اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأحاديث المعلة في الطهارة [28] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأول أحاديث اليوم، هو حديث: أوس بن أبي أوس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه توضأ ومسح على نعليه ).
هذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، والطبراني في كتابه المعجم الكبير من حديث حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن أبي أوس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تابع حماداً عليه شريك كما رواه أحمد أيضاً في كتابه المسند، وهذا الحديث معلول بعلل:
أول هذه العلل هي: أن هذا الحديث وقع في إسناده اضطراب، تارة يذكر من حديث أوس بن أبي أوس، وتارة يذكر من حديث أوس عن أبيه، فيكون تارة من مسند أبي أوس، وتارة من مسند أوس وهو ابنه، ووقع فيه اضطراب آخر أيضاً أن هذا الحديث جاء من حديث يعلى بن عطاء العامري تارة يروى عن أبيه، وتارة يرويه يعلى بن عطاء عن أوس، وقد اختلف في هذا الحديث بالترجيح بين الوجهين، هل هو من حديث يعلى بن عطاء عن أبيه أو من حديث يعلى بن عطاء عن أوس، وهذا مما وقع فيه الاضطراب. وقد أعله غير واحد من الحفاظ بالاضطراب في الإسناد.
والإسناد لو قلنا بأنه جاء بالوجهين وهذا القول ضعيف، فإن الحديث منكر والإسناد ضعيف، وذلك أن الإسناد إذا قلنا أن يعلى بن عطاء يرويه عن أبيه؛ فأبوه لا يعرف، وإذا قلنا إنه لا يرويه عن أبيه، وإنما يرويه عن أوس، فـيعلى لم يسمعه من أوس كما نص على ذلك غير واحد من الحفاظ، بل قيل: إنه لم يدركه أصلاً؛ وعلى هذا نعلم أن الحديث ضعيف على الوجهين.
كذلك فإن هذا الحديث في نكارة متنه؛ أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على نعليه، ويظهر من هذا الحديث أنه لم يكن على رسول الله صلى الله عليه وسلم غير النعلين شيء لا من خف ولا غيره، وهذا مخالف لكثير من الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشديد بأهمية الإنقاء، وكذلك بالنهي عن ترك الأعقاب والتشديد في ذلك، وكذلك النهي عن ترك ولو لمعة، وقد تقدم معنا الإشارة إلى شيء من هذا، ومعلوم أن المسح على النعلين يفوت شيئاً ظاهراً، وأكثر القدم يظهر في النعال .
وعلى هذا نقول: إن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله: ( أنه توضأ وعليه نعلاه، فمسح عليهما، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ).
هذا الحديث رواه البزار في كتابه المسند من حديث روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد توبع عليه روح في روايته عن ابن أبي ذئب رواه ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع عن عبد الله بن عمر.
وذكر مسح النعلين منكر في خبر عبد الله بن عمر هذا، وقد تفرد بإخراجه من هذا الوجه البزار في كتابه المسند والطحاوي في شرح معاني الآثار. والبزار لا يخرج في كتابه المسند مما يتفرد به إلا ما كان غريباً من جهة الإسناد ومنكراً من جهة المتن في الأغلب؛ ولهذا قد أعله البزار في كتابه المسند فقال: لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا روح، وروح قد توبع عليه - على الصحيح كما رواه الطحاوي في شرحه معاني الآثار من حديث ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب بهذا الحديث.
وإنما قلنا بنكارة هذا الحديث وعدم ثبوته، مع كون رواة الخبر في ظاهرهم ثقات، إلا أننا نقول بنكارة هذا الحديث من وجوه عدة:
منها: أن حديث عبد الله بن عمر في ذكر وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أصله في الصحيح، من حديث عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر ولم يذكر المسح على النعلين، وإنما ذكر غسل القدمين .
وجاء حديث عبد الله بن عمر من وجه آخر فيه مسح النعلين، كما رواه البيهقي في كتابه السنن من حديث محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أنه على مسح على نعليه . وهذه الزيادة في المسح على النعلين في حديث عبد الله بن عمر منكرة فقد رواه الإمام مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر ولم يذكر المسح على النعلين، وإنما ذكر غسل القدمين.
