اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , خواطر شهر محرم للشيخ : عبد الله الجلالي
أما بعد:
أيها الإخوة في الله! إن القلوب ثلاثة: قلوب منيرة، وهي قلوب المؤمنين، وهي التي تتربى في المساجد، ولا تتربى في المسارح، ولا تتربى في دور الدعارة، وإنما تتربى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وعلى خلاف ذلك قلوب أخبر الله عز وجل عنها أن أعمالها كسراب بقيعة؛ لأن أعمالها ظاهرها الخير، وباطنها السوء.
القلوب الثالثة: قلوب مظلمة، نعوذ بالله منها! ظاهرها وباطنها كله ظلام، كما قال عز وجل: كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40].
والناس في هذه الحياة الدنيا إما أن يتربوا في المساجد؛ فتكون قلوبهم كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ [النور:35]، أو يتربوا في خلاف المساجد؛ فتكون قلوبهم مظلمة، أو أن أعمالهم ظاهرها الخير وباطنها السوء، ولعل المجال يفسح لنا في وقت لاحق إن شاء الله حتى يكون حديثنا عن هؤلاء الأجناس الثلاثة.
أيها الإخوان! أما نحن وذكرياتنا في شهر الله المحرم فيجب أن تكون لنا مواقف، هذه المواقف يجب ألا نغفل عنها.
إخوتي في الله! إن الرجل التاجر الذي يعمل ليلاً ونهاراً طيلة العام في بيعه وشرائه، يأخذ من فلان ويبيع على فلان ويشتري من فلان، ويعطي ويستعطي لابد وأن تكون له ساعة يقف فيها أمام دفاتر تجارته؛ لينظر ما له وما عليه، وماذا كسب وماذا خسر؟ وماذا عليه أن يعمل؟ وكيف يجب أن يتصرف ليزيد في أرباحه وتجارته؟
وهذا أمر بدهي، ندركه في حياتنا التجارية، وإذا كان المسافر يسير في طريق طويلة فإنه لابد أن يقف أمام لوحات الطريق، ولابد أن يقف أمام معارج الطرق وأمام المنعطفات؛ لينظر كم قطع من الطريق؟ وماذا بقي له في هذا الطريق؟ وكم ميلاً قطعه؟ وكم ميلاً بقي؟ ثم يعود مرة أخرى لينظر في زاده ماذا بقي؟ وكيف يجب أن يتزود؟ هذه فطرة بشرية ندركها جميعاً ونحن اليوم نعيش أمام مفرق من مفارق الطرق، وأمام لوحة من لوحات الطريق؛ لأنا نسير جميعاً إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة.
ونحن أيضاً في تجارة مع الله عز وجل، لكنها تجارة تنجينا من عذاب أليم.. تجارة هي أعظم تجارة.
إذاً: أولاً: جدير بنا وأحق بنا أن نقف اليوم كما يقف التاجر أمام دفاتر تجارته، وكما يقف المسافر أمام لوحات الطريق، وأمام مفارق الطريق ومنعطفاته؛ لننظر كيف الطريق؟ وهل نحن في صحة من مسيرتنا أو يجب أن نغير الطريق مرة أخرى لنصل إلى الهدف الذي ننشده إن شاء الله؟
هكذا نحن أيها الإخوة المؤمنون نتصور أنفسنا ونحن نضع أقدامنا في شهر الله المحرم، وهو أول شهر في العام؛ ولذلك سمي الشهر المحرم؛ لأنه أحد الأشهر الأربعة الحرم التي يقول الله عز وجل عنها: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، بل هو أعظم الأشهر الحرم؛ لأنه وضع بداية لتاريخ الإنسانية جمعاء، وذلك حينما استشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمين في عصره بأي شيء يبدأ السنة: أيبدؤها بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بهجرته أم بوفاته أم بماذا يبدؤها؟ فرأى المسلمون أن يبدأها من الهجرة، وأن يكون شهر الله المحرم هو أول السنة؛ لأنه يعود فيه الحجاج إلى مواطنهم، ولأنه تستأنف فيه أنشطة كثيرة.
إخوتي في الله! ومن هذا المنطلق يجب أن نقف نفكر ونستعرض صفحات العمل، ونستعرض سجلات العمل التي أودعناها في العام المنصرم، ونصحح المسيرة إن كنا قد أخطأنا، أو نثبت على المسيرة إن كنا قد أحسنا.
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المناسبة فقال: (أيها الناس! إن لكم معالم فانتبهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتبهوا إلى نهايتكم؛ إن العبد المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه، ألا فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن شبيبته لهرمه، ومن دنياه لآخرته) .
ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مثل هذه المناسبة: (أيها الناس! إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غاب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تعملوا صالحاً فاعملوا).
ومن أبرزها ومن أهمها: مرور الأيام والسنين، ومن أهمها أيضاً: بلوغ أربعين سنة، ولذلك يقول الله عز وجل عن هذه المرحلة: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ [الأحقاف:15-16].
ومن هذه المعالم أيضاً: بلوغ الستين، ولعلها تكون نهاية المعالم وآخر الإنذارات التي يجب أن ينتبه لها المسلم، فلا يضيع الفرصة بعد ذلك، ولذلك ورد في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعذر الله إلى رجل أخر أجله حتى بلغ الستين)، ومعنى (أعذر) أي: لم يترك له عذراً بعد ذلك، فإذا أراد أن يستعتب ويعتذر إذا نزل به الموت فإن الاستعتاب والاعتذار لا يقبل بعد ذلك؛ لأنها آخر مرحلة من مراحل الاستعتاب والاعتذار.
ثم هذا الشيب وتغير لون الشعر أيضاً معلم من هذه المعالم، وإنذار من تلك الإنذارات التي تعترض مسيرة المرء المسلم في حياته، ولذلك يقول الله تعالى للناس الذين فرطوا في العمر: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قال طائفة من العلماء: إن المراد بالنذير هنا هو الشيب وابيضاض الشعر.
أيها الإخوة المؤمنون! هذه الإنذارات لا تمر بالرجل العاقل إلا وتستوقفه ويستوقفها، ولا تمر بالرجل الجاهل إلا مر الكرام، فلا يدري ماذا مضى وماذا بقي؛ لأنه في غمرته غافل؛ كما قال عز وجل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء:1-3]، فلهو القلوب هو الذي أضل كثيراً من الناس؛ فإن كانت القلوب متعلقة بالله فإنه يرجى لهذه القلوب خير؛ لكن إذا لها القلب فإن المصيبة لا تساويها مصيبة.
أيها الإخوان! علينا أن نستعرض صفحات ما مضى من السنة الماضية، وماذا تركنا من الواجبات؟ فكثير من الواجبات تركه الناس، وكم فرطنا في كثير من الأوامر! وكم مرت بنا ليالٍ طوال وأيام لا تحصى ونحن في هذه الغفلة!
والليل والنهار كما ورد في الأثر: ( والليل والنهار خزانتان فانظروا ماذا تودعون فيهما)، بل يقول الله عز وجل قبل ذلك: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62] ومعنى (خلفة): أي: يخلف بعضها بعضاً.
فإذا مضت عليك فرصة لا تتعبد فيها لله عز وجل بالنوافل فأمامك النهار؛ لأن الله تعالى لما ذكر قيام الليل قال: إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا [المزمل:7]وإذا مضى عليك النهار ولم تستفد منه فإن أمامك الليل الذي هو مطية الصالحين الذين يسيرون فيه إلى الله عز وجل، والذين يقول الله عز وجل عنهم: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، وقال عنهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].
كنا نقول هذا لأنفسنا منذ زمن، وكنا نخاطب الناس بمثل هذا المنطق، لكننا أصبحنا اليوم نتنازل مع الواقع المرير، فنقول للناس: صلوا صلاة الفجر مع المسلمين، بدلاً من أن نقول لهم: إن الله قال عن المؤمنين: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة:16]، وأصبحنا نتمنى من المسلمين أن يصلوا صلاة الفجر!
وصلاة الفجر لها ميزان عظيم عند الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول عنها: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: (ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله).
إذاً: يجب أن ينتبه المسلم! فكم ضيعنا أيها الإخوة المؤمنون من الصلوات! وكم ضيع المسلمون من هذا الجانب! فهناك سواد عظيم لا يقيمون للصلاة وزناً، يجب أن يقفوا أمام سجلاتهم من العام الماضي لينظروا فيها؛ فهل ترك الصلاة أمر سهل أو أمر عظيم؟ إنه والله من أعظم الكبائر! بل إنه الردة عن الإسلام؛ لأن الله عز وجل يقول: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، ولعله قد ارتبطت إضاعة الصلاة باتباع الشهوات لأن من عصى الله عز وجل قيض له شيطاناً فهو له قرين، فأصبحت هذه الشهوات ألذ شيء له في حياته، ولذا قال عز وجل عنه: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ [مريم:59-60]، فباب التوبة مفتوح، وباب التوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وبالنسبة لعامة الناس وبالنسبة لكل فرد من الأفراد فإن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، أو ما لم تبلغ الروح الحلقوم، ولذلك يقول الله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17].
