اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الأشربة - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر للشيخ : عبد المحسن العباد
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الأشربة - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر للشيخ : عبد المحسن العباد
قد ذكر النسائي في الباب، وهو ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح السكر، ذكر جملة أحاديث، ومنها هذا الحديث، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن أبا الجويرية الجرمي سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مسند ظهره إلى الكعبة، قال: (سأله عن الباذق)، وهو نوع من النبيذ، وهو الذي يقال له الطلاء، وقد مر فيما مضى، وسيأتي في ترجمة خاصة، فقال: ( سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد جاء بالنصوص المستوعبة للحوادث والقضايا التي تجد، وأنه ما من أمر يجد ويكون له اسم سواءً كان معروفاً من قبل أو غير معروف من قبل إلا وفي نصوص الشرع وفي قواعد الشرع ما يستوعبه وما يشمله؛ لأن الشريعة كاملة تتسع لاستيعاب الحوادث والأمور التي تجد والنوازل التي تقع؛ وذلك لأن الشريعة جاءت بنصوص خاصة وبنصوص عامة، فالنصوص العامة فيها العموم والشمول ودخول ما هو موجود وما لم يوجد، ولكنه يطابق ويندرج تحت ذلك اللفظ العام، وكذلك أيضاً من حيث قواعد الشرع، وكذلك من حيث القياس، وإلحاق المثيل بالمثيل، والشبيه بالشبيه إلى غير ذلك من الأمور التي يتضح بها استيعاب الشريعة للحوادث والنوازل التي تقع.
وقوله: ( سبق محمد الباذق )، يعني: أنه قد جاء عنه نصوص تشمل هذا الذي هذا اسمه، وغير ذلك مما جد ومما سيجد، وهذه العبارة مثل الحديث الذي فيه، حديث سلمان: ( أخبركم نبيكم عن كل شيء حتى الخراءة؟ قال: نعم، ثم ذكر أنه نهانا عن الاستنجاء برجيع أو عظم، وأن يمس الإنسان ذكره بيمينه ويستنجي بيمينه )، وذكر أموراً تتعلق بقضاء الحاجة، وأن الشريعة جاءت بذلك، وكذلك الحديث الذي يقول فيه الصحابي: ( توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه علماً؛ وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فهو حرام )، أتى بهذا الكلام العام الذي يندرج تحته كل ما كان من هذا القبيل، وما لم يكن من هذا القبيل فإنه يكون بخلاف ذلك، فهذه من النصوص العامة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: ( سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام ) يعني: هذا مما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر فهو حرام)، سواء مما عرف اسمه، أو مما لم يعرف اسمه، وكذلك ما عرفت مادته وما لم تعرف مادته، (كل ما أسكر فهو حرام)، هذه قاعدة من قواعد الشرع، وهذا نص عام من نصوص الشرع يستوعب كل شيء وجد منه الإسكار، مما هو معروف للناس من قبل، ومما هو غير معروف لهم، ويدخل في ذلك ما كان سائلاً وما كان جامداً، وما كان من أشياء معروفة أو أشياء لا تعرف، كلما وجد الإسكار وجدت الحرمة؛ لأن الحكم أنيط بالإسكار.
قال: (أنا أول العرب سأله) يعني: سأل ابن عباس ، ولعله سأله عن هذا الموضوع أو سأله في ذلك المجلس الذي كان جالساً ومسنداً ظهره إلى الكعبة رضي الله تعالى عنه.
قوله: (مسند ظهره إلى الكعبة)، يعني: يدل على أن مثل ذلك جائز، وأنه ليس فيه امتهان أو إهانة، نعم، إذا وجد قصد الإهانة هذا هو الذي يكون معه التحريم، أما إذا لم يوجد شيئاً من ذلك فهذا يدل على الجواز.
ومد القدمين أو الرجلين، عندما يكون الإنسان في الصف وعلى يمينه رجال وعلى يساره رجال، وهو بحاجة إلى أن يمد رجليه فلا بأس بذلك.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الجويرية ].
