إسلام ويب

للنساء اللاتي فارقهن أزواجهن بطلاق أو وفاة أو خلع عدة حددها الشارع في الكتاب والسنة، وتزيد المعتدة بوفاة -المدخول بها وغير المدخول بها- بلزوم الإحداد مدة عدتها، أما المتوفى من الأقارب فيجوز إحداد المرأة عليه مدة ثلاثة أيام فقط.

عدة المختلعة

شرح حديث: (... خذ الذي لها عليك وخلِّ سبيلها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: عدة المختلعة.

[ أخبرنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن : أن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها أخبرته: ( أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه ضرب امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي رضي الله عنها، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثابت، فقال له: خذ الذي لها عليك وخل سبيلها، قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها ) ].

يقول النسائي رحمه الله: عدة المختلعة، والمختلعة هي: التي افتدت نفسها من زوجها، بأن دفعت له مالاً لتتخلص من البقاء في عصمته، هذه هي المختلعة، والعدة هي: المدة التي تمكثها، ويحل لها بعدها أن تتزوج غيره، والمختلعة عدتها حيضة واحدة إذا كان العهد به قريباً، أما إذا كان قد مضى وقت طويل، ومضت حيضات تبين بها براءة رحمها فإنها تكون قد استعدت، ولها أن تتزوج؛ لأن رحمها ظهر أنه سليم وليس فيه شيء، وإذا كان العهد به قريباً فإنها تتربص حيضة واحدة، وليس المقصود من هذه العدة أنها حق للزوج، فإن الزوج ليس له حق هنا، ولكن المقصود هو معرفة سلامة الرحم، وبراءته حتى تتمكن من أن تتزوج؛ لأن الزوج أخذ الفدية لتخليص نفسها منه؛ فليس له حق الرجوع إليها، لكونها غير رجعية يمكنه أن يرجع إليها ما دامت في العدة، فالمراد من العدة هو معرفة أنه ليس في بطنها حمل فتتزوج بعد مضي تلك الحيضة.

أورد النسائي حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها، في قصة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه مع زوجته، وقد جاء أخوها يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يأخذ ما دفعه لها وأن يخلي سبيلها، وأمرها أن تتربص حيضة واحدة، وتلحق بأهلها ويكون الأمر بيدها، إذا شاءت أن تتزوج بعد أن تتحقق براءة رحمها، وسلامته من أن يكون به ولد، فإذا كان هناك ولد فلابد من الانتظار حتى يوضع الحمل، وإن لم يكن في بطنها ولد فإنها تتربص حيضة، فيما إذا كان العهد به قريباً، أما إذا كان له مدة طويلة لا يتصل بها، فإن الرحم يكون بريئاً بذلك، ويمكنها أن تتزوج متى شاءت، كما يدل على ذلك الحديث الذي يلي هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (... خذ الذي لها عليك وخلِّ سبيلها ...)

قوله: [ أخبرنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي ].

أبو علي محمد بن يحيى المروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي .

[ عن شاذان بن عثمان أخو عبدان ].

شاذان بن عثمان أخو عبدان، هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة المروزي، ولقبه شاذان، وأخوه لقبه عبدان، وهو عبد الله بن عثمان بن جبلة، لقب عبدان واللقب مأخوذ من الاسم، فـ عبدان مأخوذ من عبد الله كما يؤخذ عباد من عبد الله، كما جاء في بعض تراجم الأشخاص، أن اسمه عبد الله ولقبه عباد، وشاذان الذي هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة المروزي مقبول، أخرج حديثه البخاري، والنسائي .

[ عن أبيه ].

هو عثمان بن جبلة المروزي، ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي .

[عن علي بن المبارك ].

علي بن المبارك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن أبي كثير ].

يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عبد الرحمن ].

هو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن الربيع ].

هي الربيع بنت معوذ بن عفراء، صحابية رضي الله عنها، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لا عدة عليك إلا أن تكوني حديثة عهد به)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن ربيع بنت معوذ رضي الله عنها قال: قلت لها: ( حدثيني حديثك قالت: اختلعت من زوجي، ثم جئت عثمان فسألته ماذا علي من العدة؟ فقال: لا عدة عليك إلا أن تكوني حديثة عهد به فتمكثي حتى تحيضي حيضة، قال: وأنا متبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في مريم المغالية كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه ) ].

