إسلام ويب

يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، ولهذا ورد التشديد في التخلف عن صلاة الجمعة ممن تتوفر فيه الشروط إلا لعذر، ويستحب الاغتسال والتبكير وقد ورد الفضل العظيم في هذا الشأن حتى قيل إنه الفضل الوحيد الثابت الذي وقع على عمل يسير.

باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهى مسخية يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها ).

قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، قال: فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

بسم الله الرحمن الرحيم.

في هذا أن البهائم تدرك من أمر الآخرة ما لا يدركه بنو آدم، ولهذا البهائم تنصت يوم الجمعة ترقب الساعة، والله عز وجل قد جعل لها نوعاً من الإدراك تعرف فيه الحال، وتفهم فيه بعض الخطاب لا كله، ولهذا الله عز وجل يخاطبها ويكلها ببعض التكاليف، وهذا يكون للبهائم دون بقية المخلوقات التي ليس لديها اختيار، ولهذا نقول: إن مخلوقات الله عز وجل منها ما له اختيار ومنها ما لا اختيار له.

ثمة اختيار لبني آدم وهو بعد مشيئة الله عز وجل، وثمة اختيار أقل للبهائم وهو دون اختيار الإنسان، تدرك فيه الحقوق التي بينها، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: ( لتؤدن الحقوق إلى أهلها وليقتصن الله من الشاة القرناء للشاة الجماء )، فالبهائم تحاسب يوم القيامة ولكن تحاسب في الحقوق التي بينها فقط، ولا تحاسب في التكاليف الأخرى، ثم بعد ذلك الله عز وجل يقضي أمرها بأن تكن تراباً.

وأما من جهة العبادات فحالها الإذعان لا تخالفه، فإنها كحال الجمادات تسبح بحمد الله سبحانه وتعالى.

إذاً: لديها نوع تكليف وهو مسألة الحقوق التي تكون بين البهائم، فيقتص الله عز وجل، ويرتقي الإنسان في هذا من جهة التكليف ويكون تكليفه أعظم من تكليف البهائم، فلديه اختيار في جوانب أخر من أمور العبادة، وإذا حضر اختيار الإنسان حضر الحساب عليه، وإذا ضعف ذهب الحساب عنه، ومشيئته بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى.

وهذه المسألة مما يتفرع عنها وبعض لوازمها ما يتعلق بمسائل القدر وخلاف الناس في هذا الباب كنفي نفاة القدر الذين ينفونه تعظيماً لله عز وجل أن الله يقدر على عبده شيئاً من الأمور والذنوب ثم يحاسبه الله عز وجل عليها، نقول: إن الله عز وجل يقدر على عبده شيئاً ويجعل له اختياراً، فهو يعلم ماذا يفعل الإنسان؛ وذلك لسعة علمه وكماله، فإذا وجد اختيار الإنسان فعليه يحاسب، وإذا غاب اختيار الإنسان فلا يحاسب، وذلك كحال الإنسان النائم، فالنائم إذا سقط على شيء ثم أفسده فإنه لا يحاسب عند الله سبحانه وتعالى، كحال الحجر والسيل الذي يمضيه الله عز وجل ثم يتلف شيئاً فلا يجري عليه شيء من الحساب والعقاب، فإذا استيقظ ووجد لديه إدراكه فإن إدراكه حينئذ هو الذي يكون عليه الحساب ويعاقبه الله عز وجل عليه، وهذا هو الفيصل بين أهل السنة والأثر وبين أهل البدع في هذا الباب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ( قال أبو هريرة رضي الله عنه: ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلت له: فأخبرني بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى، وتلك الساعة لا يصلى فيها! فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي، قال: فقلت: بلى، قال: هو ذاك ).

حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي، قال: قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت، فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء )].

باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإجابة أية ساعة هي في بوم الجمعة

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو - يعني: ابن الحارث - أن الجلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة - يعني: ابن عبد الرحمن- حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يوم الجمعة ثنتا عشرة -يريد ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله عز وجل، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر ).

