إسلام ويب

الجهاد في الإسلام مر بمراحل أربع ابتداء بالكف عن القتال والصبر، وانتهاء الأمر بقتل المشركين كافة وهو أعم من القتال، ويدخل فيه أربعة أنواع من الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار.

مراحل تشريع الجهاد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة لم يؤمر بقتال، فكان يصبر على أذى المشركين، حتى أذن الله له بالهجرة إلى المدينة، فلما وصل المدينة كاتب المشركون، وممن كاتبهم عبد الله بن أبي ابن سلول الذي كان رأساً من رءوس الشرك إلى ذلك الحين، ولم يعلن إسلامه نفاقاً، كاتبوه: (بأنكم قد آويتم صاحبنا، وإنا لنقسم بالله لتقاتلنه، أو لتخرجنه، أو لنأتينكم جميعاً، فنقتل رجالكم، ونستبيح نساءكم)، والنبي صلى الله عليه وسلم كان بعض الصحابة يحرسه في كل ليلة حذراً عليه من كيد المشركين واليهود، إلى أن نزل قول ربنا جل جلاله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67]، فصرف أولئك الحرس، واكتفى بعصمة الله عز وجل وحمايته إياه صلوات ربي وسلامه عليه.

فلما استقر بالمسلمين المقام في المدينة المنورة أذن الله لهم بالجهاد، والجهاد كما حقق الإمام أبو عبد الله بن القيم في الزاد مر بأربعة مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة الكف عن القتال والأمر بالصبر، نجد أن المسلمين في مكة كانوا يؤذون ويعذبون، والله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان:24]، وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48]، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48]، فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10]، ونحو ذلك من الآيات.

ثم جاءت المرحلة الثانية: وهي الإذن بالقتال، فهو مجرد إذن، كما في قول الله عز وجل: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:39-40].

ثم جاءت المرحلة الثالثة: وفيها الأمر بالقتال، لكن قتال من بدأ المسلمين بالقتال، يعني: من اعتدى على المسلمين فإن الله عز وجل قد أمر المسلمين بأن يكافئوا الاعتداء بمثله، كما قال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190]، وفي الآية الأخرى: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194].

ثم جاءت المرحلة الرابعة: وهي الأمر بقتال المشركين عامة، من قاتل ومن لم يقاتل، كل من وقف في سبيل الدعوة وحال دون بلوغها آفاقها، فإنه يقاتل كما قال ربنا جل جلاله في سورة التوبة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، وفي الآية الأخرى قال: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:36].

فهذه أربع مراحل: مرحلة الصبر والصفح والكف، ثم مرحلة الإذن بالقتال، ثم مرحلة الأمر بقتال من قاتلنا، ثم الرابعة الأمر بقتال المشركين كافة.

تعريف الجهاد

وكلمة الجهاد أعم من كلمة القتال، فالقتال نوع من أنواع الجهاد، وليس كل الجهاد قتالاً، بل الجهاد كما قال علماؤنا: مشتق من الجُهد، وهو: بذل الطاقة والوسع، أو من الجَهد بالفتح: وهو المشقة، إما أن يكون مشتقاً من الجُهد أو من الجَهد.

وأما في الشرع فهو: بذل الجهد لإعلاء كلمة الله بالمال والنفس واللسان، يعني: يمكن للإنسان أن يكون مجاهداً بنفسه، ويمكن أن يكون مجاهداً بماله، ويمكن أن يكون مجاهداً بلسانه، والموفق من جمع الأنواع كلها، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت حياته كلها جهاداً.

فرضية الجهاد على جميع الأنبياء

وهنا أقول: ليس الجهاد خاصاً بهذه الأمة، ليس الجهاد مفروضاً في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وحده، بل هو مفروض من لدن نوح عليه السلام، فالجهاد فرض على الأنبياء جميعاً، لكن بعضهم أمر بالقتال وبعضهم لم يؤمر، ولذلك نقرأ في القرآن بأن نوحاً عليه السلام جاهد في الدعوة إلى الله، وأمر الناس بالتوحيد ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو يقول لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وهكذا الأنبياء من بعده صلوات الله وسلامه عليهم.