ثم أورد النسائي حديث الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها: أنها اختلعت من زوجها، وجاءت إلى عثمان تسأله: ماذا عليها من العدة؟ فقال لها: إذا كنت حديثة عهد به فتتربصي حيضة، ومعناه أنها إذا كانت قريبة العهد به من حيث الجماع، فإنها تتربص حيضة، وإذا كان مضى عليها وقت لم يتصل بها زوجها، ومضت عليها عدة حيض فإنها تكون بذلك ليس أمامها عدة تنتظرها؛ لأن براءة الرحم موجودة ومتحققة.

وقد قال عثمان رضي الله عنه إنه بذلك متبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في مريم المغالية زوج ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه، [ وأنا متبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مريم المغالية ].

[ إذ كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه ].

كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه، وقد قضى عثمان بهذا القضاء الذي قضى به رسول الله، والحديث عن الربيع، في الحديث الماضي ما يدل على أن عندها سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا تسأل عن ماذا عليها من العدة؟ فلا أدري وجه هذا التفاوت بين حديثها الذي حدثت به، والحديث الذي روته عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في قضية سؤالها عن عدتها، وقد اختلعت من زوجها.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا عدة عليك إلا أن تكوني حديثة عهد به)

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد ].

هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

[ عن عمه ].

عمه هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ إبراهيم بن سعد ].

أبوه إبراهيم بن سعد.

[ عن ابن إسحاق ].

هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ].

هو عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن الربيع ].

الربيع، وقد مر ذكرها.

ما استثني من عدة المطلقات

شرح أثر ابن عباس فيما استثني من عدة المطلقات

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما استثني من عدة المطلقات.

أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي أنبأنا يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، وقال: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ [النحل:101]، الآية، وقال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، فأول ما نسخ من القرآن القبلة، وقال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وقال: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4]، فنسخ من ذلك، قال تعالى: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] ].

قوله تعالى: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49]، وأول الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، فهي آية واحدة وليست آيتين كما جاء التقويس عليها، ثم أيضاً الآية ليست: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن)، وإنما هي: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49]، ثم أيضاً: فَمَا لَكُمْ [الأحزاب:49]، هي جواب الشرط الذي هو (إذا) الذي بعد النداء بالإيمان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ [الأحزاب:49]، هذا هو جواب الشرط الذي هو إذا الشرطية، فأورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما استثني من عدة المطلقات، فالمطلقة لها عدة، فإن كانت تحيض فثلاثة أقراء، وإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت صغيرة لا تحيض، أو تجاوزت سن المحيض وأيست فعدتها ثلاثة أشهر، وقد جاءت هذه العدد منصوصاً عليها في القرآن، وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، في سورة البقرة، وفي سورة الطلاق: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، يعني الصغيرة والآيسة ثلاثة أشهر، وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، واستثني من المطلقات اللاتي يكن لهن عدد: المطلقة قبل المسيس والدخول والخلوة، فهو إنما عقد عليها وطلقها، فلذلك ليس لها عدة أصلاً، بل تبين بمجرد الطلاق، ويمكن أن تتزوج بعد الطلاق مباشرة؛ لأن الأول ليس له حق في العدة، وهي مما استثني من ذلك العموم في قوله: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وكذلك الصغيرة والآيسة المدخول بهما وذات الحمل مستثنات من عدة ذوات الحيض كما سبق.

أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله عنهما، الذي ذكر فيه ثلاث آيات تتعلق بالنسخ، ثم ذكر شيئاً مما نسخ، وهو القبلة، ونسخها إلى الكعبة، وكانت الصلاة قبل ذلك إلى بيت المقدس، ثم ذكر أنه استثني من المطلقات: المطلقة قبل الدخول، فإنه لا عدة عليها، وذلك في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49].

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس فيما استثني من عدة المطلقات

قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى ].

هو زكريا بن يحيى السجزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[ عن إسحاق بن إبراهيم ].

هو ابن راهويه الحنظلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والنسائي يروي عنه كثيراً مباشرة بدون واسطة، ولكنه يروي عنه أحياناً بواسطة وهذا منه، وهو ثقة، فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

[ عن علي بن الحسين بن واقد ].

علي بن الحسين بن واقد، صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن أبيه ].

عن أبيه حسين بن واقد، ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن يزيد النحوي ].

هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن عكرمة ].

هو مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

عدة المتوفى عنها زوجها

شرح حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عدة المتوفى عنها زوجها.

أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن شعبة حدثني حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ) ].