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة - يعني: ابن بكير - عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر: ( أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الجمعة يعني: الساعة؟ قال: قلت نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة ).

قال أبو داود: يعني: على المنبر].

باب فضل الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل الجمعة

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا ).

حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا عيسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: ( سمعت علياً رضي الله عنه على منبر الكوفة يقول: إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو الملائكة فيجلسون على أبواب المسجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام، فإذا جلس الرجل مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغ كان له كفلان من أجر، فإن نأى وجلس حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفل من أجر، وإن جلس مجلساً يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجمعة لصاحبه: صه فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء، ثم يقول في آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ).

قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بالربائث، وقال مولى امرأته أم عثمان: ابن عطاء ].

باب التشديد في ترك الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في ترك الجمعة

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن محمد بن عمرو قال: حدثني عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي الجعد الضمري -وكانت له صحبة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه )].

باب كفارة من تركها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كفارة من تركها

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام قال: حدثنا قتادة عن قدامة بن وبرة العجيفي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار ).

قال أبو داود: وهكذا رواه خالد بن قيس وخالفه في الإسناد ووافقه في المتن ].

ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام في كفارة ترك الجمعة إلا التوبة والاستغفار والإتيان بها فيما يستقبل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: حدثنا محمد بن يزيد وإسحاق بن يوسف عن أيوب أبي العلاء عن قتادة عن قدامة بن وبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من فاتته الجمعة من غير عذر فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع ).

قال أبو داود: رواه سعيد بن بشير عن قتادة هكذا إلا أنه قال: ( مداً أو نصف مد )، وقال عن سمرة .

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب يعني: أبا العلاء ].

باب من تجب عليه الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من تجب عليه الجمعة

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ( كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي ).

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان عن محمد بن سعيد - يعني: الطائفي - عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجمعة على كل من سمع النداء ).

قال أبو داود: روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو لم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة ].

باب الجمعة في اليوم المطير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمعة في اليوم المطير

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه ( أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال ).

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن صاحب له عن أبي مليح ( أن ذلك كان يوم جمعة ).

حدثنا نصر بن علي قال: سفيان بن حبيب خبرنا عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه ( أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم ) ].

والنداء للصلاة في الرحال آكد من الجمع في المطر، وذلك لثبوت الصلاة في الرحال عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع في مطر، لكن جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله أنه جمع في المطر، ولكن إسناده منقطع حيث جاء من حديث صفوان بن سليم عن عمر بن الخطاب، وصفوان لم يسمع من عمر بن الخطاب شيئاً، والثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر المؤذن أن ينادي: الصلاة في الرحال، كما جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو في الصحيح فإذا نزل المطر فإن المؤذن ينادي: إن الصلاة في الرحال، إلا إذا اجتمع الناس في المسجد فإنه يصلي ويجمع بهما.

باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة

حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر نزل بضجنان في ليلة باردة فأمر المنادي فنادى: أن الصلاة في الرحال.

قال أيوب: وحدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المنادي فنادى: الصلاة في الرحال ).

حدثنا مؤمل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: ( نادى ابن عمر بالصلاة بضجنان ثم نادى أن صلوا في رحالكم. قال فيه، ثم حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة، ثم ينادي أن صلوا في رحالكم، في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في السفر ).

قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله قال فيه: في السفر في الليلة القرة أو المطيرة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ( أنه نادى بالصلاة بضجنان في ليلة ذات برد وريح، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في سفر: يقول ألا صلوا في رحالكم ).

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع أن ابن عمر - يعني: ( أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح - فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال ).

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: ( نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة ).

قال أبو داود: وروى هذا الخبر يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه في السفر.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا الفضل بن دكين قال: حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليصل من شاء منكم في رحله ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل قال: أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي قال: حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين ( أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والمطر ) ].