وأبشركم يا إخوان! بمعنىً لهذه الآية أجمع عليه المفسرون، وهو: أن قوله: (بِجَهَالَةٍ) ليس معناه في حالة جهلهم للمعصية، بل معناه: في أيام الجهل وأيام الغفلة.
ثم أبشركم أيضاً بأن قوله: (مِنْ قَرِيبٍ) ليس معناه أن يتوب مباشرة وإلا فلا تقبل منه التوبة، ولكن معناه: أن ذلك القريب هو ما قبل الموت؛ بدليل الآية الأخرى بعدها: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18].
وعلى هذا فكل ما عصينا الله عز وجل به فهو بجهالة؛ لأن الإنسان لا يعصي الله عز وجل إلا في فترة جهالة، وأيضاً القرب ما زال أمامنا؛ لأن الروح ما زالت في الجسد -والحمد لله- فهي فرصة، ولذا يجب أن نستعتب، ويجب أن نتوب؛ فوالله ما بعد الموت من مستعتب.
إخوتي في الله! أين يذهب كثير من شباب المسلمين في عطل الصيف؟! أولئك الذين يرقبون ورقة التقويم ينظرون فرص الإجازات وفرص الصيف، كثير منهم نجدهم يذهبون إلى بلاد الكفر وإلى بلاد المعصية.. يذهبون إلى بلاد التحلل، يقتلون الأخلاق، ويذيبون الأموال، ويفسدون الحرث والنسل!
هذه الشهوات جاءت مرتبطة بترك الصلاة؛ لأن الصلاة كما أخبر الله عز وجل عنها أنها: (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
أيها الإخوة المؤمنون! كثير من الفساد غزا قلوب كثير من الناس، بل وغزا بيوتهم؛ فأصبح في قعر بيوت المسلمين أفلام ترقص وتغني حتى الهزيع الأخير من الليل!
لقد أصيب كثير من المسلمين بهذه المشكلة، فكان ذلك جزاءً وفاقاً، ولكن على هؤلاء المسلمين أن ينتبهوا ما دام في الأمر متسع وفسحة، فكثير من المسلمين وقع في كثير من المحرمات.
والمرابي أعلن الحرب بينه وبين الله عز وجل وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].
هذا الربا صار ينقسم في حياتنا اليوم إلى قسمين: قسم قد أعلن الربا علناً، وفتحت البنوك أبوابها أمام المسلمين: ادفع ريالاً وخذ ريالين.. ادفع درهماً وخذ درهمين، وبعد فترة من الزمن فتح أبوابه مغطى وملفوفاً بلفائف مكشوفة لدى كثير من التجار الذين أصبحوا يتحايلون على الربا، ويستحلون محارم الله بأدنى الحيل، الذين يقول أحدهم: تعال إلي واشتر هذا المال شراءً صورياً، ثم بعه علي أو بعه على فلان، ثم بعد ذلك اخرج في دقائق ومعك شيء من المال بزيادة، وكل ذلك من الربا الذي يكاد أن يحل بنا سخط الله عز وجل، بل قد أخذ الربا في أيامنا الحاضرة أضعافاً مضاعفة، وهو آخر ما وصلت إليه جاهلية الأمس، وهو في الذروة بالنسبة لواقعنا اليوم، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ [آل عمران:130]، فنجد أن البنوك اليوم إذا حل الدين بالساعة وبالدقيقة تسجل زيادة على هذا الرجل المدين حتى يؤدي هذا المال الذي عليه.
فهذا هو الربا الأضعاف المضاعفة الذي هو أعظم ما فعلته جاهلية الأمس بعد الشرك بالله عز وجل، وهو الآن موجود لدى كثير من التجار.
إذاً: يجب على هؤلاء التجار، ويجب على هؤلاء المسئولين عن البنوك؛ بل يجب على السلطة التي تشرف على هذه البنوك أن تستعيد صفحات حياتها، وأن تتقي الله عز وجل؛ لأن هذا من الأمور العظام التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (الربا بضع وسبعون شعبة، أدناها -أي: أخفها- كأن ينكح الرجل أمه).
فتصور يا أخي! من يستطيع أن ينكح أمه؟! لكنه يستطيع أن يكسب ملايين الأموال بسبب هذه البنوك وهو لا يتصور عظم هذه الجريمة.
وأضف إلى ذلك ما وقع من المعاملات المحرمة، ثم أضف إلى ذلك ما وقع من السلوك المنحرف الذي مني به كثير من الناس، نسأل الله العافية!
ومن هنا يجب أن ينتبه المسلمون لهذا؛ فإن هذا سلوك يشبه سلوك الكافرين سواءً بسواء، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتعبن سنن -أي: طريقة- من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة -أي: كالسهم يتبع السهم- قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟).
ونحن نكره اليهود في حقيقتنا وفي واقعنا وفي ألسنتنا، لكن أخلاقهم وسلوكهم قد وقع فيها كثير من المسلمين، نسأل الله العافية! بل إذا قيل لأحدهم: اتق الله! قال: هذه هي الحضارة، وهذا هو التقدم!
فسموا الأشياء بغير أسمائها، وغيروا المسميات كما غيروا الأسماء؛ فسموا الربا اقتصاداً، وسموا الرقص والغناء فناً وفنوناً، والفنون جنون، وسموا الخمر مشروبات روحية، وسموا النفاق مجاملة، وسموا الكذب دبلوماسية!! وسموا.. وسموا..
وكل هذه الأشياء حقائقها ما زالت باقية، لكن أسماءها قد غيرت، يريدون أن يموهوا على الناس وهي على حقيقتها لا تتغير؛ فالحقائق لا تتغير.
أيها الإخوان! حينما ننظر في سلوك كثير من المسلمين الذين ابتلوا بتقليد أعدائهم، والذين حكى عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر بقوله: (لتتعبن سنن من كان قبلكم..)؛ نجد أنهم أصبحوا صورة طبق الأصل لأعدائهم الذين هم يظهرون العداء لهم في الظاهر.
ثم أيضاً رأوا أن النساء هن أكبر وسيلة للقضاء على الأخلاق والفضائل، وذلك حينما تخرج متبرجة عارية أو شبه عارية، وقالوا: إن هذه هي الحضارة!
ثم بعد ذلك أرادوا أن يحرفوا أبناء المسلمين من خلال هذه التوصية التي كان سادتهم يوصونهم بها: إنه لا أحد أقدر على جر المجتمعات إلى الدمار من هذه المرأة، فاتخذوا من هذه المرأة وسيلة للدمار، ووسيلة للفناء، ووسيلة للانحراف، ولذلك فإن أحدهم يقول قولاً معسولاً وحاله كما قال عز وجل: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].
فتنازلوا عن هذه الدرجة، فرأينا في أيامنا الحاضرة أن كثيراً من الشباب بدأ يتنازل عن رجولته، ويتشبه بالمرأة، وينافسها في شكلها، وفي صوتها، وربما في شيء من لباسها، فربما يلبسون الذهب، والملابس الرقيقة والضيقة، ولربما يرققون أصواتهم، وهذا أمر عجيب أعجب من الأول! ولذلك يقول الشاعر:
فلا عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الشباب عجيب
لأن الرجل حينما ينزل إلى مستوى المرأة إنما تنازل عن حق من حقوقه، وحينما تتطلع المرأة إلى صفة من صفات الرجال إنما تطالب بدرجة هي أعلى من درجتها التي وضعت لها.
وعلى هذا فإن هذه من الأمور التي وقع فيها طائفة من شبابنا الذين ضلوا الطريق على أيدي أعدائنا، فيجب أن نتنبه لهذا الأمر.
بعد ذلك نرى أن هذه الموضات وهذه الفتن وهذه المعاصي ظهرت في فترة قلّ فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأصبح كل إنسان لا يفكر إلا في نفسه إلا ما شاء الله؛ بل ربما أن طائفة من هؤلاء الناس أصبحت ترهبهم قوة البشر أكثر من قوة خالق البشر سبحانه وتعالى، فتنازلوا عن هذا الواجب أو تركوا هذا الواجب الذي أناطه الله عز وجل في أعناقهم، فخلا الجو لهؤلاء ولأولئك، فباضوا وفرخوا في هذا المجتمع الذي فقد كثيراً من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونحن نقول: كم من الناس من حيل بينه وبين ما يريد! قال عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].
فكم من الشباب في أيامنا الحاضرة من تختطف أرواحهم أكثر من الشيوخ! ولو ذهبنا إلى المرور لنسجل الوفيات التي حصلت -مثلاً- في منطقة القصيم لمدة سنة، ثم حصرنا الذين ماتوا على فرشهم؛ لوجدنا أن الذين يموتون على فرشهم لكبر سن أو لمرض لا يساوون عشرة بالمائة بالنسبة للذين يموتون في حوادث المرور، أو في موت الفجأة أو ما أشبه ذلك.
وهؤلاء كلهم في الغالب من الشباب الذين كانت عندهم آمال، وكانت عندهم طموحات؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رسم على الأرض خطاً طويلاً وقال: (هذا الإنسان، وهذا أمله، ورسم خطاً أقصر منه بكثير وقال: هذا الأجل).
