إسلام ويب

المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا، وما من رجل عاقل إلا ويحرص على نكاحها، ويستحب لمن أقدم على النكاح النظر إلى المرأة حال الخطبة، حتى يكون بينهما وئام ومودة، ومن كانت مخطوبة إلى رجل لم يجز لغيره خطبتها إلا إذا ترك الأول.

أي النساء خير

شرح حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أي النساء خير؟

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)].

يقول النسائي: [أي النساء خير؟] هذه الترجمة أتى بها على وفق ما جاء في الحديث الذي أدخله تحتها، وهو [(أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: أي النساء خير؟ فأجاب بأنها التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، والمراد من ذلك: أن هذه من خيرة النساء.

وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي النساء خير؟ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه أرادوا أن يختاروا من تكون خيراً، ومن تكون أفضل من غيرها، والتي يبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الصفات التي تكون فيها، فقال: [(خير النساء التي إذا نظر إليها سرته)]، يعني: الزوجة التي إذا نظر إليها الإنسان سرته، تسره في منظرها وجمالها، وتسره في حسن تصرفها وأخلاقها الحسنة، وكذلك تمتثل أمره ولا تعص له أمراً، ومن المعلوم: أن هذا في حدود طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: [(لا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، معناه: لا تعمل شيئاً، أو تأذن لأحد، أو تدخل أحداً في بيتها، أو تعمل شيئاً يسيء إليه وإليها بما يتعلق بنفسها، وكذلك بمالها؛ لأن المال الذي بيدها له وتحافظ عليه، وتصرفه في الطريق التي أراد أن تصرف فيه، وكذلك المال الذي يكون لديها.. مالها الخاص تستشيره في التصرف، وفي الشيء الذي تضعه فيه، ولا تشتغل بمالها دون أن تأخذ رأيه؛ فإن هذا مما يكسب المودة والألفة، ويكون الوئام بين الرجل والمرأة، كونها تستشيره فيما يخصها، وتطيعه فيما يأمر به، وكذلك تسره فيما إذا نظر إليها، لجمالها أو لحسن أخلاقها، أو لهما جميعاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)

قوله: [أخبرنا قتيبة]

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا الليث].

هو ابن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عجلان].

هو المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن سعيد المقبري].

هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

المرأة الصالحة

شرح حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المرأة الصالحة.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة، وذكر آخر أخبرنا شرحبيل بن شريك: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المرأة الصالحة، والمقصود من ذلك: بيان ما ورد بشأنها وخيرتيها، وهي التي تكون صالحة مستقيمة على طاعة الله، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، من أهل الصلاح والتقى، فيقول عليه الصلاة والسلام: [(الدنيا متاع)]، يعني: هي متاع منته وزائل، ولذة منتهية، ولكن خير المتاع الذي يستمتع به في هذه الحياة الدنيا الزوجة الصالحة، التي تكون معاشرتها حسنة، تطيع أمره، وتسره إذا نظر إليها، ولا يكون في أخلاقها ما تعاب به، بل هي حسنة الأخلاق، حسنة التعامل، تحسن ولا تسيء، وتنفع ولا تضر، لاستقامتها على طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.

فبين عليه الصلاة والسلام أن الدنيا متاع، يعني: ليست دار قرار، وليست نهاية، بل هي ممر ومعبر إلى الدار الآخرة، والإنسان يستمتع بها بما أحل الله له، لكن خير هذا المتاع، وأفضل هذا المتاع الزوجة الصالحة، ففيه: دلالة على الحث على اختيار الزوجة الصالحة، التي تحفظ الإنسان في نفسها ومالها، وتسره في أخلاقها وتعاملها.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].

هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وابن ماجه.

[عن أبيه].

هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن حيوة].

هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [وذكر آخر]، يعني لم يرد النسائي أن يذكر هذا الآخر، ولم يحذفه ويكتفي بالرواية عن حيوة بن شريح، بل أراد أن يبقي السياق على ما هو عليه، واللفظ على ما هو عليه، ولكنه لا يصرح بالشخص الذي لا يريد الرواية عنه، فاكتفى بقوله: ورجل آخر؛ لأنه لو قال في الإسناد: عن عبد الله بن يزيد عن حيوة عن فلان، كأنه حكى عن عبد الله بن يزيد ذكر حيوة فقط، وكأنه ما قال إلا حيوة، مع أن عبد الله بن يزيد المقرئ ذكر شخصين: أحدهما حيوة، والثاني رجل آخر، وهذا الرجل الآخر الظاهر أنه عبد الله بن لهيعة الذي كان كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد مقروناً مع غيره، لا يذكره وإنما يكتفي بالإشارة إليه بالإبهام، فيقول: ورجل آخر، وهذا من الدقة والاحتياط؛ لأنه لو لم يقل: ورجل آخر؛ لما فهم منه أن عبد الله بن يزيد عندما روى إنما روى عن شخصين، فهو أبقى على ذكر الشخصين، وسمى من أراد تسميته، وأبهم من لم يرد تسميته.

[عن شرحبيل بن شريك].

صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وإلا البخاري، فإنه لم يخرج له في الصحيح، بل أخرج له في الأدب المفرد.

[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].

هو عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن عبد الله بن عمرو بن العاص].

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

المرأة الغيراء

شرح حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المرأة الغيراء.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه: (قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)].

أورد النسائي: المرأة الغيراء، وكأن فيه الإشارة إلى أن الأولى عدم زواجها؛ لما يحصل من غيرتها وكثرة مؤاخذتها من المشاكل التي تترتب على ذلك، فالمرأة الغيراء هي التي فيها غيرة، يعني: التي تغار والتي تحاسب الزوج على كل شيء، ولا سيما إذا كان له زوجة أخرى، فإنها تحاسب على الدقيق والجليل، وتكون دائماً في كلام، ودائماً في خصام، فهذا هو المقصود بالمرأة الغيراء، وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: [(ألا تتزوج من الأنصار؟)]؛ لأن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن من المهاجرات، [(قال: إن فيهم لغيرة شديدة)]، فكأن هذا فيه: إشارة إلى سبب الامتناع من الزواج منهم، وأن في نسائهم هذا الوصف الذي هو الغيرة، وقد جاء في حديث أم سلمة وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وأنها كانت امرأة لها غيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أدعو الله لك أن يذهب عنك الغيرة)]، فالترجمة مقصود بها: ذكر ما يتعلق بالمرأة الغيراء، والحديث فيه إشارة إلى أن عدم اختيارها هو الأولى.

تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[عن النضر].

هو ابن شميل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن حماد بن سلمة].

ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن إسحاق بن عبد الله].

هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أنس].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

إباحة النظر قبل التزويج

شرح حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إباحة النظر قبل التزويج.

أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا مروان حدثنا يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نظرت إليها؟ قال: لا. فأمره أن ينظر إليها)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إباحة النظر قبل التزويج، أي: إباحة النظر إلى المخطوبة قبل التزويج، ومن المعلوم: أن النظر إلى الأجنبية حرام، فلا يجوز النظر إليها، بل الواجب هو غض البصر، والحذر من النظر إلى الأجنبيات؛ لأن العين تزني وزناها النظر، ولكن هذا المحظور وهذا الممنوع الذي منع منه، وهو النظر إلى الأجنبيات، رخص فيه في بعض الأحوال للحاجة إلى ذلك، وهو ما إذا كان الإنسان يريد الزواج من امرأة، فإن له أن ينظر إليها وهي أجنبية قبل أن يعقد عليها، وقبل أن يكون هناك زواج، فينظر إلى ما يظهر منها عند محارمها من وجهها ويديها، ومع الاحتشام، وهذا النظر أبيح وخص من المنع من النظر إلى الأجنبيات للمصلحة وللفائدة؛ لأنه يترتب على ذلك مصلحة الحياة الزوجية واستمرارها، وقد يكون الإنسان بمجرد ما ينظر إليها يجد في نفسه ما يمنعه، أو يجد في نفسه ما يرغبه، فيكون الإقدام والإحجام على بينة، ولكن هذا إنما هو بعد ما يحصل الركون إلى المرأة وإلى الزوج، وأنه رغب فيها، وأنهم أجابوه، وحصلت الخطبة ولم يبق إلا الزواج، فعند ذلك ينظر، أما كونه ينظر إليها وهو لم يتقدم لخطبتها، ولو تقدم قد يرفض، فإن هذا ليس له أن ينظر، وينبغي لمن ينظر أن يكون النظر باختلاس.. بأن ينظر إليها من فرجة أو من باب أو ما إلى ذلك، هذا هو الذي ينبغي، ولو حصل أنه رآها وهي عند محارمها، فنرجو ألا يكون بذلك بأس، لكن الأولى هو عدم هذا، فينظر إليها وهي على حالة محتشمة، يعني: بأن يمكنه أهلها من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)

قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم].

هو الملقب دحيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

[عن مروان].

هو ابن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا عنه: إنه كان يدلس تدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ غير تدليس الإسناد، تدليس الإسناد هو: أن يروي الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، هذا تدليس الإسناد، لكن تدليس الشيوخ هو: أن يذكر شيخه بشيء لم يشتهر به، يأتي باسمه واسم أبيه، أو يأتي باسمه وكنيته، أو باسمه واسم جده، ويترك شهرته التي اشتهر بها، هذا يسمى تدليس الشيوخ، ومعنى أنه يذكر شيوخه بلفظ موهم أي: يجعل من يسمعه يبعد عن ذهنه ذاك الشخص المشهور بما اشتهر به؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فيكون في ذلك وعورة في الوصول إلى معرفته، وقد يقال: إنه لا يعرف، مع أنه معروف، وإنما يذكر بغير ما اشتهر به.

[عن يزيد].

هو ابن كيسان، وهو صدوق، يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبي حازم].

هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

قد مر ذكره.

شرح حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة حدثنا حفص بن غياث حدثنا عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (خطبت امرأةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنظرت إليها؟ قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)].

ثم أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وهو أنه [(خطب امرأةً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)]، يعني: أجدر أن يكون بينكما الوئام والمودة، بأن يكون كل واحد على معرفة بشخص الآخر، وعلى علم بشخص الآخر، لكونه نظر إليها، وهي أيضاً يمكن أن تنظر إليه، نعم الحديث جاء في كون الرجل ينظر إلى المرأة، والمرأة أيضاً، لها أن تنظر إلى الرجل؛ لأنها تحتاج إلى ما يحتاج إليه الرجل، وتريد ما يريده الرجل، فللرجل أن ينظر إلى المرأة، وللمرأة أن تنظر إلى الرجل، وهذا كما عرفنا مما أبيح، وأخرج من النهي عن النظر إلى الأجنبيات.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة].

ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.

[عن حفص بن غياث].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عاصم].

هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن بكر بن عبد الله المزني].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن المغيرة بن شعبة].

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

التزويج في شوال

شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التزويج في شوال.

أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني؟)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التزويج في شوال، يعني: في شهر شوال.

أورد النسائي تحت ذلك حديث عائشة رضي الله عنها [(أن الرسول تزوجها في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت تحب أن تدخل النساء على الأزواج في شوال، وقالت: أي امرأةٍ أحضى عنده مني؟)]، يعني: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقصودها من ذلك قيل: إنهم كانوا في الجاهلية يتشاءمون من التزويج في شوال، فأرادت أن تبين أن هذا الكلام باطل، وأن هذه العقيدة باطلة، وأنها هي نفسها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، ودخل عليها في شوال، وهي أحظى نسائه عنده صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، ففيه: بيان إبطال هذه العقيدة الفاسدة، وهذا التشاؤم السيئ من الزواج في شوال، وأن هذا الذي كان في الجاهلية قد حصل في الإسلام، هذا الزواج المبارك زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها في ذلك الشهر، ففي هذا: بيان أن هذا التشاؤم وهذه الكراهية التي كانت في الجاهلية لا يصلح ولا يجوز أن يلتفت إليها، ولا أن تقع في أذهان أحد من الناس، فيكره الزواج في شوال على العادة الجاهلية، بل جميع الشهور يكون بها الزواج، ولا يتشاءم ولا يكره الزواج في شهر، بل يكون الزواج في جميع أيام السنة، وفي جميع شهور السنة، وهذا الشهر بالذات الذي كان أهل الجاهلية يتشاءمون فيه وهو الذي نوهت بشأنه عائشة، وأخبرت بحصول الزواج، وأنها أحضى أزواجه صلى الله عليه وسلم عنده، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال ..)

