إسلام ويب

بيّن الشرع الحكيم ما يلجأ إليه من إعمال القرعة عند اشتراك جماعة نفر في وطء أمة ومجيئها إثر ذلك بولد، فمن خرجت القرعة له نسب الولد له، كما أوضح أن القافة من الطرق التي يثبت بها النسب، كما راعى الشرع مصلحة الولد بتخييره بين الأب والأم عند افتراقهما، مع مراعاة الأصلح منهما له في دينه ودنياه.

القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه وذكر الاختلاف على الشعبي فيه في حديث زيد بن أرقم

شرح حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه، وذكر الاختلاف على الشعبي فيه في حديث زيد بن أرقم.

أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: (أتي علي رضي الله عنه بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، ثم سأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه) ].

يقول النسائي رحمه الله تعالى: باب القرعة في إلحاق الولد إذا تنازعوا فيه، مقصود النسائي من هذه الترجمة هو: أن القرعة تتخذ وسيلة لتمييز الأب أو لتعيينه فيما إذا حصل اشتباه، ومن أجل إلحاق الولد بأحد الذين حصل منهم أو فيهم الاشتباه، وقد أورد النسائي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه في قصة قضاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما كان في اليمن، وقد أتي بثلاثة وطئوا امرأة في طهر واحد وأتت بولد، فجاءوا إليه يختصمون، فـعلي رضي الله عنه قال لاثنين: أتقران لهذا؟ ثم قال لاثنين: أتقران لهذا؟ ولما لم يحصل من أحد منهم الإقرار لغيره، وأن كلاً متمسك بطلب حقه ولم يتنازل أو يقر لغيره، صار إلى القرعة بينهم، وقال: إني عامل القرعة فيما بينكم، فمن وقعت له يكون له الولد، وعليه ثلثا الدية لصاحبيه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه، وهذه المسألة وقعت في الاشتراك في أمة يملكها ثلاثة، واتفق أن وطئوها جميعاً في طهر واحد وولدت، وكان كل واحد يدعيه، فـعلي رضي الله عنه لما لم يحصل الإقرار من بعضهم لبعض أقرع بينهم، ومن خرجت له القرعة فإنه يدفع ثلثي الدية، أي: ثلثي دية الأمة، وقد جاء ذلك مصرحاً به في رواية الحميدي في مسنده حيث قال: غرمه لصاحبيه ثلثي قيمة الجارية، وذلك أنها صارت بذلك أم ولد، وأم الولد لا تباع، فذلك الذي صار له الولد مع الأمة يدفع ثلثي قيمة الأمة لصاحبيه؛ لأنه لا سبيل إلى بيعها واقتسام قيمتها، بل لكونها ولدت صارت أم ولد لا تباع وإنما تعتق بعد موته، فلما كان الأمر كذلك، وصار الولد لأحدهم بالقرعة، ألزم بثلثي قيمة الجارية التي لم يحصل بقاؤها في ملكهم وتمكنهم من التصرف فيها بالبيع؛ لأنها صارت أم ولد، وتبقى هي مع صاحب الولد الذي حكم له بالولد وقضي له به.

وقد عقد المجد بن تيمية في منتقى الأخبار لهذا الحديث ترجمة فقال: الشركاء يقعون على أمة في طهر واحد، أي: أنها أمة وليست زوجة، وحصل الاشتراك بكونهم وقعوا عليها في طهر واحد؛ لأن كل واحد يملكها، ومثل هذا لا يصح ولا يسوغ أن كل واحد يقع عليها، أي: على الأمة، والمناسب في مثل ذلك أن تزوج فتكون زوجة لشخص يزوجانه إياها، لكن الذي اتفق وحصل أنهم وطئوها وحملت فكان هذا القضاء من علي رضي الله عنه، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره على ذلك، فكان ذلك بإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت

قوله: [أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم ].

أبو عاصم خشيش بن أصرم ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.

[أنبأنا عبد الرزاق].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الثوري ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن صالح الهمداني ].

هو صالح بن صالح بن حي الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشعبي ].

هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد خير ].

هو ابن يزيد الهمداني الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، يعني: أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

وهذا اسم جاهلي في الجاهلية، والتعبيد يكون لله عز وجل، وقد أجمعوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، قالوا: حاشا عبد المطلب، وعبد المطلب، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر بعض الصحابة ولم يغير اسمه وهو عبد المطلب صحابي لم يغير اسمه.

[ عن زيد بن أرقم ].

زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكب الستة.

شرح حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الشعبي أخبرني عبد الله بن أبي الخليل الحضرمي عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: ( بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من اليمن فجعل يخبره ويحدثه وعلي بها، فقال: يا رسول الله أتى علياً ثلاثة نفر يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر ) وساق الحديث ].

