إسلام ويب

الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين. وهي العهد الذي بين المسلم والكافر، فمن تركها فقد كفر. وهي سبب صلاح الأعمال وقبولها، وتركها سبب فساد الأعمال وردها، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

الصلاة عماد الدين

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

أيها الأحبة والإخوة الفضلاء: أحييكم بقلبي ولساني يا أهل الحرس، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ففي مغرب هذا اليوم الرابع عشر من شهر صفر لعام: (1423هـ)، وفي هذا المكان المبارك مسجد عمر بن عبد العزيز بإسكان الحرس الوطني بـالدمام نعايش معكم أيها الأحبة في الله، محاضرة بعنوان: (العماد بين الأسى والتأسي).

العماد أساس، وحياة بلا عماد حياةٌ لا قيمة لها ولا لذة، فمن أقام العماد أقام الدين، ومن تركه فهو لما سواه أضيع، فماذا أقول عن العماد، والحديث فيه بين الأسى والتأسي؟! فما هو هذا العماد؟! وكيف سيكون الحديث عنه؟!

إن الحديث عن العماد حديث يزيد الإيمان، ويوقظ الغافل، ويذكر الساهي، ويعلم الجاهل.

إذاً: فما العماد الذي هذا هو بعض حديثه؟!

إن العماد -يا رعاك الله- الصلاة، نعم، إنها الصلاة.

تأمل معي دقائق، أَلَمَّ الوجع والمرض برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ثقل عليه عليه الصلاة والسلام فلم يستطع الخروج للمسجد، فعلم عليه الصلاة والسلام أن هذه هي آخر أيام حياته، عندها أوصى بوصايا كانت منارات خيرٍ للأمة؛ وكانت منابر مباركة وكتباً مسطرة، وأحوالاً جميلة لمن تأملها، قال أنس رضي الله عنه: (كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه)، رواه ابن ماجة والنسائي وأحمد والحاكم .

فما هو السر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على الصلاة من بين سائر العبادات في وصيته عند الموت؟!

لأنها العماد، فيا سبحان الله! فريضة فرضها الله تعالى بنفسه مشافهةً مع رسوله صلى الله عليه وسلم، جعلها الله فارقة بين المؤمن والكافر، وبين المؤمن صادق الإيمان والمنافق سالك سبل أهل الدرك والندامة.

إنها العماد الفريضة التي جعلها الله تعالى سمة أوليائه وأحبابه، وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، فريضة هذه أوصافها وسماتها، ألا تستحق كل هذا؟!

إن الصلاة هي عماد الدين، وغرة الطاعات، فعن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة)، الصلاة عماد؛ لأنها فارقة بين الإيمان والكفر.

جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).

وقال عبد الله بن شقيق : [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر غير الصلاة].

لقد أخذ الله العهد والميثاق بسبب العماد الذي أخذه على خلقه، فمن نقضه فقد خاب وخسر؛ قال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، كما عند أحمد وأهل السنن بإسنادٍ صحيح من حديث بريدة رضي الله عنه.

أيها الإخوة والأخوات: لقد كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفريضة عند وفاته لها الأثر المبارك في القلوب المؤمنة في حين أن هناك أناسـاً قست قلوبهم من بعد ذلك: فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74]، فلم تلقِ قلوبهم لهذا الأمر بالاً، ولم تجعله لحياتها نبراساًَ، فهجرت الصلاة ولم تشهدها مع جماعة المسلمين، تكاسلاً في حين، وتهاوناً في حين آخر، فأحوالهم أسى.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال -تأمل يا رعاك الله-: [من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيه سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف]

إن هذه الكلمات المملوءة بالنور والبهجة يقولها ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لمن يا ترى؟

إنه لخير جيلٍ عرفته البشرية، إنه لخير جيلٍ عرفته الإنسانية، إنه لخير قرون عرفتها البشرية والإنسانية؟!

فكيف لو رأى ابن مسعود رضي الله عنه حال الناس الآن مع الصلاة، فماذا سوف يقول يا ترى؟

لقد بدأت ظاهرة التقاعس عن الصلوات الخمس جلية هذه الأيام، بل صار البعض لا يحضر إلى مسجد حيه إلا مرة أو مرتين، وبعضهم لا يحضر أصلاً، أهو جهلٌ بأحكام الدين، أم تكاسلٌ عن أوامر رب العالمين؟! بل صارت الشوارع والطرقات تضج بمن فيها، ينادي المنادي فيقول: الله أكبر .. الله أكبر ..! ثم يقرع الأسماع فيقول منادياً: حي على الصلاة، ثم يكرر اللفظ فيقول: حي على الفلاح، ولكن دون مجيب لهذا النداء، بل يحتج البعض من الناس بالصلاة في البيت، ألم تسمع -يا رعاك الله- قول البارئ جل جلاله عندما قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور:36] ما هي صفات هؤلاء الناس؟ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].

واسمع -يا رعاك الله- إلى قول البارئ جل جلاله عندما يؤكد هذا الأمر بالعمارة فيقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]، إنها العمارة؛ والعمارة على نوعين:

عمارة مادية: بالبناء، ولها فضلها العظيم؛ ولكن هناك عمارة أخرى.

إنها عمارة معنوية: بالصلاة في تلك المساجد، وإقامة ذكر الله، وقراءة القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح) رواه مسلم رحمه الله.

أسى يفجع القلوب

قمتُ ذات مرة بعمل استبيانٍ على مجموعة كثيرة من الطلاب وغيرهم، وإذا بالأخبار المحزنة التي عنوانها: أسى يفجع القلوب:

أناسٌ يقولون: لا نشهد الصلاة بالكلية؛ وهذه شريحة كبيرة.

وآخرون يقولون: ما دام الهدف من صلاة الجماعة هو اللقاء، فيكفي أننا نصلي الأربعاء والخميس والجمعة.

وآخرون يقولون: صلاة الفجر ليست في جدول حياتي بالكلية.

وآخرون يقولون: لا نشهد في المسجد إلا فرض المغرب والعشاء، وفي بعض الأحيان، أما الفجر فننام، وأما الظهر ففي الدوام ولا نصليه جماعة، إنما نصليه في البيت، وأما صلاة العصر فهي نومٌ والعياذ بالله!

ولما أقيم استبيان آخر على شريحة من المثقفين والمتعلمين -بل والأحرى- والمعلمين وُجِد أن شريحة كبرى لا تشهد صلاة الفجر خصوصاً مع جماعة المسلمين، حتى قال لي بعضهم: ما هو العلاج، لا أستطيع القيام لصلاة الفجر؟!

سبحان الله! إن من المؤلم أن يظن البعض أن صلاة الجماعة سنة أو لا يجب أداؤها في المسجد، وهذا والله من التخريص في دين الإسلام.

بعض فتاوى العلماء في حكم صلاة الجماعة وأدلتهم

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرضٌ على الأعيان، إلا لعارضٍ يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذرٍ كترك أصل الجماعة لغير عذرٍ. كما في كتاب الصلاة .

