إسلام ويب

تنتشر الحرمة في حال الرضاع خمس رضعات فأكثر، فيحرم على الرضيع أمه من الرضاعة وأقاربها، وكذلك يحرم الأب من الرضاعة؛ لأن الأب من الرضاعة -زوج المرضعة- هو صاحب اللبن، فيحرم هو وأقاربه، وكذلك إن كان له زوجات أخر فيحرمن على الرضيع أيضاً.

ما يحرم من الرضاع

شرح حديث: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يحرم من الرضاع.

أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى حدثنا مالك حدثني عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)].

يقول النسائي رحمه الله: ما يحرم من الرضاع. مقصود النسائي من هذه الترجمة: أن الرضاع يحصل به التحريم، وما الذي يحرمه هذا الرضاع. وقد أورد الأحاديث العديدة الدالة على أن الرضاع يحرم به ما يحرم من النسب، وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء شيء من ذلك في القرآن، لكن هذا الحديث من الأحاديث الجامعة التي هي: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فهو لفظ عام يدل على أن الرضاع مثل النسب، وأنه يحرم منه، أي: من الرضاع، ما يحرم من النسب.

وقد أورد النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع). المراد بالولادة: النسب، ومعنى هذا: أن ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع، كالأب من الرضاع، والابن من الرضاع، والأخ من الرضاع، كل هؤلاء يعتبرون إخوة، فإذا كان هناك رجل له أخت من الرضاع، له بنت من الرضاع، له أم من الرضاع، له كذا، كل هذا له حكم النسب، بمعنى أنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع)

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].

هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.

[حدثنا يحيى].

هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا مالك].

هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[حدثني عبد الله بن دينار].

هو عبد الله بن دينار المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن سليمان بن يسار].

هو سليمان بن يسار المدني، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة].

هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة].

هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات روايةً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (... فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرته: (أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن عليها فحجبته، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: لا تحتجبي منه، فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أن عمها من الرضاعة أفلح أخا أبي القعيس، واستأذن عليها فحجبته، يعني: امتنعت من أن يلتقي بها بدون حجاب، وامتنعت من ذلك، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام فنهاها أن تحتجب منه، وقال: (إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، يعني: أرشدها إلى هذا الحكم، وأعطى القاعدة العامة، وبهذه الكلمة الجامعة: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، فالعم من الرضاع كالعم من النسب، وعائشة رضعت من لبن أبي القعيس، وأفلح هو أخو أبي القعيس، فيكون أبي القعيس أبوها من الرضاع، وأفلح عمها من الرضاع.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا قتيبة].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا الليث].

هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن يزيد بن أبي حبيب].

هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عراك بن مالك].

هو عراك بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة عن عائشة].

وقد مر ذكرهما.

حديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].

أورد حديث عائشة، وهو مثل ما تقدم، الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

هو الملقب بـبندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة.

[حدثنا يحيى].

وهو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن مالك].

وقد مر ذكره.

[عن عبد الله بن أبي بكر].

هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عمرة].

هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة رضي الله عنها].

وقد مر ذكرها.

حديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا علي بن هاشم عن هشام بن عروة عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة)].

حديث عائشة من طريق أخرى: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة).

قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].

هو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.

[حدثنا علي بن هاشم].

وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن هشام بن عروة].

هشام بن عروة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن أبي بكر].

وقد مر ذكره.

[عن أبيه].

وهو: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عمرة أنها قالت: سمعت عائشة].

وقد مر ذكرهما.

تحريم بنت الأخ من الرضاعة

شرح حديث علي في تحريم بنت الأخ من الرضاعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم بنت الأخ من الرضاعة.

أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! مالك تنوق في قريش وتدعنا؟ قال: وعندك أحد؟ قلت: نعم، بنت حمزة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة)].

