اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أبواب السنة [1] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع )، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحث على تبليغ الرسالة وتبليغ الدين نصوص كثيرة متواترة مستفيضة، ومن أشهر ذلك ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بلغوا عني ولو آية )، وهذا دليل على أن زكاة العلم البلاغ، وأنه لا حد ولا نصاب للعلم فيزكى، وإنما إذا ملك الإنسان شيئاً من العلم ولو يسيراً من آية أو حديث فإن زكاته أن يبلغه لمن يحتاج إليه، وهذا من الأمور المتأكدة، وعند الجهل فهي من الأمور الواجبة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى لا ينزل على الأمة الفتن والشرور إلا برفع العلم وقبض العلماء، وأما إذا كان العلم موجوداً متوافراً فإن الله سبحانه وتعالى يجعل الأمة أمة مرحومة بهذا العلم، وأمة آمنة من الفتن والشرور، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين في جملة من المواضع في كتابه، وكذلك أيضاً جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث، وكذلك عن جماعة من الصحابة، بيان أن أمان الأمة واجتماعها وألفتها هو بوجود العلم وتدارسه بينهم، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في مسلم من حديث أبي موسى قال عليه الصلاة والسلام: ( النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )، والمراد بالأمان هو الاستقرار والاجتماع على ما أمر الله جل وعلا، فإذا اختل ذلك النظام فهو أمارة على اختلال رسالة البلاغ الرسالة المحمدية التي أمر الله عز وجل ببلاغها، ونحن بإذن الله تعالى في هذه المجالس نمتثل شيئاً مما أمرنا الله جل وعلا، ورسوله صلى الله عليه وسلم ببلاغه وبيانه، أن نبلغ شيئاً من الأدلة، وأن ننظر فيها، وأن نقرأها، وكل ذلك من أمور التعبد، ولهذا يقول غير واحد من العلماء: إن السنة وحي يتلى، يعني كتلاوة القرآن، كما نص على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله، ونص على ذلك ابن حزم الأندلسي، وغيرهم من أئمة الإسلام أن السنة وحي يتلى، وتلاوتها في ذلك أن الإنسان ينظر فيها ويقيم ما استطاع من حروفها وحدودها، حتى يتحصل له من ذلك الأجر، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ أيضاً ولو لم يع الإنسان المعنى، فربما كان المبلغ أولى من المبلغ فهماً وإدراكاً وتمييزاً.
ونحن في عدة مجالس بإذن الله عز وجل نتكلم على شيء من الأحاديث من سنن ابن ماجه، ونمر على جميعها بإذن الله تعالى، كتاب السنن لـابن ماجه هو من المصنفات المشهورة من دواوين الإسلام في الزمن الأول، وقد اعتنى به الأئمة عليهم رحمة الله تعالى عناية متنوعة، ومصنفه هو من أئمة النقد والجلالة، وهو محمد بن يزيد بن ماجه عليه رحمة الله وهو من أئمة السنة دراية ورواية، وعقيدته على منهج أهل السنة والجماعة، ولا يكاد يجد الإنسان له من ذلك خروجاً عما كان عليه الأسلاف من الصحابة والتابعين كسائر أهل القرون الماضية من القرن الثاني والثالث، وكذلك من بعدهم، إلا النزر اليسير الذين قد خرجوا عن مراد الله جل وعلا لشيء من الشبهات.
ومع كون هذا الإمام نشأ في شيء من البلدان التي تعد بعيدة عن منازل الوحي، فهو قزويني من بلدة قزوين وهي الموجودة في بلدان فارس وهي إيران اليوم، وقد نشأ في ذلك ثم سافر وارتحل إلى جملة من البلدان لطلب العلم وسماع السنة، وقد ارتحل إلى بغداد والبصرة والكوفة، وارتحل كذلك إلى مكة والمدينة، وأخذ عن كثيرٍ من أشرافها وأطراف علمائها الذين ظهر تنوع فقه هذا الإمام في تراجمه وكذلك أيضاً في سرده لهذه الأحاديث.
هذا الكتاب وهو كتاب السنن لـابن ماجه عليه رحمة الله هو أحد مصنفات هذا الإمام، وله جملة من المصنفات، منها ما يتعلق بالتاريخ كتاريخ قزوين، وله كتاب كذلك في التفسير، وهو ليس بالصغير، وهو كتاب حافل جمع فيه المصنف رحمه الله جملة من الآثار وكذلك المرفوعات في أبواب التفسير، إلا أنه من الكتب المندثرة قديماً.
