إسلام ويب

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في سنته بأشراط الساعة الصغرى، والتي قد مضى أكثرها، ومما هو ظاهر في زماننا هذا: تداعي الأمم على أمة الإسلام، وركوب المياثر، وطلب المال بقراءة القرآن، ونطق الفسقة في أمر العامة، وظهور السمن، وكثرة الكذب، والاعتماد على كتب الدواوين وترك الكتاب والسنة.

مشابهة سنن وطرائق الأمم السالفة من بني إسرائيل

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد تقدم الكلام معنا عن جملة من أشراط الساعة وعلاماتها، ونكمل في هذا المجلس.

ومن أشراط الساعة: مشابهة سنن وطرائق الأمم السالفة من بني إسرائيل؛ فقد روى البخاري وغيره من حديث عطاء عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر أو وذراعاً بذراع. قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال عليه الصلاة والسلام: فمن )، والمراد من هذا أن الأمة تقتدي بجملة من أفعالها وأقوالها على طرائق وسنن أهل الكتاب.

ضعف أمة الإسلام وقوة أهل الكتاب

وفي هذا المعنى إشارة إلى ضعف هذه الأمة، وقوة أهل الكتاب، بعدما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة من الأخبار، وقد تقدم الإشارة إليها، من قوة هذه الأمة ومن بأسها على أهل الكتاب، كما هو ظاهر من كثرة الفتوح، وضعف المشركين والكفرة على وجه العموم، كما كان في ابتداء الأمر من امتلاك المسلمين للقوة، وقد يتخلل ذلك ضعف في الأمة وهوان وركون إلى الدنيا، والطمع في الدنيا وملاذها، حتى يتبعوا مع ذلك طرائق أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

ولهذا أخبر رسول صلى الله عليه وسلم أن الاتباع إنما يكون لأهل الكتاب خاصة، وهذا قد تقدم معنا فيما سبق الإشارة إلى ضعف أهل الكتاب في بداية الأمر، ولكن يتخلل هذا جملة من مظاهر القوة في أهل الكتاب على أهل الإسلام؛ وقد جاء متضمناً في خبر رواه الإمام أحمد وغيره من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم حينئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل )، وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها أن تتداعى الأمم قبلنا، والغالب في نصوص الشرع وألفاظه إذا وردت جملة (الأمم السابقة) أنها تنصرف إلى بني إسرائيل من اليهود والنصارى، وإذا ورد إطلاق (الأمم السابقة) في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير قرينة صارفة فإنه يراد به اليهود والنصارى، وقد تقدم الكلام في هذا المعنى.

تداعي الأمم على أمة الإسلام

وتداعي الأمم يراد به تسلط اليهود والنصارى على هذه الأمة، سواء في عقيدتها، أو في سلوكها، أو في أمنها واقتصادها، وهذا مشاهد في كثير من الأعصار المتأخرة، فظهر تداعي الأمم على هذه الأمة باستباحة دماء كثير من المسلمين، وسفك الدماء والسيطرة على كثير من الأموال والممتلكات، وبث الفرقة في بلاد المسلمين، والتشكيك في كثير من عقائد المسلمين، وهذا من الأشراط التي ظهرت.

وقد تقدم معنا الإشارة إلى أن أشراط الساعة الصغرى أكثرها قد ظهرت، وقد نص على هذا المحققون من أهل العلم كـالبيهقي عليه رحمة الله، فإنه أشار في كتابه الدلائل والشعب على ذلك فقال: (وأكثرها ظهر) يعني: أشراط الساعة، وهي من جهة الأصل لم تظهر بتمامها، ويأتي الإشارة، وتقدم الإشارة معنا أيضاً إلى جملة من أشراط الساعة التي لم تظهر وهي في عداد الصغرى، ويأتي الإشارة إلى بعضها.

ركوب المياثر

ومن أشراط الساعة: ظهور ما يسمى بركوب المياثر وهي السرج، وقد جاء عند الحاكم في مستدركه، ورواه الإمام أحمد من حديث عبد الله القتباني ، عن أبيه ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليركبن رجال من أمتي المياثر )، وجاء في رواية: ( سرجهم كأشباه الرحال، يقفون عند أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات).

وفي هذا الخبر جملة من المسائل منها ما يتعلق بهذا الباب، ومنها ما هو متعلق بمسائل عامة.

وما يتعلق في هذا الباب من أشراط الساعة ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فقال: ( يركبون على المياثر كأشباه الرحال )، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: ( مياثر كأشباه الرحال ) إشارة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير إلا الدواب التي رأيتموها؛ ولهذا شبهها بالرحال، والراحلة هي الدابة من الإبل التي يوضع عليها السروج والهودج، فتكون شبيهة بها، ولكن عليها مياثر.

والمياثر هي ما يجلس عليه من القطن، وما يجلس عليه من الحرير، ويجمع على نحو ميثرة، إشارة إلى التنعم، وقد يشار إلى هذا المعنى إلى أن المراد بذلك هي الدواب التي تركب في وقتنا هذا، وما تسمى بالسيارات، وما قبل ذلك وتسمى بالعربات، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.

وقد تضمن هذا الحديث جملة من المسائل، منها: الإشارة إلى وقوف أهل المياثر عند أبواب المساجد ونزول الرجال منها، ونساؤهم فيما يظهر في هذا الخبر بتمام هذا السياق، ولكنهن ( كاسيات عاريات، رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات )، وهذا يتضمن أن من المسلمين مع ضعف تمسكه بمجموع الشريعة إلا أنه يأتي إلى المساجد قاصداً الصلاة، وبعض النساء ربما طبقن جملة من شيء من الشرائع مع تركهن لجملة من الأحكام الشرعية من ذلك الستر والحجاب، والتمسك بجملة من الأحكام الشرعية لا يعني وجود الفسق في المسلمين وكذلك المسلمات.

وبه يعلم أن كثيراً من المسلمين سواء كانوا من الرجال أو من النساء يتلبسون بجملة من أعمال الخير، وجملة من أعمال الشر، وهذا يظهر في زماننا كثيراً، وقد أشار إلى هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة من الأخبار في قوله: ( تعرف وتنكر )، وهذا الحديث شاهده في صحيح الإمام مسلم كما تقدم الكلام عليه ( صنفان من أمتي لم أرهما )، وذكرنا الكلام عليه في هذا الباب، وكذلك جملة من المسائل التي وردت به.