ثم أورد هذه الترجمة وهي: تحريم بنت الأخ من الرضاعة، يعني: كما أن بنت الأخ من النسب تحرم، فبنت الأخ من الرضاعة تحرم؛ لأنه (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (مالك تنوق في قريش وتدعنا؟)، يعني: تختار من النساء، وتتزوج، (وتدعنا معشر بني هاشم)، والمقصود من قوله: قريش، يعني: سوانا؛ لأن بنو هاشم هم من قريش، وإنما المقصود منه أنه يأخذ من قريش يعني سوى بني هاشم، ولهذا قال: تدعنا، يعني: تدعنا معشر بني هاشم من قريش، قال: (وهل عندك أحد؟)، يعني: هل هناك أحد تقترحه وتذكره؟ (قال: ابنة حمزة، قال: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة)، فإن عمه حمزة قد رضع هو وإياه، فجمعهما الرضاعة، (ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

تراجم رجال إسناد حديث علي في تحريم بنت الأخ من الرضاعة

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].

هو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن أبي معاوية].

هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الأعمش].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن سعد بن عبيدة].

سعد بن عبيدة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي عبد الرحمن السلمي].

وهو عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن علي].

هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره، وأبو الحسنين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ذكر لرسول الله بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن محمد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)، قال شعبة: هذا سمعه قتادة من جابر بن زيد].

ثم أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة)، يعني: ذكرت له من أجل الزواج، يعني: ذكر له يعني زواجها، وعرض عليه زواجها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنها ابنة أخي من الرضاع)، وبنت الأخ من الرضاع لا تحل، كما أن بنت الأخ من النسب لا تحل، ثم قال: قال شعبة: هذا سمعه قتادة من جابر بن زيد، أي: أن قتادة مدلس، وهذا فيه التصريح بأنه سمع، لكن من الأمور المشهورة المعروفة أن شعبة هو الذي قال هذا، فشعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، يعني: ما أمن تدليسهم فيه؛ ومن القواعد التي تذكر في علم المصطلح أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أُمن تدليسهم فيه، وهذا فيه زيادة التصريح من شعبة بأنه سمع، أي أن: قتادة سمع من جابر بن زيد.

تراجم رجال إسناد حديث: (ذكر لرسول الله بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة)

قوله: [أخبرني إبراهيم بن محمد].

هو إبراهيم بن محمد التيمي، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

[عن يحيى بن سعيد].

وقد مر ذكره.

[عن شعبة].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن قتادة].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن جابر بن زيد].

وهو أبو الشعثاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (أن رسول الله أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)].

أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، قال فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أريد)، أريد منه، وطلب منه، ورغب منه أن يتزوج بنت حمزة، فقال: (إنها ابنة أخي من الرضاع)، يعني: فهي لا تحل لي؛ لأنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أريد على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله].

عبد الله بن الصباح بن عبد الله، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[حدثنا محمد بن سواء].

وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فقد خرج له في الناسخ والمنسوخ.

[حدثنا سعيد].

هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس].

وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.

القدر الذي يحرم من الرضاعة

شرح حديث عائشة في القدر الذي يحرم من الرضاعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [القدر الذي يحرم من الرضاعة.

أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان فيما أنزل الله عز وجل، وقال الحارث: فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي مما يقرأ من القرآن)].

أورد النسائي بعد أن ذكر الترجمة أو التراجم المتعلقة بالتحريم بالرضاع، وهي مطلقة، تحتمل أن يكون القليل والكثير يحصل به التحريم لإطلاقها وعدم تقييدها؛ لأنه قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وتحرم الرضاعة ما تحرمه الولادة، فهو لفظ مطلق يحتمل الرضعة الواحدة، والثنتين، والثلاث، والأكثر من ذلك، بعد هذا عقد هذه الترجمة التي فيها التقييد، وبيان أن هناك حد أدنى إذا وصل إليه حصل التحريم، وإذا لم يوصل إليه فإنه لا تنتشر الحرمة، وهو الخمس الرضاعات، فالرضعة، والرضعتان والثلاث والأربع لا يحصل بها تحريم، وإنما التحريم يحصل بالخمس فما فوق، فأتى بالترجمة المقيدة التي تدل على أنه ليس كل رضاع يحرم، وليس كل مقدار من الرضاع يحرم، بل المقدار الذي يحرم هو ما كان خمس رضعات فما فوق، وما قل عنها فإنه لا يحصل به التحريم، والمقصود بالرضعة يعني: كون الطفل يلتقم الثدي، ويرضعه ثم يطلقه، ثم يعود فيرضعه ثم يطلقه، فهذه رضعتان، ليس معنى ذلك: أنه يجلس في حجر المرأة، أو يوضع في حجر المرأة ويرضع ما شاء، وتكون رضعة، لا، وإنما الرضعة هي التقام الثدي، وحصول الرضاع منه ثم إطلاقه، فهذه رضعة من الرضعات الخمس، فقد تجتمع الخمس في مكان واحد، وفي جلسة واحدة، ولا يلزم تعدد الأماكن ولا تعدد الجلسات، بل يمكن أن تتعدد بأن يكون في جلسة واحدة يرضع مرة واحدة بأن يلتقم الثدي ثم يطلقه، وقد يكرر ذلك في جلسة واحدة، فتكون كل التقامة للثدي وإطلاقه إياه تعتبر رضعة واحدة.

وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل عشر رضعاتٍ معلومات يحرمن، فنسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)، هذا الحديث فيه دليل على أنه كان في أول الأمر أن التحريم يكون بعشر رضعات، وقد نزل بذلك قرآن ثم نسخ، والناسخ له خمس رضعات معلومات يحصل بهن التحريم، ثم قالت: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن).

ومن المعلوم أنه لا وجود لهذه الرضعات في القرآن التي بين أيدينا، قالوا: فنسخ أيضاً هذا من حيث التلاوة وبقي الحكم، وكان بعض الصحابة لكون النسخ كان متأخراً ولم يعلم بالناسخ، كان يفهم أنها من القرآن، وأنها تقرأ من القرآن، حتى علم الناسخ بعد ذلك، فقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها مبني على هذا، على أساس أن هذه الخمس ما كانت تعلم أنها نسخت فقالت هذه المقالة.

وهذا الحديث فيه مثال لمسألتين أو لصورتين من صور النسخ في التلاوة والحكم؛ فإن فيه مثال في نسخ التلاوة والحكم وهو العشر الرضعات، كانت قد أنزلت وأنها عشر تحرم، فنسخت التلاوة ونسخ الحكم، نسخت التلاوة فلا تقرأ، ولا وجود لها في القرآن، ونسخ الحكم فلا تحرم العشر الرضعات، بل يحرم ما دونها وهو الخمس، فهذا منسوخ التلاوة والحكم، وهذا مثال لما نسخت تلاوته وحكمه. أما الثاني وهو الخمس الرضعات، فهو مثال لما نسخت تلاوته وبقي حكمه، وهذا مثل الرجم أيضاً، وقضية الرجم كان موجوداً في القرآن وهي آية الرجم، ثم نسخت وبقي حكمها، فالخمس الرضعات مثل قصة الرجم، يعني: منسوخ التلاوة باقي الحكم.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في القدر الذي يحرم من الرضاعة

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].

هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[حدثنا معن].

هو: معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا مالك].

وقد مر ذكره.

الحارث بن مسكين قراءةً].

شيخ النسائي، وهذا إسناد آخر، والحارث بن مسكين ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.

[حدثني ابن القاسم].

هو عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

[عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر].

وقد مر ذكرهما.

[عن عمرة].

وقد مر ذكرهما.

ترك الرضيع للثدي بغير طواعية واحتسابها رضعة

مداخلة: ولو ترك الثدي بغير طواعية، مثلاً أراد أن يتنفس يشرب ثم يتنفس، كذلك أيضاً نفس الشيء، يعني حتى لو أطلق من أجل التنفس، مع أنه يعني غالباً الأطفال يرضعون وهم يتنفسون، أقول: يتنفس وهو يرضع، لكن لو أطلقه لأي سبب من الأسباب فإنه تعتبر واحداً، وإن كان بفعل الآدمي المرضع نفسها هي التي تجر الثدي تعتبر رضعة، ولا يقال: إنها غير رضعة.

شرح حديث: (لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة وأيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل رضي الله عنها: (أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الرضاع؟ فقال: لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان)، وقال قتادة: (المصة والمصتان)].

