اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مناسك الحج للشيخ : أبوبكر الجزائري
وسعى عليه الصلاة والسلام وهو يقول: ( أبدأ بما بدأ الله به: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] )، فمن هنا كان السعي ركن الحج والعمرة، ولا التفات إلى من قال بوجوبه في الحج دون ركنيته، فإن ما ذهب إليه جمهور الأمة من أئمتها وعلمائها هو أن السعي ركن من أركان الحج، وهو الركن الرابع، وأركان الحج هي: الإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة.
إلا أن الطواف في الحج ليس هو طواف القدوم وإنما هو الطواف الذي يأتي بعد عرفة، ويسمى بطواف الزيارة أو طواف الإفاضة، إذا أفضنا من عرفات نطوف، كما قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] وهذا سوف نتحدث عنه في حينه إن شاء الله تعالى.
هذا المكان يستحب فيه الخبب وهو سرعة المشي، وهو نظير الرمل الذي عند البيت في الأشواط الثلاثة الأولى، وبعض النساء يتكلفن ذلك ولم يكلفهن الشارع، فالمرأة لا تسرع؛ لأنه يشق عليها ولا فائدة من شيء لا تثاب عليه.
ثم في ثاني مرة يعود ويقول: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ).
ثم في ثالث مرة يعود ويقول: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده ).
وهكذا كلما صعد الصفا، ثم ينزل إلى المروة فإذا طلع على المروة أيضاً استقبل البيت بوجهه ورفع يديه وقال: ( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.. ) كما قدمنا.
التكبير ثلاث مرات، ويعيد الذكر ثلاث مرات، هذا هو الذكر المشروع المسنون بين الصفا والمروة.
ويجوز أن يقرأ القرآن، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو له ولوالديه وللمؤمنين، المهم ألا يحملق في النساء، ولا يؤذي المؤمنين والمؤمنات، وليكن كالعبد الذي يسعى في خدمة سيده، كالموظف الفراش، يأخذ الملف من هناك ويخرج من هنا، هكذا تراه ذاهباً جائياً، هذا هو عبد الله بين الصفا والمروة كأنه عبد في خدمة مولاه.
فإذا فرغ من السعي وهو سبعة أشواط بثمان وقفات: أربع على الصفا وأربع على المروة، حتى لا تغلط تبتدئ بالصفا وتنتهي بالمروة.
أما المفرد فإنه إذا سعى لم يقص شعره، ويبقى كالقارن على إحرامه، يبقى يلبي كلما تجددت حال، وهو في عبادة.
تنبيه! بعض الناس يسعى متطوعاً، ولقد رأيت بعيني من يسعى وعليه ملابسه فقلت: يا عبد الله أنت تسعى وعليك ملابسك كيف هذا؟ قال: أنا متطوع، أتسعى تطوعاً؟ قال: نعم، كالطواف.
قلت: الطواف، نعم، أما السعي فلم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين وأئمة الإسلام أن هناك تطوعاً بالسعي، إذا رأيت الرجل يسعى وعليه ملابسه أوقفه وقل له: قف، اذكر الله في البيت الحرام أفضل، ما هناك سعي إلا ما كان واجباً.
ويستشهدون بقول الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة:158]، قالوا: هذا دليل على جواز السعي تطوعاً ونافلة؛ لأنهم ما فهموا مراد الله تعالى، فقول الله تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا أي: كقوله: فمن فعل خيراً يثب عليه فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ .
أي: تعطيه القليل يعطيك الكثير، هذا معنى (شاكر)، و(عليم) بمن يفعل خيراً لوجهه الكريم، فمن تطوع خيراً من الخيرات كالصلوات والصيام والصدقات والأذكار وقراءة القرآن، ليس معنى ذلك أنه تطوع بالسعي لأنه قال: خيراً من الخيور.
لا أجدكم تسعون بثيابكم وتقولون: متنفلون أو متطوعون، لا نفل في السعي ولا تطوع، وإنما في الطواف، فمن استطاع أن يطوف الليل كله فليفعل، ولكن كلما طاف سبعة أشواط خرج منها بركعتين خلف المقام، وليعد بعد ذلك.
وقول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27] هذا في العمرة بدون حج، هذه عمرة القضية التي تحدثنا عنها، فلهذا يستحسن أن تقصوا شعركم ولا تحلقوه إلا في منى بعد نهاية الحج.
الحلق بالموسى أو بالمكينة الناعمة الدقيقة، هذا هو الحلق.
