اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له) إلى (باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها) للشيخ : عبد المحسن العباد
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له) إلى (باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها) للشيخ : عبد المحسن العباد
أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا الحجاج بن محمد قال ابن جريج: سمعت نافعاً يحدث: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
يقول النسائي رحمه الله: خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له، يريد النسائي بهذه الترجمة: أن النهي الذي ورد في خطبة الرجل على خطبة الرجل يكون مقيداً فيما إذا لم يترك الخاطب، أو لم يأذن الخاطب له بأن يخطب تلك المرأة، فإذا ترك وعدل عن الخطبة فلغيره أن يتقدم لخطبتها، وكذلك إذا أذن وقال لشخص من الناس: اخطبها، فإن هذا له حق الخطبة، أما إذا لم يكن كذلك بأن تقدم للخطبة وركن إليه، فليس لأحد أن يتقدم للخطبة حتى يتبين الأمر بكونه يتزوجها، أو بكونه يتركها، أو بكونه يأذن لشخص من الناس أن يتقدم لخطبتها؛ لأن إذنه لشخص من الناس للتقدم لخطبتها رغبة عنها وعدول عنها.
وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعضٍ)، ومعنى [بيع البعض على بيع البعض]: أن يكون إنسان عنده سلعة باعها على إنسان وتم البيع وهما في مدة خيار.. فيأتي شخص من الناس إلى المشتري في مدة الخيار ويقول له: اترك هذه السلعة، أو اعدل عن شرائها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا لا يجوز، وهو بيع البعض على بيع البعض.
ومثله الشراء على الشراء، بأن يكون إنسان باع سلعةً على إنسان، وهما في مدة خيار، فيأتي شخص إلى هذا البائع ويقول له: اعدل عن بيعك لهذا الشخص المشتري، وأنا أشتريها منك بأغلى مما بعتها به عليه، هذا شراء على شراء، أي: يحول بين المشتري وبين السلعة بأن يأخذها من البائع بأغلى منها، وهذا لا يجوز أيضاً، وقد جاء الحديث بالنهي عن البيع على البيع، والشراء على الشراء.
قوله: [(ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
أي: حتى يترك الخاطب الأول ويعدل، أو يقول له: اخطبها؛ لأن قوله: اخطبها معناه ترك لها، ورغبة وعدول عنها.
والحاصل أن النهي عن الخطبة على الخطبة فيما إذا لم يحصل الترك، أو لم يحصل الإذن، أما إذا وجد الترك، أو وجد الإذن للخاطب الثاني أن يخطب، فإن الخطبة في هذه الحالة مأذون ومرخص فيها كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن الحجاج بن محمد].
هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، وأيضاً هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة.
أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، في قصة طلاقها من زوجها طلاقاً بائناً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد عند أم شريك، وهي امرأة غنية كثيرة الضيفان، ثم عدل عن ذلك وأرشدها إلى أن تعتد عند ابن أم مكتوم ؛ لأنه رجل أعمى لا يبصر، وقال: (إذا حللت -أني إذا انتهيت من العدة- فآذنيني)، يعني: أخبريني وأعلميني بانتهائك، ولما انتهت من عدتها أخبرته بأنها خطبها معاوية ورجل آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما معاوية فإنه غلامٌ من غلمان قريش لا شيء له)، يعني: لا مال له، وقد جاء في بعض الروايات: (صعلوكٌ لا مال له). قال: (وأما الآخر فصاحب شرٍ لا خير فيه)، والمقصود من ذلك: أن فيه شر على النساء من جهة أنه يضربهن، وليس معنى ذلك أنه خال من الخير مطلقاً، بل المقصود أنه في تعامله مع النساء عنده شر، وأنه لا خير فيه للنساء من حيث التعامل معهن، وأنه ضراب للنساء، وجاء في بعض الأحاديث أنه أبو جهم.
قال: (ولكن انكحي أسامة بن زيد)، فلم يعجبها ذلك، فكرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فنكحته، فتزوجها رضي الله تعالى عنها.
والمقصود من الترجمة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها لـأسامة بن زيد، وكانت قد خطبت من قبل، وقد عرفنا فيما مضى أن المنع من الخطبة على الخطبة إذا حصل الركون والتقارب؛ لأن هذا فيه إفساد لما قد تم، وهي قد أخبرت بأنه خطبها عدة أشخاص، ولكنها تريد أن تعرف أيهما أولى لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار عليها بألا تتزوج واحداً منهما، وبين العلة في ذلك، وأرشدها أو أشار عليها بأن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو مولى، فتوقفت في ذلك أولاً، ثم بعد أن كرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم المشورة، انقادت واستسلمت لما أشار به عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( معاوية غلامٌ من غلمان قريش لا مال له، وأن هذا صاحب شرٍ لا خير فيه)، فيه بيان: أن من استشير في شخص فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة المحرمة، بل هذا مما استثني من الغيبة التي هي ذكرك أخاك بما يكره، فكون الإنسان يستشار في شخص ليزوج أو ليكون شريكاً، أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إلى ارتباط بعضهم ببعض، فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة.