أورد النسائي حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان)، وقال قتادة: (المصة والمصتان)؛ لأنه ذكر الإسناد فيه قتادة، وأيوب، وكان لفظ أيوب (الإملاجة والإملاجتان)، وأشار إلى لفظ قتادة الذي لم يسق لفظه تبعاً للإسناد، فقال: قال قتادة: (المصة والمصتان)، يعني هذا عبر بالإملاجة والإملاجتان، وهذا عبر بالمصة والمصتان، وهما بمعنىً واحد، إلا أن اللفظ اختلف، فـأيوب عبر بالإملاجة والإملاجتين، وقتادة عبر بالمصة والمصتين، والمقصود أنها لا تحرم، وليس معنى ذلك أن ما فوقها يحرم، وهو الثلاث والأربع، فإن هذا ليس فيه نص على ما فوق، وهو مفهوم، لكن جاء ما يدل على أنه لا يحرم إلا ما كان خمساً فأكثر، فصارت الثالثة والرابعة يعني دل على عدم اعتبارهما حديث الخمس الرضعات المعلومات التي يحرمن، وقد جاء في بعض الروايات: أنه سئل عن الإملاجة والإملاجتين، والمصة والمصتين فأجاب، فلعل الجواب جاء طبقاً للسؤال، يعني المصة والمصتين، فأجاب أو حصل الجواب بأنها لا تحرم المصة والمصتين، ولو أنه جاء ابتداءً فإن فإنه ما فوقه يعتبر مفهوم، وما جاء في حديث: (فنسخن بخمسٍ معلومات)، يعني: يدل على أنه لا يحرم ما دون الخمس، فتكون الثالثة والرابعة غير محرمة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان)

قوله: [أخبرنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله حدثنا محمد بن سواء حدثنا سعيد عن قتادة].

هؤلاء مر ذكرهم.

أيوب]

هو: ابن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[سعيد بن أبي عروبة وقتادة].

مر ذكر هؤلاء.

[عن صالح أبي الخليل].

وهو: صالح بن أبي مريم أبي الخليل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن الحارث بن نوفل].

هو: عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أم الفضل].

وهي: أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، زوجة العباس بن عبد المطلب، وأم أولاده، وأكبرهم الفضل؛ ولهذا يقال لها: أم الفضل، فهي أم الفضل وأم عبد الله، وهي أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث عبد الله بن الزبير: (لا تحرم المصة ولا المصتان) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى عن هشام حدثني أبي عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تحرم المصة والمصتان)].

ثم أورد حديث عبد الله بن الزبير، وهو بمعنى الحديث المتقدم، (لا تحرم المصة ولا المصتان).

قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].

هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[عن يحيى].

هو يحيى القطان، وقد مر ذكره.

[عن هشام].

هو هشام بن عروة، وهو ثقة، يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثني أبي].

وقد مر ذكره.

[عن عبد الله بن الزبير].

هو عبد الله بن الزبير بن العوام، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث عائشة: (لا تحرم المصة ولا المصتان) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان)، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب].

وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

[حدثنا ابن علية].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أيوب].

وهو السختياني، وقد مر ذكره.

[عن ابن أبي مليكة].

وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد الله بن الزبير عن عائشة].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد يعني ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي نسأله عن الرضاع؟ فكتب أن شريحاً حدثنا أن علياً وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان: يحرم من الرضاع قليله وكثيره، وكان في كتابه: أن أبا الشعثاء المحاربي حدثنا أن عائشة حدثته رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)].

أورد حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)، والمقصود من ذلك الرضعة السريعة أنها لا تحرم، وكذلك أيضاً كما عرفنا حتى الثالثة، والرابعة، لا يحصل بها التحريم، وكذلك لا السريعة، ولا البطيئة، يعني سواءً صارت قليلة أو كثيرة، ما دام أنها في حدود الأربع فأقل فهي غير محرمة، طالت أم قصرت، وإنما يحرم الخمس فما فوق.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].

وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.

[حدثنا يزيد يعني ابن زريع].

وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة: يعني ابن زريع هذه الذي قالها النسائي أو من دونه، ولا يقولها تلميذه الذي هو محمد بن بزيع، وإنما يقولها من دون التلميذ، وهو النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) مثل (هو)، هو ابن فلان؛ لأنهم يعبرون بهو ابن فلان أو يقول: يعني ابن فلان، وكلمة (يعني) فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، والذي قال كلمة يعني هو من دون التلميذ، فإذاً كلمة يعني لها قائل قالها، ولها فاعل، وهو ضمير مستتر فيها، وذلك الضمير المستتر يرجع إلى التلميذ، والقائل لهذه الكلمة هو من دون التلميذ، فإذاً هذه الكلمة لها فاعل، وهو ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، ولها قائل الذي تلفظ بها، وهو من دون التلميذ، ويزيد بن زريع ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

