اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فضل ذكر الله للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد:
فيا معاشر الأبناء والإخوان! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
استجابة لدعوة إخواننا أهل مركز الدعوة والإرشاد بالمدينة خرجنا للمرة الثالثة، وها نحن ما زلنا مع حديث مسلم ، والذي خرجه من طريق أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، ونص الحديث الشريف: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ).
فتناولنا كلمتين من هذه الكلمات الطيبات: الأولى: (الصلاة نور)، والثانية بعد أسبوع: (الحمد لله تملأ الميزان)، وموعدنا الليلة مع قوله صلى الله عليه وسلم: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض)، هذه الجملة الكريمة هي كلمة طيبة نعيش عليها في هذه الساعة من الزمن في بيت الله مع أولياء الله، وكل راج رحمة الله، اللهم لا تحرمنا رحمتك.
قوله فداه أبي وأمي: (سبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) أولاً: هذا الشك إنما هو من الراوي، الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: (تملأ ما بين السماء والأرض) أو قال: (تملآن ما بين السماء والأرض)، لكن من باب الأمانة، وما حمل هذا الدين ووصل إلى عامة المسلمين وفي كل ديارهم إلا بالأمانة، فإذا شك الراوي فالأمانة تتطلب منه أن يذكر اللفظين؛ إذ أحدهما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعاً، بخلاف ما لو رجح أحد اللفظين وذكره، إذ قد يكون اللفظ المتروك هو الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويترتب على هذا ضياع خير كثير، بل يترتب عليه إيقاع أمة الإسلام بملياراتها في خطر، فالأمر ليس من السهل بحيث إن شاء ذكر هذا اللفظ وإن شاء ذكر ذاك.
وهذا تلحظونه في كل الأحاديث النبوية، حيث يشك الراوي من الصحابة أو التابعين أو تابع التابعين إلى عهد التدوين، إذ مضت فترة من الزمن قرابة مائة سنة ما كانوا يدونون وإنما كانوا يحفظون، فحملوا هذه الأمانة خير محمل، ووصلوا بها إلى حيث اطمأن المسلمون إلى صحتها وسلامتها.
قوله: ( تملآن أو تملأ)، سبحان الله والحمد لله بوصفها جملة (تملأ)، وبوصفها كلمتين ( تملآن ما بين السماء والأرض ).
معنى هذا اللفظ: تنزيه الله عز وجل عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، فتنفي بكلمة: (سبحان الله) ما لا تستطيع أن تعده الساعات، لو أخذت تقول: ربنا لا شريك له، الله لا شريك له، الله لا نظير له، الله لا غالب له، الله غني ومن عداه فقير، الله بيده كل شيء، الله يسمع كل صوت، الله يعلم كل كائن، الله منزه ليس بأعرج ولا بأعمى ولا بميت ولا بناقص ولا بمولود ولا بمخلوق، وأخذت تنفي كل النقائص فكلمة: سبحان الله دالة على جميع ذلك.
هذه الكلمة أنزلها الله تعالى في كتابه وأوحاها على رسوله؛ لتكون علماً على تنزيهه تعالى عن كل النقائص والعيوب، وما لا يليق بذاته وبجلاله وكماله.
وردت كلمة (سبحان) ومفرداتها في القرآن في عدة آيات، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بأن يسبحوا الله تعالى بها، من ذلك: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر:98]، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42]، وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26]، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180].
إذاً: لولا أنه تعالى يحب هذا اللفظ ويرضى به، وبالتالي يثيب عليه ويجزي به لما كان يأمر رسوله وعباده المؤمنين أن يسبحوه به، وأن يقولوه له، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180].
مما ينبغي للمؤمن أن يقوم به إزاء هذا التسبيح، أولاً: صلاتنا نافلة كانت أو فريضة من واجباتها أو سننها الأكيدة أننا نسبح الله في الركوع والسجود؛ امتثالاً لقول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، وقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، فقد جاء في السنن: ( أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما نزلت هذه الآية: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] فقال: اجعلوها في ركوعكم )، فكان إذا ركع أحدهم قال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً بحسب حاله، ولا ينبغي أن يقل التسبيح عن ثلاث، وينبغي أن يمد المسبح به لسانه، وألا يختلس الحروف ويسترق الكلمة، بل يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وهذا أكمل.
( ولما نزل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم )، فما سجد بعد أحدهم ولا سجدنا نحن أيضاً بعد أن علمنا إلا وسبحنا الله بما أمر به رسوله والمؤمنين أن يسبحوه: سبحان ربي الأعلى، وما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] إلا قال بعدها: سبحان ربي الأعلى، فإذا قرأ أحدنا هذه السورة سواء في صلاة أو خارج الصلاة، لما يقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] يسكت ويقول: سبحان ربي الأعلى، وما أحسنها وما أعذبها؛ لأنها امتثالة صادقة، أُمِرَ فامتثل، فسوف يجد لذتها في نفسه، شعر أن الله أمر، وأنه امتثل أمر ربه، فسبحه بما أراد أن يُسبح به، فقال: سبحان الله، سبحان ربي الأعلى.
