اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على هذه الأمة بنعمة الإسلام، وفصل الله جل وعلا كل ما فيه من تفاصيل الخير وأجزائه أحسن تفصيل وأتمه، وذلك مقتضى الرحمة لهذه الأمة، ومقتضى الفضل الذي أعطاها الله جل وعلا إياه، فما من خير من الأعمال والأقوال والاعتقادات إلا وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إليه.
وما من شيء من الآداب والسلوك ومبادئ الأقوال والأفعال والأفكار والعقائد إلا والأمة على محجة بيضاء فيه ومنه، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته على هذه الأمة، ولهذا جعلها الله جل وعلا أمة الرحمة، وأمة الخير، وأمة الوسط.
والنبي صلى الله عليه وسلم جعله الله خاتم الأنبياء والمرسلين، وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن الأعمال بالخواتيم )، يعني: أن العبرة بخواتيم الأشياء، وأزكى الشيء خاتمته.
وقد جاء القرآن الكريم بمجموع ذلك الفضل، وجاءت السنة مفصلة لذلك المجموع، ولهذا عد وحي الله جل وعلا قرآناً وسنة رحمة وفضلاً، قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].
في قول الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ [الأنعام:82]، الله سبحانه وتعالى بيّن أن ثمة طوائف من هذه الأمة لم يلبسوا الإيمان بشيء من الظلم، وهذا الظلم الذي ذكره الله جل وعلا في هذه الآية لا يختلف العلماء أن المراد به الشرك، وهو أعظم الظلم.
وفيه إشارة إلى أهمية العقائد والأفكار التي ينزع الناس منها ويصدرون عنها أقوالاً وأفعالاً، وذلك أن الأقوال والأفعال التي لا يصدر الناس فيها عن عقائد لا يثبتون عليها، وذلك أن العقائد هي الأصول، وأما الأقوال والأفعال فهي فرع ونتاج لها، فما لم يكن له أصل ونتاج فإنه يبقى شيئاً يسيراً ثم يزول، ولهذا عظمت الأصول وعظمت الفروع التي تتكئ على تلك الأصول، وأصبحت الفروع التي لا تتكئ على أصول هزيلة ولا تبقى.
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تصحيح العقائد بمكة أكثر من عقد، لا يزول عليه الصلاة والسلام عنها، ولا يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من فروع الدين في ابتداء الأمر، وإنما دعا إلى تصحيح الأصول.
وأعظم الظلم وأشده هو أن يظلم الإنسان نفسه بتأصيل شيء مما يخالف أمر الله جل وعلا باطناً، وهو ما يسمى بالعقائد والإشراك مع الله جل وعلا غيره، ولهذا كان الظلم في لغة العرب هو أن يضع الإنسان الشيء في غير موضعه، وأعظم الظلم أن يضع الإنسان عمل القلب لغير الله.
والله سبحانه وتعالى خاطب القلوب والعقول قبل أن يخاطب الأبدان والجوارح، وذلك أن الإنسان قد يمتثل من غير اعتقاد، كما يخاطب الإنسان ولو كان منزوع العقل كالسفيه والمجنون وناقص الأهلية يخاطب بشيء من الأوامر فيمتثل فوراً، ولكنه لا يملك القياس لكي يلحق أسباب ذلك الأمر بكل أصل له إذا اقترن معه مرة أخرى أن يؤدي ذلك الفعل وذلك القول؛ لأنه لا يملك أصلاً، وإنما يحتاج معه إلى المبادرة أن يؤمر عند كل سبب يقتضيه، فهذا يمتثله إذا لم يكن لديه أصل، وأما أولو الألباب فلا بد لهم من أصول يتكئون عليها، فاختلفوا وافترقوا عمن نزع الله جل وعلا عنه العقل وأهلية الخطاب.
وقد جاءت الشريعة بتصحيح البواطن كما جاءت بتصحيح الظواهر، ولهذا كثير من الدعوات التي يدعون فيها إلى الموافقة ظاهراً مع عدم الموافقة باطناً، فهؤلاء دعوتهم لا تليق بدعوة أهل العقل، وذلك أن هؤلاء قد يتغيرون في أي زمن وفي أي لحظة عند أي سبب يصرفهم إلى هوى أو إلى شبهة أو إلى شهوة يحتاجون إليها؛ لأن غراس الأصل معدوم، فينصرفون إلى أفعال تشبع أهواءهم.
والمجتمعات التي لا تتكئ على عقيدة صافية، وعلى توحيد لله سبحانه وتعالى تتكئ على شيء من حظوظ الدنيا إن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها سخطوا.
وفي المجتمعات المادية، أو المجتمعات التي تدين بالولاء لغير خالق، إما لعرق أو لتربة أو لمال، أو غير ذلك، فإنهم يدورون مع ذلك الحظ بقي أو زال.
وأما الخالق سبحانه وتعالى فهو وحده جل وعلا له أهلية انصراف العبادة له جل وعلا فهي ثابتة لا تزول، ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله جل وعلا أن يدعو الناس إلى التوحيد، ولا يدعوهم عليه الصلاة والسلام إلى شيء من الأقوال والأفعال مجردة، وذلك أن الأقوال والأفعال إذا لم تتكئ على التوحيد فإنها تزول.
إن الأمر بتوحيد الله جل وعلا هو أمر سائر أنبياء الله، وهو دين الإسلام الذي أمر الله جل وعلا باتباعه كما قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما من نبي بعثه الله إلى قومه إلا ودعاهم إلى توحيده، فهو الذي يتفقون عليه، وأما الفروع وسلوكيات الناس والآداب ونحو ذلك، فإنها قد تتباين من ملة وشرعة إلى ملة وشرعة أخرى.