وإذا كان الناس استنكروا سنة ثبتت عن النبي عليه الصلاة والسلام في زمن بقاء الصحابة فإنهم في الأزمنة المتأخرة من باب أولى ينكرون الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يستشكل أيضاً بعض الصالحين، ولهذا حينما استنكروا على عبد الله بن عباس عليه رضوان الله استنكر المقربون منه هذا، وكذلك أيضاً في مسألة الإقعاء، وفي مسألة التكبير في قول عكرمة قال: إنه رجل أحمق، فقال عبد الله بن عباس: إنها سنة النبي عليه الصلاة والسلام يعني: أن جهل الإنسان بالسنة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا وجدت في الصدر الأول وفي زمن الصحابة وحضورهم فإنه ربما يكون عند بعض المتأخرين من باب أولى، ولهذا لا عبرة بعمل الناس، فلا يقال: المجتمع أو الأشياخ أو وجدنا الناس على مثل هذا الأمر نقول: إن هناك من كان في زمن التابعين من استنكر شيئاً لم يكن الناس عليه مع أنه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يؤخذ ذلك بالدليل من نقلة الأخبار الذين يثبتون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة وغيرهم.

باب الجمعة للمملوك والمرأة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمعة للملوك والمرأة

حدثنا عباس بن عبد العظيم قال: حدثني إسحاق بن منصور قال: حدثنا هريم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبى، أو مريض ).

قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً].

باب الجمعة في القرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمعة في القرى

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله المخرمي - لفظه - قالا: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت بجواثاء قرية من قرى البحرين، قال عثمان: قرية من قرى عبد القيس ).

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك رضي الله عنه: ( أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لـأسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لـأسعد بن زرارة ! قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون )].

باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا إسرائيل قال: حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: ( شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلى فليصل ).

حدثنا محمد بن طريف البجلي قال: حدثنا أسباط عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال: ( صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة ).

حدثنا يحيى بن خلف قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: قال عطاء: ( اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرةً لم يزد عليهما حتى صلى العصر ).

حدثنا محمد بن المصفي وعمر بن حفص الوصابي - المعنى - قالا: حدثنا بقية قال: حدثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون )، قال عمر عن شعبة].

باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن مخول بن راشد عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة تنزيل السجدة و(( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ )) ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة عن مخول بإسناده ومعناه، وزاد في صلاة الجمعة بسورة الجمعة و(( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ))].

باب اللبس للجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اللبس للجمعة

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ( أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء - يعني: تباع عند باب المسجد - فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة ) ].

في هذا جواز الهدية للكافر ولو كان حربياً إذا كان ذلك تأليفاً لقلبه فلا يعطيه الهدية إذا كان محارباً إكراماً له أو تقويةً له ولكن لتأليف قلبه، أما غير المحارب فجائز مطلقاً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال: ( وجد عمر بن الخطاب حلة إستبرق تباع بالسوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتع هذه تجمل بها للعيد وللوفود ) ثم ساق الحديث، والأول أتم.

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس وعمرو أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه أن محمد بن يحيى بن حبان حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما على أحدكم إن وجد، أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ) قال عمرو: وأخبرني ابن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن ابن حبان عن ابن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر.

قال أبو داود: ورواه وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن موسى بن سعد عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم].

باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة ) ].

والنهي عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة حتى لا ينشغل الناس عن حضور الجمعة، فإن الإنسان إذا عقد حلقاً قبل صلاة الجمعة فإنه يبعد النفس عن تحصيل ما يقوله خطيب الجمعة، فكان الناس يختفون في ذلك، ولهذا كان المحدثون كما نقل مكحول لا يحدثون يوم الجمعة كما نقله ابن عساكر عنه، وجاء في ذلك أثر قد رواه الحاكم في كتابه المستدرك عن أبي هريرة عليه رضوان الله وهو أعلى شيء في الباب، أعني: في الموقوف على الصحابة.