وقد مر بنا في الحديث الماضي أن النسائي نسب شيخاً من شيوخه بمقدار سطر وزيادة حتى أوصله إلى الصحابة، وهو محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام، سردهم إلى الزبير بن العوام، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، يمكن أنه يطول في نسبه، ويمكن أنه يختصر في نسبه لكن إذا اختصر في نسبه، وجاء غيره ليوضح هذا المهمل فعليه أن يأتي بكلمة (هو)، أو يأتي بكلمة (يعني) حتى يعلم أن ما وراء (هو)، ووراء (يعني) ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وهذا من دقة المحدثين، وعنايتهم بالضبط، وعدم الزيادة على ما يقوله التلميذ، ومع إرادتهم الإيضاح، والبيان، يأتون باللفظ الذي يوضح، ويبين، والذي يدل على أنه من عند من دون التلميذ.

[عن سعيد عن قتادة].

وقد مر ذكرهما.

[يقول: كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي].

يقول قتادة: كتبنا إلى إبراهيم بن يزيد النخعي نسأله عن الرضاع؟ فقال: إن شريحاً حدث عن علي وابن مسعود أنهما كانا يقولان: يحرم الرضاع القليل والكثير، يعني معناه: أن التحريم مطلق وليس مقيداً بعدد، فالرضعة الواحدة تحرم، ثم ذكر في كتابه، يعني بعدما نقل عن شريح عن عبد الله، وعن علي أنهما يقولان: بتحريم الرضاع القليل والكثير.

[عن عائشة].

عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم الخطفة والخطفتان)، وهي من قليل الرضاع، ومع ذلك غير محرمة في نص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ذكره شريح عن علي وابن مسعود أن القليل والكثير يحرم، والذي ساقه بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن القليل الذي هو الواحدة والاثنتين أنها لا تحرم.

[أن أبا الشعثاء المحاربي]

هو: سليم بن الأسود المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة

[أن عائشة].

عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (... فإن الرضاعة من المجاعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري في حديثه عن أبي الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق قالت عائشة رضي الله عنها: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة، فقال: انظرن ما إخوانكن، ومرة أخرى: انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإن الرضاعة من المجاعة)].

ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل قاعد، فاشتد الغضب، وظهر الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة، يعني: ما كل رضاعة تحرم، فلا بد من الاحتياط، ولا بد من معرفة أن التحريم حاصل، فلا يكون الرضاع أقل من خمس؛ لأن الرضاع أقل من خمس لا يحرم ويكون أجنبياً، يعني إذا حصل الرضاع في واحد، أو اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، فما حصلت القرابة، وما حصلت الصلة بينهما بسبب ذلك، وكذلك أيضاً أمر آخر، وهو أن الرضاع المحرم هو الذي يكون في الصغر، وهو الذي يسد الجوع، وليس كل رضاع محرم، فما كان بعد الحولين، وما كان في الكبر، فإنه لا يحصل به التحريم؛ لأنه يتغذى بغير اللبن، وبغير رضاع الثدي، فالقليل من الرضاع لا يحرم، وتعتبر أجنبية وهو أجنبي منها، والرضاع بعد الحولين، وهو رضاع الكبير الذي استغنى عن الرضاع وعن التغذي باللبن لبن المرأة فأيضاً كذلك لا يحصل به التحريم.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإن الرضاعة من المجاعة)، يعني: هناك نوع من أنواع الرضاع، أو حالة من حالات الرضاع لا يحصل بها التحريم، وهو رضاع الكبير الذي لا يتغذى بالرضاع، ولهذا قال: (إنما الرضاعة من المجاعة)، يعني: ما سد الجوع، يعني جوع الصبي الرضيع، هذا هو الذي ليس بالتحريم، وأما إذا كان يتغذى بالطعام ولا يتغذى باللبن، أو كان كبيراً، فهؤلاء لا يحصل تحريم في حقهم، بل هم أجانب.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن الرضاعة من المجاعة)

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].

مر ذكره.

أبو الأحوص].

هو سلام بن سليم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أشعث بن أبي الشعثاء].

هو سليم المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبيه أبي الشعثاء].

وهو الذي مر قبل ذلك، سليم بن الأسود المحاربي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن مسروق].

وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عائشة]

وقد مر ذكرها.

لبن الفحل

شرح حديث: (... إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [لبن الفحل.

أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عندها، وأنها سمعت رجلاً يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة، قالت عائشة: فقلت: لو كان فلانٌ حياً لعمها من الرضاعة دخل علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)].

