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، فقال: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.

[عن علقمة].

هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عثمان].

هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما، أمير المؤمنين، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وثالث الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، الذي أخبر عنه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أنه تستحي منه الملائكة، وكان من أجواد الصحابة، وكان يصرف ما عنده من المال في سبيل الله عز وجل، وهو الذي جهز جيش العسرة، وهو جيش غزوة تبوك بثلاثمائة بعير عليها أقتابها وأحمالها، صرف ذلك في سبيل الله رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أطول الخلفاء الراشدين عمراً؛ لأنه مات وعمره فوق الثمانين، والخلفاء الراشدون الثلاثة أبو بكر، وعمر، وعلي، كل واحد منهم مات وعمره ثلاث وستون سنة، مثل عمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن خالد حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة: (أن عثمان قال لـابن مسعود رضي الله عنهما: هل لك في فتاة أزوجكها؟ فدعا عبد الله علقمة، فحدث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم فإنه له وجاء)].

أورد النسائي الحديث (أن عثمان رضي الله عنه قال لـابن مسعود: هل لك في فتاةٍ أزوجكها؟ فدعا علقمة)، وجاء في بعض الروايات: (أنه خلى به)، ليعرض عليه هذا الزواج، فلما رأى ابن مسعود رضي الله عنه، أن هذا الذي خلى به من أجله هو هذا العرض، دعا علقمة وأشار إليه بأن يأتي ليسمع الحديث الذي يحدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو قوله: [(من استطاع منكم الباءة فليتزوج)]، وجاء في بعض الروايات: كما سيأتي، (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة)، ذكر الشباب لأنهم هم مظنة الشهوة، وقوة الشهوة، فمن أجل ذلك خصهم بالذكر؛ لأنهم مظنة ذلك، (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، أي: من استطاع الزواج فليتزوج، فالباءة هي: النكاح، وما يؤدي إليه من المال الذي هو المهر، والذي يكون به الإنفاق على الزوجة.

وقوله: [(من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم، فإنه له وجاء)]، وهو مثل ما تقدم في الحديث الذي ذكر عن عثمان رضي الله عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...)

قوله: [أخبرنا بشر بن خالد حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة ... ابن مسعود].

وكل هؤلاء مر ذكرهم، أما ابن مسعود، فهو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، ومن فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن إسحاق الهمداني الكوفي حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود، عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، قال أبو عبد الرحمن: الأسود في هذا الحديث ليس بمحفوظ].

أورد النسائي أيضاً حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو بمثل ما تقدم، [(من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)]، وكان ذلك من طريق علقمة والأسود عن ابن مسعود، وقال: إن الأسود في الحديث غير محفوظ؛ لأن أكثر الذين رووا الحديث ما ذكروا الأسود إلا في هذا الطريق، فيكون المحفوظ هو ذكر علقمة، وغيره ممن جاء عنه الحديث، وأما ذكر الأسود فهو غير محفوظ؛ لأنه جاء في هذه الطريق وحدها.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق الهمداني الكوفي].

صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي].

لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة، والأسود].

وقد مر ذكر هؤلاء إلا الأسود، فإنه الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو أخو عبد الرحمن بن يزيد الذي سيأتي، وهما جميعاً خالان لـإبراهيم النخعي الذي يروي عنهما، وحديث الأسود أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله].

هو: عبد الله بن مسعود، وقد مر ذكره.

حديث: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فلينكح ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فلينكح، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لا فليصم، فإن الصوم له وجاء)].

أورد النسائي حديث ابن مسعود، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

هو محمد بن منصور الجواز، مر ذكره.

[حدثنا سفيان].

هو سفيان بن عيينة، مر ذكره.

[عن الأعمش].

وقد مر ذكره.

[عن عمارة بن عمير].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الرحمن بن يزيد].

هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، وهو أخو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الذي ذكرت في الإسناد الذي قبل هذا أنه أخو الأسود، وأنهما خالان لـإبراهيم النخعي، وحديث عبد الرحمن بن يزيد أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة.

[عن ابن مسعود].

وقد مر ذكره.

شرح حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، وساق الحديث].

أورد النسائي حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، ذكر أوله وأشار إلى باقيه، فهو مثل ما تقدم، قال: [(يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)]، وساق الحديث، والمعشر: لفظ يطلق على جماعة يشملهم وصف من الأوصاف، معشر الشباب، معشر الطلاب، معشر الأنصار، معشر المهاجرين، معاشر الأنبياء، فهو يشملهم وصف واحد.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق رابعة

قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].

هو أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا أبو معاوية].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله].

وقد مر ذكر هؤلاء.

شرح حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق خامسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: (كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان رضي الله عنهما، فقام معه يحدثه فقال: يا أبا عبد الرحمن، ألا أزوجك جاريةً شابةً فلعلها أن تذكرك بعض ما مضى منك، فقال عبد الله: أما لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج)].

أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: أن عثمان رضي الله عنه لقيه بمنى، وأنه عرض عليه الزواج من فتاة تذكره ما مضى له، وفي بعض الروايات أنه لما لم يكن له حاجة دعا علقمة ليسمعه الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي فيه حث الشباب على الزواج.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ...) من طريق خامسة

قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].

صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ... علقمة عن عبد الله].

وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - باب ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه ليزيده قربة إليه - باب الحث على النكاح للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net