وهذا هو قول شيخه ابن تيمية رحمه الله، وعَدَّ الإمام أحمد رحمه الله الذي يتخلف عن صلاة الجماعة رجل سوء كما في الأوسط في السنن والإجماع .

أخي: الصلاة عماد، مَن حافظ عليها فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة.

إن الله تعالى أمرنا فقال: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، قال ابن الجوزي رحمه الله: أي: صلوا مع المصلين.

وقال البيضاوي رحمه الله: أي: في جماعتهم.

ولقد أمر الله تعالى بصلاة الجماعة في مكانٍ قَلَّ الأمن فيه: في مكان سفك الدماء، وذهاب الأرواح، إنها ساحة القتال، قال الله تعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء:102].

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: ولما أمر الله تعالى بالجماعة في حال الخوف دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب، أو واجب.

وقال ابن الجوزي : ولما أمر الله بها -أي: صلاة الجماعة- ثم أوجبها على الطائفة الثانية، فقال: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء:102]، في هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان لم يسقطها سبحانه وتعالى من الطائفة الثانية، بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه سن صلاة الخوف جماعةً، وسوغ فيها ما لا يجوز لغير عذرٍ كاستدبار القبلة، والعمل الكثير، فإنه لا يجوز لغير عذرٍ بالاتفاق، وكذلك مفارقة الإمام قبل السجود عند الجمهور، ... إلى نهاية كلامه رحمه الله.

وما أمْر النبي صلى الله عليه وسلم لـمالك بن الحويرث رضي الله عنه ومن معه إلا دليلٌ على ذلك، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا -أي: إلى قومكم- فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) متفق عليه.

وما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج من المسجد إلا دليل على فرضية صلاة الجماعة.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ولما جاء عبد الله بن أم مكتوم وهو رجلٌ ضريرٌ فقال: (يا رسول الله، إني رجلٌ ضريرٌ البصر، شاسع الدار، وبين بيتي وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائد كل ساعة، أيسعني أن أصلي في بيتي؟) وجاء في رواية: (يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: لا أجد لك رخصة).

تأمل يا مسلم! لقد اجتمع في ابن أم مكتوم ستة أعذار:

- كونه ضريراً.

- انعدام القائد الذي يرافقه إلى المسجد.

- بُعد الدار عن المسجد.

- وجود النخل والشجر في طريقه.

- وجود الهوام والسباع الكثيرة.

- كِبَر سنه، ورق عظمه.

ومع ذلك لم يأذن له صلى الله عليه وسلم في التخلف عن صلاة الجماعة.

فماذا يقول المبصر قوي البدن مع سهولة الطرق ووسائل النقل حين يتخلف عن صلاة الجماعة؟!

حقيقة العماد

أيها الإخوة والأخوات: إن الصلاة هي عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القربات، وغرة الطاعات، عمَّر الله بأنوارها قلوب العباد بفتح الباب، ورفع الحجاب، ورخص للعباد في المناجاة بالصلوات، كيفما تقلبت بهم الحالات، في الجماعات والخلوات.

العماد هي: المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي يزوِّد القلب.

العماد: إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفي.

العماد هي: الروح والندى، والظِّلال في الهاجرة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود، (أرحنا بها يا بلال )، إنها زاد الطريق، ومدد الروح، وجلاء القلب.

العماد: العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة مع الرب، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان.

لقد أمر الله تعالى بالصلاة في كتابه الكريم فقال: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

قال السعدي رحمه الله تعالى: والمحافظة عليها: أداؤها في وقتها، وبشروطها، وأركانها، وخشوعها، وجميع ما لها من واجب ومستحب، وهذا مصداق كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما قال: (أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها) رواه أحمد في مسنده وأبو داود وحسنه الألباني ، كما في صحيح سنن أبي داوُد .

إن هذه الصلاة لها فضائل ومكارم، فالمحافظ عليها يظله الله جل جلاله يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجل قلبه معلقٌ بالمساجد) متفق عليه.

استمع معي إلى الكلمات المباركة التي يقولها الإمام النووي رحمه الله تعالى، يقول: أي: شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها.

ويقول العيني : وفيه فضيلة من يلازم المسجد للصلاة مع الجماعة؛ لأن المسجد بيت الله وبيت كل تقي، وحقيقٌ على المزور إكرام الزائر فكيف بأكرم الكرماء؟!

فهنيئاً لمن هذا حاله، فهو ينهل من معين الله الذي لا ينضب، وفضل الله الذي ليس له حد.

واستمع معي قليلاً لهذا الحديث المبارك!

روى الترمذي بسندٍ صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة -قال: أحسبه قال: في المنام- فقال: يا محمد، هل تدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ -أي: الملائكة المقربون؟- قال: قلت: لا، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثدييَّ -أو قال: في نحري- فعلمت ما في السماوات وما في الأرض قال: يا محمد! هل تدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات -استمع معي إلى هذه الكفارات-: المكث في المسجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه)، فما أجمل هذه الخيرات! وأعظم هذه الحسنات! إن هذه الصلوات لتروي الظمآن بالإيمان، وتغيث اللهفان بالأمان والاطمئنان.

العماد: إنها راحة للمكروب، وجنة للمحبوب، وسعادة لنيل المطلوب، فقل لي بالله يا سامعاً حديثي! أي ساعةٍ هي ألذ وأعظم من وقوف المسلم بين يدي مولاه، ومناجاته بالتسبيح والتعظيم وقراءة القرآن؟!

عقوبة من ترك صلاة الفجر في جماعة

أيها الإخوة والأخوات: عجباً والله لمن تثاقل عن بعض الصلوات، فلم يستجب لنداء الرحمن فيها، بل آثر لذة الفراش والراحة، إنها صلاة الفجر علامة أهل الإيمان في هذا الزمان، التي هَجَرها بعض المسلمين هداهم الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرٍ) رواه ابن ماجة ، عن ابن عباس .

يقول بعض الإخوة: لي ما يزيد عن سنتين أو ثلاثٍ لَمْ أشهد صلاة الفجر مع الجماعة.

وبعضهم يقول: تقريباً سبع عشرة سنة ما ذهبتْ قدماي بي إلى المسجد.

وآخر: ما يزيد على ثلاثين سنة لَمْ تصل به قدماه إلى المسجد؛ ولكن هم الآن ولله الحمد من الذين عكفوا على المساجد لا يتركونها، أسأل الله بمنه وكرمه أن يتوب عليهم.

ألا يخاف من يتخلف عن صلاة الفجر بغير عذر مرضٍ أو خوفٍ أو غيره أن يصاب بمرض النفاق الذي لا علاج له؟! إن مرض النفاق أشد من مرض القلب، والسرطان، والسكر، والضغط التي ربما يجد الإنسان لها علاجاً في بعض الأحيان، وإذا صَبَر فهو شهيـد بإذن الله تعالى؛ ولكن النفاق مآله نار تلظى، لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15-16].

قال الله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [النساء:145].