إذاً: الأجل أقرب من الأمل يا إخوة! فلا نخطط لسنين، فعندنا من الشجاعة النفسية والأمل الطويل العريض ما يجعلنا نخطط لسنين.
فعلينا يا إخوتي! أن نتقي الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نبادر بالتوبة.
وأرى كثيراً من الأصحاء يسوفون أيضاً في التوبة، ويقولون: نحن أصحاء في أجسامنا، فلنا أن نتمتع وننهل من لذات هذه الحياة إلى أن يكبر بنا السن أو إلى أن نضعف!
وكل هذه من الآمال التي لا تتناسب مع عقلية المؤمن، ومع الفطرة التي فطر الله عز وجل المسلمين عليها.
إذاً: علينا أن نبادر بالتوبة، وألا تفوتنا هذه الفرصة، وهي خاطرة من خواطر شهر الله المحرم الذي نعيشه اليوم.
شهر محرم شهر له أثر في قيام الدولة الإسلامية بكاملها؛ لأن في شهر محرم ذكرى لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما هي هذه الهجرة! إنها الركب الذي انتقل من مكة إلى المدينة في حجم صغير، لكنه في معنى كبير..
هذا الركب الصغير في حجمه العظيم في قدره هو الذي وضع الحجر الأساسي في مثل هذه المناسبة لقيام الدولة الإسلامية، وذلك يوم وقف الكفر مسلحاً أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن قرر في دار الندوة ذلكم القرار المشئوم؛ بل هو قرار كان له أثره في الهجرة، فهو قرار خير في آخر أمره، وذلك حينما انتقل المسلمون بعد ذلك القرار الذي كشفه الله عز وجل في قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
ومن هنا أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام، وكانت هذه الدولة وارفة الظل، سامقة الأصول؛ لأننا ما زلنا ولا يزال المسلمون يتفيئون ظلالها إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فعلينا يا إخوتي! ألا تمر بنا هذه الذكرى إلا ونحن قد وعينا الدرس الحقيقي منها، فهناك قامت دولة الإسلام، وهناك شرع الجهاد في سبيل الله، ونزلت أول آية تنفس عن المسلمين، وتأذن لهم بالجهاد في سبيل الله، ألا وهي قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39-40].
ولهذا اليوم ذكرى عطرة لا في تاريخ المسلمين فحسب بل في تاريخ الإنسانية؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأهلك الله فيه فرعون ومن معه من الكافرين المتمردين؛ وذلك حينما جاء ذلكم الطاغية الذي تحدى كل القيم وتحدى كل المعتقدات، وقال للناس: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وأنكر ألوهية الخالق سبحانه وتعالى، أنكرها بلسانه، لكنه آمن بها في حقيقته وفي قرارة قلبه، وقد كشف الله تعالى هذا الإيمان، وكشف هذا السر فقال سبحانه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] لماذا جحدوا بها؟ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، أي: جحدوا بها ظلماً وعلواً واستيقنتها أنفسهم. وقال الله عز وجل عنه على لسان موسى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102].
ولذلك نجد أن هذا الطاغية إنما أنكر الخالق من أجل أن يستعبد الأمة، وهكذا في كل فترة من فترات التاريخ، أي فرد يريد أن يستذل أمة أو يستعبد شعباً فلابد أن يحول بينه وبين الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، ابتداءً من الفرس في معتقدهم الأول، وإلى فرعون عليه لعنة الله حينما أنكر الخالق، ومروراً بالشيوعية التي تكتسح كثيراً من العالم اليوم، والتي لم تجد سبيلاً إلى السيطرة على العالم إلا أن تنكر الخالق سبحانه وتعالى.
قال عز وجل: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، فيجيئون بها وفق منهج اقتصادي في الظاهر، ولكنه في الحقيقة ينتهي إلى إنكار الخالق سبحانه وتعالى، وإنكار القيم، وإنكار الرسل والكتب السماوية والحياة الآخرة، وإنكار كل المبادئ؛ ليقولوا لهذا الإنسان: إنه حيوان ينتهي من حيث يبتدي!
ولذلك يزعمون أن هذا الإنسان يوجد نتيجة التفاعل الكيماوي والحيوي، كما تقول الشيوعية، أي: أنه يتعفن في هذا الكون كما يتعفن الطعام، فتولد منه هذه الدودة، ثم هذه الدودة تطورت في نظر الشيوعية حتى صارت جسداً ثم صارت إنساناً!!
هذه هي نظرية التفاعل الكيماوي والحيوي في نظر الشيوعية، وهذه بداية الإنسان! وأما نهاية الإنسان في نظر الشيوعية فيجب أن يباد كما تباد هذه الحشرات؛ لأنه تولد من التعفن في نظرهم كما تتولد الحشرات.
ولذلك يا إخوان! لو نظرنا نظرة فاحصة إلى ما يفعله الشيوعيون في أفغانستان وفي غيرها -نسأل الله السلامة، ونسأل الله أن يعز الأمة الإسلامية- لوجدنا أن النهاية تطابق البداية بالنسبة لنظرة الشيوعية.
يباد إخواننا المسلمون هناك بالبلاد الأفغانية كما تباد الحشرات، والله لقد زرت مستشفيات لو كان الذين فيها كلاب لوجب أن نعطف عليهم، وقد قطعت أيديهم، وقطعت أرجلهم بسبب القنابل والمواد السامة، وشوهت وجوههم!! إلى غير ذلك.
مستشفيات يحصى من فيها بعشرات الآلاف بل بمئات الآلاف من البشر! إضافة إلى من يقتل ويباد هناك، ونحن في غفلة.. نسمع أخبار السلفادور وأخبار العالم كله، ولا نتابع أخبار إخواننا الأفغان أبداً إلا ما شاء الله، وإذا تابعنا نجده في زاوية مهجورة من صحفنا لا تتعدى ثلاثة سنتيمترات في ثلاثة.
فإخواننا هناك يبادون على أيدي الشيوعية؛ لأن الشيوعية تقول: إن الإنسان ولد نتيجة التعفن، فيجب أن نعامله كما تعامل الحشرات، ولذا يبيدونه بالمواد السامة.
ولذلك فإن فرعون عليه لعنة الله ما استعبد بني إسرائيل وما أراد أن يستعبد المصريين إلا من هذا المنطلق، حيث أنكر الخالق، والشيوعية وهي تريد أن تستولي على هذا العالم لا تستطيع أن تستولي على هذا العالم كما تتصور إلا إذا أنكرت الخالق؛ لأن العالم الذي لا ينكر الخالق سيقف كما يقف الأفغان في أيامنا الحاضرة الذين يقاتلون الروس ولو بالحجارة، في الوقت الذي غفل عنهم إخوانهم المسلمون، ولم يمدوهم حتى بالمال.
فالشيوعيون لا يريدون الإيمان بالخالق؛ حتى لا يتسابق الناس إلى الشهادة؛ وإنما يريدون أن يقول الإنسان كما قال الدهري الأول: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24].
المهم أن فرعون ذلكم الطاغية ولد في بيته طفل تولى الله عز وجل تربيته على عينه، كما قال: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، تولاه الله عز وجل، وتحدى به فرعون، فإذا كان يقتل الأطفال من بني إسرائيل فإن هذا الطفل سيتربى في بيت فرعون، كما قال سبحانه: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8].
وانظروا أيها الإخوان! إلى ألطاف الله عز وجل، وانظروا إلى تعطل نواميس الحياة إذا أراد الله عز وجل أن تتعطل.. يقتل الأطفال من بني إسرائيل، لكن موسى يعيش في بيت فرعون ولا يقتله!
ثم بعد ذلك يكون سبباً في هلاكه، وذلك حينما أمره الله عز وجل في يوم عاشوراء من شهر الله المحرم أن يخرج ببني إسرائيل صوب البحر، فلحقه فرعون بجنوده، حتى قيل: إن بني إسرائيل كانوا يحصون في ذلك الوقت بأكثر من ستمائة ألف، أي: الذين عبروا البحر الأحمر بهذه المعجزة الخارقة للعادة.
وكان بنو إسرائيل إيمانهم ضعيفاً، فلما رأوا موسى يريد أن يتجه بهم إلى البحر والبحر أمامهم وفرعون من خلفهم قالوا لموسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61]، وهذه فطرة بشرية لا يلامون عليها؛ لكن الرجل المؤمن موسى عليه السلام قال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].
هكذا الإيمان إذا حل في القلوب؛ حيث تهون كل الدنيا في وجه الرجل المؤمن؛ ولذا قال: (كَلَّا) و(كلا) للردع، (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
ولما علم الله عز وجل إيمانه أمره أن يضرب البحر ضربة واحدة بعصا صغيرة، فتحول هذا البحر إلى اثنتي عشرة طريق، كل طريق يعبر منها سبط من أسباط بني إسرائيل.. إنها آية عجيبة! فمن كان يظن أن البحر سيتجمد ليعبر الناس عليه بالأقدام؟! إنها قدرة الله عز وجل.
