إسلام ويب

إلى كل من تجرأ على خالقه بالمعاصي .. إلى كل من غرته نفسه فتساهل في حرمات الله .. إلى كل من بارز الخالق الجبار بالذنوب والسيئات: من أنت؟! ومن تعصي؟!

حقيقة الإنسان وقدره

الحمد لله، الحمد لله النافذ أمره، الدائم ذكره، الشديد بطشه وقهره، الواجب حمده وشكره، لا يرجى إلا نفعه، ولا يُخاف إلا ضره، سبحانه وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، تسبحه سماؤه وأرضه، وبره وبحره، وجنه وإنسه، وأملاكه وأفلاكه ودهره.

الحمد لله حتى يرضى، والحمد لله إذا رضي، والحمد لله بعد الرضا.

حبيبي وخالقي، له الحمد كما نقول، وله الحمد أحسن مما نقول، لا نحصي ثناءً عليه، هو سبحانه جلَّ جلالُه كما أثنى على نفسه.

يا من يرى مد البعوض جناحها>>>>>في ظلمة الليل البهيم الأليلِ

ويرى نياط عروقها في نحرهـا>>>>>والمخَّ من تلك العظام النحَّلِ

ويرى جريان الدم في أحشائها>>>>>متنقلاًَ من مفصل في مفصلِ

ويرى ويسمع حس ما هو صوتها>>>>>في قعر بحر مظلم متجدولِ

وَمَـا تَسْقُـطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُـهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الأنعام:59].

سبحانك جل جلالك! سبحانك ما أعظمك! سبحانك ما أحلمك! سبحانك ما أجلك! يا أكرم الأكرمين ما أحلمك على من عصاك! وما أقربك ممن دعاك!

من ندعو وأنت الموجود؟! وإلى من نلتجئ وأنت ذو الكرم والجود؟!

تعلم دبيب النملة على الصخرة السوداء في ظلمة الليل، جل جلالك، لا نحصي ثناءً عليك، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ [الصافات:180] .

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها النجاة يوم العبوس القمطرير .. شهادة نرجو بها النجاة يوم تشقق السماء، وتتناثر النجوم، وتُفجر البحار .. شهادة نرجو بها النجاة، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا [الحج:2] .. شهادة نرجو بها النجاة عند الموت، ونرجو بها النجاة في القبر، ونرجو بها النجاة يوم تجاوز الصراط، ونرجو بها النجاة يوم أن نقف بين يديك يا أرحم الراحمين!

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، سيد الخلق، وخاتم النبيين، شرح الله صدره، وأعلى ذكره، وأعز مُواليه، وخذل عدوه.

أُرْسِلت داعيةً من الرحمان>>>>>فدعوتَ فاهتزت لك الثقلانِ

اللهم صلِّ وسلم وزِد وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واجزه اللهم خير ما جزيت نبياً عن أمته.

أما بعد:

فقبل أن أبدأ في موضوعي: أيها الأخ الكريم! من أنت؟! من أنت يا مسكين؟! من أنت يا مغرور؟! يا من غرته نفسه! ويا من غره حاله! من أنت؟! لا إله إلا الله! ما أجرأك على الله!! من أنت حتى تعصي الله؟! من أنت حتى تستهين بحرمات الله؟! من أنت حتى تتكبر على الله؟! من أنت حتى تبارز مولاك بالمعاصي والذنوب؟! من أنت حتى تستهين بنظر الله لك ولا تبالي؟! من أنت يا بن آدم؟! ليتنا لم نوجد، ولم نُخلق إذا كنا سنعصي الله.

ألا تعلم يا مغرور، ويا مسكين من أين خرجتَ ومم خلِقتَ؟!

خلقتَ من ماء دافق، من نطفة مستقذرة، وخرجت من مكان مُسْتَكره ومُسْتَقذر، من أنت حتى تتقاوى على الله والحشرة تؤذيك؟! من أنت حتى تتكبر على الله؟! ألا تعلم أنك تحمل الخبث والقاذورات والأوساخ في بطنك، وتمشي بها بين الناس؟!

من أنت حتى تتكبر؟! غرك جاهك أم غرك منصبك، ومَرَدُّك إلى التراب، وإلى الحفرة مع الدود؟! أم غرك جمالك؟! أم غرك مالك؟! فإنها إلى الفناء.

