اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الجنة هي دار الابرار للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد:
فقد علمتم أن عنوان الكلمة أو المحاضرة هو: (الجنة دار الأبرار).
الجنة دار الأبرار؟ سبحان الله! فهل نحن من أهلها، كل من كان باراً فليعلم أنه من أهلها، ولا يطرد من أبوابها، إذ هي له، ملّكه خالقها أمرها، الجنة دار الأبرار، فمن أراد أن يملك فليبر حتى يشعر أنه من جملة الأبرار، وذلكم لقول الله تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، فكل بارٍ هو من أهل الجنة، وكل عاق أو فاجر أو فاسق ما هو من أهلها.
إذاً: أتدرون بم نكون من البررة الأبرار؟ نكون من الأبرار بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع فهو بار، ومن عصى فهو عاق، ولا يفتح له المجال لدخول دار السلام، والطاعة لله والرسول -معاشر الأبناء والإخوان- متوقفة على شيئين ضروريين والدين النصيحة:
فالإيمان الحق الصحيح لابد منه، إذ عليه وبه تستطيع أن تطيع الله ورسوله، ومتى انعدم الإيمان انعدمت الطاعة، ومتى ضعف الدفع ضعفت الطاعة، فلهذا نحن مأمورون بتقوية الإيمان بزيادة الطاقة فيه، وإن قلتم: كيف نزيد في طاقة إيماننا؟
نقول: عندكم كتاب الله، تدبروا! من أنزله، على من أنزل، ما في هذا الكتاب، لا تزال كذلك حتى يرتفع منسوب إيمانك إلى ما فوق المائة.
انظر في كتاب الكون: السماء من رفعها؟ الأرض من وضعها، الأشجار والنباتات من أنبتها، الأنهار من أجراها، هذه الحياة من أوجدها؟ تقف عند الحقيقة، فتقول: الله خالق السماوات والأرض، فإذا ازداد الإيمان قوي عبد الله على طاعة الله ورسوله، وبذلك يصبح من البررة الأبرار، الشيء الأول: هو الإيمان القوي، والشيء الثاني هو العلم، المعرفة، الذي لا يعرف أوامر الله ولا أوامر رسوله كيف يطيعه، الذي ما عرف نواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كيف يطيعهما في اجتنابها وتركها والبعد عنها؟
بلغنا أن شاباً زكياً بصيراً راود ابنة عمه سنة كاملة عن نفسها، وطلبت منه أموالاً فقدمها، ولما جلس بين ركبتيها كما يجلس الفحل مع أنثاه، قالت له: أما تخاف الله، كيف تفتض خاتماً بغير حقه؟ فقام الشاب ترتعد فرائصه وهو يبكي ويصرخ، وترك ماله لها، أخبر بهذا أبو القاسم سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
في تاريخ مدينة النور المدينة النبوية، في الصحيح: أن تماراً في سوق التمر جاءت مؤمنة تشتري تمراً لنفسها وأطفالها، وكان زوجها في سرية من السرايا، وغزوة من الغزوات، فأخرجت نقودها بيدها فانكشف كفها، فدفع الشيطان -عدو الإنسان- ذاك التاجر إلى أن أكب على كفها يلثمه ويقبله، ذكرته بالله: أما تخاف الله، ترك دكانه وتمره، وخرج إلى أحد يحثو التراب على رأسه وينتف لحيته، وهو يصرخ، وعاد إلى المسجد النبوي والرسول يصلي بالناس، من يقوى على هذا؟ ضعاف الإيمان، مهازيل الإيمان لا يستطيعون؛ لأن طاقتهم ضعيفة، لا تدفع أبداً، فلابد من تقوية الإيمان، وأقول للمؤمنين: اعرض إيمانك على القرآن الكريم، قل لأحد المؤمنين: اقرأ علي شيئاً من القرآن واسمع، فإن وجدت القرآن وافق على إيمانك ووقع وصدق عليك فأنت مؤمن، وإن وجدت القرآن لم يوافق لك بأنك مؤمن ماذا تصنع؟ اطلب الإيمان، ادخل في رحمة الله، ابك كما يبكي المؤمنون، هاجر واطلب إيمانك في دار هجرتك، أما الرضا بأنك غير كامل الإيمان فلا ينبغي.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، أي: بحق وصدق: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4]، أي: في دار الأبرار.