فهذا إبراهيم عليه السلام يجاهد، يقف أمام أبيه وقومه يقول لهم: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52]، إلى أن يصل به الحال أن يقول لهم: أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:67]، وكانت النتيجة أنه تعرض للموت: قَالُوا حَرِّقُوهُ [الأنبياء:68]، ليست موتة عادية؛ بل موتة بشعة فيها قسوة، (حرقوه) أججوا نيراناً، ثم خلعوا ثيابه عليه صلوات الله وسلامه ووضعوه في المنجنيق، يعني: ما استطاعوا أن يقتربوا من النار من شدة حرها من أجل أن يرموه فيها، لكن وضعوه في المنجنيق ثم قذفوه فيها، فنجاه الله عز وجل حين قال: يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].

وكذلك نبي الله موسى عليه السلام يجاهد ذلك الطاغية الجائر، والكافر العنيد، فرعون الذي قال: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى [غافر:29]، والذي قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، والذي قال: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات:24]، يدخل عليه موسى عليه السلام ويناظره، فيفحمه ويفحم جلساءه، ثم يستدعي فرعون سحرته، فيغلبهم موسى عليه السلام ويظهر الحق عليهم في يوم الزينة بعدما حشر الناس ضحى، كل الناس اجتمعوا لمشاهدة ما سيكون بين موسى وسحرة فرعون، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:119-122]، وهكذا سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

فالجهاد أعم من القتال، وهو على أربعة أنواع:

جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار، وهذه الأنواع الأربعة تتفرع إلى أربعة عشر صنفاً، جهاد النفس على أربع مراتب، وكذلك جهاد المنافقين وجهاد الكفار وجهاد الشيطان على مرتبتين.

مراتب جهاد النفس

جهاد النفس مطلوب منا جميعاً، وهو على أربعة مراتب:

جهاد النفس على تعلم العلم

المرتبة الأولى: جهاد النفس على تعلم ما أمرت به من دين الله عز وجل، لابد أن تجاهد نفسك في أن تقرأ وتدرس، لابد أن تجاهد نفسك في أن تسأل، بعض الناس يستكبر عن السؤال لا يريد يسأل؛ لأنه يرى ذلك عيباً في حقه، ونقصاً في شخصه، لا، لابد أن تجاهد نفسك ولو كنت كبير الشأن، ولو كنت كبير العمر جاهد نفسك على السؤال.

كذلك جاهد نفسك على الجلوس في حلق العلم ومجالس الذكر، تثني ركبتك وتجلس على الأرض وتستمع، وتعلمون أن الشيطان يأتي في مجالس العلم من أجل أن يصرف الإنسان، إما بأن ينومه وينعسه، وإما بأن يجعله يفكر في أمور أخرى، وإما أن يجعله يحمل نعليه ويخرج، فهو محتاج إلى العلم الذي يبذل في هذه المجالس؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة )، والحديث: ( إن طالب العلم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع )، والحديث: ( من خرج ليتعلم علماً كان كالمجاهد في سبيل الله يرجع غانماً )، وهو في موطأ مالك بلفظ: ( من خرج من بيته ليتعلم علماً كان كالمجاهد في سبيل الله يرجع غانماً ).

فطلب العلم أن تجاهد نفسك على تعلم ما أمرت بأن تتعلمه من دين الله، فكل إنسان لابد أن يعرف الله جل جلاله، كل واحد منا لابد أن يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، لابد أن يعرف الله جل جلاله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ووعده ووعيده، ويتعرف على دلائل قدرته، وآيات عظمته كما قال سبحانه: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17].. إلى آخر الآيات.

كذلك تتعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم، تتعرف على نسبه، أيامه، مغازيه، أحواله، أزواجه، أولاده، تتعرف على معجزاته، وشمائله؛ من أجل أن تحبه عليه الصلاة والسلام فلو أن إنساناً تقدم يخطب منك ابنتك، فهل ستقبل مباشرة، أو تقول له: لا؟ أبداً: لا هذا ولا ذاك. وإنما لابد أن تسأل عنه، وتتعرف عليه، لابد أن تعرف نسبه من أي العائلات هو، لابد أن تعرف أصله، لابد أن تعرف عمله، لابد أن تعرف مؤهلاته، لابد أن تعرف أخلاقه، وربما تمكث في ذلك شهراً أو شهرين أو ثلاثة وأنت تسأل عنه وتتفحص فيه، وأنت الآن تعبد الله عز وجل لابد أن تتعرف عليه، تقول: أنا أحب الرسول عليه الصلاة والسلام، لابد أن تتعرف عليه من أجل أن تحبه محبة حقيقية، من أجل أن تزداد له محبة عليه الصلاة والسلام.