وإن أعظم عمل من الشر تقع فيه البشرية هو الإشراك مع الله جل وعلا، ولهذا خصه الله سبحانه وتعالى بجملة من الخصائص التي ليست لغيره، وهذه الخصائص هي أن الله جل وعلا جعل الإشراك هو أعظم الظلم، وإذا كان أعظم الظلم فعاقبته عند الله جل وعلا أعظم العواقب، وهي الخلود في النار، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ويقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو يشرك مع الله شيئاً دخل النار، ومن مات وهو لا يشرك مع الله شيئاً دخل الجنة ).
وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الله على عباده وحق العباد على الله، وأن مدار ذلك كله على التوحيد، وأنه إذا صح التوحيد تبعته الحقوق على سبيل التبع لا على سبيل الاستقلال، وإذا ثبت هذا علم أنه يجب على دعاة الربانية أن ينصرفوا إلى تصحيح البواطن وتصحيح العقائد، وتصحيح الأفكار قبل تصحيح الأقوال والأعمال.
إن كثيراً من الدعوات الزائفة التي تتكئ على الماديات، أو على اجتماع الناس على شيء من المبادئ الظاهرة، أو السلم المدني مع اختلاف البواطن، فإن هذه المجتمعات سرعان ما تتقاتل بينها إما على مادة، وإما على شيء من مصالحها أو شهواتها أو شبهاتها بحسب ما يختلفون فيه، ولهذا لم تبق شرعة كما بقي الإسلام، ولم تتآلف شرعة ما تآلف الإسلام وأهله، وذلك أن الله جل وعلا قد صحح البواطن فأصبح عليها الولاء.
وما من فتنة تقع في مجتمعات الإسلام إلا بحسب انحرافهم عن ذلك المبدأ الذي أسهل الله جل وعلا أمره، وأمر بالتآلف عليه كما في قوله جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103]، فإذا وقعت مقتلة أو فتنة في الإسلام فإن تلك الفتنة أو تلك المقتلة، وذلك الشقاق الذي يدب في الأمة هو بحسب انصرافها عن ذلك المبدأ الذي أسهله الله جل وعلا لها.
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة لا يسلط الله عليها عدواً من خارجها فيستبيح بيضتها، وذلك مقتضى بقاء الإسلام، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وذلك أن الله جل وعلا إذا حفظ أصل الدين يعني أن الأمة لا يمكن أن تستباح بالكلية، وإنما تستباح أطرافها، والفتنة تقع من داخلها، فإذا وقعت من داخلها فهو دليل على أنه ثمة من أبنائها من يتسلل عن هذا الأصل إما بنفاق أو بوفاق، وذلك شيء من الخروج عن مبدأ الإسلام وأصله.
إن الدعوة إلى التوحيد هي التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بتصحيح البواطن تهيئة للأقوال والأعمال.
إن كثيراً من الذين يؤصلون للعقائد والأفكار يدعون إلى ألفة وقتية محدودة ومضبوطة بزمن معين، ينظرون إليه من ثقب يسير، والله جل وعلا ينظر إلى البشرية ممتدة بأفكارها وعقائدها منذ أن خلق الله البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأما من يعيشون في زمن محدود وفي ساعات محدودة، فإنهم يؤصلون ويطلبون السلامة بتآلف محدود على مادة يتقاسمونها، فإذا نفذت تنكرت القلوب لبعضها فاقتتلوا، أو يتآلفون لنعرة قبلية، فإذا انقسم الناس في هذه النعرة القبلية والنسبية فإن شيخ القبيلة أو رئيسها له أبناء يتعددون، وهؤلاء الأبناء الذين يتعددون يتقاسمون الفضل، ويتقاسمون الخصيصة والمزية، أما الأفكار والعقائد فهي باقية تحمل على وجه الكمال، ولا يمكن أن تقبل التوريث لأحد بعينه، وإنما يحملها من وافقها قولاً وفعلاً ظاهراً وباطناً، ولهذا كان العلماء هم ورثة الأنبياء يتسابقون بأخذ الإرث، كما يتسابق أهل المادة بأخذ الإرث من مورثهم.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتباع نهجه وطريقته، يقول الله جل وعلا آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام ببيان تلك الطريق: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].
إن التأصيل لمسألة العقائد والمبادئ أمر يتكلم فيه أهل النظر، وأهل العقل من سائر الفلاسفة في سائر العصور والبلدان من فلاسفة الهند واليونان والرومان، وسائر أهل العقل حتى من الجاهلية المظلمة، وحتى من أرباب الإلحاد الذين لا يؤمنون ظاهراً بخالق، وإن آمنوا بنزعة فطرية إلى وجود خالق يميلون إليه عند نزول ضر أو كرب فيهم، يؤصلون إلى أهمية المبادئ، وأهمية ضبط القوانين البشرية ودساتيرها التي ينصرفون وينزعون منها، ويصدرون عنها بتأصيل حياة الناس ظاهراً وباطناً، حالياً أو مستقبلاً، وهذا فيه إشارة إلى السنة الكونية التي أراد الله جل وعلا أن تنضبط فيها حياة البشر، وذلك أن البشر لا يمكن أن ينضبطوا إلا بالإيمان بضعفهم.
والله سبحانه وتعالى قد بيّن أن الناس لا يمكن أن تستقر أحوالهم إلا مع انضباط المعلوم لديهم، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، فالعلم القليل هو الذي تنضبط به البشرية، والقلة نسبية تتباين من جهة الإدراك من فرد إلى غيره، فالله جل وعلا قد أنزل الوحي على البشر، وجعله على سبيل الاقتصاد، يعني: أنه لا يغلب على أفعال الناس وأقوالهم، فينقلب الناس من عبودية تمتزج بشيء من أعمال الدنيا إلى رهبانية ينقطع معها الناس.
