إسلام ويب

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمر كله كما يعلمهم السورة من القرآن، فيعلمهم صفتها والدعاء الذي يذكر فيها، كما يعلمهم الأوقات التي يشرع لهم الإتيان بها فيها.

كيف الاستخارة

شرح حديث جابر في صفة الاستخارة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الاستخارة.

أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته)].

يقول النسائي رحمه الله: كيف الاستخارة، لما ذكر في الترجمة السابقة قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، وأنه لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إنها ليست بصانعة شيئاً حتى تستأمر ربها، فذهبت إلى مصلاها، وصلت صلاة الاستخارة، وقد عرفنا فيما مضى: أن صلاتها واستخارتها لم يكن لترددها في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل تتزوج أو لا تتزوج؟ وإنما كان من أجل خوفها من تقصيرها في حقه صلى الله عليه وسلم، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما ذكر النسائي استخارة زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، عقبه بهذه الترجمة فقال: كيف الاستخارة، أي ما هي كيفية الاستخارة؟ فأورد حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)، كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، يعني أنه كان يهتم، ويعتني بتعليمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا فيه دليل على الاهتمام، والعناية بهذا الأمر، وأن الإنسان عندما يريد أن يقدم على أمر من الأمور، فإنه يشرع له، ويستحب أن يستخير الله عز وجل، بأن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يدعو بهذا الدعاء الذي جاء في حديث جابر رضي الله عنه هذا، وذلك أن الإنسان لا يعلم ما هو الخير له في الأمور، ولكنه يسأل الله عز وجل، ويطلب منه أن يختار له ما فيه الخيرة، وأن ييسر له الأمر الذي يكون فيه الخير له.

وقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)]، المراد بالأمور التي يستخار فيها، من العلماء من قال: الاستخارة في الأمور كلها من العام المراد به الخصوص، يعني لا يراد به أن كل شيء يستخار فيه، فإن الإنسان عندما يتقرب إلى الله عز وجل بعبادة لا يستخير الله عز وجل، هل يتقرب بها أو لا يتقرب بها؟ هل يفعلها أو لا يفعلها؟ وإنما يستخير في الأمور التي هي مباحة، والتي هي مترددة بين هل الإنسان يفعلها أو لا يفعلها، أما ما كان مشروعاً أو كان لازماً، فإن هذا لا يستخير فيه الإنسان، يعني كون الإنسان يريد أن يصلي صلوات، لا يستخير الله في أنه يصلي، كون الإنسان يريد أن يحج، لا يستخير الله في أنه يحج؛ لأن هذه أمور مشروعة، ومطلوبة، والخير في فعل العبادة والتقرب إلى الله عز وجل في العبادة؛ لأن فعل العبادة خير للإنسان، وهو قربة للإنسان يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، قالوا: فهو من العام المراد به الخصوص، أي: أنه ليس باقياً على عمومه، [(كما يعلمنا السورة من القرآن)]، أي: للاهتمام والعناية في ذلك، فيقول في تعليمهم الاستخارة: إذا هم أحدكم بالأمر، يعني: إذا قصد أمراً من الأمور، مثل كونه يريد أن يسافر سفراً لأمر ما، لتجارة أو لغير ذلك من الأمور، أو أراد أن يتزوج، أو أراد أن يدخل في عمل من أمور الدنيا كمشروع من المشاريع الدنيوية، بأن يتجه إلى وجهة من الوجهات يطلب الرزق فيها، ويطلب الربح فيها، فهنا يصلي صلاة الاستخارة، وصلاة الاستخارة هي أن يصليها ركعتين، [(إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)]، يعني ما تكون الصلاة التي يستخير الله عز وجل فيها صلاة فريضة، قيل: ولا الرواتب، التي هي تابعة للفريضة؛ لأنها متعلقة، وإنما يصلي صلاةً قصده من هذه الصلاة أنه يستخير الله عز وجل في هذه الصلاة، يركع ركعتين من غير الفريضة، يصلي هاتين الركعتين، ثم يدعو بالدعاء، ويكون هذا الدعاء بعد الفراغ من الصلاة، يدعو بهذا الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، واهتم واعتنى به حتى قال الصحابي: (كما يعلمهم السورة من القرآن)، ثم يقول: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير، أو أطلب منك الخيرة، [(بعلمك)]، أي: بما كنت تعلمه مما هو الخير لي؛ لأن الله عز وجل بكل شيء عليم، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكل شيء مقدر، جف القلم بما هو كائن، وقد مر بنا قريباً حديث أبي هريرة: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لكن الله عز وجل شرع للناس مع هذا أن يدعوا الله عز وجل، والدعاء عبادة، ولا يقال: إن الله عز وجل إذا كان قد قدر شيئاً للإنسان، فهذا الذي قدره الله عز وجل ما يحتاج إلى أن يفعل أشياء كالدعاء؛ لأن المقدر كائن؛ لأن الله عز وجل يقدر السبب، ويقدر المسبب، يقدر الأسباب، والمسببات، فالمسبب يقدر له سبباً، ويكون السبب مقدرا، والمسبب مقدراً، ويكون من أسباب حصول المقدر الذي هو مقصود، ومطلوب، أن الإنسان يدعو، فيكون الله عز وجل قدر هذا الذي قدره مما يريده الإنسان، وقدر شيئاً يفعل للوصول إليه كالدعاء، وكالأفعال التي يفعلها الإنسان للوصول إلى ما يريد، (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، يعني الإنسان يبذل الأسباب، ويفعل الأسباب للوصول إلى ما يريد، والمقدر كائن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالقدر، وبأن كل شيء مقدر، قالوا: (أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل قال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، والله عز وجل كتب أن هذا يكون من أهل الجنة، وهذا يكون من أهل النار، وكتب أسباباً توصل إلى الجنة، وتوصل إلى النار، والسبب لا بد وأن يقع إذا كان مقدراً، ويقع المسبب بعده أو معه؛ لأن كل ما هو كائن، وكلما هو واقع، فهو بقضاء الله وقدره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

