إسلام ويب

حقق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام أنواع الجهاد في حياتهم كلها، وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد رد اعتداء قريش على المسلمين قبل الهجرة وبعدها؛ ولذلك بعث السرايا لتخويف قريش وإسقاط تجبرهم وظلمهم للمسلمين، كسرية سيف البحر، وغزوة الأبواء، وسرية عبيدة بن الحارث، وغزوة بواط، والعشيرة.

تحقيق النبي صلى الله عليه وسلم لأنواع الجهاد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فقد تقدم معنا الكلام في أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وأن الله عز وجل قد فرضه على عباده المؤمنين رداً للأذى، وحماية للمستضعفين، ونشراً للدين، وانتصاراً للمظلومين، وأن الجهاد ليس خاصاً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل كان الأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليهم مجاهدين، وعرفنا أن الجهاد أعم من القتال، وأنه على أربعة أنواع:

جهاد للنفس.

وجهاد للشيطان.

وجهاد للمنافقين.

وجهاد للكفار.

وأن جهاد النفس على أربع مراتب:

جهادها على تعلم دين الله عز وجل.

وجهادها على العمل بما تعلمت.

وجهادها على الدعوة إلى الخير الذي علِمت.

وجهادها على الصبر في هذا الطريق الشاق الطويل.

وأن جهاد الشيطان على مرتبتين:

جهاد الشيطان فيما يلقي من الشبهات.

وجهاد الشيطان فيما يبعث من الشهوات.

بقي أن نقول: بأن جهاد الكفار وجهاد المنافقين كل واحد منهما على أربع مراتب:

المرتبة الأولى: جهادهم بالقلب، وذلك ببغض ما هم عليه، أي: كراهية ما هم عليه من الكفر والشرك والنفاق والفسوق والعصيان، وهذه المرتبة قد أمر بها ربنا جل جلاله حين قال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22]، فلابد أن تكره ما هم عليه من مخالفة أمر الله عز وجل بقلبك.

المرتبة الثانية: مجاهدتهم باللسان، وذلك برد باطلهم والجواب على شبههم، لو أنهم أثاروا شبهة عن الدين وحاولوا الصد عن سبيل الله، فلابد أن تجاهدهم بلسانك.

المرتبة الثالثة: جهادهم بالمال، وذلك بأن يُبذل المال للدفاع عن الدين ورد أذى المعتدين.

المرتبة الرابعة: جهادهم باليد، كما قال الله عز وجل: و يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]، أما جهاد الكفار باليد فأمره ظاهر، وأما جهاد المنافقين فالأصل أنهم يُجاهدون باللسان، ويجاهدون بالقرآن، كما قال الله عز وجل: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [الفرقان:52].

لكن المنافق لو أراد أن يؤذي المسلمين أو أعان عليهم عدوهم، فإنه يقاتل شأنه شأن المشركين كما قال الله عز وجل: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً [النساء:91].

ولو تأملنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تجدون أنهم حققوا هذه الأنواع الأربعة، فالجهاد بالقلب، تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبغض الأصنام والأوثان، وكان يبغض الشرك وأهله، وكان يبغض المعاصي ومن يتلبسون بها، فكان يبغض الخمر وأهلها، والميسر وأهله، وأنواع الظلم والفسوق، كل ذلك كان مبغضاً له بقلبه صلوات ربي وسلامه عليه.

وأما جهاد المشركين والمنافقين باللسان، فقد كان له القدح المعلى صلوات الله وسلامه عليه، وكان يجيب على الشبهات التي يطرحونها، ولما جاء أبي بن خلف وفي يده عظم بال فطحنه بين يديه ثم نفخه وقال: (يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذه بعدما صارت رميماً؟ قال: نعم. يحييها ويبعثك ويدخلك النار)، هذا جهاد باللسان.

ولما قال له أحد اليهود: (يا محمد! تزعم أن الله أنزل عليك: أن الجنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال له: فأين النار؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ )، أجاب على شبهة هذا اليهودي بأن طرح عليه هذا السؤال، وهذا جهاد باللسان.

وكذلك الصديق أبو بكر رضي الله عنه دخل بيت المدراس، وهو المكان الذي يجتمع فيه اليهود لقراءة التوراة، وكان كبيرهم يقال له: فنحاص بن عازورا ، فـأبو بكر قال له: (يا فنحاص ! اتق الله وأسلم فإنك تعلم أن محمداً رسول الله الذي تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، فقال له اليهودي الخبيث: ما نعلم أنه رسول الله، ولو كان ربك غنياً ما استقرضنا كما يزعم صاحبك، في القرآن الكريم: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة:245])، فاليهودي يقول: لو كان غنياً ما استقرضنا، إن الله فقير ونحن أغنياء. (فـأبو بكر رضي الله عنه لطم هذا اليهودي لطمة منكرة، فلما جاء اليهودي يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر : والله يا عدو الله! لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك، يا رسول الله! زعم الخبيث أن الله فقير وهو غني. فحلف اليهودي بالله ما قال، فأنزل الله تعالى تصديق أبي بكر : لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181])، فهنا أبو بكر جاهد بلسانه وجاهد بيده.