وإنما ضبط الله جل وعلا العبادة، وحرم الزيادة عليها بحيث لو أن الإنسان أراد أن يزيد في العبادة لم يجد وابتدع، فحد الله جل وعلا الأقوال والأعمال بحدود الإحداث والإبداع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
إن الشريعة جاءت بقدر محدود، وما جعلت للإنسان الفسحة أن يتعبد كيفما شاء، وإنما جاءت عبادات مرسومة لا يستطيع الإنسان أن يخرج عن الطريق يمنة ولا يسرة، فإن خرج ابتدع وأحدث، ولهذا جاءت الشريعة بضبط علم محدود لا يزاد عليه، وإن كانت الزيادة من جهة النظر ممكنة للإنسان بالقياس نظراً، ولكنها من جهة العمل ابتداع ومحاربة لدين الله سبحانه وتعالى؛ فالزيادة في الدين إفساد فيه، والزيادة من أمر الدنيا والعلم إفساد فيه.
وجعل الله جل وعلا أعمال البشرية محدودة منضبطة، والزيادة فيها تدل على الزيادة في كسب المعلوم الذي يرجع على الإنسان بفساد دينه ودنياه، ومن نظر إلى أحوال الناس في الماديات من ابتكار كثير من الصناعات وغير ذلك، كالأسلحة التي تفتك بالبشرية، فمن صنع القنبلة النووية والذرية فإنه يملك من العمر الستين والسبعين والمائة، فإذا جعل الله جل وعلا له من العمر أكثر من ذلك ألف سنة وألفين، ماذا يصنع رجوعاً إلى البشر بحياته.
وجعل الله جل وعلا للبشر أمراً معلوماً من العلم مقدراً تصلح به حياتهم، فإن زادوا عن ذلك وخرجوا عن ناموس الحياة فسدت الحياة، ولهذا في قول الله جل وعلا: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85] إشارة إلى أن عقل الإنسان وإدراكه لا يمكن أن يستوعب الفيضان من العلم، وإنما يدرك شيئاً من جهة إدراكه، وإن أدرك الزيادة عنه لا يمكن أن يدرك التصرف فيه.
والإنسان إذا وضع لديه أو بين يديه دساتير ممتدة من أجزاء أو مصنفات أو أفكار فإن هذه الأفكار تحتاج إلى عمل، وإذا ضاق عمر الإنسان عنها أخذها على سبيل السرعة والعجل، فاتخذها على سبيل الارتجال، والعلوم إذا أخذها الإنسان على سبيل الارتجال أضرت به ولم تنفعه؛ لهذا جاءت الشريعة على سبيل الإجمال في العقائد، وأمر الله جل وعلا الإنسان أن يؤمن بالخالق وأحقيته بالعبادة، وكذلك ضعف الإنسان أن يسلم أنه بحاجة إلى معبود يعبده، وبحاجة إلى مغيث ينصره عند وجود الملمة في هذه الأرض، فانقسم الناس في ذلك على أطياف متنوعة بطلب الخالق جل وعلا، منهم من ضل بفكره، ومنهم من دله عقله بتوفيق من الله جل وعلا إلى شيء من قبس الوحي، فاهتدى بالعقل إلى شيء من أهداب الشرع فتمسك بها، فدلته إلى نور الوحي، فكان الوحي دالاً في المآل، والعقل دالاً له من جهة الابتداء.
ورسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قد اختصر الطريق على البشرية، فدل الناس إلى توحيد الله بنص الوحي، فلا أعلم من أحد منه بنفسه، والله جل وعلا قد دل البشرية إليه، وبيّن حقه سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وإفراده جل وعلا في هذه الأبواب، وأنه لا يشاركه جل وعلا أحد من خلقه في هذا الباب، ولهذا قال الله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
والعقل إذا أراد أن يصل إلى هذه النتائج التي دل عليها الوحي فهو بحاجة إلى عمر مديد، وبحاجة إلى نظر طويل ربما لا يكفي فيه جيل، والله جل وعلا قد حمى البشرية من مثل ذلك، فإن مقتضى التكليف ومقتضى الرسالة أن الله جل وعلا لا يعذب أحداً حتى يبعث إليه رسولاً؛ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ولهذا كلف الله جل وعلا البشرية بهذا النص البين المحكم، وأوجب على العباد أن يرجعوا إليه، وأن يلتمسوا الهدى منه، وأن هذا القرآن المنزل كافٍ للبشرية إذا أرادت أن تفهم تلك اللغة، وأن تفهم تلك الشريعة فيكفيها مجرد السماع؛ لهذا قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6].
إن توحيد الله جل وعلا مع أهميته للبشر من جهة صلاح بواطنهم وظواهرهم وطمأنينة النفس والروح، وإقبالها وسيرها في هذا الكون الذي لا تطيق خفاياه، وتعتمد في كفاية الشرور الخافية والظاهرة إلى خالقه، فتتكل عليه وتعتمد عليه في كل حال وفي كل قول تنشئه أو فعل، فإن ذلك يورث طمأنينة في النفس، فإن آثار هذا التوحيد على البشر ظاهرة، ولو أراد الإنسان أن يحصيها لما استطاع أن يوجد عشر معشارها من جهة الفضل عليه، وأما من جهة مغبة عكس ذلك، فإنه الإشراك مع الله جل وعلا.
وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن الإشراك مع الله جل وعلا غيره أعظم الظلم، قال الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، لما نزلت هذه الآية شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما قالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود ، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إنه ليس كما تظنون، إن الظلم هو الشرك، أولم تسمعوا لقول العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟ ).
وإنما سمى الله جل وعلا الشرك ظلماً مع كون الذي يتبادر إلى أذهان الناس أن الظلم هو التعدي على حقوق الآخرين، من جهة الأموال والأعراض والدماء، ولكن الله سبحانه وتعالى بيّن أن أعظم ظلم تقع فيه البشرية هو ظلم العقائد والأفكار، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد خلق القلوب والضمائر والأنفس، وأوجب أن تتوجه إليه عابدة خاضعة متوسلة متضرعة متوكلة مستكينة، ترجو الله سبحانه وتعالى، وتخافه جل وعلا فيما تأتي وتذر، فإذا انصرفت لغيره فإنها ظالمة، ولهذا كان الظلم الباطن في نفس الإنسان أعظم الظلم، وعليه مدار الولاء، وعليه مدار البراء.
وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في أصحابه، فتوالوا على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ولغتهم فكانوا أمة واحدة؛ لأن الحبل الذي تمسكوا به هو حبل الله المتين؛ قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، فسمى الله جل وعلا الإسلام والعقيدة والتوحيد حبل الله.
وقد جاء تفسير هذا الحبل بلا إله إلا الله عن غير واحد من المفسرين، فبينه الله جل وعلا بالحبل وشبهه به، إشارة إلى أن الحبل متدل، والمتمسك به غريق، أو اللي يريد من ذلك نصرة وأن الذي دلاه هو مرتفع عنه، وفيه إشارة إلى ضعف الإنسان، وفيه إشارة إلى المزاحمة على ذلك الذي يمسك به الإنسان، وأن الإنسان الذي يريد أن يجد في ذلك طريقاً يحتاج معه إلى نظر وتأمل، وكذلك إلى أن يصل بين هذا الزحام حتى يجد الإنسان في ذلك متسعاً، وأن التمسك بالحق مع كونه سهلاً من جهة الاسترشاد والدلالة إلا أنه من جهة العمل والقبض من الأمور الشاقة والكلف، وإذا كان هذا قد ظهر في زمن الحجج الظاهرة البينة المعجزات في زمن أنبياء الله جل وعلا فإنه في زمن أتباعهم من باب أولى.
والله سبحانه وتعالى جعل التوحيد حبل الله جل وعلا المتين، وأمر بالاستمساك به جماعة، وما أمر به على سبيل الانفراد؛ لأن الانفراد مهما كان الإنسان على الحق فيه، فإنه يضعف مهما كانت حجته قوية، وركن إلى ركن عظيم، وهذا إذا كان في أعظم البينات ظهوراً والحجج فإنه في أدناها أو في الأمور الغامضة التي لا يلتمس الإنسان لها تعليلاً في الظاهر فيجد لها استئناساً في قلبه ويستمسك بها أولى، ولهذا أمر الله بالاستمساك بالتوحيد جماعة؛ لأنه أثبت، فما دونه من باب أولى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في المسند والسنن من حديث أبي الدرداء: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، وذلك فيه إشارة إلى حال الإنسان من جهة الجماعة، وحال عدوه، فأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الذئب يتهيب أحوال البهائم، وهي منزوعة العقل، وهو يعلم أن حاجته إذا أتاها إلى الجماعة فإنه يجد نصيبه وحقه منها، ولو كانت مجتمعة، ولكنه يتهيب الجماعة كحال الشيطان والهوى، ونزوات النفس، فإن الإنسان يتمحض إلى الحق، ويبعد عنه الشيطان ورأي الباطل إذا كان مع جماعة، ولو كان هؤلاء الجماعة إذا انفردوا في أنفسهم واتفقوا من جهة القرب من الشر والبعد عن الخير.
ولهذا وجب أن يعلم أن الجماعة في الباطل تكون أقوى من المنفرد وحده بالحق، وذلك أن للظواهر أثراً في نفس الإنسان، فيجب عليه أن يأخذ بها، والرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بادر إلى تطبيق كثير من الفروع الظاهرة إلا حينما كثر المآزرون من أصحابه عليهم رضوان الله تعالى من المهاجرين والأنصار.
إن دعوة التوحيد بحاجة إلى جماعة تدعو إليه، ودعوة الفرد يكتنفها شيء من المخاطر والصعوبة، ولا يعرف على مر العصور وعلى مر البشرية أن المجتمعات قد وقعت في الشرك كلها، ودعاها واحد إلى التوحيد وأجابته إلا أن يكون ذلك الواحد نبياً مؤيداً ومنصوراً من الله جل وعلا، وقد جعل الله النصرة لذلك الفرد كما في قوله جل وعلا: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة:40]، فالنصرة لهؤلاء الأفراد الأنبياء تختلف عن النصرة لغيرهم، وأما الدين والإعانة عليه فإنه لا يمكن أن يكون لغير الأنبياء إلا بالجماعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح وغيره: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق )، فجعل الظاهرين على الحق جماعة، وما جعلهم فرداً واحداً، وهذا أمر معلوم، والحديث عنه والدلالة عليه من الكتاب والسنة مما يطول جداً، وإنما نتكلم هنا عن نقيض ذلك الحق أي التوحيد، وهو الإشراك مع الله جل وعلا غيره.
في قوله سبحانه وتعالى: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13] على لسان العبد الصالح لابنه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، إن الإشراك مع الله سبحانه وتعالى غيره أعظم ظلم تقع فيه البشرية، وهذا التفسير للظلم في الآية السابقة فيه معانٍ متعددة، أولها ما يتعلق بمعنى الظلم، وحقيقته، وكذلك أنواعه.
ويتفق العلماء على أن المراد بالظلم في هذه الآية هو الإشراك مع الله جل وعلا، وهذا محل اتفاق عند المفسرين من السلف من الصحابة والتابعين، وقد جاء تفسير ذلك عن أبي بكر و عمر و أبي بن كعب و حذيفة و سلمان و قتادة و الضحاك و ابن سيرين وغيرهم عليهم رحمة الله، أنهم يفسرون الظلم في قوله جل وعلا: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] أنه الإشراك مع الله جل علا غيره، وهذا لا خلاف عندهم فيه.
وإنما يختلفون في هذه الآية هل هي خاصة بهذه الأمة أو خاصة بغيرها من الأمم كملة إبراهيم؟
والذي عليه عامة السلف أن ذلك عام، وهو أقرب إلى تخصيص هذه الأمة من غيرها، وإن كان هذا السياق يظهر في إيراده على إبراهيم الخليل، وإنما العبرة بعموم اللفظ ودلالته، لا بتخصيص السياق؛ فإن القرآن جاء لأمة محمد، وجاء تبياناً لكل شيء، وأن تهتدي به أمة الإسلام، ولا يقال: إن الآية تنزل ويراد بها غير هذه الأمة من جهة أمة الدعوة.