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس أثقل صلاةٍ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)، فما هو الحال في صلاة الفجر؟! أين أهل القدوة عن صلاة الفجر؟! أين المعلمون؟! أين الآباء والمربون؟! أين غيرهم وغيرهم؟! شبابٌ صغار في الابتدائية أعرفهم شخصياً لا تفوتهم صلاة الفجر، ويقول لي أحد الأئمة جزاه الله خيراً: عندنا طفلٌ في الرابع الابتدائي لا تفوته صلاة الفجر بالكلية، سبحان الله!

يقول إبراهيم بن شماس: كنتُ أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو يحيي الليل.

فهذا مع قيام الليل، فكيف مع صلاة الفجر؟!

لقد كتب لهم التاريخ الذكريات لَمَّا أقاموا العماد، أتساءل وأنا حيران فأقول: كيف يستطيع الأب أن ينصح أبناءه وهو لا يشهد الصلاة؟! ثم تمتلكني الدهشة والحيرة: كيف يستطيع ذلكم المعلم أن يقف أمام الطلاب في فصله الدراسي يريد أن يوجه نصيحةً أو يعلِّم الطلاب وهو لا يشهد الفجر مع جماعة المسلمين، خصوصاً إذا كان مدرس تربيةٍ إسلامية؟! كيف يستطيع ذلك؟! بل إن الذي يتأخر عن الصلاة لم يسلم من هذا الوعيد، إذ لو أقام العماد كاملاً لم يقع له ذلك.

روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للمنافقين علامات: تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد بل يهجرونها، ولا يأتون الصلاة إلا دبراً -أي: حين يكاد الإمام أن ينتهي ويفرغ من الصلاة ثم قال عليه الصلاة والسلام واصفاً أولئك النفر- مستكبرين، لا يألَفُون ولا يؤلَفُون، خُشُبٌ بالليل صُخُبٌ بالنهار)، فهم نوام ليل لا يستيقظون لصلاة ولا عبادة، قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].

ولعل العاقل يتساءل: لماذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم إحراق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة؟! بل إنه همَّ صلى الله عليه وسلم وما منعه إلا النساء والذرية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن العماد كان لها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عماد.

سأل سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى أحدُ الآباء فقال: له: يا شيخ! إني أوقظ أبنائي للصلاة فلا يستيقظون؟

قال: مرهم وازجرهم وعاقبهم، فإن لم يستجيبوا فارفع أمرهم إلى الجهات المختصة؛ ليتخذوا معهم اللازم.

إنه العالم الرباني الذي عرف قيمة الصلاة، فأكَّد على ذلك في فتاويه وكلامه.

واسمع ما قاله عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لئن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خيرٌ له من أن يسمع المنادي -اسمع يا صاحب الهاتف! اسمع يا صاحب التجارة! اسمع يا من تجلس على الطرقات والشوارع! يا من تجلس على الشاشات وتشاهد المحرمات!- ثم لا يجيبه) كما في المصنف.

يقول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: [كانوا يسمعون الأذان والنداء للصلاة فلا يجيبون].

قال إبراهيم النخعي : [أي: يُدعون بالأذان والإقامة فيأبون]. ذكره القرطبي .

إنها العماد، فمن تركها أو تكاسل عنها أصبح بلا عماد.

الصلاة بين الأسى والتأسي

هذا شابٌ وقع له حادثٌ على إحدى الطرق السريعة في مدينة الرياض ، فلما جاء ضابط الشرطة ومن معه فوقف عند الحادث، توفي زملاؤه وبقي ذلكم الشاب، وكان الضابط فيه تدين، وجهه تجاه القبلة، ولما وجهه تجاه القبلة جلس يقول له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، ويصرخ ذلكم الشاب ويقول: سقر! سقر! سقر! مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43]، فمات والعياذ بالله ولم ينطق بـ(لا إله إلا الله).

ويقول لي أحد الفضلاء: لقد توفي أحد أقربائي ولقد نصحتُه وذكرتُه، ولقد مات وما رأيته ركع لله ركعة، و مات على خاتمةٍ سيئة والعياذ بالله تعالى.

إنها بعض قصص الأسى، إن الله تعالى ليغضب وغضب الله عظيم.

روى ابن ماجة عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم: أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجماعات أو لَيَخْتِمَنَّ الله على قلوبهم، ثم لَيَكُونُنَّ من الغافلين) فماذا سوف يقول المتخلف عن صلاة الجماعة لربه عز وجل يوم القيامة؟!

تعالوا معي قليلاً! أرعوني سمعكم! وأعطوني قلوبكم وأرواحكم!

لماذا لا ننتقل من هذا الجامع ومن هذه السنة، حتى نذهب إلى تلك السنة التي سُطِّر فيها هذا الموقف الذي والله يحرك القلوب المؤمنة، فكيف بالقلوب الغافلة؟!

روى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: (دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم فلما ثَقُل عليه الصلاة والسلام أول شيءٍ سأل عنه أن قال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرون يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل فذهب لينوء فأُغْمِي عليه، ثم أفاق عليه الصلاة والسلام فقال: أصلى الناس، قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماءً في المخضب، فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأُغْمِي عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: أصلى الناس؟ قلنا: لا، يا رسول الله! هم ينتظرونك ...) ينتظرونك لصلاة العشاء، والناس عكوفٌ في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، الله أكبر يا أمة محمد! هذا نبيكم عليه الصلاة والسلام يشتد عليه المرض فأول ما يسأل عن الصلاة، فيغتسل لها ويتوضأ، ثم يريد الذهاب فيُغمى عليه، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر وكان رجلاً رقيقاً: يا عمر ، صلِّ بالناس، فقال له عمر : أنت أحق بذلك، فصلى أبو بكر تلك الأيام)، الله أكبر! الله أكبر! هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، أليس لنا فيه أسوة؟!

العماد بين الأسى والتأسي، فأين التأسي؟!

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

نعم، إنه القدوة، إنه الأسوة، عليه الصلاة والسلام، فماذا نقول لمن يتخلف عن صلاة الجماعة لأحقر الأسباب، خصوصاً وهو بكامل صحته وعافيته.

حال السلف والصالحين مع صلاة الجماعة

قال محمد بن المبارك الصوري : كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.

ويقول الأوزاعي : كانت لـسعيد بن المسيب فضيلة، لا نعلمها كانت لأحد من التابعين، لم تَفُتْه الصلاة في جماعة أربعين سنة، عشرين منها لم ينظر في أقفية الناس. وهنيئاً لـسعيد هذا، إذ هو الذي يقول: [من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، فقد ملأ البر والبحر عبادة].

وكنت أتأمل قول سعيد هذا، فأقول: ما السر في عمل سعيد واستمراره طوال هذه المدة على هذه العبادة، فوقع نظري يوماً من الأيام على قوله إذ يقول: [ما دخل عليَّ وقت صلاةٍ إلا وقد أخذتُ أهبتها، ولا دخل عليَّ قضاء فرضٍ إلا وأنا مشتاقٌ إليه].

ولما أصيب سعيد في عينه قالوا له: [لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدتَ لذلك خفة، فقال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟!].

فأين الذين إذا حضرت الصلاة ذهبوا يعبثون ويلعبون؟! شغلتهم المباريات عن أوامر رب البريات، وألهتهم المسلسلات عن حي على الصلاة، وألهتهم الأسواق والصفق فيها عن حي على الفلاح.