فيعبر المؤمنون مع موسى عليه السلام، ثم يدخل فرعون وجنوده من ورائهم، ثم يأمر الله عز وجل البحر أن يطبق على الأقباط مع فرعون ويغرقهم أجمعين، ثم يجعل الله عز وجل فتنة فرعون آية باقية إلى يوم القيامة، ولعل الذين يذهبون إلى مصر ويدخلون المتحف الوطني يرون هذه الآية ما زالت باقية، يقول الله عز وجل: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92].
فمن أراد أن يتكبر، أو ينكر الخالق، أو يشك في الخالق سبحانه وتعالى، أو يطغى على خلق الله، أو يتجبر في هذه الأرض أو يظلم؛ فإن عليه أن ينظر إلى تلك الآية التي مضى عليها اليوم ما يزيد على خمسة آلاف سنة، وهي آية ما زالت باقية يمر بها السواح، ولكن كثيراً منهم لا يشعرون.
ثم علينا أيضاً أن نستعيد ذكرى الهجرة مرة أخرى؛ لنشكر الله عز وجل أن قامت دولة الإسلام، ويجب أن نحافظ على دولة الإسلام التي كتب الله لها الخلود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ثم أيضاً علينا ونحن نرى الطغيان اليوم ينتفخ ويتشدق ويتطاول على الجبال، ويملأ السجون والمعتقلات بالمؤمنين، ويستذل المؤمنين.. علينا أن ننتظر الفرج من الله عز وجل، وأن نعرف أن هذا كله زبد، وأن الزبد كما قال الله عز وجل: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17].
ومن هنا أيها الإخوان! لا نيأس من روح الله، قال عز وجل: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87].
وعلينا أيضاً أن نمد أكف الضراعة إلى الله عز وجل أن يؤيد المسلمين بنصر منه، وأن يخلص إخواننا المعتقلين والمضطهدين تحت مطارق الكافرين والظلمة والطغاة، ولكن علينا بجوار هذا الدعاء أن نقوم بجانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله عز وجل يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53].
وعلينا أن نحارب المعاصي والإلحاد، وأن نحارب كفر النعم الذي أصبح اليوم ظاهراً في كثير من البلاد التي فجر الله لها ينابيع الخيرات وقد كانت بالأمس تعيش في فقر ومسغبة، وهو ابتلاء من الله عز وجل، بل هو آخر مرحلة من مراحل الابتلاء؛ لأن الله عز وجل قد أخبرنا عن ذلك في القرآن فقال: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف:94].
ونحن هنا في نجد كنا في بأساء، وكنا في ضراء، وكنا في خوف، وكنا في جوع، وكنا في مسبغة، فأرسل الله لنا هذه الخيرات ابتلاءً وامتحاناً، يقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف:94-95]، فقد أصبحنا نسكن في القصور الفارهة، ونركب السيارات المترفة، ونملك الأموال الطائلة، ونعيش في أمن، ويتخطف الناس من حولنا، لكن ما هي النتيجة؟ كثير من الناس إذا قيل له: اتق الله يا أخي! أنت كنت فقيراً فأغناك الله، وأنت كنت أعزب فجعل الله لك هؤلاء الأولاد الشهود، وأنت كنت تعيش في خوف وذلة فأصبحت الآن مرفوع الرأس والحمد لله، لكنه يقول: هذا أمر قد انتهى ضده! وقد مرت بنا فترات الخوف والجوع، والله تعالى يقول لنا عن هذا الموقف: ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا [الأعراف:95] أي: زاد المال وزاد الأولاد وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ [الأعراف:95]، أي: انتهى الضد، ولن يعود الضد مرة أخرى، ولكن الأمور في تقلب، فماذا كانت النتيجة؟ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95].
فعلينا أن ننتبه يا إخوان! فنحن هنا يتخطف الناس من حولنا، وتحيط بنا دائرة حمراء من الدماء، ونقط حمراء من الدماء، ونحن نعيش في منطقة -والحمد لله- آمنين مطمئنين، قد جعل الله لنا حرماً آمناً، ويتخطف الناس من حولنا.
لكن هل تظنوا أيها الإخوان! أننا نستحق ذلك دائماً؟ الجواب: لا والله، إلا إذا حافظنا على هذه النعمة، وشكرنا المنعم سبحانه وتعالى، وقمنا بحقه، وحاربنا المعاصي؛ لأن الله عز وجل يقول: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود:116]، ويقول عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ أي: من النعيم حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44].
إذاً: أيها الإخوان! علينا أن نخشى الله عز وجل، ووالله ليس بيننا وبين الله عهد ولا ميثاق، والله تعالى يقول: أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ [الرعد:31]، ونحن نرى أنه يحل قريباً من دارنا كثير من الكوارث؛ واسمعوا أخبار لبنان وأخبار إيران وأخبار العراق وأخبار أفريقيا، والأماكن التي فيها مجاعة، وأنا رأيتهم بعيني يموتون أمامنا من الجوع!
ونحن -والحمد لله- عندنا هذه الأموال؛ بل كثير من الناس أصبح لا يستطيع أن يحصيها؛ حتى الأرقام عجزت أن تحصي أموال كثير من الناس، ومع هذا لم تفكر طائفة منهم في أن يوصلوا قليلاً من هذا المال لإخوانهم الفقراء.
ويخشى في يوم من الأيام أن يسلط الله عز وجل على هؤلاء أصحاب الأموال أمة لا يرعون فيهم إلاً ولا ذمة، فيأخذون الأموال ويبتزونها، ويريقون الدماء ويسفكونها، ويتلاعبون بهذا الأمن الذي من الله علينا به.
فهذه أمم كثيرة كانت تعيش في رخاء وفي نعمة أكثر مما نعيش اليوم، وكان الناس يذهبون من هنا إلى أفريقيا الخضراء، وكان الناس يذهبون إلى لبنان الناعمة الآمنة المطمئنة، وكان أناس يذهبون إلى الهند، فأصبح كل هذا العالم يأتي يبحث عن لقمة العيش في بلادنا والحمد لله.
إذاً: أيها الإخوة! هذه نعمة لابد أن نشكرها، وإذا لم نشكرها فإن الله عز وجل يقول: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فهذا عذاب الله نسمع جزءاً منه تعيشه كثير من الأمم المجاورة؛ فخذوا حذركم، واعتبروا بمن حولكم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الجواب: الحقيقة أنني كنت ممن يتحرز من هذه الزيارة؛ لأن هناك حواجز منيعة بيننا وبين هذه النوادي؛ لأننا لا ندري ما وراء هذه النوادي، لكننا -والحمد لله- صرنا لا نشك في أنها اتجهت اتجاهاً طيباً؛ لأن الصحوة الإسلامية التي يتمتع بها الناس أجمعون أخذت النوادي الرياضية بنصيب وافر منها.
وعلى كل فإننا مطمئنون -والحمد لله- في أيامنا الحاضرة على هذه النوادي، وليس كل الاطمئنان، ولكن أكثر اطمئناناً، وليس في كل النوادي الرياضية، ولكن في أكثرها؛ فنحن مطمئنون -والحمد لله- على أن المسئولين عنها رجال صالحون، أقصد رؤساء النوادي وأعضاء الأندية الرياضية.
وعلى كل فنحن مستبشرون بهذا الواقع الطيب، ونرجو لهم مزيداً من الاستقامة، ولكن نقول: النوادي الرياضية مسئولة عن أمانة كبيرة؛ فولدي وولد فلان وفلان من الناس نسلمهم إلى هذه الأندية الرياضية مدة من الزمن، ثم بعد ذلك لا ندري ماذا يحدث وراء الكواليس! لكننا مطمئنون إلى هؤلاء الذين هم الآن أصبحوا يقومون بإدارة الأندية الرياضية؛ ولذلك فإننا نحملهم أمانة كبيرة.
إن الأمة تقاس بشبابها، والشباب لا يقاس بقوة جسده فقط، فحينما تقدم الأندية الرياضية تقوية الأجساد فقط لا يكفي؛ لأن الإنسان لا يتميز بقوة جسده، فالإنسان مهما بلغ من القوة لا يبلغ درجة الجمل أو درجة الأسد أو درجة النمر في قوة جسده، ولكنه بقوة روحه إضافة إلى قوة جسده، وإذا تمتع هذا الشاب بقوة الروح مع قوة الجسد فإنه يصبح إنساناً يرجى من ورائه نفع.
ولذلك فإن الأمم الحية ما كانت فقط تعتمد في تربية شبابها على قوة أجسادهم، وإنما تعتمد كل الاعتماد على تربية عقولهم.
ونحن نطالب أصحاب الأندية الرياضية أن يربوا وينموا العقول تربية طيبة، فإذا كانت الأمم الشيوعية تربي أبناءها على الإلحاد؛ فالأمم المؤمنة المسلمة يجب أن تربي أولادها وتربي أبناءها على الإيمان الحقيقي الذي به يصلون إلى درجة لا يصل إليها أحد من الناس.