هو: أبو الجويرية الجرمي ، وهو: حطان بن خفاف ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه: من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ، المقصود من ذلك النبيذ الذي يكون في الجرار التي جاء فيها النص، كالدباء والحنتم والنقير والمزفت.. وما إلى ذلك، هذا هو المقصود، وهو الذي جاء عن ابن عباس في طرق كثيرة أنه نهى عن ذلك، وذلك لما يؤدي إليه من الإسكار، ولكن قد عرف أن الانتباذ في تلك الأوعية لا بأس به، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
هو: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[أخبرنا أبو عامر ].
هو أبو عامر العقدي، وهو: عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ والنضر بن شميل ].
و النضر بن شميل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ووهب بن جرير ].
وهو: وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل ].
وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الحكم ].
هو عمران بن الحارث السلمي، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم والنسائي .
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله عنه لما جاءه ذلك الرجل من خراسان، وسأله، وذكر له جملةً من الأشربة وأكثر عليه، حتى ظن من سمعه أنه لم يفهمه لكثرة ما يلقي عليه، ولكنه بعد ذلك أعطاه قاعدةً عامةً، قال: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)، مادام أنه يسكر اجتنبه، والذي لا يسكر لا بأس به.
هو سويد بن نصر المروزي ، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
[ حدثنا عبد الله ].
هو ابن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عيينة بن عبد الرحمن ].
هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي أثر ابن عباس: نبيذ البسر بحت لا يحل، بحت يعني: خالص، يعني: وحده ليس معه شيء، وهذا من جنس النصوص التي سبق أن مرت، يعني: نهى نبيذ البسر وعن نبيذ التمر ونبيذ البلح ونبيذ كذا، وإذا كان مخلوطاً مع غيره، وإذا كان وحده، وقد عرفنا أن الحكم في ذلك هو المنع من كل ما وصل إلى حد الإسكار وإجازة كل شيء لم يصل إلى حد الإسكار.
هو أحمد المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا القواريري ].
هو عبيد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب ].
هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس وقد مر ذكره.
قوله: نبيذ البسر بحت لا يحل.
يعني: كأن المقصود كونه (بحت)، يعني: إن وجد خالصاً، وأن كتابتها بغير ألف ليس بصحيح، بل الصحيح كونها بألف وأنها تكون بحتاً يعني: خالصاً، يعني: حالة كونه كذا.
وقول السندي في الشرح: (ومحمله المسكر والكائن في الأوعية المعلومة). معناه أن المسكر وحتى غير المسكر، ما دام الأوعية منع من الانتباذ فيها ولو لم تسكر، وذلك لأنها وسيلة للإسكار دون أن يعرف الإسكار، ولكنه بعد ذلك نسخ كما عرفنا، لكن الأمر الذي استقر هو المسكر، يعني: الإسكار هو الذي يكون مع تحريم، وبدون الإسكار يحل ولو انتبذ في أي وعاء، سواءً كان غليظاً أو رقيقاً كالجلود والأسقية.
البسر: طلع النخل قبل أن يزهي، قبل أن يكون زهواً مادام أخضر، سبق أن مر بنا أنه يكون بسراً ويكون زهواً، ويكون مذنباً بعضه أرطب وبعضه ما أرطب، ورطب وتمر.. كل هذه تتعلق بالنخل.
أورد النسائي الأثر عن ابن عباس : [أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فنهى عنه، قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذاً حلواً فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: لا تشربه]، يعني: أنه داخل ضمن كون الرسول نهى عن الدباء والحنتم الذي هو الجرار الخضر، والمزفت والمقير والنقير، وقد عرفنا فيما مضى أنه احتمال أن يسارع إليه الإسكار دون أن يعلم، ولكنه بعد ذلك نسخ كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو غير واضح الدلالة على الترجمة.
قوله: (فيقرقر بطنه)، معناه يطلع له صوت، يعني: الصوت الذي في الأمعاء هذه هي القرقرة، وهي سماع صوت لجريان الشيء في الأمعاء.
محمد بن بشار، هو: الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد ].
هو محمد بن جعفر، الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة عن أبي جمرة ].