وليس معنى هذا أن تظل على كراسي المقاهي تطالع التلفاز، وتسمع الأغاني، والشيشة في يسارك والسيجارة في يمينك.
يا عبد الله اخش غضب الله، إنك بالوادي الأمين، إنك ببلد رب العالمين، إنك في حرم الله، واسمع أقرأ عليك: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] اجعل نفسك كأنك في المسجد، ولولا الحاجة إلى التغوط ما تغوطت في مكة ولا تبولت.
فغض بصرك، وكف سمعك عن الحرام، ولا تتناول، ولا تأخذ، ولا تعط، ولا تمش في حرام أبداً، لا غيبة، ولا نميمة ولا كذب، ولا سرقة، ولا ولا.. إنما أنت في عبادة، أنت في ضيافة الرب، ما أقسى قلبك يا ابن آدم، يبعث إليك ربك ببطاقة فتركب على حسابه، وتنزل في ضيافته تأكل وتشرب من فضله، وتنام في داره، ولا تخجل، ولا تستحي، وتعصيه في بيته.
ما استطعت أن أقوّم دين أو خلق أو إيمان أو كرامة إنسان يفجر في بيت ربه، ما عرفنا كيف؟!
وقد كانت قريش تقتسم بينها الفضائل، فلقبيلة السقيا، ولأخرى الرفادة، ولأخرى الراية، ولأخرى السفارة، فيتقاسمون المجد، فالتي لها السقاية هم بنو هاشم، والعباس كان على رأسها، كانوا في اليوم الثامن يجمعون المياه على الإبل والبهائم في القرب والمزادات والرواية ويصبونها في حياض كبيرة في منى من أجل أن يشرب الحجاج.
وفي مكة يزيدون بأن يلقوا في الماء الزبيب من الطائف ليكون الماء عبارة عن عصير لذيذ، فما يكتفون بالماء بل يجعلونه عصيراً، ولقد كان الرجل منهم يذبح ألف بعير ليأكل حجاج بيت الله اللحم مجاناً، ويكسو ألف حلة، ألف بذلة يوزعها الرجل في الحج، وهو مشرك لا يؤمن بالبعث والجزاء.
وأنتم الآن أيها المسلمون المؤمنون يسلب بعضكم بعضاً نقوده وهو يطوف، أعوذ بالله منها، مسخ، ما عرف هذا أهل الجاهلية، يطوف بالبيت ويده إلى جيب أخيه، والمقص في يده، فيقطع لحمه ليأخذ فلوسه، هذا الذي ما عرف كيف يقوم أخنزير هو؟ الخنزير أشرف، من أي نوع هذا المخلوق، هذا مسخ حيوان لا وجود له، أخبث من الخنزير.
هذه التربية التي ربينا عليها في ديارنا؛ لأننا نعيش بلا تربية، ولمدة تزيد على ستمائة سنة، ما عندنا من يربينا من يهذبنا، من يصفي نفوسنا، نعيش في دنيانا فقط، فحدث فينا هذا البلاء، هذه التي لا تطاق: أيأتي حاج من دياره ليسلب الحجاج أموالهم؟! ما أظن اليهود والنصارى يفعلون هذا أبداً.
سميت هذه الساحة أو هذه القرية بمنى؛ لأن الدماء تمنى فيها، أي: تصب، وسمي المني منياً؛ لأنه يصب في الأرحام ويمنى.
وفي القرآن الكريم: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى [القيامة:37] وهناك قراءة سبعية من مني تمنى فلما كانت تمنى الدماء أي: تصب في ذبائح الهدي ونحر الإبل والبقر سميت المدينة أو القرية بمنى، ولا يقول: مُنى إلا جاهل بلغة القرآن.
أرسل إلينا ببطاقات الاستدعاء فجئنا، على حسابه: الأكل، والشرب، والمبيت، والإركاب، كل هذا من فضل الله، لا تغفلوا، ويل للغافلين.
والمدة التي أعطاها لنا كافية حتى يمكن أن يأتي الصيني، والهندي، والسندي، والمغربي، والشمالي، والصقلبي، ومسافات الأرض بعيدة كم المدة التي أعطانا الله؟ كم يوماً؟ تسعة وستون يوماً، شهران وتسع ليال.
ها أنتم الآن في طريقكم إلى الحفل الأعظم والمشهد الأكبر، حيث تمنحون الجوائز، وتعطون الهبات والعطايا السنية، التي لم يقدر عليها ملك من ملوك الأرض، ولو اجتمعوا على كرمهم ما استطاعوا أن يعطوكم هذا.