شرح دعاء الاستخارة

وقوله: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير لكونك تعلم ما هو الخير، وتعلم عواقب الأمور، ونتائج الأشياء، وما يترتب عليها، فأنت الذي تعلم الغيب والشهادة، (أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، في اللفظ الذي معنا: (وأستعينك بقدرتك)، لكن أكثر الروايات وفي البخاري وفي غيره: (وأستقدرك بقدرتك)، يعني: أسألك أن تقدرني، يعني: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، تقدرني على فعله، وعلى فعل الأسباب التي توصل إليه، (وأستقدرك بقدرتك)، لكونك القادر على كل شيء، وأنت الخالق لكل شيء، خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل ما يقع من العباد من حركة أو سكون فهو بعلم الله، وقد كتبت في اللوح المحفوظ، وحصلت بمشيئة الله، وحصلت بخلق الله سبحانه وتعالى؛ لأن كل مقدر لا بد فيه من أربعة أمور: سبق علم الله عز وجل بهذا الذي قدره الله، وكتابة الله عز وجل له في اللوح المحفوظ، ومشيئة الله عز وجل أن يقع، وإيجاده، وخلقه، كل هذه الأمور لا بد منها في كل ما هو مقدر، (وأستقدرك بقدرتك)، أي: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، وقيل: إن المقصود من قوله: (وأستقدرتك بقدرتك)، يعني: أطلب منك أن تقدر لي ما هو الخير، والمقصود من ذلك: التيسير، وليس أن يكتب له في اللوح المحفوظ شيئاً هو خير له؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ لا يغير، ولا يبدل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، وقال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فما كتب في اللوح المحفوظ وقدر لا بد وأن يكون، لكن هذا الذي كتب في اللوح المحفوظ قدر بأن يكون له أسباب توصل إليه، فالأسباب مقدرة، والنتائج مقدرة، الوسائل مقدرة، والغايات مقدرة، والإنسان عنده عقل وإرادة ومشيئة، وقد بين له طريق الخير، وطريق الشر، فإن حصل له التوفيق من الله عز وجل سلك طريق الخير، وإن حصل له خذلان -والعياذ بالله- فإنه حاد عن طريق الخير، وصار إلى طريق الشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة)، يعني أن الله قدر السعادة، وقدر أسباباً توصل إلى السعادة، والله عز وجل يوفق من شاء وقدر له السعادة، وفعل الأفعال التي توصل إلى السعادة تكون بتوفيق الله عز وجل وتيسيره، وكذلك (أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، من كتب الله أنه شقي فإنه يعمل الأعمال بمشيئته وإرادته التي توصله إلى تلك الغاية السيئة والعياذ بالله.