شعبة مر ذكره، وأبو جمرة ، هو: نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة: أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
ويذكر أنه ليس هناك في الصحابة من كنيته أبو العباس إلا عبد الله بن عباس هذا، وإلا سهل بن سعد الساعدي ، فإن هذين يقال لهما أبو العباس، وقال بعض أهل العلم: أنه ليس في الصحابة من يكنى أبو العباس إلا هذين.
أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس.
يقول: [كانت جدة لي تنبذ نبيذاً في جرة فأشربه حلواً، إن أكثرت منه فجالست القوم خشيت أن أفتضح]، يعني: أنه يظهر فيه مبادئ إسكار، [فخشيت أن أفتضح]، يعني: يظهر عليه شيء يدل على الإسكار أو مبادئ الإسكار، فأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس، وهذا فيه أنه عند ذكر السؤال أو الاستفتاء يؤتى بالحديث أو يؤتى بالدليل، وهذا مما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر، يعني: فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، والجواب موجود ضمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك أعطاه الحكم والدليل، بهذه الطريقة اختصر الطريق، بدل ما يقول له ما هو الدليل، وأعطاه الدليل، أعطاه الحكم، وهو الدليل المشتمل على الحكم. فجاءه وفد عبد القيس، ووفد عبد القيس من ربيعة، وكانوا في البحرين، يعني: كان هذا في أول الهجرة، أول ما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
[فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين، ولا نستطيع أن نصل إلا في الأشهر الحرم]، يعني: لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، وذلك أن الكفار يعظمون الأشهر الحرم، ولا يحصل منهم الأشياء التي تحصل في غير الأشهر الحرم؛ لأن عندهم لها احترام، فكانوا ينتهزون هذه الفرصة وهي وجود الأشهر الحرم حتى لا يؤذيهم أحد من المشركين، وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم [أن يأمرهم بأمر إذا عملوا به دخلوا الجنة، ويدعون من وراءهم]، وهذا يبين لنا ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة الحق، والحرص على العمل به، والحرص على الدعوة إليه؛ لأن هذا مشتمل على الأمور الثلاثة؛ لأن معرفة الحق كونهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بأمر، وهذا الأمر الذي يأمرهم به إذا عملوه دخلوا الجنة، فهذا فيه العلم أولاً ثم العمل ثانياً، ثم قال: وندعو إليه من وراءنا، بأن نبلغه الناس الذين جئنا منهم حتى يستفيدوا كما استفدنا.
فهذه الأمور الثلاثة اشتمل عليها الحديث، وهي: العلم والعمل بالعلم، والدعوة إلى العلم أو إلى الحق والهدى، حيث قال: [نعمل به وندعو به من وراءنا]، وكذلك أيضاً فيه حرص الصحابة على معرفة الأسباب التي توصل إلى الجنة وتبلغ الإنسان إلى الجنة، ولهذا قالوا: إذا عملنا به دخلنا الجنة.
وهذا فيه دليل على بطلان ما يحصل من بعض المتصوفة الذين يقولون: إنهم ما يعبدون الله رغبة في الجنة ولا خوفاً من النار، وإنما يعبدونه شوقاً إليه، فإن هؤلاء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا عملنا به دخلنا الجنة، فهم يبحثون عن شيء يدخل الجنة، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يقول: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].
فإذاً: هذا الكلام وهذه المناهج الجديدة والطرق الجديدة المحدثة التي ليست هي طريق خير هذه الأمة الذين هم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال ذلك مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمة الله عليه، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فإذاً: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يسألون عن الأعمال التي توصل إلى الجنة، ويبحثون عن الجنة، ويعبدون الله رغبةً في الجنة، ومن المعلوم أنهم يحبونه ويعظمونه ويعبدونه، ولكن كونهم يطلبون ويسألون الجنة شرع الله لهم ذلك، يعني: شرع لهم أن يدخلوا الجنة ويتعوذوا من النار: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
قوله: (آمركم بثلاث وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم)، فهذه الثلاث التي حصل الأمر بها يمكن أن يكون المقصود بها الثلاثة التي هي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتأدية الخمس من المغنم، على اعتبار أن تلك هي الأصل التي هي الشهادة، ويمكن أن يكون المقصود الشهادة والأولى والثانية معها التي هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، التي هي ثابتة ومستقرة، وأما تلك فإنما تأتي بالمناسبة التي هي تأدية الخمس من المغنم، يعني: مع الجهاد في سبيل الله عز وجل، إذا وجد الجهاد ووجدت المغانم فإنهم يؤدون الخمس من المغانم.