ومن وجوه النكارة أيضاً، أن عبد الله بن عمر كان يحترز ويحتاط في المسح على الخفين، فكيف لا يحترز من المسح على النعلين؟! تقدم هذا معنا، أن عبد الله بن عمر كان يحترز، وذلك في خلافه مع سعد بن أبي وقاص عند عمر بن الخطاب فقال: عمك أفقه منك! تقدم هذا معنا وأشرنا إليه تبعاً في حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله.
وهذا الحديث قد جاء عند محمد بن يوسف في كتاب الآثار أن عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص اختلفا عند عمر في المسح على الخفين، فقال سعد بالمسح، وقال عبد الله بن عمر: لا يعجبني، فقال عمر: عمك أفقه منك! يريد بهذا سعداً، إذا كان عبد الله بن عمر يحترز في المسح على الخفين، وهي تغطي القدم كاملاً، هل يعقل أن يمسح على النعلين؟! لا يمكن .
أيضاً أن عبد الله بن عمر في وضوئه يتشدد، ويغسل ما لا يغسل عادة، فإنه كان عليه رضوان الله يضع الماء في عينيه إذا اغتسل، وربما غسل يديه إلى إبطيه؛ فهو يحترز في هذا.
روى ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أنه كان إذا اغتسل وضع الماء في عينيه، وهذا إشارة إلى تشدده فيما لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله وإنما من باب الاستدلال بعمومات وجوب الإنقاء.
وجاء عند ابن أبي شيبة من حديث العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يتوضأ، ويغسل يديه إلى إبطيه. وهذا إذا كان يحتاط في غير المغسول فكيف يمسح المغسول مما ثبت فيه الدليل، وهذه أمارة على الإعلال ونكارة الحديث المروي فيه، وقد تقدم معنا الإشارة مراراً إلى أن الحديث المرفوع ينظر فيه إلى فقه الرواة فربما خالفوا مضمونه؛ فيعل الحديث بذلك!
كذلك فإن رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر بذكر مسح النعلين قد خالف فيها محمد بن عجلان من هو أوثق منه، وهو الإمام مالك، فالإمام مالك روى هذا الحديث عن سعيد ولم يذكر مسح النعلين، وإنما ذكر غسل القدمين.
وربما كان ما يأتي في هذه الأخبار عن عبد الله بن عمر وغيره في مسح النعلين كان ذلك على سبيل الاحتياط بعد غسل القدم؛ وذلك أن الإنسان يغسل قدمه ثم يلبس النعل، فربما صلى بها.
وهذا نقول به على سبيل التجوز في حال عدم رد الحديث من جهة الإسناد ولا من جهة المتن، والخبر المروي في ذلك عن عبد الله بن عمر خبر منكر كما أشرنا إليه.
ومن أمارات نكارة هذا الحديث أنه يتفرد بإخراجه عن عبد الله بن عمر البزار، كذلك يرويه المتأخرون من المصنفين من الأئمة المسندين كـالبيهقي عليه رحمة الله .
البيهقي من المتأخرين من المسندين، يعني ثمة طبقات بينه وبين أول المصنفين، أو متوسط المصنفين بالأسانيد، فهو يروي ويحدث عن الحاكم، وربما يحدث عن سعدان بن نصر، ويحدث أيضاً بالأسانيد، وبينه وبين الكتب الستة واسطتان، وهذا يدل على أنه جاء متأخراً وما كان من الكتب المصنفة في الأسانيد التي تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع فيها تفرد بمعنى من المعاني، فإن ذلك لا يصح، وهذا مقيد بالتفرد، وأشرنا إلى هذا إلى جملة من المصنفات، منها: تفردات البيهقي، تفردات البزار، تفردات الخطيب، الحاكم، كذلك الدارقطني، وأمثالهم.