إن التحذير من الإشراك مع الله جل وعلا غيره، وجعله في أعظم الظلم؛ لأن الأفعال تنشأ عنه على هذا النحو، فتظلم الأنفس، وتظلم الأموال، وتظلم الدماء، وتظلم الأعراض تبعاً لذلك، وهذا أمر معلوم، ومن نظر إلى حياة البشر في الناس يجد أن الناس يتظالمون بحسب انصرافهم عن أمر العقيدة، وذلك أن الله جل وعلا قد جعل الأقدار والأحوال القدرية التي يعيش فيها البشر لا يمكن أن تصح أو تتكئ على مبدأ معين إلا على العقيدة، وذلك أنهم إذا اتكئوا على عرق فالأعراق متنوعة، وإذا اتكئوا على نوع ولون، فالألوان والأعراق متنوعة، وإذا اتكئوا ووالوا على بلد بعينه، فالبلدان متباينة ومتشتتة، وإذا اتكئوا على شيء من أطباق الناس من جهة الغنى والمال، فالناس يتباينون في ذلك، وإذا اتكئوا على العلم فالناس يتباينون من جهة المدارك لهذا الأمر، وأما من جهة ما يمكن للجميع أن يأخذوه فقراء وأغنياء ما اختلفت ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وبلدانهم هو قضية العقائد والأفكار التي من حملها استحق الولاء والبراء.
وقد جاءت الشريعة بتأصيل الولاء والبراء على أمر العقائد ونبذ ما سواه؛ لأنه لو أرادت البشرية أن تجتمع على غيره فإن هذا من الأمور المحالة، والشريعة تأتي مواكبة لأمر الفطرة، وسنن الكون لا يمكن أن تخالفه بحال، وإن استقرت أمور البشر على نمط معين أو أمر السلامة إذا اجتمعت على عرق أو اجتمعت على مادة ونحو ذلك، فإن هذا سرعان ما تتحول عنه، متى ما تحول ذلك المبدأ الذي تحولوا عنه، أو ربما يجتمعون كما يجتمع الغرب الآن على مبدأ المادة أو الرأسمالية، أو مبدأ الحريات، أو مبدأ من النظريات المادية في الأفكار أو نحو ذلك، ولكن هذا لا يعني سلامة العرق البشري بكامله، ولهذا يظهر الظلم منهم لغيرهم بقتل كثير من الأنفس، واستباحة الأعراض ونحو ذلك، ولا سلامة للبشرية أن تجتمع إلا على اتحاد عقيدة، وسلامة باطل، فإن هذا هو الذي يصدرون عنه على حد سواء في وفاق تام.
إن الظلم إذا أراد الإنسان أن ينظر إليه بجميع أقسامه في الشرع يجد أنه على نوعين:
النوع الأول: هو ظلم الإنسان لنفسه، وأعلى هذا النوع هو ظلم الإنسان لنفسه بالإشراك مع الله جل وعلا غيره، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في أعلى الظلم.
ويلي ذلك ظلم الإنسان لنفسه بالذنوب والمعاصي القاصرة عليه التي لا يشاركه في ذلك غيره من البشر، فهذا ظلم للإنسان في نفسه، كتقصير الإنسان ببعض الأعمال الواجبة، تقصيره في الصلاة، في شهود الجماعة، أو تقصيره في الصيام، أو وقوعه في شيء من المعاصي اللازمة عليه كشرب الخمر، أو الغيبة أو النميمة، أو غير ذلك من المحرمات اللازمة، وهذا من ظلم الإنسان لنفسه.
النوع الثاني: ظلم الإنسان لغيره، وظلم الإنسان لغيره على عدة أنواع: ظلم في الأموال وهو أولها، وظلم في الأعراض وهو ثانيها، وظلم في الدماء وهو ثالثها، وهي على ثلاثة أنواع لا تخرج عنها، ومنهم من يخرج شيئاً آخر وهو ظلم العقول، وظلم العقول وحفظها وإن كان من الضروريات الخمس التي صانها الشارع، فإنها موزعة بين الثلاثة هذه وبين النوع الأول، وهو ظلم الإنسان لنفسه بالإشراك مع الله جل وعلا غيره.
إن الظلم هو ما يسود في البشرية فيه الفساد، وينتشر فيه الأمر، ولهذا جاء انتظام الظلم على هذه المراتب.
أما ظلم الإنسان لنفسه بالإشراك مع الله عز وجل غيره، وهو أول الطريق، فإن دخل الإنسان فيه، فإنه يتعدى على الباقي بحسب اختلاف غيره معه في هذا النوع، وإن صححه فإنه يسلم للبشرية جمعاء ذلك الأمر، ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاتل اليهود والنصارى لكي يدخلوا في الإسلام، وإنما قاتلهم لتقوية الإسلام من سطوتهم، فلا تكون لهم مكانة على الإسلام، ولهذا قبل لهم أن يعيشوا تحت ظل الإسلام مع إعطاء الجزية فتحفظ لهم حياتهم، ويحفظ لهم الأمن، ويحفظ لهم العرض، وتصان لهم الدماء، وذلك حتى يكونوا تحت الإسلام لا فوقه، وفي هذا إشارة إلى أن مقاتلة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعداء الملة والدين مع كونها مقاتلة للإسلام، إلا أن المراد بذلك هو حفظ إسلام المسلمين لا أن يدخلوا على سبيل الإسلام بأعيانهم، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، وما قال جل وعلا: حتى يدخلوا في الإسلام، وهذا من جهة الدخول في الإسلام موجه إلى الوثنيين.
والوثنيون حينما كانوا بيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوامه الذين معه لم يكن يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيشوا معه على الكفر؛ لأنه لا يجوز أن يبقى في جزيرة العرب دينان، ولا أن يبقى في المسجد الحرام إلا مسلم، فلا يقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم إلا الإسلام، وإذا أمرهم بمغادرة المسجد الحرام وأوطانهم لم يغادروها فوقع حينئذٍ القتال على البلدان، وما وقع على العقائد، فأرجع الأمر على المقاتلة في أمر العقيدة ليدخلوا في دين الإسلام حفاظاً على نواته وأصله التي ينشأ منها.