فهذا الأعمش رغم كبر سنه يحرص على التكبيرة الأولى، استمع!

قال عنه وكيع : اختلفتُ إليه قريباً من سنتين ما رأيته يقضي ركعة، وكان قريباً من سبعين سنة لَمْ تفته التكبيرة الأولى.

بل وصل حال السلف في الحرص على صلاة الجماعة حتى في ليلة الزواج، اسمعها! اسمعها يا من تسكن الفنادق! اسمعها يا من ترحل في ليلة الزواج، حتى يفرط الكثير في صلاة الفجر مع الجماعة!

روى الطبراني عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه وكان له صحبة فقيل له: [أتخرج لصلاة الفجر وقد بنيتَ بأهلك البارحة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة لامرأة سوء].

وذكر الذهبي أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات -انظروا إلى المربين- فأبطأ يوماً عن الصلاة فقال له: ما حبسَك؟ قال: كانت مرجلتي تسكن شعري! فقال له: بلَغَ من تسكين شعرك أن تؤثره عن صلاة الجماعة؟! فكتب صالح بن كيسان إلى والد الغلام يخبره عن خبره، فبعث رسولاً إليه، فما كلمه حتى حلق شعره.

الله أكبر! بمثل هؤلاء تُعْمَر الديار، ويُفْعَل البر والإحسان، ويُدْحَض الشيطان، بمثل هؤلاء يَعُم الخير، وتكثر البركات، وتعظم الخيرات، فأين المربون عن هذا؟! بل وأين الآباء عن هذا؟!

روى ابن أبي شيبة عن أبي حيان عن أبيه عن الربيع بن خثيم أنه كان به مرضٌ فكان يهادَى بين رجلين، فيقال له: [يا أبا يزيد ! إنك إن شئت في عذرٍ فيقول: أجل؛ ولكني أسمع المؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فمن سمعها فليأتها، ولو حبواً ولو زحفاً]

وألقيت محاضرة في الرياض فرأيت في ذلك الجامع أمراً غريباً وعجيباً، لقد رأيت رجلاً كبيراً في السن على عربة وحالته -بسبب الشلل الذي أصيب به- قوية وشديدة، فقال لي إمام المسجد جزاه الله خيراً: هذا الرجل لا تفوته صلاة الجماعة بالكلية، بل إنه لا يدرك شيئاً ولا يعرف شيئاً، ولكنه إذا أقيم في الصف عرف يقرأ ويستغفر إلى نهاية الصلاة، لا إله إلا الله!

وفي جدة رأيت رجلاً بقرب السكن خلال مدةٍ طويلة، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره، أصيب بشلل نصفي جراء حادث، فكان يشهد معنا الصلوات الخمس في المسجد، وهو على عربة يقودها بنفسه، وصلاة الفجر يصلي خلف الإمام، فتأمل يا رعاك الله!

روى ابن أبي شيبة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يُحْمل وهو مريضٌ إلى المسجد، بل حتى في اليوم المطير، سبحان الله!

وكان عندنا إمام مسجدٍ فاضل توفي رحمه الله تعالى وكان أعمى؛ ولكنه بصيرٌ بقلبه، كان مع شدة المطر الذي يصل إلى أعلى أنصاف الساقين يأتي من بيته البعيد عن المسجد حتى يصلي مع الجماعة، بل أقول له: يا والدي فلان! جزاك الله خيراً، لماذا لا تُرِحْ نفسك، فأنت معذور؟ قال: والله إذا صليتُ في البيت لا أجد طعم الصلاة بالكلية، وكأني لم أصلِّ.

بل كان بعض السلف رحمهم الله تعالى إذا فاتته الصلاة مع الجماعة يعاقب نفسه، وإن كان فعله ليس وفق الشرع؛ ولكن كان يقول: والله لا يجبر فقد فريضة مع الجماعة إلا أربعين صلاةً أصليها، الله أكبر!

إنهم الذين اشتاقت نفوسهم للوقوف بين يدي ربهم، فنسوا الأمراض والأوجاع، بل حتى في النزع الأخير، حتى وهم في مرض الموت.

هاهو عامر بن عبد الله بن الزبير سمع المؤذن وهو يجود بنفسه في سكرات الموت، فقال لمن عنده: [خذوا بيدي إلى الصلاة، فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟!] وأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في صلاة المغرب، فركع ركعةً ثم مات في تلك الصلاة.

وقد تذكرتُ قصةً أثارت مخيلتي، وشَخَصَت لها عيني، وأنا كلما تذكرتها قلت: سبحان الله!

في إحدى المحاضرات في إحدى المناطق الغربية لَمَّا جئنا للمحاضرة وجدتُ رجلاً كبيراً في السن يزيد على السبعين وكرسيه موضوعٌ خلف الإمام، فلما انتهينا قال لي الإمام -جزاه الله خيراً- ومدير التحفيظ: إن هذا الرجل -لي منذ أن مسكت المسجد إلى الآن اثنتا عشرة سنة- ما رأيته يوماً فاتته تكبيرة الإحرام، وما رأيته صلى في غير هذا المكان، ثم قال الإمام جزاه الله خيراً -اسمعوها! اسمعوها يا رعاكم الله!- قال: إن هذا الرجل له منقبة عجيبة، قال لي يوماً من الأيام في صلاة الفجر: يا شيخ، برادة المسجد لا يوجد فيها ماء.

قلنا: تركناها العشاء يوجد فيها ماء.

فقال أحد الإخوة: لا بد أن أراقب هذا الرجل، فله أسرار، فجاء قبل صلاة الفجر بربع ساعةٍ، فوجد الرجل جالساً على كرسيه يذكر الله تعالى، ثم جاء مرة أخرى قبل الفجر بنصف ساعة، فوجد الرجل جالساً على كرسيه في المسجد يذكر الله تعالى، ثم يقول: تعجبنا! ثم جاء قبل الفجر بساعةٍ إلاَّ ربع، فوجد الرجل جالساً على كرسيه يذكر الله تعالى.

يقولون: متى يأتي هذا الرجل إلى المسجد لصلاة الفجر؟!

يقول: فجاء أحد الإخوة قبل الفجر بساعةٍ كاملة، وإذا بالرجل طوال هذا المدة بل قبل أن نعرفه يأتي لصلاة الفجر قبلها بساعةٍ كاملة، فإذا كان يأتي للصلاة قبلها بساعة، إذاً متى يستيقظ؟! لعلك تتساءل يا أخي: متى يذهب الناس إلى المباريات الرياضية؟! ومتى يذهبون للسفر؟! كم يستغرقون من وقت لكي يحضروا مكان حفل، أو زواج، أو عرس، أو غيره؟! فأقول: يا سبحان الله! إنها أمورٌ وعجائب لأناسٍ عاشوا هذه اللذة.

أخي!

أقبل على صلواتك الخمس>>>>>كم مصبحٍ وعساه لا يمسي

واستقبل اليوم الجديد بتوبةٍ>>>>>تَمحو ذنوب صحيفة الأمسِ

فلَيَفْعَلَنَّ بوجهك الفصُّ البِلَى>>>>>فعل الظلام بصورة الشمسِ

الصلاة هي العماد، نعم، إنها العماد، فعجباً لمن أهمل وصية النبي صلى الله عليه وسلم عند موته، فترك الصلاة أو هجرها!