ثم أورد النسائي عدة المتوفى عنها زوجها، وهي أربعة أشهر وعشر إذا كانت حائلاً، أما إذا كان حاملاً فإن عدتها وضع الحمل، وأورد النسائي حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، المقصود من هذا قوله: ( إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، وذكر الإحداد، والإحداد يكون مع العدة؛ لأن العدة هي تربص المدة بدون زواج، فإذا فرغت حلت للأزواج، وهذا التربص حق للزوج الذي عاشرها وبقي معها، ثم مات عنها، فإن الله تعالى جعل له هذا الحق الذي تمكثه، وإذا مضت تلك المدة تزوجت، ومع التربص إحداد، والإحداد هو: ترك الزينة والتجمل مدة العدة، وهو أيضاً من حق الزوج؛ لأنها لا تتجمل وتتهيأ للخطاب، بل تبقى غير متجملة مدة أربعة أشهر وعشر.

فهو دال على العدة وعلى الإحداد أيضاً، وعدة المتوفى عنهن أزواجهن جاءت في القرآن أربعة أشهر وعشراً، إلا الحامل فيوضع الحمل كما تقدم، جاء في السنة مع العدة إحداد، حتى لو لم يكن مدخولاً بها، بل معقوداً عليها؛ لأن المرأة التي يعقد عليها ثم يموت عنها زوجها، تحد عليه وتعتد، وتجلس هذه المدة إيفاء لحق الزواج، بخلاف ما لو طلقها فإنها تبين منه بمجرد الطلاق، كما عُرف حقه بالنسبة للوفاة في الحديث الذي سبق، والحديث الذي سيأتي في الرجل الذي مات ولم يدخل بزوجته ولم يفرض لها صداقاً، قال: (لها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث).

فإذاً غير المدخول بها حالتها في الوفاة تختلف عن حالتها في الطلاق، فإن الطلاق لا عدة فيه عليها، والوفاة عليها العدة والإحداد، ولها الميراث والمهر.

( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر )، جمع بين ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان هو الأصل الذي يتبعه كل شيء، واليوم الآخر للتنبيه إلى الجزاء على الأعمال، ولتذكير الإنسان بذلك اليوم؛ لأن الإنسان يفعل المأمورات يرجو الثواب في اليوم الآخر، فيقدم على الطاعة ، ويترك المحذورات يخشى العقاب عليها في اليوم الآخر فيحجم عن المعصية.

وكثيراً ما يأتي في أحاديث الترغيب والترهيب ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وسيأتي في الترغيب والترهيب، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، هذا ترغيب، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره )، ترغيب، وفي بعضها: ( فلا يؤذ جاره )، ترهيب، ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، ترغيب. ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم )، وسيأتي ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر مجموعاً بينهما.

ثم فيه الدلالة على أنه لا يجوز الإحداد على ميت أكثر من ثلاث، إلا على الزوج، فإنه يصل إلى أربعة أشهر وعشر، وغيره من الأقرباء يمكن أن يحد عليه الثلاثة الأيام، لما يتبع الوفاة من التأثر والحزن، فللمرأة أن تحد هذه المدة، لكن على الزوج إلى أربعة أشهر وعشر ليال.

وأما غير الزوجة التي تحد على قريب لها ثلاث أيام هل تمنع من الزينة أم لا؟ الله تعالى أعلم، لأن موت الزوج فيه حزن ولا يكون فيه تجمل؛ لأن التجمل يقتضي الفرح والسرور، والحديث الذي يبدو فيه والله أعلم أن ذلك في هذه المدة أمر مطلوب.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج ...)

قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].

هناد بن السري أبوه السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن نافع ].

حميد بن نافع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زينب بنت أم سلمة ].

زينب بنت أم سلمة، ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

عن أم حبيبة، وهي رملة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أم سلمة في قدر ما تمكث المحادة على زوجها في بيتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة قلت: عن أمها؟ قال: نعم، (إن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن امرأة توفي عنها زوجها فخافوا على عينها أتكتحل؟ فقال: قد كانت إحداكن تمكث في بيتها في شر أحلاسها حولاً، ثم خرجت، فلا، أربعة أشهر وعشراً ) ].

ثم أورد النسائي في حديث أم سلمة رضي الله عنها، الذي ترويه عنها ابنتها زينب رضي الله تعالى عنها: أن امرأة توفي زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخافوا على عينها، فجاءوا يسألونه: أتكتحل؟ فقال: قد كانت إحداكن تمكث حولاً في شر أحلاسها، أي: في شر ثيابها، والحلس هو الذي يكون على البعير، والمقصود منه ثياب المرأة، وتبقى مبتعدة عن الزينة، وفي شر أحلاسها، وتمكث سنة كاملة، ثم بعد ذلك جاء الإسلام وجعل المدة أربعة أشهر وعشراً، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا، أي: لا تستعمل زينة الكحل، فإذا قال: فلا، فيعني: مدة أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت الواحدة في الجاهلية تمكث سنة كاملة، والإسلام جاء بأربعة أشهر وعشر، فلا تكتحل المرأة ولا تقرب الزينة في مدة الإحداد التي هي أربعة أشهر وعشر، أو مدة الحمل إذا كانت حاملاً.