وإذا أردنا أن ننظر إلى النوع الأول وخطورته على الإنسان نجد أن الخطورة لازمة ومتعدية.
وأما بالنسبة للظلم الثاني وهو ظلم الإنسان لغيره، وهو النوع الثاني من أنواع الظلم فتكمن خطورته أن ظلم الإنسان لغيره يشترك مع الشرك من وجه، وينفصل عنه من وجه، يشترك مع الشرك في كونه لا يغفر للإنسان، وأما الانفصال عنه فإنه ينفصل عنه أن الإنسان لا يخلد في النار إن عاقبه الله سبحانه وتعالى بذلك الذنب.
وأما كون حق الإنسان عند غيره لا يغفره الله جل وعلا لصاحبه، وذلك أنه لا بد فيه من إعادة الحق لصاحبه، والتوحيد إن وحد الإنسان ربه فإنه أعطى الحق صاحبه وهو الله جل وعلا، وإن ظلم فإنه سلب حق الله جل وعلا، وجعله في مخلوق وضيع، فسأل غير الله جل وعلا والمستحق في ذلك الله.
ولن يبلغ الإنسان مهما فعل من ضر الله جل وعلا، ولكن الله سبحانه وتعالى توحيده يجب أن يصرف له، والله جل وعلا إذا نازعه عبده شيئاً من خصائصه لا يعني أن الإنسان يصل إلى الله جل وعلا ضراً، يقول الله سبحانه وتعالى: ( الكبرياء ردائي )، يعني: أن الله جل وعلا مختص بذلك، ومن نازعه فإن ذلك لا يعني أنه يسلب ذلك الحق، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علواً كبيراً. بخلاف النوع الثاني فإن الإنسان إذا نزع الحق من غيره سواءً من مالٍ أو دماء أو عرض، فإن ذلك يتضرر بذلك المسلوب، ولا يتوب الإنسان بأي نوع من أنواع التوبة إلا بإعادة الحق إلى أصحابه.
وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن التوبة متنوعة، وأن الله جل وعلا يكفر الذنوب التي يقع فيها الإنسان بأنواع المكفرات:
الأول: الاستغفار والتوبة ومبادرة الإنسان بطلب الغفران من الله جل وعلا.
الثاني: الحسنات التي تذهب السيئات، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، وأيضاً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
وكذلك من وجوه التكفير ما يلحق للإنسان من مصائب وهموم وأمراض وأسقام، فإن الله جل وعلا يكفر بها من خطاياه.
وهذه المكفرات لا تطرأ على النوعين: الإشراك مع الله جل وعلا غيره، وهو أعظم الظلم، ولا تطرأ أيضاً على النوع الثاني وهو ظلم الإنسان لغيره، فإذا ظلم الإنسان غيره كأن يكون أخذ ديناً ولم يعده لصاحبه أو لطم رجلاً ولم يقتص منه فإن الله جل وعلا لا يكفره لصاحبه حتى يعاد الحق لصاحبه، بصور الإعادة التي أوجب الله جل وعلا أن يعود الحق بها.
وأما من استغفر من ذلك الحق أو أكثر من الحسنات يرجو الله جل وعلا أن يغفر له فإن ذلك محال.
وقد أخذ الله سبحانه وتعالى على نفسه أن حقوق العباد لا يسقطها الله لعبده حتى ترجع للإنسان وفاءً؛ لأن ذلك المسلوب من ذلك العبد لا يمكن أن يرجع حظه إلا بإعادته بعينه.
أما الله سبحانه وتعالى فإذا سلب الإنسان التوحيد، وصرفه إلى صنم أو وثن، وتاب الإنسان من ذلك، وأعاد التوحيد لله جل وعلا فلا يعني أن الله سبحانه وتعالى قد كمل بإعادة ذلك الحق، بخلاف الحق المسلوب من بني آدم، فإن الإنسان إذا أعاد الحق المسلوب إليهم، فإن فيه تمام نقص، وذلك لا يعود بالإدانة بالولاء والمدح والثناء ونحو ذلك.
وقد جعل الله جل وعلا حقوق العباد لا تعود بالإقرار إقرار الإنسان بالفضل والاعتراف بأن فلاناً قد ضربه، وأنه قد أخطأ بذلك؛ لأن الإقرار بذلك الذنب لا يكفر ذلك الذنب الذي وقع فيه، وإنما يجب على الإنسان أن يعيد الحق لأصحابه.
ويخطئ كثير من الناس عندما يظنون أن حقوق العباد ومظالمهم تعود إليهم، ويبرأ الإنسان منها وتمحى من صحيفته بمجرد التوبة والاستغفار والإنابة، وهذا من الخطأ والوهم المحض، وذلك أن الله جل وعلا قد بين أن الحقوق لا تغفر على الإنسان إلا بإعادتها إلى أصحابها.
وهذا مقتضى عدل الله جل وعلا على عباده، وهذا ظاهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة : ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها، وليقتصن الله من الشاة القرناء للشاة الجماء )، فيه إشارة إلى أن البهائم تكلف، وتكليفها فيما بينها في الحقوق، وليس في صرف العبادة التكليفية التي تؤدى إلى الله جل وعلا كما يؤديها بنو آدم، وهذا التكليف تدركه على نحو يتوجه الخطاب إليها، وفيه إشارة إلى أن الحقوق بين بني آدم مفصلة، وقد بينها الله جل وعلا، فيكون العدل فيها في الدنيا، ويكون في الآخرة.
ومن ظلم أحداً من العباد بأحد أنواع المظالم الثلاثة بالأموال والأعراض والدماء وجب عليه أن يعيد الحق المسلوب لأصحابه بأحد وجوه الإعادة.