ويروي بعض الأئمة عليهم رحمة الله تعالى من طريق ابن ماجه شيئاً من ذلك من الأئمة المسندين الذين جاءوا بعده، وابن ماجه رحمه الله من جهة علو إسناده هو من الأسانيد العالية، وفيه جملة من الأسانيد الثلاثية، وفيه خمسة أسانيد ثلاثية، وهي من طريق جبارة بن المغلس يرويه عن كثير بن سليم عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجميع الأسانيد الثلاثية هي من هذا الطريق، وهي أسانيد معلولة، وذلك لضعف رواة هذا الخبر، وذلك لضعف شيخ ابن ماجه عليه رحمة الله، وله أسانيد كذلك أيضاً رباعية، والأحاديث التي يرويها يوافق فيها الأئمة غالباً، ولا ينفرد بشيء من أصول الأحكام وأعلام المسائل إلا شيئاً ليس بالكثير، وما ينفرد به من أمور المعاني والأحكام نجد أن أصوله عند الأئمة عليهم رحمة الله، وما ينفرد به هو عند الأئمة عليهم رحمة الله على نوعين: ينفرد بالأحاديث، وينفرد كذلك ببعض الرواة.
وبعض الأئمة عليهم رحمة الله لا يجعلون ابن ماجه رحمه الله من الأئمة المقدمين في أبواب النقد، وذلك لكثرة الرواة المتروكين، وكذلك الأحاديث الضعيفة المطروحة في كتابه السنن مقارنة ببقية الكتب الستة، وهذا موجود وظاهر، إلا أن تفردات ابن ماجه رحمه الله لا يقال بضعفها على الإطلاق. وقد نص غير واحد من الأئمة عليهم رحمة الله على أن ما يتفرد به ابن ماجه معلول أو ضعيف، وقد نص على هذا وتكلم على هذا غير واحد من الأئمة كـابن تيمية رحمه الله، وكذلك أبو الحجاج المزي عليه رحمة الله، وتبعهم على ذلك جماعة من العلماء.
والنوع الثاني من التفردات هو أنه يتفرد ببعض الرواة، وهؤلاء يكونون في دائرة الضعف، وكلا الأمرين فيه نظر، وذلك أن الإمام ابن ماجه رحمه الله له أحاديث يتفرد بها وهي صحيحة، ويأتي الكلام عليها بإذن الله عز وجل في موضعها، وكذلك فإنه يتفرد ببعض الرواة في كتابه السنن وهم من الثقات، وقد تفرد بذلك في غير ما موضع عن بعض الرواة ولم يخرجهم أحد من أصحاب الكتب الستة وهم من الرواة الثقات، وذلك كـأحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، وكذلك أحمد بن منصور، وكذلك أحمد بن ثابت، وغيرهم من الرواة الذين يروي عنهم ابن ماجه رحمه الله في كتابه السنن وهم من الرواة الثقات، ولم يوافقه على الإخراج لهم غيره من أصحاب الكتب الستة.
وله كذلك جملة من الأحاديث تفرد بها عن الكتب الستة، وهي ليست بالقليلة منها الضعيف ومنها الصحيح، وهي على نحو من ثلاثمائة وألف من الأحاديث، نحو النصف منها ويزيد من الأحاديث الضعيفة، وما عدى ذلك فهي داخلة في دائرة الاحتجاج، إما تقبل على سبيل الانفراد، أو بالاعتضاد إذا وجد لها معتضد، وما عدى ذلك فهي دائرة بين الضعف الشديد والطرح، وكذلك أيضاً من الأحاديث ما هو موضوع وهو شيء يسير عند ابن ماجه رحمه الله، وهو أكثر السنن الأربع وضعاً، ولهذا العلماء عليهم رحمة الله يجعلونه متأخراً بالنسبة للكتب الستة، وقد اشتهر وقدم لجلالة ترتيبه وتبويبه، وقدم على غيره من المصنفات التي هي أحرى بالتقدم منه، وذلك كسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة وأضراب هذه الكتب، إلا أننا إذا نظرنا إلى جملة من الشروط والخصائص التي امتاز بها هذا الكتاب فإنه يقدم، وقد قدمه في ذلك ابن طاهر بن القيسران عليه رحمة الله في كتابه الأطراف، وكذلك قدمه غير واحد ممن تبعه وجرى على هذا جماعة من العلماء كـابن عساكر عليه رحمة الله في أطراف السنن الأربع، وتبعه على ذلك جماعة كـالمزي رحمه الله في تحفة الأشراف، وكذلك تبعه على ذلك من جاء بعدهم ممن صنف في أبواب الرجال، وجرى على هذا أيضاً جماعة من الأئمة، كـالمقدسي عليه رحمة الله في كتاب الكمال، ثم المزي عليه رحمة الله في تهذيب الكمال، ثم ابن حجر رحمه الله في تهذيب تهذيب الكمال، وجرى على ذلك من جاء بعدهم من الأئمة، كـالخزرجي في كتابه الخلاصة، وكذلك ذهب جماعة ممن سبقهم كـالذهبي رحمه الله وغيره من الأئمة إلى تقديم ابن ماجه على غيره، مع وجود هذه الأشياء التي ينبه عليها العلماء.