ورد في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ).
معاشر الأبناء! هاتان الكلمتان حسبهما أن نعلم أن الله يحبهما: (حبيبتان إلى الرحمن)، وأروني محباً صادقاً يعلم أن حِبّه ومن يحبه يحب شيئاً ثم لا يقدمه له وهو يطلب مرضاته، وهو يتوسل إلى حبه ويريد أن يظفر به دون غيره، ومرة ثانية: أروني محباً صادقاً يبلغه أن حبيبه يحب كذا من الكلم أو من غيره مما يرغب فيه ويريده ثم لا يتوسل إليه بتقديم ذلك المحبوب، إن قلتم: فلان، قلنا: حبه غير صادق.
إذاً: فالمؤمن الذي يتدرج في مدارج الكمال ويريد أن يصل إلى مستوى يصبح فيه محبوباً لله، إذا سمع مثل هذا عن رسول الله لا يتردد في أن يكون هذا واحداً من الأوراد التي يرددها صباح مساء.
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم كلمتان خفيفتان على اللسان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ثقيلتان في الميزان، إذا وضعتا في ميزان الحسنات كانتا كأطنان بل كجبال، بل قد تكون كثقل السماء والأرض.
ومن الغفلة ومن جفاف القلوب أننا نذكر الميزان والوزن، ونذكر ما يثقل وما يخف، وفي نفس الوقت لا نحفل بمثل هذا ولا نهتم له، إننا حقاً محجوبون والحجاب كثيف، وإلا نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في مشاهد القيامة وعرصاتها والناس واقفون للحساب، ويتقدمون واحداً واحداً، وتوضع أعمالهم في موازينهم، ويحتاج العبد إلى حسنة واحدة، فيطلبها من أعز الناس إليه وأحبهم عنده، يطلبها من ولده، فلا يقول ولده إلا: نفسي نفسي يا أبتاه، وبالتالي نسمع مثل هذا ولا نجعل لأنفسنا ورداً ولو عشر كلمات نقولها في الصباح والمساء، إن دل هذا على شيء يدل على ماذا؟ أيدل -والعياذ بالله تعالى- على ضعف إيماننا في هذا، على أننا غير موقنين، أو يدل على أن عندنا صك غفران، عندنا بطاقة كتبت لنا بأننا ناجون؟ على ماذا نعول إذاً؟
( سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن )، إذاً: هذه الكلمة: (سبحان الله) حقاً والله إنها لخفيفة على اللسان، سبحان الله ولعل الأعجمي كالعربي لا يستصعب النطق بها، ولا يعسر عليه أن يفوه بها متى يشاء: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
قوله: ( سبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض )، سبحان الله هذه الكلمة هي العلم على تنزيه الله وتقديسه عن كل ما لا يليق به، فإذا أردت أن تنزه ربك ساعات تبعد عنه كل ما لا يليق به من سائر أنواع النقص والعجز والضعف قل كلمة: (سبحان الله) كالمفتاح، فاشغل بها لسانك.
وهذا موسى عليه السلام وللحديث علاقة بهذا، موسى عليه السلام يقول: ( يا رب )، وكان يناجي ربه ويكلمه كفاحاً وجهاً لوجه بلا واسطة، ( يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به )، أعلن موسى افتقاره وحاجته إلى أن يعرف شيئاً يذكر الله تعالى به أو يدعوه به فيستجيب له، إذ لولا أن الله علمنا ما علمنا، وليس هذا من باب ما يخترع ويبتدع كسائر الصناعات، من الذي يعرف مراد الله؟ من الذي يعرف ما يحب الله؟ هذا لا يدرك بالتخمين ولا بالحزر، ولا بالقياس والمناظرة، لا بد من التلقي عن الله، فموسى نبي بني إسرائيل على جلالته يعلن عن حاجته ويقول: ( أي رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، فيقول له الله عز وجل: يا موسى! قل: لا إله إلا الله )، وهي أعظم من (سبحان الله والحمد لله).
( قل: لا إله إلا الله، فيقول: أي رب كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله )، فمن ذا الذي يعجز عنها؟ فما هي خصوصية خصصتني بها؟ (كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله)، كأنه تقالهّا من حيث إنها شائعة بين الناس يذكرون الله تعالى بها، فأراد أن تكون له خصوصية يتفوق بها على الناس، وهكذا النفس التواقة إلى الكمال.
( فقال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع وعامرهن غيري وضعن في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في كفة، لرجحت بهن لا إله إلا الله ).