صدق رؤيا المؤمن

ومن أشراط الساعة: صدق رؤيا المؤمن، وهذا قد جاء عند الإمام مسلم عليه رحمة الله من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( في آخر الزمان لم تكد رؤيا المسلم أن تكذب ).

والمراد من هذا أن المؤمن وإن كان ناقصاً من جهة الأصل في الإيمان، وإن كان قد يتلبس بشيء من الفسوق إلا أنه من جهة الكفر والفسق في أهل عصره امتاز بقلة الكذب، وقد جاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي وغيره ( القابض على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر )، وقد جاء عند الترمذي والإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وودت لو أني رأيت إخواني. قالوا: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين يأتون من بعدي، للعامل منهم أجر خمسين. قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم ).

وفيه فضل المؤمن وإن كان مقصراً في آخر الزمان على من كان سلف في ذات الأعمال التي هي في مجموع الإيمان، وإلا قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح قوله: ( لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، وفيه إشارة إلى أن أعمالهم قد اقترن بها عمل القلب وقوة الإيمان وصدق النية مما قد يقل في المتأخرين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من صدق الرؤيا فيه إشارة إلى تعلق الناس بهذه الرؤيا، والرؤى يلتزمها كثير من الإشكالات التي تكون بين قطعية الأخذ بها، ومن هذه الإشكالات صدق الرؤيا، ومن هذه الإشكالات صدق أو إصابة المعبر، وهذا أمره من الغيب في الأغلب؛ ولهذا لا يجوز التعلق بالرؤى والعمل بها، وإنما يستأنس بها؛ ولهذا من عمل عملاً، أو أمسك عن شيء، وجزم بذلك اعتماداً على رؤيا، وخالف في إمساكه أو فعله ظاهر النص يقال أنه قد أحدث؛ لأن النص قطعي، والرؤيا هي من الوحي ظني، وإلا هي من أجزاء النبوة.

وأما صدق الرؤيا وكذبها فجاء تفسيره عند الإمام أحمد ، وعند الطبراني ، و ابن مندة في كتابه الروح والنفس من حديث ابن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه (أن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى ذهب إلى علي بن أبي طالب فقال: ثلاث ليس عندي منهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً، فهل عندك عنه منهن علماً؟ قال: وما هن؟ قال: إني أرى الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيراً، وأرى الرجلان يكره الرجل ولم يره منه شراً، وأرى الرجل يحدث الحديث إذ نسيه إذ ذكره، والرؤيا تكون صادقة وتكون كاذبة، فقال علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أما الرجل يكذب ولم ير منه خيراً، وأما الرجل إذ ينسى وإذ يذكر عند حديثه، فإن للقلوب سحابة كالسحابة التي تكون على القمر، إذ علت عليه سحابة فأظلم إذ تجلت عنه فأضاء، وكذلك الإنسان يتحدث إذا أتت سحابة على قلبه نسي، وإن زالت تذكر، وأما الرؤيا تكون صادقة وتكون كاذبة فذلك الإنسان ينام فيصعد بروحه فإن بلغت السماء قبل أن تجتالها الشياطين صدقت، وإن لم تبلغ السماء حتى اجتالتها الشياطين كذبت ).

وهذا الخبر قد رواه الأزهر الأودي في روايته عن محمد بن عجلان ، عن سالم ، عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن عمر ، وروي من غير هذا الوجه عن سالم عن عبد الله بن عمر، وروي بغير هذا اللفظ بأكثر منه، فرواه ابن مندة في كتابه الروح والنفس، ورواه الإمام أحمد عليه رحمة الله في كتابه المسند.

وفي هذا إشارة إلى أن الرؤى تأتي في باب الظنيات ولا يقطع بها، وإنما تكون هي من أبواب الاستئناس، يستأنس بها الإنسان في أموره ما لم يكون هناك نص شرعي؛ ولهذا يذكر عن بعض السلف أنه جاءه رجل فقال له: إني رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، فقال لي: إن رمضان غداً، فقال له: إن الذي رأيته في المنام أخبرنا في اليقظة، فقال: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته )، فالعبرة بالوحي الناطق والاعتماد عليه، وترك ما عداه من أقاويل الرجال وأحكامهم، وكذلك الرؤيا، وهذا لا يعني تنقيصاً من مقام الرؤيا، فهي جزء من النبوة كما جاء في ذلك الخبر، وتقدم أيضاً الإشارة إليه.

الاعتماد على الدواوين والمصنفات وترك الكتاب والسنة

ومن أشراط الساعة: الاعتماد على دواوين مكتوبة وقواميس مصنفة، وترك الكتاب والسنة، وعدم الاعتماد عليها، وقد جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن وضاح من حديث عبد الله بن عمرو قال: ( لا تقوم الساعة حتى يظهر القول، ويدفن العمل، ألا إن من أشراط الساعة أن تتلى المثناة فلا يوجد من يغيرها, فقيل له: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من كتاب غير القرآن).

وتقدم معنا في غير ما موضع أن كتاب الله إذا أطلق فالمراد به القرآن والسنة، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث زيد بن خالد و أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الأعرابي الذي كان عنده عسيفاً، فزنى بامرأته، قال: اقض بيننا بكتاب الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأقضين بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ).

فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتكم بشيء من الأحكام وهو منصوص عليه في القرآن وهو الجلد، ونص على الرجم وهو في كلام الله، كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب ، وكذلك قد رواه الإمام أحمد بإسناد لا بأس به من حديث عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب : ( والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ). وأما التغريب فإنه لم ينص عليه في كلام الله إلا على سبيل الإجمال وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ[المائدة:92].

وأما ظاهر حديث عبد الله بن عمرو قال: ( ما استكتب من كتاب غير القرآن)، فالمراد من هذا أن الناس يعتمدون على الدواوين الفقهية، ولا يعتمدون على الوحي، وهذا ظهر وتفشى في الأعصار المتأخرة، واعتمدت أقوال الشيوخ، بل اعتمدت أقوال الأصاغر، ولم يتل في كثير من مجالس العلم القرآن ولا السنة، واعتمد على فتوى فلان وفلان، وهذا لا شك أنه من أشراط الساعة، حتى إن الإنسان إذا أراد أن يبلغ أو يدلل، تجد هذا يرجع إلى الكتب وهذا يرجع إلى الدواوين، ولم يرجع إلى كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من الفتنة التي ولدت الفرقة في صفوف المسلمين، فكتبوا الآراء والاجتهادات، وظهرت الأقوال الشاذة في الدين.