أما الجهاد بالمال فـأبو بكر رضي الله عنه، كذلك عثمان وغيرهم من الصحابة أنفقوا أموالهم طيبة نفوسهم نصرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم الجهاد وشروطه

والجهاد الأصل فيه: أنه فرض على الكفاية، وهذه الفرضية لابد فيها من شروط ثمانية وهي:

الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، وسلامة الأعضاء، والسلامة من الدين، وإذن الوالدين.

إذاً الذي يجب عليه الجهاد في حالة أنه فرض كفاية لابد فيه من ثمانية شروط:

أن يكون مسلماً، بالغاً، عاقلاً، حراً، ذكراً، سليم الأعضاء، سليماً من الدين، قد استأذن والديه.

أما إذا تعين الجهاد، ولا يتعين الجهاد إلا إذا داهم العدو بلداً للمسلمين فيصير فرضاً عينياً على أهل تلك البلد ثم من يليهم، أو إذا كان النفير عاماً، أو إذا عين الإمام طائفة، أو عند التقاء الصفين، فهاهنا لا يشترط ذكورة ولا حرية ولا سلامة من الدين ولا إذن للوالدين، بل يخرج الذكر والأنثى والدائن والمدين ومن أذن له والداه ومن لم يأذن له والداه، الكل يخرج، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة:38]، إلى أن قال: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41]، فقوله: (انفروا خفافاً وثقالاً)، يعني شيوخاً وشباباً، كباراً وصغاراً ، رجالاً وركباناً، أغنياء وفقراء، الكل يخرج للدفاع عن بيضة الدين والذب عن حريم المسلمين.

وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو إمام المجاهدين، جاهد في الله حق جهاده، حياته في مكة منذ أن بعثه الله نبياً إلى أن خرج منها كلها كانت جهاد، ما استراح عليه الصلاة والسلام ولا ركن إلى الدعة، والله عز وجل أنزل عليه: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2]، وأنزل عليه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً [المزمل:1-2]؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( مضى عهد النوم يا خديجة ).

وبعدما مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يجاهد في الله حق جهاده هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، ومن اليوم الأول بدأ في تأسيس الدولة أسس المسجد، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأقام معاهدات مع اليهود، قال لأصحابه: ( أحصوا لي من يلفظ بالإسلام )، أي: اعملوا لي تعداداً سكانياً لعدد المسلمين في المدينة، ثم بعد ذلك ما مضت إلا شهور معدودات حتى بدأ يوجه السرايا، والسرايا جمع سرية، أي عدد محدود من الصحابة كان يوجههم الرسول صلى الله عليه وسلم في مهمة معينة محددة؛ لأن الله عز وجل أخبر بأن الناس يخرجون جماعات وفرادى جهاداً في سبيل الله عز وجل، وهكذا الذي كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، وربما بعث في مهمة شخصاً واحداً كما فعل مع عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حين ابتعثه لقتل خالد بن نبيح الهذلي ، وربما يبعث عدداً محدوداً من الناس في مهمة مخصوصة، فالله عز وجل قال: فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً [النساء:71]، يعني: إما فرادى وإما مجموعات.

أهداف الجهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

وأما الذي كان يريد تحقيقه صلوات ربي وسلامه عليه من وراء هذه السرايا؟

فالجواب: هدف عليه الصلاة والسلام إلى أمرين عظيمين:

الأمر الأول: مهاجمة قوافل قريش التجارية، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث هذه السرايا لمهاجمة تلك القوافل عملاً بقول الله عز وجل: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، أخرجوا المسلمين من ديارهم، وانتهبوا أموالهم، وآذوهم، لابد أن يقابل الاعتداء بمثله، فليس المسلم من يجر الذيل على الأذى، وليس المسلم من يغمض العين على القذى، وليس المسلم من يضرب فيطأطئ رأسه، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، المسلم ما يشجب ويستنكر ويندد ويصرخ ويستغيث باليهود والنصارى، وإنما المسلم متى ما هيئ له السبيل يرد الاعتداء بمثله، هذا هو الهدف الأول.

الهدف الثاني: إرسال رسائل واضحة لأهل مكة؛ لأن أهل مكة يريدون أن يطاردوا المسلمين في المدينة، وقد مر معنا الكلام بأنهم كتبوا إلى عبد الله ابن سلول : (بأنكم قد آويتم صاحبنا، وإنا لنقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنأتينكم جميعاً، فنقتل رجالكم ونستبيح نساءكم)، يعني: يرسلون تهديدات خارج الحدود إلى المدينة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث إليهم برسالة يقول لهم: إذا فكرتم في الإضرار بنا ونحن بالمدينة، فنحن نستطيع الإضرار بكم خارج المدينة، وقادرون على أن نلحق بكم الأذى، وأن نوقع بكم الضرر، وخير لكم أن تكفوا أيديكم وتنتهوا عما تصنعون. هذان هدفان عظيمان رمى إليهما نبينا عليه الصلاة والسلام.