معاشر الأبناء! هل وجدتم أنفسكم في هذه الشاشة؟ وأخرى يقول تعالى في بيان المؤمن الحق والمؤمن بحق: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، معشر الأبناء! شاهدتم إخواننا، شاهدتم أنفسنا؟ من وجد نفسه في هذه الشاشة أو التي قبلها فليحمد الله.
آخذ من هذه الشاشة كلمة ومن الأخرى كلمة لأوقظ النائمين، ما معنى: إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ؟ العبد قائم على معصية الله، خاتم ذهب في أصبعه، دينار حرام في جيبه، معصية ظاهرة في وجهه، يحلق لحيته وشاربه، سيجارة منتنة عفنة يحرق بها وجوه الملائكة الكرام، ويخبث بها لسانه وفمه ونفسه، يخبث بها مجرى ذكر الله، فتقول له: يا أخي! لا ينبغي هذا، لو تترك هذا، فإن كان فيه إيمان فسوف يجل قلبه وتضطرب نفسه، ويقول: أستغفر الله، أتوب إلى الله، وإن كان ناقص الإيمان؛ يرفع كتفيه، ويخرج لسانه، ويسخر ممن قال له: اتق الله؛ لأن الإيمان لو وجد فإنه يتحكم في سلوك صاحبه.
والكلمة من الشاشة الثانية اسمعوها: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ، المؤمن ولي، المؤمن سواء كان عربياً أو عجمياً، شريفاً أو وضيعاً، غنياً أو فقيراً، عالماً أو جاهلاً، في الأولين أو الآخرين، لابد من أن يكون ولياً، وهذا الولاء يتحقق بشيئين: الحب والنصرة، فالذي لا يحب المؤمنين ليس بمؤمن، كاذب لو ادعى الإيمان، والذي يهزم المؤمنين ويقف مع عدوهم ينصره والله ما هو بمؤمن، الولاء لابد منه، وإلا لا إيمان، فالذي يدعي الإيمان ويمزق أعراض المؤمنين ويفجر بنسائهم وبناتهم ويفسد عليهم أحوالهم، ويغتاب وينم، ويضحك ويسخر، يتعرض لهم طول حياته بالأذى، هذا ليس بمؤمن.
الشيء الأول هو الإيمان الحق الذي إذا عرضته على القرآن صدق عليك، أو عرضته على سنة أبي القاسم السليمة الصحيحة في مصادرها فوجدت إيمانك إيماناً حقاً، فأبشر فأنت المؤمن.
ويدل على قوة إيمانك أنك تقوى على أن تصوم الدهر كله إذا طلب منك ذلك، وتقوى على أن لا تنظر إلى المرأة خمسين سنة مادمت عاجزاً عن نكاحها والوصول إليها، تجوع وتظمأ ولا تستطيع أن تتناول ما لا يحل لك بقوة هذا الإيمان، وضربت لكم المثلين، هذا الإيمان هو الشيء الأول، اللهم حققه لنا.
الشيء الثاني: طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي، في الأمر بالفعل وبذل الطاقة والجهد حتى نؤدي ذلك الأمر، وفي النهي نتحكم في أهوائنا وشهواتنا وغرائزنا وأطماعنا ونزغات إبليس في قلوبنا، ولا نقرب ما حرم الله ورسوله.
هذه الطاعة مع ذاك الإيمان هما مفتاح دار السلام، وهذه الطاعة لله ورسوله متوقفة تمام التوقف على العلم، وإني ناصح لكم أمين، لابد من العلم، الكل يقرأ وسمع وحفظ: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والمسلمة تابعة له، حتى لو لم يكن هذا الخبر النبوي السليم الصحيح معنا فأنا مأمور بطاعة الله ورسوله، وأقول: دلني يا فلان على أوامر الله حتى أنفذها، دلني على نواهيه حتى أبتعد عنها، فإن قال لي: أنا لا أستطيع، ولكن الذي يعرف أوامر الله ورسوله ينزل الآن في حمص بالشام، فإذا أردت ذلك فاركب ناقتك وامش حتى تجد هذا الذي يعلم أوامر الله ورسوله ونواهيهما، والله إن كنت صادق الإيمان جاداً في طلب دار الأبرار، لما وسعك إلا أن تركب دابتك إلى حمص، أكثر من شهرين ذهاباً وإياباً؛ لأن سعادتك متوقفة على هذا، وكونك باراً هذا البر متوقف على أن تعرف أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تفعل الأوامر وحتى تبتعد وتجتنب النواهي.