والأولى في ذلك أن يرجع في أمور الدين للكتاب والسنة على السواء، فإنه الوحي الناطق الطاهر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويعتمد في فهم ذلك على فهم السلف الصالح من الخيار الذين وصفوا بالخيرية كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عمران بن حصين : ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ).

وهذه الخيرية التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام هي تفسير لقوله: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، فالفقه في الدين لما وجد في هذه القرون الثلاثة استحقت الوصف بالخيرية على سائر القرون، فقال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ).

والمراد من هذا أن الأمة إذا وجد فيها العلم ووجد فيها الحق من الكتاب والسنة، ووجد فيها من ينصح لله حقاً، كانت أهلاً لأن توصف بالخيرية، ولذلك روى ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها من حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى قال: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، لا أقول: عام أمطر من عام، ولا أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن ذهابكم ذهاب علمائكم).

فإذا وجد في الأمة من يعتمد على الكتاب والسنة واعتقد على مذهب السلف من الأئمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم فليعلم أن الأمة مرحومة، وإذا وجد في الأمة من يعتمد على الآراء الفقهية وآراء الرجال، ويقدمها على الكتاب والسنة، فليعلم أن ذلك من الأخذ عن الأصاغر، وهم أهل البدع، كما جاء في حديث عبد الله بن المبارك ، وقد تقدم الإشارة إليه من حديث أبي أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أشراط الساعة أن يؤخذ العلم عن الأصاغر ). وقد سئل عبد الله بن المبارك : من هم الأصاغر؟ فقال: هم أهل البدع. وجاء عنه في موضع أنه سئل: ومن الأصاغر؟ قال: هم الذين يقولون برأيهم، وأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير.

وفي هذا أن قيمة الكتاب والسنة ووجودها عملاً في الأمة هو مناط الرحمة والخير في هذه الأمة، فإذا اعتمد على دواوين العلم المصنفة بما يسمى بأبواب الفقه، أو ما يسمى بأبواب الآراء وعلوم الآلة، ونحي مع ذلك الشريعة فإن هذا هو الضلال بعينه، وأما إذا اتخذت دواوين العلم طريقاً وسبيلاً إلى التبصر في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت أقوال الرجال مع اقترانها بالدليل فإن هذا من الطرائق المسلوكة عند أهل العلم من الصدر الأول إلى يومنا هذا.

الشهادة دون طلبها

ومن علامات الساعة وأشراطها: ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من ظهور أقوام في آخر الزمان ( يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويؤتمنون ويخونون، ويظهر فيهم السمن )، وقد جاء هذا في الصحيح من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخرج أقوم يشهدون ولا يستشهدون )، أي: يدلون بالشهادة من غير طلب، ويظهر من هذا السياق أنهم ما بادروا بالشهادة إلا لأجل مطمع؛ وقد أشار في بعض المواضع مما يتضمن شحاً؛ وذلك أن الإنسان إذا نذر ولم يوف بنذره، إشارة إلى كونه من جهة كفارة الأيمان، وإذا شهد من غير استشهاد إشارة إلى أنه أدى بالشهادة لأجل مطمع من الدنيا، إما رغبة أو رهبة ممن شهد له.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث رميح عن أبي هريرة قال: قال عليه الصلاة والسلام: ( إذا اتخذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً )، فقوله: (الأمانة مغنماً) أي: أن ثقة الإنسان وعهده وصدقه يجعل من الأمور التي يتكسب بها الإنسان في يومه وليلته، وهذا مشاهد، فكثر في الأزمان المتأخرة من يشهد ويزكي الرجال لأجل منافع ومصالح وحظوظ النفس، وظهر كذلك من جعل صدقه رغبة في المدح، وهذا لا يخرج عن المغنم؛ لأن المغنم عام سواء من المغانم المعنوية أو المغانم المادية، وهو متضمن أيضاً لقصد كثير من الأعمال لغير الله جل وعلا، وهذا هو الرياء؛ ولهذا جاء في الحديث المروي عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: ( وأن يطلب العلم لغير الدين )، يعني: لغير الله جل وعلا، فإذا انتشر هذا وظهر في الناس فإن هذا من أشراط الساعة وعلاماتها.

ظهور السمن وعدم الوفاء بالنذور

ومما ذكره هنا قال: ( ويظهر فيهم السمن )، وفيه إشارة إلى رغد العيش، ورغد العيش إذا ظهر في الأمة ولم تنشغل الأمة بمهماتها العظيمة ظهر في الأمة السمن، وقوله: (ظهر) إشارة إلى أن هذا الأمر أصبح ظاهرة بعدما كان على الأفراد، فإذا كان ظاهرة فإن هذا من أشراط الساعة وعلاماتها.

وإذا وجد كذلك في الأمة من إذا نذر لا يفي بنذره، وفيه إشارة إلى كثرة الأحداث، وأن يجعل الإنسان الله عز وجل عرضاً ليمينه ولا يفي بتلك اليمين، ولا يكفر، وهذا فيه إشارة إلى ضعف إيمان الإنسان وعدم خوفه من الله سبحانه، وهذا إشارة إلى اضمحلال العلم ونقصانه في الناس، وإذا انتقص العلم ظهر معه الجهل كما تقدمت الإشارة إليه.

كثرة الزلازل

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: كثرة الزلازل، وكثرة الزلازل قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك جملة من الأخبار، منها ما رواه أبو هريرة كما في الصحيحين وغيرهما قال: ( لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، وتظهر الزلازل )، والمراد بالزلازل يحمل على الزلازل المعروفة، وما يفسره به بعض من تكلم في أشراط الساعة على أن المراد بالزلازل هي الفتن على وجه العموم، فيقال: إنه ليس المراد بذلك من وجوه متعددة: منها: أن تخصيص الفتنة قد جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أشراط الساعة في جملة من المواضع، منها ما دل عليه الدليل على وجه العموم والإجمال، ومنها ما كان على سبيل التفصيل بأدلة خاصة، كما تقدم الإشارة إليه عند فتنة الرجل في أهله وماله وولده، وكذلك في الفتن التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام أنها كالقطر في بيوت أهل المدينة، وتقدم الإشارة إليه.