قوله: [(وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم)]، وهذا فيه بيان أن كل خير فهو من الله عز وجل تفضلاً، وامتناناً، وإحساناً إلى عباده، فهو الذي يجود، ويتكرم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم بعمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل)؛ لأن العمل هو من الله عز وجل بتوفيقه وتيسيره، فهو الذي تفضل بتيسير العمل، وهو الذي تفضل بالنتائج الطيبة التي تترتب على هذا العمل، فالغاية التي هي حسنة هي بفضل من الله، والوسيلة التي توصل إليها هي بفضل الله سبحانه وتعالى وتيسيره، وتوفيقه، إذ يسر لمن شاء من عباده أن يفعل الأسباب التي توصل إلى السعادة، وتوصل إلى النتائج الطيبة، فما من أحد يدخل الجنة بعمله، يعني: أن القضية معاوضة، وأن الله عز وجل كل ما يحصل للناس ولو كان بأعمالهم، فإن أعمالهم هي فضل من الله عز وجل، توفيق الله عز وجل لهم للأعمال الصالحة هو فضل، فالعمل الصالح هو بفضل الله، وتيسيره، والنتائج الطيبة التي تترتب عليه، وهي السعادة ودخول الجنة، والسلامة من النار، هو بفضل الله عز وجل، فكل خير يحصل للناس فهو بفضل الله وإحسانه، وكل شر يحصل للناس فهو بعدله، وبكسب العباد وبمشيئتهم وإرادتهم، ولهذا يحمدون على ما يحصل منهم من أفعال طيبة، ويذمون على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون العقاب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون الثواب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال حسنة، (وأسألك من فضلك العظيم).

ثم أثنى على الله عز وجل وعظمه بعد أن طلب منه وسأله، وبين أن كل شيء يرجع إلى علمه وإلى تقديره، وإلى قدرته سبحانه وتعالى، قال: (فإنك تعلم ولا أعلم)، يعني: (أستخيرك بعلمك)؛ لأنك تعلم، ولا أعلم، (وأستقدرك بقدرتك)، فإنك تقدر، ولا أقدر، فأنت الذي تعلم السر والعلن، والغيب والشهادة، (وأنت الذي تقدر على كل شيء)، والإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله، ولا يقدر إلا على ما أقدره الله عز وجل عليه، والقدر مما اختص الله تعالى بعلمه، فلم يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، والناس لا يعلمون المقدر إلا بأمرين، لا يعلمون الشيء المقدر إلا بأمرين: أحدهما: وقوع الشيء ووجوده، فإذا وقع شيء ووجد، علم أنه مقدر، سواءً كان خيراً أم شراً؛ لأنه لا يقع في الكون إلا ما شاءه الله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ما شاء الله لا بد من وجوده، وما لم يشأه فلا سبيل إلى وجوده، فإذا وقع الشيء علمنا أنه مقدر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء)، يعني: إذا فعلت الأسباب واستعنت بالله، وحصل لك شيء خلاف ما تريد، ووقع لك مصيبة أو نكبة، أو غير ذلك مما يلحقك فيه ضرر (فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا)، (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني هذا الذي وقع قدر الله، وما شاء فعل، المهم أن الإنسان يفعل الأسباب التي توصل إلى الخير، فإن حصلت الغاية التي يريد فذاك فضل من الله، وإن حصل خلافها فلا يلوم، ولا يتذمر، ولا يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، وما يدريك لو أنك فعلت لكان كذا وكذا، هذا علمه عند الله عز وجل، يمكن أن تفعل، ولا يكون؛ لأن الإنسان قد يشاء شيئاً ولا يكون؛ لأن الله ما شاءه، ولا يشاء شيئاً فيكون؛ فما شئت كان، وإن لم أشأ، أي: ما شئت يا الله كان، وإن لم أشأ أنا، وما شئت إن لم تشأ لم يكن، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، (فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثناء عظيم على الله سبحانه وتعالى، بعد أن سأل ما فيه الخير، فطلب أن يقدره على ما يريد بقدرة الله عز وجل، وسأله من فضله العظيم، وأثنى على الله عز وجل، وبين أن الأمر كله يرجع إليه؛ يرجع إلى علمه، ويرجع إلى قدرته، فقال: (إنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثم بعد هذا التمهيد، وبعد هذا الثناء على الله عز وجل، وبعد أن سأل هذا السؤال العام، يأتى إلى الشيء الخاص الذي يريده.