الطبراني في إخراجه للأحاديث في كتابه المعجم يخرج الغرائب، لكن من جهة الأصل قد يعد من المتقدمين؛ لأن له أسانيد عالية، فهو يروي مثلاً عن عبد الرزاق شيخ أحمد بينه وبين واسطة واحدة وهو إبراهيم الدبري، والبخاري يروي عن عبد الرزاق وبينه وبينه واسطة واحدة، وهذا يدل على أن لديه أسانيد عالية، وإنما نقول بذلك أن الأئمة الأوائل الذين صنفوا جابوا البلدان، وأوردوا الأصول من الأحاديث .
من قرائن الإعلال أن أعلم الناس بالمروي عن عبد الله بن عمر وفقهه هو مالك ممن وجد في هذه الأسانيد، ومالك إذا لم يروِ هذا اللفظ مع كون غير الإمام مالك رواه دليل على أن الإمام مالك لا يحفظه عن عبد الله بن عمر وإلا لضبطه، فهو ممن يعتني بفقه عبد الله بن عمر أكثر من غيره، وقد خالفه في ذلك محمد بن عجلان وهو دونه بمراحل؛ لهذا وجدنا في الإسناد مالك بن أنس والحديث المروي عن عبد الله بن عمر على هذا نمسك بحديث مالك بن أنس وندع غيره، فيكون حينئذ أضبط الألفاظ التي تروى عن عبد الله بن عمر في الأحاديث هي ما جاء عن مالك بن أنس وأضرابه ممن يعتنون بالحديث المروي عن عبد الله بن عمر سواء كان ذلك موقوفاً أو كان ذلك مرفوعاً.
والإمام مالك يأخذ بقول عبد الله بن عمر الموقوف، فكيف إذا كان عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، فهو أولى بالأخذ والضبط عنده.
الحديث الثالث في هذا: حديث حذيفة بن اليمان عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً فتوضأ ومسح على نعليه ).
هذا الحديث رواه ابن جرير الطبري في كتابه التفسير من حديث جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تفرد بهذه اللفظة عن الأعمش جرير، والحفاظ من أصحاب الأعمش يذكرون الحديث، ويذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ تارة، وتارة يقولون توضأ ومسح على خفيه.
إذاً: فذكر النعلين في حديث حذيفة من المفاريد التي يتفرد فيها جرير، وخالفه سائر أصحاب الأعمش، فرواه عن الأعمش جماعة كثر، لم يذكرون أن النعلين فيه، رواه أبو معاوية وأبو خيثمة وهشيم وغيرهم، يروونه عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وليس فيه ذكر النعلين، وذكر النعلين منكر .
ومن وجوه النكارة أيضاً أن حديث حذيفة بن اليمان أخرجه البخاري ومسلم من هذا الطريق من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة، ومع ذلك لم يذكرا هذه اللفظة، وتقدم معنا الإشارة إلى أن ما أخرجه البخاري ومسلم من الأحاديث وكان فيه زيادة في خارج الصحيح لها صلة بالحكم أن هذه الزيادة غير محفوظة، وهي مردودة، وهذه الزيادة لها صلة في الحكم، وهي المسح على النعلين وهي متعلقة بأبواب الطهارة، ولو كانت هذه المسألة خارج أبواب الطهارة وأخرج البخاري ومسلم أحاديث الطهارة ولم يورداه في ذلك الباب الذي فيه الزيادة لأمكن القول بالنظر فيها على سبيل الاستقلال، ولم يقحم البخاري ومسلم بالإعلال.
وأيضاً أن البخاري ومسلم لم يوردا في المسح على النعلين شيئاً، ولو أوردا بباب المسح على النعلين شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركا هذه الزيادة لأمكن القول بها؛ لأنهما قد رويا من الأحاديث ما يعضد تلك الزيادة، ولا عاضد لها عندهم؛ وعلى هذا نقول: إن هذه الزيادة زيادة منكرة.
ومن وجوه النكارة أيضاً: أن التي تفرد به جرير وطبقته متأخرة مع ثقته وفضله .