ابن ماجه رحمه الله له جملة من الروايات، والمعروف منها أربع، والتي وصل إلينا منها هي رواية أبي الحسن علي بن إبراهيم القطان، وهي الرواية المشهورة المتداولة، وعليها النسخ التي بين أيدينا على اختلاف وتباين فيها، إلا أنه ينبغي التنبه أن نعلم أن القطان رحمه الله وهو الذي يروي عن ابن ماجه له شيء من الزيادات في كتابه السنن، وهذه الزيادات منثورة في بعض المواضع، وهي من جهة الأصل في نسخة أبي الحسن مدونة على الحواشي ولم تكن في الأصل، إلا أنها مع تناقل النساخ للروايات كان ذلك اندراجاً لهذه الأحاديث وتخللاً لها في الأبواب. ويميزها من ذلك جملة من الوسائل: منها أنه حين ترد عبارة (قال أبو الحسن) فإن المراد بذلك هو راوي السنن عن ابن ماجه عليه رحمة الله.
ومن هذه الروايات أيضاً رواية سليمان بن يزيد، وكذلك رواية أبي بكر الأبهري، وكذلك رواية أبي جعفر محمد بن عيسى، هذه الروايات الأربع هي الروايات المشهورة لـابن ماجه عليه رحمة الله، والموجود المتوفر بين يدينا هي رواية أبي الحسن على ما تقدم الإشارة إليه، وينبغي أن يتنبه طالب العلم إلى أن بعض كتب السنة يندرج في ثناياها زيادات بعض الرواة، وهذا معروف في بعض المصنفات، منها السنن لـابن ماجه عليه رحمة الله، ففيه جملة من الأحاديث الزائدة، وهي تزيد على أربعين حديثاً، وكذلك أيضاً فإن ثمة أيضاً بعض التفسيرات والإعلالات التي تكون من أبي الحسن القطان عليه رحمة الله على ابن ماجه، كما ذكر ذلك الذهبي عليه رحمة الله، فله تعليلات مدرجة لبعض الأحاديث، بعضها ينسب إليه وبعضها يكون في ظاهره منسوباً لـابن ماجه، فيميز ذلك الإنسان في موضعه أو ربما أيضاً ببعض القرائن، ومن هذه المصنفات أيضاً ما يأتي في مسند الطيالسي، فإنه يرويه يونس بن حبيب وهو تلميذ الطيالسي وراوية المسند عنه، له زيادات في كتابه، كذلك الزيادات على مسند الحميدي، ثمة زيادات لـأبي علي بن الصواف يرويه عن بشر بن موسى، عن الحميدي صاحب المسند، فهو تلميذ تلميذه وله زيادات عليه، ووقعت له بعض الأسانيد بعلو فضمنها في الحاشية، ثم بعد ذلك اندرجت في أصل المسند، ومن ذلك أيضاً الزيادات التي يزيدها عبد الله بن أحمد بن حنبل على أبيه في كتابه المسند، وكذلك في كتابه فضائل الصحابة، وكذلك زيادات أبي بكر القطيعي على الإمام أحمد عليه رحمة الله، هذه المصنفات فيها جملة من الزيادات ليست للأئمة المصنفين أصحاب هذه الكتب، ولكن تعرف بمواضعها، منها ما ينص عليه ومنها ما يعرف بالقرائن بالنظر في الشيوخ وكذلك وفي التلامذة، وكذلك علو الإسناد ونزوله، أو الرجوع عند الإشكال إلى النسخ العتيقة في هذا الباب.