ونظر إلى ضعفكم وكثرة عددكم، المسافة من مكة إلى عرفة عبارة عن ثمانية عشر كيلو متراً، وأنتم فيكم الكبير والصغير والقوي والضعيف، والذكر والأنثى، فاقتضت رحمة الله أن تقطعوا من هذه الثمانية عشر كيلو متراً سبعة كيلو، فتبقى أحد عشر كيلو، وهي أخف من ثمانية عشر كيلو، فقال: انزلوا في منى يوم ثمانية، فمن صلاة الضحى أو صلاة الصبح والحجيج يغتسلون ويتنظفون -أعني بهم من تمتعوا بالعمرة- ويحرمون من جديد، فيستغفرون ويرتدون، وهم يقولون: لبيك اللهم لبيك حجاً لا رياء فيه ولا سمعة، فيغتسلون في منازلهم وخيامهم في مكة ويخرجون إلى منى وقد فاضت بهم الطرق.
ومن اغتسل وتجرد ولبى لا يأتي المسجد الحرام مرة ثانية فهذا غلو، ولا يطوف بالبيت باسم طواف القدوم هذا غلو، من بيته في طريقه إلى منى.
وأما الذين بقوا على إحرامهم وهم المفردون والقارنون فباسم الله يفطرون ويخرجون يلبون: لبيك اللهم لبيك، أي: استجبت لك مرة بعد مرة؛ لأنك دعوتني وحملتني على ما يسرت لي، وأكرمتني في دارك، وأفضت علي من إنعامك: الطعام، والشراب، والمبيت، كل هذا على حساب ربنا.
الجزء الأول عبارة عن سبعة كيلو أو ستة كيلو مترات؛ لأن منى ليس معناها العقبة، منى ممتدة إلى مزدلفة، هذا النزول في منى لو لم يتمكن منه الحاج، ولم يستطعه، وعجز عنه لا شيء عليه، لا يطالب بجزاء ولا غرامة، ولم يرتكب مخالفة، ومن قدر عليه فلينزل، فإنه منزل ارتضاه الله لعباده، فيدخل منى قبل صلاة الظهر ليستريح بها أربعاً وعشرين ساعة تقريباً فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، والصلاة هنا قصر؛ تُصلى ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها ثلاث وفي جماعة، ولا بأس أن يصلي أهل كل منطقة فيما بينهم بإمام لهم.
ومن حضر الصلاة في مسجد الخيف فقد أصاب مستحباً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين في مسجد الخيف، وثم المواعظ، وثم المعارف والتوجيهات والدروس طيلة اليوم والليلة، هذا موسم فلا يفوتنكم.
ما زلنا في منى، الصلاة به قصر لا إتمام، لا يغرنك جاهل يتم فتتم، صل ركعتين ركعتين؛ لأنك حاج ومسافر.
إن بعض أهل العلم يقولون: من أتم فصلاته باطلة، فلا تتم، صل ركعتين ركعتين فقط، ولا تجمع إلا أن تكون مريضاً، فصل الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب كذلك، والعشاء كذلك والصبح، ولا تنس التلبية أبداً.
إذا صليت ألح على ربك، ولا تظن أن الله يغضب ويقول: ما هذا الملحاح هذا: لبيك لبيك قد سمعناك، لا تظن هذا، فإن الله عز وجل يحب منك أن تعيد الطاعة، وتكرر الإنابة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
وادع الله، وقلل من الطعام والشراب، لا تكن أبا بطين، أنصح لك؛ لأن البطنة تذهب الفطنة، وإذا امتلأ البطن غنى الرأس.. يا عبد الله! اقتصد، قلل الطعام والشراب، وأكثر من ذكر الله ودعائه، وإياك ومجالس السوء، إذا جلس إليك من تعرف وقال: البطاطس بعشرة، والدنيا حر، والماء غير موجود، والثلج غال، لا تسمعه، أغلق أذنيك؛ لأنكم في عملية من أدق العمليات، ما يقوى عليها أمريكي ولا روسي، هذه عملية لغسل الروح، ما هي غسل المصارين، المصارين بسهولة غسلها بالحقنة الشرجية، هذا غسل روح، هذه عملية لإزالة الأدران والأوساخ التي علقت بروحك، فانتبه!