ووجوه الإعادة إذا كان في الأموال أن تعاد أموالاً، وإذا كان في الدماء وجب أن يكون ذلك بالقصاص أو بالعفو، وأما بالنسبة للأعراض فيكون بالاستحلال، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها من قبل أن يأتي يوم لا دينار فيه ولا درهم )، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وغيره، وأصله في الصحيح معلقاً كما جاء في حديث جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة، فيناديهم الله جل وعلا بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، فيقول الله جل وعلا: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وعنده حق لأحد من أهل النار حتى أقصه منه حتى اللطمة. قالوا: يا رسول الله! كيف وإنا نأتي الله جل وعلا حفاة عراة؟ قال عليه الصلاة والسلام: بالحسنات والسيئات ).
وفي هذا بيان لعظم الظلم المتعدي، ولهذا نستطيع أن نقول: إن الظلم على نوعين: ظلم متعدٍ، وظلم لازم، والظلم المتعدي عظيم من وجه أنه يفتك بالإنسان، وأعظمها وبالاً عليه، وضرراً في نفسه، وإهداراً لعاقبته، وفساداً لآخرته، وجاء في الصحيح من حديث أبي ذر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأصحابه: ( ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس فينا من لا دينار له ولا متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال، ويأتي وقد لطم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن لم يكن لديه حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار )، فيه إشارة إلى أن الوهم في حق المظالم أنها تكفر بالتوبة والاستغفار، أو بالحسنات التي تمحو السيئات يطرأ حتى على بعض الصالحين وأهل الديانة وخير القرون، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصحح ذلك الوهم، وأن هذا من الخطأ، فإن مظالم الغير يجب عليها أن تعود لأصحابها.
أما الظلم اللازم للإنسان فإنه يكفي من ذلك الإقرار بالخطأ، فإن هذا كافٍ لسلوك طريق الحق، فإن الإنسان إذا شرب الخمر، أو فرط في الواجبات، فبمجرد استغفاره يتوب الله جل وعلا عنه إن صدق ظاهراً وباطناً، وكذلك الإنسان إن فرط في شيء من الواجبات كالصلاة والصيام وغير ذلك، فإن عاد إلى الجادة وتاب من الذنب تاب الله جل وعلا عليه، وهذا ظاهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعمرو بن العاص كما في صحيح الإمام مسلم قال: ( الإسلام يهدم ما قبله، والهجرة تهدم ما قبلها )، وهذا فيه إشارة إلى أن الإنسان إن تاب تاب الله جل وعلا عليه في الذنب اللازم منه.
وأما بالنسبة للمتعدي فلا بد من الوفاء وإعادة الحق لصاحبه، وهذا فيه إشارة إلى عظم التوحيد وعظم الإشراك أيضاً مع الله جل وعلا غيره، وأيضاً عظم الحقوق التي تكون بين العباد.
وأما الشق الآخر الذي يحسن أن نتكلم به، وهو ما يتعلق بالأمن المذكور في الآية في قول الله جل وعلا: أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].
إن الأمن الذي أراد الله سبحانه وتعالى بيانه في الآية: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، جعل الله سبب ورود الخوف هو الظلم، وورود الأمن لا يكون إلا بالسلامة من الشرك بجميع أنواعه، فإذا قلنا: إن الشرك هو الظلم، يعني من ذلك أنه لا بد أن يتحقق مع الشرك الخوف، وأن يتحقق مع التوحيد الأمن، فإذا قلنا: إن التوحيد يكون في الدنيا، فيلزم أن يكون الأمن في الدنيا أيضاً، وإذا قلنا: إن الشرك يكون في الدنيا، فيلزم أن يكون الخوف أيضاً في الدنيا.
وإذا قلنا أيضاً: إن الأمن يمتد إلى الآخرة بالإجماع فيلزم أيضاً أن يكون الخوف أيضاً بالآخرة بالاتفاق، فإن الظالم في الشرك في الدنيا مخلد في النار، وكذلك فإن الموحد في الدنيا يأمن من الفزع.
وإذا أردنا أن نفسر الأمن في الدنيا، وأن نربطه بالتوحيد والخوف، وأن نربطه بالشرك نعلم أن الأمان واجتماع كلمة الناس لا يمكن أن تتحقق إلا بتوحيد الله جل وعلا كما تقدم بيانه، وهذا يظهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الصحيح من حديث أبي موسى أنه قال: ( النجوم أمنة في السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد )، فاستعمل النبي عليه الصلاة والسلام لفظ الأمن، ويقابله الخوف والفزع، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ).
وذلك الأمن والأمان الذي ربطه النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأسباب المسببة لذلك الأمن فيه إشارة إلى أن المراد بالأمن هو الأمن من الخوف والفزع والاختلاف والفرقة، وإلا فلا معنى لذلك الأمان، وفيه إشارة إلى أن اجتماع كلمة الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا بالتوحيد.
وإن أعظم الدعوات المناقضة للتوحيد التي تزعم جمع كلمة الأمة على شيء من الدعوات المادية أو الفكرية، أو من الدعوات العقلية أو اجتماعهم على المادة أو تقاسم الملك أو تقاسم السلطة، أو تقاسم المال، أو تقاسم حظوظ المادة ونحو ذلك مما يسمى بالديمقراطيات، أو الحريات اللبرالية والعلمانية، أو غير ذلك مما يتداعون إليه بتقاسم البشر من جهة الحظ في الدنيا، ويرغبون من ذلك تحصيلاً للأمان، يقال: إن ذلك أمر محال، وإن تحقق في زمن أو بيئة أو عرق فإنه لا يتحقق على البشرية جمعاء، وذلك أمر معلوم، وذلك أن البلدان تتباين من جهة الفقر، فقارات فقيرة، وقارات غنية، وقارات لها أعراق وأجناس تتباين عن قارات أخرى، فعلى أي نحو يكون الولاء؟ فإذا كان على مادة فالمادة تتباين، وإذا كان على عرق فالأعراق تتباين كما تقدم تأصيل ذلك وبيانه.