ابن ماجه رحمه الله له مصنفات كثيرة جداً، وهو مع تقدم زمنه إلا أن الإمام النسائي رحمه الله أولى منه، مع تأخر النسائي عن ابن ماجه، وذلك لشدة تحري الإمام النسائي رحمه الله في كتابه السنن من أبواب الرواة، وكذلك في الأحاديث التي يوردها في كتابه السنن، ويرمز الأئمة عليهم رحمة الله لسائر الأئمة من المصنفين بالرموز التي ترجع إلى ألقابهم، فـالبخاري بالخاء، ومسلم كذلك أيضاً بالميم لاسمه الأول، وكذلك الترمذي، وكذلك النسائي، ابن ماجه يرمزون له بقاف وذلك لقزوين، وهي بلدته التي ولد فيها وينتسب إليها.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا قد احتوى جملة من المناهج في الإيراد، فهو جمع الأحكام على طريقة الأئمة الأوائل، ولهذا صدرها بكتاب السنة، وأورد في ذلك جملة من الأحاديث من التمسك بالسنة، والاعتصام بها، والاهتداء أيضاً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك شرع فيما يتعلق ببعض مسائل العقائد، وشرع بعد ذلك في الأحكام، وهذه الطريقة التي يجري عليها الأئمة عليهم رحمة الله تعالى في غالب مصنفاتهم، فهي الطريقة السائدة عند الأئمة الأوائل، بخلاف المتأخرين الذين قسموا الأحاديث، وكذلك مسائل الدين إلى ما يتعلق بمسائل الأصول؛ وهي مسائل العقائد، ومسائل الأحكام، وما يتعلق بالحلال والحرام، فصنفت أحاديث الأحكام، وجعلت على سبيل الانفراد، ومسائل العقائد جعلت على سبيل الانفراد في مصنفات مستقلة، والأئمة الأوائل عليهم رحمة الله يجعلون ويقررون مسائل الديانة على أنها على منهج واحد، ولو فصلوا في ذلك في داخلها، وكذلك أيضاً في ثناياها.
[ فأخبرنا الشيخ عبد القادر كرامة الله البخاري، والشيخ محمد المنتصر الكتاني إجازة، كلاهما عن عمر حمدان المحرسي، عن أبي النصر الخطيب محمد بن عبد القادر الدمشقي، عن عمر بن عبد الغني الغزي العامري، عن مصطفى بن محمد الشامي الرحمتي، عن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، عن النجم محمد الغزي، عن أبيه البدر الغزي، عن زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن علي بن أبي المجد الدمشقي، عن أبي العباس الحجار، عن الأنجب بن أبي السعادات البغددي (ح)
وعن الحافظ ابن حجر، عن أبي العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي البغدادي، عن الحافظ أبي الحجاج المزي، عن الشارح عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي، عن الإمام الموفق أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة، كلاهما عن أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، عن محمد بن الحسين القزويني، عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب، عن أبي الحسن علي بن إبراهيم القطان، عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني وهو ابن ماجه رحمهم الله أجمعين ].
قال المصنف رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم.
أبواب السنة: باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا ).
حدثنا محمد بن الصباح، قال: أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، ووكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله )].
السنة إذا جاءت بالنصوص المراد بذلك هو كل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف السنة الاصطلاحية التي جرى عليها الفقهاء، وكذلك جرى عليها الأصوليون، باعتبار أن السنة هي ما كانت قسيماً للأحكام التكليفية من الواجب والمحرم، وكذلك أيضاً المندوب والمكروه. وهي عند الإطلاق في كلام السلف، وكذلك ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام المراد بذلك هو ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، أيضاً الخلاف في السنة المراد به هو خلاف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يراد بذلك الواجب، وقد يكون في ذلك المستحب، وفي هذه الأحاديث أيضاً إشارة إلى أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام هي موصوفة بالوحي، وأن من عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله جل وعلا، وقد قرن الله جل وعلا طاعة نبيه بطاعته سبحانه وتعالى.
قال: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن محمد بن سوقة، عن أبي جعفر, قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعْدُه، ولم يقصر دونه.
حدثنا هشام بن عمار الدمشقي، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن سميع، قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده، لتصبن عليكم الدنيا صباً، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله، لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء ).
قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم, تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء ].