فضل الصلاة وأسرارها

واستمع معي -يا رعاك الله- إلى هذا الحديث العظيم الذي رواه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت إذا وضع في قبره ليسمع خفق نعالهم حتى يولون، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه ...) إلى نهاية الحديث.

الله أكبر! ما حال عبدٍ مؤمن كانت الصلاة عند رأسه، وأما المنافق وتاركو الصلاة فماذا سوف يكون عند رءوسهم والعياذ بالله؟!

إن للصلاة أسراراً فقدها أناس أعرضوا عن الله، وأعرضوا عن المساجد، وتركوها، وهجروها، وصدق الله فيهم عندما قال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].

إن للصلاة أسراراً يجدها مَن أعطاها حقها، واستشعر أجرها، وأراد ثوابها، وأما سُرَّاق الصلاة الذين يخدشونها فما لهم من حظها إلا بقدر ما خشعوا فيها.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في الطب عن فوائد الصلاة قال: والصلاة مجلبةٌ للرزق، حافظةٌ للصحة، دافعةٌ للأذى، مطردةٌ للأدواء، مُقَوِّيةٌ للقلب، مُنَشِّطةٌ للجوارح، مُمِدَّةٌ للقوى، شارحةٌ للصدر، مغذيةٌ للروح، منوِّرةٌ للقلب، حافظةٌ للنعمة، دافعةٌ للنقمة، جالبةٌ للبركة، مُبْعِدةٌ من الشيطان، مُقَرِّبةٌ من الرحمن، وبالجملة: فلها تأثيرٌ عجيب في حفظ صحة البدن، والقلب، وقوامهما، ودفع الموانع الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهةٍ أو داءٍ أو محنةٍ أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل، وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثيرٌ عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُفْزِعت شرور الدنيا والآخرة، واستُجْلِبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسِرُّ ذلك: أن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تُفْتَح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية، والصحة، والغنيمة، والغنى، والراحة، والنعيم، والأفراح، وتساءل دائماً: ما هو عِظَم الصلاة في قلبك؟!

اهتمام السلف بتعليم أبنائهم الصلاة

لقد أمر صلى الله عليه وسلم الأولياء من الآباء والأمهات بأمر فلذات أكبادهم بهذه الفريضة، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أحمد وأبو داود والدارقطني .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم، ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، فمن احتلم أو حاض أو استكمل خمس عشرة سنة لزمه الفرض. كما في شرح السنة .

ولقد كان سلف الأمة من شدة عنايتهم وحرصهم على هذه الصلاة يرون تعليم الصبي الصلاة إذا عَرَف يمينه من شماله، ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [يُعَلَّم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله].

وبيّن الإمام إبراهيم النخعي أنهم كانوا يعلِّمون الصبيان الصلاة عند سقوط أسنانهم الرواضع، كما في المصنف لـابن أبي شيبة .

تأمل -يا رعاك الله- إلى أي حالٍ قد وصل حرص السلف رحمهم الله تعالى، ولذلك احرص على أبنائك -يا رعاك الله- وقربهم منك في الصلاة، دعهم يصلون بجانبك، لا تتركهم في المساجد، لا تتركهم يؤذون الناس، وإن كانوا مأمورين بذلك -نعم، يا رعاك الله-؛ ولكن ليس الأمر أن يتركوا ليعبثوا أو يؤذوا الناس!

حكم المتهاون بالصلاة

ماذا ينتظر المتهاون في هذه الصلاة؟! ماذا ينتظر المتهاون عن هذه الصلاة؟! روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يحافظ على الصلاة لمن تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي جهل، وأُبَي بن خلف ) لا إله إلا الله! ما أعظم شأنها! وأعظم ثوابها وأجرها!

قال الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر : فمؤخر الصلاة عن وقتها صاحب كبيرة -استمع! استمع يا رعاك الله- فمؤخر الصلاة عن وقتها مرتكب كبيرة -أعني الصلاة الواحدة- وهو كمن زنى وسرق؛ لأن ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة فإن فعل ذلك مرات، فهو من أهل الكبائر إلا أن يتوب، فإن لزم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين.

لا إله إلا الله! استمع إلى قول الله تعالى وهو يقرع الأسماع فيقول الرب جل جلاله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59]، نعم، اتبعوا لذة المناكح، واتبعوا لذة الفرش والمنام، واتبعوا لذة الوظائف، انظروا إلى الناس والطرقات وهم يذهبون لوظائف الدنيا كلٌ يخاف أن يكون اسمه تحت الخط الأحمر، بل لو وجده مرةً أو مرتين عاقب نفسه وحاسبها، وإذا جاءه الراتب مخصوماً منه ولو ريالاً واحداً تغيرت (فسيولوجيات) حياته.

ألا في الصلاة الخير والفضل أجمعُ>>>>>لأن بها الآدابُ لله تخضعُ

وأول فرضٍ من شريعة ديننا>>>>>وآخر ما يبقى إذا الدين يُرْفَعُ

تأمل! هذه بعض النفحات والتوجيهات للذين يتأخرون عن الإتيان للصلوات.

يقول سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: لا تكن مثل عبد السوء، لا يأتي حتى يُدْعى، ائت الصلاة قبل النداء.

أخي: لقد جربتَ كثيراً التأخر عن الصلوات، فجرب أسبوعاً واحداً ألا يؤذن المؤذن إلا وأنت في المسجد وانظر إلى الفرق بين تلك الحالتين.

ولقد كان الأخيار يعيبون على من يحضر وقد فاتته تكبيرة الإحرام، يقول إبراهيم التيمي: [إذا رأيتَ الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى، فاغسل يدك منه].

وكان السلف لا يطلبون العلم على عالِمٍ أو غيره حتى ينظرون إلى صلاته، فإن رأوه متقناً لها مبكراً وحريصاً طلبوا العلم عليه، وكانوا ينظرون إلى صلاته إن أتم ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها طلبوا عليه العلم؛ لأنهم قالوا: إن كان متقناً لأدائها فهو متقنٌ لعلمه بإذن الله تعالى.

حال النساء مع الصلاة بين الحرص والتفريط

وهذه بعض نساء السلف رحمهن الله تعالى وحرصهن على الصلاة:

فهذه عصمة الدين خاتون ، زوجة الملك الصالح نور الدين محمود زنكي ، وتزوجها بعد ذلك صلاح الدين ، قامت ذات مرةٍ غضبى من نومها بسبب أنها فاتتها الصلاة في وقتها.

الله أكبر! إنهن النساء الصالحات، فأين تلك المرأة التي تضيِّع الصلاة، بل وتتكاسل عنها؟ وإذا صلتها خرمتها خرماً، ولم تبكِِ يوماً على تأخيرها، بينما تذرف الدمعات على نوافذ الخياطين ومشاغل الخياطة بسبب خطأ في الفستان أو تأخرٍ في موعد الاستلام.