فلهذا قلل الأكل، قلل الشرب، قلل النوم، لا تفوتنك الفرصة، ولا بأس إذا تعبت أن تستريح، ولا تقولوا: قال الشيخ: لا تأكلوا، ولا تشربوا، ما قلت هذا، أنا قلت كما قال ربي: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31] فاكهة واحدة تكفي، لم الموز والتفاح والبرتقال وأنت مسافر؟ لم هذا؟
قد يقول قائل: هل يمكنني أن أقوم الليل في منى ليلة عرفة؟ الجواب: ما عندنا رخصة، إذاً ما فيه، فإن ركبت رأسك، وقمت لوحدك وما سمعتنا اجعل ذلك لله، أما أنها سنة فما عندنا سنة، وإن شئت فأطل وترك، وأحيي به ليلك، كان الصالحون يحيون الليل في ركعتين، وأنت عندك ثلاث ركعات.
لما أهبطا ما أهبطا مقرونين بحبل واحد، المسافة بينهما مسافة تعجز عنها الأرقام والآلات الحاسبة فلعل آدم نزل بالهند ولعل حواء نزلت بالمغرب، ولعلهما نزلا قريبين من عرفات، المهم التقيا هناك وتعارفا، فقيل: عرفة.
وهذه رواية ما هي عن أبي القاسم لو قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجزمنا بصحتها، إنما نحكيها على سبيل الحكاية.
وقيل في تسمية عرفات بعرفة: أن إبراهيم كما سأل الله تعالى أن يعلمه المناسك وأن يريه إياها، قال: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا [البقرة:128] فبعث إليه جبريل يعلمه المناسك، حتى وصل إلى عرفات وانتهى، قال: هل عرفت؟ قال: عرفت، فسمي المكان: عرفة، هذا أقرب من الأول.
حين زالت الشمس ودخل الظهر ارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرنة ويأتي منخفضاً إلى نمرة، وأذن المؤذن، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم خطب الناس، وهكذا يعمل أئمة المسلمين ومن ينوب عنهم من أمراء الحج.
وأما الأمة فلا تكفيها عرنة ولا نمرة، فالساحة كبرى، والميدان واسع، ولكن من أراد أن يزيد أجره وتعظم حسناته ويوافق حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت هذا، لا على سبيل الوجود ولا الإلزام، ولكن على سبيل التطوع والاستحباب.
والمسجد يقع بنمرة وعرنة؛ لأن الزيادة التي زادت الحكومة في المسجد -وجزاها الله خيراً وجزى رجالها- هذه الزيادة كبيرة داخلة في عرفات، فمن تنبه استطاع أن يبقى بالمسجد وقد حج.
الجهة الشرقية التي تلي عرفات من المسجد هذه الجهة داخل عرفة، والقاعد فيها قاعد في عرفة، لكن الجهة الغربية أكثر من نصف المسجد من هذه الجهة هو من نمرة وليس من عرفة، فمن بقي فيه ما حج أبداً إلا أن يبقى فيه إلى ما بعد الزوال أو بعد العصر ثم يخرج منه ويدخل عرفة، والأمر واسع؛ لأن الوقوف بعرفة يكفيك فيه ساعة قبل غروب الشمس إلى أن تغرب، تم الحج.
وترى الحجاج من ذوي الغفلة والجهل ينزلون بخيامهم غرب المسجد، وترى رجال الحكومة بالعسكر: اخرجوا يا حجاج، ارتفعوا من عرنة، ادخلوا عرفات، وهم يتصامّون ويعاندون، ولعل أكثرهم جاء سارقاً أو لصاً، هذا الغالب، أو جاء تاجراً، وإلا كيف يعلم بأن هذا المكان ما هو بمكان الحج؟ كيف تفسرون هذا بعد أن يأتيه عسكري وكشاف وعالم والهيئة يقولون: يا عبد الله الحج ليس هنا؟ العلة أننا ما ربينا، عشنا بلا تربية، ما تربينا في حجور الصالحين، ما فهمنا، ما ينجو منا إلا القليل، يا ويحنا، هذا الذي نقوله فقط.
هل تعرفون أن جلسة كهذه يعيش أخوكم المسلم ستين سنة ما جلسها، وهو من البيت للمزرعة، أو من الدكان للسوق، أو من البيت للمصنع، عاش أربعين .. خمسين عاماً ما جلس جلسة كهذه يعرف فيها عن الله، أسألكم بالله كيف يبقى الإيمان فقط؟ أنا أعجب، كيف يبقى مؤمناً، إما أن يصبح عالماً واعياً بصيراً مدركاً فهذا محال.