معاشر الأبناء! الكلام ينسي بعضه بعضاً، ونحن نريد أن نأخذ علماً؛ كي تستقر هذه المعاني البسيطة في نفوسنا.
من هم الأبرار؟
هم عباد الله المؤمنون، المطيعون لله ورسوله، وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تكون في أمرهما ونهيهما، كيف أعرف الأوامر والنواهي؟
الجواب: يا بني! تعلم، اسأل أهل العلم، اقرع باب العالم: يا شيخ! من فضلك دلني على أمر من أوامر الله الليلة حتى أنهض به الآن أو غداً، وتقرع باب آخر: يا شيخ! دلني على شيء يكرهه ربي حتى أتركه مدى حياتي، فيدلك عليه.
لقد فرض الله تعالى هذا علينا، أما قال في آيتين من كتاب الله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يعلم، وكل من علم وسئل يجب أن يبينه ويعلمه، وإلا ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة.
ودرجة أخرى: هل يمكن لعبد الله أو أمة الله أن يخشى الله ويخافه ويحبه وهو ما عرفه المعرفة الحقيقية؟ والجواب: لا، هل من دليل يا شيخ؟ اسمع، الله تعالى يقول في سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، هذه صيغة حصر وقصر، مثل: إنما المؤمنون كذا وكذا، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ من هم؟ الْعُلَمَاءُ .
ويضرب الله تعالى الأمثال للناس في كتابه تعليماً وتربية، ويقول: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، الآن وقفنا أمام الأمر الواقع، كيف نتعلم يا شيخ ونحن مشغولون بدنيانا من أجل القوت الضروري، كيف نطلب العلم وأنا ابن خمسين وهذا ابن سبعين، وهذا شاب، وهذه كذا، كيف نطلب العلم، نوقف الحياة؟ الجواب: لا.
وإليكم طريق العلم: إذا مالت الشمس إلى الغروب، الساعة السادسة في أغلب الزمان تميل الشمس إلى الغروب، يا عبد الله! أغلق باب الدكان، أغلق باب المصنع، أغلق باب المطعم، أغلق باب المقهى، توضأ، البس أحسن ثيابك، خذ امرأتك وبناتك وأولادك إلى بيت ربكم، أين يوجد بيت ربنا؟ مسجد الحي الذي نعيش فيه، فلا يؤذن المغرب إلا ولم يبق في ذلك الحي أو في تلك القرية باب مفتوح، ولا رجل ولا امرأة في شارع ولا في سوق ولا في مكان، الكل في بيت الله، قسم للنساء وآخر للرجال، ويجلس لهم عالم بالكتاب والحكمة كجلوسي هذا، وكجلوسكم هذا، ليلة آية، وأخرى حديثاً، يحفظون ويفهمون ويتعهدون بالتنفيذ والتطبيق، يوماً آية ويوماً حديثاً، أربعين يوماً، أربعة أشهر.. سنة.. سنتين.
أسألكم بالله يا بصراء! يبقى بينهم من لا يعرف الله ولا يخافه؟ يبقى بينهم من يجرؤ على معصية الله بأن يزني بنساء وبنات إخوانه، أو يحسدهم على ما أنعم الله به عليهم من مال أو جاه أو صحة أو عرض؟ يبقى بينهم من يتكالب على أوضار الدنيا وأوساخها؟ الجواب: لا، لن يبقى؛ لأنها سنن الله، الماء يروي، الطعام يشبع، النار تحرق، الحديد يقطع، سنن لا تتبدل، هل يصبح الماء لا يروي، أو النار لا تحرق؟ لا، كذلك معرفة الله لابد وأن تكسبك خشيته، فإذا خشيت الله ارتعدت فرائصك وما تقوى أن تقول كلمة واحدة تغضب الله عز وجل.