وثمة قرينة عند العلماء في زيادات الثقات أنه كلما تأخر زمن الراوي الذي زاد هذه الزيادة، زاد احتمال الخطأ ؛ وذلك أن الراوي إذا تأخر دليل على أن هذه الرواية مرت على رواة كثر، فلم ينقلوها، وكلما زاد العدد في الإسناد زاد احتمال الضعف في الزيادة؛ وذلك أن الزيادة إذا قلنا: إن الحديث قد جاء من راو إلى راو فكان فيه ثلاثة، ولم تأتِ هذه الزيادة بطبقة الثلاث كلهم، هذا إشارة إلى أن هؤلاء لم تمر عليهم، ولو مرت عليهم لنقلها ولو واحد منهم، وكلما تقدمت طبقة الراوي الذي يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت روايته؛ لهذا نقول: إن طبقة التابعين أقوى من طبقة أتباع التابعين من جهة قبول الرواية، وطبقة التابعين الأولى أقوى من طبقة التابعين الثانية والثالثة وهكذا أقوى ممن جاء بعدهم .
ونستطيع أن نقول إن الراوي كلما تأخر تحمل الخطأ في الأغلب أياً كان ولو ساواه غيره من جهة الثقة والحفظ؛ وذلك أن المتأخر أبعد عن ملكة الحفظ ممن تقدم من غيره؛ وذلك أنه كلما تقدم الزمن، قرب الناس من الأمية، والأمية حفظ بلا كتابة، وكلما تأخر الزمن اعتمدوا على الكتابة وقل الحفظ.
ولهذا العرب لما كانوا لا يكتبون كانوا أحفظ الناس، يحفظون الأشعار والروايات ولما كتبوا ضاعت المحفوظات؛ ولهذا من أراد أن يحفظ فليكسر القلم؛ لأن القلم هو الذي يضيع الإنسان ويعتمد عليه، فإذا مرس ذهنه بالذاكرة استطاع الإنسان أن يضبط ما لا يضبطه غيره؛ لهذا نقول أنه كلما تأخر زمن الرواية أشرنا إلى الضعف.
أما المتأخرون إذا كان هؤلاء بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة، واتهمناهم بقلة الحفظ؛ لتأخر زمنهم مثلاً، فما نقول لمن كان من القرون المتأخرة؟! لا شك أنه أقرب إلى الوهم.
ومن علامات النكارة أيضاً أن المسح على النعلين مما تعمّ به البلوى لو وجد، ولبس النعلين أكثر من لبس الخفاف، ومع ذلك جاءت الأحاديث بالمسح على الخفاف أكثر وأشهر، والمسح على النعلين جلها معلولة أو كلها معلولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه حالاً أنه كان يمسح على نعليه، وجب أن ينقل بالنص الثابت ذلك؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتعلون أكثر من لبس الخفاف. بل النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح الإمام مسلم : ( استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل ) ولهذا نقول: إن لبس النعال سّنة بخلاف لبس الخفاف، الخفاف يلبسها الإنسان حاجة فتكون حينئذ حاجة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس النعال، ولم يثبت عنه من وجه صحيح أنه مسح هذا دليل على عدم وجود ذلك وأن الروايات في ذلك غلط ووهم، وأن القاعدة في ذلك لدينا أن الشريعة تتدرج بحسب عموم البلوى وحاجة الناس، فما كان فيه حاجة وجب أن يثبت به النص أقوى، وهكذا.
وتقدم معنا الإشارة إلى أننا نعل الأحاديث التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تعمّ بها البلوى، وتروى بالإسناد والإسنادين وفي بعضها علة، أو لم يكن في بعضها علة وهي مفاريد أن هذا من قرائن الإعلال؛ لأنه ينبغي أن تشتهر، وقد استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسح على الخفين، وأما المسح على النعلين، فجاء فيها أحاديث مرفوعة يسيرة، وهي منكرة، وجاء فيها أحاديث موقوفة وجلها معلولة أيضاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتي الإشارة إليها.
وعلى هذا نقول: إن كل حديث جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على النعلين، هو حديث منكر، لا يثبت عنه عليه الصلاة والسلام.
الحديث الرابع في هذا: هو حديث عبد الله بن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه ).