وهذا فيه إشارة إلى أن قوام الأمم وأمنها من جهة الحقيقية ليس المال وإنما بالاستمساك والاعتصام بالوحي، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى أنه قال: لا أقول عامٌ أمطر من عام، ولا أمير خيرٌ من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن ذهابكم ذهاب علمائكم؛ لأن العبرة بذلك هو ذهاب العلماء، وأن الأرض تتسع بصاحبها إذا كان صاحب علم، وتضيق به إذا كان صاحب جهل، ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الأنبياء:44]، قد جاء عن مجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح أن المراد بنقصان الأرض هو ذهاب العلماء، ولهذا نقول: إن الأمة إذا كان فيها العلماء فهي أمة مرحومة وهي مجتمعة، وكذلك ينبغي للمؤمن ألا يعلق نفسه بالمادة، وألا يتخوف مما يأتي، فإن الله عز وجل قد قدر له الرزق، وعليه أن يسعى بأعظم الأسباب في ذلك ما يتحقق به الأمان وهو العلم، فإن الإنسان إذا كان معه العلم فهو على أمان وعلى طمأنينة، وأما بالنسبة للمال فإنه يزيد الإنسان قلقاً، وذلك أن العلم يحرس الإنسان، والمال يحرسه الإنسان، فيزداد قلقاً، كلما كثر حرسه، بخلاف العلم كلما زاد زاد أماناً وثباتاً، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لا يخشى على الأمة الفقر، باعتبار أن الله عز وجل لا يبيدها بفقر ولكن يبيدها بجهل، ولهذا ما جاء في الصحيح وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر آخر الزمان فقال: ( لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الهرج )، والفتن والهرج لا يظهر إلا مع ورود الجهل كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهي متلازمة، وينبغي أن نعلم أن الغنى إذا وجد في الأمة وجد في ذلك القتل والاضطراب، فهم يتناحرون لشدة الطمع وضعف القناعة، فالقناعة أظهر من جهة الفقر أكثر منها في الغنى، ولهذا الفقير لديه قناعة أكثر من الغني، وذلك أن الغني كلما ازداد غنى ازداد شراهة، والإنسان إذا ازداد فقراً ازداد قناعة، وهذا معروف حتى عند العرب، أن العرب إذا كانت في زمن فقر انشغلت بنفسها وتراحمت فيما بينها، وإذا كانت في زمن غناء اقتتلوا.
قال: [ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ).
حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة، عن عمير بن الأسود، وكثير بن مرة الحضرمي، عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله عز وجل، لا يضرها من خالفها ).
حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الجراح بن مليح، قال: حدثنا بكر بن زرعة، قال: سمعت أبا عنبة الخولاني، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته ) ].
وفي هذا حفظ الله عز وجل لدينه، وفي هذا أيضاً أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى والتابعين يجلون السابق ويعظمونه، فيعظم اللاحق السابق، ولهذا قال: وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: كلما كان الإنسان أقدم علماً وأخذاً فهو ينبغي أن يقدم قولاً ورأياً لا على إطلاقه ولكن يقدم باعتبار رسوخه وثباته، بخلاف الأمر العارض الذي يطرأ على الإنسان من قناعة ورأي.
قال: [ حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدثنا القاسم بن نافع، قال: حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: ( قام معاوية خطيباً, فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس، لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم ).
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن شعيب، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل ) ].
في هذه الأحاديث التي أوردها المصنف رحمه الله في بقاء الأمة ظاهرة، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يضرهم من خالفهم )، يعني وجود المخالفين، وكذلك أيضاً: ( من خذلهم )، ذكر الخذلان، وذكر المخالفين، المخالفين الأبعدين، والمخذلين الأقربين، إشارة إلى ثبات الإنسان وصموده في مخالفة الأبعدين وخذلان الأقربين، فإذا خذل الإنسان ممن حوله وممن يظن ويرجو منه تأييداً فهذا خذلان، وأما المخالفة والعدوان فتكون ممن لا يرجى منه نصرة، وهؤلاء ثبتوا على مخالفة الأقربين ومعاداة ومخالفة الأبعدين.
وجاء في صحيح مسلم ذكر وصف من أعمالهم وهو القتال، قال: ( يقاتلون في سبيل الله )، وهو أحد أوصافهم، لا وصفاً لازماً.
قال: [ حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط، فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] ) ].
وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان في مسائل العلم عند البيان حتى يرسخ أن يستعمل طريقة الرسم، أو البيان بالخط، أو الإشارة باليد ونحو ذلك، كذلك أيضاً التدليل بالكتاب، فكلام النبي عليه الصلاة والسلام وحي ومع ذلك استدل بالقرآن مع أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إلا أنه استدل على قوله بالوحي من القرآن.
والسبل هي البدع والشهوات كما روى ابن جرير الطبري في كتابه التفسير عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أنه قال: السبل هي البدع والشبهات.
ولهذا نقول: إن ما يتعلق بالشهوات إذا لم تكن متقررة على قاعدة شبهة فالأصل أنها ليست من هذه السبل باعتبار أن الإنسان يفعلها باعتقاد المخالفة ثم يرجع ويتوب، ولهذا كل فكر لا يتكئ على شبهة فالغالب أنه لا يدخل في مثل هذا، أما الشهوات فليست بداخلة في هذا.
قال المصنف رحمه الله: [ باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، قال: حدثني الحسن بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب الكندي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله ) ].