بدايتك طفلاً، ونهايتك ضعفاً وشيباً.

من أنت يا مسكين، يا مغرور؟! أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:77-79] لا إله إلا الله!

عظمة الله

أخي في الله: يا من تجرأت على المعاصي والذنوب! إذا خانتك نفسك فانظر إلى من تعصي، إنه الله! الذي خلقك وصورك، وشق سمعك وبصرك، إنه الجبار .. القهار، الذي يعلم الحركات والسكنات والخطرات.

يا مسكين! يا من تجرأ على المعاصي والذنوب: من أنت؟! ومن تعصي؟! السماء سماؤه، والأرض أرضه، والخلائق عبيده، والكون كونه، أتعلم من تعصي؟!

إنه الله! الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، العطاء من أجل هباته، فسبحانه ما أعظمه! فسبحانه ما أجله! فسبحانه ما أعظمه!

من الذي دعاه فلم يستجب له؟! أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟! أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحَّاه وأخَّره؟!

أتدري -يا مسكين!- من تعصي؟!

إنه الله! سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، سبحانه! جلَّ جلالُه، يحيي ويميت، يشفي مريضاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويفك عانياًَ، ويُشبع جائعاً، ويكسو عريان، ويعافي مبتلىً، ويقبل تائباً، ويجازي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، سبحانه! سبحانه! خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات:27] .. وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:32] ، وأرضاً دحاها، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:31] .

أتدري من تعصي يا مسكين؟!

إنه الله! إنه ربك جلَّ جلالُه، الذي أنعم عليك، وأعطاك، وكفاك.

إنه الله! الذي طالما استهنتَ بنظره إليك.

أتدري من تعصي؟!

إنه الجبار، الذي يمهل ولا يهمل، أهلك أقواماً وأمماً، هانوا على الله غاية الهوان؛ فسقطوا من عينه جلَّ جلالُه غاية السقوط، وحل عليهم غضبه.

أتدري من تعصي؟!

إنه الله! الذي أغرق أهل الأرض كلهم جميعاً، حتى علا الماء فوق رءوس الجبال، وأهلك أقواماً فسلط عليهم الريح، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، فلا تأمن مكر الله، ولا تأمن استدراج الله لك.

أتدري من تعصي؟!

إنه الله! الذي أرسل على قومٍ الصيحة، حتى قطِّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم.

أتدري من تعصي؟!

إنه الله! الذي أرسل على قوم السحاب -سحاب العذاب- كالظلل، فلما صارت فوق رءوسهم أَمْطرت عليهم ناراً تلظى.

من الذي أهلك فرعون وقومه في البحر؟!

ومن الذي خسف بـقارون ، ودارِه، ومالهِِ، وأهلهِ؟!

ومن الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميراً؟!

إنه الله! إنه الله!

أعلمت من تعصي؟! أعلمت الآن يا مسكين؟!

وقد قال تعالى منبهاً العباد إلى عدم الاسترسال في المعاصي والذنوب: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:52] .

وقال تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12].

وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ [هود102] اللهم لا تستدرجنا من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم، يا أرحم الراحمين! وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا [الأنعام:44]، اللهم لا تجعلنا منهم، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44].

رحماك يا رب، وصدق الذي قال:

يا نفس كُفِّي فطول العمر في قِصَر>>>>>وما أرى منك للتوبيخ من أثرِ

يا نفس قضيت عمري في الذنوب وقد>>>>>دنا الممات ولم أقض من الوطرِ

يا نفس غركِ من دنياك زخرفها>>>>>ولم تكوني بهول الموت تعتبري

يا نفس بالغتِ بالعصيان غاويةً>>>>>ألم تبالي بتحذير ومزدجرِ؟!

قل لها يا عبد الله! قل لها يا مغرور! -وكلنا ذاك الرجل-:

يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي>>>>>فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني

حقيقة الحياة الدنيا

يا بن آدم، مهما عشت فإلى كم؟!

إلى الثمانين؟! أم إلى التسعين؟! أم إلى المائة؟! أو إلى المئات؟!

فما أقصرها من مدة! وما أقصره من أجل!