أورد النسائي هذه الترجمة وهي: لبن الفحل، يعني: أن الحرمة تنتشر من قبل صاحب اللبن الذي هو الزوج، زوج المرأة المرضعة، فالتحريم لا يختص بالمرأة بأن يكون أبناؤها إخواناً للرضيع، وإخوانها أخوالاً للرضيع، وأبوها أب للرضيع وما إلى ذلك، بل حتى أيضاً الزوج الذي هو صاحب اللبن، فإنه تنتشر الحرمة إلى أقاربه، فيكون هو أب للرضيع، وإخوانه أعمام للرضيع، وأولاده إخوان للرضيع.. وهكذا، ولو كان من عدة زوجات، ما دام أنه قد رضع من لبنه، فلو كان له عدة زوجات، وله منهن بنات، فإنهن أخوات لأولاد ذلك الرجل من جميع الزوجات؛ لأن العبرة بكونها رضعت من لبنه، فجميع من رضع من لبنه يعتبرون إخواناً له، سواءً كانوا من زوجات متعددات أو من زوجة واحدة، فالحرمة تنتشر إلى الجميع، ولهذا لو رضع طفل من امرأة خمساً فأكثر؛ فإن أولادها سواءً كانوا من ذلك الزوج الذي هو صاحب اللبن أو من أزواج آخرين هم إخوان له من الرضاعة من الأم، يعني إذا كانوا من أزواج آخرين، وكذلك ذلك الرضيع ابن لزوجها صاحب اللبن من الرضاعة، وهو أخ لجميع أولاده إذا كان له زوجات متعددات، معنى هذا: أن الحرمة تنتشر إلى أقارب الزوجة الذي هو الأم المرضعة، وكذلك إلى الزوج الذي هو صاحب اللبن، فتنتشر الحرمة إلى أقاربه.

وأورد هنا حديث عائشة رضي الله عنها: وأن رجلاً استأذن في بيت حفصة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمها من الرضاع؛ لأنه أخو أبيها من الرضاع، يعني أبوها من الرضاع الذي هو صاحب اللبن والذي هو الفحل أخوه يعتبر عماً لها، فالرسول لما قال: عمها من الرضاع، يعني: أخو أبيها من الرضاع، أبوها من الرضاع، وهذا عمها من الرضاع، قالت: [(لو كان فلانٌ حياً لعمها من الرضاعة دخل علي)]، يعني: تريد أو تشير إلى عمها من الرضاعة فلان ابن فلان، هو عم لها من الرضاع، دخل علي؟ قال: نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، ففيه الدلالة على ما ترجم له من لبن الفحل؛ لأنه جعل صاحب اللبن أباً، وجعل أخاه عماً، فانتشرت الحرمة إلى جانب الزوج صاحب اللبن مع انتشارها إلى أقارب الزوجة المرضعة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن].

وقد مر ذكرهما.

[حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة].

وهؤلاء كلهم مر ذكرهم.

شرح حديث عائشة: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته... فقال رسول الله: ائذني له)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا عطاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته، قال: وقال هشام: هو أبو القعيس، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ائذني له)].

أورد النسائي حديث عائشة، وهو أنه جاء عمها من الرضاع أبو الجعد أو أبو القعيس، وأنها رددته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائذني له)؛ لأن العم من الرضاع هو محرم من محارم المرأة، له حق الدخول عليها، وله أن يسافر بها، وله أن يخلو بها؛ لأنه يعتبر من محارمها، والمقصود من ذلك أن فيه إثبات لبن الفحل وأن الحرمة تنتشر به، إثبات أن الحرمة تنتشر بلبن الفحل كما تنتشر إلى أقارب المرضعة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (جاء عمي أبو الجعد من الرضاعة فرددته ... فقال رسول الله: ائذني له)

قوله: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[أخبرنا عبد الرزاق].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا ابن جريج].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[أخبرنا عطاء].

وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة أن عائشة].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن جده عن أيوب عن وهب بن كيسان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أخا أبي القعيس استأذن على عائشة بعد آية الحجاب فأبت أن تأذن له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائذني له، فإنه عمك، فقلت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فقال: إنه عمك فليلج عليك)].

أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أبي القعيس وعدم إذنها له، وأنه لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: (إنه عمك من الرضاع فليلج عليك)، وهي أيضاً راجعته، وقالت: إن ما أرضعتني المرأة وليس الرجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائذني له فليلج عليك)؛ لأن المرأة إنما حصل لها اللبن من الحمل الذي كان من ذلك الزوج، فتكون هي أماً للرضيع من الرضاعة، وزوجها صاحب اللبن يكون أباً للرضيع من الرضاعة، ثم تنتشر الحرمة إلى أقاربه، فإخوانه أعمام، وأولاده إخوان وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها

قوله: [أخبرنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث].

وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وهذا عبد الوارث الحفيد الذي هو عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث؛ لأن فيه عبد الوارث الجد، وعبد الوارث الحفيد، فالحفيد صدوق.

[عن حدثني أبي].

هو عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن جده].

هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أيوب].

هو أيوب السختياني، وقد مر ذكره.

[عن وهب بن كيسان].

وهب بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة عن عائشة].

وقد مر ذكرهما.

حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله أخبرنا معن حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان أفلح أخو أبي القعيس يستأذن علي وهو عمي من الرضاعة، فأبيت أن آذن له، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: ائذني له فإنه عمك، قالت عائشة: وذلك بعد أن نزل الحجاب)].

أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أبي القعيس، وهي مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله أخبرنا معن حدثنا مالك عن ابن شهاب].

وهؤلاء مر ذكرهم جميعاً.

[عن عروة عن عائشة].

وقد مر ذكرهم أيضاً.

حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استأذن علي عمي أفلح بعدما نزل الحجاب فلم آذن له، فأتاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته، فقال: ائذني له فإنه عمك، قلت: يا رسول الله! إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، قال: ائذني له تربت يمينك، فإنه عمك)].

أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].

عبد الجبار بن العلاء، وهو لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.

[عن سفيان].

وهو: ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة].

وهؤلاء مر ذكرهم جميعاً.

حديث عائشة في أمر النبي لها أن تأذن لأخي أبي القعيس بالدخول عليها من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا أبو الأسود وإسحاق بن بكر قالا: حدثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن فقلت: لا آذن له حتى استأذن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت له: جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن، فأبيت أن آذن له، فقال: ائذني له فإنه عمك، قلت: إنما أرضعتني امرأة أبي القعيس ولم يرضعني الرجل، قال: ائذني له فإنه عمك)].

أورد النسائي حديث عائشة في قصة عمها من الرضاع أفلح أخي أبي القعيس، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود].

هو الربيع بن سليمان بن داود الجيزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.

[حدثنا أبي الأسود].

هو النضر بن عبد الجبار، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي، وابن ماجه.

إسحاق بن بكر].

هو إسحاق بن بكر بن مضر، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم والنسائي.

[عن بكر بن مضر المصري].

وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[عن جعفر بن ربيعة].

جعفر بن ربيعة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عراك بن مالك].

عراك بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة عن مالك].

وقد مر ذكرهما.

الأسئلة

معنى الإمارة الشرعية وما يدخل تحتها

السؤال: ما هي الإمارة الشرعية؟ بعض الجماعات الدعوية عندنا في الكويت تنصب لها أميراً يسمونه أميراً تربوياً أو دعوياً، ويقولون: إن طاعته واجبة، علماً بأنهم لم يأخذوا إذناً من الإمام على هذا.

الجواب: الإمامة الشرعية أو الإمارة الشرعية هي التي يكون بيدها الحل والعقد، وتجوز الإمارة أو وضع الإمارة يعني على غير هذا في السفر، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا سافر جماعة يؤمرون واحداً منهم، وهذه الإمارة المقصود منها أن يكون مرجعاً لهم يستأذنونه إذا أراد أحد أن يذهب، وكذلك يرجعون إليه عند الاختلاف في كونهم ينزلون أو يواصلون؛ لأنهم لو لم يكن لهم أميراً يرجعون إليه، يمكن أن يكون كل واحد منهم يذهب بنفسه ولا يدرى عنه، لكن إذا جعلوا أميراً استأذنوه ورجعوا إليه، فهذه الإمارة التي جاءت في السنة لغير الأمير الذي هو الوالي الذي بيده الحل والعقد، وبيده الأمر، وبيده التنفيذ، وله السلطة على الناس، يعني هذا هو الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب ما يحرم من الرضاع) إلى (باب لبن الفحل) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net