اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أبواب الهبات وأبواب الصدقات للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الهبات.
باب الرجل ينحل ولده.
حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال: حدثنا يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي: ( عن النعمان بن بشير قال: انطلق به أبوه يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشهد أني قد نحلت النعمان من مالي كذا وكذا قال: فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان؟ قال: لا، قال: فأشهد على هذا غيري. قال: أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟, قال: بلى. قال: فلا إذاً ) ].
والهبة هي غير النفقة, فله أن ينفق ولو زادت النفقة بين الابنين وذلك لحاجة هذا دون الآخر, فحاجة الكبير في النفقة تختلف عن الصغير, وحاجة الأنثى تختلف عن الذكر, من جهة الكثرة والقلة في القيمة، ولهذا إذا زاد أحدهما عن الآخر فهذا جائز في باب النفقة.
وأما في باب الهبة فلابد من التساوي, ولكن قيمة لا عيناً, فإذا أهدى للبنت ذهباً, فلا يهدي للابن ذهباً ملبوساً, وإنما بقيمته, وإذا أهدى للابن سيارة, فيهدي للبنت قيمتها, إما من الحلي أو شيء من هذا.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن و محمد بن النعمان بن بشير أخبراه: ( عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاماً، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده، فقال: أكل ولدك نحلت؟ قال: لا. قال: فاردده ) ].
وفي هذا إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام أن سوء البر من الأبناء ينعكس على الآباء بسبب عدم عدلهم, ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ), يعني: أنهم يتغيرون ويتفاوتون في البر بسببك أنت, من جهة تفضيل واحد على آخر, سواء كان في أمر العطية أو في غيره، ولهذا كان السلف يعدلون بين أبنائهم.
ولهذا إبراهيم النخعي يقول كما روى المروزي في كتابه: البر والصلة، قال: كانوا يحبون أن يعدلوا بين أبنائهم حتى في القبل, يعني: يقبل هذا ثم يقبل الآخر.
وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز, وروي أيضاً في ذلك خبر مرفوع عن النبي عليه الصلاة والسلام, وفيه لين: ( أن رجلاً جاء فأجلس أحد أولاده على فخذه, فجاء الآخر فأجلسه على الأرض, قال النبي عليه الصلاة والسلام: أجلس هذا أو ضع هذا ), يعني: أجلسهما جميعاً على فخذيك, أو ضعهما جميعاً, وهذا من أمر العدل.
وقد جاء عن بعض السلف كما جاء عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا بات عند أحد أولاده يحمل فراشه كل ليلة عند أحد أبنائه, يبيت عند هذا ثم هذا ثم هذا, حتى يستوفيهم عدلاً، ولهذا جانب العدل دقيق جداً, وربما لا ينظر الإنسان إلى الهبة بمنظار الأولاد, فينظر إليها بمنظاره, والأولاد ربما يعطى قبلة هي من أبيه أعظم عنده من المال, ويجد في قلبه من تفويتها وتفضيل أخيه عليه, أعظم من تفويت المال بالنسبة للكبير.
ولهذا نقول: إنه ينبغي أن ينظر إلى جانب الهدية والهبة إلى المهدى إليه, وأثرها عليه, من جهة نفسه, وهذا في كل الناس وليس في الأبناء فقط, حتى في سائر الناس, إذا كان الرجل رفيعاً لا تهد إليه شيئاً تافهاً, فإنه ربما يحمل في هذا شيء من الإزراء, وأما بالنسبة للمهدى إليه فينبغي بل يجب عليه أن يقبل أي هدية تصل إليه, ولو كانت ضعيفة, أو رخيصة، أو غير ذلك, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو أهدي إلي كراعاً لقبلت, ولو دعيت إلى كراع لأجبت ), يعني: أن الإنسان يقبل الهدية ممن جاءته ولو كان رفيعاً.
لكن نقول: إن النظرة للهدية من جهتين, نظرة المهدي أن ينظر إلى من أهدى إليه, وبالنسبة للمهدى إليه أن يقبل ما جاءه, ولا يقوم ببخس الناس شيئاً لحظ نفسه, فإن هذا يخرج غالباً من المتكبرين.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من أعطى ولده ثم رجع فيه.