ثم إن من سياسته عليه الصلاة والسلام: أنه عمل على عزل قريش عزلة سياسية؛ وذلك بإقامة معاهدات مع القبائل المحيطة بالمدينة، فوادع بني ضمرة، وغفار، وأسلم، وخزاعة، وجماعات من جهينة، هؤلاء جميعاً أقام النبي عليه الصلاة والسلام معهم معاهدات: ألا يقاتلوه، وألا يعينوا عليه عدواً، وألا يكثروا عليه. هذا كله مما التزمته تلك القبائل مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

ذكر بعض السرايا والغزوات

سرية سيف البحر

وبدأ بعد ذلك في توجيه السرايا، وكان أولها: سرية سيف البحر بقيادة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث حمزة ومعه ثلاثون من المهاجرين من أجل أن يعترضوا عيراً لقريش مقبلة من الشام فيها أبو جهل ومعه ثلاثمائة رجل، إذاً: ثلاثون أمام ثلاثمائة، قال الله عز وجل: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65]، يعني: الواحد بعشرة، ثم قال تعالى: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال:65].

وفعلاً هذه السرية بقيادة حمزة أدركوا تلك القافلة وعندما اصطفوا للقتال حجز بينهم رجل يقال له: مجدي بن عمرو الجهني، وكان حليفاً للفريقين، فسعى بينهما بالواسطة وتهدئة الأمور، وضبط النفس كما يقولون في لغة هذه الأيام، فلم ينشب قتال بين الفريقين، ولكن كانت هذه السرية فيها رسالة واضحة لقريش: بأن المسلمين صاروا مهاجمين، فانتبهوا يا معشر قريش!

سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار

ثم جاءت السرية الثانية بقيادة: سعد بن أبي وقاص إلى مكان يقال له: الخرَّار، وإلى الآن والمكان يطلق عليه هذا الاسم، الرسول وهو القائد الأعلى صلوات الله وسلامه عليه استدعى واحداً من قادته الأدنين وهو خاله: أبو إسحاق سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي الذي كان يفاخر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: ( هذا خالي فليرني امرؤ من خاله ).

وتلاحظون في السرية الأولى: سرية سيف البحر أنها كانت بقيادة حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه بقيادة سعد وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام يضرب للناس المثل بأن الجهاد يوجه إليه قرابته عليه الصلاة والسلام من أجل أن يقول للناس: أنا أدعوكم إلى خير عظيم، إلى باب من أبواب الجنة، وأنا حريص عليه قبلكم، والدليل على ذلك أني أوجه أقربائي والأدنى فالأدنى في قيادة تلك السرايا.

استدعى عليه الصلاة والسلام سعداً وقال له: ( اخرج حتى تبلغ الخرَّار فإن عيراً لقريش ستمر به )، أي: ستمر بذلك المكان، فخرج سعد على رأس عشرين رجلاً، وخرجوا على أقدامهم ما عندهم دواب، يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار، يعني بالليل يمشون وبالنهار يختفون، حتى بلغوا ذلك المكان في الخرار، فوجدوا العير قد سبقتهم بيوم واحد، يقول سعد رضي الله عنه: (ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أجاوز الخرار لكنت مدركهم)، يعني: لولا الأمر العسكري ووجوب تنفيذه بحذافيره كان ممكن أتجاوز ذلك الموضع وأدرك تلك القافلة، لكنني التزمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أتجاوز الخرار.

غزوة الأبواء

ثم جاءت الغزوة الثالثة: وكانت بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي: غزة ودان، ويسمونها أيضاً غزوة: الأبواء، وهذه الغزوة كانت في صفر، يعني: بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بأحد عشر شهراً؛ لأن وصوله إلى المدينة كان في ربيع ثم في صفر في السنة الثانية خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد اعتراض عير لقريش، فسار صلوات ربي وسلامه عليه حتى بلغ ديار بني ضمرة، والنسبة إليها ضمري، فوجد بأن هذه العير قد أفلتت، فلم يلق قتالاً صلى الله عليه وسلم، لكنه وادع بني ضمرة مثلما وادع من قبل غفار وأسلم وقبائل من جهينة، فوادع بني ضمرة بألا يعينوا عليه عدواً، وألا يقاتلوه صلوات الله وسلامه عليه، وكانت هذه أول غزوة خرج فيها بنفسه عليه الصلاة والسلام.

فإذا سئلت: ما هي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقل هي: غزوة الأبواء، أو غزوة ودان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا سبعاً وعشرين غزوة، باشر القتال في تسع منها عليه الصلاة والسلام.

سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى رابغ

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب على رأس ستين رجلاً إلى رابغ، ورابغ مكان معروف ويحمل هذا الاسم إلى الآن، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبب السرية أن النبي عليه الصلاة والسلام بلغه أن عيراً لقريش قد أقبلت بقيادة أبي سفيان بن حرب ، وبعض كتاب السير قالوا: بل كانت بقيادة عكرمة بن أبي جهل ، وسواء كانت بقيادة هذا أو ذاك، ثم إن المسلمين أدركوا العير فحصلت مناوشات بين الفريقين وتراموا بالسهام، وكان سعد رضي الله عنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، ثم بعد ذلك لم يحصل بينهم قتال، لكن هاهنا فائدة وهي أنه: فر من المشركين رجلان: المقداد بن الأسود وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما، هؤلاء احتبسوا ومنعوا من الهجرة، فخرجوا مع المشركين من باب أنهم معهم، فلما بدأ الترامي فر المقداد وعتبة بن غزوان من معسكر المشركين ولحقوا بمعسكر المسلمين، وكانت هذه فائدة عظيمة من فوائد هذه الغزوة أن خلص هذان الرجلان المباركان من قيد المشركين وأسرهم.

غزوة بواط

ثم الغزوة الخامسة: غزوة بواط، من ناحية رضوى، ورضوى جبل على مرمى من المدينة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه لاعتراض عير لقريش بقيادة: أمية بن خلف الجمحي ، عليه لعنة الله، وكان فيها مائة رجل وألفان وخمسمائة بعير، فبلغ صلى الله عليه وسلم بواط، لكن لم يعثر على القافلة ولم يلق حرباً، يعني: كأن الله عز وجل يهيئ هذه الأسباب من باب التدريب للمسلمين على الخروج إلى الغزو، والاستعداد لمنازلة المشركين، وأيضاً كأن هذا كله تهيئة للموقعة العظيمة الفاصلة في يوم الفرقان، وهي موقعة بدر التي سيحصل بها فتح للإسلام وأهله.

غزوة بدر الأولى

ثم جاءت غزوة بدر الأولى، وكان سببها أن رجلاً اسمه: كرز بن جابر الفهري ، أغار على سرح المدينة، يعني: المكان الذي تحبس فيه المواشي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له: سفوان، بالسين من ناحية بدر فلم يدركه.

وهذه الغزوة يسمونها غزوة بدر الأولى أو الصغرى تمييزاً لها عن الغزوة الكبرى التي كانت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة، وهذه الغزوة كانت في ربيع، وتلاحظون بأنه صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بواط كان في صفر، يعني: ما استراح صلى الله عليه وسلم شهراً، ولما رجع من بواط خرج إلى سفوان أو إلى بدر الصغرى.

غزوة العشيرة

ثم بعد ذلك في جمادى الآخرة، يعني: بعد ذلك بشهرين خرج عليه الصلاة والسلام في مائة وخمسين من أصحابه إلى العشيرة -والعشيرة ناحية في ينبع- يعترض عيراً لقريش لكنها أفلتت أيضاً، وهذه ستكون سبباً لغزوة بدر الكبرى؛ لأن هذه العير خرجت في جمادى الآخرة من مكة ذاهبة إلى الشام، فخرج صلى الله عليه وسلم ليدركها فأفلتت، وفي طريق عودتها بعد ذلك بثلاثة أشهر في رمضان، الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من أجل أن يدركها وأيضاً أفلتت وبسببها كانت موقعة بدر الكبرى، كما سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

أسأل الله أن ينفعني وإياكم.

الأسئلة

فك الرهن من البنك

السؤال: اشتريت من أخي قطعة أرض ودفعت له ثمن الأرض، وكانت الأرض مسجلة باسمه، ثم سافرت، وفي غيابي قام أخي ورهن الأرض للبنك دون علمي، والآن هناك مشكلة، أنا حضرت وأريد الأرض فقال لي: بأن أدفع أنا المبلغ وأفك الرهن بحيث هو يسدد لي المبلغ لاحقاً، وإلا فإن البنك سوف يأخذ الأرض، وأنا لا أريد أن أفعل شيئاً محرماً ولا يرضي الله، هل هناك أي مشكلة بأن أقوم أنا بفك الرهن وأسترجع أرضي، علماً بأني أملك المبلغ المطلوب بالنسبة للبنك؟

الجواب: لا شك بأن أخاك قد تعدى وأساء وظلم؛ لأنه تصرف فيما لا ينبغي له التصرف فيه، فالأرض ليست له فقام برهنها للبنك، ولا حرج عليك أن تدفع المبلغ وتفك الرهن؛ لأن الرهن في أصله مشروع كما قال الله عز وجل: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، والنبي صلى الله عليه وسلم رهن، فقد: ( توفي ودرعه مرهونة عند يهودي في آصع من شعير )، فما هناك مانع أنك تدفع المبلغ الذي وجب على أخيك وتفك الرهن.