وكذلك مما استثني من الغيبة، يتعلق في الرواية والكلام في الرواة، وبيان أحوالهم، وبيان ضعفهم، أيضاً هذا ليس من الغيبة المحرمة؛ لأن هذا من قبيل النصح للمسلمين، ومعرفة ما يثبت من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما لا يثبت بسبب ضعف حملته ونقلته.
صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد، وقد مر ذكره.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويزيد بن عبد الله بن قسيط].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحارث بن عبد الرحمن].
وهذا معطوف على الزهري، يعني يروي عنه ابن أبي ذئب؛ لأن ابن أبي ذئب يرويه من طريقين: من طريق الزهري ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ومن طريق خاله الحارث بن عبد الرحمن، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنهما سألا].
والمقصود بهما: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[سألا فاطمة بنت قيس].
صاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها مراراً في هذا الحديث.
أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، واللفظ لـمحمد عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائبٌ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد فنكحته، فجعل الله عز وجل فيه خيراً، واغتبطت به)].
أورد النسائي هذه الترجمة: إذا استشارت امرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟ يريد بذلك أنه يخبرها بما يعلم، وهذا ليس من الغيبة، بل هو من النصيحة والمشورة على المستشير، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وهو أنها لما طلقها زوجها البتة وكان غائباً، وكان له وكيل، فأرسل لها طعاماً فلم يعجبها وسخطته، يعني: لم ترض به، فقال: ليس عندنا لك شيء، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما حصل، فقال: (ليس لك عليه نفقة)، وأيضاً لا سكنى، وأمرها بأن تعتد عند أم شريك، ثم عدل عن ذلك فقال: [تلك امرأة يغشاها أصحابي]؛ لأنها كثيرة الضيفان، ولكن اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يبصر، فلما فرغت وانتهت عدتها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، وفسر عدم وضعه العصا عن عاتقه بأنه كثير الضرب للنساء، وهذا هو الذي يطابق ما جاء في الروايات السابقة: (صاحب شرٍ، لا خير فيه)، وجاء في بعضها: أنه كثير الأسفار، يعني: أنه كثير الغيبة عن المرأة، (وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له)، يعني: فقير لا مال له.
ثم قال: (انكحي أسامة بن زيد )، فكرهت ذلك، فأعاد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها، واغتبطت به رضي الله تعالى عنها وعنه وعن الصحابة أجمعين.
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن عبد الله بن يزيد].
هو عبد الله بن يزيد المخزومي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس].
أبو سلمة بن عبد الرحمن، وفاطمة بنت قيس، قد مر ذكرهما.
حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث، والصواب أبو هريرة].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا استشار رجل رجلاً في امرأة هل يخبره بما يعلم؟ يعني عكس التي قبلها أو مثل التي قبلها، إلا أن ذاك رجل استشير في رجل، وهنا رجل استشير في امرأة، وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً).
الذي يبدو أنه أراد أن يتزوجها، ولهذا جاء يستشير، وأما إذا تزوجها وانتهى الأمر ودخل عليها، فما يبقى هناك مجال للمشورة، ويوضح هذا الحديث الذي بعده: أنه أراد أن يتزوج امرأة، فقوله: (تزوجت امرأة)، يعني: أردت أن أتزوجها، وليس المقصود أنه تزوجها؛ لأنه إذا تزوج بالفعل، فليس هناك فائدة فيما إذا تم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفرقة، وإلى عدم الانسجام بين الرجل والمرأة، ولكنه قبل أن يتم شيء، هذا هو الذي يكون فيه مجال، فقال: (ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وهذا المقصود من الترجمة، (فإن في أعين الأنصار شيئاً)، يعني: الكلام في الوصف، وقيل: إن المقصود بذلك صغر العيون، وقيل: إنه عدم جمال، والصغر كذلك هو من هذا القبيل، لكن شيء أعم من الصغر، لكن القضية هي قضية غالبة، والمراد بها هو صغر العيون.
هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن علي بن هاشم].
هو علي بن هاشم بن البريد، وهو: بفتح الموحدة وبعد الراء تحتانية ساكنة، وهو: صدوق يتشيع، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يزيد بن كيسان].
صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي حازم].
هو أبو حازم سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
قال في آخره: [قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث..]