إذاً: فـ(لا إله إلا الله) أعظم من (سبحان الله والحمد لله) وأجل؛ لأن (لا إله إلا الله) اشتملت على تنزيه الله بقدر ما اشتملت عليه (سبحان الله)، وبعد التنزيه وإبعاد النقص والعيب يحل محله الكمال والجلال، وتأتي (إلا الله) بعد نفي كل الآلهة وإبطالها إذ لا تستحق التأليه بوجه من الوجوه، إذ لا يستحق التأليه إلا من خلق العالم وطينته، خلق الإنسان وخلق أسباب بقائه وكماله، وأما المخلوقات فهي حسبها أنها مخلوقات والمخلوق لا يَخلق، والمرزوق لا يَرزق، والمعطى لا يعطي، هذه هي الحقيقة، فـ(لا إله إلا الله) كلمة التوحيد أعظم من (سبحان الله وبحمده)، وكيف وهي وحدها لو وضعت السماوات السبع ومن فيهن غير الله عز وجل والأرضون السبع ومن فيهن في كفة الميزان ووضعت (لا إله إلا الله) في كفة لرجحت بهن لثقلها وعظمها.
ولا تقولن: والكلمات تصطدم مع بعضها البعض؟
الجواب: هل يتصادم النور مع النور؟ هل يحجب هذا عن هذا؟ الجواب: لا، وهي كلمات أنوار: ( سبحان الله والحمد الله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض ).
روى البخاري في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت )، هذه مقدمة إن ربطنا بها نتيجة قلنا هكذا: من يذكر ربه حي وهو في عداد الأحياء، ومن لم يذكر الله تعالى ميت وهو في عداد الأموات، وإن تزوج وأنجب، وإن حرث وحصد، وإن بنى وسكن، وإن طار في السماء وغاص في الماء، هو ميت.
وقد شرحنا هذا المعنى، وعرفنا معنى الحياة والموت، من خلال أن هذا الإنسان خلقت الأكوان كلها من أجله وخلق هو من أجل الله، فإذا استجاب لله وأقبل على طاعته، وتخلص له وتفرد الله به، ولم يبق للغير شيء فيه، وأصبح عبد الله لا عبد الدنيا ولا عبد الهوى، همه في الله، مجيؤه وذهابه.. طلوعه وهبوطه.. حياته كلها وقف على الله، إذا ناداه ربه سمع، وإذا استنطقه وطلب منه أن ينطق نطق، وإذا دعاه أجاب، وإذا استوقفه وقف، إذا خاطبه فهم، فهذا الذي يسمع ويبصر ويجيء ويذهب ويفهم الخطاب ويعي ما يقال له هو الحي، والله إنه لحي، والذي ينادى فلا يسمع، يدعى فلا يجيب، يؤمر فلا يأخذ ولا يعطي ولا يقدر، يخاطب فلا يفهم ولا يعقل، أناشدكم الله هل هذا حي؟ الذي يفقد السمع والبصر والقلب والعقل واليد والرجل والحركة، فلا يستجيب لربه يعتبر حياً؟ الحياة لها مظاهرها الدالة عليها: عبد الله يقول: لبيك هذا حي، عبد الله! أمامك الحفرة، يقف وينحرف عنها هذا حي؛ لأنه أبصر ولأنه سمع، عبد الله قل كذا، يقول، معنى هذا أنه يعقل ويفهم، أما إذا كان لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ولا يفهم فنسبة الحياة إليه خطأ فهو ميت، وقد استعمل هذا القرآن وذكر لنا الأموات وهم الذين لا يستجيبون لله: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزخرف:40]، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80]، وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:81].
ولعلي ما أفصحت لكم عن النقطة الحقيقية، قلت لكم: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الذي يذكر الله حي والذي لا يذكره ميت، ما وجه ذلك بالدليل العقلي؟
دليله أن الإنسان خلق يسمع ويبصر ويعقل، خلق الله له الفؤاد والسمع والبصر ليكلفه فينهض بالتكليف، فإذا كان لم ينهض بهذا التكليف ولم يتحمله فأي معنى لسمعه أو بصره أو عقله؟ هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:1-2]، للابتلاء، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [النحل:78]، من أجل العمل، فإذا الإنسان لم يعمل لم ينهض بهذا الواجب الذي خلق له، فمعنى هذا: أنه عدم سمعه وبصره وفؤاده، فلا القلب يعقل ويفهم، ولا اللسان ينطق، ولا الأذن تسمع، ولا العين تبصر، هذه حقيقة.
ثم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلنا يسلم بأنه لا يدخل الجنة أحد قبله، هكذا أعطاه الله، أول الداخلين لدار السلام هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حسبه أن يكون مبشراً، أفلا ينال ما يبشر به؟
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد يعد له ابن عمر ومن معه من التلاميذ وهم أبناء الصحابة الصغار، قال: ( كنا نعد له في المجلس الواحد قوله: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة )، أعظم من هذا عندما يهب من نومه ويستيقظ من منامه أول كلمة يفزع إليها هي: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).
وأقول للأبناء وللغافلين مثلي: إن كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحايينه، معنى هذا: أنه لا يفتر أبداً عن ذكر الله، فهو دائماً ذاكر.