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].

هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.

[عن يحيى].

هو يحيى القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن سفيان].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن إسماعيل بن أمية].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن عروة].

هو عبد الله بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.

[عن عروة].

هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الألوف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

الخطبة في النكاح

شرح حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخطبة في النكاح.

أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث سمعت أبي حدثنا حسين المعلم حدثني عبد الله بن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي: أنه سمع فاطمة بنت قيس رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات الأول- قالت: (خطبني عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في نفرٍ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وخطبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مولاه أسامة بن زيد، وقد كنت حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت، فقال: انطلقي إلى أم شريكأم شريك امرأةٌ غنيةٌ من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل، ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل، قال: لا تفعلي، فإن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم -وهو رجلٌ من بني فهر- فانتقلت إليه)، مختصر].

أورد النسائي: الخطبة في النكاح. والمقصود منها: التقدم لطلب الزوجة للتزويج، هذا يقال له: الخِطبة بكسر الخاء، وأما الخُطبة بضم الخاء فهي شيء آخر، فخطبة النكاح غير الخطبة في النكاح؛ لأن الخطبة التقدم لطلبها، هذه يقال له: خِطبة بالكسر، وأما الخُطبة -بالضم- فهو الكلام الذي يؤتى به بين يدي العقد: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، فالذي معنا هو بكسر الخاء، وهو التقدم لطلب الزوجة والرغبة في زواجها، التقدم لها أو لوليها بإبداء الرغبة في زواجها.

أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، وقد ذكره وفيه تقديم وتأخير؛ لأنه ذكر في أوله الخطبة وأنها خطبت، وأنها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرض عليها أن تتزوج بـأسامة بن زيد، وقالت: أمري بيدك فزوجني من شئت، وذكر بعد ذلك شيئاً متأخراً، ولكنه متقدم من حيث الزمان، وهو أنه لما طلقها زوجها، وكان طلاقاً بائناً، وخرجت أو أرادت أن تخرج من مسكن زوجها بعد أن طلقها طلاقاً بائناً، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم في المكان الذي تكون فيه بعد أن طلقت ذلك الطلاق البائن، وهو عند أم شريك، ثم إنه عدل عن ذلك لما يحصل عندها من كثرة الضيفان، وأنه قد يحصل منها شيء يرى منها ما تكره، فأرشدها إلى أن تذهب إلى ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى لا يبصرها لو ظهر منها شيء كما مر في الحديث السابق، وبقيت عند ابن أم مكتوم، ولما فرغت عدتها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بمن خطبها.

الحاصل: أن فيه ذكر الخطبة، وهو الذي جاء في أول الحديث: خطبني عبد الرحمن بن عوف برجال، يعني: مع رجال من أصحاب الرسول، فخطبها عدة أشخاص، معناه أن فيه الدلالة على الترجمة من حيث حصول الخطبة، والتقدم للمرأة لخطبتها، وإبداء الرغبة في زواجها، والحديث كما أشرت فيه تقديم وتأخير؛ لأن قضية كونه قيل لها: تكون في مكان كذا أو تنتقل إلى كذا، هذا في زمن العدة، وأما الإخبار بأنه خطبني فلان وفلان، فهذا بعد الفراغ من العدة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها أو أشار عليها بأن تنكح أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)

قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام].

لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.

[عن عبد الصمد بن عبد الوارث].

صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن حسين المعلم].

هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن بريدة].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عامر بن شراحيل الشعبي].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن فاطمة بنت قيس].

فاطمة بنت قيس صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

شرح حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)].