وهذا فيه دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأنه فسر الإيمان بأمور ظاهرة، وهذا لا ينافي ما جاء في حديث جبريل الذي فيه تفسير الإيمان بأنه (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، وكلها أمور باطنة؛ لأنه في حديث جبريل ذكر الإيمان وفسره بالأمور الباطنة، وذكر الإسلام وفسره بالأمور الظاهرة، وأما هنا جاء مستقلاً ليس مقروناً، الذي هو الإيمان ليس مقروناً بالإسلام، ومن المعلوم أن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر اتسع للمعاني التي وزعت عند الاجتماع بأن يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، فإن الإسلام عندما يأتي إطلاقه ليس مقروناً معه الإيمان يدخل فيه الأمور الظاهرة والباطنة: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85]، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، يفهم بذلك الظاهر والباطن، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك الأمور الظاهرة والباطنة، ولكن يفرق بين الظاهرة والباطنة إذا ذكر الإيمان والإسلام، فيفسر الإيمان بما يناسبه وهو من الأمور الباطنة، ويفسر الإسلام بما يناسبه وهو الأمور الظاهرة، لأن المعنى اللغوي للإيمان وللإسلام، الإيمان يتعلق بالقلب في الأصل، والإسلام يتعلق بالجوارح، لكن عندما ينفرد أحدهما عن الآخر يتسع استيعاب الأمور الظاهرة والأمور الباطنة.
ثم قال: (وأنهاكم عن أربع: عن الانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)، هذه أربع، يعني: أوعية نهى عن الانتباذ بها، وهذا نسخ كما عرفنا في حديث بريدة بن الحصيب : ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً ).
هو سليمان بن سيف الحراني ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا أبو عتاب وهو سهل بن حماد ].
أبو عتاب، وهو: سهل بن حماد ، وهو صدوق أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
[ حدثنا قرة ].
هو قرة بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس ].
وقد مر ذكرهما.
وممن روى عن ابن عباس أبو حمزة وهو القصاب ، وأبو جمرة وأبو حمزة بينهما اشتباه، يعني: في الرسم والشكل، وإنما الفرق بالنقط، يعني: هذا جمرة وهذا حمزة ، أبو جمرة وأبو حمزة ، فكل منهما يروي عن ابن عباس ، وأبو جمرة هو الذي يروي عنه حديث وفد عبد القيس، وأبو حمزة القصاب هو الذي يروي عنه حديث: ( لا أشبع الله بطنك ) في قصة معاوية الذي رواه مسلم في صحيحه، فإن مثل هذه الألفاظ من المؤتلف والمختلف، وهي الاتفاق في الرسم والشكل، واختلاف في النقط أو النطق، يعني: بحيث يكون مثل عقيل وعقيل، يعني: هذه بالشكل، وجمرة وحمزة بالنقط.
قوله: (غلي) بالمقصورة ليس غلا، وغلى يغلي، وذاك غلا يغلو، إذا كانت بالألف غلا، تصير غلا يغلو من الغلو واوية، وأما إذا كانت يائية أي: من الغليان غلى يغلي، فهي غلى بالياء، إذا كانت أصلها واو تكون بالألف، مثل غلا، يعني: لام ألف، وأما إذا كانت ياء، تصير لام ياء، يعني: غلى، وهذا كثير مثل سما يسمو، ونبا ينبو، وعلا يعلو، بخلاف رقى يرقي، وغلى يغلي.
قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة.
قوله: (طالما تروت)، يعني: هذه المدة الطويلة وعروقك تتروى من الخبث، هذا الذي إذا غلى هذه علامة الإسكار، إذا غلى واشتد وقذف به الزبد قالوا: هذه علامة الإسكار.
قال: قيس بن وهبان قلت: سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: إن لي جريرة أنتبذ فيها.