ولذلك فإني أدعو القادة والمسئولين على الأندية الرياضية -وأقصد بالقادة رؤساء مجلس الإدارة ومدير ورئيس النادي، أما القادة الكبار فنسأل الله لهم الهداية أيضاً- فنقول: عليكم أن تتقوا الله في هذه الأمانة؛ لأنكم أصبحتم أمناء على أبناء المسلمين، ولأنكم ستسألون في الآخرة عما يصل إليه مستوى هؤلاء الأبناء الذين ينتسبون إلى الأندية التي أنتم قائمون عليها، فإن خرج هذا الشباب مؤمناً تقياً عاملاً جاداً في عمله مصلحاً في هذه الحياة، فأنتم أول من يجني هذه الثمرة، وإن خرج هذا الشباب تافهاً منحرفاً ضالاً سفيهاً، فأنتم من يسألكم التاريخ ويسألكم الناس؛ بل ويسألكم الله عز وجل يوم القيامة عن هذه الأمانة.
الجواب: الله تعالى يقول: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، فإذا كان هؤلاء الأصدقاء الذين أشار إليهم الأخ يعملون الكبائر فحرام عليك أن تعيش معهم؛ لأن الله تعالى يقول: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء:140]، ويقول سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
وعلى هذا فإذا كان هؤلاء يعملون الكبائر أو الأوبئة المعدية التي يتعاطاها طائفة من الشباب كالتدخين، فأنا أنصح بألا تعيش مع هؤلاء؛ لأن التدخين يعتبر من الأمراض التي تنتقل بسرعة عن طريق المخالطة.
وأما إذا كان هؤلاء فقط يعملون شيئاً من المزاح أو الهزل الذي لا يصل لدرجة المعاصي الكبيرة؛ فهؤلاء لا بأس بمجالستهم، بل من الأفضل أن تعيش مع هؤلاء، خصوصاً إذا كانت حياتك معهم ستنقلهم من الهزل إلى الجد، وتستغل فيها الفرص من أجل أن تقدم لهم أشياء لعلها تكون سبباً في استقامتهم والتزامهم.
وعلى كل: فإن الرجل المؤمن عليه أن يستعمل عقله في مثل هذه الأمور؛ فإذا كان يتأثر في مثل هذه المجالس فحرام عليه أن يجلس مع هؤلاء، والمسألة لا تصل إلى درجة الكبائر فيتسامح في ذلك.
الجواب: هذه الأحاديث صحيحة، لكن العلماء اختلفوا في تأويلها؛ لأن بعضها ينفي الإيمان، وبعضها ينفي الجمعة، وبعضها ينفي أشياء أخرى، فبعض العلماء له تأويل في هذه الأحاديث؛ لأنها أحاديث صحيحة لا شك في صحتها.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، بعض العلماء أخذه على ظاهره، كالإمام ابن تيمية رحمة الله عليه، وقال: كل إنسان يستطيع أن يصل إلى المسجد ويصلي منفرداً فصلاته غير صحيحة. ويعتبر الصلاة في المسجد شرطاً من شروط الصلاة؛ كالوضوء، واستقبال القبلة، وستر العورة، وما أشبه ذلك، وجمهور العلماء يؤولون مثل هذا، ويرون أن قوله: (لا صلاة)، أي: لا صلاة كاملة؛ لأن صلاة الجماعة ليست بشرط، وإنما هي واجبة وفريضة، فإذا صلى المرء في بيته فصلاته صحيحة، لكنه قد عمل محرماً إذا لم يكن له عذر في تركه الصلاة مع الجماعة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وقوله: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، قال بعض العلماء: هذه جرت مجرى الوعيد، وآيات الوعيد وأحاديث الوعيد أيضاً كثيرة، ولعل ذلك فيمن استحل الكبر؛ لأن الكبر من أكبر الذنوب المحرمة، واستحلاله يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأنه محرم بالإجماع، وكل محرم بالإجماع فإن استحلاله كفر وردة عن الإسلام، فلعل هذا فيمن استحل الكبر، أو أن هذا جرى مجرى الوعيد.
وعلى هذا فكل ما ورد بلفظ: (لا يؤمن)، (لا يدخل).. (لا جمعة له) ونحو ذلك، كل هذا لعله يؤول، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن لغا فلا جمعة له)، فبعض العلماء قال: هو على حقيقته، فمن عبث بالحصى، والإمام يخطب، فإنه تفسد جمعته، وكأنه لم يصل الجمعة، ولعله يكتب له أجر الظهر، وبعضهم رأى أن هذا جرى مجرى الوعيد، كما ورد أيضاً: (إذا قلت لأخيك: أنصت أو اسكت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت، أو لا جمعة لك)، كل هذا يجرونه مجرى الوعيد، وبعضهم يجريه على ظاهره، فيقول: معنى (لا جمعة له) أي: سقط منه أجر الجمعة، لكن برئت ذمته من صلاة الجمعة. والله أعلم.
الجواب: أما بالنسبة لقراءتها للرد على أمور -مثلاً- وصلت إلى أيدي المسلمين، ونحن نريد أن نبين للمسلمين خطأ ما فيها؛ فلعل ذلك يتسامح فيه.
أما قراءتها للعلم فإن هذا لا يجوز؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى قطعة من التوراة مع عمر رضي الله عنه غضب صلى الله عليه وسلم، وظهر الغضب في وجهه وقال: (لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي).
وكذلك الإنجيل وكل الكتب السماوية التي يزعم أصحابها أنها من الكتب السماوية؛ لأنها منسوخة بالقرآن، فكما نسخت التوراة والإنجيل فإن القرآن قد نسخ التوراة والإنجيل، ولذلك يقول الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
وهذه الدعوة يجب أن نوصلها إلى كل هؤلاء الذين يعيشون مع المسلمين من غير المسلمين.
أما بالنسبة للكتب السماوية المزعومة الموجودة في أيامنا الحاضرة فهي كلها محرفة، وليست كتباً حقيقية؛ لأن الله تعالى قد أخبرنا بأن اليهود قد حرفوا كتابهم، وكذلك النصارى.
وعلى هذا فإن ما في أيدي اليهود وما في أيدي النصارى اليوم كله محرف، وليست هي الكتب السماوية التي نزلت من السماء.
وحتى على فرض أنها كتب سماوية فنحن نؤمن بأصلها، لكنها غير معتبرة في أيامنا الحاضرة؛ لأنها منسوخة بالقرآن.
الجواب: أما كونه يؤدي أركان الإسلام ويفعل الواجبات لكنه يفعل شيئاً من المحرمات، فهذا نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق.
لكن فعله للسيئات لا يطعن في إيمانه، ولا يطعن في إسلامه، فهو ما زال مسلماً ما دامت هذه السيئات لا تصل إلى درجة الردة، فإذا وصلت إلى درجة الردة فإنه يكفر، ويحبط عمله نهائياً، لكن فعل السيئات أيضاً يختلف؛ فهناك كبائر، وهناك صغائر؛ فإذا وصل إلى درجة الكبائر فإن هذه الكبائر تذهب الحسنات التي كسبها، كما أن الحسنات يذهبن السيئات، فكذلك السيئات قد تستهلك الحسنات.
ولذلك الله تعالى أخبرنا بأن الوزن يومئذٍ الحق، وأن الله تعالى يزن أعمال الإنسان الحسنات والسيئات، يزنها يوم القيامة، فتوضع الحسنات في كفة، وتوضع السيئات في كفة، فإن رجحت الحسنات فقد سعد، وإن رجحت السيئات فقد شقي.
ولكن المسلم الذي يعمل هذه السيئات عليه أن يبادر بالتوبة؛ لأنه إذا بادر بالتوبة فإن الله عز وجل يغفر له مهما بلغ من الذنوب، كما قال عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:53-54]، أي: بهذا الشرط.
وإذا لقي الله عز وجل بهذه السيئات التي لا تصل إلى درجة الكفر فإنه تحت مشيئة الله وإرادته، إن شاء الله تعالى غفر له، وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار.
فمن فعل الكبائر مهما كانت الكبائر، ما دامت لا تصل إلى درجة الكفر وإلى درجة الشرك فإنها لا تخلده في النار؛ فقد يغفرها الله له ولا يحاسبه عليها، وقد يحاسبه عليها، ثم يكون مصيره إلى الجنة ما دام قد مات على عقيدة الإيمان والتوحيد والإسلام.
ولكن يا أخي! اعلم أن هذه مخاطرة؛ فهذه الحسنات التي تتعب فيها احذر أن تستهلكها بالسيئات، ونقول: اتق الله! ودع هذه السيئات، إلا أن أكبر سيئة أحذر الناس منها هي: الشرك بالله عز وجل، ولذلك يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
والشرك بالله قد انتشر في أيامنا الحاضرة؛ فلا نظن أيها الإخوان! أن الشرك قد انتهى إلى الأبد، صحيح أن اللات والعزى ومناة وإساف ونائلة وهبل قد فقدت وانتهت، لكن لا زالت هناك أوثان كثيرة في أيامنا الحاضرة؛ وإن شئت فاذهب إلى البلاد الإسلامية المجاورة فستجد أناساً يطوفون حول القبور، ويتمسحون بالقبور، ويخشعون أمام القبور، وينذرون لها النذور، ويتقربون إليها بأنواع القرب، وهذا هو الشرك الأكبر؛ لأن هؤلاء يقولون: نحن نرجو شفاعتهم يوم القيامة، وهذا كما قال الأولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].