كذلك تتعرف على القرآن الذي هو كلام الله جل جلاله، وكلنا يحفظ (قل هو الله أحد)، لكن كم منا يعرف معنى (الله الصمد)؟ الله الصمد جل جلاله سمى نفسه الصمد، ما معنى هذا الاسم؟ كلنا يحفظ: (قل أعوذ برب الفلق) ما هو الفلق؟ ما هو الكوثر؟ ما هو المسد؟ لابد أن نتعرف على القرآن من أجل أن نزداد يقيناً بأنه كلام الله، وهذا كله يحتاج إلى جهاد.

والرسول عليه الصلاة والسلام كان في مجلسه المبارك فجاء ثلاثة، فتقدم أحدهم حتى جلس بين يديه عليه الصلاة والسلام، والآخر جلس في آخر القوم، والثالث نظر يميناً وشمالاً ثم انصرف، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بخبر الثلاثة؟ أما أحدهم فقد أقبل فأقبل الله عليه -هذا الذي جاء في الأمام- وأما الآخر -الذي جلس في آخر القوم- فقد استحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث: فقد أعرض فأعرض الله عنه )، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3].

فمجالس العلم تحتاج إلى مجاهدة، وكما قلت لكم: أن الإنسان سرعان ما يمل، بينما لو كان هناك مباراة في كرة القدم، فإنه يجلس أولاً قبل أن تبدأ من أجل أن يرى القرعة، ومن سيأخذ الناحية اليمنى، ومن سيأخذ الناحية اليسرى، ولمن ستكون ضربة البداية، ثم يتفحص الحكام من هم، من حكم المباراة، أو من حامل الرايات؟ ومن الحكم الرابع، ويتأكد أن اللاعبين الذين يعرفهم كلهم حضور ليس منهم مصاب أو معاب، ثم بعد ذلك تبدأ المباراة فيتابعها بشغف، ولربما يصيح، وربما يقفز، وربما يتقلب، وربما يأتي بالأفعال التي يأنف منها الصبيان، وينتهي الشوط الأول، ثم الشوط الثاني، ثم بعد ذلك إذا استمر التعادل يبقى ينتظر الهدف الذهبي، وبعد الهدف الذهبي ركلات الجزاء الترجيحية، ثم بعد ذلك تسليم الكأس، ولربما يكون قد حصره البول وهو يشاهد المباراة وربما إلى الساعة الثالثة صباحاً وهو لا يبالي، لكن التهجد في رمضان تجده يراوح بين رجليه، وأحد الناس لما قال لي: يا أخي! الصلاة هذه طويلة قلت له: يا أخي! أنا أعرفك تجلس في كأس العالم إلى الساعة الثانية صباحاً ولا تمل.

فلابد أن تجاهد نفسك على الجلوس في مجالس العلم وحلق الذكر، وهذا جهاد عظيم، وهو الذي فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كانوا خير أمة أخرجت للناس.

جهاد النفس على العمل بالعلم

المرتبة الثانية: جهاد النفس على العمل بما تعلمت، فالعلم ليس غاية في ذاته، بل المراد العمل بالعلم، يعني: واحد عرف الصلاة وأركانها وشروطها وسننها وآدابها، ثم بعد ذلك لا يصلي، ما قيمة علمه؟ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5]، ما انتفع بعلمه؛ ولذلك يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخافه أن يقال لي يوم القيامة: أعلمت أم جهلت؟ أقول: بل علمت. يقال لي: فما عملت بما علمت؟ وإن أخوف ما أخافه يوم القيامة: أن لا تبقى آية في كتاب الله إلا جاءت فقالت: يا أبا الدرداء أمرت فلم تأتمر، ونهيت فلم تنته).