ونزيدكم محنة أخرى وهي أن حكامكم مثلكم ما عرفوا الله ولا الطريق إليه، فماذا ترجون منهم غير الحاصل؟
نحن نبكي ونتوجع، ونقول: آه، وهل تنفع آه؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ [التوبة:114].
حاكم يدير إقليماً كاملاً مدينة كاملة على رأسها ما ذاق طعم الإيمان، ولا عرف حلاوته، كيف يربينا؟ كيف يسوسنا؟
يا جماعة توبوا إلى الله، والله ما ينجيكم إلا الله، وسوف نعلن هذا في مسجد الخيف ونندبه حتى نبحّ، لابد من توبة صادقة ورجعة إيمانية، وما هو طريقها؟ طريقها أن أهل كل قرية في دنيا الإسلام وأهل كل حي في عواصم وحواضر ومدن الإسلام يعدون مسجداً جامعاً لهم يمكن أن يجمعهم كلهم، وأن يجتمعوا فيه من المغرب إلى العشاء لا يتخلف رجل، بل ولا امرأة غير حائض أو نفساء، وطوال العام وهم يسمعون الهدى ويتعلمونه.
من غير هذا الطريق لن نبقَ إلا هكذا تمضي حياتنا إلى أن نلقى الله، وأكثرنا على سوء الخاتمة والعياذ بالله، ما هناك إلا هذا الطريق كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
أقول: نعود إلى ما كنا نتحدث عنه: إذا نزلت على السنة في نمرة فأنت بين أمرين بين أنك تتجه إلى الجهة الشرقية حتى تطمئن أنك في عرفة؛ لأن جزءاً كبيراً من المسجد من عرفة، وإن التبس عليك ما وجدت مكاناً فاخرج إلى عرفة، وإن قلت: أنا أفضل أن أبقى في المسجد، فنقول: ابق في المسجد، فإذا برد الجو وتلطف فاخرج واجلس في عرفة، ثم تدعو وتذكر حتى تسقط الشمس وتنكبّ في الأرض، وحينئذ أفض.
إن أحدنا ليرضى أن يجلد مائة جلدة ويؤخذ مسلسلاً بالسلسلة إلى المخفر، ويبقى ثلاثين سنة ولا يرضى أن يعصي الجبار وهو قد تجلى لأهل الموقف.
إن من أعظم الناس ذنباً -والعياذ بالله تعالى- من قتل نبياً أو صور صورة، الحمد لله هذا العام ما رأينا مصورين، جزى الله القائمين علينا خيراً، كانوا يأتون عند المسجد هنا يصفون كالبقر يقولون: صور.. صور، ويأتي المصورون من خارج البلاد هذه، هذه مهمتهم يدمرون حجكم، يجيئون لأجل أن يصوروكم ويحملون الفلوس إلى بلادهم.
في هذا اليوم العظيم يأتي الرب ليعطي عطاياه، ويكرم ضيوفه وأولياءه، وعبده يعصيه وجهاً لوجه، لا يليق بالعبد أن يعصي مولاه وقد جاء ليكرمه.
يا عبد الله! وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الظهر والعصر على ناقته وقفة واحدة حتى غربت الشمس، ونحن مشغولون بالبقلاوة والمطاعم والمشارب: برّد يا حاج.
أما التجارة فقد أصبح نصف الحجاج تجاراً، وهذا من أشراط الساعة، والنساء أيضاً ملأن الشوارع؛ تاجرات، في حين أن أمة الإسلام ما حصلت على غنى كهذه الأيام منذ أكثر من ألف سنة، الناس في خير، الخبز مرمي ومع هذا كثرت التجارة أيام الحج حتى ما يبقى طعم للعبادة، ضيق عليها، الناس مشغولون بالتجارة.
يا عبد الله! البكاء والدموع أنفع وأفضل من الطعام والشراب، لا تكن كحجر أصم لا تسمع ولا تنطق، النهار طويل يمكنك أن تستريح ساعة، وتطعم ساعة، وتشرب وباقي الساعات لا تضيعها.
مر عمر بجماعات تحت الخيام قال: اضحوا لمن خرجتم له.
إذاً: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الظهر والعصر بعدما تلطف الجو، وقف عند جبل الرحمة والصخرة تحته ولم يطلع الجبل، وطلوع الجبل غير مستحب لأهل العلم، بل فيه غلو وابتداع، والتنافس عليه والتزاحم أدى إلى موت الناس، فليس من السنة طلوع الجبل أو محاولة ذلك، السنة الوقوف دونه، ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ( وقفت ها هنا وعرفات كلها موقف ) وهي مدينة واسعة، كذا كيلو في كيلو مربع تسع البشرية كلها -بإذن الله- لو اجتمعت.
