إسلام ويب

يؤمن أهل السنة برؤية أهل الجنة لربهم يوم القيامة، وقد استفاضت النصوص من الكتاب والسنة على ذلك، وقد خالف في ذلك أهل الأهواء من المبتدعة، وقد كان هدي السلف معهم عدم تصديرهم والأخذ عنهم, أو مخالطتهم.

رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ وروى يزيد بن هارون في مجلسه حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله في الرؤية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر ), فقال له رجل في مجلسه: يا أبا خالد ! ما معنى هذا الحديث؟ فغضب وحرد، وقال: ما أشبهك بـصبيغ، وأحوجك إلى مثل ما فعل به, ويلك! ومن يدري كيف هذا؟ ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه، ولا تبتدعوا فيه، فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم، وإن لم تفعلوا هلكتم].

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما شبه الرؤية بالرؤية, وما شبه المرئي بالمرئي, فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر, لا تضامون في رؤيته ), يعني: لا تجدون مشقة بالمزاحمة ولا في الكلفة ونحو ذلك, فهو ما شبه القمر بالله سبحانه وتعالى, وإنما شبه صفة رؤية الإنسان بذاته, وهذه رؤية للبشر, وحينما يسأل الإنسان عن صفة المرئي وموضعه نقول: إن هذا هو قدر زائد عن ذلك, فيجب على الإنسان أن يتوقف بهذا.

قصة صبيغ ومجيئه إلى عمر بن الخطاب

قال المصنف رحمه الله: [وقصة صبيغ الذي قال يزيد بن هارون للسائل: ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به؛ هي ما رواه يحيى عن سعيد بن المسيب : ( أن صبيغاً التميمي أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن قوله: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذاريات:1], قال: هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا [الذاريات:2], قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا [الذاريات:4], قال: الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا [الذاريات:3], قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته. قال: ثم أمر به فضرب مائة سوط، ثم جعله في بيت حتى إذا برأ دعا به، ثم ضربه مائة سوط أخرى ) ].

وهذه من القصص المشهورة عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله, وإن كان سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر بن الخطاب عليه رضوان الله إلا أن هذه الرواية قد جاءت عن عمر بن الخطاب من طرق متعددة وصحيحة عنه عليه رضوان الله؛ وذلك لأن صبيغاً كان يتتبع المتشابه من كلام الله سبحانه وتعالى, ويسأل سؤال المعجز, وكذلك المحير, ويريد من ذلك إعجازاً أو وصولاً إلى معنى من المعاني الفاسدة, وهذا مما تقدم أنه ينطبق عليه قول الله جل وعلا: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران:7], وهذه هي طريقة أهل النفاق والفتنة.

قال رحمه الله: [ ( ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري : أن حرم عليه مجالسة الناس, فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى الأشعري , فحلف بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجده شيئاً، فكتب عمر يخبره, فكتب إليه: ما إخاله إلا قد صدق، فخل بينه وبين مجالسة الناس ).

وروى حماد بن زيد عن قطن بن كعب: سمعت رجلاً من بني عجل يقال له: فلان- خلته ابن زرعة- يحدث عن أبيه قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلق, فكلما جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين].

وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي على من ولي أمراً من أمور المسلمين أن يعزل مثير الشك والريبة في الدين, وأن يبعده عن تصدير شبهاته ورأيه للناس؛ حماية لعقيدة الناس, فإن الناس يحمون دنياهم، ويحرصون على ذلك, ولا يريدون من يشوش عليهم بأمنهم واستقرارهم ومعيشتهم وغير ذلك, فإذا وجد من يثير الإشاعات والأكاذيب أو الشبهات والأراجيف في الدنيا منعوه, فإن حماية الدين من باب أولى.

ولكننا في هذا الزمن المتأخر يُبحث عن ألف صبيغ حتى يلبس على الناس في الدين.

قال رحمه الله: [وروى حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار : أن رجلاً من بني تميم يقال له صبيغ قدم المدينة، فكانت عنده كتب, فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ , قال: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي].

التحذير من الأهواء

قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي، أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي بها، حدثنا محمد بن عمير الرازي حدثنا أبو زكريا يحيى بن أيوب العلات التجيبي بمصر، حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا أشهب بن عبد العزيز، سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع, قيل: يا أبا عبد الله ! وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه وعلمه وقدرته, لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون.

أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عمر الزاهد الخفاف، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الفقيه حدثنا الربيع بن سليمان عن الشافعي يقول: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من يلقاه بشيء من الأهواء].