باب في اتخاذ المنبر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في اتخاذ المنبر

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي قال: حدثني أبو حازم بن دينار ( أن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلانة امرأة قد سماها سهل: أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها فأرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها فوضعت ها هنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ).

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله يجمع - أو يحمل - عظامك، قال: بلى، فاتخذ له منبراً مرقاتين ) ].

وجاء في الصحيح ( أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ترك الجذع وصعد على المنبر الذي صنع له من خشب من أثل الغابة حن الجذع كما تحن العشار يعني: لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي عليه الصلاة والسلام فضمه إليه حتى سكت ) وفي هذا ضم المفزوع سواءً كان ولداً أو زوجة أو خادماً وقد ضم النبي عليه الصلاة والسلام في الجماد فضم المفزوع أو المحزون من باب أولى من البشر، فإن في ذلك تسكيناً وتلطيفاً له، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم مع رحمته عليه الصلاة والسلام في بني آدم وكذلك في البهائم فرحمته عليه الصلاة والسلام تعدت حتى إلى الجمادات.

باب موضع المنبر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب موضع المنبر

حدثنا مخلد بن خالد قال: حدثنا أبو عاصم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: ( كان بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحائط كقدر ممر الشاة )].

باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة ).

قال أبو داود: وهو مرسل مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة ].

باب في وقت الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وقت الجمعة

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثني فليح بن سليمان قال: حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة إذا مالت الشمس ).

حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا يعلى بن الحارث قال: سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع يحدث عن أبيه قال: ( كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء ).

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ( كنا نقيل ونتغدى بعد الجمعة )].

باب النداء يوم الجمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النداء يوم الجمعة

حدثنا محمد بن سلمة المرادي قال: حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني السائب بن يزيد عن ( أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك ).

حدثنا النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: ( كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر ) ثم ساق نحو حديث يونس.

حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة عن محمد - يعني: ابن إسحاق - عن الزهري عن السائب قال: ( لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال ) ثم ذكر معناه.

حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد ابن أخت نمر أخبره قال: ( ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد ) وساق هذا الحديث وليس بتمامه].

باب الإمام يكلم الرجل في خطبته

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يكلم الرجل في خطبته

حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي قال: حدثنا مخلد بن يزيد قال: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ( لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود ).

قال أبو داود: هذا يعرف مرسل، وإنما رواه الناس عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومخلد هو شيخ].

باب الجلوس إذا صعد المنبر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجلوس إذا صعد المنبر

حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: حدثنا عبد الوهاب - يعني: ابن عطاء - عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ - أراه قال المؤذن - ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب ) ].

وخطبتي الجمعة الأولى ركن والثانية كذلك، فإذا ترك الخطيب خطبةً من خطب الجمعة متعمداً فالصلاة باطلة، وهذا باتفاق السلف، وبعض الفقهاء من أهل الرأي وهو قول أبي حنيفة يرى أنه واجب وليست ركناً، والصواب فيها الركنية وأنها مستقلة وهي كركنية أركان الصلاة، فمن تركها متعمداً أو ناسياً يجب عليه أن يعيد الصلاة بكاملها.

باب الخطبة قائماً

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الخطبة قائماً

حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد قال: حدثنا زهير عن سماك عن جابر بن سمرة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة ).

حدثنا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة - المعنى - عن أبي الأحوص قال: حدثنا سماك عن جابر بن سمرة قال: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان، كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس ).

حدثنا أبو كامل قال: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً ثم يقعد قعدةً لا يتكلم ) وساق الحديث].