وهذا من أمارات النبوة وعلاماته عنه عليه الصلاة والسلام، وذلك أنه أخبر أن من الناس من يعارض الحق لا بالمعارضة لأصله، ولكن بتحييد بعضه وإبعاده عن مواضع الاستدلال، ولهذا ما ظهر من رد السنة من بعض الطوائف من القرآنيين الذين ينظرون في القرآن ويقولون: لا نحتج إلا بالقرآن ولا نحتج بالسنة، وإدخال شيء من الشبهات فيها، هذا من أمارات النبوة، وقد ظهرت في أزمنة غابرة وهي باقية إلى اليوم.
قال: [ حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة في بيته- أنا سألته عنه- عن سالم أبي النضر- ثم مر في الحديث قال: أو زيد بن أسلم- عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) ].
وفي مسألة الاتكاء إشارة إلى أن الإنسان صاحب هوى، وأنه ليس متحفزاً لنظر وبحث وتأمل، وإنما هو صاحب هوى، وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا أخذ الأمر على شيء من العجل فهو يقع في الشبهة لا محالة، وفيه كذلك أن الإنسان إذا كان مترفهاً مترفاً، فإنه في الغالب إذا لم يجرد قلبه من ذلك أنه يقع في الشبهة، فإذا كان الإنسان متكئاً وينظر ويقاسم الوحي برأيه، فهذا إشارة إلى أن المترفين الذين ينظرون إلى السنة من غير تحر وتعظيم يقعون في شيء من المخالفة، وقد يؤخذ من هذا أنه ينبغي للإنسان في تلاوة القرآن وكذلك السنة أن يجلس جلسة معتدلة، وهذا في مسألة التلاوة العامة، أما إذا قرأ الإنسان شيئاً من ذكرٍ عارض كبعض السور في نومه أو نحو ذلك، فهذا أمر قد دل عليه الدليل.
قال: [ حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري، قال: أخبرنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه: ( أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك, فغضب الأنصاري, فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر, قال: فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ) ].
في هذا أن الإنسان حتى لو بلغ منزلة في الفضل والجلالة أنه قد يعارض حتى ممن حوله ويشكك في نيته ومقصوده، وهذا قد وقع مع خير الخلق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل الأنصاري أن النبي عليه الصلاة والسلام يحابي ابن عمته عليه الصلاة والسلام.
قال: [ حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد, فقال ابن له: إنا لنمنعهن، قال: فغضب غضبا شديداً، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتقول: إنا لنمنعهن ) ].
والغيرة على نوعين: غيرة محمودة وغيرة مذمومة، وهذا من الغيرة المذمومة، لمخالفتها للدليل.
قال: [حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري، وأبو عمرو حفص بن عمرو، قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن مغفل: ( أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له، فخذف، فنهاه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وقال: إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدواً، وإنها تكسر السن، وتفقأ العين، قال: فعاد ابن أخيه يخذف، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ثم تخذف؟ لا أكلمك أبداً ) ].
وهذا يفسر الخذف الذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في رمي الجمار، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرمي بحصى الخذف، إذاً: تفسيره الذي لا ينكأ عدواً ولا يصيد صيداً، وإنما يفقأ العين ويكسر السن.
وفي هذا أيضاً دليل على مشروعية الهجر إذا كان الهجر يجدي، ومعلوم أن هذا الفعل ليس بأغلظ من قول ذلك الرجل للنبي عليه الصلاة والسلام: ( أن كان ابن عمتك )، مع ذلك ما هجره النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن ذلك ربما يؤثر عليه فيبتعد زيادة، وفعله ابن عمر مع ابنه لأنه لا يبتعد الابن عن أبيه غالباً، ولهذا نقول: مسألة الهجر ينظر فيها بحسب المصلحة المتعدية.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثني برد بن سنان، عن إسحاق بن قبيصة، عن أبيه: ( أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: يا أيها الناس! إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة، فقال له معاوية: يا أبا الوليد، لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك! لئن أخرجني الله سبحانه لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك. وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر ) ].
وفي هذا: أنه يجوز للإنسان أن يتحول من ولاية إلى ولاية، كذلك إذا كان في غزوة حتى في مواضع الخلاف لا يجوز له أن يخرج عن إمرة المسلمين، باعتبار أن خروجه عن ذلك هو فت لجماعة المسلمين.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، قال: أخبرنا عون بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أهياه وأهداه وأتقاه. ].
لهذا نقول: إن الإنسان إذا نظر إلى السنة بنظرة ريبة وشك، وكذلك إلى نصوص القرآن فإنه يقع في نفسه شيء، ولهذا نقول: إن الشبهة لا يلتقطها إلا القلب الذي فيه زيغ، فالزيغ موجود في القلب قبل النظر، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7]، إذاً فالقرآن لا يمكن أن يوجد زيغاً في قلب أحد، ولكن الزيغ وجد قبل ذلك ثم التقط ما يؤيده.