هذا الحديث يرويه رواد بن الجراح عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث رواه ابن عدي في كتابه الكامل، والبيهقي في كتابه السنن من طريقه، وابن الجراح فيه ضعف، وحديثه عن سفيان فيه اضطراب، وقد تكلم غير واحد في حديثه عن سفيان كما تكلم الإمام أحمد عليه رحمة الله وقال: يحدث عنه بأحاديث مناكير!
وأورده ابن عدي في كتابه الكامل معلاً له من هذا الوجه، وقد تابعه على حديثه هذا زيد بن الحباب عن سفيان كما رواه البيهقي في كتابه السنن، وزيد بن الحباب في روايته عن سفيان أيضاً كذلك.
وعامة الرواة الذين يروونه عن سفيان لا يذكرون النعلين فيه، وإنما يذكرون توضؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة فقط، وهذا في الصحيح.
وقد جاء من وجه آخر عند الطبراني في كتابه المعجم الأوسط من حديث زياد بن سعد عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس، وذكر فيه المسح على النعلين. وهذا الحديث، حديث أعله الشافعي كما نقله عنه البيهقي قال: وذلك أن أكثر الرواة على خلافه، وإن كان إسناده ظاهر إسناده الحسن، لكنه خالف الثقات الذين يروونه عن عبد الله بن عباس .
وإنما خالف الرواة الذين يروونه عن عبد الله بن عباس أنه رواه عن عطاء بن يسار جماعة كـسليمان بن بلال ومحمد بن كثير، ومحمد بن أبي جعفر، وهؤلاء الرواة الذين يروون هذا الحديث، لا يذكرون فيه النعلين. وهذا الذي اعتمد على إخراجه البخاري، فإنه رواه من حديث محمد بن يوسف عن سفيان وذكر الحديث، وليس فيه النعلان، مما يدل على أن هذا الحديث منكر.
ومن وجوه النكارة أيضاً في حديث عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس لم يثبت عنه شيء في مسألة النعلين مع كثرة فقهه، ووفرة أصحابه، ولم يفت أصحابه أيضاً بهذا.
وعطاء بن يسار فقيه، وزيد بن أسلم فقيه، ومع ذلك هذه المسألة مع الحاجة إليها لم يفتوا بها.
وهذا من أمارات النكارة، وتقدم معنا أيضاً كثيراً أن الحديث إذا أخرجه البخاري في الصحيح، وفيه زيادة عند غيره أن الأصل في ذلك أنها معلولة على منهج البخاري، وهذا الحديث قد أخرجه البخاري في عدة مواضع، ولم يذكر فيه واحد منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على نعليه؛ وهذا يدل على نكارة هذا الحديث.
الحديث الخامس: حديث علي بن أبي طالب: ( أنه مسح على نعليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك )، وجاء في لفظ عنه أنه قال: لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه أو أسفل القدم أولى بالمسح من أعلاه.
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود وأصله من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي بن أبي طالب، وهذا الحديث ظاهر إسناده الصحة، ولكن بغير لفظ النعلين، ولفظ النعلين قد أخرجه الإمام أحمد في كتابه الصحيح من حديث أبي نعيم عن يونس عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي بن أبي طالب وتفرد بها أبو نعيم عن يونس عن الأعمش، وقد روى جماعة هذا الحديث عن الأعمش، ولم يذكروا فيه النعلين، ويظهر والله أعلم، أن هذا الحديث وغيره مما كان ظاهر إسناده الصحة في المسح على النعلين أن الرواة يتجوزون بذكر النعل ويريدون بذلك الخف، وهذا مما يجعل بعض الرواة يتساهل في نقل الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المعنيين، باعتبار أن الخف ينعل أو يلبس، فيتجوزون بذكره. وإلا فالأصل إنهم لا يمسحون على النعلين .