أورد النسائي النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، والمقصود من هذه الترجمة: هو أن من خطب امرأة وحصل الركون إليه، فإنه لا يجوز أن يتقدم لخطبة تلك المرأة التي خطبها حتى يتبين الأمر، إما زواج، وإما عدول وترك، وهذه الغاية المقصود بها تبين الأمر، فإذا حصل التواطؤ أو التقارب بين الخاطب والمخطوبة أو ولي المخطوبة، فلا يجوز أن يخطب على خطبته حتى يتبين الأمر، إما بأن يتزوج، وبذلك لم يبق هناك مجال لما فكر فيه ذلك الخاطب، أو يترك فيخطبها، ويحصل منه الخطبة وطلب الزواج منها، وهذا هو المقصود من النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه.

وأورد النسائي حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)]، يعني: أنه إذا خطب أحد امرأة، وحصل التقارب والتواعد فيما بينهم، فلا يجوز لأحد علم ذلك أن يتقدم للخطبة؛ لأن هذا يفضي ويؤدي إلى أن يتركوا ما حصل ما بينهم من التواعد ومن التقارب، ولكنه ينتظر إذا كان يرغب في هذه المرأة المخطوبة، فإن تزوجت يبحث عن غيرها، وإن رفض وحصل عدم وفاق، أو هو عدل، أو هم عدلوا ورفضوا وتركوا، فإنه يتقدم للخطبة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)

قوله: [أخبرنا قتيبة].

مر ذكره.

[عن الليث عن نافع].

الليث مر ذكره، ونافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن عمر].

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من الرباعيات التي هي من أعلى ما يكون عند النسائي، وهي: قتيبة عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر.

شرح حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال محمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها)].

أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكر النسائي عند ذكر أبي هريرة أن الشيخين اللذين ذكرهما واحد منهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن هذين الشيخين شيخا النسائي، وهما: سعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن منصور، وهذا هو الذي قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال: قال رسول الله سعيد بن عبد الرحمن، فـالنسائي أتى به على سياق سعيد بن عبد الرحمن، ثم أشار إلى مخالفة محمد له باللفظ الذي قاله أبو هريرة مضيفاً إياه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فـسعيد بن عبد الرحمن الشيخ الثاني قال في تعبيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، والشيخ الأول هو محمد بن منصور قال في تعبيره عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (لا تناجشوا)، النجش هو: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، بل يريد أن يرغب الذي يسومها بها، ويكون بذلك تسبب في أن يزاد في القيمة حتى يستفيد البائع، وقال: [(لا تناجشوا)]، يعني: من التفاعل على اعتبار أن هذا الذي حصل منه النجش للشخص، وهو ينتظر منه أن يرد عليه ذلك؛ لأنه إذا أراد أن يشتري سلعة، فيكون هذا الذي زاد من أجله، هو يقابله فيزيد من أجله، فحرم ذلك؛ لأنه فيه إضرار بالمشتري وجلب شيء للبائع، هذا هو النجش، فلا يجوز للإنسان أن يزيد في السلعة إلا إذا أراد شراءها.

قوله: [(ولا يبع حاضرٌ لباد)]، البادي هو: الذي يأتي من البادية، ومعه السمن، والغنم، والأقط، والأشياء التي تجلب، يبيع ويترك البادي هذا يبيع، لكن ما يأتي إنسان من الحاضرة ويقول: لا تبعها، دعها عندي وأنا أبيعها لك، يعني: أعطني إياها وأنا أبيعها، فيحول بينه وبين أن يبيعها على الناس وينتهي، فيختص بها هو ويطلب أن يحوزها، وأن يتولى بيعها من أجل أن يحصل شيئاً يخصه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادي، لكن لو أن البادي رغب وقال للحاضر: خذ هذه السلعة وأبقها عندك، أنا ما أريد أن أبيعها الآن، لا بأس بذلك.