ثم يقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المشروع، اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة المعينة، اللهم إن كنت تعلم أن سلوكي هذا المسلك، يعين يسمي حاجته التي يطلب من الله عز وجل الخيرة فيها، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)، هذا الأمر لفظ مبهم، والمقصود أنه يسميه؛ لأنه قال في آخره: (ويسمي حاجته)، فبدلاً من أن يقول: هذا الأمر يأتي بالمراد بالأمر، والذي يعنيه بالأمر، فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر الذي هو أمر من الأمور، أو هذا الزواج الذي هو أمر من الأمور، أو دخول في تجارة معينة، أو في وظيفة معينة، فلا يقول الإنسان وهو يدعو: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، وإنما يقول كما قال الرسول في آخر الحديث: (ويسمي حاجته)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج، هذا السفر، هذه التجارة، هذا كذا، يسميه.

وقوله: [(إن كنت تعلم أنه خيرٌ لي في ديني)]، قدم الدين؛ لأنه الأساس، وهو أهم الأشياء وأعظم الأشياء شأناً وقدراً؛ لأن الإنسان أهم شيء بالنسبة له أن يحصل له الصلاح في دينه؛ لأن صلاحه في دينه يعود نفعه عليه في الدنيا والآخرة، ويستفيد من ذلك في الدنيا والآخرة، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي)، يعني: في ديني ودنياي؛ لأن المعاش المقصود به الحياة التي يعيش فيها الإنسان، (وعاقبة أمري)، يعني: نهايته، وغايته، وفي بعض الروايات بدلاً عن: (عاقبة أمري) قال: (عاجل أمري وآجله)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله.

قوله: [(فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، اقدره لي ليس المقصود أن يقدره له، وأن يجعله في اللوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ انتهى، (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لا تغيير لما في اللوح المحفوظ، ما قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ، فإنه لا يكون خلافه، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22]، يعني: في اللوح المحفوظ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، الذي كتبه الله عز وجل لا بد أن يكون، ولكن المقصود بقوله: (اقدره)، أي: يسره لي، يسر لي السبيل الموصلة إليه، وأقدرني عليه، وأقدرني على فعله وعلى فعل ما يوصل إليه وينتهي إليه.

قوله: [(ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، يعني: بعد ما يحصل له هذا الشيء الطيب، وييسر له هذا الأمر، وهو خير له، يجعل فيه البركة، يعني: بعدما يحصل ويتم يسأل الله عز وجل البركة فيه.