والأهواء لا ينتهي منها الإنسان, بخلاف الصراط المستقيم هو طريق واحد, يسلكه الإنسان موصلاً له إلى ربه سبحانه وتعالى, ولهذا نقول: إن الصراط المستقيم لا يستطيع الإنسان أن يوجده إلا واحد؛ كحال المسائل الهندسية, لا يستطيع الإنسان أن يوجد شيئاً مستقيماً إلا على صفة واحدة, أما المعوجة فيستطيع, هذا ملتوي التواء واحداً, وهذا التواءان, وهذا ثلاث, وهذا مثلث, وهذا غيره ونحو ذلك, فهذه طرق متعددة من جهة انحرافها, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود لما ( خط خطاً وخط عن يمينه وشماله خطوطاً قال: هذا الصراط المستقيم, وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها, ثم تلا قول الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153] ), قد روى ابن جرير الطبري في كتابه التفسير عن مجاهد بن جبر أنه قال في قوله جل وعلا: وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153], قال: هي البدع والشبهات التي تطرأ في ذهن الإنسان فيقوم بتنميتها حتى تصبح مذاهبة متبوعة.

قال رحمه الله: [أخبرني أبو طاهر محمد بن الفضل، حدثنا أبو عمرو الحيري حدثنا أبو الأزهر، حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن جعفر بن برقان قال: سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: الزم دين الصبي في الكتاب، والأعرابي، والهى عما سوى ذلك ].

وذلك أن دين الله سبحانه وتعالى الذي أنزله الله عز وجل في كتابه وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنزلت ميسرة يفهما الإنسان بداهة, ولم تنزل هذه الآيات وتنزل سنة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ليبلغها للناس حتى يتقعر الناس فيها، فيطيلوا التأمل في ذلك حتى يخرج بشيء من العلل والاستنباطات والأحكام الشرعية التي يتكلم بها العامة، ثم لا تظهر إلا للواحد والاثنين, نقول: إن دين الله عز وجل يفهمه الإنسان بداهة إذا كان سليم اللغة, فإنه يفهم مراد الله سبحانه وتعالى ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يوجد شيء في دين الله عز وجل تحتاج إليه الأمة في عامتها يكون سراً من أسرار الشريعة, لا يستطيع أن يبرزه الإنسان إلا مع طول تأمل, نقول: إن دين الله عز وجل ظاهر, يفهمه الإنسان, أما إدامة النظر والتدقيق في ذلك والبحث عن علل دقيقة والاعتماد على قرائن لبحث مسائل بقرائن متعددة ليخرج الإنسان بحكم لصالح الأمة كلها, نقول: هذا لا شك أنه من الضلال, وهو من الفتنة أيضاً في دين الإنسان.

صلاح الأمة هو في الأدلة الظاهرة, التي يفهمها الناس إذا أرادوا أن يفهموا, في الأدلة البينة الظاهرة وفي الاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى, أما الأمور الدقائق وغير ذلك, فهذه مما تزيد إيمان الأفراد وتنمي وتزكي النفوس ونحو ذلك يستفيد منها الأعيان, لا تستفيد منها جميع الأمة, ولهذا المتكلمون أبحروا في البحث وغاصوا في البحث عما يسمى بالأسرار؛ أسرار الألفاظ ونحو ذلك.

نقول: إن شريعة الله عز وجل جاءت للناس كافة, لا تحتاج إلى من يغوص فيها ويستخرج دقيقة، ثم ينقض بها الأصول العامة الثابتة والمستقرة والمستفيضة في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا ما من أحد من المتكلمين والفلاسفة أوغل في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الدقائق إلا وزاد حيرة على حيرته التي هو فيها.

التعامل مع ما وصف الله به نفسه

قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يزيد، سمعت أبا يحيى القزاز يقول: سمعت العباس بن حمزة يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه.

أخبرنا أبو الحسين الخفاف حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا الهيثم بن خارجة، سمعت الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي وسفيان ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات والرؤية، فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف.

قال الإمام الزهري إمام الأئمة في عصره، وعين علماء الأمة في وقته: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم.

وعن بعض السلف: قدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم].

لأن الله سبحانه وتعالى ما خاطب عباده بحكم من الأحكام، ثم أمرهم أن يقلدوا فيه يمنة ويسرة ليستخرجوا شيئاً بخلاف ظاهره؛ لأن هذا يقتضي عدم إرادة الظاهر, وفي هذا نوع تلبيس يجل عنه الوحي, ولهذا نقول: إنه ينبغي للإنسان أن يأخذ بالظاهر, فالناس في حال استقامة أمرهم في ملوكهم ووجهائهم إذا أرادوا أن يأمروهم بأمر أمروهم بأمر ظاهر, لا يحتاج إلى إنسان يبحث عن أسرار هذه الألفاظ, والمراسيم التي يصدرها الملوك والحكام, والبحث عن دقائقها وبواطنها ونحو ذلك؛ لماذا؟ لأن هذا الأمر لا يتعلق به، وإنما يتعلق بأمر العامة, الذي إذا قرئوه بعبارة فهموا مرادهم, هذا في أمر ضبط الدنيا فكيف بضبط أمر الدين؟

فنقول: إن كلام الله عز وجل هو أمر ظاهر, يأخذ به الإنسان, وأما ما يتعلق بالبحث عن الأسرار ودقائق والألفاظ ونحو ذلك, التي لا تظهر إلا للخُلَّص؛ نقول: هذه لا تتعلق بأمر العامة ولا بهدايتهم, وإنما هي علل ودقائق وقرائن تتعلق بأمور الأفراد, تزيدهم إيماناً إن أصابوا، وتزيدهم حيرة إن أخطأوا.