أمة الله: استمعي إلى هذا النداء المبارك من رب العزة والجلال، وهو يقرع سمع الرجال والنساء: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]، أي: مفروضاً، فهل للصلاة قدرٌ في نفسكِ يا أمة الله؟! لئن كان الرجال مأمورين بصلاة الجماعة في المساجد فلكِ أمرٌ أيضاً أنتِ -أمة الله- بأدائها في وقتها في بيتك.

ألم تسمعي -أمة الله- بقصة تلك المرأة التي ذكرها الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه الكبائر ، عندما دفنها أخوها وسقط عليه بعض الأشياء في القبر، فعاد لكي يبحث عنها، يقول: فلما حرك التراب قليلاً وإذا به يجد تراب القبر أصبح ناراً تلظى، فرجع مذهولاً إلى أمه وقال لها: أماه أخبريني عن أختي ما هو أمرها؟ وما هو شأنها؟ لقد وجدتُ قبرها كذا وكذا.

قالت الأم: إن أختك صالحة وطيبة، وما عهدتُ عنها فجوراً.

قال أماه: أخبريني الخبر، لا بد أن وراء ذلك شيئاً.

قالت الأم: إن أختك لم يكن عليها شيءٌ من الملاحظات إلا شيئاً واحداً -ما هو يا ترى؟!- قالت الأم: كانت أختك تؤخر الصلاة عن وقتها.

وتقول لي إحدى مغسلات الموتى تقول: لما غسلنا تلك الفتاة، وكانت فتاةً جميلة، تقول الأخت: وفي أثناء التغسيل أفاجأ بأن لون المرأة بدأ يتغير وينتكس حتى انقلب إلى السواد -والعياذ بالله تعالى-، اشمأزت نفسي، خرجتُ من مكان التغسيل، لم أطق أن أغسلها، قلت: أين أمها؟

قالوا: هي فلانة.

قلت: أرجوكِ وأسألكِ بالله أخبريني عن ابنتك هذه ما هو شأنها؟

أهي فعلت خَناً أو عاراً.

قالت الأم: لا -وهي تذرف الدمعات، وتسيل العبرات- إن ابنتي هذه لم تركع لله ركعة.

ويقول أحد الدعاة: ذهبنا إلى الشمال، وإذا بامرأة قد بلغت الستين من العمر لم تركع لله ركعة، وتقول: أأضع أنا جبهتي على التراب؟!

أمة الله: أين أنت من تلك النماذج الطاهرة المباركة.

يقول لي أحد الإخوة: جدتي تنام بعد العشاء مباشرة، وتستيقظ في الساعة الثانية من منتصف الليل، وتظل تصلي وتستغفر وهي لا تعرف القراءة ولا الكتابة، تسمع محاضرةً، وتسمع قرآناً، حتى تصلي صلاة الفجر، ثم تجلس تذكر الله حتى تشرق الشمس، فتصلي صلاة الضحى، ثم تنام بعد ذلك، هذا ديدنها في كل يوم.

ويقول أحد الإخوة: منذ عقدتُ على زوجتي -استمعي يا أمة الله، واستمع أيها الرجل- وهي تتصل عليَّ توقظني لصلاة الفجر.

ويقول أحد الإخوة -آخر-: زوجتي توقظني لصلاة الفجر حتى أنها تطفئ المكيف، ثم تأخذ اللحاف، ثم إذا استيئس الأمر أراقت عليَّ الماء، وهذا من شدة حرصها على إيقاظي.

هؤلاء النساء:

ولو كان النساء كمن ذكرنا>>>>>لفُضِّلت النساء على الرجالِ

وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ>>>>>ولا التذكير فخرٌ للهلالِ

إنهن النساء الصالحات، فأين أنتِ أمة الله! يا من تؤخرين الصلاة عن وقتها! أو تتركينها بالكلية؟! يا للهول! يا للبلاء!

وجدتُ إحصائيات، بل قال لي بعض الأبناء: أمي تصلي الفجر مدة ثلاثين سنة أربع ركعات، أربع ركعات!! استمع! فإنها مآسٍ حزينة! ولكن ما أجْمَلَكِ يا أمة الله وأجْمِل بك يا عبد الله أن ندرك هذا الفضل!

فوائد صلاة الجماعة

أيها الإخوة والأخوات: وهنا وقفة لطيفة جميلةٌ مع العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى عندما تكلم عن صلاة الجماعة فذكر لها سبعاً وعشرين فائدة، أوجزها لكم باختصار:

يقول ابن حجر : وقد نقَّحت ما وقفتُ عليه من ذلك، وحذفتُ ما لا يختص بصلاة الجماعة -إذاً هناك أكثر- يقول:

الأولى: إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة.

الثانية: التبكير إليها في أول الوقت.

الثالثة: المشي إليها بسكينة.

الرابعة: دخول المسجد داعياً.

الخامسة: صلاة التحية عند دخوله، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة.

السادسة: انتظار الصلاة؛ وكذلك انتظار الجماعة.

السابعة: وصلاة الملائكة عليه، واستغفارهم له.

الثامنة: شهادتهم له.

التاسعة: إجابة الإقامة.

العاشرة: السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة.

يقول أحد السحرة والمشعوذين -أحد جيران المساجد- تعجبتُ كيف أن الجن عندما أحضِّرهم لا يجلسون عندي عندما يؤذن المؤذن -وهو يخاطب إمام مسجد- وإذا بدأتَ القراءة خرجوا من عندي أيضاً، ولا يأتون إلا بعد الصلاة.

الحادية عشر: الوقوف منتظراً إحرام الإمام، أو الدخول معه في أي هيئةٍ وجده عليها، وإدراك تكبيرة الإحرام كذلك.

الثانية عشر: تسوية الصفوف وسد فرجها.

الثالثة عشر: جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده.

الرابعة عشر: كذلك الأمن من السهو غالباً، وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه.

الخامسة عشر: حصول الخشوع، والسلامة عما يلهي غالباً.

السادسة عشر: تحسين الهيئة غالباً.

السابعة عشر: احتفاف الملائكة به.

الثامنة عشر: التدرب على تجويد القراءة.

التاسعة عشر: تعلم الأركان والأبعاض.

العشرون: إظهار شعائر الإسلام.

الحادية والعشرون: إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة، والتعاون على الطاعة، ونشاط المتكاسل.

الثانية والعشرون: السلامة من صفة النفاق، ومن إساءة غيره بالظن به بأنه ترك الصلاة رأساً.

الثالثة والعشرون: رد السلام على الإمام.

الرابعة والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدعاء، والذكر، وعود بركة الكامل على الناقص.

الخامسة والعشرون: قيام نظام الألفة بين الجيران، وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات.

فهذه خمسٌ وعشرون خصلة ورد في كلٍ منها أمرٌ أو ترغيبٌ يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما:

السادسة والعشرون: الإنصات عند قراءة الإمام، والاستماع لها.

السابعة والعشرون: التأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمينه تأمين الملائكة.

أثر الصلاة في قلوب الخاشعين

ولقد كان للصلاة في قلوب القوم أعظم الأثر.