هذا طريق العلم، ونقول: قل للغافلين، قل للضائعين، عندما يقولون: ما هذا التحلق، ما هذا التزمت، نوقف أعمالنا مع غروب الشمس؟ قل له: يا هذا يا ببغاء الغرب! أئمتكم الذين تقتدون بهم وتهتدون حتى في الزي والمنطق والجلوس على طاولة الأكل، تعال أذهب بك إلى ديارهم وانظر إذا دقت الساعة السادسة أين يذهبون؟ يبقون في العمل؟ والله لا يبقون، مباشرة يغتسل ويتنظف، ويحمل زوجته وأولاده إلى دار السينما الفلانية، إلى المرقص الفلاني، إلى الملعب الفلاني ليروح فيه على نفسه وعلى أولاده، ونحن هل نرفه على أنفسنا مع إيماننا بمناظر الباطل ورؤية الخبث والشر أيمكن هذا؟ نزداد كرباً وغماً وهماً، أين نروح على أنفسنا؟ في بيوت سيدنا، انظر هذا المجلس المبارك، الملائكة تحوطه من جوانبه، والسكينة قد عمته، والله في الملكوت الأعلى يذكره.
والآن عرفتم طريق الوصول إلى العلم؛ لتصبح الأمة عالمة؟ لو نبني لها ملايين المدارس، لن يتحقق هذا إلا من طريق بيوت الله ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن قلت: كيف؟ أقول: إن المدارس في العالم الإسلامي عربه وعجمه من الابتدائية إلى الثانوية إلى الجامعات أصبحت لا تعد، أين آثار ذلك العلم في السلوك، وهو ميزان الواقع؟ ما هناك إلا غيبة ونميمة وتكفير وسب وشتم وسرقة وتلصص وربا وزنا وباطل، حتى تعفنت أجواء بلاد العالم الإسلامي، أين العلم؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
الآن -إن شاء الله- عرفتم طريق العلم؟ تستطيعون أن تتحدوا الشياطين أو لا تقدرون؟ هذا المنهج هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه دعوة إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام وهما يبنيان البيت العتيق: رَبَّنَا [البقرة:129]، يا ربنا! وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، واستجاب الله، وبعث في أولاد إسماعيل في العدنايين ثم في الهاشميين محمداً صلى الله عليه وسلم، وفعل ما رغب إسماعيل وإبراهيم، واقرءوا قوله تعالى في منته عليهم: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164]، أين كان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين والمؤمنات، هل هناك مدارس في المدينة أو مكة؟ لقد كان يعلمهم في المسجد، حيث الانقطاع إلى الله، والانتهاء من أتعاب الحياة وآلامها، في بيت الرب، هذا طريق العلم، كم وكم ونحن نبكي ولا يتحرك المؤمنون، فنزورهم، حلفت بالله لو أن أهل قرية التزموا بهذا النهج المحمدي لزرنا ديارهم، ما المانع؟ عملنا من صلاة الصبح إلى قبيل أذان المغرب، أما يكفي هذا؟ إن لم يكف ماذا يكفي؟ آن أوان صلاة المغرب، توضأنا وحملنا بناتنا ونساءنا إلى بيت الرب، وجلسنا نتعلم الكتاب والحكمة، عاماً.. عامين.. ثلاثة، تعال نزور ذلك البلد أو تلك القرية كأنك تنظر إلى أصحاب محمد فيها، يا شيخ! هل هناك طريق سوى هذا؟ والله لا يوجد، لقد جربنا وركبنا ظهر الحياة، وعرفنا أين المنظمات والأحزاب والجمعيات وآثارها فينا؟ زيادة فقط في الهرج والمرج والضعف والفساد والشر.
الآن أشعر أنني أرهقتكم، لكن يمكنكم الحصول على الذي سمعتم؟ والله لو أن أحدنا فهمه وحفظه لكان خيراً له من أن يعود وفي جيبه مليون دولار، نقول هذا الترغيب ولا نبالي.