جريرة تصغير جرة، (إذا غلى وسكن شربته)، يعني: معناه أنه وصل إلى حد الإسكار، أو قارب الإسكار؛ لأن الغليان هي علامة الإسكار، (قال: هذا الشراب الذي تشربه منذ كم سنة؟ قال: منذ عشرون أو أربعون، قال: طالما تروت عروقك من الخبث)، يعني: هذه المدة الطويلة وأنت تستعمل فيها هذا الخبيث، معناه أن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مر أن الجرة واتخاذ الجرار أن ذلك محرم؛ لأنه يبادر إليه الإسكار ولا ينتبه له بخلاف الأسقية التي يطفو على جلودها وعلى ظهورها من الخارج إذا حصل شيء في داخلها، وقد أوكي عليها، فإنه يتبين، بخلاف تلك فإنها قد تسكر ولا يتبين، لكن ذلك نسخ.
سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قيس بن وهبان ].
قيس بن وهبان ، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
يعني: الإسناد فيه المقبول هذا، لكن كما هو معلوم معناه متفق مع النصوص الأخرى التي فيها النهي عن الانتباذ في الجرار.
قال: أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: أنبأنا العوام عن عبد الملك بن نافع أنه قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه، فوجده شديداً فرده على صاحبه، فقال له رجل من القوم: يا رسول الله أحرام هو؟ فقال: علي بالرجل، فأتي به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه فرفعه إلى فيه، فقطب، ثم دعا بماء أيضاً فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء ) ].
استعمال الشراب السكر إذا كان قليلاً وهو من غير العنب، حديث أو رواية عبد الملك بن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال ابن عمر : (رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه، فوجده شديداً فرده على صاحبه).
قوله: [فوجده شديداً]، يعني: معناه أن رائحته كريهة أو أنه اشتد بمعنى أنه أسكر أو قارب الإسكار [فرده إلى صحابه، فقال رجل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: علي بالرجل، فلما جاء أخذ القدح وأضاف إليه ماء، ثم رفعه إلى فيه فقطب]، يعني: حصل عبوس يعني: قطب جبينه، معناه أنه ما أعجبه ذلك الشيء، ثم زاده في الماء مرةً أخرى، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء)، يعني: إذا هذه الأوعية حصل فيها الانتباذ ووجد شيء من هذا القبيل الذي هو كونها مسكرة أو مشتبه بأنها مسكرة أضيفوا إليه الماء واكسروها بالماء، وهذا الأثر غير صحيح، وهو يخالف الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المعنى غير صحيح، وهو أن الشيء إذا وصل إلى حد الإسكار فإنه لا تجوز معالجته بأن يضاف إليه شيء، بل تجب إراقته وإتلافه، وقد جاءت الأحاديث في منع مثل ذلك، كما سبق أن مر وكما سيأتي.
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي .
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنبأنا العوام ].
هو العوام بن حوشب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك بن نافع ].
عبد الملك بن نافع، وهو مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث ابن عمر بإسناد آخر، وأحال على ما تقدم قال: بنحوه، يعني: أنه مقارب له في الألفاظ، ومتفق معه في المعنى.
قوله:[ أخبرني زياد بن أيوب عن أبي معاوية] .
أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو إسحاق الشيباني ].
وهو: سليمان بن أبي سليمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك بن نافع عن ابن عمر ].
عبد الملك بن نافع عن ابن عمر وقد مر ذكرهما.
[ قال أبو عبد الرحمن : عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور ولا يحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف حكايته ].
بعدما ذكر النسائي الحديثين أو الطريقين عن عبد الملك بن نافع قال: عبد الملك بن نافع ليس مشهور ولا يحتج بحديثه، وجاءت الطرق عن ابن عمر تخالف حكايته، يعني: تخالف ما جاء عنه، على خلاف ما ذكره هذا الذي فيه كونه يصب عليه ماءً وأنه يعالج وأنه كذا، جاء أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام).
يعني: ذكر بعد ذلك الأحاديث التي فيها الإشارة إلى ما يدل على خلافه.
أورد النسائي أثر ابن عمر أنه سأله رجل عن الأشربة فقال: اجنتب كل شيء ينش، يعني: كل شيء يسكر.