وفي قوله صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ألف صلاة، ليس المراد بذلك الجمعة وإنما المراد بذلك الصلوات كلها، والجُمع محال أن يكون صلى هذه العدد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذا يقتضي أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من عشرين سنة، وهذا شاق ومحال، وكذلك فإن شريعة صلاة الجمعة إنما جاءت متأخرة، وهذه الأرقام إما أن تكون مبالغة؛ لشدة قربه من النبي عليه الصلاة والسلام ومعرفته بحاله، أو أنه أراد بذلك جميع الصلوات فيدخل في ذلك الفرائض: كالصلوات الخمس وكذلك النوافل فهو أعلم بحالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باب الرجل يخطب على قوس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يخطب على قوس

حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا شهاب بن خراش قال: حدثني شعيب بن زريق الطائفي قال: ( جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزن الكلفي فأنشأ يحدثنا قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله؟ زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا )، قال: سمعت أبا داود قال: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا.

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ).

حدثنا محمد بن سلمة المرادي قال: أخبرنا ابن وهب عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحوه قال: ( ومن يعصهما فقد غوى، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم الطائي عن عدي بن حاتم ( أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله ومن يعصهما فقال: قم - أو اذهب - بئس الخطيب )].

أن المراد بذلك هو أنه قرن النبي صلى الله عليه وسلم مع الله سبحانه وتعالى، وذلك أن الله عز وجل يقرن في كتابه ما شاء، والله عز وجل قرن طاعة نبيه بطاعته سبحانه وتعالى، ومعصية نبيه بمعصيته سبحانه وتعالى، ومن هذا يأخذ بعض العلماء كراهة قرن كتابة اسم النبي عليه الصلاة والسلام مع ربه جل وعلا إلا في سياق يحتاج إليه، ولهذا الذي يكتب في الألواح أو في المجالس الله وبجوارها محمد ونحو هذا، هذا من الغلو، أو يوضع مثلاً في الأبواب وعلى السيارات على مستوى واحد تكون متجاورة الله ثم محمد أو نحو ذلك فلا، أما إذا كان الأمر في ذلك لبيان حكم شرعي فجائز، كأن يقول الإنسان: لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا يريد أن يبين هذا الأمر أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هو مبعوث من ربه سبحانه وتعالى، فهو بيان لمنزلته عند ربه، فمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم إنما ظهرت لقرنه في الذكر مع الله عز وجل، أما أن يذكر هذه الأسماء هكذا فهذا مما ينهى عنه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن خبيب عن عبد الله بن محمد بن معن عن بنت الحارث بن النعمان قالت: ( ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يخطب بها كل جمعة، قالت: وكان تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنورنا واحداً ).

قال أبو داود: قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان، وقال ابن إسحاق: أم هشام بنت حارثة بن النعمان.

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال: ( كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً، وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس ).

حدثنا محمود بن خالد قال: حدثنا مروان قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أختها قالت: ( ما أخذت (ق) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها في كل جمعة ).

قال أبو داود: كذا رواه يحيى بن أيوب وابن أبي الرجال عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان.

حدثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أخت لـعمرة بنت عبد الرحمن كانت أكبر منها بمعناه ].

قد دل الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (ق) في خطبة الجمعة، والذي يظهر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يكتفي بذلك، وإنما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفتتح الخطبة بما يفتتح به من الحمدلة والوصية بتقوى الله عز وجل، ثم يقرأ النبي عليه الصلاة والسلام سورة ق، فإذا قرأ الإنسان السورة في خطبة الجمعة كفته عن أي شيء آخر، وإذا افتتح بما يفتتح به النبي عليه الصلاة والسلام عادةً فإذا قرأها وقسمها على الخطبتين حسن، وإذا قرأها في خطبة ثم بين شيئاً من معانيها في الخطبة الأخرى، أو جعلها مقسومةً على خطبتين وبين بعض المراد في كل خطبة فهو كذلك حسن، ولكن الذي يظهر أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يقرأ الآية ثم يبين معناها بل كان ... إلى النبي عليه الصلاة والسلام الذي يريد منها ثم إن كان ثمة شيء فيورد بعد ذلك، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام يقطعها لظهر في الدليل وفي الرواية.

وصلى الله على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الصلاة [13] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net