غربة الدين

قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو طاهر بن خزيمة حدثنا جدي الإمام أحمد بن نصر، حدثنا أبو يعقوب الحسن، حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا الدين بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء, قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله ) ].

والمراد بالغربة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ), هي ليست غربة الحق، وإنما غربة الحامل, باعتبار أن الحق محفوظ, وأن دين الله عز وجل كامل, وكتابه سبحانه وتعالى باقٍ, كما أنزله الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام يبقى على هذا الكمال والتمام إلى قيام الساعة, من الله عز وجل بدأ وإليه يعود.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ ), يعني: من جهة الحملة؛ حملة تلك الرسالة, يعيشون غربة في أمر البلاغ, ولهذا قال بعد ذلك: ( فطوبى للغرباء ), يعني: هم الغرباء, أما ذات الدين فهو باقٍ, وإنما يحتاج إلى حملة يبينونه ويبلغونه للناس، ويظهرون أمر الله سبحانه وتعالى.

قال رحمه الله: [ أخبرنا أبو عبد الله سمعت أبا الحسن المكاري يقول: سمعت علي بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله.

وروي عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال: يا أيها الناس! من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]].

التحذير من أهل البدع

قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس المعقلي، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثني أبي وعبد الرحمن الضبي، عن القاسم بن عروة عن محمد بن كعب قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فجعلت أنظر اليه نظراً شديداً، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي وأنا بالمدينة، فقلت: لتعجبي, فقال: ومم تعجب؟ قال: قلت: بما حال من لونك، ونحل من جسمك, ونفى من شعرك, قال: كيف ولو رأيتني بعد ثلاثة في قبري، وقد سالت حدقاتي على وجنتي، وسال منخراي في فمي صديداً, كنت لي أشد نكرة، حدثني حديثاً كنت حدثتنيه عن عبد الله بن عباس , قال: قلت: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لكل شيء شرفاً، وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة، لا تصلوا خلف نائم ولا محدث، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار, ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: الذي يجلد عبده، ويمنع رفده، وينزل وحده) ].

الحديث عند أبي داود من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن عباس , ومحمد بن كعب لم يسمع من عبد الله بن عباس شيئاً, فهو منقطع, وفي هذا أنه لا ينبغي للإنسان ألا يصدر أهل البدع, وألا يكون تابعاً له ولا في إمامة الصلاة؛ حتى لا يقتدي الناس به, ولا يكثر سواده, فإنه حتى وإن لم يقتد بقولهم وفعلهم إن أحاط بهم وكثر سوادهم اغتر الناس به فتأسوا به، وربما تأثروا بقوله وفعله ولو لم يتكلم, أو ظهر منه شيء من الأقوال فأحسنوا الظن به.

وكان من هدي الأئمة عليهم رحمة الله هو عدم تصدير المبتدعة وعدم الأخذ عنهم, ولا مخالطتهم كذلك, ولا تزكيتهم قدر الوسع والإمكان, وليس هذا طعناً في الأمانة, التي تكون في الإنسان من جهة الصدق ونحو ذلك, ولكن هو حماية للديانة, التي أمرنا الله عز وجل بحياطتها؛ حتى لا يتسلل شيء منه إلى الناس, فيتأثرون به, وكان بعض العلماء يحذرون من الإتيان إلى المبتدعة والأخذ عنهم، وهم يأخذون عنهم؛ لماذا؟ يأخذون عنهم على سبيل الانفراد مما لا يغتر بهم العامة من بعض مسائل الدين, أو ربما أخذوا عنهم فناً يعتنون به كعلوم الآلة وعلوم اللغة ونحو ذلك, ولكن لا يظهرون ذلك حتى لا يحسن الناس ظناً بهم فيتأثرون بأقوالهم وأفعالهم, فتنتشر البدعة من حيث لا يشعرون, وحينئذٍ يهدم الدين ويثلم.

قال رحمه الله: [ ( أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي يبغض الناس ويبغضونه, أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يقيل عثرة، ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنباً, أولا أنبئكم بشر من ذلك؟ الذي لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله, إن عيسى عليه السلام قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل! لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم) ].

لأن العامة يتجرؤون على الحكمة، وربما أنكروها, أو ربما سفهوا أحلام الحكيم, أو طعنوا في شيء من المعاني الصحيحة, فينبغي للإنسان ألا يلقي الحكمة إلا على حكيم, فإنه حينئذٍ يكون ربانياً.

قال رحمه الله: [ ( ولا تظلموا, ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم. الأمر ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فكلوه إلى الله عز وجل )].

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [8] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net