قوله: فلا، يعني: فلا تقرب ذلك الذي سألت عنه، أو لا تقرب الزينة، ومنها الكحل مدة أربعة أشهر وعشر.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في قدر ما تمكث المحادة على زوجها في بيتها

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].

محمد بن عبد الأعلى، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

[ عن خالد ].

هو خالد بن الحارث البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن أمها ].

وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً إلا أم سلمة، وهي: هند بنت أبي أمية، أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أم حبيبة في قدر ما تمكث المحادة على زوجها في بيتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري وجده قد أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما قالتا: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها، وإني أخاف على عينها أفأكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كانت إحداكن تجلس حولاً، وإنما هي أربعة أشهر وعشر، فإذا كان الحول خرجت ورمت وراءها ببعرة )].

ثم أورد النسائي حديث أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما، المتعلق بقصة المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عن ابنتها، وهل تكحلها أو لا؟ فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: قد كانت إحداكن تجلس حولاً، وإنما هي أربعة أشهر وعشر، أي: شيء قليل بالنسبة إلى ذلك الكثير، ثم عاد إلى شيء كان موجوداً أيضاً في الجاهلية تفعله المرأة، وهو أنها إذا مضى الحول رمت ببعرة، إشارة إلى أن هذه المدة التي مكثتها، وهي من أجل حق الزوج ليست عندها بشيء، إلى جانب حق الزوج وصيانته والبقاء معه هذه المدة، فترمي ببعرة إشارة إلى أن هذه المدة التي تركتها في هذه الحالة التي بقيت عليها في شر أحلاسها، لا تساوي شيئاً عندها وفي الإسلام جاءت المدة قصيرة هي أربعة أشهر وعشر.

تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في قدر ما تمكث المحادة على زوجها في بيتها

قوله: [أخبرني إسحاق بن إبراهيم عن جرير ].

إسحاق بن إبراهيم، مر ذكره.

عن جرير، وهو ابن عبد الحميد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري ].

يحيى بن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة وأم حبيبة ].

وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

حديث حفصة: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري قال: سمعت نافعاً يقول: عن صفية بنت أبي عبيد : أنها سمعت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً ) ].

ثم أورد النسائي حديث حفصة رضي الله عنها، وهو مثل الحديث الأول حديث أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً )، فهو مثل حديث أم حبيبة المتقدم.

قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ].

هو الملقب بـبندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الوهاب ].

هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد الأنصاري ].

هو المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن صفية بنت أبي عبيد ].

وهي زوج عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، ثقة، أخرج حديثها البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[ عن حفصة ].

هي حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث أم سلمة: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن الصباح حدثنا محمد بن سواء أنبأنا سعيد عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً ) ].

ثم ذكر هذا الحديث عن أم سلمة، وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عن أم سلمة وعن غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سبق أن مر هذا الحديث عن حفصة وعن أم حبيبة بهذا اللفظ، وقد مر في المسند.

قوله: [ أخبرنا عبد الله بن الصباح ].

هو عبد الله بن الصباح بن عبد الله الهاشمي مولاه العطار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

والصبّاح بتشديد الباء؛ لأن عدداً من الرواة قال: الصبّاح، وأنا ذكرت نقلاً عن الحافظ ابن حجر في الفوائد المنتقاة عدداً من الأشخاص بهذه النسبة، وليس بعضهم قريباً لبعض، وكلهم بهذه الصيغة، بلفظ: الصبّاح.

[ عن محمد بن سواء ].

محمد بن سواء، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، وقد خرج له في الناسخ والمنسوخ.

[ عن سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميم السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأم سلمة ].

وقد مر ذكرهم.

حديث أم سلمة: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

[ أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا السهمي يعني: عبد الله بن بكر حدثنا سعيد عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه ].

ثم ذكر الإسناد من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه جعل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أم سلمة .

قوله: [ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ].

المشهور أبوه ابن علية، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

[ عن السهمي يعني ] .

السهمي يعني عبد الله بن بكر، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه التي يقال لها من دون تلميذه، الذي هو محمد بن إسماعيل.

[ محمد بن إسماعيل ].

وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، وفاعل يعني هو ضمير مستتر يرجع إلى محمد بن إسماعيل الذي هو تلميذ السهمي.

[ عن سعيد عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي ].

وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطلاق - (باب عدة المختلعة) إلى (باب عدة المتوفى عنها زوجها) للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net