الإيمان يزيد وينقص؛ فإذا لم يكن قوياً لا يستطيع صاحبه أن ينهض أبداً بالواجبات، ولا أن يتجنب المحرمات مع ضعف إيمانه، فلابد إذاً من تقوية الإيمان دائماً وأبداً، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر أحد في المسجد قال لصاحبه: تعال نقوِّ إيماننا، اجلس نقوِّ إيماننا بذكر الله وما عنده والدار الآخرة فيقوى الإيمان، والإيمان عبرنا عنه بالطاقة الدافعة التي تجعل المرء كـأبي دجانة يدخل في معركة الاستشهاد، هذا هو الإيمان، يبقى طاعة الله والرسول، ويعبر عنها بالتقوى؛ لأن الله لا يُتقى عذابه ولا سخطه ولا نقمه إلا بطاعته وطاعة رسوله، هذه الطاعة في الأمر والنهي قطعاً أو لا؟ والأمر والنهي كيف نعرفهما؟ ننام ونستيقظ ونحن نعرف ما يحبه الله وما يكرهه؟ الجواب: لا، ما الطريق؟ طلب العلم، إذاً: ما تقولون في العلم: هل هو فريضة أو لا؟ فريضة، إذ لا يمكن أن تحقق طاعة الله والرسول دون أن تعرف ما أمر الله به وما نهى عنه، وما أمر به الرسول وما نهى عنه، عرفنا هذا أو لا؟
وذكرنا مسألة أخرى، وهي: أن الطريق لطلب العلم سهل، إن شئت فاسأل فقط واحفظ، لا تجلس، إذا مر بك عالم قل له: دلني على حال يحبها الله، قال: هي كذا، التزم بها، وأعظم طريقة للعلم ما علمتم أن على أهل القرى الإسلامية، كما أن على أهل الأحياء في المدن الإسلامية أن يراجعوا تاريخ الدعوة المحمدية، ويلتزموا بتعهد أن لا يتخلف رجل ولا امرأة وقد أذن المغرب والكل في بيت الله، يتعلمون الكتاب والحكمة، لا مذهبية أبداً، لا تقل: أنا حنبلي ولا مالكي ولا شافعي ولا زيدي ولا إباضي ولا إثنا عشري، مسلم فقط، قال الله كذا، أمر الله بكذا، حرم الله كذا.
الآن إن شاء الله هذا المعنى راسخ، إذا رجعتم إلى البيت راجعوه، حدّث امرأتك، أو قل: تعال يا أحمد من أولادك، وقل له: أنا سمعت الليلة كذا وكذا، اسمع أحدثك واحفظ أنت، إذا كررته ثلاث مرات رسخ، ولصق بالقلب.
بعد هذا لماذا طاعة الله وطاعة الرسول هي التي ترفعنا إلى دار الأبرار؟ اعلموا أن الله تعالى قد أخبر في كتابه أن ورثة الجنة معلومون، اللهم اجعلنا منهم، الجنة كالتركة تورث، وورثتها من الرجال والنساء معلومون، إذا مات الرجل وترك مالاً يرثه ورثته، ومن لم يكن وارثاً هل يعطى شيئاً؟
الجواب: لا، اسمعوا، يقول الله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وهاهو إبراهيم عليه السلام رافعاً كفيه إلى الله، سائلاً ضارعاً يقول: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، لولا علمه بأن الجنة لها ورثة لما قال هذا الكلام، وأنتم الآن عرفتم أن للجنة ورثة أو لا؟ والله العظيم إن لها لورثة، ومن لم يكن وارثاً لا يدخلها، لا تلاعب.
بم تورث الجنة يا شيخ؟ بالنسب أو بالشهرة أو بالولاء؟ المال يورث بالنسب، بالمصاهرة، بالولاء، والجنة بم تورث؟
الجواب: تورث بتقوى الله عز وجل، إذ قال تعالى بعد بيانها: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34]، كل تقي وتقية من البشر والجن هو وارث، ولن يكون باراً حتى يكون تقياً، إذ البر طاعة، والتقوى طاعة الله ورسوله بفعل الأمر وترك النهي، إذاً لا فرق بين هذا وذاك.