إذاً المراد بالزلازل هي الزلازل المعروفة التي تتضمن ارتجاج الأرض وتصدعها وانشقاقها.

ظهور الصواعق

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: ظهور الصواعق، والمراد بالصواعق هي سقوط الشهب على الأرض وما في حكمها مما يوصف به، وقد جاء عند الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في آخر الزمان تكثر الصواعق حتى يأتي الرجل أهله فيقولون: من صعق الغداة؟ فيقولون: صعق فلان وفلان )، وهذا الحديث قد روي من طريق محمد بن مصعب ، وقد قال فيه الإمام أحمد : وفي حديثه عن الأوزاعي مقارب الحديث، وقد وثقه غير واحد كـابن معين ، وقال النسائي : ليس به بأس، وهذا الحديث يشهد له كثير من الوقائع المعاصرة، وقد تقدم الإشارة إلى أن الأصل في الأخبار وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بتصحيح شيء من النوازل المتأخرة، ولكن هي من القرائن التي يستأنس فيها، وليست من طرائق الأئمة النقاد.

كثرة الكذب

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: كثرة الكذب؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد و مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يكثر الكذب بين يدي الساعة )، وهذا في قوله عليه الصلاة والسلام: (بين يدي الساعة) إشارة إلى أنه قبيل خروجها، وهذا خارج عن الكذب الذي تقدم الكلام عليه في مسألة الكذابين الذين يدعون النبوة، وهذا نص عام.

وقد جاء تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من الكذابين ولمن يكذب عليهم، قال: ( لا يضلونكم، ولا يفتنونكم)، يعني: لا يزيغونكم عن طريق الحق، وهذا متضمن لكذب العامة بأقوالهم وأفعالهم، ومتضمن أيضاً للكذب في العلم والأقوال ونسبتها للشريعة، والشريعة منها براء، وقد تقدم الإشارة إلى هذا الأمر.

ومما جاء في أشراط الساعة مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد من حديث عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال: ( إن من أشراط الساعة أن يظهر القول، ويدفن العمل )، وهذا فيه إشارة إلى كثرة الدعاوى التي لا يصدقها العمل، وهذا متضمن لورود النفاق، فإن الذي يقول: أنا سأعمل هذا من صفات المنافقين، وقوله: (يظهر) أي: ينتشر ويظهر في الناس حتى لا يكاد يسلم منه أحد.

تكريم الرجل وإعزازه اتقاء لفحشه

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: أن يكرم الرجل ويعز اتقاء لفحشه، وقد جاء هذا عند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أشراط الساعة أن يكرم الرجل اتقاء فحشه )، يعني: لسلطته وتسلطه على الناس، فإما أن يكون صاحب سلطان، أو صاحب جاه ومال، أو أن يكون الرجل صاحب لسان فيتقى فحشه، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عائشة قال: ( إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه )، وقد ترك النبي عليه الصلاة والسلام بعض الناس لأجل هذا المقصد، ولكن إذا كان هذا الأمر ظاهراً في الأمة فإن هذا من علامات الساعة وأشراطها.

ارتفاع الأصوات في المساجد

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: ارتفاع الأصوات في المساجد، وفيه تضمن لعدم توقير المساجد واحترامها، وهذا قد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة ، وقد جاء ما يعضده عند ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث خيثمة عن عبد الله بن عمرو قال: ( لا تقوم الساعة حتى يجتمع الناس في المساجد، وليس فيهم مؤمن )، فإذا رفع الصوت في المساجد وهو منافٍ لاحترام المساجد وتوقيرها فإن هذا من علامات الساعة.

اتخاذ المساجد طرقاً

ومن علامات الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً، يعني: يمر الناس عليها عبوراً سواء بالدخول عليها والمكث فيها من غير صلاة، أو المرور عليها من غير أداء للفريضة، إما لأمر من أمور الدنيا ومصالحها، أو طلباً للرياء والسمعة، وغير ذلك من الأغراض السيئة، ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الدارقطني وغيره من حديث عامر بن شراحيل الشعبي عن أنس بن مالك قال: ( إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً )، وقد جاء ذلك عند الطبراني من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بنحوه.

انتفاخ الأهلة

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: انتفاخ الأهلة، أن يرى الهلال قبلاً، يعني: لليلة، ويظن أنه لليلتين، وهذا الحديث رواه الدارقطني في كتابه السنن، وقد رواه في العلل موصولاً ومرفوعاً، وصوب إرساله من حديث عامر عن أنس بن مالك ، وقد جاء أيضاً من حديث عامر الشعبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأصوب، وجاء موصولاً عند الطبراني من غير هذا الوجه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: ( إن من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة، فيرى الهلال لليلة ويقال: إنه لليلتين )، وقد روى هذا الخبر غير واحد من الأئمة.

طلب المال بقراءة القرآن

ومن علامات الساعة وأشراطها: أن يطلب بقراءة القرآن المال، ولا يطلب به الأجر، وقد جاء في ذلك جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على أصل هذا المعنى، منها ما جاء فيما تقدم: ( أن يطلب العلم لغير الدين )، ومنها أيضاً ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد من حديث زيد بن أسلم عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسألوا الناس بالقرآن، فإنه سيأتي أقوام يسألون الناس بالقرآن )، وهذا الحديث متضمن لمجموعة من المسائل:

الأولى: إلى أهمية النية والقصد، وأن الإنسان إذا طلب العلم لغير الله فإنه قد قصد بأعظم الأعمال وأشرفها عند الله قصداً سيئاً، فاستحق بذلك المقت والعقاب الأليم، فإن أولئك من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.

الثانية: متضمن لمسألة مهمة تكثر ويحتاج لها في زمننا، وهي أخذ ما يسمى بالمكافئات المالية، أو المادية العينية على وجه العموم، هل ذلك من المحمود أم لا؟ فإذا كان قصد الإنسان من غير سؤال فإن ذلك مما لا حرج فيه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ).

الثالثة: يتضمن هذا الحديث إلى أن الإنسان إذا أخذ أجراً على كلام الله عز وجل من غير قصد، وإنما جاء عرضاً فإن هذا مما لا حرج فيه، فلو أعطي الإنسان مكافئة، أو أجريت مسابقة فإن هذا لا حرج فيه شريطة ألا يكون قصده بالتعليم لأجل الدنيا، وبهذا يعلم أن النية مهمة لسائر الأعمال، وتظهر في العلم أجلى من غيره؛ لأن العلم يلزم منه العمل، فإذا فسدت نية الإنسان في العلم فسدت نيته في العمل والعياذ بالله.