ولذلك فعلى الإنسان أن يحرص على أن يعمل بما علم قدر الإمكان، والكمال لله سبحانه وتعالى، لا يوجد إنسان يستطيع أن يزعم أنه قد أحصى كتاب الله عملاً؛ لا أحد يستطيع أن يزعم لنفسه ذلك، لكن كما قال ربنا: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [الحج:78]، وكما قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].

جهاد النفس على الدعوة إلى العلم

المرتبة الثالثة في جهاد النفس: جهادها على الدعوة إلى هذا العلم الذي تعلمته، يعني: الآن أنت والحمد لله رب العالمين صائم، ونسأل الله القبول، وصليت العصر وبشرى لك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى البردين دخل الجنة )، والبردان الصبح والعصر، وقال عليه الصلاة والسلام: ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فمن استطاع منكم أن لا يغلب على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فليفعل ).

لكن بعد ذلك تعلم بأن لك أخاً لا يصلي، أو تعلم بأن لك صاحباً لا يصوم، وتعلم بأن لك زميلاً مثلاً قد ترك كثيراً من العمل الذي هو قادر عليه، لابد أن تجاهد نفسك في دعوة هؤلاء إلى الالتزام بدين الله عز وجل، والانصياع إلى شرعه، تجاهد نفسك على دعوتهم.

جهاد النفس على الصبر في الطريق إلى الله

المرتبة الرابعة: أن تجاهد نفسك على الصبر في هذا الطريق الطويل، فإنك لن تسلم من سخرية الساخرين، واستهزاء المستهزئين، لن تسلم من غمز الغامزين، فلم يسلم من كانوا خيراً منك، الأنبياء والمرسلون، والأولياء المقربون، وعباد الله الصالحون، وقد قرأنا في القرآن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، (يتغامزون) هؤلاء مساكين! يزعمون أن بعد الموت بعثاً! وبعد البعث حساباً! وبعد الحساب جنة وناراً! كانوا يسخرون، وإذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن كانوا يضحكون.

فبعض الناس -والعياذ بالله- يصوم ولا يصلي، وربما يفطر في المسجد ثم يهرب كالشيطان، فلو قلت لمثل هذا: صل. فلا تتوقع أنه يقول لك: إن شاء الله، بل يقول لك: يا أخي اشتغل بنفسك، وبعضهم يتفلسف فيقول: دع الخلق للخالق، ودع الملك للمالك، أقام العباد فيما أراد، فيذكر كلاماً ليس بآية ولا حديث، والله تعالى يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ [التوبة:71]، فهذا كلام ربنا في القرآن، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ).

فجهاد النفس على أربعة مراتب:

الأولى: جهادها على تعلم ما أمرت به.

والثانية: جهادها على العمل بما تعلمت.

والثالثة: جهادها على الدعوة إلى ما علمت.

والرابعة: جهادها على الصبر في هذا الطريق.

وهذه الأنواع الأربعة في تلك السورة الوجيزة العزيزة التي نحفظها جميعاً، قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

مراتب جهاد الشيطان

النوع الثاني: جهاد الشيطان، وجهاد الشيطان على مرتبتين:

جهاد ما يلقي من الشبهات

المرتبة الأولى: جهاده لدفع ما يلقي من الشبهات، فالشيطان يلقي لك الشبهة، يوسوس، يأتيك فيقول لك: من خلق هذا؟ تقول: الله. من خلق هذا؟ الله. من خلق الشمس؟ الله. من خلق القمر؟ الله، ويتدرج حتى يقول لك: فمن خلق الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: ( فمن وجد ذلك من نفسه فليقل: آمنت بالله ورسوله )، فلابد أن تجاهد الشيطان في دفع ما يلقيه من شبهات.

وهذه المجاهدة ليست عيباً، بعض الناس إذا وسوس له الشيطان يظن أنه كفر، لا. هذا ما سلم منه أحد أبداً، حتى إن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة من القرآن على غير الصفة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني مثلاً: الآن لو صلينا صلاة التراويح خلف شيخ بدل ما يقول: إبراهيم. يقول: إبراهام هذه على رواية هشام عن عبد الله بن عامر الشامي ، إبراهام، ونحن نعرف بأنه إبراهيم عليه السلام، فيدخل في الإنسان شك، فهذا الذي حصل لـأبي بن كعب رضي الله عنه سمع رجلاً يقرأ على غير الصفة التي أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصحبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اقرأ يا أبي ! قال: فقرأت. فقال: هكذا نزلت، ثم قال للآخر: اقرأ، فقرأ. فقال: هكذا نزلت). يقول أبي : فأخذني من الشك ما لو لم أكن مسلماً، قال: فضربني رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري ففضت عرقاً وكأنما أنظر إلى الله فرقاً، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن جبريل عليه السلام قد أتاني فقال: يا محمد! إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف، فقلت: أسأل الله معافاته ومغفرته، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين، قلت: أسأل الله معافاته ومغفرته، إلى أن قال له: فإن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ).