قال: [ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب، قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهياه وأهداه وأتقاه.
قال أبو الحسن: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي، قال: حدثنا علي بن الجعد، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، مثل حديث علي رضي الله عنه.
حدثنا علي بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن الفضيل، قال: حدثنا المقبري، عن جده، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ( لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته، فيقول: اقرأ قرآناً! ما قيل من قول حسن فأنا قلته ).
حدثنا محمد بن عباد بن آدم، قال: حدثنا أبي، عن شعبة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة (ح)
وحدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة قال لرجل: يا ابن أخي! إذا حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلا تضرب له الأمثال. ].
وذلك أن أصل الضلال هو بالقياس، أنهم يقولون بقياس كذا وكذا، وإذا كان كذا، وإذا احتمل كذا، هل ينطبق عليه ذلك الأصل أو لا ينطبق عليه، ثم يجمع الشيطان في ذهنه شيئاً من المتناقضات حتى تتكاثر في ذهنه، ثم ينقض بذلك الأصل، ولهذا على الإنسان أن يسلم.
ومن المدارس السيئة التي نشأت في زماننا هي مدرسة أن يوكل للإنسان بالبحث لا التسليم، فأضعف جانب التسليم في قلوب كثير من الناس لكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن الإنسان يقوم بالبحث والنظر والتقصي، وبحث الحقائق بنفسه، وكأنه قد جعل عقله حكماً لكلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشأت في الأمة حينئذ الشبهات بسبب عقولٍ قاصرة، ولهذا الله عز وجل نهى عن ضرب الأمثال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74]، وكذلك أيضاً البدع إنما نشأت بضرب الأمثال والإلحاد إنما نشأ أيضاً بضرب الأمثال، والتسلسل في ذلك هو من مكائد إبليس، يضرب له مثلاً ليلحقه بآخر، ثم يلحقه بآخر حتى يقع في الضلال، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ )، هو لا يريد كذا، ( فيقول: الله، ثم يقول: من خلق كذا؟ فيقول: الله، قال: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ )، إذاً: هو يريد النهاية لينقض بذلك البداية، والبداية هي وجود خالق ومخلوق، فإذا انتفى وجود المخلوق انتفى وجود الخالق، وإذا انتفى وجود الخالق انتفى وجود المخلوق.
قال المصنف رحمه الله: [ باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، قال: حدثنا مسلم البطين، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون، قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنكس، فنظرت إليه وهو قائم محللةً أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ففرغ منه، قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا غندر، عن شعبة (ح)
وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قلنا لـزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا أبو النضر، عن شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر، قال: سمعت الشعبي يقول: جالست ابن عمر سنةً فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: إنا كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات. ].
وهذا فيه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان ألا يحدث أحداً إلا وهو ضابط، فإذا غلب على ظنه أنه إذا حدث أحداً حمل العلم على غير وجهه فهو أعانه على فساد رأيه وبلاغه، ولهذا نقول: إنه ينبغي للإنسان أن يروي السنة كما جاءت، وإنما كان يتوقى السلف الصالح من الصحابة وغيرهم عليهم رحمة الله في ذلك لأنهم يعلمون مواضع التأثير من الألفاظ أو التقديم أو التأخير، وكذلك أيضاً السياق وأثر البلاغة في ذلك، فهم يدركون مواضع التغيير ولهذا يحتاطون في ذلك ما لا يحتاط من جاء بعدهم، ولهذا يتسامح المتأخرون في ذلك لضعف الأصل لديه، وهي الملكة والسليقة العربية، ولهذا يتسامحون في جانب الرواية، والرواية بالمعنى قد اختلف فيها العلماء والأرجح الجواز بشروط، من هذه الشروط: أن يعلم الإنسان بما يحيل المعنى، الأمر الثاني: إذا كان عاجزاً عن رواية الحديث بلفظه، الأمر الثالث: ألا ينسب اللفظ بمعناه للنبي عليه الصلاة والسلام، بل يشير إلى ما يفيد أنه يرويه بالمعنى ويقول: (أو نحو)، (أو بمثل)، (أو بمعنى)، (أو شبه) ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مقدار التغيير الوارد فيه.
قال: [ حدثنا أحمد بن عبدة، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن قرظة بن كعب، قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شريككم.
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن السائب بن يزيد، قال: صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد ].