وهنا قد يقول القائل: هو في غنى عن الحسنات؛ لأنه ضامن على الله دخول الجنان.
وقد يقول آخر: هناك من الأعمال ما هو أجل من الذكر.. ويقول الآخر، وهذا من باب أن يتملص الإنسان من مثل هذه العبادة؛ ليخلص قلبه للهوى وللدنيا، وإلا فلنعلم أن المنة لله تعالى أن سمح لنا أن نذكره، ولو لم يتفضل علينا بذلك، والله ما كنا أهلاً لأن نذكره، ونحن نشاهد الرجل يغضب على أخيه يقول له: لا تذكرني بعد الآن، أنا أجلُّ من أن تذكر اسمي، لا تذكر اسمي أبداً، ولو سمعتك تذكرني لفعلت معك كذا وكذا، فنحن مع ضعفنا وصغرنا وحقارتنا.. و.. و.. يسمح لنا ذو الجلال والكمال، رب الكمال والجلال، رب العزة يسمح لنا أن نذكر اسمه، ثم نرى أن لنا المنة عليه، معاذ الله ونعوذ بالله، يشهد لهذا ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا استيقظ من منامه ذكر الله وحمده، ومن جملة محامده أن يقول: ( الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي في ذكره )، أي: سمح لي أن أذكره.
قوله: (وأذن لي في ذكره)، وهذا له وجهان:
الأول: لولا أن الله هيأك يا عبد الله لأن تذكره ما استطعت أن تذكره، بدليل وجود بلايين الخلق والله ما يذكرون الله، ويعيشون الستين والثمانين من السنين ووالله ما ذكروا الله.
وثانياً: أنه أذن لك أن تلفظ باسمه وتذكر اسمه، وأقدرك على ذلك، فهذه منة.
معاشر الأبناء! من استطاع منا أن يحافظ على هذه الأذكار فليفعل، فإنها خير مغنم، ووالله لمن خير المغانم، واعلموا أن من عاش منكم وخاصة الأبناء الشبيبة الأحداث والشياطين تتربص بهم إنه لا حصن لكم إلا ذكر الله، فالذي يدخل هذا الحصن ولا يخرج منه لا يستطيع الشيطان أن يقتحمه عليه، ولا يستطيع أن يذله أو يسقطه فيما أسقط فيه ملايين الشبيبة، وما زلنا نذكر كلمة الله عز وجل إلى يحيى بن زكريا عليه السلام وهي ضمن أربع كلمات، أوحى الله تعالى بها إليه ليقولها لبني إسرائيل وليعمل بها ويعملوا هم أيضاً بها، من تلك الكلمات الأربع قوله تعالى: ويأمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل هالك يطارده العدو، يجري العدو سراعاً وراءه حتى إذا وجد حصناً دخله فتحصن به من العدو، فذلك مثل الذي يذكر الله عز وجل.
اليوم قرأت كتاباً لأحد الناس يلح فيه على الذكر باسم المفرد، ويحاول أن ينتحل الحجج، وينتحل البراهين التي تثبت الذكر بالاسم المفرد، فأجلب بما أمكنه أن يجلب، وتبقى الحقيقة ناصعة، يا عبد الله! كم عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؟
عاش عشر سنوات، قضاها كلها تعليماً وتحليماً، إي ويشهد الله، قضاها كلها في التعليم والتربية لأصحابه، وعلمهم من الأذكار ما علمتم، ورغب فيها بما سمعتم، وقالها وسمعوها وحفظوها من فمه الطاهر صلى الله عليه وسلم، لم لم يشأ في يوم ما أن يعلمهم ذكراً باللفظ المفرد: الله، الله؟ أعن نسيان هذا وقع؟ لا، أعن جهل؟ الجواب: معاذ الله، أعن غفلة؟ معاذ الله، لو غفل ذكّره الله، لو نسي ذكّره الله، لو جهل علّمه الله، لو أراد الله أن يذكر باسمه (الله) لأنزل به كتاباً، لعلّمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف -إذاً- نُصِرُّ معاندين على أن الذكر يصح بالاسم المفرد؟ يقال: الإنسان يحتاج إلى أن يكمل له الكلام وأن تقول: الله ربنا، أو: محمد رسول الله، أما الله فهو لا يحتاج إلى أن تخاطبه بجملة؛ لأنه يعلم المفيد وغير المفيد! فهل هذا الموقف يقفه عاقل يخاف الله؟ لا يقفه إلا من يدافع عن عقيدة أو عن فكرة اختمرت في ذهنه وعرف بها، وأصبح يدافع عنها بالباطل.