قلة الرجال وكثرة النساء

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: قلة الرجال وكثرة النساء، كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في آخر الزمان يذهب الرجال، وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد )، وهذا متضمن لجملة من المسائل، منها ما تقدم الإشارة إليه إلى كثرة القتل والهرج بين الناس، فإذا ظهر الهرج والقتل في الناس فإن قد يؤدي إلى ذلك، فيقل الرجال، وتكثر النساء، وهذا تقدم الإشارة إليه معنا إلى أن القتل الوارد في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المراد به القتل بين المسلمين، وليس القتل بين المسلمين والكفار؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيما قتل )، (والقاتل والمقتول في النار) كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذات الحديث، وهذا يظهر فهمه في هذا الحديث، فإنه ليس المراد بذلك الأمراض، فإن الأمراض إذا دبت في الناس تدب على الرجال والنساء على السواء بدافع الخلطة والعدوى ونحو ذلك، فإذا انتقل من رجل إلى رجل فإنه ينتقل إلى امرأة، وإنما الإشارة إلى هذا إلى مسألة الحروب والاقتتال في آخر الزمان.

كثرة الروم وقلة العرب

ومن علامات الساعة وأشراطها ما تقدم الإشارة إليه على سبيل الإجمال، وهو: كثرة الروم وقلة العرب، وهذا قد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح الإمام مسلم من حديث المستورد بن شداد ، وجاء أيضاً في صحيح الإمام مسلم من وجه آخر من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: ( ليوشكن أن يفر الناس من الدجال في الجبال، قالت أم شريك : يا رسول الله! والعرب أين هم يومئذٍ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم يومئذٍ قليل )، وفي حديث المستورد عليه رضوان الله تعالى قال: ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس )، وقد تقدم الكلام عليه، وعلى التعليل على سبيل الاستنباط، والعلماء يذكرون السالفين وكذلك المتأخرين من تكلم في أشراط الساعة هذا الحديث على سبيل الإجمال، ويريدون بذلك الكثرة العددية، والذي يظهر والله أعلم أن المراد بذلك اللسان، أنه إذا انتشر إذا لسان الروم فإن الناس يسمون روماً، وإذا انتشر لسان العرب يسمون عرباً؛ وتقول العرب: إن العربي من تكلم العربية ولو كان أصله أعجمياً، إذا هجروا لغتهم، وكذلك الأعجمي يسمى أعجمياً إذا تكلم الأجنبية ولو كان أصله عربياً، والأعرابي من سكن البادية ولو كان أعجمي.

وبه يعلم أن المراد انتشار اللسان، وهذا مشاهد فقد انتشرت وذاعت لغة الروم حتى تكلم بها دول، وأصبحت تقرر على مناهج التعليم في كثير من الدول التي طالها الاستعمار في كثير من البلدان الإفريقية ونحو ذلك، بل من البلدان التي أصلها يتكلم العربية بعد فتوحات الإسلام كانوا يتكلمون العربية، فلما طالها أو نالها الاستعمار تكلموا بكلام العجم، منهم من يتكلم بالفرنسية، ومنهم من يتكلم بالإنجليزية، ومنهم من يتكلم بالبرتغالية، وغيرها من اللغات، وهؤلاء أصبحوا روماً وإن كان أصلهم من العرب.

نطق الفسقة بأمر العامة

ومن علامات الساعة وأشراطها: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نطق الفسقة بأمر العامة، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد من حديث محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: ( إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: ومن الرويبضة؟ قال: الرجل الفاسق )، وجاء في لفظ: ( الرجل التافه يتكلم بأمر العامة )، يعني: يتكلم بأمر المسلمين.

وهذا ظاهر في كثير من بلدان المسلمين من تصدر كثير من الفسقة لمنابر الرأي والإعلام، فتكلموا بمسائل الاعتقاد، وشككوا في كثير منها، وطعنوا في كثير من المسلمات في أبواب الأخلاق، وأبواب القيم، فضلاً عن أحكام الشريعة، فرأينا من يتكلم على عقيدة الولاء والبراء، ورأينا من يتكلم على مسألة الحب والبغض بين المؤمنين والمشركين، ورأينا من يتكلم في مسائل الجهاد وليس منها، ورأينا من يتكلم في مسائل الأخلاق وينفي حرمة كالاختلاط، ويشكك في الحجاب، وأنه ليس من الدين، بل من عادات العرب التي وجدوها عمن سلف، وهذا لا شك أنه من نطق الرويبضة والفسقة الذين قاموا بكثير من الميادين، وهذا شامل لجميع أبواب الدين، فلا يخلو باب من أبواب الدين من نطق الرويبضات فيه.

هلاك قريش وأكل القوي لحق الضعيف

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: هلاك قريش، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث إسحاق عن أبيه عن عائشة عليها رضوان الله تعالى قالت: ( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ! إن قومك أول الناس بي لحوقاً، قالت عائشة عليها رضوان الله تعالى: جعلني الله فداك يا رسول الله! لقد قلت كلاماً ذعرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن أول الناس لحوقاً بي قومك، تتنزل بهم المنايا )، يعني: أنها تفتك بهم، قالت: ( والناس يومئذٍ؟ قال: فيهم درن، يأكل القوي منهم الضعيف )، وهذا علامة وشرط آخر من أشراط الساعة.

تسلط أهل الأهواء والسلطة

وقوله هنا: ( يأكل القوي فيهم الضعيف) إشارة إلى تسلط أهل الأهواء، سواء من أرباب الجاه أو السلطة، أو أرباب القوة الجسدية بأخذ أموال الضعفاء قسراً، وتعدى ذلك إلى القتل؛ ولهذا أشار إليه، قال: ( درن، يأكل فيهم ) إشارة إلى أن فيهم القتل، كما أن قريش دب فيهم الموت، وهذا إذا ظهر في الأمة فليعلم أن الأمة لا قداسة لها ولا تعظيم، وهي هينة عند الله؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني وغيره من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً له، فأغلظ للنبي عليه الصلاة والسلام في دينه، فقضاه دينه، ثم قال: لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع )، والمراد بهذا نفي القدسية عن الأمة التي لا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع، يعني غير متعتع في العبارة، يأخذها وهو جسور عليه، فينصف له بالحكم بالشريعة، والأخذ بذلك.