وإذا أردنا إلى المروي عن علي بن أبي طالب وجدنا أنه صح عن علي بن أبي طالب أنه مسح على نعليه موقوفاً، كما جاء عند ابن أبي شيبة والبيهقي من حديث أبي ظبيان عن علي بن أبي طالب أنه مسح على نعليه، وإسناده عنه صحيح، وهذا هل يؤيد المرفوع، أم لا ؟ نقول: الأصل أنه يؤيد المرفوع، لو لم يكن المرفوع مما تعمّ به البلوى، ويحتاج إليه، وإذا كان ما في الحديث ما تعم به البلوى، لا يعضده قوله الصحابي ويكون من الفتيا التي يجتهد فيها الراوي، ولهذا صح الموقوف عن علي وما صح المرفوع، وأولى أن يحمل المرفوع عن علي أكثر من الموقوف، وأن يصح إسناده عنه.
ولعل أيضاً الموجود من النكارة في هذا أن علي بن أبي طالب له أصحاب كثر يروون عنه فقهه، خاصة آل النبوة يروون فقه علي بن أبي طالب، ومع هذا فإنهم لا يقولون بذلك في المعروف عنهم والمشهور.
ومما يعضد أيضاً نكارة ذلك أن هذا مع الحاجة إليه لم يثبت عن أحد من الخلفاء الراشدين، وما جاء عن علي بن أبي طالب فلعل المراد بذلك الخف.
وهذه المسألة في مسألة المسح على النعلين، للعلماء فيها مذاهب:
عامة العلماء على عدم الترخيص، بل حكى بعضهم الاتفاق؛ كما حكاه ابن تيمية وغيره ويحملون ما ثبت في ذلك في المسح على النعلين، على أحوال:
منها: أنهم يقولون إن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه أنهم مسحوا على النعلين، فهذا في الطهور غير الفرض، معنى غير الفرض ما يسمى بالتجديد في الوضوء، يكون عليه وضوء، ويتوضأ وضوءاً على وضوء، فهذه من الأمور التي يتساهل فيها السلف، من جهة الرش وعدم الاستيعاب ونحو ذلك، قالوا: هذا من هذا الوجه.
وحمل هذا المعنى غير واحد منهم: البزار في كتابه المسند، ابن خزيمة في كتابه الصحيح وغيرهم، أن هذا كان من الوضوء على الوضوء.
ومنهم من حمل ذلك على النعال التي تشدّ شداً فتحتاج إلى النزع باليد أو الرجل، قالوا: إذا كان كذلك، فهي مشقة، نص على هذا بعضهم كـابن تيمية رحمه الله، قال: وتشترك النعل مع الخف، إذا كان نزعها يحتاج إلى اليد أو القدم، لا تنزع النعل من ذات القدم كحال الخف، وهذا قاسوه على المشقة. وهذا يكون عليه مثلاً النعال التي تسمى بالصندل والتي تشبك ونحو ذلك، يقال إن هذا القول يحمل عليه .
وعامة العلماء من الفقهاء والحفاظ والسلف لا يرون ذلك مطلقاً، وما جاء عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله فيحتمل أنه وضوء على وضوء، أو ذلك في الأمور المشدودة أو كان عليه نعل وتحته خف أو جورب.
وإن كانت في غالب صنيع العرب أنهم لا يلبسون النعال على الخفاف، ولكنهم يلبسون النعال على الجوارب، تقدم معنا أن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله أنه مسح على الجورب، وقلنا: إن الجوارب لا تعرف في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، يعني: لم تشتهر وتكون من استعمالات الناس، ولا في زمن أبي بكر، ولا في زمن عمر، وذلك لحاجة الناس والمجاعات وكثرة الناس وقلة المال وانشغالهم بالفتوحات، ونحو ذلك مما شق عليهم التنعم، بخلاف من كان بعدهم؛ ولهذا أعلى صحابي جاء عنه المسح على الجوارب هو علي بن أبي طالب، ولما جاء عن علي بن أبي طالب المسح على الجورب يحتمل أنه كان يلبس النعال على الجورب -هذا احتمال- ولا أعلم من أشار إلى هذا، ولكن هذا جمع بين الروايات وحمل للمروي عن علي بن أبي طالب في المسح على النعل فيما يوافق الأصول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد رجلاً على ظهره لمعة لم يصبها الماء.