والحكومة ما تقصر تضع العسكر لكن الناس بالقوة يتفلتون، إلى أين تذهبون؟ أنتم جئتم لله فما أعجلكم، يفسد حجه من أجل ربع ساعة، هذا هو الحمق، هذه هي الجهالة، هذا هو عدم البصيرة في دين الله.
هذه بعد كل صلاة نقولها مرة، فهذه وأنت واقف أو جالس أعدها ورددها آلاف المرات تعطى كل حاجة في نفسك، حاجاتك معدودة، تسأل: زوجة صالحة، ولداً صالحاً، وظيفة شريفة، رزقاً حسناً، مغفرة لذنوبك، دخول الجنة، هذه كلها في ربع ساعة وباقي الوقت تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ولهذا قصة، تعرفون عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، هذا من أبر أولاد الصحابة، كان إذا حج وهو يحج عاماً بعد عام، عام يغزو مع المجاهدين وعام يحج، طوال حياته، فيمر به مولى له يقال له: نافع فيجده يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وما يدعو.
فيقول: يا مولاي! الناس يدعون وأنت ما تدعو، يقول: اسكت، أنا أدعو، أما سمعت قول الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك فإن شيمتك الحياء
السنة أننا إذا أفضنا من عرفة ننزل بمزدلفة فإذا نزلنا أنزلنا أغراضنا ثم أذنا فصلينا المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين، ثم نطعم أو نستريح إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر أذنا لصلاة الصبح فصليناها مع سنة الرغيبة قبلها، فإذا فرغنا من الصلاة وقفنا مستقبلين الكعبة ندعو الله ونذكره إلى أن نسفر جداً، وتكاد الشمس تطلع، ومن ثم ننفر إلى منى، هذا الموقف يقال له: مزدلفة، ويقال له: جمع، وهو واجب بإجماع أهل السنة والجماعة.
وأهل العجز كالنساء والأطفال ومن يعنى بهم ويقودهم لهم إذن أن يخرجوا من مزدلفة بعد نصف الليل الأول، أما القادرون من الرجال فلا يجوز لهم أن يخرجوا من مزدلفة إلا بعد أن يصلوا الصبح، ومن لم ينزل بها عصى وعليه كفارة وهي فدية عبارة عن ذبح شاة في مكة أو منى.
وألفت النظر إلى أن آخر ما عندنا من الرخص أن ينزل الحاج وأن يتوضأ ويؤذن ويقيم فيصلي المغرب ثم يقيم للعشاء فيصليها، ثم يقف ما شاء الله ذاكراً داعياً، وإذا كان مضطراً للخروج خرج، هذا آخر ركن.
والذي ينزل يلتقط الحصى فقط هذا آثم، وشغل ببدعة عن سنة، وعليه دم يذبحه في الحرم ويستغفر الله عز وجل، بعض الحجاج يغلطهم السائقون للسيارات، يقولون: انزل يا حاج التقط الحصى.
التقاط الحصى من مزدلفة ليس بسنة، الحصى يلتقط حيثما وجد وفي الصباح عند رمية الجمرة، أما في الليل إنما يعبد الله بالصلاة والذكر والدعاء، هذا واجب لقول الله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198].
والمراد من المشعر جبل يقال له: جبل قزح، وكانوا يشعرون عنده هديهم، وهو من الحرم لا من الحل، فلهذا سمي بالمشعر الحرام، وهناك مشاعر في الحلال ومن الحلال، ومزدلفة من الحرم، لو ذبحت فيها الهدي لصح ولجاز.
فلهذا نأتي ملبين أمرنا بأن ننزل هنا لنذكره بأعظم ذكرى وأكثره: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200] فلعل الله تعالى يهبنا ما حرمناه يوم عرفة؛ فلهذا نأتي إلى مزدلفة نلبي؛ لأننا ذاهبون إلى الله، نلتمس رضاه، نطلب عطاياه، أما الذهاب إلى منى فليس ذهاباً إلى الله ولكنه ذهاب إلى رمي الجمرة، فنعود إذاً إلى التهليل والتكبير، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد؛ لأن الله يقول: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] بدايتها يوم العيد، لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:34] في أيام معلومات ومعدودات هي أيام التشريق، ويبتدئ الذكر من صباح يوم العيد.