ففي كل بلاد المسلمين آلهة، فالدنيا تعبد من دون الله في أيامنا الحاضرة، وهذا نوع من الشرك، والزعماء يعبدون من دون الله في أيامنا الحاضرة في كثير من البلاد الإسلامية؛ لأنهم يشرعون ويطيعهم البشر، ويرفضون أحكام الله، ولو صدر أمر من أحد هؤلاء المسئولين وأجبر الناس عليه لوجدت الناس ينجبرون وراء هذا الأمر؛ خوفاً من سياط القوة المادية، ويغفلون عن عذاب الله عز وجل، وهذا نوع من الشرك، فالخوف من البشر أكثر من الخوف من الخالق سبحانه وتعالى نوع من الشرك.
والذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعضهم تركوه خوفاً من أن ينالهم أذى، وهذا يخشى أن يصل بهم إلى درجة الشرك؛ لقوله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ [العنكبوت:10]، أي: أنه يساوي بين هذا وهذا.
المهم أن الشرك موجود، وهو من الذنوب التي لا يغفرها الله عز وجل، وصاحبه مخلد في نار جهنم، أما المعاصي فإنها تحت مشيئة الله وإرادته.
ولذلك فإني أدعو أخي الذي يقيم أركان الإسلام وتعاليم الإسلام ويؤدي الواجبات إلى أن يخشى الله عز وجل في هذه المحرمات؛ لأنها ستستهلك حسناته في يوم من الأيام.
الجواب: شروط التوبة: أن يقلع الإنسان عن الذنب، وأن يندم على ما مضى، وأن يعزم على ألا يعود، وأن يرد المظالم إذا كانت المعصية في مظلمة بينه وبين الخلق، فإن كان قد سب إنساناً يعتذر منه، وإن كان قد أخذه ماله يرد إليه هذا المال، وإن كان قد آذاه بأي أذىً يطلب منه المعذرة.
هذه هي شروط التوبة، وجماعها كلها: صدق القلب وعزمه على الإقلاع من فعل الذنب.
الجواب: أما من قال: إن إسبال الثوب بغير بطر جائز، فنقول: أنت أخطأت، ولا نقول: إنك تعديت، بل نقول: أخطأت؛ لأن بعض العلماء يرى أن الإسبال بغير نية البطر جائز، لكن أنا أرى أن هذا الرأي لا مكان له؛ لأن عندنا وعيدين من الرسول صلى الله عليه وسلم:
الوعيد الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: (من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، فهذه عقوبة من فعله خيلاء.
والوعيد الثاني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار)، فهذا ليس له صلة بذلك، فمن فعله بنية الكبرياء فهو أخطر، وعقوبته أنه لا ينظر الله إليه، وهذا من أعظم الوعيد، ومن فعله لكنه لا يريد الكبرياء فنقول: عليه عقوبة، لكنها لا تصل إلى درجة ألا ينظر الله إليه يوم القيامة.
وبعض العلماء قال: إن هذا يحمل على هذا، فيحمل على البطر، واستدل بقصة أبي بكر رضي الله عنه: (إن إزاري يسترخي إلا أن اتعاهده ...) الحديث، لكن هذا لا يصلح دليلاً؛ لأن معنى يسترخي: ينزل، ثم يرفعه، ونحن نقول لمن نزل ثوبه: ارفع ثوبك، وتخرج من المشكلة.
وعلى كل فإن الوعيد موجود لمن فعله بطراً ولمن فعله بغير بطر.
أما من ادعى حل الغناء فنقول أيضاً: أنت على خطر يا أخي! ولو استمعت الغناء لكان أمرك أسهل، لكن ما دمت قد قلت: إن الغناء جائز، فإنك على خطر؛ لأن الغناء يكاد أن يجمع علماء المسلمين على تحريمه، وما دام أنه يكاد أن يجمع علماء المسلمين على تحريمه فنقول: أخطأت في هذا، ولو كان الغناء من الأمور المجمع على تحريمها عند جميع العلماء لكان من يقول بهذا الرأي مرتداً؛ لكن ما دام أن هناك من يشك في تحريم الغناء فإن الأمر لا يصل إلى درجة الردة.
وعلى هذا نقول: يا أخي! عليك أن تصحح مفهومك، وأن تقرأ ما كتب عن الغناء، بل تقرأ ما ورد في الأدلة الشرعية عن الغناء، كقوله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا [لقمان:6]، وقول الله عز وجل: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64].
واقرأ ما قاله المفسرون في هذا الأمر، واقرأ آراء العلماء والفقهاء في الغناء، ولعل مثل هذا يقتنع فلا يقول بعد ذلك: إنه جائز.
الجواب: أما عورة الرجل فإن له عورة في الصلاة وخارج الصلاة؛ ففي الصلاة ما بين السرة إلى الركبة، فهذا لا يجوز أن يكشف في الصلاة، وأحد العاتقين يلحقه العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)، أي: لابد أن يغطى أحد الكتفين، ولذلك الإخوان الذين يلبسون فنايل علاقية نقول لهم: هذه لا تصلح في الصلاة، بل لابد أن يغطى واحد من الكتفين.
أما في غير الصلاة فقد اختلف العلماء في تحديد العورة، فجمهور العلماء يرون أنها إلى الركبة، ومنهم من يرى أنها فوق الركبة، واختلف في الفخذ هل هو عورة أو ليس بعورة؟ لكن الاحتياط أن يغطى الفخذ.
ولذلك فإني أدعو أصحاب النوادي الرياضية إلى أن يوجهوا الشباب الذين كثيراً ما يستعملون ألبسة تكون فوق الركبة إلى أن ينزلوها إلى الركبة، خصوصاً وأن كثيراً من الذين يلعبون هذه الألعاب من الشباب الأحداث الذين يخشى عليهم ومنهم الفتنة.
وعلى هذا فإني أقول: هذا موضع خلاف، لكن الاحتياط أن يغطى الفخذ؛ هذا بالنسبة لغير الصلاة، أما بالنسبة للصلاة فلابد أن يغطى إلى الركبة.
وكذلك أدعو الشباب الذين يلبسون ملابس شفافة وعليهم سراويل لا تصل إلى الركبة، أدعوهم إلى أن يغطوا إلى الركبة في الصلاة؛ لأنه كثيراً ما نصلي بجوار كثير من هؤلاء الشباب وعليهم ملابس شفافة رقيقة من خلالها نرى لون البشرة بيضاء أو سوداء أو حمراء، وهذا من الخطأ؛ لأن الصلاة من شروطها: ستر العورة؛ والله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، أي: استروا عوراتكم، وعلى هذا نقول: إن الذين يلبسون سراويل قصيرة وثياباً شفافة قد أخطئوا، وصلاتهم ترد عليهم، فعليهم أن يستروا إلى الركبة.
أما بالنسبة لخارج الصلاة فالاحتياط أن نستر إلى الركبة أيضاً.
الجواب: ذوو الأرحام لها مفهوم في الفرائض ومفهوم في عامة الشرع: أما ذوو الأرحام في عامة الشرع: فهم الذين تجب صلتهم، وهم الذين خرجوا من رحم واحدة، فهذه النسبة نسبة إلى الرحم، والرحم: هو رحم المرأة، أي: أنه تجمعهم أم واحدة وأب واحد، كأعمامك، وأبناء عمك، وإخوتك، وأبناء إخوتك، وأعمام أبيك، وأعمام أمك، وأخوالك، كل هؤلاء يجمعهم رحم واحدة، وهؤلاء هم ذوو الأرحام الذين تجب صلتهم، وتحرم قطيعتهم.
أما صلة ذوي الأرحام فإنها واجبة، وقد توعد الله عز وجل الذين يقطعون الرحم، ووعد الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل بالجنة.
وقطيعة الرحم من الأمور التي تحدث بسبب خلاف الناس على متاع الحياة الدنيا، وعلى هذا فلا يجوز للناس أن يتقاطعوا في أرحامهم لأي سبب من أسباب الحياة الدنيا، اللهم إلا إذا وصل الأمر إلى درجة المعصية التي تلزم المسلم بالهجر؛ فإن عليك أن تهجره، ويلزمك حينئذٍ أن تقطع هذه الرحم إذا عجزت عن إصلاحها، لكن هذه القطيعة لا تصل إلى درجة الجفاء الذي يفعله كثير من الناس.
فقد أمر الله عز وجل بصلة الوالدين الكافرين اللذين يلزمان ولدهما بالكفر، فقال عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، والمراد بالصحبة بالمعروف هنا: ألا تقسو عليهما، وأن تنفق عليهما في حال الحاجة، وما أشبه ذلك.
كذلك رحمك الذين لا يخشون الله عز وجل عليك أن تحسن إليهم عند الحاجة والضرورة؛ لأن هذا الإحسان قد افترضه الله تعالى في كل أمر من الأمور.