نحن لما نقول: (الله) نذكر الله بلفظ أراد منا أن نذكره به، فعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقول: لا إله إلا الله، علمنا أن نقول: سبحان الله، أن نقول: الحمد لله، أن نقول: الله أكبر، أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن هذه الجمل عائدها يعود علينا، نحن الذين نستفيد مدلولها ونفهم معناها، وقد قدمت لكم أن الذكر لا يفيد فائدته إلا إذا كان العبد عالماً بمعناه، عارفاً بمدلوله، فاهماً لمراده منه؛ ويا ليت القوم وقفوا على كلمة (الله) بل أضافوا إليها ضمير الغيب (هو)، وينازعون ويدافعون مصرين أن يكون (هو) من أسماء الله، وأسماء الله محصاة مائة إلا اسماً رواها الترمذي وغيره مدونة ما فيها كلمة: (هو) أما: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22] فهذا ضمير الغيبة، ضمير الشأن، كقول القائل: (هي الدنيا تقول بملء فيها)، فهل هي اسم الدنيا؟ هذا ضمير يورد لعظم المقام، فليس هو الاسم، بل يردد ويقول: قولوا: يا هو بإشباع الواو، يا هو، ولم هذه الحيرة كلها؟ لم هذا التخبط؟ أما يكفينا ما ورد صافياً؟ أما يكفينا ما عاش عليه أسلافنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلامذتهم ومن بعده من كُمَّل الخلق إلى اليوم؟ ما الذي جعلنا نفتقر إلى الباطل، ونحتاج إلى بدعة وأمامنا أنوار السنن تغمرنا؟
إنما هو العناد والعياذ بالله تعالى.
أولاً: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، لا بد من هذا يا عبد الله وأنت سائر، إن شئت في الصباح أو المساء، لكن كونها في الصباح أليق بك؛ لتظل يومك كله في حرز، أما الهبة التي تعطى لهذا الذكر فهي لا تقدر أبداً.
ثانياً: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاة مفروضة، هذا مما لا يفرط فيه العاقل، سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين بزيادة: الله أكبر، عند الاضطجاع على فراش النوم، هذه هدية قدمها رسول الله لابنته وفلذة كبده ولابن عمه، وإن شئنا قلنا: ولقائده المظفر علي بن أبي طالب.
العجب يا أبنائي! إننا لفي غفلة، هذه القصة وحدها كافية في أن تزيل ما نحن فيه: تأتي الزهراء رضي الله عنها تطلب معونة من أبيها، كلَّت من العمل، ما استطاعت أن تقوم ببيت كامل، تربي الأطفال، وتطحن الحب، وتطعم الطعام، ماذا تصنع؟ فجاءت تشتكي وتطلب معونة من والدها بوصفه والداً، وبوصفه رسول الله، وبوصفه إمام المسلمين وحاكمهم وبيت المال عنده، أميرة من سيدات الأميرات، فلم يجد ما يعطيها، فيأتي بالليل وقد نامت ونام الناس، فيجدها نائمة مع زوجها فيدخل بينهما ويعطي إحدى يديه لـفاطمة وأخرى لـعلي ، ثم يعطيها هذا الذكر: ( إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين، يكون ذلك عوناً لكما على الحياة )، والله لو كان ما على القلب من هذه الحجب لما فرح أحدنا بشيء كما يفرح بهذه، ولكن مع الأسف، فعلى الأقل نقولها كل ليلة.
الجواب: أولاً قوله: (اعمل لدنياك..) إلى آخره، الذكر لا يمنع أن يعمل المرء لدنياه، المعول في يده وهو يرفع المعول: باسم الله، الله أكبر، يقود النفاثة وهو يقول: سبحان الله الذي رفعني وإياها في السماء؛ لأن الذكر هذا الذي دعونا إليه يقوم به القلب واللسان، فلا يمنع منه البناء ولا الهدم ولا الكتابة ولا غيرها من الأعمال.
ثم نحن ما طالبناه بألا يفتر؛ لأنه في غير المستطاع، ولكن يذكر الله عز وجل جل وقته، ولا يتعارض مع العمل بحال من الأحوال.
أما: (ساعة لقلبك وساعة لربك)، وفيه: (ساعة وساعة) ذاك في مثل أن يصلي العشرات من الركعات بالساعات، أو ينقطع جالساً في المسجد يذكر أو يقرأ القرآن أو يتعلم العلم، قد يقول: ما أطيق كل النهار، نعم، لكن الذكر هذا يذكره ماشياً وجالساً وقائماً ونائماً وآكلاً، دائماً مع الله، فهذا لا يتعارض مع قول القائل: ساعة لقلبك وساعة لربك، ثم إذا جاء يأكل وقال: بسم الله، ذكر الله وهو يأكل، إذا وضع الملعقة وغسل يديه قال: الحمد لله، ما هناك ما يشغلك عن ذكر الله، ولكن إذا لم يرد الله لعبد خيراً فلا تملك فعل شيء له.
الجواب: معاشر الأبناء والإخوان! الذكر بالاسم المفرد كأن نقول: الله الله الله الله الله الله، أو: يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف، أو: هو هو هو هو هو، أو: يا حي يا حي حي حي حي، هذا الذكر موجود الآن وفي هذه الساعة، وفي كل بلاد المسلمين، تقوم به طائفة تنتسب إلى التصوف، وما أبعد التصوف الحق منها.