حتى لا يؤذي مؤمن مؤمناً بقطرة دم تسيلها ظلماً تحول بينك وبين دخول الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ارموا بمثل هذه وأخذ حصيات بكفه وقال: بمثل هذا فارموا )، هذه حصى الخذف، لما تكون جالساً وتتناول حصاة بإصبعك وتقول هكذا، خذفت هذه الحصى، أما الكبيرة لا.
وقد رأينا الدماء تسيل بسبب ظلمنا، الرجل لحمقه يأخذ حصاة كبيرة ويضرب بها مؤمناً على رأسه، يا جماعة لا تسمعوا وتنسوا، لا تقولوا: سمعنا وعصينا، كما قال اليهود لموسى، التقط حصيات صغيرة كالحمصة، ولا ترم بها من بعيد، ارم بها حيث تراها تسقط في المرمى، أما أن تقف بعيداً وترمي رءوس الناس، وتؤذي المؤمنين والمؤمنات، فهذا باطل ومنكر.
وبعضهم يرمي بالأحذية والنعال، وبعضهم يضحك ويسخر وأعوذ بالله من الجهل، وبعضهم خائف يرتعد كأنه في معركة مع اليهود، يا جماعة ما فيها رصاص، ولا طلقة، ولا عصي، ولا حجارة، ما هي إلا حصيات صغيرة، لو ترمي بألف واحدة ما تؤذي، ولكن الناس في فزع، في خوف، فيركب بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً من الخوف فقط، ولا موجب للخوف، ما رأينا عدواً إلا الشيطان الذي ينفخ فينا، فإذا بنا يرفس بعضنا البعض، ما يستطيع المرء أن يقف لحظة حتى تمر امرأة بين يديه؟!
حرام أن ترمي بحصى واحدة، حرام أن تقف عندها تشوش على الناس، اذهب رأساً إلى جمرة العقبة وهي الأخيرة، تجاوز الأولى وتجاوز الثانية وائت الثالثة التي هي جمرة العيد أو العقبة وارمها، تتناول حصاة بعد أن تقرب وتقول: الله أكبر، فإذا ضربت الجمرة عدّها: واحدة الله أكبر، بالثانية الله أكبر، بالثالثة الله أكبر، وهكذا سبع حصيات، تكبر مع كل حصاة، فإذا فرغت تأدب في الخروج وتسلل، لم أنت هكذا خائف ترتعد وتصطدم مع الناس؟!
أنظر وكأننا ما نستطيع الجهاد، الذي يخاف من حصيات صغيرة يرتعد هل يقابل اليهود؟ الصاروخ كهذا العمود، أشجعكم وتفقدون الشجاعة ماذا نصنع لكم؟ لأن الإنسان يتأثر بالإنسان، يرى الناس خائفة يخاف هو، أنا أصيح كل عام: لا تخافوا، ما هناك يهود، ما فيه قتال، لعل الله ينزل السكينة.
يصطدم بعضنا البعض للخوف، والخوف سببه حصيات كبيرة، حرام أن ترمي بحجر يا عبد الله، سبع حصيات في كفك صغيرة بحيث لو تضرب به إنسان ما تؤثر به.
فإذا رميت الحصيات السبع مكبراً الآن كأنما قلت من الصلاة: السلام عليكم.
فإذا حلقت تحللت التحلل الأول، ادخل الخيمة واغتسل، والبس لباسك، ومس الطيب، ولكن لا تحلق وجهك، ولا تقرب امرأتك فما زلت مربوطاً مع الله.
فإذا رميت الجمرة، وحلقت، وتنظفت، ولبست اذهب إلى بيت الرب؛ لتشكره على الهدية التي أعطاك؛ لأنك ما خرجت إلا لهذا، ما خرجتم لعرفات إلا لأجل عطية، وأنتم تشعرون أنكم أُعطيتم عطايا من ربكم، فلابد إذاً من الشكر، تأتي إليه في بيته وتعلن على أنك ممنون، حامد، شاكر: الحمد لله أكرمتنا، أنعمت علينا، أعطيتنا، لك الحمد، لك المنة، تطوف سبعة أشواط، فيحل كل شيء حتى النساء، وهذا هو التحلل الثاني.
إذاً هذه أيام منى أيام، أكل وشرب، فإذا استجدت لك قوة وصحة، يعطيك بطاقة ادخل سجل في الدفتر الأخير: طواف الوداع، ومع السلامة.