المفاضلة بين الصبر وعلاج السحر

السؤال: في حالة الإصابة بالسحر أو العين، هل الأفضل العلاج بالرقية أم الصبر؟

الجواب: لا. الأفضل أن تتعالج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تداووا عباد الله، ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله )، وقدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما سحر ما جلس يقول: أصبر، وإنما : ( جاءه جبريل وميكائيل، فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، أي: مسحور، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم ، في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذروان، فقرأ عليه بالمعوذات، ومسح جسده صلى الله عليه وسلم، فقام وكأنه نشط من عقال ).

إعطاء فدية رمضان لمسكين واحد

السؤال: هل يجوز أن أعطي فدية رمضان لشخص واحد؟

الجواب: والله خروجاً من الخلاف ينبغي أن توزعها على ثلاثين مسكيناً، لكن بعض أهل العلم يفتي بالجواز بأنه لا مانع أن تعطيها لشخص واحد، ولا مانع أن تفطر شخصاً ثلاثين يوماً.

التوفيق بين عمل البيت والتهجد من الليل

السؤال: والدتي تطلب مني دائماً أن أعمل معها في البيت وخاصة في العشر الأواخر وفي وقت الراحة، فإذا ساعدتها في الأعمال المنزلية أثر ذلك بقيام التهجد، وإذا لم أساعدها كان ذلك عقوقاً بماذا تنصحوني؟

الجواب: يجب عليك أن تساعدي أمك، فإن بر الوالدين واجب، والقيام بالليل والتهجد سنة، فاستعيني بالله، ثم إن الوالدة ما طلبت منك أن تساعديها في أمور تحسينية، وإنما في عمل البيت الذي لابد منه، فساعديها واستعيني بالله، ويمكن مع توفيق الله أن تعملي بالنهار وتتهجدي بالليل، وأنا ما أتصور بأن الوالدة تطلب منك أن تعملي اثني عشرة ساعة بالنهار، هذا ما يتصور، يعني: ما تطلب منك العمل من بعد الفجر إلى غروب الشمس وإلا ستكون أشغالاً شاقة، وإنما هي تطلب منك أن تساعديها إما في إعداد عصائر أو في صناعة طعام أو في تنظيف البيت أو في ترتيب الأثاث أو في غسل ثياب أو في غير ذلك من أعمال تستغرق جزءاً من اليوم وليس كله، فما ينبغي أن تضعيها يعني: ليست المسألة إما هذا وإما ذاك، بل اجمعي بين الحسنيين.

حكم تمثيل الصحابة في المسلسلات

السؤال: ما حكم تمثيل شخصية الحسن والحسين في المسلسلات؟

الجواب: أما تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم فالذي عليه الفتوى وقد صدرت بذلك من رابطة العالم الإسلامي وكذلك مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وهيئة كبار العلماء في السعودية وغير ذلك من المجامع المعتبرة: بأنه لا يجوز تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم؛ لما يفضي ذلك من امتهانهم وهز صورتهم؛ لأن الذي يقوم بتمثيل أدوارهم يقيناً ليس مثلهم، ولا نصفهم، ولا ثلثهم، ولا عشرهم، ولا عشر معشارهم، هذه واحدة. والصحابة رضوان الله عليهم صورتهم في الأذهان زاهية، ومكانتهم في القلوب عالية.

ثانياً: قد يكون الممثل حقيراً ماجناً، بل ربما يكون زنديقاً، بمعنى: أنه يظهر في صورة الحسن أو في صورة عمر بن عبد العزيز -وإن كان عمر تابعياً- أو في صورة خبيب بن عدي أو في صورة سعد بن أبي وقاص ثم يأتي في مسلسل آخر وهو يحمل كوباً من الخمر بالشمال وسيجارة باليمين، ويضاجع امرأة أجنبية أمام الشاشة على ملأ من الناس، لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي، والناس يقولون: سبحان الله! أليس هذا عمر بن عبد العزيز في المسلسل ذاك؟! والله هذه قصة. فيرتبط عندهم عمر بن عبد العزيز بهذه الشخصية الوقحة البشعة الدنسة.

لكن بعض أهل العلم قد وضعوا جملة من الضوابط لإظهار الشخصيات، مع أنه لا يخفى عليكم تأثير التمثيل على الناس، التمثيل سواء كان مسلسلات أو أفلاماً فهذه التمثيلات شوهت تعاليم، ودمرت قيماً، وغيرت وبدلت وأخفت وأحلت، بحيث إن بعض الحلال صار عند الناس حراماً، وبعض الحرام صار حلالاً، فالتمثيل مؤثر بغير شك.