وإنما سميت الطاعة تقوى لأن المطيع يتقي عذاب الله، وسخطه، ونقمته، بطاعته، إذا أطعته فأنت متقي، وإذا عصيته فأنت فاجر ولست بالمتقي، ليس هناك فرق بين المتقي والبار والمطيع، لا فرق أبداً، والسر -معاشر الأبناء- هو أن الله عز وجل قد قضى حكماً أن لا يجاوره في دار السلام، وهو الداعي إليها: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25] إلا أصحاب الأرواح الزكية الطاهرة النظيفة، هؤلاء الذين يجاورونه، أما أصحاب الأرواح الخبيثة المنتنة العفنة المظلمة فلا مجال أبداً لهم في أن يدخلوا دار السلام، فالله فرض طاعته وطاعة رسوله بفعل الأمر وترك النهي من أجل تزكية أنفس عباده، الطعام يشبع، النار تحرق، الماء يروي، كلمة لا إله إلا الله تزكي النفس، كلمة ملعون ابن فلانة تدسي النفس، سنن لا تتبدل، الطاعة تزكي والمعصية تخبث، وعش على هذا.
أعطانا الله فرصة إذا زلت القدم وسقط العبد فقال كلمة سوء أو نظر نظرة قبح، أو تحرك حركة باطلة، أن يقول: أستغفر الله.. أستغفر الله، أستغفر الله ويبكي، ينمحي ذلك الأمر ويزول، هذه سنة الله، وسر هذا جاء في آية من كتاب الله قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، كلام من هذا يرحمكم الله؟ كلام علي بن أبي طالب ، سيدي عبد القادر ، مولاي العيدروس .. كلام من؟ إنه كلام الله والله أكبر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، إن قلت يا شيخ: أنا ما فهمت (زكاها)، كيف زكاها ومن هي هذه؟
الجواب: هذه النفس، أما كيف يزكيها، كيف يطيبها ويطهرها، فبفعل أوامر الله ورسوله تزكو، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ، كيف تتدسى هذه النفس وتظلم وتنتن؟ بفعل ما نهى الله ورسوله عنه، تزكو على طاعة الله ورسوله بفعل الأوامر والفضائل والمستحبات، وتخبث وتتلوث بمعصية الله والرسول، بفعل ما حرما ونهيا عنه، هذه سنة لا تتبدل.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب من دسى نفسه، هذا حكم الله، هذا حكم صدر من ذي العرش جل جلاله، هل لنا أن نراجع هذا الحكم ونستأنف القضية لعل الله يتنازل! لو تجتمع البشرية كلها على أن يراجعوا الله في حكم أصدره لن يستجاب لهم، هذا حكم الله، بالسعادة والشقاء.
(قد أفلح) أي: فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار، أما من دسى نفسه فقد خاب وخسر نفسه وأهله وماله: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].
معاشر المسلمين! أسألكم: كيف نصل إلى معرفة الله ومعرفة ما يحب وما يكره، دلوني على الطريق الصحيح؟
إنه العلم، والعلم نحصل عليه رجالاً ونساء، أغنياء وفقراء عن طريق بيوت ربنا، من المغرب إلى صلاة العشاء، كل ليلة نتعلم قال الله وقال رسوله، حتى تنعدم الفرقة والتعصب المذهبي أو غيره، كما كان أصحاب رسول الله وأولادهم وأحفادهم، لا مذهبية ولا نزعة ولا طريقة، فقط قال الله وقال رسوله، يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، من منكم يقول: أنا عازم -إن شاء الله- على أن أتصل بكل رجالات حيّنا، وأعمل على أن نجتمع في مسجدنا، ونأتي بنسائنا وأطفالنا كل ليلة من المغرب إلى العشاء؟ أو تقولون: أوه، هذا أمر صعب! هل طلب منكم أن تخرجوا من دياركم وأموالكم؟ هل قيل لكم: أوقفوا أعمالكم؟ هل قيل لكم: أخرجوا أموالكم؟ لا شيء أبداً، فقط غابت الشمس، أنتم في بيت ربكم، ولن يظفر مؤمن بهذا اللقب البار والأبرار إلا على هذا المنهج، فلابد منه.
من يرغب أن يكون مع الصديق أبي بكر خليفة رسول الله؟ كلنا؟ الطريق إلى هذا أنك لا تنطق بكلمة أبداً حتى تنظر إليها، هل هي حق أم باطل، خير أو شر، نافعة أو ضارة، ثم لا تتكلم بغير الصدق أبداً ولو قطع لسانك، وحين تصدق وتطلب الصدق بعناية -لا بغفلة- لا يمضي عليك زمن -قد يطول وقد يقصر- إلا وأنت في عداد الصديقين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: ( عليكم بالصدق ) الزموه: ( فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة )، والأبرار من أهل البر: ( ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )، راجون إن شاء الله، على هذا نكمل أيامنا، لا نكذب أبداً، لا نقول إلا الصدق والحق.