قيل لنوح عليه السلام، وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف وجدت الدنيا؟

قال: كداخل من باب دار وخارج من آخر.

كيف يرتاح من علم أن الموت سنة الله في خلقه؟! وكيف يطمع في البقاء، أو يقر له قرار؟! بل كيف يتلذذ بمأكل أو مشرب، وملك الموت عند رأسه، وهو يرى كثرة الراحلين من هذه الدنيا، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير [الشورى:7]؟!

أما سمعتَ -يا بن آدم!- قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعظ المؤمنين: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)؟!

أيها الإخوة: يا من حضر إلى هذا المكان، لا يبتغي إلا وجه المولى جلَّ جلالُه! يا من حضر إلى هذا المكان وقد تصارع هو والشيطان يرجو رحمة ربه، ويخشى الآخرة! يا من حضر إلى هذا المكان لا يُحْضِره منصب، أو مال، أو جاه، لم يحضر إلا ليناجي ربه سبحانه وتعالى أن يدخله في زمرة التائبين، أو أن يجعله ممن يرق قلبه ويتحرك فؤاده! يا من حضر إلى هذا المكان! أبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم القوم، لا يشقى بهم جليسهم).

النار .. النار!

وهنا نتكلم عن أمر مهم للغاية، أمر نساه كثير من الناس، بل -ويا أسفاه!- تناساه كثير من الناس.

أمر يخافه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والرئيس والمرءوس، والغني والفقير، ويخافه الرجل والمرأة، والذكر والأنثى، بل ويخافه الكافر، بل وتخافه الحيوانات.

في هذه الدقائق نتكلم عن أمر مخيف، ومخلوق عظيم مرعب يخافه كل إنسان.

هذا المخلوق -أيها الأحبة!- تشمئز من ذكره النفوس، وتقلق منه القلوب، وتضطرب منه الأعضاء، وتقشعر منه الأبدان، وتقف من هوله الشعور.

هذا المخلوق ما ذُكر عند غني إلا كدَّر عليه عيشَه، ونغَّص عليه معيشته، وأخافه وأرعبه.

هذا المخلوق خطير للغاية.

هذا الأمر الذي سنتكلم عنه وهذا المخلوق، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لتخويف العباد، بل ومن قبله استعمله المولى جلَّ وعَلا لعباده حتى يئوبوا ويتوبوا ويرجعوا إلى الله.

هذا الأمر -أيها الأحبة!- وهذا المخلوق الذي سنتكلم عنه هو: النار أعاذنا الله وإياكم منها، النار التي مادتها الإحراق، فقد ذكر جلَّ جلالُه، وتعالت أسماؤه، وتقدست صفاته، مبيناً قوة تأثير هذه النار على العصاة المعذبين الذين لم يتوبوا في قوله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:26-28].

لا إله إلا الله! تأكل كل شيء تأتي عليه، وتدمر كل شيء أمامها، تحرق الجلود، وتصل إلى العظام، وتصهر ما في البطون.

إنها النار -أعاذنا الله وإياكم منها- التي يقول عنها جلَّ جلالُه: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى [الليل:14].

من القائل؟

إنه الله! ينذر عباده ويخوفهم؛ لعلهم يرجعون، ويتوبون، ويمتنعون، فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [الليل:14-15] الذي اتبع هواه, وركض وراء الشهوات، ولهث وراء المنكرات.

وقال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ [الفجر:23] يتذكر ذلك العبد عندما يُجاء بجهنم غدراته في الدنيا، ويتذكر تلك المعاصي والذنوب، ويتذكر تلك الأيام التي لم يرجع فيها إلى الله، ويتذكر ما مضى في هذه الدنيا لعل الله يتجاوز عنه، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23].

ماذا يقول ذلك المصر على الذنوب والمعاصي؟!

ماذا يقول ذلك المسكين؟! ماذا يقول ذلك العاصي عندما يرى تلك الأهوال؟!

انظروا! ماذا يقول: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] يا ليتني تبتُ إلى الله! يا ليتني رجعتُ إلى الله! وأنبتُ إلى الله! وسمعتُ الدعاة! وسمعتُ الوعَّاظ! يا ليتني...!

فانظروا العاقبة، فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26].