فالشيطان يحتاج إلى مجاهدة في دفع هذه الشبهات، فلو أشكل على الإنسان أمر فإنه يسأل من هو أعلم، فمثلاً: لو قرأت في القرآن: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56]، ثم قرأت: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي [الشورى:52]، فإنك تقول: سبحان الله! آية تقول: (إنك لا تهدي) وآية تقول: (وإنك لتهدي)، فلا تسترسل مع هذه الوساوس، بل اذهب إلى واحد من أهل العلم بالقرآن فاسأله عن هذه الآيتين وكيفية الجمع بينهما.

فالمرتبة الأولى: جهاد الشيطان فيما يلقي من الشبهات.

جهاد ما يلقي من الشهوات

المرتبة الثانية: جهاد الشيطان فيما يلقي من الشهوات، فالشيطان يأتيك وأنت شاب، قد امتلأت فحولة ورجولة وقوة، وأنت مثلاً في الجامعة في رمضان قد تبت إلى الله عز وجل، واستقام أمرك واعتكفت، وبعد العيد رجعت إلى الجامعة، وهناك المتبرجات والمتزينات، وتأتي واحدة فإن الشيطان يقول لك: انظر إليها، انظر. إنما النظرة الأولى لك، فتنظر. وقد تكون هذه المرأة من القبح بمكان بعيد، قد تكون دميمة، ساقاها كساقي عنكبوت، وما يكون هناك شيء مما ينبغي أن يلتفت إليه أو يهتم به، لكن الشيطان يجملها في عينيك، ويزينها حتى تصير عندك ملكة جمال الكون، ويجعلك تردد النظر إليها مرة بعد مرة، فهذا كله مسجل، وكله يحسب عليك. وهذه الشهوات يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم من أجل أن يحمله على معصية الله عز وجل؛ ولذلك أمرنا ربنا جل جلاله بأن نعاديه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6]، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يس:60].

الأسئلة

حكم بيع العقار للاستثمار

السؤال: توفي والدنا وترك لنا منزلاً تسكن به الأسرة حالياً، بالإضافة إلى ثلاث قطع أراضي أخرى، فهل يجوز بيع الأراضي واستثمار أموالها، أو نرجع لمسألة الرهن؟ وما صحة الحديث الذي لا يبيح بيع المسكن للاستثمار؟

الجواب: نعم. الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: ( من باع عقاراً ثم لم يجعل ثمنه في مثله لم يبارك له فيه )، والعلماء رحمهم الله قالوا: ليس المقصود من هذا تحريم بيع العقار، وإنما المقصود التحذير؛ لأن الإنسان قد يبيع العقار ثم بعد ذلك المال يضيع، يعني: بعض الناس باع عقاره ثم دخل في تجارة فكسدت وأفلس، قالوا: العقار سواء كان أرضاً أو كان مبنى، فإنه أضمن وأبقى من حيث بعده عن الآفات، يعني مثلاً: لو بعت البيت ودخلت في زراعة، والزراعة قد تصيبها آفة فتفسد، وكذلك أمنه من السرقة، لن يأتي الحرامي يأخذ بيتك ويمشي ولا يحمل الأرض يقلعها ويمشي، لا. هذا مأمون عليه من السرقة، ومأمون عليه من الضياع، ومأمون عليه من الآفة، لكن لو استشرت واستخرت، ووافق بقية الورثة، وقدرتم أن تبيعوا تلك الأراضي أو بعضها لمشروع نافع فلا حرج عليكم إن شاء الله.