ثم أورد النسائي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، ذكر أوله وأحال على باقيه فيما تقدم.

قوله: [ أخبرنا علي بن حجر ].

هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

[ حدثنا علي بن مسهر ].

علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأجلح ].

الأجلح هو يحيى بن عبد الله، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن الشعبي ].

مر ذكره.

[ عن عبد الله بن أبي الخليل ].

عبد الله بن أبي الخليل مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

[ عن زيد بن أرقم ].

مر ذكره.

شرح حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: ( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه يومئذ باليمن، فأتاه رجل فقال: شهدت علياً أتي في ثلاثة نفر ادعوا ولد امرأة فقال علي لأحدهم: تدعه لهذا؟ فأبى، وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبى، وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبى، قال علي رضي الله عنه: أنتم شركاء متشاكسون، وسأقرع بينكم، فأيكم أصابته القرعة فهو له وعليه ثلثا الدية، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ) ].

ثم أورد النسائي حديث زيد بن أرقم من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].

هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[حدثنا يحيى ].

يحيى بن سعيد القطان، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن أبي الخليل عن زيد بن أرقم].

مر ذكرهم.

شرح حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن شاهين حدثنا خالد عن الشيباني عن الشعبي عن رجل من حضرموت عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً على اليمن، فأتي بغلام تنازع فيه ثلاثة). وساق الحديث. قال: خالفهم سلمة بن كهيل ].

ثم أورد النسائي حديث زيد بن أرقم من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أنه ذكر أوله وأحال في باقيه على ما تقدم.

قوله: [أخبرنا إسحاق بن شاهين ].

هو إسحاق بن شاهين الواسطي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، والنسائي.

[ عن خالد ].

هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشيباني ].

هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشعبي ].

مر ذكره.

[ عن رجل من حضرموت ].

وهو مبهم، ويمكن أن يكون عبد الله بن أبي الخليل الحضرمي الذي تقدم ذكره.

[ عن زيد بن أرقم ].

مر ذكره.

[ قال: وساق الحديث، خالفهم سلمة بن كهيل ].

قال: خالفهم سلمة بن كهيل ثم ذكر الإسناد الذي فيه سلمة بن كهيل بعد ذلك.

شرح حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فحملت من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت الشعبي يحدث عن أبي الخليل أو ابن أبي الخليل أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر، فذكر نحوه ولم يذكر زيد بن أرقم ولم يرفعه، قال أبو عبد الرحمن: هذا صواب، والله سبحانه وتعالى أعلم ].

ثم أورد النسائي الأثر أو الحديث من طريق أخرى، لكنه ليس فيه ذكر الصحابي، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل ما تقدم أشار في بقية متنه على ما تقدم.

قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].

محمد بن بشار الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة؛ بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

[ عن محمد ].

هو ابن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي في الأسانيد محمد غير منسوب وهو الذي يسمونه المهمل، يعني: كونه يذكر الاسم ولا يذكر اسم الأب، أي: قد أهملت نسبته، ولكن إذا جاء محمد يروي عنه محمد بن بشار، وهو يروي عن شعبة، فالمراد بهذا المهمل هو غندر محمد بن جعفر البصري، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن شعبة ].

هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن سلمة بن كهيل ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: سمعت الشعبي يحدث عن أبي الخليل ].

قال: سمعت الشعبي والشعبي مر ذكره، وأبو الخليل أو ابن أبي الخليل قد مر ذكره.

وقوله [ قال أبو عبد الرحمن: هذا صواب ].

ثم قال النسائي: هذا صواب، يعني: كونه مرسلاً هذا هو الصواب، ولا أدري كون المرسل هو الصواب مع أنه جاء مرفوعاً من جهة عبد خير، ومن جهة ابن أبي الخليل أيضاً، وذكر فيه الصحابي، وذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ما يستفاد من الحديث في إثبات مشروعية القرعة وصحة نسبة الولد بها

ثم الحديث الذي مر وهو المتعلق بالقرعة يستفاد منه أن القرعة طريق من الطرق التي تثبت بها الأحكام، وذلك فيما إذا حصل التساوي وعدم التمييز، فيميز بها، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر القرعة في موضعين في قصة مريم ووضعهم الأقلام أيهم يكفل مريم، يعني: أنهم اقترعوا واستهموا، وكذلك في قصة يونس عليه الصلاة والسلام فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141]، أي: عملت القرعة ووقعت عليه، وجاء في السنة في مواضع عديدة ثبوت القرعة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وجاءت أيضاً في الإقراع بين النساء عند السفر، النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يسافر، وأراد أن يأخذ امرأة يعمل قرعة، ومن تكون لها القرعة تخرج معه، وكذلك أيضاً في قضية إلحاق الولد كما جاء في هذا الحديث؛ فهو ميز بينهم بالقرعة وأضيف الولد إلى واحد منهم بالقرعة، فهذه أدلة على اعتبار القرعة، وأنه يصار إليها في التمييز.