لا إله إلا الله! لا إله إلا أنت ولا رب سواك! يا منقذ الغرقى! ويا كاشف البلوى! يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:24-26].

وقال تعالى مبيناً خطر تلك النار: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى [المعارج:15] رحماك يا رب! اللهم لا تجعل لها طريقاً إلى أجسادنا وجلودنا يا أرحم الراحمين!

اللهم احمِ وجوهنا من شويها في النار، لا إله لنا غيرك فندعوه، ولا رب لنا سواك فنرجوه.

كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى [المعارج:15-17] تدعو ذلك العاصي الذي كان يقول له الدعاة: أما آن لقلبك أن يخشع لله؟! فتحمله الأماني على الإصرار على الذنوب .. تدعو من أدبر عن التوبة وتولى عنها .. تدعو من أدبر عن الرجوع إلى الله جلَّ جلالُه وتولى عنه .. تدعو من أدبر عن الرجوع إلى الله .. تدعو من تولى عن التوبة .. تدعو من اختار الدنيا عن الآخرة .. تدعو من قدم محبة الناس على محبة الله .. تدعو من استمر في الذنوب ودام عليها، كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى [المعارج:15-18].

والله -أيها الأحبة!- إنها سوداء مظلمة .. سوداء مقفرة .. سوداء موحشة .. إن -والله- قعرها بعيد.

يقول صلى الله عليه وسلم عندما كان مع الصحابة، فسمع وجفة، فقال: (أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها حجر أُلقيت في جهنم منذ سبعين خريفاً لم تصل إلا الآن).

سوداء مظلمة، قعرها بعيد، وحرها شديد، ومقامع أهلها الحديد، وطعام أهلها الزقوم، وشرابهم الصديد، إذا استغاثوا أغيثوا بماء كالمهل يشوي البطون.

اللهم رحماك يا رب! اللهم رحماك يا رب! اللهم رحماك يا رب!

تأمل أيها المسكين! تأمل أيها الأخ الحبيب! وقد جيء بجهنم إلى ذلك الموقف، تُقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ولا يعلم صفتهم وهيئتهم إلا الله، يُجاء بها في ذلك الموقف، تُجَر من أولئك الملائكة العظام، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23].

وقال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات:36] قُرِّبت النار.. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91] لا إله إلا أنت!

فإن لم تكن قد خلَّصت نفسك في هذه الدنيا، فلا أخالك ناجياً يا عبد الله! إن لم تكن خلَّصت نفسك بالتوبة في هذه الدنيا، فلا أظن أنك تخلُص، ما لك إلا مناجاة الله لعل الله أن يتجاوز عنك.

فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصـى؟!>>>>>أين إلجائي إلى أين مهرب؟!

وقد ظهرت تلك الفضائح كلها>>>>>وقد قُرِّب الميزان والنار تلهبُ

يا لَلْموقف! وقد جيء بالنار، وقد قرِّبت جهنم!

فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصى: يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان؟!

وقد ظهرت تلك الفضائح كلها>>>>>وقد قُرِّب الميزان والنار تلهبُ

فيا طول حزني ويا طول حسرتي>>>>>لئن كنتُ في قعر الجحيم أُعَذَّبُ

فقد فاز بالملك العظيم عصابةٌ>>>>>تبيت قياماً في دجى الليل ترهبُ

إذا أشرف الجبار من فوق عرشهِ>>>>>وزينت الحورُ الجنان الكواعبُ

فناداهم الجبار أهلاً وسهلاً ومرحباً>>>>>أبَحتُ لكم داري وما شئتمُ اطلبوا

في هذا الموقف، وفي ذلك الخطر المدلهم يتذكر الإنسان سعيه، وأحواله في الدنيا.

فهذا الموعد الذي طالما غفلتَ عنه، عندما ترى النار، وترى الحقائق، وتتذكر سعيك وأحوالك في الدنيا.

فهذا هو الموقف -يا مسكين!- والموعد الذي طالما غفلتَ عنه، ولم تحسب له حساباً، وهذه هي النهاية التي كنتَ لا تتوقعها، وكنتَ تستهين بها.