زكاة الذهب المدخر للحاجة

السؤال: أسأل عن الذهب الذي تشتريه المرأة حتى تحفظ به مالها فتبيعه مرة أخرى عند الحاجة، فكيف تكون زكاته؟

الجواب: نعم. الذهب لا يخلو من حالين: إما أن يكون للتحلي وللزينة، فهذا ليس فيه زكاة عند أكثر العلماء، وإما أن يكون الذهب استثماراً، فبعض النساء وحتى ربما بعض الرجال يقول: بدلاً من أن يبقى المال عندي ولا يدرى الجنيه كيف سيصير حاله، وكذلك الأزمة الاقتصادية العالمية وما نسمع في كل يوم بأن أمريكا بلغت ديونها بما لا نحفظه أرقاماً عجيبة ربما الدولار -إن شاء الله- يصبح بقرش واحد، فما هناك ضمان أنك تتركها جنيهات ولا دولارات أحسن تجعلها ذهباً، ويبقى الذهب ذهباً، ففي هذه الحالة عليه زكاة؛ لأنه كنز، فإذا كان بالغاً نصاباً والنصاب عشرون مثقالاً، والمثقال أربعة جرامات وربع، إذاً العشرون مثقالاً تعادل خمسة وثمانين جراماً من الذهب عيار واحد وعشرين، إذا كان عندك ذهب بلغ هذا القدر، أو ما زاد عليه أن تخرج ربع عشره كلما حال عليه حول قمري.

دلالة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة على الصلاح؟

الجواب: إن شاء الله، لكن بشرط أن تراه على الصورة التي خلقه الله عليها؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا جاءه رجل فقال له: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، كان يقول له: صفه لي. فقال له: رأيته يشبه الحسن بن علي ، فقال له ابن عباس : قد رأيته؛ لأنه فعلاً الحسن رضي الله عنه يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو رأيته عليه الصلاة والسلام ربعة لا بالطويل ولا بالقصير، أبيض، مشرباً بحمرة، كث اللحية تملأ لحيته صدره، أزج الحواجب في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، ششن الكفين، مسيح القدمين، سواء الصدر والبطن، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر فقد رأيته.

أما أن ترى رجلاً أسود أو أسمر أو أبيض بياضاً كأن به بهقاً، فليس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذلك بعض الناس يقول: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم، نقول له: كيف رأيته؟ يقول: رأيته طويلاً عريضاً، نقول له: لا. ليس هو عليه الصلاة والسلام، وبعض الناس قال: رأيته مرتين، مرة ما شاء الله لحيته كذا ومرة لحيته صغيرة، فهذا أيضاً ليس الرسول عليه الصلاة والسلام، بل الشيطان لبس عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن الشيطان لا يتكونني )، (لا يتكونني) أي: لا يأخذ كينونته عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ: ( فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي )، لكن يمكن أن يأتيك في صورة رجل آخر ويقول: أنا الرسول.

الصلاة بعد الوتر

السؤال: هل يجوز أن أصلي صلاة التهجد بعد أن صليت الشفع والوتر؟

الجواب: نعم. يجوز أن تصلي التهجد، وإذا أوتر الإمام تقوم فتشفعها، يعني: لا تصلي وتراً ثانياً مع الإمام.

أثر خروج الدم من أجزاء البدن على الصيام

السؤال: الدم الخارج من أي موضع من البدن هل يبطل الصيام؟

الجواب: لا. الدم لا يفسد صياماً ولا وضوءاً، بعض الناس يفتكر إنه لو طلع منه دم وضوءه انتقض، لا. ليس بصحيح، الوضوء لا ينتقض إلا بالحدث، والأحداث ستة فاحفظوها: اثنان من الدبر هما: الريح والغائط، وأربعة من القبل وهي: البول، والمذي، والودي، ودم الاستحاضة، ودم الاستحاضة هو: النزيف الذي يكون عند المرأة. فهذه هي الأحداث .