أبو عوانة، هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن جبير] .
هو زيد بن جبير بن حرمل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
وقد مر ذكره.
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا قتيبة أخبرنا أبو عوانة عن زيد بن جبير عن ابن عمر ].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي الأثر عن ابن عمر : (المسكر قليله وكثيره حرام)، وهذا يخالف ما جاء عن عبد الملك بن نافع .
قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين ]،
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
أورد النسائي أثر عن ابن عمر : (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، وهذه الآثار عن ابن عمر تخالف ما جاء عن عبد الملك بن نافع المتقدم.
قوله:[ قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
الحارث بن مسكين، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
[ عن ابن القاسم ].
هو: عبد الرحمن بن القاسم، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
[أخبرني مالك ].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور.
[ عن نافع عن ابن عمر].
هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث ابن عمر أيضاً، قال: ( حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر وكل مسكر حرام ).
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].
هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[ حدثنا المعتمر ].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت شبيباً هو ابن عبد الملك ].
شبيب بن عبد الملك، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
[ حدثني مقاتل بن حيان ].
مقاتل بن حيان ، وهو صدوق، أخرج حديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن سالم بن عبد الله ].
هو: سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه ].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
قوله:[ أخبرنا الحسين بن منصور ].
الحسين بن منصور يعني: ابن جعفر النيسابوري وهو ثقة أخرج حديثه البخاري والنسائي ، وقوله: يعني: القائل هذا هو من دون النسائي، وهذا يبين لنا أن هذه الإضافة أو التي تكون في أثناء الإسناد والتوضيح أنها قد تكون ممن دون النسائي ؛ النسائي لا يقول عن شيخه يعني، وإنما الذي قالها من دونه، من دونه ولم يقل يعني؛ يعني: أن النسائي يعني بفلان هو ابن جعفر النيسابوري .
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي مر ذكره.
[ أخبرنا محمد بن عمرو] .
هو: محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة، فقيه، أحد الفقهاء الذين اشتهروا في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
وقد مر ذكره.
[ قال أبو عبد الرحمن : وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة النقل، وعبد الملك لا يقوم مقام واحد منهم، ولو عاضده من أشكاله جماعة وبالله التوفيق ].
يعني: لما ذكر ما يتعلق برواية عبد الملك بن نافع ، وذكر ما يخالفها من رواية الثقات الذين هم أهل الثبت والعدالة أتى بهذا التعقيب يبين بأن هؤلاء هم الذين يعول على ما جاء عنهم بخلاف ذاك فإنه لا يحتج بحديثه، ولو عاضده من أشكاله جماعة.
أورد النسائي هذا الأثر عن ابن عمر أنه كانت في حجر ابن عمر، رقية بنت عمرو بن سعيد ، وأنه كان ينقع له الزبيب فيشربه من الغد، يعني: في ليلة واحدة، ثم يجفف الزبيب يعني: هذا الذي كان منقعاً، ويلقى عليه زبيب آخر يعني مع الأول، ويجعل فيه ماء ويشربه من الغد، ومن المعلوم أن مثل هذا لا يسكر؛ لأن الوقت قصير.
قوله: (حتى إذا كان بعد الغد طرحه)، يعني: ما تركه تطول مدته.
طبعاً هو من حيث عدم الإسكار هو للجميع، أقول: هو للجميع من حيث عدم الإسكار، حتى القائلين أو المخالفين لهم يقولون بأن الشيء الذي لا يسكر كثيره وقليله حلال، الكثير والقليل، وإنما الحرام هو (ما أسكر كثيره فإن قليله حرام)، وهذا محل خلاف بعض الكوفيين مع الجمهور.
على كل هو الذي يشربه أو الذي شربه لا يشرب شيئاً يسكر لا قليل ولا كثير، الذي هو ابن عمر .
هو عبيد الله بن عمر السعيدي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثني رقية بنت عمرو بن سعيد ].
وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
[ عن ابن عمر ].
[قال: واحتجوا بحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه ].
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الأشربة - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر للشيخ : عبد المحسن العباد
https://audio.islamweb.net