فلذلك هؤلاء العلماء قالوا: هذه الوسيلة، أي: التمثيل، لماذا لا نستغلها في بيان تاريخ الإسلام الناصع؟ وشخصياته الفذة؟ وعرض تعاليمه الجميلة، بدلاً من أن نترك الميدان لأولئك الذين لا خلاق لهم، فوضعوا ضوابط لإظهار الصحابة رضوان الله عليهم، والشيخ العلامة سلمان العودة حفظه الله كتب في ذلك بحثاً وأعطاني منه نسخة، وقرأت هذا البحث فوجدت أدلة مقنعة وضوابط محكمة، ثم بعد ذلك عُقد اجتماع لمجموعة من أهل العلم، فأقروا إظهار شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم بضوابط معينة وضعوها، لكن هذا المسلسل الذي يسأل عنه الأخ لا علم لي به، والله أعلم.

فطر رمضان للمحارب

السؤال: كنا في مناطق حرب، ودخل علينا رمضان وقد أفتي لنا بفطور رمضان كله، ومن ثم بقضائه بعد الرجوع إلى المدينة، فهل هذا صحيح؟

الجواب: نعم. إذا كان هناك معارك، فالمحارب يجوز له الفطر، والرسول صلى الله عليه وسلم: ( لما كان على مشارف مكة في غزوة الفتح أفطر وأمر الصحابة بالفطر، قال لهم: إنكم ستلقون عدوكم والفطر أقوى لكم )، نعم. ونحن عندنا قاعدة: (الواجبات إذا تزاحمت يقدم الأهم فالمهم)، يعني: الآن أنت تصلي صلاة العصر مثلاً هذا واجب، ورأيت طفلاً يمشي إلى أسلاك عارية من أجل أن يمسكها، فهنا نقول: واجب عليك أن تنقذه؛ لأن إنقاذ النفس مقدم على الصلاة، فأنقذه ثم بعد ذلك استأنف صلاتك من جديد.

إخراج الفطرة عمن توفي في ليالي رمضان

السؤال: توفيت والدتي في أول يوم من رمضان ليلاً، هل تجوز لها الفطرة؟

الجواب: لا. الفطرة تكون عن الحي، يعني: حتى لو الوالدة كانت توفيت ليلة العيد، وأنت تريد أن تخرج صدقتك يوم العيد، بعد طلوع الفجر لا تخرجها عن الميت اللهم إلا أن تكون تطوعاً، لكن من ناحية الوجوب ليست واجبة.

زكاة أجرة السيارات

السؤال: اشتريت سيارة بالأقساط عن طريق البنك، وهذه السيارة تعمل مع إحدى الشركات بأجرة شهرية، السؤال: هل تجب فيها الزكاة، علماً بأن الأقساط لم تنته بعد؟

الجواب: الزكاة ليست واجبة في ذات السيارة، وإنما الزكاة في دخلها وما يأتي من ورائها إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول.

جمع السنن الرواتب كلها بعد صلاة العشاء

السؤال: (من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة غير الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة)، كما جاء في معنى الحديث، هل يجب الترتيب كما جاء؟ وهل يمكن أن يصليها مجتمعة بعد العشاء مثلاً؟

الجواب: لا يا أخي، هذه سنن رواتب مرتبطة بالفرائض، بعضها قبلي وبعضها بعدي، أربعاً قبل الظهر واثنتين بعده واثنتين بعد المغرب واثنتين بعد العشاء واثنتين قبل الصبح، أما بعد ذلك إذا أردت أن تتنفل تنفل بغير حساب، يعني: كلما استطاع الإنسان يصلي فليصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـربيعة بن كعب الأسلمي : ( وإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة ).

المراد من قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون)

السؤال: تقول الآية: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ [الشعراء:224-226]، هل في هذه الآية تحريم للشعر؟

الجواب: لا. ليس تحريماً للشعر، فالشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فهناك شعر ينصر به الدين، وتعلى به القيم، ويحض به على الفضائل، وهناك شعر فيه تقبيح لما حسنه الله وتحسين لما قبحه الله، وفيه صد عن سبيل الله وما إلى ذلك، فبحسب ما يتكلم به الشاعر، يعني: مثلاً: حسان رضي الله عنه كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يقرع المشركين، فرد على أبي سفيان بن الحارث حين ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعر وهجاه، فرد عليه حسان وقال له:

ألا أبلغ أبا سفيان عنيفأنت مجوف نخب هواء

بأن سيوفنا تركتك عبداًوعبد الدار سادتها الإماء

هجوت محمداً فأجبت عنهوعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفءفشركما لخيركما الفداء

فإن أبي ووالده وعرضيلعرض محمد منكم وقاء

رضي الله عنه وجزاه الله عن نبي الإسلام خيراً، هذا حسان مأجور؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ( اهجهم وروح القدس معك ).

وبالمقابل قد تجد الواحد من الناس -والعياذ بالله- مرتزق، يمدح خليفة من الخلفاء ويقول له:

ما شئت لا ما شاءت الأقدارفاحكم فأنت الواحد القهار

فلكأنما أنت النبي محمدولكأنما أنصارك الأنصار

يعني: بلغ القمة في السفالة والرذالة والتألي على الله عز وجل.