هذه الأذكار يضاف إليها الجماعة، مع أن الاجتماع على الذكر بالصيغة الواحدة، كأن نقول كلنا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، بصوت واحد هذه الصيغة ما عرفها صدر هذه الأمة ولا اجتمعوا عليها لا في المسجد ولا في البيت، ما علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ولا عاشوا عليها، ولا عرفها أئمة الإسلام، هذه الصيغة من حيث هي بالصوت الواحد محدثة بدعة أنكرها العلماء.
ثم بالاسم المفرد يا أبنائي! لما نقول: يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، هذا دعاء ونداء، نناديه؛ لأننا نسأله حاجة، فلما نقول أكثر من ثلاث مرات: يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، ماذا يقول الله؟ عبدي اسأل، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( إذا قال العبد: يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين ثلاثاً، قال الله تعالى: عبدي أسمعت فاسأل )، وورد كذلك في اسم الرب: ( إذا قال العبد: يا رب، يا رب، يا رب، ثلاثاً قال الله: عبدي أسمعت فاسأل، ويسأل حاجته )، أما الذي يقول: يا رب، يا رب، يا رب، يا رب، يا رب ساعة أو ساعتين فأنا أحسبه كالمستهزئ، أو ما يريد أن يظهر حاجته إلى ربه، أمستغن عنه هو؟ فليطلب.
وحسبنا أن هذا الذكر لم يعلّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، فلا نقبل به بحال من الأحوال، أغنانا الله عنه، ونعلم الناس بأن هذا من التدجيل للوصول إلى أغراض معينة، لِمَ نترك المباح الشائع بين كل المسلمين يعرفونه ونعطيهم شيئاً خاصاً؟
ويدلك لهذا يا دكتور أنك إذا لم تأخذ هذا الورد من الشيخ ما ينفعك، ويحجرونه عليك إلا إذا أخذته عن شيخ، بدون ما تأخذ عنه لو تذكر ألف سنة ما تنتفع به، أي كذب أعظم من هذا الكذب؟ أيّ باطل أقبح من هذا الباطل؟
ويذكرون سلسلة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علّم أبا بكر وأبا بكر علم سلمان ، وسلمان علم فلاناً، حتى تصل إلى أخينا، والله إن هذا لكذب، هو باطل، ما هناك أعمال سرية عندنا نحن المسلمين كل شيء علناً، ما نجعل طبقة في الخفاء وأخرى في العلن، هل الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي لـعلي ويعطي لـأبي بكر ويمنع عمر ؟ يمنع حواريه الزبير وأمين هذه الأمة أبا عبيدة وابن عوف ؟ كيف هذا الكلام؟ كيف يدجل في هذا؟
ثم ماذا يعطيه؟ نحن أعطانا علم الأولين والآخرين، يبقى فقط: الله الله، نحتاج فيها إلى عطاء خاص.
إذاً: هذه مسروقة، فالذي أعطانا (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) يخفي علينا كلمة: الله الله الله.
ثم يقولون: كان الصحابة يترنحون تهتز أعقابهم، هل بقيتم أنتم على هذا؟ نحن إذا جاء الوارد وتحرك العبد وتاق واشتاق وقال: الله، نعذره، لكن كوننا نجلس جلسة كهذه ونبدؤها أولاً: الله الله الله الله، ثم نرفع أصواتنا، ثم: هو هو هو، ونبدأ نقفز إلى السقف، ونقول: هذا دين الله؟!
فلا يجوز بالنسبة إلينا نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله إلا بما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألا نذكر إلا على الهيئة التي كان عليها رسول الله، إذ ممنوعون من الإحداث في الدين: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وإن ضل الناس أو أخطئوا أو عبثت فيهم الأهواء فنحن لسنا بمسئولين عنهم، حسبنا أن نبين الحق وأن نلتزمه.
الجواب: يقول الابن فتح الله علينا وعليه: إنهم يحتجون بقول عمر رضي الله تعالى عنه: (نعمت البدعة هذه). فقالوا: إذاً البدعة تكون حسنة كصلاة التراويح.
نحن بين أمرين: بين أن نصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكذب هذا المحتج بقول عمر ، أو نكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصدقه، فأي الحالين ترضون؟
نصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قيل لنا يوم القيامة، قلنا: الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال، أنت الذي بعثته، وأنت الذي أمرتنا بطاعته والعلم عنه، وهو الذي قال، أليست هذه حجة قوية؟
إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم -احذروا- ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، ويقول السيوطي أو البوطي : بدعة حسنة، فهذا ليس من حقه أن يقول هذا، وإذا قال فإنه ليس من حقنا أن نسمع له، أما وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فنعم.