وهنا قد نسأل ونقول: أيهما أشقّ على الإنسان، إذا كان متوضئاً يريد أن يتوضأ، وينزع النعل وينزع الخف، ويغسل قدمه كاملاً، ثم يلبسها، أو يذهب ويعيد الوضوء كاملاً من أجل اللمعة ثم يرجع؟ إعادة الوضوء كاملاً أشقّ، إذاً: العبرة ليست بذات المشقة حتى يترخص في النعل، وإنما بالنص إذا ورد في شيء فلا ينقل إلى غيره، كما جاء في مسألة الخف والجورب.
ولهذا نحمل ما جاء عن علي بن أبي طالب وفاقاً لما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرأي في مسألة النعلين.
كذلك أيضاً فإن النعال في زمن الصحابة كما هي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أشهر استعمالاً، وبيان النصوص في مسحها ينبغي أن تكون أظهر وأشهر، فلما لم ترد مع شهرة الفقه وكثرة السؤال عنه؛ هذا إشارة إلى عدم الاعتداد بالقول مع وفرة الأدلة الواردة عنهم والنقول في المسح على الخفين؛ لهذا اشتهر عندهم مسائل المسح على الخفين والقول فيها، والخلاف في الأيام ونحو ذلك، أما النعال فهذه من المسائل النادرة في كلام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً في كلام التابعين.
السؤال: [هل يعتبر نزع الخف أو النعل بعد المسح عليهما من نواقض الوضوء؟]
الجواب: مسألة المسح على الخف أو المسح على النعل إذا نزعه، هذه مسألة منفصلة ومنفكة عن مسألة النعل، سواء حملنا النعل على أنه كان عليه خف، أو كان على قول من قال: إن النعال هي ما يشدّ، هذه المسألة تابعة لمسألة نزع الخف بعد الوضوء هل ينقض الوضوء أم لا؟ والصواب أنه لا ينقضه، وإلا لزم أن الإنسان إذا توضأ ومسح على رأسه ثم ذهب إلى الحلاق أن يعيد الوضوء.
فلا نقول بالنقض في مسألة نزع الخف بعد مسحه؛ لأن نزع الخف لم يرد فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من نواقض الوضوء، وإلا للزم من هذا أن ما غسل من الجسد ثم زال منه أن نقول بانتقاضه، ومن أشهر ما يزول من الإنسان الأظافر يغسلها ثم يقص، وربما تصل من الإنسان الأظفار زيادة كحال اللمعة من القدم، اللمعة شيء يسير، ثم يجب عليه أن يعيده؛ لهذا نقول إنه في حال مثل زوال الظفر أو قص الشعر الذي مسح عليه أو أزال الخف أن هذا لا ينتقض به وضوءه.
السؤال: [ما هو رأي شيخ الإسلام في المسح على النعل؟]
الجواب: شيخ الإسلام يشدد في هذا، وينفي أن أحداً من السلف كان يفعل هذا، لكنه يحمل ما جاء عن علي بن أبي طالب على النعل المعروفة التي تكون مشدودة ويشق على الإنسان أن ينزعها؛ فتشترك مع الخف في الحكم.
السؤال: هل نقول: الأحوط أنه إذا نزع الشراب أن ينتقض الوضوء؟
الجواب: نقول: الأحوط، ولكن في مثل هذه المسألة في نزع الشراب، هذه تقع كثيراً ما من أحد يلبس إلا وينزع، ولهذا في حال الإقامة كم يلبس الإنسان الخف، وكم يمسح؟ يوماً وليلة، إذاً: لا بدّ أن ينزع كل أربع وعشرين ساعة، والناقض إذا كان ناقضاً ويقع من الإنسان في اليوم والليلة يجب أن يرد فيه الدليل أشهر وأقوى، وليس من النواقض العارضة كلحم الإبل التي يعرض على الإنسان وربما يمر عليه أسابيع أيام أشهر ونحو ذلك؛ ولهذا نقول إنه ينبغي لو جاء عن الناس ينبغي أن يثبت به النص بشكل أقوى؛ لأنه يقع ويحدث من الناس كثيراً وأوفر من غيره، فلما لم يرد ضعف جانب الاحتياط في هذه المسألة .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأحاديث المعلة في الطهارة [28] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
https://audio.islamweb.net