قوله: [(ولا يبع الرجل على بيع أخيه)]، إذا كان عند إنسان سلعة وباعها على رجل، وحصل اتفاق بينهما قبل أن يحصل التقابض، فعندما يعرف أنه تم الاتفاق فيما بينهم، يأتي شخص آخر عنده سلعة أخرى، فيأتي ويقول للمشتري: لا تشتر هذه السلعة.. اتركها، هذه السلعة التي سيبيعها عليك فلان بكذا، اتركها وأنا أبيع عليك هذه السلعة بأرخص منها.. بأقل ثمن، هذا هو البيع على بيع أخيه، يعني: أن بائعاً آخر يأتي بسلعة، ويعرض على المشتري الذي اتفق مع البائع الأول على شراء السلعة، يعرض عليه أن يترك البيع، وأن يتخلى عن البيع، وهو مثلاً في زمن الخيار فيقول: دعها.. اتركها وأنا أبيعك السلعة في أقل منها سعراً، هذا لا يجوز.

ومثله الشراء على شرائه والذي ما جاء ذكره، مثلاً: عندما يعلم أن مشترياً اشترى من بائع سلعة وتواطأ معه عليها، يأتي آخر يريد السلعة للبائع، فيقول له وهو في زمن الخيار: اترك البيع على هذا الشخص، وأنا أشتريها منك بأكثر ثمن، أنا أزيدك زيادة في الثمن، وهذا الشخص الذي أنت متفق معه على الشراء اتركه، فهذا شراء على الشراء، وهو لا يجوز، والذي في الحديث بيع على بيع، وكل ذلك لا يجوز.

قوله: [(ولا يخطب على خطبة أخيه)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وقد مر ذكر ذلك.

قوله: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنهائها)]، وفي بعض الروايات: (لتكفأ ما في صحفتها)، فالمقصود من ذلك: أن المرأة عندما تخطب، والخاطب عنده زوجة في عصمته، فتقول المخطوبة: طلق زوجتك التي عندك، وأنا أقبل الزواج منك، يعني: أنا لا أتزوجك إلا إذا طلقت زوجتك التي في عصمتك، طلقها وأنا أستجيب لطلبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها)]، يعني: من الخاطب الذي جاء يخطبها، لا تسأل طلاق أختها التي هي في عصمته، وهي أخوة في الدين، وليست أخوة في النسب؛ لأن الجمع بين الأختين في النسب كما هو معلوم لا يجوز، وفي هذا إشارة إلى أنه من القبيح، أن تفعل المرأة مع أختها في الدين مثل هذا العمل، قال: [(لتكفأ ما في صحفتها)]؛ لأن المرأة التي هي في عصمة زوج هي بمثابة المرأة التي معها إناء فيه ماء، فتأتي امرأة وتقلبه، فينسكب ما فيه من الماء على الأرض، فتحرم إياه تلك المرأة، فشبه المرأة في عصمة الرجل وكونها تستفيد منه وتستمتع به، وينفق عليها ويسكنها ويؤويها، وعندها بيدها خير منه، وتأتي امرأة مخطوبة فتطلب الطلاق للأولى فيتخلى عنها ويتركها، هي بمثابة التي معها صحفة فيها ماء أو فيها لبن فتقلبها، فينسكب ذلك التي فيها في الأرض فتحرمه، وذلك لا يجوز، بل إذا كان الرجل عنده زوجة، وجاء يخطب امرأة، فلا يحل لها أن ما تقول له: طلق زوجتك، وإنما تقول: أنا لا أرغب في الزواج.. ما توافق، أما أن تقول: طلق وأوافق، فإن هذا لا يجوز.