وقد بين الله جل وعلا أن أمن البشرية لا يمكن أن يكون إلا بتوحيده سبحانه وتعالى، وأن المجتمعات كلما وجد فيها شرك وجد فيها الخوف والهلع، خوف في الدنيا وخوف في الآخرة، وهذا أمر معلوم، فإن الاستبداد في الأمة لا يتسلط على الأمة إلا مع وجود الظلم، وذلك الظلم أعظمه هو الإشراك مع الله عز وجل.
وإذا نظرنا إلى توحيد الله نرى أنه يجب أن يتوفر في ربوبية الله سبحانه وتعالى، أن يتمحض الناس وأن يتخلص عبادة لله، وفي ألوهيته، وفي اعتقادهم في ذات المألوه في أسمائه وصفاته، كذلك في حق الله جل وعلا في الحكم في الفصل بين العباد في أمر الأموال والدماء وغير ذلك، وهذا ما يجب على الدول والسياسات والنظم أن يحكموا بأمر الله جل وعلا كما في قوله جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65].
فإذا نقص أمر الله جل وعلا من جهة الامتثال تسلط عليها الحكام الظلمة، وتسلط عليها أهل الاستبداد والبغي والظلم مهما اختلفت أجناسهم وأنواعهم، وذلك سواءً كانوا أهل وجاهة ومال، أو كانوا أهل سلطة ورأي، أو كانوا أهل سيادة على أرض أو غير ذلك، فإن الله جل وعلا يسلط بعضهم على بعض، فإذا نقص ذلك التوحيد والعدل في الأرض، فلم يصدر الإنسان عن عدلٍ ظاهراً وباطناً مع الله جل وعلا ويتحقق فيه جميع العدل فإنه لا بد أن يتحقق فيه نوع من أنواع الظلم، وإذا تحقق فيه نوع من أنواع الظلم صدر عن ظلم فظلم غيره.
ولهذا نجد كثيراً من الدول التي تطبق بعض أنواع العدل مع الله في توحيد الله جل وعلا أو العبودية الظاهرة بين الشعوب، ويخطئون في العدل مع الله جل وعلا في أمر الحكم، وتنفيذ أحكام الله جل وعلا، وأن الله جل وعلا هو المتفرد في التشريع بسن قوانين البشرية، وضبط أحوال الناس، وجعل مساحة عريضة تضبط بها البشرية أمرها، ويكون أمرهم شورى بينهم على حد لا يخرج البشرية عن حدود التوحيد، فيدخلوا في حمى الإشراك مع الله جل وعلا.
وإذا لم يكونوا كذلك فإنهم يقعون في مخالفة أمر الله بابتكار نظم وقوانين، ويسنون تشريعات تخالف ما أمر الله جل وعلا به، فيقع الظلم فيما بينهم في باب من الأبواب، ويقع الخوف بينهم، ولهذا نجد في كثير من الدول التي تنتسب للإسلام يتعبد الناس لله جل وعلا، ويوحدون ولكن نجد أن الدول لا تحكم بأمر الله، ولا بتوحيده، فيقع الظلم في الفجوة في الصلة بين الحاكم والمحكوم.
وأما في أمر الناس فيما بينهم، فإن العدل ماض، لماذا؟ لأنهم قد امتثلوا أمر الله جل وعلا فيما بينهم.
وأما جانب العدل الذي بينهم وبين الحاكم وما يصدر من المحكوم نحوهم، وما يصدر من الحاكم نحو المحكوم ظلمات مبتكرة تخالف أمر الله، فوقع في ذلك اختلال ميزان الأمن الذي وعد الله جل وعلا به، وكأن الله سبحانه وتعالى يجعل شرط أمان المجتمعات هو ورود العدل.
وورود العدل في البشرية -وهو توحيد الله جل وعلا وامتثال أمره- يتبعه الأمان والاستقرار في المجتمعات، وحينما تنعكس الآية في المجتمعات، فيلتمسون الأمن، وينظرون في نظريات الاستقرار للمجتمعات والعيش الرغيد، والنظر إلى قواعد استقرار المستقبل ويربطونه بالمادة، أو يربطونه بالسياسات المدنية ونحو ذلك بعيداً عن إقرار أمر الله جل وعلا الذي جاء لصلاح البشرية في أمر المال، وما يتعلق بالاقتصاد، وما يتعلق بالسياسة، وما يتعلق بالاجتماع، وما يتعلق بالأسرة، وما يتعلق بالأعراض على سبيل العموم، وما يتعلق بالدماء وغير ذلك، وما يتعلق أيضاً بكثير من الأمور التي تورث، سواءً كانت أموالاً أو كانت معانياً.
وكذلك التوسع في أمر الأموال والإسراف فيها، وما يتعلق بالبغي والظلم في هذا الأمر بقدر مخالفة أمر الله جل وعلا بقدر ما يكون الظلم ظاهراً، وكذلك الخوف وهو تبعة لمخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.
وبهذا نعلم أن كثيراً من قوانين البشر التي يسعون إليها ويجتمعون على سنها من دساتير الدول وأنظمتها إذا تجردت من العدل التام وهو حكم الله جل وعلا، فإن ذلك الأمان الذي أراده الله سبحانه وتعالى لهذه البشرية ينقص بحسب بعدهم وتفريطهم عن أمر الله جل وعلا ومراده، وهذا كما أنه في البشر فيما بينهم أفراداً وجماعات يظهر في الإشراك مع الله جل وعلا غيره، كذلك يظهر في ظلم الإنسان لغيره على الأنواع الثلاثة.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى الأمان متعدياً حتى إلى البهائم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها، وليقتصن الله للشاة القرناء من الشاة الجماء ) إشارة إلى أن الخوف والهلع يكون بين البهائم كذلك إذا لم تقم بالعدل فيما بينها، ولهذا يذكر بعض العلماء أن للبهائم عقلاً في بعض التكاليف ربما يوازي في بعض الأبواب ولو كانت ضيقة عقول البشرية.
نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
https://audio.islamweb.net