أما صلاة التراويح يا عبد الله! فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وصلى الناس خلفه، ثم احتجب في الرابعة وقال معللاً: ( خشيت أن تفرض عليكم ولا تطيقونها )، فلما كان الوحي ينزل ما صلى بهم وصلوا فرادى، وصلوا جماعات في المسجد أيضاً وهو يراهم عليه الصلاة والسلام، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء أبو بكر وولي الخلافة سنتين أو ثلاثاً فصلى الناس في المسجد جماعات جماعات، فلما جاء عهد عمر فرآهم جماعة هنا وأخرى هناك -كما عندنا في ليالي رمضان في العشر الأواخر وهو جائز- فقال عمر : أرأيت لو جمعناهم على إمام واحد؟ أفضل من تفرقهم جماعات، فجمعهم على إمام واحد، أي شيء جديد؟ كانوا يصلون وراء أئمة خمسة وستة وثلاثة وأربعة، وصلوا هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي شيء جديد؟ لا جديد، لا إحداث ولا بدعة.
فكون عمر لما دخل سُرَّ للمنظر وفرح بنعمة الله عليه إذ رأى المسلمين صفوفاً متراصة بعدما كانوا كتلاً كتلاً يصلون قال: (نعمت البدعة هذه). هذا اللفظ لغوي، وعمر في ذلك الوقت من أهل هذا اللسان، أي: قبل اليوم كانوا يصلون جماعات جماعات صغيرة والليلة اجتمعوا فهذا الاجتماع أفضل يملأ العين ويشرح الصدر يسمعون لقارئ واحد، فمدحها بقوله: نعمت، كما تقول أنت: نعم الباقلاء هذه؛ لأنها لذت لك وطابت.
الجواب: نعم هناك أوراد: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، عرفتم هذا مما يحبه الله، فكيف تعيش أربعاً وعشرين ساعة ما تتملق به إلى الله؟ يجعل له وقتاً، وأنت ماش من المسجد إلى البيت، عرفت أن (سبحان الله وبحمده) وحدها هكذا، المائة منها تكفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر: ( من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر )، فهل تستطيع أن تترك هذه؟
والأوراد كثيرة، والبخاري ذكر منها الكثير.
الجواب: اللفظ المحفوظ: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، وأهل العلم على أن هذا ليس بحديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من حكم الناس، ولكن في القرآن الكريم ما يؤدي هذا المعنى وزيادة، قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77]، فالقرآن كاف وشاف.
الجواب: ينتصر على هواه بشيئين:
الأول: بطلب المدد والمعونة والنصر من الله، لا يستقل بنفسه، يعلن حاجته وافتقاره إلى ربه، لا يفتر يسأل الله عز وجل العصمة والحفظ والوقاية والهداية، حتى يغلب هذا على أدعيته؛ لأنه خائف.
ثانياً: بالرياضة، وهي العمل والمثابرة، فدائماً يعصي نفسه ويتمرد عليها، إذا قالت: قف قعد، وإذا قالت: اقعد قام، إذا حسنت له الكلمة أن يقولها يتركها، إذا زينت له الطعام أن يأكل لا يأكل، بالرياضة شيئاً فشيئاً حتى يستقيم مزاجه، وحتى يستقيم طبعه، وحتى يصبح يحب في الله ويبغض في الله، ولم يبق له هوى سوى الله عز وجل، لا بد من الرياضة وهي مواصلة المعصية للهوى ومخالفة الهوى شيئاً فشيئاً حتى يبلغ حداً ما يصبح له هوى في غير مرضاة الله تعالى.
وفي الحديث: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، فأنت تأخذ في العبادات والطاعات الفرائض والنوافل مستمراً على ذلك شاغلاً حياتك بها، فلا تلبث حتى يأتيك حب الله، فإذا أحبك الله نم فالمخاوف كلهن أمانُ، وعلامة أن الله قد أحبك أن تجدك لا تستطيع أن تسمع ما لا يحب أن تسمعه، تجد نفسك لا تستطيع أن تأكل لقمة الله لا يحبها، لا تستطيع أن تمشي خطوة حيث لا يحب الله أن تمشي، تجد نفسك قد أصبحت بكلك لله، تسمع بالله، وتبصر بالله، وتعطي بالله، وتأخذ لله، وليس فيك شيء إلا لله، لكن نتيجة المواصلة؛ لأنه قال: ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل )، كلمة: (ولا يزال) يوماً بعد يوم، عاماً بعد عام، قد تطول المسافة ويمتد الزمن أربعين سنة، حتى يجد نفسه قد جاءه القبول، وأصبح لا يحب إلا ما يحب الله ولا يكره إلا ما يكره الله، انتهى.
الجواب: أولاً: بإجماع المسلمين لا يحل لعبد أن يدعو غير الله، فإن دعاء غير الله هو الكفر والعياذ بالله وهو الشرك الأكبر، معناه: انتحر وخرج من دين الإسلام.