ومن منكم يريد أن يكون شهيداً ومع الشهداء؟ ليس هذا صعباً، يمكننا أن نصبح كلنا شهداء، دلنا يا شيخ على الطريق؟ الطريق أن تذكر دائماً أن الله اشترى منك نفسك ومالك، فأنت بعت وإن كنت لا تدري، يوم قلت: لا إله إلا الله محمد رسول الله قد بعت نفسك ومالك، والثمن هو الجنة دار الأبرار، إذ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111]، بقي شيء؟ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، اذكر أنك بعت، وهنا لا يحل لك أن تنفق ريالاً واحداً في غير مرضاة الله، لا يحل لك أن تنفق أدنى مال في غير ما يحب الله ورسوله؛ لأنه ماله، هذا أولاً، ولا يحل لك أن تبدده أو تبذره أو تضيعه أو تهمله؛ لأنه مال الله في ذمتك، أنت المسئول عنه، إذاً حافظ عليه.
ثانياً: نفسك، فلا تأكل ولا تشرب ولا تتحمل ما من شأنه أن يضعفك أو يسبب لك مرضاً، أو يسبب لك تعويقاً عن العمل، حافظ على بدنك محافظة كاملة، كمحافظة أرباب الأمانات على أماناتهم، فنفسك أمانة عندك حافظ عليها وحافظ على المال انتظاراً، وإذا قال إمام المسلمين: حي على الجهاد، وأعلن التعبئة العامة قدم نفسك ومالك، فإذا لم يدع إمام المسلمين إلى الجهاد وساد الهدوء ودام، فتكون مستعداً، وإن مت على هذه الحال كتبت في ديوان الشهداء، وأنك شهيد، ولو مت على فراشك.
إذاً: من السهل أن نكون من الموكب الثاني أو الثالث؟
الموكب الرابع: الصالحون، وهذا الموكب -يا أبنائي- سهل، كيف نصبح مع الصالحين ومنهم؟ من منا يريد أن يكون من الصالحين؟
الصالح: هو الذي يؤدي حقوق الله كاملة لا ينقصها ولا يبخسها، ويؤدي حقوق العباد الواجبة عليه كاملة غير منقوصة، وهذا سهل، أد حقوق الله، أي: أطعه في أمره ونهيه، من حبه إلى ذكره إلى امتثال أمره، إخوانك من بني آدم معك، من كان له حق عليك أعطه وافياً له، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، وإذا بك في عداد الصالحين: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، كم موكب؟ أربعة مواكب.
معاشر الأبناء! نراجع ما علمنا، نريد أن نخرج من المسجد ولنا نور، ولنا معرفة، عرفناها ونسيناها، فإذا ذكرنا بها ذكرناها، ولا نسمح أبداً أن ننساها، هذه أصول السعادة، هذا سلم النجاة، هذا مبدأ الوصول إلى دار السلام.
وأبواب النار كم؟ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر:44]، سبعة أبواب، وفي الجنة باب زائدة، أتعرفون أن عندنا آلة إذا حركناها انفتحت أبواب الجنة الثمانية ونحن في الأرض؟
اسمعوا ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذن المؤذن فقولوا مثلما يقول، حتى إذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح، قولوا أنتم: لا حول ولا قوة إلا بالله )، ثم إذا فرغ الأذان وفرغتم صلوا علي الصلاة التي نصلي بها عليه في الصلوات الخمس، في التشهد الأخير، والتي تسمى بالصلاة الإبراهيمية منسوبة إليه، ثم سلوا لي الوسيلة والفضيلة، فقولوا: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، قال: ( وجبت له شفاعتي )، ( حلت له شفاعتي )، أصبح من أهل الجنة.
وكيف نفتح هذه الأبواب؟ بحركة عندنا والأبواب تفتح، أما رأيتم أبواب المطارات كيف أنها قبل أن تصل ينفتح الباب، وآخر عنده آلة في يده يفتح باب السيارة.