قوله: [(وإن كنت تعلم أن هذا الأمر)]، أي: هذا الزواج أو هذا السفر، (شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه)، اصرفه عني، يعني: هذا الشر، واصرفني عنه: حل بيني وبينه، واجعلني لا أقدم عليه؛ لأنه لا يقع شيء إلا بخلق الله، وإيجاد الله، وقدرة الله سبحانه وتعالى، (واصرفني عنه)، ثم قال: (واقدر لي الخير)، يعني: إذا سلمتني من هذا الشر، وصرفت عني هذا الشر، لا يكتفي الإنسان عند هذا الحد، وإنما يسأله أن ييسر له ما هو الخير، فيسأله عز وجل أن يجعل بدل هذا الذي صرف عنه، والذي كان أراده، وهو ليس خيراً له أن يقدر له ما هو الخير، (واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، ويسمي حاجته)، ويسمي حاجته هذا يرجع إلى هذا الأمر، فيسمي حاجته فيقول: هذا السفر، هذا الزواج، هذا التجارة، هذا المشروع، هذه الوظيفة، هذا الذي كذا.. إلى آخره، أي عمل من الأعمال التي يستخار الله عز وجل فيها يسميه، ويعينه.

هذا دعاء عظيم مشتمل على طلب وعلى ذكر، وعلى ثناء على الله عز وجل وتعظيم، ونسبة القدرة إليه، والعلم إليه، وأنه علام الغيوب، وأن علمه محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، والإنسان يطلب ممن هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء أن ييسر له ما يعلم أنه خير له، وأن يقدره على فعل ما يعلم أنه خير له، وبذلك يحصل ما يريد، وإذا كان هذا الذي يريده، سبق في علم الله أنه شر، وأن به مضرة، فإنه يسأل الله عز وجل أن يصرفه عنه؛ أن يصرف هذا الشر عنه، ويصرفه عن هذا الشر، ويحول بينه وبينه، وأن يعوضه عن هذا الذي أراده مما علم الله أنه شر له، أن ييسر له ما هو الخير، وأن يجعله يرضى بذلك الذي قدره الله عز وجل له من الخير.

وهذا الذي جاء من ذكر الدين والمعاش جاء في قوله عليه الصلاة والسلام، في دعاء عظيم (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً من كل شر)، هذا دعاء عظيم، وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة، وشامل للدين والدنيا، (أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كل شر)، وهو دعاء جاء في حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة الاستخارة

قوله: [أخبرنا قتيبة].

وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا ابن أبي الموال].

هو عبد الرحمن، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن محمد بن المنكدر].

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن جابر].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري الذي معنا في الإسناد، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، أربعة أشخاص: قتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، وهذا من أعلى ما يكون عند النسائي، وكذلك عند مسلم أعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف.

ما يعرف به القدر

مداخلة: أحسن الله إليك. ذكرت أن القدر يعرف بأمرين: وقوعه، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الشيخ: إي نعم، الأمر الأول: وقوعه، والأمر الثاني: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر لم يقع بأنه سيقع، مثل إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال، وعن الساعة، وعن عذاب القبر، ونعيمه، وعن خروج يأجوج ومأجوج، وعن نزول عيسى بن مريم، فهذه أمور مستقبلة غيب، لكننا عرفنا أنها مقدرة، وأنها ستقع بإخبار الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن خبر ماضٍ، فلا بد وأن يوجد خبره طبقاً لما أخبر، كإخباره عن بدء الدنيا، وعن الخلق، وعن خلق آدم، وعن خلق الجن، وعن خلق الملائكة، وما إلى ذلك، فهذه أمور مضت، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، وقد علمنا أنها وقعت طبقاً لما أخبر، وكذلك أمور مستقبلة أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها ستقع، فنحن نعلم أنها مقدرة، وأنها ستقع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن أمر سيكون علمنا أنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، فبهذين الأمرين نعرف أن الشيء مقدر، فالشيء الذي وقع علمنا بأنه مقدر، والشيء الذي لم يقع لا ندري، لكن إذا جاءنا خبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه سيكون كذا، وأنه سيوجد كذا، وسيحصل كذا، نعلم أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم سيقع وأنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد، وبغير هذين الأمرين لا نعلم الشيء المقدر.