طالما أنذرك الدعاة، والوعَّاظ: ألم يأن لقلبك أن يخشع ويرجع إلى الله؟ طالما نبَّهوك، وقالوا لك: إن وراءك أهوالاً، وإن وراءك عظائم، وصعاباً، طالما أنذروك؛ ولكنك كنتَ في غفلة عن هذا.

فبينما الناس في الكروب، والأهوال والشدائد إذ سمعوا للنار زفيراًَ، وجرجرةً، تفصح عن شدة الغيظ والغضب على العصاة، فعند ذلك أيقن العصاة بالهلاك، وجَثَت الأمم على الركب.

إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً [الفرقان:12] يا ألله! سمعوا لها تغيظاً، وسمعوا لها زفيراً.

النار -يا عباد الله!- لو علمنا ما فيها ما عصينا الله، ولا تجرأنا على المحرمات.

تخيل -يا عبد الله!- أن الله كتب عليك النار -والعياذ بالله- وأنك من أولئك الذين يقول الجبار لملائكته فيهم:

خذوه يا ملائكتي مُرُوا>>>>>بعبدي إلى النيران عطشانا

لا إله إلا الله! تخيل لو أنك من أولئك الذين يقال لهم هذا الكلام.

الآمر هو: الله، والمأمور: الملائكة الغلاظ الشداد، وقد أتوك وأخذوك من تلابيبك، وصفدوك بالسلاسل والأغلال، وتبرأ منك الحبيب والقريب، والصاحب والصديق، تبرأ منك كل إنسان، فكل إنسان يقول: نفسي! نفسي! وأنت تسمع النتيجة، يا من لم يتب إلى الله! وكلنا ذاك الرجل، اسمع العبارة من رب الأرباب، اسمع من ملك الملوك ومسبب الأسباب:

خذوه يا ملائكتي مُرُوا>>>>>بعبدي إلى النيران عطشانا

فتأتي الملائكة بالسلاسل والأغلال، وتلقيك في حرها، وقعرها، فتطوف في أودية النار، من حال إلى حال، فتخيل حال أهل النار إذا دخلوا النار، ما هي حالهم؟! إنه الصراخ، والبكاء، والعويل، يندبون حظهم، حسرة وندامة، يصرخون وينادون؛ لكن ماذا يقولون وقد دخلوا في النار؟!

اسمعوا ماذا يقولون! -يا رب نجنا من النار يا رب!-

وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] وانظروا مَن ينادون وهم يريدون الخلاص، حتى إنهم يريدون الموت ولن يموتوا.

يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77].

ويتضرعون لعل الله يخلصهم من ذلك الموقف، فيعترفون بذنوبهم؛ ولكن بعد ماذا؟!!

وعندما تنقطع بهم الأماني والآمال، ويُجابون بتبكيت من مالِك خازن النار، يلجئون إلى الله مرة أخرى، فيقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:106-107].

يا رب! إذا عدنا فإنا قوم ظالمون، فإنَّا قوم نستحق ما بنا؛ ولكن يكون الرد عليهم: اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].

ألا وإن أهون أهل النار من يلبس نعلين يغلي منهما دماغه.

في النار تقلَّب تلك الوجوه، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب:66] فتشوى الوجوه، والجلود، وتكسّر العظام، ووالله لو ألقيت جبال الدنيا في نار جهنم لأصبحت رماداًَ، فهذه النار كل يوم تسعَّر، وكل يوم تشعَل، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].

كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً [الإسراء:97].

تذكر .. قبل أن يفوت الأوان

تذكر -أخي الحبيب!- قبل أن يُحال بينك وبين التوبة، تذكر ذلك الموقف، وكُن على حذر واستعد قبل أن يفوت الأوان.

واسمع لذلك العاقل وهو يأمرك أن تحاسب نفسك وتراجعها:

مثِّل وقوفك أيها المغرورُ>>>>>يوم القيامة والسماء تمورُ

يا مغروراً في دنياك! يا من ألهاهُ شبابه! يا من غره الشيطان! يا من غرته النفس الأمارة بالسوء! يا من غرته الصحبة السيئة! يا من غرته دنياه! تذكر وتمثَّل ذلك الموقف.

ماذا تقول إذا وقفت بـموقفٍ>>>>>فرداً وجاءك منكرٌ ونكيرُ؟!