المراد بتغيير خلق الله

السؤال: ابتلاني الله بنقص في السمع، وأنا محتاج لإجراء عملية لاستبدال إحدى عظيمات السمع، هل يعتبر من تغيير خلق الله؟

الجواب: لا. ليس تبديلاً لخلق الله، بل هذا من باب العلاج، من باب إصلاح العيب، وليس تبديلاً لخلق الله، والتبديل بأن الإنسان خلقه الله مثلاً على صفة فيطلب مزيداً من الجمال، يعني: كما يصنع بعض الناس يعمل عملية في أنفه يصغره أو يكبره، أو عملية في أذنه يريد يطلعها فوق أو ينزلها تحت، هذا هو الممنوع، هذا هو الذي من تغيير خلق الله، ومثله: الوشم، والوشر، والوصل، والتفليج، هذا كله تغيير خلق الله.

أما إصلاح العيب، مثلاً: أسنانه بعضها فوق بعض وتؤذيه، فيعمل عملية تقويم وما أشبه ذلك، ما هناك مانع إن شاء الله.

الجمع بين قوله تعالى: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) وقوله: (قل كل من عند الله)

السؤال: في قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، وفي الآية الأخرى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، اختلط علي الأمر أرجو الإفادة؟

الجواب: الآية المشكلة فعلاً هي قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]، ثم جاءت الآية التي بعدها: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، هذا هو الإشكال، بأن الآية الأولى تقول: (كل من عند الله)، والآية الثانية تفصل: (بأن الحسنة من الله والسيئة من نفسك).

والجواب: بأن كلاً من عند الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، فالله عز وجل هو الذي خلق الخير والشر، والهدى والضلال، والكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، الله عز وجل هو الذي أوجد ذلك كله وقدره تقديراً، لكن بعد ذلك العبد هو الذي يكتسب، الحسنة يكتسبها والسيئة يكتسبها، وهذه الآيات كلها تأتي من أجل الجواب على احتجاج المشركين بالقدر، فإن المشركين كانوا دائماً يستدلون بالقدر على شركهم قال تعالى عنهم: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148]، ولما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأصنام قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35].

فالله عز وجل بيّن بأن كلامهم هذا كذب، ومثله من يفعل معصية فإذا قيل له: اتق الله. يقول: أنا قدرها الله علي. فبعض الناس كأنه من المتفلسفة تقول له: لم لا تصلي؟ أو لم لا تصوم رمضان؟ يقول لك: والله ربنا يريدني لا أصلي، أو الله كتب علي ذلك. ويقول لك: انتبه أنت تعترض على القدر أليس كل شيء مكتوباً؟ ففيم الاعتراض؟ فهذه الزندقة وقع فيها المشركون الأولون، واحتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام لما قال لهم: الميتة حرام، قالوا له: الميتة من قتلها؟ قال: الله. قالوا: ما قتله الله حرام وما قتلته أنت حلال؟! فهذا نوع من وحي الشياطين، قال الله عز وجل: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام:121].

ولذلك تجد الذي يحتج بالقدر على المعصية ما يحتج بالقدر في المصائب، فمثلاً: لو أصابه مرض وقالوا له: عندك ورم في الرأس أو ورم في البطن ما سيقول: والله هذا قدر، والمكتوب لابد أن يكون، ولكن تجده سيأخذ بالأسباب ويذهب إلى الأطباء الكبار، ويدفع الأموال الكثيرة، ويسافر إلى مصر وإلى الأردن أو إلى بريطانيا وإلى أمريكا، إذاً لماذا لا يقول: والله ربنا كتب علينا هذا مثلما قال في الصلاة؟! وكذلك الطالب الذي لا يصلي مثلاً إذا دخل قاعة الامتحان ووضع الورقة وربع يديه، فإذا قال له المراقب: اكتب يا بني. يقول له: لا. هذا قدر الله يا أستاذ، فلو أن الله قدر لي النجاح سأنجح ما هناك داعٍ للتعب، ولو أن الله قدر لي الرسوب والله لو مليت الورق هذا كله ما فيه فائدة، وأرجوك ألا تتدخل. هل يقول هذا عاقل؟ أبداً. لكن في الأوامر والنواهي يقول لك: قدر الله، والله سبحانه قدره علي.

فهذه حجة ساقطة وداحضة ولا قيمة لها، وهي من تلبيس إبليس على بعض بني الإنس.