يا أبنائي! نريد أن ننهي هذا المنسك الآن إذاً: طفنا طواف الإفاضة نعود إلى منى ولا نبيت بمكة، بعض المتساهلين أو المسرفين من أمثالنا يطوف طواف الإفاضة ويبقى في الفندق عند التفاح والعنب وهو لاه وساه، ويأتي الليل يقول: هيا، دعنا ننم الليلة هنا، لا يحل المبيت بغير منى، حرام على القادر أن يبيت بغيرها، اللهم إلا مريضاً نقل للمستشفى، اللهم إلا صاحب عمل ضروري كالسقاة ورعاة الإبل، فهؤلاء أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أعرف أن الجمع كبير، والأمة عظيمة، ولو أردنا أن نرمي وقسمنا الوقت علينا لما كفتنا الأربع والعشرين ساعة، فلهذا رخص لنا العلماء بأن الذي عنده نساء يتركهن إلى الليل، أما جمرة العقبة فتستطيع أن ترمي من قبل الفجر وطوال النهار إلى نصف الليل.
لم الزحام إذاً؟ وقد رأينا مع العصر ما بقي أحد؛ لأن كل إخواننا راغبون في التحلل؛ ملوا، ما يستطيع أن يصبر إلى المساء وهو يلبي، فلهذا يا صاحب النسوة لا تقحم نساءك في تلك المعمعة الطاحنة، دعهن واخرج معهن بالليل.
أما اليوم الثاني إذا زالت الشمس عن كبد السماء فصل الظهر والعصر وتوكل على الله، ومعك إحدى وعشرون حصاة في جيبك كحصى الخذف، فإذا وصلت إلى الأولى: الله أكبر، الله أكبر، سبع حصيات واحدة بعد واحدة، بعض الجهلة يرمي بالسبع مرة واحدة: خذها يا إبليس ويضحك، يكاد أن يسقط على قفاه، هذا يجب أن يؤدب، ينقل للمحكمة ويعزر حتى يتوب إلى الله؛ لأنه ابتدع بدعة خالف فيها أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، نسي قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] هذا هو ذكر الله.
بعد أن يرمي بسبع حصيات يتسلل، ويخرج بعيداً؛ ليستقبل القبلة ويرفع يديه حتى يظهر إبطاه، ويدعو ويبكي حتى يشعر بالإجابة، وعندنا علامة تأخذونها ساعة، إذا دقت وصوتت عرفت أنه استجيب لك، تريدونها؟ هذه الساعة ما تباع في الأسواق؛ لأنها ليست من صنع الناس، اسمع! أنت تسللت من الزحمة، وذهبت بعيداً، واستقبلت الكعبة، وإن لم ترها ارفع يديك وادع، واعص نفسك، وابك، لما تشعر برعدة؛ برعشة، والدموع تندفع كالسيل، إذا حصل لك هذا علمت أنه استجيب لك، فإذا فرغت من الدعاء اذهب للجمرة الثانية، بقي معك أربع عشرة حصاة، امش غير خائف، ما عندنا يهود، ولا نصارى، ولا يوغسلاف، ولا شيوعية، ولا شيء، امش وأنت مطمئن، ما تخاف قط، واصبر، وإذا جاء المجانين يرتعدون فقل لهم: هدءوا أنفسكم، اصبروا، لا تخافوا، أنتم مقيمون، النهار طويل، والليل طويل، لم العجلة؟
إذا وصلت إليها افعل كما فعلت مع الأولى: سبع حصيات والدعاء، فإذا فرغت مشيت إلى جمرة العقبة، فإذا وصلتها فارمها كما تيسر، السنة أن ترميها من بطن الوادي والآن لا وادي ولا جبل، كل شيء مهد وسهل؛ حتى تكون المناسك سهلة، ونأبى إلا أن نصعبها.
كانت الأمة كلها تجتمع في بطن الوادي والجمرة وراءها جبل، الآن لا جبل ولا وادي، والأرض معبدة، ومع هذا ما يدري بعضنا كيف يرمي؟ ارمها كما تيسر: الله أكبر سبع حصيات، إذا فرغت فليس هناك دعاء، أعطيت إذناً بالعودة إلى رحلك لتشرب وتأكل وتنام، وترميها من الزوال إلى المغرب إلى نصف الليل، الأمر واسع، المهم لا تؤذِ المؤمنين والمؤمنات.
لا ترم بحصيات كبيرة، لا تزاحم، أو زاحم بلطف! لا تخف، فإن الوقت متسع.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مناسك الحج للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net