يعني: معنى هذا أن النسائي يرى أن الصواب هو ما تقدم من رواية يزيد بن كيسان عن أبي هريرة، وليس رواية يزيد بن كيسان عن جابر.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو يوضح الطريقة السابقة، وأن المراد: من أراد أن يتزوج امرأة، وهذا هو المجال الذي يكون فيه نظر واختيار، ورغبة أو عدول، أما إذا حصل الزواج فإنه لا مجال لشيء من ذلك، وهو يوضح الرواية السابقة من قوله (تزوج).. أي: أراد أن يتزوج.
هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال: (تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنها من خنيس -يعني ابن حذافة، - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد بدراً، فتوفي بالمدينة، فلقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في ذلك، فلبثت ليالي فلقيته فقال: ما أريد أن أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان رضي الله عنه، فلبثت ليالي فخطبها إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعن حين عرضت عليّ أن أرجع إليك شيئاً، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها نكحتها)].
أورد النسائي ترجمة: عرض الرجل ابنته على من يرضى، يعني: كونه يعرض ابنته على شخص يرضاه ليتزوجها؛ رغبةً في مصاهرته وكونه يتزوج ابنته، أورد النسائي في ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما تأيمت ابنته حفصة من زوجها خنيس بن حذافة رضي الله تعالى عنه، وجاء إلى عثمان رضي الله عنه فعرضها عليه وقال: [إن شئت أنكحتك حفصة]، وعثمان رضي الله عنه كان يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، فقال: سأنظر، ثم لقيه بعد ذلك فقال: إنني لا أريد الزواج في يومي هذا، أي: في الوقت الحاضر ما أرغب في أن أتزوج، ثم جاء إلى أبي بكر فعرضها عليه، فسكت ولم يجبه شيئاً، فكان في نفسه شيء من كونه لم يرد عليه جواباً، وجواب عثمان كان أنسب عنده من فعل أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن عثمان قال: سأنظر، ثم قال: لا أريد الزواج في وقتي هذا، وأما أبو بكر فسكت ولم يجب، ثم بعد ذلك خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم جاء أبو بكر معتذراً عما حصل له من عدم الجواب فيما مضى، وقال: لعلك وجدت في نفسك علي شيئاً إذ لم أرد عليك؟ قال: نعم، قال: إنه ما منعني إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها.
محل الشاهد من هذا أن عمر رضي الله عنه عرضها على أبي بكر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على الترجمة، وأن الشخص الذي يرغب فيه ويفرح في مصاهرته، إذا عرض الإنسان ابنته عليه، فإن ذلك لا بأس به، وقد دل عليه هذا الدليل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المروزي الحنظلي، ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو ابن راشد البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن ابن عمر].
وقد مر ذكره.
[عن عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أخبرنا محمد بن المثنى حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار أبو عبد الصمد سمعت ثابتاً البناني يقول: (كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه وعنده ابنةٌ له، فقال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرضت عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله! ألك في حاجة؟)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة، فهناك عرض الرجل ابنته على من يرضى، وهنا عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهناك يعرضها وليها، وهذه فيها عرض المرأة نفسها على من ترضاه.
أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت نفسها عليه وقالت: ألك بي حاجة؟) يعني: تريد الزواج.
هو محمد بن المثنى أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن مرحوم بن عبد العزيز العطار].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من رباعيات النسائي ؛ لأن فيه محمد بن المثنى، عن مرحوم بن عبد العزيز، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي.
أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أن امرأةً عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (أن امرأةً عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقل حياءها!).
يعني ابنة أنس وهي تسمع أباها عندما حدث بالحديث ضحكت وقالت: ما كان أقل حياءها، تعني هذه المرأة التي جاءت تعرض نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال أنس: (هي خيرٌ منك، إنما عرضت نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام)، وهذا فخر وشرف عظيم، وهو خير الأزواج عليه الصلاة والسلام، وإنما طمعت في خير الناس وفي أفضل الناس، وكونها تطلب هذا الشرف فإنما يدل على فضلها وعلى خيريتها، وعلى إرادتها أن تكون عند خير الناس عليه الصلاة والسلام، فما كان هناك مجال لأن يتنقص منها أو تعاب، بل إنها أرادت شرفاً، وأرادت فضلاً، فهي خير منك حيث كان قصدها ذلك، وأقدمت على ذلك؛ لأنها تريد الخير، وأنت ضحكت من تصرفها وعبتيها على هذا التصرف، وهي ليست معيبة؛ لأنها أرادت خيراً لنفسها أن تكون من أمهات المؤمنين، وأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث فيه عرض المرأة نفسها على من ترضى.
الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. وهو ومحمد بن المثنى الذي في الإسناد السابق متماثلان في أمور كثيرة، اتفقا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وفي كثير من الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، ولدا في سنة وماتا في سنة، وكل منهما من أهل البصرة، وهما متفقان في الشيوخ، وفي التلاميذ، ولهذا قال: وكانا كفرسي رهان، وكانت وفاتهما سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخ البخاري.