وتعلقت فيك الخصوم وأنت في>>>>>يوم القيامة مُسلسلٌ مجرورُ

وحُشرت عرياناً حزيناً باكيـاً>>>>>قلقاً وما لك في الأنام مجيرُ

أرضيت أن يَحظَى سواك بقُربهِ>>>>>أبداً وأنت معذَّبٌ مهجورُ؟!

***

تأتي الصراطَ وقد فَتَحْتَ صحيفةًَ>>>>>بالنور قد مُلِئَت وبالرضوانِ

وترى الخلائق خائفين لذنبهـم>>>>>وتسير أنتَ بعزةٍ وأمانِ

فتفكر -أخي في الله!- في حال هؤلاء العصاة الذين كتبت عليهم النار، وقد عريت من اللحم عظامهم، فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب، وقد تفحمت تلك الوجوه في تلك النيران -والعياذ بالله- وهم في ذلك الموقف يتمنون الموت ولا يموتون.

فكيف بك -أيها الأخ الحبيب!- وقد نظرتَ إلى أولئك الذين في النار، وقد صعَّدت النظر إليهم، وقد اسودَّت وجوههم؟

فانظر عندما تنظر إلى حال هؤلاء في النار وقد اسودَّت وجوههم، وعَمِيت أبصارهم، وأُبكِمت ألسنتهم، وقُصِمت ظهورهم، وكُسِرت عظامهم، وجُدِّعت أنوفهم وآذانهم، ومزِّقت جلودهم، وغلَّت أيديهم إلى أعناقهم، وجُمِع بين نواصيهم وأقدامهم، ولهب النار يسري في بطونهم، وحيَّاتُ جهنم وعقاربُها قد تشَبَّثَت في ظهورهم، وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12] ماذا يقول أولئك العصاة؟! ماذا يقول ذلك المجرم الذي أعطى نفسه كل ما تشتهيه، ولم يبالِ بنظر الله إليه، ولم يبالِ بنظر المولى إليه؟!

إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقلْ>>>>>خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ

ولا تحسبن الله يغفل ساعةً>>>>>ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ

لَهَوْنا -لَعَمْرُ الله- حتى تتابعتْ>>>>>ذنوبٌ على آثارهنَّ ذنوبُ

قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [السجدة:12] نعم، أبصرتم وسمعتم؛ لكن بعد ماذا؟!

ألم تكونوا تبصرون في الدنيا؟!

ألم تكونوا تسمعون في الدنيا؟!

رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً [السجدة:12] لكن هيهات.. هيهات! هيهات.. هيهات!

يُلقى البكاء على أهل النار، فيبكون بكاءً شديداً حتى تنقطع أصواتهم، فلا يُسمع لهم إلا أنين، لا إله إلا الله!

يُلقى البكاء على أهل النار، فيبكون بكاءً مريراً حتى تنقطع تلك الأصوات، فإذا انقطعت تلك الأصوات لا تَسمع لهم إلا أنيناً، وقد أثر ذلك البكاء في خدودهم كأنها أخاديد، ولو أجريت في دموعهم السفن لَجَرَت.

توبة مذنب

فيا أيها الأخ الحبيب! يا أيها الأخ الحبيب! يا من يرجو النجاة! ويا من يرجو الخلود! أما آن لك أن تنطرح بين يدي الله؟! أما آن لك أن تنطرح بين يدَي ربك؟! وتناجيه: ربَّاه! يا منقذ الغرقى! ويا كاشف البلوى! أنختُ مطاياي ببابك، فلا تطردني عن جَنابك، ربَّاه! عُبَيْدُك بين يديك، ربَّاه! لجأت ببابك، فلا تطردني عن جَنابك.

فإذا بذلك التائب قد تحرك قلبه، وتحركت نفسه، فإذْ به يلقي بتلك الدمعة توبةً لله سبحانه وتعالى، ويقول: يا ربَّاه!

إن كان لا يرجوك إلا طـائعٌ>>>>>فبمن يلوذ ويستجير المذنب

لا إله إلا الله! وهو يناجي حبيبه سبحانه وتعالى:

ما لي إليك وسيلة إلا الرجـا>>>>>وجميلُ عفوك ثم إني تائبُ

يا من لا يرد من تاب ولجأ ببابه! عُبَيْدُك اعترف بالذنوب والمعاصي، وعزتك وجلالك أن عبدك يا رب يُشْهِدك ويُشْهِد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنه تاب إليك، فاقبل منه توبته.