حدثنا محمد بن بشار و أبو بكر بن خلاد الباهلي قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس و ابن عمر يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده ).
حدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب العمرى ].
الشيخ: والوقف هو من أعظم الأعمال عند الله عز وجل، ولهذا الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا يوقفون ولو الشيء اليسير, كما جاء في حديث جابر قال: ( ما كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يوقف إلا وقف ), يعني: أنهم يوقفون ولو الشيء اليسير, منهم من يوقف القدر والدلو والحبل للبئر, وذلك لأنه لا يجد إلا إياه.
فينبغي الوقف لأنه أدوم وأبقى, والوقف عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.
والوقف على نوعين:
وقف ثابت، ووقف منقول, والوقف الثابت أفضل من غيره, إلا إذا تعدى المنقول نفعاً, وذلك كالفرس في سبيل الله, فإنها أكثر نفعاً إذا وقف شيئاً ثابتاً على دون ذلك فضلاً.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا عمرى، فمن أعمر شيئاً فهو له ).
حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أعمر رجلاً عمرى له ولعقبه، فقد قطع قوله حقه فيها، فهي لمن أعمر ولعقبه ) ].
والعمرى بذلك هو أن الإنسان يوقفها لكن بقيد ما بقي الإنسان, هذه لك ما دمت حيًّا, ثم ترجع إلي, ولهذا من أعمر شيئاً فهي لمن أعمرها له, لا يوجد إلى الوفاة, وإنما له ثم تورث بعد ذلك.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرقبى.
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا رقبى، فمن أرقب شيئاً، فهو له، حياته ومماته. قال: والرقبى أن يقول: هو للآخر مني ومنك موتاً ) ].
وذلك أن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه, فيقال: هي للآخر موتاً هو الذي يملكها, يعني: إذا مات هذا الشخص قبل فتتحول إلى الباقي بعد ذلك, ونقول ببطلان ذلك, بل إذا جعلها الإنسان لأحد حياته، فهي له حياته وموته.
قال: [ حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا هشيم (ح)
وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قالا: حدثنا داود عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرجوع في الهبة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن عوف عن خلاس عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مثل الذي يعود في عطيته، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه فأكله ).
حدثنا محمد بن بشار و محمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه ).
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يوسف العرعري قال: حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: حدثنا العمري عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ) ].
والهبة لا تجوز إلا مقبوضة, يعني: أنها لا تمضي إلا وقد قبضها صاحبها, لكن لو قال له: أهديتك كذا ولم يقبضه, نقول: هذا يحمل على أنه وعد ولو أطلقه, حتى يقبضها الإنسان أو يخلي بينه وبينها.
لهذا نقول: إن الهبة نافذة إذا قبضها من أهديت له, وقبل ذلك فيستحب للإنسان ولا يجب عليه إبقاؤها.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من وهب هبة رجاء ثوابها.
حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية الأنصاري عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب عطية المرأة بغير إذن زوجها.
حدثنا أبو يوسف الرقي محمد بن أحمد الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن سلمة عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة خطبها: ( لا يجوز لامرأة في مالها إلا بإذن زوجها، إذا هو ملك عصمتها ).
حدثنا حرملة بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن عبد الله بن يحيى رجل من ولد كعب بن مالك عن أبيه عن جده: ( أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها، فقالت: إني تصدقت بهذا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها، فهل استأذنت كعباً؟ قالت: نعم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك فقال: هل أذنت لـخيرة أن تتصدق بحليها؟ فقال: نعم. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الصدقات.
باب الرجوع في الصدقة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تعد في صدقتك ).
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي قال: حدثني سعيد بن المسيب قال: حدثني عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الذي يتصدق ثم يرجع في صدقته، مثل الكلب يقيء ثم يرجع فيأكل قيئه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من تصدق بصدقة فوجدها تباع هل يشتريها.
حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي قال: حدثنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن هشام بن عروة عن عمر بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر: ( أنه تصدق بفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبصر صاحبها يبيعها بكسر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: لا تبتع صدقتك ).
حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن عامر عن الزبير بن العوام: ( أنه حمل على فرس يقال له: غمر أو غمرة، فرأى مهراً أو مهرة من أفلائها يباع، ينسب إلى فرسه، فنهي عنها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من تصدق بصدقة ثم ورثها.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: ( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت. فقال: آجرك الله، ورد عليك الميراث ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت أمي حديقة لي، وإنها ماتت، ولم تترك وارثاً غيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت صدقتك، ورجعت إليك حديقتك ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من وقف.
حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: ( أصاب عمر بن الخطاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره، فقال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمر به؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها, قال: فعمل بها عمر على ألا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، تصدق بها للفقراء وفي القربى وفي الرقاب, وفي سبيل الله, وابن السبيل, والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول ) ].
أيهما أفضل: الهدية أم الصدقة؟ نقول: إن الهدية أفضل في موضعها, وهي أن تهدى لمن لا يقبل الصدقة أو لا تجوز في حقه الصدقة, كحال رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو لا يقبل الصدقة وهو محتاج للمال فيعطى هدية, فالهدية في حقه في مثل هذا أفضل من الصدقة.
قال : [ حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ( قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! إن المائة سهم التي بخيبر، لم أصب مالاً قط هو أحب إلي منها، وقد أردت أن أتصدق بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احبس أصلها، وسبل ثمرتها ).
قال ابن أبي عمر: فوجدت هذا الحديث في موضع آخر في كتابي: عن سفيان عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر، قال: قال عمر. فذكر نحوه ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب العارية.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني شرحبيل بن مسلم قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة).
حدثنا هشام بن عمار و عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيان قالا: حدثنا محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن يزيد عن سعيد بن أبي سعيد عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( العارية مؤداة، والمنحة مردودة ).
حدثنا إبراهيم بن المستمر قال: حدثنا محمد بن عبد الله (ح)
وحدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي؛ جميعاً عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الوديعة.
حدثنا عبيد الله بن الجهم الأنماطي قال: حدثنا أيوب بن سويد عن المثنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أودع وديعة فلا ضمان عليه ) ].
الوديعة إذا كانت عند الإنسان وتلفت من غير تفريط فإنه لا يضمن بها, وهذا محكي الاتفاق عليه, جاء عن أبي بكر وعمر وعلي وعن عبد الله بن مسعود وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا خلاف فيما بينهم في هذه المسألة.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الأمين يتجر فيه فيربح.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة: ( عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له شاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة. قال: فكان لو اشترى التراب لربح فيه).
حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا حبان بن هلال قال: حدثنا سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد لمازة بن زبار: ( عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: قدم جلب فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً)، فذكر نحوه ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الحوالة.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظلم مطل الغني، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ).
حدثنا إسماعيل بن توبة قال: حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الكفالة.
حدثنا هشام بن عمار و الحسن بن عرفة قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الزعيم غارم، والدين مقضي ).
حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس: ( أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندي شيء أعطيكه. فقال: لا والله، لا فارقتك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فجره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كم تستنظره؟ قال: شهراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أحمل له، فجاءه في الوقت الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أصبت هذا؟ قال: من معدن قال: لا خير فيها. وقضاها عنه ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً, فقال أبو قتادة: أنا أتكفل به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالوفاء؟ قال: بالوفاء. وكان الذي عليه ثمانية عشر أو تسعة عشر درهماً ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من ادان ديناً وهو ينوي قضاءه.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن زياد بن عمرو بن هند عن ابن حذيفة- هو عمران-: ( عن أم المؤمنين ميمونة قالت: كانت تدّان ديناً، فقال لها بعض أهلها: لا تفعلي، وأنكر ذلك عليها قالت: بلى، إني سمعت نبيي وخليلي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد أداءه، إلا أداه الله عنه في الدنيا ).
حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: حدثنا سعيد بن سفيان مولى الأسلميين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن فيما يكره الله ).
قال: فكان عبد الله بن جعفر يقول لخازنه: اذهب فخذ لي بدين، فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي، بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
وأول ما ينبغي لأولياء الميت أن يبادروا بقضاء دينه وإبراء ذمته, وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحض الصحابة عليه, وقد تواترت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, بل كان النبي عليه الصلاة والسلام في ابتداء الأمر لا يصلي على أحد إلا وقد سأل: أعليه دين أم لا؟
ويكفي في ذلك أن الشهيد تغفر له جميع ذنوبه إلا الدين؛ وذلك لعظم أمره وتعلقه بحق الآخرين, ولهذا نقول: إن الحقوق التي تكون بين الآدميين لابد فيها من الوفاء, أو من الاستحلال.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من ادّان ديناً لم ينو قضاءه.
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يوسف بن محمد بن صيفي بن صهيب الخير قال: حدثني عبد الحميد بن زياد بن صيفي بن صهيب عن شعيب بن عمرو قال: حدثنا صهيب الخير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما رجل تدين ديناً وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقاً ).
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا يوسف بن محمد بن صيفي عن عبد الحميد بن زياد عن أبيه عن جده صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلفه الله ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب التشديد في الدين.
حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: من الكبر والغلول, والدين ).
حدثنا أبو مروان العثماني قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نفس المؤمن معلقة بدينه، حتى يقضى عنه ).
حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء قال: حدثنا عمي محمد بن سواء عن حسين المعلم عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته، ليس ثم دينار ولا درهم ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى الله وعلى رسوله.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا توفي المؤمن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن قالوا: نعم، صلى عليه، وإن قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم.
فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين، فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً، فهو لورثته ).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فعلي وإلي، أنا أولى بالمؤمنين ) ].
والحقوق التي تكون بين الآدميين, سواء كانت من أمور الأموال أو الدماء أو الأعراض, هذه الأشياء من جهة محاسبة الله عز وجل عليها على نوعين.
الحالة الأولى: أن يكون أحد أصحاب الحق في النار, فهذا يكون القضاء قبل دخول أهل النار إلى النار.
الحالة الثانية: إذا كان الله جل وعلا قد قدر لهما الجنة, فإن من يكتب الله عز وجل في النار شيئاً, ثم يخرج منها, يكون قضاء الحقوق فيما بينهم قبل دخول الجنة, يعني: على قنطرة بين الجنة والنار؛ ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يخرج المؤمنون من النار, فيوقفون على قنطرة بين الجنة والنار, فيقتصون حقوقاً كانت بينهم ), يعني: أن الحقوق التي بين الآدميين ممن كتب الله عز وجل عليه العذاب في النار, يكون بعد خروجه من النار؛ لأن الحقوق تزيد في منزلته في الجنة, ولم تزد في عذابه في النار.
والله سبحانه وتعالى لا يدخل أحداً الجنة إلا وقد أخرج حقه من الناس, وأخرج حقوق الناس منه، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله جل وعلا يوم القيامة: أنا الملك أنا الديان, لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه حتى اللطمة, ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وعليه لأحد من النار حق حتى أقصه منه حتى اللطمة, قالوا: كيف وإنا نأتي الله جل وعلا حفاة عراة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بالحسنات والسيئات ).
قال المصنف رحمه الله: [ باب إنظار المعسر.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ).
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش عن نفيع أبي داود عن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة، ومن أنظره بعد حله كان له مثله في كل يوم صدقة ).
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن حنظلة بن قيس عن أبي اليسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يظله الله في ظله فلينظر معسراً، أو ليضع عنه ).
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت ربعي بن حراش يحدث عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلاً مات، فقيل له: ما عملت؟ -فإما ذكر أو ذكر- قال: إني كنت أتجوز في السكة والنقد، وأنظر المعسر، فغفر الله له ).