إنكاح الابن أمه

شرح حديث أم سلمة في إنكاح الولد أمه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الابن أمه

أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها: (لما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر يخطبها عليه، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أني امرأة غيراء، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر ذلك له، فقال: ارجع إليها فقل لها: أما قولك: إني امرأة غيراء، فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية، فستكفين صبيانك، وأما قولك: أن ليس أحد من أوليائي شاهد، فليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك، فقالت لابنها: يا عمر! قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فزوجه)، مختصر].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [إنكاح الابن أمه]، يعني: كون الابن يزوج أمه ويعقد لها، فالابن إذا كان كبيراً يزوج أمه، وهو من أوليائها، لكن إذا كان صغيراً لا يزوجها، فلا يكون ولياً؛ لأنه يحتاج هو إلى ولاية، فلا يكون ولياً لغيره؛ لأنه يحتاج إلى أن يولى عليه، ولهذا لا يصلح أن يكون محرماً في سفر؛ لأنه ليس عنده القدرة على ما شرع المحرم أو السفر مع المحرم من أجله؛ لأنه ضعيف، وليس عنده القدرة على ذلك.

أورد النسائي في هذا حديث أم سلمة رضي الله عنها، لما مات أبو سلمة وانتهت عدتها، تقدم إليها أبو بكر يخطبها فلم تزوجه، أي: ما قبلته، ولم تجبه، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لـعمر وهو الذي أرسل للخطبة: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرين: أنني امرأة غيراء، يعني: عندها غيرة، ولعلها تخشى أن تقصر لغيرتها في حقه، أو يحصل منها شيء لا ينبغي بسبب الغيرة، قد لا يرضاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويحصل منها تقصير في حقه بسبب ذلك، وأني أيضاً امرأة مصبية، يعني: عندي صبيان، وليس من أوليائي أحد شاهد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرها بأن كونها غيراء، سيدعو الله عز وجل أن يذهب عنها ذلك، وكونها مصبية، ستكفى مئونة صبيانها، وكونه ليس من أوليائها شاهد، فليس هناك أحد شاهد أو غائب يكره ذلك؛ لأن الكل يحب القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر ذلك شرف، وخير الأزواج هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت: قم يا عمر فزوج رسول الله، وابنها عمر صغير، فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أنه عقد له، الحديث ذكر الشيخ الألباني أنه ضعيف، لكن ما يتعلق بالغيرة، وكونها مصبية، والخطبة، وما إلى ذلك، هو ثابت في صحيح مسلم، لكن الذي فيه التزويج جاء في هذا الحديث، وأن ابنها عمر هو الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صغير، ومما يدل على عدم سلامة هذا اللفظ الذي جاء في أثنائه من قولها: ليس من أوليائي أحد شاهد، ومع ذلك ابنها كان موجوداً، فهو شاهد يعني: حاضر، فهذا أيضاً مما يبين أن ما يتعلق بقصة تزويج عمر لها يعني يوجد في نفس الحديث، يعني ما لا يتفق معه؛ لأنها نفت أن يكون أحد من أوليائها شاهداً، مع أنه ولي، لكن هو صغير، والصغير لا يكون أهلاً، ولا يكون له ولاية النكاح، لكن الكبير له أن يزوج أمه؛ لأنه من أوليائها، والسبب في الكلام في هذا الحديث من جهة ابن عمر الذي يروي عن أبيه، فإنه قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وقال عنه غيره: إنه مجهول، قال: وعلى هذا فلا يعتمد على ما جاء من طريقه، لكن ما يتعلق بذكر الغيرة، وذكر الخطبة، وذكر الصبيان، فقد جاء من غير هذا الطريق الذي فيه ابن عمر بن أبي سلمة.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في إنكاح الولد أمه

قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].

هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وأبوه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، مشهور، من رجال الكتب الستة، وأما ابنه محمد هذا فهو من رجال النسائي وحده، وهو ثقة.

[حدثنا يزيد].

هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن حماد بن سلمة].

هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن ثابت].

هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة].

اختلف في اسمه على أقوال متعددة، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

[عن أبيه].

هو عمر بن أبي سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أم سلمة].

هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

إنكاح الرجل ابنته الصغيرة

شرح حديث عائشة: (أن رسول الله تزوجها وهي بنت ست...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الرجل ابنته الصغيرة.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع)].