وهناك مسألة أخرى لها علاقة بهذه المسألة وهي: لو أن إنساناً خطب امرأة وهو ليس عنده زوجة، واشترطت عليه المخطوبة ألا يتزوج عليها، فهذه الصورة غير السابقة؛ فالسابقة فيها شيء باليد حاصل يراد إبطاله، وأما هذه الصورة.. تقول: والله أنا ما أستطيع.. ما أصبر على الجارة والضرة، فأنت إن كان يعجبك أن تتزوج بي ولا تتزوج علي، فأنا موافقة، وإلا ابحث لك عن غيري، فأنا في سعة وأنت في سعة، لكن تلك التي في الصورة السابقة امرأة في عصمة زوج، وإذا طلب زواج أخرى فرق بين الزوجين، وأما هذه الصورة فليس فيه شيء، رجل يريد أن يعدد، وهذه المرأة لا ترغب بالتعديد، بل تريد أن تبقى وحدها، وإن كان هناك جارة فهي أمرها بيدها، ومثل هذا لا بأس منه، ولا مانع يمنع منه؛ لأن هذا الشرط لا يترتب عليه مضرة حاصلة، والمرأة قد لا تتمكن من الصبر على جارة، فهي تريد أن تكون من البداية على بينة من أمرها، وإذا أراد أن يتزوج ووافقت فهذا إليها، وإن لم توافق فيكون أمرها بيدها، لكن فرق بين المسألتين؛ لأن المسألة التي في الحديث التي ورد فيها النهي هي: إتلاف شيء موجود، وإضاعة منفعة حاصلة، وأما هذه المسألة فليس فيها شيء، بل تريد أن تدخل على بينة، وهذا ما ورد فيه شيء يدل على المنع منه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.

سعيد بن عبد الرحمن المخزومي].

ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.

[عن سفيان].

هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن سعيد].

هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

وقد مر ذكره.

حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].

ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)]، وقد عرفنا ما يتعلق بذلك.

قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].

هو الملقب الحمال، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن معن].

هو معن بن عيسى المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن مالك].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ثم قال النسائي: [(ح)]، وهذه علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، بمعنى: أن النسائي عندما ذكر الإسناد، ومشى فيه إلى أثنائه، أراد أن يبدأ إسناداً آخر يستمر حتى يتلاقى مع الإسناد الأول عند شخص، ثم يستمران في طريق واحد بعد ذلك، فـ (ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.

قوله: [(ح) والحارث بن مسكين]، ما قال: وأخبرني الحارث بن مسكين، وقد عرفنا فيما مضى أن للنسائي حالتين مع شيخه الحارث بن مسكين: حالة هي أنه غضب عليه ومنعه من أن يجلس في حلقته وأن يروي عنه، فكان في تلك الحال لا يمتنع، ولكنه يأتي ويجلس وراء الستار ويسمع ويروي، وفي حالة أخرى حصل بينهما انسجام وتراضي، فكان يأذن له، ففي الحالات التي كان مأذوناً له يقول: وأخبرني، والحالات التي ما كان مأذوناً له يقول: والحارث بن مسكين، أو الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأنه ما أراد إخباره.

الحارث بن مسكين].

هو المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.

[عن ابن القاسم].

هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

[عن مالك].

وهو ملتقى الطريقين، ومن مالك يتحد الإسناد إلى أعلاه.

[عن محمد بن يحيى بن حبان].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الأعرج].

هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب له، ويأتي ذكره باللقب كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم أحياناً فيقال: عبد الرحمن بن هرمز، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باللقب، ومرة بالاسم، من لا يعرف يظن أن الأعرج شخص، وأن عبد الرحمن بن هرمز شخص آخر، ومن يعلم أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر.

[عن أبي هريرة].

وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)].

أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)]، يعني: حتى يتبين الأمر، إما أن يتم الزواج، وبذلك انتهى ولا مجال للخطبة، أو يتم الرفض وعند ذلك يكون هناك مجال للخطبة، وهذا كما قلت: فيما إذا حصل تقارب واتفاق، أما إذا لم يحصل اتفاق وتواطؤ، وما حصل تقارب، فإنه لا بأس بالخطبة على الخطبة؛ لأنه ما حصل اتفاق وتقارب حتى ينكح، يعني: يتم الزواج أو يتم الترك.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى].

هو يونس بن عبد الأعلى المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

[عن ابن وهب].

هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن يونس].

هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة].

وقد مر ذكرهم.

حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا غندر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].

أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا قتيبة].

قتيبة قد مر ذكره.

[عن غندر].

يأتي أحياناً ذكره باسمه، وأحياناً ذكره بلقبه كما هنا، فـغندر لقبه، واسمه محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن هشام].

هو ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد].

هو ابن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة].

قد مر ذكره.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب أي النساء خير) إلى (باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net