وفيه أيضاً دليل على أنه لا ينسب شخص واحد إلى أكثر من أب؛ لأن هؤلاء الثلاثة الذين وقعوا عليها في طهر واحد، نسب إلى واحد منهم، ولم ينسب إليهم جميعاً، وتوصل إلى ذلك بالقرعة، وأن القرعة من الطرق التي يصار إليها في التمييز.

القافة

شرح حديث عائشة في حكم القائف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القافة.

أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تري أن مجززاً نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض! ) ].

ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب القافة، والقافة جمع قائف، والقائف هو الذي يعرف الأشباه، ويميز الأشخاص، ويميز من يكون الشخص أقرب إليه من الأشخاص الآخرين بالشبه، وأورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها في قصة مجزز المدلجي، وكان نظر إلى أقدام زيد بن حارثة وابنه أسامة وكانا قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فنظر إلى الأقدام فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن زيداً كان أبيض وابنه أسامة كان أسود، فكان يتكلم فيه وفي هذا التفاوت بينهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قال مجزز المدلجي: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، يعني: أن أحدهما ولد للآخر سر؛ لأن هذا فيه إبطال الشيء الذي كان الناس يتحدثون به والذي كان معروفاً في الجاهلية، لأنهم في الجاهلية كانوا يعتبرون القافة، وهذا كلام من قائف نظر إلى الأقدام وألحق بعضها ببعض، وقال: لبعض هذه الأقدام من بعض، والرسول صلى الله عليه وسل، لا يسر بباطل، ولا يفرح بباطل، وإنما سر بما هو حق، ويفرح بما هو حق عليه الصلاة والسلام، فدل على اعتبار قول القائف والاعتماد عليه.

ففيه دليل على اعتبار القافة، والأخذ بقول القائف عندما يحتاج الأمر إلى الأخذ بقوله.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في حكم القائف

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث ].

الليث هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث عائشة في حكم القائف من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسروراً فقال: يا عائشة ألم تري أن مجززاً المدلجي دخل علي وعندي أسامة بن زيد فرأى أسامة بن زيد وزيداً وعليهما قطيفة وقد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال: هذه أقدام بعضها من بعض! ) ].

ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].

هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[أنبأنا سفيان ].

وهو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري عن عروة عن عائشة ].

مر ذكرهم.

إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد

شرح حديث أبي سلمة الأنصاري في إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد.

أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جده ( أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاء ابن لهما صغير لم يبلغ الحلم فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب ها هنا والأم ها هنا ثم خيره فقال: اللهم اهده، فذهب إلى أبيه ) ].

ثم أورد النسائي إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد، أي: تخييره بين أبيه وأمه، إذا أسلم أحد الزوجين ولم يسلم الآخر، فإنه يلتحق بالمسلم، ولا يلتحق بالكافر، ويكون مع من أسلم من أبويه؛ لأن الولد إذا نشأ مع مسلم ينشأ على الفطرة وينشأ على الإسلام، ولكنه إذا نشأ مع الكفار يصرفونه عن الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه ) يعني: ينقلانه من الفطرة إلى الأديان التي فيها الانحراف عن الحق، وكما قال عليه الصلاة والسلام أيضاً في الحديث القدسي قال الله عز وجل: ( خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين )، فالأصل هو التوحيد والشرك طارئ، والتوحيد مطابق للفطرة، والشرك مخالف لها، فإذا أسلم أحد الأبوين ولم يسلم الآخر فإنه يكون مع خير أبويه ديناً، يعني: يكون مع من أسلم منهما.

والنسائي أورد حديث عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده أن أباه أسلم وأبت أمه أن تسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأب في ناحية، والأم في ناحية، وقال: اللهم اهده، فذهب إلى أبيه، فهو بهذا أو باختياره أباه إنما كان بهذه الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم في الصور الأخرى أن الطفل إذا وضع بين أب مسلم وأم كافرة أو العكس أنه يختار أو أنه لابد وأن يختار المسلم، فقد يختار الكافر، لكن هذا الاختيار الذي حصل في هذه القصة بالذات إنما كان بهذا الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالحكم أنه يكون مع خير أبويه ديناً، ويكون للمسلم لا للكافر، ولا يكون مع الكافر حتى لا يصرفه عن الدين، وحتى لا ينقله من الفطرة إلى الأديان الأخرى الباطلة، هذا هو الحكم فيما يتعلق بكون أحد الأبوين مسلماً والآخر كافراً فإنه يكون مع المسلم ولا يكون مع الكافر، ويحكم للمسلم ولا يحكم للكافر.