وإذْ بتلك الدمعات تسيل من عينَي ذلك التائب، وإذْ به يخرج من هذه الدنيا، وإذْ بذلك الميلاد العظيم الجديد، مولود جديد قد تاب إلى الله، وإذْ به يستبدل كلام الشيطان ومزمار الشيطان بكلام الرحمان، وإذْ به يرجع إلى الله، وإذْ بالمولى جلَّ وعَلا -لا إله إلا الله!- يقول: (يا ملائكتي! أشهدكم أني قبلتُ توبة عبدي) فعندها تتقلب في السعادة، من سعادة إلى سعادة، ومن راحة إلى راحة، ومن هناء إلى سرور، قد قَبِل الله توبتك، وإذْ بك تُبَشَّر: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] وإذْ بك تُبَشَّر يا عبد الله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] ذنوبي يا رب! ذنوبي يا رب! إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] لا إله إلا الله!

وإذْ بالموت يأتي إلى ذلك التائب، فتنـزل عليه الملائكة تبشِّره برَوح وريحان، وإذْ به يُثبت في ذلك الموقف، وينجو من الدنيا، وينجو من النار، وإذْ به يُبَشَّر بجنة عرضها السماوات والأرض، وإذْ يرى في يوم القيامة ذلك الصراط والنار من تحته، ويسمع ذلك البكاء، ويرى تلك الكلاليب التي تخطّف الناس، وترميهم في النار، وإذْ به يتخطى الصراط وليس فيه صعوبة، كالبرق يعبر عليه نحو جنانِ، وإذْ بالملائكة تقول له: سلام عليك. تُبَشِّره بالسلام، وهي: السلامة من كل شر وسوء، سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا [الزمر:73] ادخلوها يا عباد الله! يا من تاب إلى الله! ادخلوها آمنين، لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:68] ، لا إله إلا الله!

ثم تمثَّل -قبل الختام- بتلك الأبيات:

لا إله إلا الله! مثِّل وقوفك في ذلك الموقف، واسمع لقول الشاعر:

فدنا الفراق ولات حين تهرب>>>>>...........................

عند الموت، وقبل أن ترحل الرحلة الأخيرة، وليست الأخيرة؛ ولكن إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

فدنا الفراق ولات حين تهرب>>>>>أين المفر من القضاء الداني

والتف صحبُك يرقبون بحسرةٍ>>>>>ماذا تكون عواقب الحدثانِِ

فاجتاح أهلَ الدار حزن بالـغٌ>>>>>واجتاح من حضروا من الجيرانِِ

فالبنت عَبْرَى للفراق كئيبةً>>>>>.............................

لا إله إلا الله! وأنت تودع، وترى الزوجة، وأبناءك، وإخوانك، وأباك، وأمك، وهم ينظرون إليك النظرة الأخيرة، ويودعونك يا مسكين! وأنت لا تملك لنفسك نفعاًَ ولا ضراً.

فالبنت عَبْرَى للفراق كئيبةً>>>>>والدمع يملأ ساحة الأجفانِ

والزوج ثكلى والصغار تجمعوا>>>>>يتطلعون تطلًّع الحيرانِ

أبتاه! زوجاه! ابناه! وا أخاه! وأنت تقلب بصرك يمنة ويسرة، وكأنك تقول: وداعاً.. وداعاً! وداعاً.. وداعاً!

والزوج ثكلى والصغار تجمعوا>>>>>يتطلعون تطلّع الحيرانِ

ودنا الأقارب يرفعونك بينهم>>>>>للحد كي تمسي مع الديدانِ

إن كنت يا هذا لربك تائباً>>>>>تدعوه بالصدق والإذعانِ

فاسمع:

ستظل ترفُل في النعيم مرفهـاً>>>>>حتى يقوم إلى القضا الثقلانِ

لا إله إلا الله!

أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، ملك الملوك، جبار السماوات والأرض، مَن يسمع الكلام، ويرى المكان، من علم ما في قلوبنا، أن يرزقنا توبة صادقة.