فإذا حكمت الأمة الشريعة فليعلم أنها أمة مقدسة، وهو أول ما يتلاشى من المجتمعات المسلمة، وهو الحكم بما أنزل الله، فإذا تلاشى من المجتمع علم أن هذا المجتمع ليس بمقدس، وظهر فيه الظلم، وإذا أقام المسلمون على شريعة الله، وكانت الأحكام على كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فليعلم أن الأمة مرحومة وهي أمة مقدسة.

ذهاب الحكم بما أنزل الله

وأول ما يذهب من الأمة والمجتمعات التي توصف بمجتمعات مسلمة هو الحكم بما أنزل الله، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد وغيره قال: ( أول ما يذهب من الإسلام الحكم، وآخر ما يذهب منهم الصلاة )، وفيه إشارة إلى جملة من المسائل:

منها: أن المجتمع إذا ذهب فيه الحكم بما أنزل الله أنه لا ينزع من أفراد الناس وأعيانهم، ولو تحاكموا طلباً للحياة والضرورة بدفع المفاسد الطارئة عليهم لا ينفى عنهم الإيمان، وهذا يظهر في كثير من البلدان المسلمة التي لا تحكم فيها الشريعة، تسلب أموالهم، وتقتل أبناءها، ويعتدى على بيوتهم بالسرقة، فماذا يفعلون؟ يقال: إنهم لا حرج عليهم أن يدفعوا عن أنفسهم البلاء قدر إمكانهم، ويبقون على الإسلام ما بقيت الصلاة، فإذا ذهبت الصلاة فإنه لم يبق إسلام يوصف به، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك آخر ما يذهب من هذه الأمة يعني الصلاة، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام البيان في كفر تارك الصلاة كما رواه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث جابر بن عبد الله قال: ( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة )، وقد روى الإمام الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ).

وحديث أبي سعيد الخدري في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا قدست أمة، لا يأخذ القوي حقه من الضعيف غير متعتع ) هذا الحديث قد جاء موصولاً ومرسلاً، قد رواه البزار في مسنده من حديث الأعمش عن أبي صالح مرسلاً، ورواه البيهقي في سننه من حديث الأعمش عن أبي صالح مرسلاً، ورواه الطبراني من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد موصولاً، وصوب البزار في مسنده و البيهقي في سننه الإرسال.

أهمية انتشار العدل

وفي هذا الحديث وفي حديث الباب في شرط الساعة أهمية انتشار العدل في الناس وحرمة الظلم، وأن الظلم إذا انتشر في الأمة فهو داخل في جملة أشراط الساعة التي تقدم الإشارة إليها: قبض العلم، وظهور الجهل، وظهور الفتن، والدعاة على أبواب جهنم الذين يلبسون الحق بالباطل على الناس، فيجعلون العدل ظلماً، والظلم عدلاً، وهذا من أعظم الظلم والجناية في حق الله سبحانه وتعالى.

كسو البيوت بالثياب

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: كسو البيوت بالمراحيل، أي: أن يوضع على الجدر كساء من غير حاجة، في إشارة إلى الترف، هذا الحديث رواه الإمام أحمد من حديث سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( في آخر الزمان تبنى البيوت، وتكسى بالمراحيل )، والمراحيل هي الثياب المخططة، والثياب المراد بها الستر التي توضع في البيوت وغيرها، فلا توضع كسفرة أو الكوة، وإنما توضع من غير حاجة، ولعله يدخل في هذا أيضاً الأقمشة التي توضع على الحوائط وتكسى بها ونحو ذلك، وهذا متضمن للترف، كثرة المادة بأيدي الناس، وهذا تقدم معنا على سبيل الإجمال في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( واستفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً )، إشارة إلى كثرة الغنى والمال في الناس.

تنافر الناس لبعضهم

ومن أشراط الساعة وعلاماتها: تنافر الناس لبعضهم، وهذا قد جاء عند الإمام أحمد وغيره من حديث حذيفة بن اليمان عليه رضوان الله قال: ( لا تقوم الساعة حتى يتنافر الناس لبعضهم )، والمراد بتنافر الناس لبعضهم جاء تفسيره في هذا الخبر قال: ( فلا يعرف الواحد منهم الواحد)، يعني: إشارة إلى ما تقدم الكلام عليه من الطمع والشجع أن الإنسان إذا كان لا يسلم على الشخص إلا لأجل المعرفة، فهو يحجم عن تزويد المعارف وتكثيرها حتى لا يرجع إليه بحال، ولا يطلب منه شفاعة ولا إحسان ولا مال، وهذا إشارة إلى الشح الذي تمكن في النفوس وعدم البذل، وهذا الشح المطاع إذا ظهر في الأمة ودب وكثر فليعلم أن هذا من أشراط الساعة وعلاماتها.

وبهذا القدر كفاية، والدرس القادم بإذن الله عز وجل نذكر ما تبقى من أشراط الساعة الصغرى، ثم نلحقها بالكبرى، ونتكلم في ختام ذلك عن ترتيب أشراط الساعة الكبرى والمرويات التي جاءت فيها في هذا، واختلاف العلماء عليهم رحمة الله في وقوع أشراط الساعة الكبرى على ترتيب وقع فيه خلاف، والكلام على أشراط الساعة مما يطول، وكثير منها فيها تداخل، منها ما يلزم بعضها لبعض كما تقدم الإشارة إليه، وعلى التجزئة فقد ذكرنا أكثر من مائة شرط من أشراط الساعة، منها ما يندرج تحت نص عام، ومنها ما يمكن إفراده في باب.

الأسئلة

الحكم على حديث (إن بين يدي الساعة سنوات خداعات)

السؤال: ما صحة حديث ( أن بين يدي الساعة سنوات خداعات

الجواب: هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد و الترمذي من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك ، وقد جاء من غير هذا الوجه، ولا بأس به، وأصله في الصحيح تقدم معنا الكلام عليه.

التحاكم إلى قوانين النصارى لعدم وجود التحاكم إلى الشريعة

السؤال: في حال عدم تحكيم الشريعة، وإنما تحكيم القوانين، هل يجوز التحاكم إلى النصارى إذا كان يعلم أنهم لا يظلمون؟

الجواب: هذه مسألة لا يليق الارتجال بها على سبيل الاختصار؛ لأنها مسألة دقيقة ومشكلة تتعلق بأصل عظيم؛ وقد تكلمت عليها في غير هذا الموضع في حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية.