ثم هناك أسباب تتمثل في النوم المستثقل، رجل نام لابد أن يتوضأ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( العينان وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) ، ثم لمس من يلتذ به عادة إذا قصد اللذة أو وجدها، ثم الإفضاء إلى العضو، يعني: إذا مس الإنسان ذكره بباطن كفه أو أصابعه، فهذا أيضاً يعتبر ناقضاً، ثم بعد ذلك هناك الردة والعياذ بالله أيضاً من النواقض؛ بعد ذلك القيء ليس بناقض، وخروج الدم ليس بناقض، والمعصية ليست ناقضة، وبعض الناس يسأل يقول لك: أنا توضأت وبعدين أنا ماشي إلى المسجد قمت تخاصمت مع واحد فشتمته، نقول له: لما شتمته عصيت الله لكن وضوءك باق، أو بعض الناس يقول لك: أنا توضأت وبعدين وضعت سفة، نقول له: عصيت الله، ولكن السفة ليست من نواقض الوضوء، رغم خباثتها ونتنتها.

تفسير قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء)

السؤال: أسأل عن تفسير قوله تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [التوبة:93]؟

الجواب: لو قرأت ما قبلها لعرفت تفسيرها، الإنسان يحرص على السياق، قال الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91]، يعني: جاء جماعة من الصحابة الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتهيأ للخروج إلى تبوك، وطلبوا منه أن يحملهم، يعني: يهيئ لهم ما يركبون من أجل أن يخرجوا معه في الغزو، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: ( لا أجد ما أحملكم عليه )، فمن حزنهم رضوان الله عليهم فاضت أعينهم من الدمع، أنهم لن يشاركوا في الجهاد، فالله عز وجل رفع الحرج عنهم قال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ [التوبة:91]، أي: الذين لا يستطيعون الجهاد، وَلا عَلَى الْمَرْضَى [التوبة:91]، سواء كان مريضاً في عينه بعمى، أو مريضاً في رجله بعرج، أو بغير ذلك من أنواع الأمراض، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا [التوبة:91]، أي: أخلصوا، لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [التوبة:91]، يعني: ليس عليهم عقوبة ولا مؤاخذة، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:91]، وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ [التوبة:92-93]، أي: المؤاخذة والذم والعقوبة، عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ [التوبة:93]، يعني: ما عنده عذر، يستطيع بدلاً من الظهر أن يبتاع عشرة أظهر، وعنده الزاد الذي يبلغه أرض الجهاد، وعنده القوة البدنية، ما عنده عذر، لكن عنده والعياذ بالله! مرض في القلب، ولذلك رجل كان اسمه : الجد بن قيس لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج لغزوة تبوك قال له: ( يا جد ! هل لك في جلاد بني الأصفر، فقال له: يا رسول الله! قد علم قومي أنه لا صبر لي على النساء، وإني أخشى إن أتيت بلاد الروم أن أفتن بنساء بني الأصفر، فأذن لي ولا تفتني )، فقال الله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة:49]، فمثل هذا قد سقط في الفتنة.

انتقال ليلة القدر وعلاماتها

السؤال: هل ورد في السيرة النبوية تعدد ليلة القدر؟ وما هي علاماتها المذكورة في السيرة؟

الجواب: المفروض أن الناس يجتهدون في العبادة.

وليلة القدر من علاماتها ما جاء في البخاري من حديث أبي بن كعب : ( بأن الشمس تخرج في صبيحتها ولا شعاع لها )، والعلماء ذكروا من علاماتها: أنها ليلة ساجية بلجة لا حارة ولا باردة، وما فيها مشاكل كما قال ربنا: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5]، لذلك قالوا: (حتى) ما تسمع فيها نباح الكلاب. فهي (سلام).

دلالة زيادة الواو في قوله تعالى: (وفتحت أبوابها)

السؤال: قال تعالى في أصحاب الجنة: وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73]، وقال في أصحاب النار: (فتحت أبوابها)، هل من حكمة في الفرق بين الآيتين؟

الجواب: الذي يحضرني بأن بعض الناس قال: بأن هذه الواو تسمى واو الثمانية، قالوا: لأن أبواب الجنة ثمانية. وأبواب النار سبعة، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة:112]، ثم قال: وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ [التوبة:112]، لما وصل للرقم ثمانية، واستدلوا بقوله تعالى: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً [التحريم:5]، فقالوا: دائماً العرب تقول: واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية، والقرآن نزل بلغة العرب.

لكن بعض أهل التفسير قالوا: بأن واو الثمانية هذه من خرافات النحويين ليس لها أصل، وعندنا حروف في القرآن لا ندري سرها، الله أعلم بها. مثلاً في سورة البقرة: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49]، وفي سورة إبراهيم: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ [إبراهيم:6]، هناك قال: (يذبحون ) وهنا قال: (ويذبحون). فالله أعلم.