اللهم يا رحيم! يا جبار! لا إله لنا غيرك؛ فندعوه، ولا رب لنا سواك؛ فنرجوه، يا إلهنا! ويا خالقنا! ويا رازقنا! ويا ربنا! ارزقنا توبة قبل الموت.

اللهم ارزقنا توبة قبل الموت، ونعيماً بعد الموت، وثباتاً بعد الموت.

اللهم يا من يسمع الكلام، ويرى المكان! قد أتينا لإرضائك.

اللهم إنَّا قد أتينا لإرضائك.

اللهم إنَّا نحبك يا كريم!

اللهم اجعلنا ممن أحببت لقاءهم يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعلنا ممن يقفون بين يديك، وقد قلتَ لهم: أسدلتُ عليكم ووضعتُ عليكم رحمتي، فاسعدوا سعادة لا تشقوا بعدها أبداً.

اللهم يا رب! حرك قلوبنا إليك.

اللهم يا رب! لا تشوِ وجوهنا في النار، فإنا خلق من خلقك، لا حول لنا ولا قوة إلا بك.

اللهم يا رب! ارزقنا توبة.

اللهم ليِّن قلوبنا، اللهم ليِّن قلوبنا، اللهم ليِّن قلوبنا، يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تسلمنا إلى الشيطان، ولا إلى الدنيا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

اللهم يا من يسمع الكلام، ويرى المكان، يا عظيم! لا تخرج أحداً من هذا المكان ومن هذا المكان الطيب من تلك الخيمة إلا وقد بنيت له خيمة من زمرد ومن لؤلؤ في جنة عرضها السماوات والأرض.

اللهم لا تخرج أحداً من هذا المكان إلا وقد رضيتَ عنه.

اللهم لا تخرج أحداً إلا وقد كتبت له الجنة.

اللهم لا تخرجنا من هذا المكان إلا وقد صرفتَ عنه النار.

اللهم لا تخرجنا من هذا المكان إلا وقد كتبت لنا اجتماعاً مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم لا تخرجنا من هذا المكان إلا وقد كتبتَ لنا شربة من حوض نبيك لا نعطش بعدها أبداً.

اللهم يا رب! اجمعنا بزوجاتنا من الحور العين.

اللهم اجمعنا بقصورنا، واجمعنا ببساتيننا، في جنة عرضها السماوات والأرض.

اللهم اجعلنا ممن يتلذذون بالنظر إلى وجهك، اللهم اجعلنا ممن يتلذذون بالنظر إلى وجهك، اللهم اجعلنا ممن يتلذذون بالنظر إلى وجهك.

اللهم يا رب! ألِّف بين قلوبنا، واجمع شملنا يا أرحم الراحمين!

اللهم يا رب اجعلنا ممن اجتمعوا لأجلك، وفي أجلك، يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعلنا ممن تقول: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) يا أرحم الراحمين!

اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك.

اللهم إني عُبَيْدُك ابن عُبَيْدِك، كثير الذنوب والمعاصي، يبرأ إليك مما يظنون فيه.

اللهم لا تغررني بنفسي، يا أكرم الأكرمين!

اللهم يا رب! اغفر لي ما لا يعلمون.

اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، اللهم اغفر لي ما لا يعلمون.

اللهم لا تفتني بهم يا أرحم الراحمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة: المعذرة إن أطلتُ؛ ولكن صدقوني لم أستعد لهذا الموقف ذلك الاستعداد؛ ولكن ساقني إلى هذا الموقف قدر الله سبحانه وتعالى، وأمر الله، ثم المحبة التي وُضعت في قلبي لأهل النسيم بالذات.

فأسأل الله أن يجعلنا ممن يجتمعون في الجنة، ويتذاكرون، وأسأل الله أن نجتمع في الجنة، ونتذاكر في الجنة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن نتزاور في الجنة، فإن رحمني الله وأدخلني الله الجنة، فأسأل الله سبحانه وتعالى أننا نتزاور، وندْخلُ على بعضنا في قصور عرضها السماوات والأرض، وما ذلك على الله بعزيز.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , من أنت ؟ ومن تعصي ؟ للشيخ : عمر أمين الخالدي

https://audio.islamweb.net