والتحاكم إلى القوانين الوضعية الأصل فيه أنه لا يجوز، أما مسألة الضرورة لكثير من المسلمين في البلدان، لأن أكثر الدول لا تحكم الشريعة إلا هذه الدولة، سواء دول الخليج، أو الدول العربية على وجه العموم، فضلاً عن الدول الأجنبية التي فيها أقليات مسلمة، لا تستطيع أن تصل إلى كثير من الأحكام حتى فيما يتعلق بالشئون الشخصية إلا ما ندر، وهذا يدخل في مسألة توافق القوانين الوضعية مع الشريعة، إذا توافقت في الظاهر.

وكذلك في مسألة دفع المظالم: هل يتحاكم لأجل دفع المظلمة؟ الإنسان إذا أخذ ماله في دولة لا تحكم بالشريعة، ماذا يصنع؟ هل يترك المال؟ باعتبار أن الشريعة لا تحكم.

كثير من المسلمين مثلاً يتعدى عليهم بالقتل في أوروبا وفرنسا، فرنسا فيها قرابة السبعة الملايين مسلم، هؤلاء إذا قتل منهم قتيل ماذا يفعل بهم؟ هل يشتكى؟ أولاً إذا قصد بالإنسان دفع المظلمة ودفع المضرة عن نفسه لا بقصد التحاكم هذا من جهة الأصل جائز، أما تفصيل مسألة التحاكم وتفريعاتها، فيحسن الرجوع إلى ما تكلمنا فيه في هذا الموضع؛ لأن الإجمال فيما يقتضي التفصيل يورد كثيراً من الإشكالات، وكذلك الفهم الخاطئ، أو الفهم على غير وجهه.

ذم ما يقع من أشراط الساعة

السؤال: هل يلزم من وقوع أشراط الساعة أن تكون مذمومة؟

الجواب: الأصل أن ما يخبر به عليه الصلاة والسلام من الشروط في آخر الزمان أنه مذموم، سواء ذماً يقتضي التحريم، أو ذماً يقتضي الكراهة، فهناك من الأعمال ما يخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لا تقتضي تحريمه كتطاول الناس في البنيان، ولكنه مذموم للركون إلى الدنيا، ولكن من نظر إلى ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة وجد أن الغلبة في ذكر أشراط الساعة أنها تكون مذمومة وفي دائرة الذم، ولكن هي مترددة بين التحريم والكراهة، وقد يخبر النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأفعال ما لا علاقة للإنسان به، كمسألة الزلازل، ومسألة الصواعق، وكذلك الطواعين ونحو ذلك، هذا مما لا شأن للإنسان به، ولكن يقال: إنه بما كسبت أيدي الناس.

كثرة موت الرجال بسبب الحوادث وعلاقته بأشراط الساعة

السؤال: هل تكثر الحوادث لكثرة الوفيات من الرجال؟

الجواب: من نظر إلى الإحصائيات يجد أن الرجال هم أكثر الناس يموتون في الحوادث، وذلك أنهم هم الذين يسافرون، والنساء الفطرة غلابة، وإن دعي إلى إخراجها من بيتها، ففطرتها غلابة أنها تريد الدعة والركون إلى القرار في البيت، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( يقل الرجال وتكثر النساء ) هذا في المسلمون، وتقدم الإشارة إلى أن الأصل فيما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة أنه في المسلمين والعرب، ولا ينقل ذلك إلا بقرينة ونص ظاهر، ويدخل في هذا الحوادث، ويدخل فيه موت الفجأة، ويدخل في موت الفجأة أيضاً الحوادث، والسكتات القلبية في الأمراض التي ظهرت في الناس بما يسمى بالسكري والضغط والكلسترول وغير ذلك من الأمراض التي تدب في الناس، فيصاب بموت الفجأة، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام الإخبار بموت الفجأة في جملة من الأخبار، منها ما رواه الإمام أحمد من حديث عامر الشعبي عن أنس بن مالك قال: ( لا تقوم الساعة حتى يظهر موت الفجأة )، وقد جاء أيضاً من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .

دخول مكبرات الصوت في المساجد في أشراط الساعة

السؤال: هل تدخل مكبرات الصوت الموجودة في المساجد في أشراط الساعة؟

الجواب: لا يظهر هذا، المكبرات تكون في الداخل، ورفع الصوت في المساجد المذكور في الخبر المراد به هو عدم توقير المساجد، ولا يتعلق بالميكرفون ويتعلق بغيره.

الكلام في أمور الدنيا داخل المساجد

السؤال: ما حكم الكلام في أمور الدنيا داخل المساجد؟

الجواب: ينبغي أن يعلم أن المساجد إنما بنيت لذكر الله، هذا هو الأصل، وما كان على سبيل التبع ولا على سبيل الاستقلال، بمعنى أن الإنسان ما يقول: يا فلان! موعدنا في المسجد نتحدث في البيع، فهذا ممنوع، لكنه إذا أتى الإنسان إلى الصلاة، ثم في دبر الصلاة تحدثوا في التجارات والأخبار وفي أمور الجاهلية، وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر أنه قال: ( كنا نتذاكر أيام الجاهلية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضحك، ولا يزيد النبي عليه الصلاة والسلام على أن يتبسم )، وتذاكر الأخبار في الجاهلية وذكر السلع والبيع والشراء من غير عقد فإن هذا مما لا بأس به على سبيل العرض لا على سبيل القصد.

لعن من أمر الرسول بلعنه

السؤال: هل يجوز لعن من انطبق عليها حديث ( نساؤهم كاسيات عاريات، رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات

الجواب: جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعن الموصوف: ( فالعنوهن فإنهن ملعونات )، وجمهور العلماء على حرمة اللعن بالعين، وهذا هو الأولى، ولكن لا حرج أن الإنسان يعرض، فإذا جاء مثلاً ذكر امرأة سافرة، أو ذكر شخص مرابي من غير التنصيص على اسمه فيقال: لعنة الله على آكل الربا. وإذا جاء ذكر ظالم يقال: لعنة الله على الظالمين، وإذا جاء ذكر امرأة أو شخص يأكل مال اليتيم يقال: لعنة الله على من أكل مال اليتيم، ونحو ذلك من غير تنصيص، يلعن الوصف، ولا يلعن الشخص بذاته.