قال أبو مسعود: أنا قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب حسن المطالبة وأخذ الحق في عفاف.
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من طلب حقاً فليطلبه في عفاف، واف أو غير واف ).
حدثنا محمد بن المؤمل بن الصباح القيسي قال: حدثنا محمد بن محبب القرشي قال: حدثنا سعيد بن السائب الطائفي عن عبد الله بن يامين عن أبي هريرة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحب الحق: خذ حقك في عفاف، واف أو غير واف ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب حسن القضاء.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شبابة (ح)
وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن خيركم- أو من خيركم- أحاسنكم قضاءً ).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف منه حين غزا حنيناً ثلاثين أو أربعين ألفاً، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب لصاحب الحق سلطان.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: ( جاء رجل يطلب نبي الله صلى الله عليه وسلم بدين أو بحق، فتكلم ببعض الكلام، فهمّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه! إن صاحب الدين له سلطان على صاحبه حتى يقضيه ).
حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عثمان أبو شيبة قال: حدثنا ابن أبي عبيدة- أظنه قال-: حدثنا أبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني. فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك، تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلّا مع صاحب الحق كنتم. ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك, قالت: نعم، بأبي أنت يا رسول الله! قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت، أوفى الله لك. فقال: أولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع ) ].
وهذا لعظم الإسلام, وعظم مقام النبي عليه الصلاة وعدله حتى على نفسه عليه الصلاة والسلام؛ وذلك أنه قد جعل لصاحب الحق مقالاً حتى منه, كما حث وحظ أصحابه عليهم رضوان الله أن يكونوا مع صحاب الحق, ولو عظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا نقول: إنه في أبواب الحقوق بين الناس لا تعظيم للأشخاص, فلابد من الوفاء فيها, ولو كان الإنسان سيداً مطاعاً وجيهاً ملكاً رئيساً أميراً عالماً, أي حال يكون عليها, فلا قيمة لها في أبواب الحقوق، لأن الله سبحانه وتعالى حينئذ جعل الأنفس في ذلك سواء.
ولهذا نقول: تغيب قيم الأشخاص في أبواب الحقوق بين العباد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع ), يعني: غير متلكئ ولا مضطرب ولا متراجع, يعني: أنه متى وجد الخوف في الأمة في أخذ الحقوق فالأمة ليست معظمة, ولا مكرمة، ولا مقدسة, لا عند الله ولا عند الأمم, ولهذا نقول: إن الأمم في منزلتها بين الناس, وكذلك عند الله جل وعلا, بحسب إقامة العدل في الأرض, فإذا أقامت العدل فالأرض أنصفت الفقير من الغني, والقوي من الضعيف, فإنها أمة مقدسة, وأمة معظمة.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الحبس في الدين والملازمة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا وبر بن أبي دليلة الطائفي قال: حدثنا محمد بن ميمون بن مسيكة- قال وكيع: وأثنى عليه خيراً- عن عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ).
قال علي الطنافسي: يعني: عرضه شكايته، وعقوبته وسجنه ].
ولهذا نقول: إنه لا حرمة لعرض الظالم عند المظلوم إذا كان لا يأخذ حقه إلا بذلك، وذلك بالانتصار بقوله, وبيان حقه, وطلب إنصاف الناس منه, ولكن أن يكون ذلك بعدل الله بظلم, فلا يظلم المظلوم الظالم, وأدق وأصعب أحوال الإنصاف, هو إنصاف الظالم عند أخذ الحق منه, فكثيراً ما يبغى عليه, فيظن الناس أن الظالم ينتصر منه على أي حال, وهذا خطأ، ولهذا جعل الله جل وعلا ذلك على موازين, وأنصف الله سبحانه وتعالى العباد, سواء كان الظالم أو المظلوم.
قال: [ حدثنا هدية بن عبد الوهاب قال: حدثنا النضر بن شميل قال: حدثنا الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده، قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي، فقال لي: الزمه، ثم مر بي آخر النهار، فقال: ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟ ).