النسائي هذه الترجمة وهي: [إنكاح الرجل ابنته الصغيرة]، يعني: ينكحها من غير أن يستأذنها؛ لأن كونها صغيرة ما عندها التمييز والإدراك، بخلاف البالغة، فإن التي هي مكلفة، والتي تشتهي الرجال، وتميل إلى الرجال، وعندها الحاجة التي تدفعها إلى الرجال، هذه تختلف عن الصغيرة؛ لأن المقصود بالصغيرة غير البالغة، غير المكلفة، هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وكونه ينكحها، أي: يزوجها بغير إذن لها.

والمقصود من الترجمة: أن الصغيرة تنكح إذا تقدم لها من هو كفء، ويفرح به، ويغتبط به، وأما استئذانها فهي ليست محلاً للإذن؛ لأنها ليس عندها القدرة، والمعرفة، فهي تزوج بدون استئذان خشية فوات الكفء؛ لأنها ليست من أهل الاستئذان، وإذا لم يجب هذا الذي خطبها، وهو كفء يفرح به، ويغتبط به، ويسارع إلى الظفر به، فإنه يخشى فواته، فيكون أبوها هو الذي يرى المصلحة لها، بأن يكسب هذا الرجل الذي لو فوته، يمكن أن يذهب إلى غيرها، ثم لا تظفر به ابنته، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وفيها خلاف لأهل العلم، لكن منهم من رأى أن الصغيرة تزوج بدون استئذان تداركاً للكفء الذي تقدم لخطبتها، وخشية فواته، ولا تستأذن؛ لأنها ليست أهلاً للإذن ما دام أنها صغيرة، وليس عندها الميل إلى الرجال، وليس عندها الخبرة التي تكون عند من بلغت سن النكاح، وسن البلوغ، ومن العلماء من قال: إنها لا تزوج الصغيرة؛ لأنه لا بد من الإذن، وهي ليست من أهل الإذن، فإذاً لا تزوج.

والنسائي رحمه الله ذكر هذه الترجمة، واستدل عليها بحديث عائشة في تزويج أبي بكر إياها لرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت صغيرةً في سنها، وأورد فيها حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي ابنة سبع، وبنى بها وهي ابنة تسع)، وجاء في بعض الأحاديث: (أنه توفي عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة)، قالوا: فهذا فيه دليل على أن الصغيرة يزوجها أبوها من غير إذنها إذا جاء كفء يخشى فواته، كما حصل من أبي بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن تحصيل زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها شرف، فيبادر إليه، قالوا: فكذلك إذا كان هناك أحد له منزلة رفيعة، وله مكانة طيبة، وهو أهل لذلك، ويغتبط به، ويفرح به، فتزوج وهي صغيرة بسبب ذلك أو من أجل ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن رسول الله تزوجها وهي بنت ست...)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[أخبرنا أبو معاوية].

هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا هشام بن عروة].

هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو عروة بن الزبير بن العوام، تابعي من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، صاحبة المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والتي حفظ الله تعالى بها الشيء الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله لسبع سنين..) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور حدثنا جعفر بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسبع سنين، ودخل علي لتسع سنين)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، لكن هناك في الحديث السابع (وهي بنت ست)، والذي معنا: (لسبع)، ولعل القول بالسبع أن عمرها كان ستاً وكسراً، والذي قال ست حذف الكسر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله لسبع سنين..) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا محمد بن النضر بن مساور].

صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

[حدثنا جعفر بن سليمان].

صدوق يتشيع، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].

وقد مر ذكرهم.

شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسع سنين..) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبثر عن مطرف عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة: قالت عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتسع سنين، وصحبته تسعاً)].

أورد النسائي حديث عائشة وهو (أن الرسول تزوجها لتسع سنين، وصحبته تسعاً)، يعني: بقيت في عصمته تسع سنوات، ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة؛ لأن تسعاً قبل الدخول عليها، وتسعاً كانت في عصمته، فمات وعمرها ثماني عشرة سنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسع سنين..) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا قتيبة].