حكم قول البعض: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه)

السؤال: ما رأي الشرع في الدعاء الذي يقول: (اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه)؟

الجواب: هذا دعاء غير مشروع، لم يرد لا في القرآن ولا في السنة، ولا قال به أحد من أهل العلم المعتبرين، وإنما دعاء يجري على ألسنة بعض الناس وليس صواباً، والدعاء يرد القدر كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى القضاء فيعتلجان في السماء )، فلذلك سل الله أن يقدر لك الخير وأن يصرف عنك الشر.

حكم من أفطر بعد البلوغ

السؤال: أنا عمري تسع عشرة سنة وأصوم رمضان منذ سنتين قبل هذه السنة بالكامل، لكن قبل ذلك كنت أفطر بعض الأيام من رمضان، فهل علي شيء؟

الجواب: عليك التوبة إلى الله عز وجل، وعليك القضاء، تقضي مكان كل يوم يوماً، أما إذا كان إفطارك بجماع فعليك القضاء والكفارة باتفاق المسلمين، من أفسد صومه بجماع فقد لزمه القضاء والكفارة، والكفارة أنت مخير بين الخصال الثلاث: تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.

من شعر بخروج شيء منه ولم يستيقن

السؤال: كنت جالساً على هيئة الاحتباء وشعرت بخروج شيء، لكني لم أسمع صوتاً، ولم أجد ريحاً، فهل ينتقض وضوئي؟

الجواب: والله لو استيقنت أنه خرج منك شيء فليس بالضرورة أن تسمع ولا أن تشم ، يعني: ليس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينصرفن أحدكم حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) أن الحكم معلق على هذين الوصفين، لا. وإنما المقصود حصول اليقين، فكون الإنسان حصل عنده يقين بأنه خرج منه شيء يلزمه الوضوء ولو لم يسمع ولو لم يشم.

بداية وقت السحر ونهايته

السؤال: أسأل عن وقت السحر عن بدايته ونهايته؟

الجواب: وقت السحر نهايته بطلوع الفجر الصادق، وأما بدايته سدس الليل الآخر، سدس يعني: الشمس اليوم تغرب في السابعة وثمان دقائق، والفجر يطلع في الخامسة واثنتين وعشرين دقيقة، ما بين السابعة وثمان دقائق إلى الخامسة وثنتين وعشرين دقيقة اقسم هذا الوقت على ستة أجزاء، فالسدس الأخير هو السحر.

حكم تأجير السيارة المستأجرة بدون إذن صاحبها

السؤال: أعمل بسيارة تكسي بإجار معين لليوم، وأعمل بها منذ الصباح حتى الظهر، ثم أعطيها لسائق آخر ويعمل بها ما شاء الله له أن يعمل، ثم يعطيني جزءاً من المبلغ ويأخذ هو جزءاً آخر، وأحياناً يعطيني أكثر من توريد العربة لليوم الواحد، هل يجوز لي ذلك؟

الجواب: يعني: أنا عندي تكسي وأجرته لواحد من الناس على أساس في اليوم الأجرة مثلاً بخمسين، فهو يشتغل بهذا التكسي منذ الصباح إلى الظهيرة، ثم يؤجره لشخص آخر يعمل به إلى ما شاء الله كما قال، يعني: ممكن من الظهر لبكره، ويؤدي إليه الأجرة، أيكم يرضى هذا لنفسه؟ يعني: أنا أجرت لك التكسي على أنك شخص واحد، وأنا أعرف بأنك تسوق سواقة هادئة، فصار التكسي يتناوب عليه اثنان، وربما الثاني يؤجره لثالث.

فهذا لا يجوز يا أخي! ( المسلمون على شروطهم )، وهذا يؤدي إلى استهلاك السيارة وإتلاف أجهزتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدمكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ونسألك مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، نسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء، نسألك قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً.

اللهم إنا نسألك رزقاً حلالاً طيباً مباركاً فيه، اللهم باعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك ولمن عبد الله فيه ولجيرانه من المسلمين والمسلمات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الجهاد وأنواعه [1] للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net