وأما الدليل على عدم تخيير الطفل بين أبويه على أن يكون يعطى لمن أسلم منهم، هو ما أشرت إليه من أن الطفل لا يمكن منه الكافر؛ لأن الكافر إذا استولى على الطفل يصرفه عن الدين ويحرفه عن الدين، وهو يكون مع المسلم، ولا يكون للكافر ولاية على المسلم.

وأنا ذكرت أن هذا دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالهداية، وتحققت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره من الأطفال إذا وضع بين أبيه وأمه وأحدهما مسلم وأحدهما كافر لا يقال: إنه لابد أن يختار المسلم ويترك الكافر.

تراجم رجال إسناد أبي سلمة الأنصاري في إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد

قوله: [ أخبرنا محمود بن غيلان ].

هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق مر ذكره.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد الثوري، وقد مر ذكره.

[ عن عثمان البتي ].

هو عثمان بن مسلم البتي، وهو صدوق، عيب عليه الإفتاء بالرأي، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

[ عن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري ].

عبد الحميد بن سلمة الأنصاري مجهول، أخرج له النسائي، وابن ماجه، وجاء في بعض الطرق في بعض الأحاديث التي ذكرت فيها القصة عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان، عن أبيه عن جده، والمزي في تحفة الأشراف جعل الحديث في ترجمة رافع بن سنان، وأشار إلى الطريقين.

[ عن أبيه ].

قال الحافظ: أو جده، أي: في التقريب أبوه أو جده، وأبوه سلمة صحابي، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه كابنه.

يعني: هو الذي ذكر واحد، قال: أبوه أو جده، يعني: فيكون سلمة أباه أو جده، يعني: منسوباً إلى أبيه، أو منسوباً إلى جده، لكن هنا يروي عن أبيه عن جده، وذكر أن فيه اختلاف، وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة عبد الحميد بن سلمة في تهذيب التهذيب ذكر الاختلاف عليه، وكما قلت أيضاً: ذكر أيضاً عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري.

وأصل التخيير في هذا الحديث يشهد له الحديث الذي بعده، يعني: التخيير بين الأبوين في الجملة يشهد له الحديث الذي بعده، لكن ذاك في مسلمين، وأما هذا في مسلم وكافرة.

لو لم يكن إلا هذا ففيه مجهول والذي هو عبد الحميد، والمجهول كما هو معلوم لا يحتج بحديثه إذا ما جاء إلا من هذه الطريق، لكنه كما ذكرت رواه بعض المحدثين -وأظنه أبو داود- من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده.

شرح حديث أبي هريرة في تخيير الولد بين أبيه وأمه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج أخبرني زياد عن هلال بن أسامة عن أبي ميمونة قال: بينا أنا عند أبي هريرة رضي الله عنه فقال: ( إن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فداك أبي وأمي إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني، وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال: يا غلام، هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به ) ].

ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المرأة التي جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، تقول: إن زوجها أراد أن يأخذ ابنها وقد نفعها وسقاها، يعني: يبدو أنه قد كبر كما هو واضح، يعني: كونه يسقيها ويأتي لها بالماء ويخدمها، يعني: أنه لم يبلغ ولكنه حصل منه النفع لها، لا سيما وكونه يسقيها من هذه البئر، ويأتي لها بالماء من البئر فهو يدل على أنه كبير، ولكنه غير بالغ، وقال الأب: من يخاصمني في ابني؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم خيره بين أبيه وبين أمه، وقال: هذا أبوك، وهذه أمك، فاختر أيهما شئت، فاختار أمه، فأخذت بيده وذهبت به، فهذا الحديث يدل على التخيير، ولكنه بين مسلمين، وليس بين مسلم وكافر، فالرسول صلى الله عليه وسلم خير بين الأب والأم، لكن أيضاً كما أشرت من قبل إلى أن جانب الإسلام وجانب الكفر معتبر في تمييز الكافر عن المسلم، فكذلك أيضاً لو كان أحد الأبوين يلحقه ضرر بوجود الابن عنده لكونه منحرفاً والآخر مستقيم، ويخشى من كونه مع المنحرف أن ينحرف، وأن يقع في الأمور المحرمة، فإن كونه مع الأصلح، ومع من يكون أولى له وأصلح له لا شك أن هذا هو الأولى، لكن حيث لا يتميز هذا من هذا أو كلهم صالحون له فإنه يخير، ويختار مع من يكون كما جاء في هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تخيير الولد بين أبيه وأمه

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[ عن خالد ].

هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني زياد ].

هو زياد بن سعد الخراساني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هلال بن أسامة ].

هلال بن أسامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي ميمونة ].

أبو ميمونة اسمه سليم أو سلمان وهو الأبار المدني الفارسي، وهو ثقة، أخرج حديثه الأربعة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة مر ذكره.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطلاق - (باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه) إلى (باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net