[عن مرحوم عن ثابت عن أنس].
وبقية الإسناد كالذي قبله.
أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: (لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـزيد: اذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب! أبشري، أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بغير أمرٍ)].
أورد النسائي صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها، المقصود من هذا: أن الزواج من الأمور التي يستخار الله عز وجل فيها، وصلاة الاستخارة مشروعة في مثل هذا الأمر، وفي الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان والتي لا يعرف نتائجها، هل تكون طيبة أو غير طيبة؟ فيستخير الله عز وجل، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا بيان الاستخارة ودعاء الاستخارة.
وقد أورد النسائي حديث أنس: أن زينب رضي الله تعالى عنها لما طلقها زوجها زيد رضي الله تعالى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم بعدما فرغت من العدة. قال له: (اذهب فاذكرها)، معناه: أن يخطبها زيد له صلى الله عليه وسلم، فذهب وقال: أبشري.. يذكرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي)، يعني معناه: تستخيره، فقامت إلى مصلاها وصلت، وأنزل الله عز وجل القرآن: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، فقام ودخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذا التزويج من الله عز وجل لها، وهذه الاستخارة ليست في كونها تتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا تتزوجه، وهل مناسب أن تتزوجه أو ما تتزوجه؟ وإنما قال بعض أهل العلم: إن هذا يرجع إلى ترددها، هل تقوم بواجبها نحوه؟ وهل تتمكن من أن تقوم بما يجب له عليها؟ فهذا هو مجال الاستخارة، لا من أجل أنه هل تستجيب للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها أو لا تستجيب؟ فإن الظفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وكون المرأة تكون في عصمته، هذا شرف لا يماثله شرف في حق النساء؛ لأنهن يكن بذلك من أمهات المؤمنين، ولهن الفضل الذي لهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ولكن هذه الاستخارة إنما هي في ترددها في كونها تستطيع أن تقوم بما يجب عليها له صلى الله عليه وسلم أو لا، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وفيه: بيان نزول القرآن في ذلك، وسمي زيد رضي الله تعالى عنه باسمه في القرآن، فقال: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37].
هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن المغيرة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت عن أنس].
وقد مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن زينب رضي الله عنها، كانت تفخر على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول: (إن الله عز وجل أنكحني من السماء)، وفي بعض الروايات: (زوجكن أهاليكن، وأنا زوجني الله من فوق سبع سموات)، والمقصود بقولها: (من السماء)، أي: من العلو؛ لأن الله تعالى في العلو فوق السموات مستو على العرش، وليس المقصود بالسماء المبنية، فإن الله تعالى فوق العرش، وهو في السماء العلو؛ لأن كل ما على وارتفع يقال له: سماء، وقول الله عز وجل: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، أي: في العلو، وليس المقصود بذلك السماء المبنية التي هي سبع سموات خلقها الله كما خلق الأرض، فالله عز وجل ليس حالاً في المخلوقات، والمخلوقات ليست حالة به سبحانه وتعالى، بل هو مستو على عرشه فوق خلقه، والسماء يطلق على العلو، كل ما علا فهو سماء، يعني ما فوق العرش يقال له: سماء؛ لأنه علو، فتقول: (أنكحني الله من السماء)، أي: نزل بذلك القرآن بأن يتزوجني رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان زواجها بهذا القرآن الذي نزل، وبدون ولي وبدون عقد، بل بهذا القرآن الذي نزل؛ لأنه قام ودخل عليها عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت تفتخر على النساء، وهذا من الأدلة التي يستدل بها على العلو لله عز وجل، وعلى صفة العلو، وأن الله تعالى في السماء، أي: في العلو، أي: فوق العرش عال على خلقه، بائن من خلقه، ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالةً فيه سبحانه وتعالى.
(وفيها نزلت آية الحجاب)، يعني: وأيضاً في زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب.
هو أحمد بن يحيى بن زكريا الصوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي نعيم].
هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي بكنيته كما هنا، ويأتي باسمه ونسبه فيقال: الفضل بن دكين، وأبو نعيم متقدم، والنسائي يروي عنه بواسطة كما هنا، وهو من كبار شيوخ البخاري، وقد اشتهر بهذه الكنية شخص آخر متأخر صاحب المؤلفات.. صاحب الحلية وغيرها، وهو: أبو نعيم الأصبهاني، وقد توفي سنة ثلاثين وأربعمائة، وأما هذا متقدم.
[عن عيسى بن طهمان].
صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي في الشمائل، والنسائي.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له) إلى (باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها) للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net