الجواب: الكتب الآن كثيرة، ولا نستطيع أن نحصرها، لكن يمكن أن نعطي نماذج في كل فن من الفنون، فمثلاً: التفسير هو أول العلوم التي يجب أن يكون لها نصيب؛ لأنه يفهمنا كتاب الله عز وجل، فياحبذا لو كان للإنسان كتابان من كتب التفسير: أحدهما يهتم بالأحكام والألفاظ اللغوية، والثاني يهتم بالنكت البلاغية والأسرار القرآنية؛ حتى يصل الإنسان إلى شيء من هذه الأسرار.
وفي الحديث أيضاً يكون للإنسان كتاب يلجأ إليه في بعض الأحيان، ويقرؤه إذا كان من الطموحين، ككتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، أو كان أقل من ذلك من الكتب الصغيرة التي تهتم بشرح بعض معاني الحديث.
وكذلك بالنسبة للكتب الثقافية، نحن أيضاً بحاجة إليها أكثر من حاجتنا إلى أشياء كثيرة، ففي أيامنا الحاضرة يتصارع الخير والشر أمامنا، ويكاد أن يلتبس الخير بالشر أمام كثير من العقول التي أصبحت قد اختلط عليها الأمر، فعلينا أن نقرأ الكتب التي ترد على هذه الأفكار الوافدة، والتي تعلمنا ما هي الشيوعية وأخطار الشيوعية، وأخطار الرأسمالية في مفهومها الحاضر، وتعلمنا أخطار الاشتراكية، وأخطار هذه الأفكار والمذاهب القديمة والجديدة.
ومن هذه الكتب الطيبة الكتب التي نثق في مؤلفيها كـسيد قطب ومحمد قطب وحسن البنا والمودودي رحمة الله عليهم، ونحوهم من هؤلاء المثقفين الذين عايشوا هذه الفتن وهذه الأفكار، فكانت لهم ردود عليها بينوا فيها السبيل.
الجواب: الكيلو متر بعيد، وهمم الناس الآن أصبحت تجعل الكيلو متراً بعيداً، وعلى كل يا أخي! الصلاة في المسجد أفضل؛ لأن الله تعالى يقول: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36].
لكن إذا كانت صلاتك في النادي لها أثر في المصلين، فلعلها تكون أفضل من الصلاة في المسجد من هذا الجانب؛ فإذا كنت إذا صليت في النادي تجمع إخوانك وتلقن المتخلف وتنصح المثابر وهكذا، فلعل صلاتك في النادي تكون أفضل في مثل هذه الحالة.
فعليك أن تنظر المصلحة، فإذا كان لك وزن في صلاتك في النادي فصلاتك في النادي أفضل، وإذا لم يكن لك وزن فصلاتك في المسجد أفضل، لكن صلاتك في النادي أيضاً كافية.
وبعد كيلو متر مسافة تعتبر كبيرة، وأنت لا تطالب بأن تركب السيارة إلى المسجد، وما دمت قد وجدت أناساً يقيمون الجماعة فلا بأس أن تصلي معهم ولو كان المسجد قريباً منك.
الجواب: هذا السؤال غامض! فالمسلم يعبد الله في كل أحواله، ولابد أن يكون على بصيرة، ولعله يقصد: ما هي الطريقة إلى عبادة الله عبادة صحيحة؟
والجواب: أن يكون على بصيرة، والبصيرة: هي العلم، والعلم يجب على المسلم في حدود ما يعرف به الله عز وجل، وما يعرف به قدرة الله سبحانه وتعالى، وما يعرف به كيف يؤدي الفرائض، وكيف يجتنب المناهي.
فعبادة الله تعالى على بصيرة واجبة، ويكون ذلك عن طريق العلم، ولذلك فإن الله عز وجل أمر الناس بأن يتعلموا فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9].
ومدح العلم والعلماء، واعتبرهم ورثة الأنبياء، وجعل حتى الحيتان في البحر تستغفر لهم، والملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، كل ذلك من أجل أن يعرف الإنسان ربه معرفة حقيقية، وأن يعبد الله عبادة توافق المنهج الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذه هي الطريقة التي يجب أن يعبد الإنسان فيها ربه، وذلك بأن يكون على بصيرة، وأن يكون على هدىً من الله، وأن يكون متابعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يا إخواني! لو نظرنا في كثير من عبادات الناس في العالم الإسلامي لوجدناها على غير بصيرة، نسأل الله العافية.
وكثير من الناس أحدثوا في دين الله أموراً لم يشرعها الله، وتركوا واجبات فرضها الله عز وجل عليهم، وهذا هو الخطأ، وهذا يتنافى مع شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأن معنى (أشهد أن محمداً رسول الله): طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، وألا نعبد الله إلا بما شرعه.
ولذلك فإن أصحاب البدع والخرافات الذين أحدثوا في دين الله ما لم يأذن به الله، هم الآن يعبدون الله على غير بصيرة، ويقلدون الآباء والأجداد والمشايخ ولو كانوا على غير بصيرة، ويتركون الهدى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى.
وهذه هي المشكلة التي يعيشها كثير من العالم الإسلامي، فأصبحت البدعة لدى طائفة منهم سنة، وأصبحت السنة لدى طائفة منهم بدعة، وكثرت المعاصي عقوبة على هذه البدع، وجاء الشيطان قوماً عن طريق البدع، كما جاء آخرين عن طريق المعصية.
الجواب: الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهذه أشهر متوالية، ورجب، وهو المنفرد.
هذه هي الأربعة الأشهر الحرم، وقد ذكرها الله تعالى بقوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].
وهذه الأشهر الحرم سميت حرماً لأن الله تعالى حرم القتال فيها، وحتى المشركون الأولون كانوا يقاتلون طوال السنة؛ فإذا دخل شهر من الأشهر الحرم وهم في وسط المعركة يقفون؛ لأنهم يحرمون الأشهر الحرم.
والمعاصي قد حرمت دائماً، وهي في الأشهر الحرم أكثر منها في غيرها بإجماع العلماء.
والأمر الذي اختلف فيه العلماء هو: هل تحريم القتال في الأشهر الحرم ما زال باقياً أو أنه منسوخ؟ فمن قائل: إنه نسخ، وأصبح القتال في سبيل الله مباحاً دائماً على مدار السنة، ومنهم من قال: إن الأشهر الحرم لا يجوز فيها القتال ابتداءً، وإنما يجوز دفاعاً عن النفس؛ فإذا هجم العدو على المسلمين فإنهم يدافعون عن أنفسهم ولو كان في الأشهر الحرم، لكن لا يبتدئون القتال في الأشهر الحرم. هذا بالنسبة للقتال.
أما بالنسبة لتعظيمها وتشديد المعصية فيها، وأن المعصية فيها أعظم من المعصية في بقية الأشهر الثمانية، فإن ذلك ما زال باقياً، وسيبقى إلى يوم القيامة.
ومناسبة تسميتها بالحرم من التحريم، أي: أنه حرم القتال فيها، فأصبحت حرماً، أي: لها حرمة أكثر من غيرها.
الجواب: بالنسبة للذي يعصي ويتوب ويعصي ويتوب، هذا باب التوبة مفتوح أمامه، ولا نقول: إنه إذا عصى وتاب وعصى وتاب فلا توبة له، بل باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أو إلى أن تبلغ الروح الحلقوم.
لكن أنا أخاف على ذلك الذي يعصي ويتوب ويعصي ويتوب أن يعصي الله تعالى ولا يتوب بعد ذلك، وذلك أنه إما أن يعاقب بسوء الخاتمة، نسأل الله العافية! وإما أن يطبع الله على قلبه فلا يتوب بعد ذلك، وإما أن يحصل له شيء آخر يحول بينه وبين التوبة في أي أمر من الأمور.
لكن باب التوبة مفتوح له، والله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، فربما يقيض الله له شيطاناً من شياطين الإنس أو شياطين الجن فيحول بينه وبين التوبة.
وعلى كل فنحن نقول له: اتق الله يا أخي! وإذا عصيت وتبت فحافظ على هذه التوبة؛ لأن التوبة باب ولجت فيه إلى الله عز وجل، وخرجت به من معصيته إلى طاعته، فحافظ على هذه التوبة.
ولكن إذا عصيت مع ذلك أيضاً فتب، ولو عصيت ثالثة فتب، وكن دائماً إذا عصيت تتوب، ولا نقول: اعص، وإنما نقول: تب إذا عصيت.
أما بالنسبة لأن يلزم الإنسان نفسه بعبادة من العبادات من أجل أن يمتنع فيها عن المعصية، فأنا لا أرى أن يلزم الإنسان نفسه بذلك؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إن النذر لا يأتي بخير)؛ لأنه عبادة يلزم الإنسان بها نفسه.
فإذا كان هذا الإنسان ينذر بأنه إذا عصى يصوم أو يصلي.. أو نحو ذلك؛ فنقول: لا تفعل؛ لأن النذر منهي عنه، لكن لو نذرت فإنه يلزمك أن تفي به، لكن لا خير في النذر؛ لأنه لا يأتي بخير، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولربما تكون هذه الطاعة قد ألزمت بها نفسك فلا تستطيع أن تؤديها في يوم من الأيام، لكن لو ألزمت نفسك بها بنذر فإن عليك أن تفي به.