مر ذكره.

[حدثنا عبثر].

هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن مطرف].

هو مطرف بن طريف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي إسحاق].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي عبيدة].

هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[قالت عائشة].

وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة: (تزوجها رسول الله وهي بنت تسع..) من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء وأحمد بن حرب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها: (تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة)].

أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: كونه تزوجها وهي ابنة تسع، وصحبته تسع سنوات، أي: أنه مات عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجها رسول الله وهي بنت تسع..) من طريق رابعة

قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].

هو محمد بن العلاء أبو كريب، مشهور بكنيته، يأتي بكنيته ويأتي باسمه، وهنا جاء باسمه ونسبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

أحمد بن حرب].

هو أحمد بن حرب الموصلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

[حدثنا أبي معاوية].

هو محمد بن خازم، وقد مر ذكره.

[عن الأعمش].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن إبراهيم].

هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الأسود].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

وقد مر ذكرها.

إنكاح الرجل ابنته الكبيرة

شرح حديث عمر بن الخطاب في إنكاحه حفصة بعدما تأيمت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إنكاح الرجل ابنته الكبيرة.

أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله: أنه سمع عبد الله بن عمر يحدث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدثنا قال: (تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتوفي بالمدينة، قال عمر: فأتيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعرضت عليه حفصة بنت عمر، قال: قلت: إن شئت أنكحتك حفصة ؟ قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال عمر: قلت: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئاً فيما عرضت علي إلا أني قد كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلتها)].

أورد النسائي إنكاح الرجل ابنته الكبيرة، والكبيرة تستأذن، سواءً كانت بكراً أو ثيباً، البنت الكبيرة تستأذن، سواءً كانت بكراً أو ثيباً كما ستأتي الأحاديث في ذلك، يعني أن (الثيب أحق بنفسها)، وفي بعض الروايات: (الأيم أحق بنفسها)، وهو يشمل أي امرأة بلا زوج، سواءً كانت بكراً أو ثيباً، فالمقصود من الترجمة أن الرجل يزوج ابنته الكبيرة، لكن الكبيرة تستأذن في الزواج، ولا تزوج بغير إذنها، وقد أورد النسائي حديث عمر رضي الله عنه في قصة عرضه ابنته على عثمان ثم على أبي بكر بعد أن تأيمت من زوجها خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه قال: سأنظر في أمري، وأجابه بعد مدة بأنه بدا له ألا يتزوج في الوقت الحاضر، وأبو بكر رضي الله عنه سكت ولم يجبه بشيء، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها إياه، وبعد ذلك.. بعد أن صار ذلك السر علانية جاء أبو بكر إلى عمر ليعتذر، وقال: لعلك وجدت في نفسك إذ لم أرد عليك جواباً؟ قال: نعم، قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه بشيء، وما قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها، فأنا لا أريد أن أتزوجها وقد ذكرها.. هو لم يخطبها، وإنما كان يذكرها، ويتحدث مع كبار أصحابه أو مع بعض كبار أصحابه بشأنها، فعلموا بأنه يريدها، فلم يجب أبو بكر رضي الله عنه عمر بشيء، واعتذر له بهذا العذر، وقال: لم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها، لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدل عنها، ولم يرد الزواج منها، لحققت لك ما أردت مني من الزواج منها، والمقصود من الحديث: كون عمر رضي الله عنه زوج ابنته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كبيرة، وعرضها على عثمان، وعلى أبي بكر وهي كبيرة، يعني متوفى عنها وثيب رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في إنكاحه حفصة بعدما تأيمت

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.

[حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد].

ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه].

هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن صالح].

هو صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن شهاب].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرني سالم بن عبد الله].

هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[سمع عبد الله بن عمر].

هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

[أن عمر بن الخطاب].

وهو الخليفة الراشد، ثاني الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وقد مكث في الخلافة عشر سنوات وأشهراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب كيف الاستخارة) إلى (باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net