تنزيل ما يقع من أحداث على أشراط الساعة

السؤال: ما قولكم في تنزيل ما يقع من أحداث على ما ذكر من أشراط الساعة؟

الجواب: على سبيل الاجتهاد من غير عمل لا حرج، يعني: شريطة ألا يتبع ذلك عمل، فلو أتتنا نازلة ويلزم من ذلك عمل، وعلى سبيل المثال ما حدث من الفتنة في عام ألف وأربعمائة ممن يدعي أنه مهدي، فنقول: هذا يلزم من عمل ويلزم منه اتباع، ويقال في مثل هذا: لا يجوز التنزيل، أما إذا كان لا يقتضي عملاً، كأن يقول: إن هذه الزلازل هي التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا مما لا حرج فيه.

وقد اجتهد عمر بن الخطاب في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام في المسيح في قصة ابن صياد ، وقال: إنه المسيح الدجال، ومع وجود النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن لما كان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على مأمن بوجود النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في مسلم من حديث أبي موسى : ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون )، ولكن الأمة في الأزمنة المتأخرة تكثر فيها الفتنة ويقل العلماء، ويظهر الجهلاء، ودعاة العلم.

ونحن نشاهد هنا التلبيس على مسلمات الشريعة العظيمة فكيف بقضايا النازلة، وثمة إشارة كما روى الإمام مسلم من حديث ابن مسعود ، وفيه: (نزل في الكوفة نازلة، قال: جاء رجل ينادي: يا ابن مسعود ! قامت الساعة، قال: فقام ابن مسعود وكان متكئاً، فقال: لا تقوم الساعة حتى لا تقسم فريضة)، وقوله عليه رضوان الله: (لا تقسم فريضة) إشارة إلى العلم هذا الرجل الذي جاء لـعبد الله بن مسعود من التابعين، ولا نستطيع ننزع عنه وصف التابعي، لكنه بالنسبة لـعبد الله بن مسعود لا شيء، ولهذا الرجوع إلى العالم في مثل هذه النوازل فإن هذه الأمور يحسم فيها العلماء، ولا يعقلها الجهال؛ ولهذا قال: لا تقوم، لماذا؟ لأنه يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما دام أن الفرائض موجودة في الأمة فلن تقوم الساعة.

وإذا تلاشى هذا العلم ولم تقسم فريضة فليعلم أن الساعة قد أظلت؛ لأن العالم يعرف تدرجات أشراط الساعة ويعرف أحوالها، ويعرف ترتيبها؛ بخلاف عمل عامة الناس؛ ولهذا دائماً نقول: ينبغي أن يفرق بين الرجل الصالح والعالم، وبين قارئ القرآن وحامل القرآن والعالم الفقيه؛ والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن الفتن في آخر الزمان تقع من ماذا؟ من القراء الذين حملوا القرآن في صدورهم احتقوا، وقلت مراراً: إن أخذ العلم جملة مفسدة، وحفظ القرآن جملة مما يضر مع نفعه.

والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عباس قال: (كنا عند عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى فجاءه رجل من العمال فقال: ماذا فعلت في قومك؟ قال: إنهم قرؤوا من القرآن كذا وكذا، فقال عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى: لو لم يفعل لكان حسن، قال: فنهره عمر بن الخطاب، قال: فذهبت مهموماً حتى دخلت داري، قال: ثم طرق الباب قال: أجب أمير المؤمنين، قال: فخرجت فقلت: يا أمير المؤمنين! والله ما أردت إلا خيراً، قال: ماذا قلت؟ وما الذي عنيت؟ قال: يا أمير المؤمنين! إنهم إذا قرءوا القرآن وأسرعوا فيه هذه المسارعة احتقوا)، يعني: كلهم يدعي أن الحق عنده، (وإذا احتقوا اختصموا، وإن اختصموا اختلفوا، وإن اختلفوا اقتتلوا)، أنا أحفظ القرآن، أنا أحفظ البخاري ، أنا أحفظ مسلم، ذاك يقول: أنا أحفظ كذا، ويظن أن المسألة بالحفظ، فتقع الفرقة والافتتان، يقول: (احتقوا) إشارة إلى بداية الفتنة بين المسلمين، كل يدعي أن الحق لديه، يقول: الحق عندي، وذاك يقول: الحق عندي، فإن احتقوا اختلفوا، وإن اختلفوا اختصموا، وإن اختصموا اقتتلوا.

وقد ظهرت الفتنة في أواخر عصر النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك في الأزمنة المتأخرة، وهذا ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، فلا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قُتل، والقاتل والمقتول في النار )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( والقاتل والمقتول في النار ) إشارة إلى أن السفك والدماء والقتل يكون في المسلمين لا يكون في الكفار؛ لأنه لو كان في الكفار لا يحتاج أن يكون قاتل ومقتول حتى يوجب النار، فهو داخل في النار ومات على كفره أصلاً، ولكن إشارة إلى أن المقتلة تكون بين المسلمين بسبب الاحتقاق، وكل يسوقه إما دعاة على أبواب جهنم، وإما سلاطين ظلمة، والناس رعاء، لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل، وتظهر مقاتل عظيمة جداً تحت إما مصالح دنيوية، أو دعاوى واحتقاق، كل يدعي أن الحق لديه، وليس لأحد من ذلك حق؛ ولهذا دائماً ينبغي الرجوع إلى أهل العلم في النوازل.

الفائدة من ذكر أشراط الساعة

السؤال: ما الفائدة من ذكر أشراط الساعة؟

الجواب: تقدم الكلام معنا أن أشراط الساعة تزيد من إيمان الإنسان، وتحثه على العمل؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( بادروا بالأعمال سبعاً )، وفي رواية: ( ستاً )، المبادرة بالأعمال هي المقصد من ورود هذه الكوارث والهزات، منها: موت الفجأة والزلازل، والأمراض، والاقتتال والفتنة؛ لأن الإنسان لا يدري متى تنزل به الفتنة، فمأمور بالإكثار من العبادة والطاعة حتى يقبضه الله عز وجل على ذلك، وإذا استحكمت الفتنة في الأرض الأولى بالإنسان أن يعتزل.

وبهذا كفاية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أشراط الساعة رواية ودراية [4] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net