وهذا لا يكون في الحقيقة علاجاً لمن يعصي ويتوب ويعصي ويتوب، وإنما العلاج الصحيح لمن يعصي ويتوب ويعصي ويتوب أن يتصور معنى التوبة، وأن الله تعالى قد فتح بابه له، وبسط يده له، وأنه قد أنعم الله عليه بهذه التوبة، فكيف يترك نعمة بعدما حصل عليها؟!
فهذه التصورات تغني عن هذه العبادات التي يلزم الإنسان بها نفسه.
لكن لو ألزم الإنسان بها نفسه وليس على طريق النذر فلعل ذلك لا بأس به، لكن الأولى له ألا يلزم نفسه بشيء من ذلك؛ اللهم إلا إذا كان قد تاب فإنه يكون من أسباب هذه التوبة أن يتقرب إلى الله عز وجل بعبادات؛ لعل الحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، وكما قال كعب بن مالك رضي الله عنه لما قبل الله تعالى توبته: (يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي شكراً لله تعالى. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك).
وعلى كلٍ فالإلزام بالطاعة ليس بالشيء الجيد، لكن أنا لا أستطيع أن أجزم بأن أقول: إنه منهي عنه أو غير منهي عنه، والأقرب أنه مباح، لكن لا يلزم الإنسان نفسه؛ لأنه قد يعجز عن أداء هذا المباح فيصبح مطالباً بذلك.
الجواب: أما ربا البنوك فنحن لا نشك بأنه من ربا النسيئة المحرم الذي لا شك فيه، والله تعالى علمنا كيف نعمل بالفائدة المحرمة في حال التوبة فقال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].
ولذلك أنا أخالف الذين يقولون: إننا لا نترك الفائدة؛ لأن هذه البنوك يتقوى بها الكفر على الإسلام؛ فالكفر قوي بأموال كثيرة غير هذه الأموال، والاجتهاد في موضع النص لا يجوز، فالله تعالى يقول: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].
هذا بالنسبة لمن تاب، فكيف بالذي لم يتب؟ فالذي تاب لا نقول له: أنت مسامح في الماضي الأول، وإنما نقول: خذ رأس مالك ورد الزيادة على أصحابها.
ولذلك فإن الذين يأخذون الزيادة والفائدة من البنوك ويقولون: ندفعها في طرق الخير، نقول لهم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وإذا كنت تريد أن تبذل في وجوه الخير فابذل من مالك الحلال؛ أما من الربا فإن الخير لا يقوم على الربا وعلى الأموال المحرمة.
وقد قال لي كثير من الذين يتعاطون الفوائد الربوية: لو تدفعونها إلى المجاهدين في أفغانستان، وأقول: لعل هذا العمل هو السبب في عدم نجاح المجاهدين في أفغانستان في جهادهم؛ لأن الجهاد في سبيل الله لا يقوم على الربا، والمسلمون لا يقدمون للجهاد في سبيل الله إلا أفضل أموالهم.
فالذي يقدم فائدة البنوك للإصلاح وللأسرة، أو لمساعدة فقير أو منكوب، أو للجهاد في سبيل الله، نقول له: قد أخطأت، وعليك أن ترد هذه الفائدة إلى البنك ولو تقوى به؛ فإن ذلك لا يهمنا؛ لأنه لا يجوز لك أن تأخذها حتى ولو كنت سوف تحرقها؛ لأنك إذا أحرقتها قد تملكتها ثم أحرقتها.
فنقول: ردوها؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، ولك رأس مالك، وتنفق في وجوه الخير ما شئت من رأس مالك، لكن لا تنفق من هذه الفائدة المحرمة.
هذا هو ما أعتقده وأدين الله تعالى به.
الجواب: أعتقد أن التأجير لا بأس به، فمعاملة غير المسلمين لا بأس بها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يبيع ويشتري من اليهود، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي؛ فلا مانع أن تسكِّن فيها غير مسلم؛ بشرط ألا يكون هؤلاء غير المسلمين في حي يضايقون المسلمين؛ وإنما يكونون في منطقة بعيدة معزولة.
الشرط الثاني: ألا تعمل فيها المحرمات علناً، كأن تعلق فيها الصور والرموز التي ترمز للديانات المسيحية، أو يشرب فيها الخمر علناً، أو ما أشبه ذلك.
أما أن تتعامل مع غير مسلمين فذلك لا بأس به؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، فأباح البر والإقساط إليهم، وألا نضايقهم، وألا نؤذيهم أيضاً.
وعلى هذا فلا مانع من أن يؤجر المسلم على غير مسلم بيتاً، بشرط ألا يكون هناك مضايقة للمسلمين، وألا يكون فيه أذية، وألا تظهر فيه شعائر غير شعائر الإسلام.
الجواب: أحسنت يا أخي! أنا كنت أريد أن أتكلم عن هذه المسألة ونسيتها، والحقيقة أنه بالرغم من وجود إرهاصات مخيفة في المجتمعات الإنسانية، فهناك -والحمد لله- الآن بوادر خير في كل العالم والشعوب.
فلو ذهبت إلى أمريكا لوجدت أنه يوجد فيها شباب متدين متمسك، مع أن الشهوات تحيط بهم من كل جانب؛ بل جميع أنواع الشهوات مبذولة وميسرة، ولكنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وهكذا لو ذهبت إلى أوروبا أو ذهبت إلى الشرق والغرب، لقد رأيناهم -والحمد لله- بأعداد هائلة.
وهكذا يعيش معنا -والحمد لله- كثير من هؤلاء الشباب الذين تحدوا جميع أنواع الغزو والأفكار التي وفدت إلى البلاد الإسلامية، وأعلنوا إيمانهم الحقيقي، وظهر هذا الإيمان وبرز في وجوههم وفي كل شئون الحياة.
فهذه الصحوة الإسلامية لم تأت صدفة، وإنما جاءت نتيجة دعوات وعمل جاد قدمه إخواننا المسلمون.. هذا أمر.
الأمر الثاني: سنة الله تعالى في الحياة أن الله تعالى قد تكفل ببقاء هذا الدين إلى يوم القيامة، وبمقدار ما يخاف طائفة من الناس على هذا الدين يطمئنون وهم يشاهدون هذه الصحوة الإسلامية.
ثم أيضاً قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله أو حتى تقوم الساعة.
وعليك يا أخي! وعليَّ وعلى كل واحد منا أن ينضم إلى هذه المجموعة؛ ليحقق هذه الفئة التي أخبر الله عز وجل عنها وأخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الله تعالى بأن هذا الخير باقٍ إلى يوم القيامة، كما قال عز وجل: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا [غافر:51]، وقال: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، ومن غلبة الرسل أن يبقى دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الرسل إلى يوم القيامة.
فهذه الصحوة يا إخوان! علينا أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يثبتها، كما أن علينا أن نشجعها؛ لأني أرى أن طائفة من الآباء بدءوا يسخرون من أبنائهم، ويقولون: إنهم موسوسون، فعلوا كذا، وفعلوا كذا! والحقيقة أن هذا الكلام الذي يقوله الآباء خطر؛ لأن الله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، ويقول تعالى وهو يخاطب الكافرين وهم في النار: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:109-111].
ولذلك فإني أدعو الآباء أن يشجعوا هؤلاء الأبناء، وأخشى عليهم أن يقعوا في ردة عن الإسلام حين يقولون: فلان دخل في الدين، وكأن الوساوس التي يخافون منها يسمونها بالدين، أو يعتبرون الدين شيئاً كالجنون يدخل فيه طائفة من الشباب.
وعلى هذا نقول: هذه سنة الله تعالى في الحياة، وهذا الخير يتحدى الله عز وجل به كل قوى الشر المعاصرة في أيامنا الحاضرة، ففي أيامنا التنصير والتبشير والتكفير والعلمنة، وكثير من الأفكار التي جاء بها أناس، وكانوا يخططون بأن فلاناً وفلاناً وفلاناً من الناس إذا انتهوا انتهى دور الدين من هذه الحياة، فإذا بهم يخر عليهم السقف من فوقهم ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.
فتأتي هذه الصحوة الإسلامية في أحلك فترة من فترات التاريخ، وفي أشد ساعة من ساعات الزمن، وفي أيام كان هؤلاء يظنون أنهم كادوا أن يقضوا على الدين، فإذا بهذا الدين يعلن نفسه في كل أرجاء الأرض، ولو سرت إلى أي بلد من بلاد الله لوجدت هذه الصحوة الإسلامية -والحمد لله- تقوم على أشدها.
ومن العجب أن الجامعات العصرية التي تدرس العلوم العصرية صارت تتمتع بهذه الصحوة أكثر من كلية الشريعة وكلية أصول الدين!
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت الأقدام، وأن يأخذ بالنواصي إلى ما فيه صلاح الأمة، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يوفق القادة والمسئولين عن هذا الدين، كما أسأله أن يوفق رواد الأندية الرياضية والمسئولين عنها والرئاسة العامة إلى أن يقودوا هذا الشباب إلى ما فيه عز الدين والدنيا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , خواطر شهر محرم للشيخ : عبد الله الجلالي
https://audio.islamweb.net