يقول عبد الله بن أبي سليمان : [كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رِعْدَة، فقيل له: ما لك؟ فقال: أتدرون بين يدي مَنْ أقوم؟! ومَن أنادي؟!] كما في طبقات ابن سعد والحلية .

و [كان زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم أجمعين إذا جلس يتوضأ أخذته صفرة ورِعْدة، فقيل له: ما لك؟ فقال: هل تدرون بين يدي مَن سوف أقف بعد قليل؟!].

أيها المسلمون والأحبة في الله: الصلاة تربي على توحيد الصف الإسلامي، ونزع الخلاف والفرقة، وعدم تتبع العورات والبحث عن الزلات.

الصلاة تربي على المراقبة، أسألك بالله يا أخي! من يعلم أنك على طهارة إلا أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء؟ إنه الله جل جلاله، الذي يعلم السر وأخفى.

إذاً: فالصلاة تربي على المراقبة الحقيقية بين العبد وبين مولاه، وتربي على الجدية، بدل الميوعة التي يعيشها فئام من الناس، فلها وقفة خاصة كأنها وقفة رجلٍ أمام أعز الناس في الدنيا؛ ولكنها أمام الخالق سبحانه وتعالى.

لذلك هناك رسالة جميلة مباركة أنصح بقراءتها للإمام أحمد رحمه الله تعالى بعنوان: الصلاة، وهي رسالة كتبها رحمه الله تعالى عندما صلى ذات مرةٍ في مسجد من مساجد أحد الأحياء، وكان الإمام يخرق في الصلاة خرقاً، ولم يكن أهل الحي حريصين على التبكير، فكتب كلاماً جميلاً لولا الإطالة لأخذت لكم منه طرفاً كثيراً؛ ولكن أذكر لكم بعض نفحاته، يقول رحمه الله: واعلموا -وهو يخاطب أهل المسجد، وكأنه يخاطبنا- أن الله عز وجل قد عظَّم خطر الصلاة في القرآن وعظم أمرها وشرفها وشرف أهلها، وخصَّها بالذكر من بين الطاعات كلها في مواطن كثيرة من القرآن، وأوصى بها خاصة، فمِن ذلك: أن الله تعالى ذكر أعمال البر التي أوجب لأهلها الخلود في الفردوس، فافتتح تلك الأعمال بالصلاة وختمها بالصلاة، وجعل تلك الأعمال التي جعل لأهلها الخلود في الفردوس بين ذكر الصلاة مرتين، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] فبدأ من صفتهم بالصلاة عند مديحه إياهم، ثم وصفهم بالأعمال الطاهرة الزاكية المرضية، إلى أن قال: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِـكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:8-11]، إنه الجزاء المبارك.

لذلك تأمل قول الله تعالى: إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:19-21]، ثم استثنى طائفةً فقال: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:22-25].

إذاً: هذه نفحاتٌ مباركة.

وصية ونداء

ثم أختم بوصية للإمام أحمد حيث قال: فالصلاة:

أول فريضةٍ فُرِضَت عليهم.

وهي آخر ما أوصى به صلى الله عليه وسلم أمته.

وآخر ما يذهب من الإسلام.

وهي أول ما يُسأل عنه العبد من عمله يوم القيامة.

وهي عمود الإسلام، وليس بعد ذهابها دينٌ ولا إسلام.

فالله..الله! في أموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة، فتمسكوا بها، واحذروا، ثم احذروا تضييعها والاستخفاف بها.

أيها الإخوة والأخوات: هذا نداء من القلب إلى القلب، جعلتُ بداية هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

فيا أصحاب التجارة: أجيبوا نداء الله.

يا أصحاب الرياضة: يا من تؤخرونها! استجيبوا لنداء الله.

يا أصحاب المجمعات السكنية: يا أهل الشقق! أجيبوا نداء الله، أقيموا الصلاة.

يا أصحاب الشواطئ: يا من تجلسون على السواحل! أجيبوا نداء الله.

يا من أنتم على القنوات عاكفون: أجيبوا نداء الله.

يا من أنتم في الطرقات ماضون، وفي زواياها جالسون: أجيبوا نداء الله.

يا من في الأعمال منهمكون، وعلى المكاتب جالسون: أجيبوا نداء الله.

أيها الآباء والأمهات: أجيبوا نداء الله، ربوا أبناءكم على الصلاة، أقيموا الصلاة.. أقيموا عماد الدين، ومُرُوا مَن ولاكم الله عليه.

أيها المسئولون: أقيموا الصلاة في أعمالكم، فإن الدولة -ولله الحمد والمنة- تقيمها وتؤكد عليها، وتأمر بها، ولقد كان عمر رضي الله عنه يتفقد رعيته ويحرص عليهم.

إنه نداء، فكم يطالَب بإجراء فحوصات الدم الوراثي -ولا شك أنه موافقٌ لمقاصد الشريعة ومطلوب- ولكن نناشد ونطالب المطالبة بإحضار ورقة رسمية لمن تقدَّم للزواج -خصوصاً عن مجهولي الحال- من إمام المسجد تثبت محافظتهم على الصلاة، فكم والله ضُيِّعَت أسر بأسباب هؤلاء المتخلفين، وخصوصاً ممن يُصَلون الصلوات إذا أرادوا أن يتقدموا للزواج والنكاح، صلوا وأعفوا اللحى وانضبطت أحوالهم وأخلاقهم.

صلى المصلي لأمرٍ كان يطلبهُ>>>>>فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

فهذه مطالبة أضعها في أعناق أئمة المساجد ليتقوا الله، لا يوقعون أوراقاً للَجْنات تيسير الزواج وغيرها تشهد لأناسٍ لا يشهدون الصلوات الخمس، ليكتبوا فيها: إنه لا يشهد صلاة الفجر، والله إذا أقمنا الصلاة في مجتمعنا وبيوتنا وأعمالنا، أقمنا الدين حقيقة.

رسالة أخرى لمن يترك الصلاة في مسجد الحي لأعذارٍ غير شرعية، نقول له: مهلاً يا أخي، مهلاً يا والدي العزيز، مهلاً يا أخي الكريم، كيف تراقب أولادك، وأنت لا تصلي معهم في مسجدٍ واحد؟! بل ومسجد الحي خصوصاً، كم تفوتك بعض السنن، وربما تكبيرة الإحرام في كثيرٍ من الأحيان؟! وإذا أصبحتَ مريضاً فمن يعودك، وأهل حيك لا يرونك موجوداً معهم في مسجدهم، كيف يعرفون عنك أموراً وأموراً؟

إذاً: تأمل يا أخي أن صلاتك في مسجد حيك لها الفضائل والمكارم.

أيها الإخوة والأخوات: أيها المسلمون! يا من نور الله قلبه بالإسلام، واندلف بين أهله، الصلاة عمود الإسلام، وأداؤها شكر للرحمن، فمن فعلها فهو من أهل الإيمان، ومن تركها أو تكاسل عنها شابَهَ أهل النفاق والعصيان، وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].

الصلاة صلة موصلة لرضوان الله، وتاركها عاقٌ وقاطعٌ ومفسدٌ في الأرض.