أيها الإخوة الكرام! بقي على غروب الشمس ساعة أو أقل، وهذه آخر جمعة من رمضان وقد اجتمعت لكم أسباب الإجابة كلها والحمد لله، فأنتم في يوم الجمعة وهو مظنة للإجابة، وأنتم في الساعة الأخيرة قبل غروب الشمس، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بأنها ساعة الإجابة )، وأنتم صائمون، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا ترد دعوتهم: ومن بينهم الصائم حتى يفطر )، وأنتم في بيت الله، وأنتم بعد صلاة العصر، وأنتم بعد مجلس علم، فعندكم شرف الزمان، وشرف المكان، وشرف الحال، جمعتم أنواعاً من الطاعات والحمد لله، فأنتم صائمون وقد صليتم الصلاة الوسطى صلاة العصر وجلستم في حلقة ذكر بعدما أديتم الصلاة وأنتم على طهارة متوضئون، فهذه كلها أسباب للإجابة، فما بقي من الوقت لا تضيعوه في قيل وقال، بل في الدعاء، وابذلوه في الذكر، قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي، قال الله عز وجل: ( فمن شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين )، فأقبل على قراءة القرآن، وأقبل على ذكر الله عز وجل، وادع الله عز وجل بخير الدنيا والآخرة وأنت موقن بالإجابة. كن على يقين بأن الإجابة حاصلة إن شاء الله كما قال سيدنا عمر : (إني لا أحمل هم الإجابة لكن أحمل هم الدعاء)، فإذا وفقت للدعاء حصلت الإجابة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة )، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، واللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا داعياً إلى هداك إلا وفقته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم لك أسلمنا وبك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا، وبك خاصمنا وإليك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم واغفر لنا خطأنا وعمدنا وهزلنا وجدنا وكل ذلك عندنا.

اللهم إنا نسألك التقوى والهدى والعفاف والغنى، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر، نسألك صحة في إيمان، وإيماناً في حسن خلق، ونسألك نجاحاً يتبعه فلاح، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، نسألك قلوباً سليمة، وألسنة صادقة، نسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال، نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.

اللهم إنا نعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، ونعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة، نسألك قلوباً سليمة لا فاجرة ولا مرتابة، نعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك وجميع سخطك، نعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، نعوذ بك من البرص والجذام وسيء الأسقام، نسألك يا ألله عيشة هنيئة وميتة سوية ومرداً غير مخز ولا فاضح يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً لأعدائك، نحب بحبك من أطاعك من خلقك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وتبيض بها وجوهنا، وتصلح بها ديننا، وتدفع بها الفتن عنا، وتعصمنا بها من كل سوء يا سميع الدعاء.

اللهم اجعل لنا في قلوبنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً وفي أبصارنا نوراً، وعن أيماننا نوراً وعن شمائلنا نوراً، ومن فوقنا نوراً ومن تحتنا نوراً، ومن أمامنا نوراً ومن خلفنا نوراً، وأعطنا نوراً وعظم لنا نوراً.

اللهم يا كافي الأمور ويا شافي الصدور! نسألك كما تجير بين البحور أن تجيرنا من فتنة القبور، ومن عذاب السعير، ومن دعوة الثبور.

يا ذا الحبل الشديد ويا ذا الأمر الرشيد! نسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود، إنك أنت الرحيم الودود، وإنك فعال لما تريد.

اللهم حسن أخلاقنا ووسع أرزاقنا واغفر ذنوبنا، وطهر قلوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا واشرح صدورنا، ويسر أمورنا وبلغنا آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، واجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيقاً مخرجاً، ومن كل بلاء عافية برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم أيقظنا لتدارك ما فات من أوقاتنا وأعمارنا، واجعل خير عملنا خواتمه، وخير عمرنا أواخره، وخير أيامنا يوم نلقاك، واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم من كان منهم حياً فأطل عمره في طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فافسح له في قبره، ونور له فيه، وجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.

اللهم أعنا على بر آبائنا وأمهاتنا في الحياة وبعد الممات، اللهم أعنا على بر آبائنا وأمهاتنا في الحياة وبعد الممات، اللهم أعنا على بر آبائنا وأمهاتنا في الحياة وبعد الممات، ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتنا، وأصلح لنا في ذرياتنا، وأصلح لنا في ذرياتنا، إنا تبنا إليك وإنا من المسلمين.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور، وتجارة لن تبور برحمتك يا عزيز يا غفور.

اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك، اللهم وسع عليه رزقه، وبارك له فيما آتيته، وقنعه بما رزقته، ولا تفتنه بما زويت عنه، وبارك له في الأهل والمال والولد يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لمن عبد الله في هذا المسجد المبارك، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين والمسلمات، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين، غفرانك ربنا وإليك المصير.

اللهم إنك قلت وقولك الحق: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وإنا قد دعوناك كما أمرتنا، فنسألك يا الله كما هديتنا للإسلام ألا تنزعه منا حتى تتوفانا عليه، اللهم أحينا على سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وتوفنا على ملته وأعذنا من مضلات الفتن، اللهم أكرمنا بشفاعته يوم القيامة يا أرحم الرحمين.

نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم استجب لنا كما وعدتنا، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم لا تردنا خائبين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الجهاد وأنواعه [3] للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net