يبقى لو كان الله عز وجل يعلم أن العبد إذا دعا ميتاً تقضى حاجته لأذن لنا في ذلك، هذه قلما تسمعونها، لو كان الله يعلم أننا إذا جئنا إلى الميت وقلنا: فلان عطشان مد الماء، فلان محتاج مد الريال، فلان خائف ادخل أنت آمن أو خذ السيف، لكان الله عز وجل يأذن لنا في ذلك، بل يوجب علينا ذلك؛ لأنه أرحم بنا من أنفسنا، الدليل: هل يجوز لي أن أقول: يا دكتور من فضلك أعطني ريالاً الآن، أو حرام وشرك هذا؟ جائز، أذن الله، يا عبد الله أعطني رغيفاً من الخبز أنا جائع، حرام هذا وشرك؟ جائز، عبد الله قائد من فضلك، مد يدك، هذه استغاثة أذن الله فيها؛ لأننا نتعاون، فلو كان الله يعلم أننا إذا دعينا الميت يعطينا لا غنى لنا في ذلك، ولكن الله يعلم أن من مات لا يعطي ولا يمنع، لا يسمع ولا يجيب، كيف نتنكر لعقولنا وفطرنا بعد الجحود بديننا، ونسأل من لا يسمع ولا يعقل، وندعوه أيضاً؟
فإذا حصل أن شخصاً دعا ولياً وحصل غرضه والله ما حصل من طريق الميت ولكن حصل بقضاء وقدر من الله، لا من فلان وفلان، إذا دعوت أنت الميت ورجعت إلى بيتك ووجدت الطعام فليس معناه: أن الميت هو الذي جاء به، هذا حصل لك بقضاء وقدر، لو ما دعوت الميت لوجدت الطعام في البيت قدره الله، لا يلعب المرء بنفسه، إن دعاء غير الله هي الحالقة، معناه: خرج من دين الله، كفر بكتاب الله ورسول الله.
الجواب: هذه فكرة أخينا ظهرت على مستوى عقله، فنحن ما نزور إلا بإذن ولا نترك إلا بإذن، نحن أمة نظامية، والله ما نأكل إلا بإذن، ولا نشرب إلا بإذن، ولا نتزوج إلا بإذن، ولا نطلق إلا بإذن، ولا نتوضأ إلا بإذن، أتعرفون هذا؟ وكذلك نحن لا نزور إلا بإذن، فنعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا علمنا؟ قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا )، دعاني للزيارة وإلا لا؟ (مسجدي هذا)، كيف نقول: ما نزور المسجد، نزور ونشد الرحل له، ومن هونج كونج أو من نيويورك نركب الطائرة وكل النفقة محسوبة ونعطى أجرها، تحت هذا الإذن، لو ما أذن والله لا أجر ولا ثواب، لكن أذن.
يبقى إذا دخلنا المسجد وصلينا فيه وتمت زيارة المسجد ننشئ زيارة لنبينا صلى الله عليه وسلم وهي أحب شيء إلينا وأفرح شيء تفرح له قلوبنا أن نتشرف بالوقوف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو وضعنا، أما أن نقول: نخاف أن النصارى يقولون: أنتم ما تحبون نبيكم وما تقدرونه؛ لأنكم تزورون المسجد فقط، هذا ما هو كلام إنسان واع، نخرج بإذن الزيارة المسجد، لما نزور المسجد نأخذ إذناً آخر لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما.
قد يقول قائل: زيارة المسجد فيها إذن وزيارة رئيس القبور الشريفة ما فيها إذن؟ من أين لك أن ما فيها إذن؟ أما قال اسمع: ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة )؟ أما كان هو يأتي البقيع في الليل والظلام فيسلم على أهل البقيع ويترحم عليهم؟ أما كان يأتي الشهداء؟ فكيف ما ننشئ له زيارة؟ ( ما من مسلم يقف على قبر أخيه المسلم فيسلم عليه إلا رد عليه السلام ).
فقط ما ننشئ السفر من بعيد؛ لأنه قال: ( لا تشد الرحال )، أما إذا كنت في داخل البلد فمن ينهاك؟ من يعترض عليك؟
هذا هو الحكم الذي عندي هو الذي أسمعتك إياه، أما الناس فما أكثر ما يتمنون ويقولون.
الجواب: إذا قالها وهو تائب أو عازم على التوبة فهي تشمل الكبائر والصغائر، والله لا يتعاظمه شيء.
ومن قالها وهو على المعاصي ما يريد أن يتوب منها فنتركها لله يصرفها كيف شاء، نحن الآن ما نتدخل، هذه جائزة أعلن عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم نتركها كما هي ما نهول من شأنها ولا نزيد، مع العلم إذا قال العبد وهو قد تاب بالفعل أقلع عن الذنب وصمم ألا يعود إليه فلا يبقى حينئذ ذنب لا كبير ولا صغير، انتهى.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
والله أسأل لي ولكم التوفيق والمزيد، وأن يتوفانا وهو راض عنا، اللهم آمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فضل ذكر الله للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net