وهذا ما ينبغي أن يحترز فيه القدوة الذي يقتدى بقوله، وكذلك أيضاً بفعله، وإكثاره وإقلاله، سواءً من الحركة والسكون، أو الحديث والقول، أو الرأي، أو غير ذلك مما يتأثر فيه، فينبغي أن يحتاط بقوله، فلهذا نقول: إنه ينبغي للإنسان ألا ينظر إلى سلامة قوله، بل ينظر أيضاً إلى ما يفهم ويسمع منه، وهذا هو العقل، قاصر العقل هو الذي لا ينظر إلا إلى الملفوظ من قوله، ولا ينظر إلى الغايات، وكلما كانت غاية الإنسان أبعد فهو أعقل، وكلما كانت غايته أدنى كان الإنسان أقل عقلاً، فالعقلاء الذين ينظرون إلى الغايات، ولهذا تجد المجنون يتناول الكأس ويأخذها ويشرب، ولكن لا يدري أين يضع؛ لأنه فكر بالأخذ وما فكر بالوضع، ولهذا يشرب ثم يرمي، وكلما كان الإنسان في ذلك أعقل فإنه ينظر إلى الغايات أبعد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم حينما يشرع ينظر إلى قيام الساعة؛ لأنه مبلغ فيما بعد ذلك، ولهذا هذه الحكمة الله عز وجل أرى نبيه عليه الصلاة والسلام ما هو كائن إلى قيام الساعة، حتى ينزل قوله لا على أصحابه وإنما على سائر القرون، كذلك أيضاً العالم الداعية إلى الله لا ينظر إلى خمسة أو عشرة أمامه، القول إلى أين يصل؟ من يسمعني؟ من يفهم هذا القول؟ أو نحو ذلك، ينظر لمثل هذه الحكمة، وهو كمال العقل.
قال المصنف رحمه الله: [ باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وعبد الله بن عامر بن زرارة، وإسماعيل بن موسى، قالوا: حدثنا شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة، وإسماعيل بن موسى، قالا: حدثنا شريك، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تكذبوا علي، فإن الكذب علي يولج النار ).
حدثنا محمد بن رمح المصري، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي- حسبته قال: متعمداً- فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، قال: حدثنا هشيم، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) ].
ومعنى: ( فليتبوأ ) فليتهيأ، أو: فليتخذ مقعداً له من النار، في هذا الآن الإنسان الذي يتحرى يتبوأ مقعده من الجنة؛ لأن كل عقاب ينزله الله عز وجل على فعل فإن المحتاط من هذا الفعل يجعل الله عز وجل ثوابه مقابلاً أو أعظم من ذلك؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من تقول علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن يعلى التيمي، عن محمد بن إسحاق، عن معبد بن كعب، عن أبي قتادة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: ( إياكم وكثرة الحديث عني، فمن قال علي فليقل حقاً أو صدقاً، ومن تقول علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، و محمد بن بشار، قالا: حدثنا غندر محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن جامع بن شداد أبي صخرة، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: ( قلت للزبير بن العوام: ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود وفلاناً وفلاناً؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعت منه كلمةً، يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ).
حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً وهو يرى أنه كذب.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين ) ].
تضبط بالوجهين: يُرى ويَرى، كاذِبين، وكاذِبَين، تضبط على الوجهين.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع (ح)
وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حدث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين ).
قال أبو الحسن: حدثنا محمد بن عبدك، قال: أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب، عن شعبة، مثل حديث سمرة بن جندب.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن العلاء- يعني: ابن زبر- قال: حدثني يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية يقول: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فوعظنا موعظةً بليغةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد، فقال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة ).
حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم السواق، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، أنه سمع العرباض بن سارية يقول: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، فمن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد ).
حدثنا يحيى بن حكيم، قال: حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن العرباض بن سارية، قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظةً بليغةً )، فذكر نحوه. ].
في ترجمة المصنف رحمه الله في اتباع الخلفاء الراشدين، هذا مما لا خلاف فيه أن سنة الخلفاء الراشدين مقدمة على غيره، وإذا اجتمع أبو بكر وعمر على قول فإنهما يقدمان على غيرهما، ومن باب أولى إذا اجتمع الثلاثة، فإذا انضاف إلى أبي بكر وعمر عثمان أو علي بن أبي طالب عليهم رضوان الله تعالى، وقلما يختلف قول أبي بكر وعمر في مسألة من المسائل- وهو شيء يسير- إلا وأحد القولين ضعيف، وذلك لجلالة علمهم وسبقهم وفضلهم، وإن وقع أو صح شيء من الخلاف فيكون ذلك في شيء من التنزيل، لا في أصل المسائل.
نقف على هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أبواب السنة [1] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
https://audio.islamweb.net