حدثنا محمد بن يحيى ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه: ( أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً له عليه في المسجد، حتى ارتفعت أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما، فنادى كعباً، فقال: لبيك يا رسول الله! قال: دع من دينك هذا, وأومأ بيده إلى الشطر، قال: قد فعلت. قال: قم فاقضه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب القرض.
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: حدثنا يعلى قال: حدثنا سليمان بن يسير عن قيس بن رومي قال: ( كان سليمان بن أذنان يقرض علقمة ألف درهم إلى عطائه، فلما خرج عطاؤه تقاضاها منه واشتد عليه، فقضاه، فكأن علقمة غضب فمكث أشهراً، ثم أتاه فقال: أقرضني ألف درهم إلى عطائي. قال: نعم وكرامة، يا أم عتبة هلمي تلك الخريطة المختومة التي عندك. فجاءت بها، فقال: أما والله، إنها لدراهمك التي قضيتني، ما حركت منها درهماً واحداً. قال: فلله أبوك، ما حملك على ما فعلت بي؟! قال: ما سمعت منك. قال: ما سمعت مني؟ قال: سمعتك تذكر عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة. قال: كذلك أنبأني ابن مسعود ).
حدثنا عبيد الله بن عبد الكريم قال: حدثنا هشام بن خالد قال: حدثنا خالد بن يزيد (ح)
وحدثنا أبو حاتم قال: حدثنا هشام بن خالد قال: حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل! ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة ).
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عتبة بن حميد الضبي عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال: ( سألت أنس بن مالك: الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي له؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى له، أو حمله على الدابة، فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب أداء الدين عن الميت.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة: ( عن سعد بن الأطول: أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً، فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محتبس بدينه، فاقض عنه. فقال: يا رسول الله! قد أديت عنه، إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة، قال: فأعطها، فإنها محقة ) ].
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا شعيب بن إسحاق قال: حدثنا هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله : ( أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهود، فاستنظره جابر بن عبد الله، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له عليه فأبى عليه، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن ينظره، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لـجابر: جدّ له، فأوفه الذي له، فجدّ له بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً، وفضل له اثنا عشر وسقاً، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بالذي كان، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غائباً، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه فأخبره أنه قد أوفاه، وأخبره بالفضل الذي فضل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر بذلك عمر بن الخطاب, فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن الله فيها ) ].
والقرض نصف صدقة, ويعتبر في ذلك أن المقرض يتصدق بنصف المبلغ الذي أقرض المقترض فيه, وفضل القرض في ذلك ينظر فيه إلى اعتبارات, منها حاجة المقترض, فإذا كانت عظيمة فإن الأجر في ذلك عظيم.
الأمر الثاني: ينظر إلى الأجل الذي ينظر فيه المقترض, فالإنظار في ذلك إلى عام يختلف عن شهر, وكلما عظم التيسير في الأجل, عظم الأجر في القرض.
وإنما لحق الصدقة من وجه أن الإنسان لا يملك التصرف فيه, وجعل الانتفاع لغيره, فانتفع منه إلى أجل, فكانت نوعاً من أنواع الصدقة, وإن لم تكن صدقة كاملة.
قال المصنف رحمه الله: [ باب ثلاث من ادان فيهن قضى الله عنه.
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا رشدين بن سعد وعبد الرحمن المحاربي وأبو أسامة وجعفر بن عون عن ابن أنعم (ح)
وحدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أنعم عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يقتص من صاحبه يوم القيامة إذا مات، إلا من تدين في ثلاث خلال: الرجل تضعف قوته في سبيل الله، فيستدين يتقوى به لعدو الله وعدوه، ورجل يموت عنده مسلم لا يجد ما يكفنه ويواريه إلا بدين، ورجل خاف الله على نفسه العزبة، فينكح خشية على دينه، فإن الله يقضي عن هؤلاء يوم القيامة ) ].
نقف على هذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أبواب الهبات وأبواب الصدقات للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
https://audio.islamweb.net