الصلاة أول الحساب عنها يوم القيامة، فمن صَلُحَت صلاته صَلُح سائر عمله، وإذا فَسَدَت فَسَد سائر عمله، أسألك بالله يا من تركت بعض الصلوات! كيف تستطيع تعويضها؟! الأموال تستطيع تعويضها! والوظائف تستطيع تعويضها؛ لكن الصلاة كيف تستطيع تعويضها؟! فيا سبحان الله!

الصلاة فيها الانكسار والخضوع والإخبات لله جل جلاله.

الصلاة فيها وقوفٌ بين يدي أرحم الراحمين.

فلله كم حررت هذه الصلاة من أسير للشهوات، ومنعت مرتكباً للمحرمات، ومنغمساً في الملذات، ومنعت إغضاب رب الأرض والسماوات.

إنها الصلاة المباركة، فإلى متى يصر بعض الناس على ترك طريق الأبرار، والإصرار على طريق الفجار، بجلوسهم في الشوارع والطرقات والمساكن، لا يأتون الصلاة إلا متأخرين، أو تركها بالكلية، أو لا يشهدون بعضها.

الصلاة فيها القرب من الله؛ لأنها صلة، فمن تركها فقد قطع الصلة مع الله.

فاتقِ الله يا أخي المسلم، انظر إلى أولادك هل يشهدونها! وفي الفجر خصوصاً! خصوصاً أن بعض الأبناء لما نصحناهم قالوا: إن والدنا لا يوقظنا؛ ولكن أتعجب فأقول: وجدتُ شباباً كثراً، ووجدت في بعض المناطق -لما ألقيت المحاضرة- شباباً في الثانوية، وبعضهم في الابتدائية يأتون إلى صلاة الفجر قبلها بساعةٍ كاملةٍ ولله الحمد والمنة، الله أكبر! ووجدتُ شباباً صغاراً في الرابع والخامس الابتدائي يقول الإمام: هذا الولد وهذا يأتيان مع الأذان إلى المسجد لا يتركان صلاةً واحدةً في المسجد، سبحان الله!

وأذكر رجلاً كبيراً في السن -وقد توفي- كان ثقيلاً ومريضاً، وكان بيته قريباً من المسجد لكنه يظل على عصاته خمساً وعشرين دقيقة -كأنه يحبو حبواً- حتى يصل إلى المسجد، ولما ثقل في آخر حياته -وهو لا يبصر كثيراً- كنت إذا سلمتُ عليه وقلت: معك فلان، انهمرت عيناه بالدمع، يقول لي: إذا أقمتَ الصلاة في المسجد خرجتُ في ساحة البيت لكي أسمع الصلاة؛ ولكنني لا أستطيع أن آتي إليها.

الله أكبر! الله أكبر! إنها نماذج رائعة.

ويقول لي بعض الشباب: أمي هي التي ربتنا على الصلاة، بل كانت تضربنا وتشد علينا إذا تأخرنا. الله أكبر!

وكم اتصلت عليَّ نساء تقول بعضهن: أوقظ أبنائي للصلاة ويتأخرون، فما نصيحتك؟

قلت: جزاكِ الله خيراً، أيقظيهم وإن تأخروا قليلاً فاصبري؛ لأن الله قال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].

وهذه رسالة إلى إمام المسجد وأهل الحي: أن يزوروا تاركي الصلاة من جيران المسجد، فللأسف وُجِد أن بعض الأئمة هداهم الله، بعضهم أمَّ الناس في المساجد خمساً وثلاثين سنة، وبعضهم خمساً وعشرين، وبعضهم عشرين سنة، لَمْ يزُر بعض جيران الحي والعياذ بالله.

بل يقول لي أحد الدعاة: لما جئتُ إلى إمام المسجد وقلت له: اذهب معي إلى جار المسجد فلان. فلما زرناه قلت لصاحب البيت: أتعرف هذا؟

قال: لا.

قلت له: هذا إمام المسجد.

وإذا بالإمام لا يعرف هذا، وهذا لا يعرفه، وهو جار المسجد، بيته مقابلٌ له.

فالله الله أيها الأئمة! إنها أمانةٌ في أعناقكم، والله إنها أمانةٌ في أعناقكم سوف يسألكم الله عنها يوم القيامة، زوروا هؤلاء الناس، برِّئوا ذِمَمَكم أمام الله.

وأنتم أيها الجيران برِّئوا ذِمَمَكم أمام الله قبل أن تقفوا خصماء أمام الجبار جل جلاله يوم القيامة فيقول الجار: لَمْ ينصحني! ويقول الأخ: لَمْ ينصحني، ويقول الابن: لَمْ ينصحني.

اللهم إنا نسألك يا أرحم الراحمين أن تجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم اجعلنا ممن أقام العماد في حياته.

اللهم تَقَبَّـلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيـعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:128].

اللهم أصلح أبناءنا وأبناء المسلمين، ونساءنا ونساء المسلمين.

اللهم أصلح نساءنا ونساء المسلمين.

اللهم قربنا إلى المساجد، وقرب أبناءنا وأحبابنا المسلمين.

اللهم أصلح المسلمين والمسلمات.

اللهم اجعلنا ممن عمر المساجد، وأقام العماد.

اللهم خفِّف علينا الحساب، ويَمِّن لنا الكتاب، واجعلنا ممن يسَّرت له البيان.

يا أرحم الراحمين! اختم لنا هذه الحياة ونحن راكعون أو ساجدون.

اللهم إذا أردتَ قبض أرواحنا فاقبضها وهي راكعة أو ساجدة.

اللهم يا رب الأرباب، ويا مسبب الأسباب، اجعلنا ممن يموت على (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

اللهم اجعلنا ممن يموت على (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

اللهم اغفر لنا، ولآبائنا، وأمهاتنا، وجميع المسلمين، ومُنَّ بتوفيقٍ وتسديدٍ على ولاة أمور المسلمين.

اللهم انصر المسلمين في فلسطين ، اللهم انصرهم في فلسطين .

اللهم عليك باليهود، يا رب العالمين!

اللهم أحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

في ختام هذه الكلمات: أيها الأحبة والإخوة الفضلاء: لا أملك إلا أن أشكر الله تعالى أن يسر لي اللقاء بكم، والشكر موصول بعد شكر الله تعالى لجهاز التوجيه والإرشاد بالحرس الوطني، بالمنطقة الشرقية على حرصه وعنايته وتيسيره لنا هذا اللقاء، والشكر لكم موصولٌ أيها الأحبة على جلوسكم وصبركم، فإنها والله لمنقبةٌ مباركةٌ عظيمة، وثواب من الله مباركٌ كريم.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينال هذا الثواب، ويقال لكم في ختام هذا المجلس: (قوموا مغفوراً لكم، قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات).

اللهم ما أصبتُ من خيرٍ فهو منك وحدك لا شريك لك، وما أخطأتُ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان.

اللهم هل بلغتُ؟! اللهم هل بلغتُ؟! اللهم هل بلغتُ؟! اللهم فاشهد.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , العماد بين الأسى والتأسي للشيخ : إبراهيم بو بشيت

https://audio.islamweb.net