هذه الآلة بينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من توضأ ) ذكراً أو أنثى و(مَن) من ألفاظ العموم: ( من توضأ فأحسن الوضوء )، وإحسان الوضوء أن يتوضأ كما بين الله في كتابه، وبين رسوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم رفع طرفه إلى السماء )، والطرف هو العين:
أشارت بطرف العين خيفة أهلهاإشارة محزون ولم تتكلم
الطرف هو العين: (ثم رفع طرفه إلى السماء، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)، تفتح أبواب الجنة الثمانية، وأنت هنا أو في الميضأة، هذا ليس مفتاحاً، هذه آلة، أما المفتاح عرفناه: زك نفسك وطهرها، بالإيمان وصالح الأعمال، وجنبها الشرك والذنوب والآثام.
إذاً: ماذا أحدثكم عن الجنة؟ اسمها دار الأبرار، واسمها دار السلام، والله هو الذي يدعو إليها، وفي سورة يونس يقول تعالى: وَاللَّهُ يَدْعُوا [يونس:25] أي: عباده، إلى أين؟ إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25]، لم سميت الجنة بدار السلام؟ لأنها دار السلامة، لا مرض فيها، تعيش ملايين السنين لا تصاب بألم، لا في ضرسك، ولا في عينك، ولا في يدك أبداً، السلامة الكاملة من كل أذى ومن كل مكروه، السلامة من الجوع؛ فلا تجوع أبداً، والفواكه وأنواع الأطعمة وأنواع الأشربة كلها موجودة، لكنك تأكل فقط للتفكه والتلذذ لا أنك جعت أو ظمئت فتدفع الظمأ والجوع بالأكل والشرب، فقط تلذذاً كما نتلذذ بالتفاح والعنب بعد أكل الرز، عرفتم طعام أهل الجنة؟ لا لدفع الجوع وآلامه أبداً، فقط تفكهاً وتلذذاً، وأنواع الفواكه وصفها الرحمن بنفسه.
إنها دار السلامة من الهرم، لو تعش مليارات السنين لا يبدو فيك شعر أبيض، ولا يضعف فيك عظم ولا جسم ولا عرق؛ فلا هرم، ولا موت، ولا حزن، ولا هم، ولا غم، ولا كرب، هل تعرفون أننا نأكل ونشرب ولا نبول ولا نتغوط، سبحان الله كيف هذا؟! يتحول ذلك إلى عرق أطيب من ريح المسك.
انعقد مؤتمر في الهند أيام عبد الحميد العثماني حضره القساوسة في أوروبا واجتمعوا، ومؤمن واحد هزمهم كلهم وقطع دابرهم؛ لأن الله قال: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ .
والحكاية: مسيحي لبناني يركب سيارة مع مسلم لبناني، أخذ المسيحي يسخر؛ لأن النصارى ضللوهم فهم ضالون حتى يعودوا إلى الإسلام، وعلموهم أن أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون، وإنما هم أرواح فقط.
فسخر النصراني من المؤمن وقال له: أهل الجنة يأكلون ويشربون، كيف تصبح بطونهم مزابل ومراحيض، وأنتم تقولون: لا يتغوطون ولا يبولون؟
فقال له ذاك المسلم العامي: أليس الجنين في بطن أمه من الشهر الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع، وهو يتغذى ويشرب، هل صار بطن أمه حماماً ومرحاضاً، هل تغوط هذا الولد أو بال في بطن أمه، ولكن إذا خرج من بطن أمه يبول، فقطع حجته وأسكته، فاحفظوا هذه وكونوا مع الله فلن يخزيكم، وهيا نحقق معيتنا مع الله بذكره فلا ننساه، وبطاعته فلا نخرج عنها، وأبشروا بسعادة الدنيا والآخرة.
أكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الجواب: أما الذي يحبني في الله، وأنا كما تشاهدون شيخ كبير أرمش أعمش أسود، والله لا يحبني في الله إلا مؤمن، فبشره بأنه مؤمن، وهاتوا أوقع له، هذه بشرى لمن يحب في الله.
ثانياً: جاء أحد المؤمنين، وقال: إن مؤمنة مصابة بمرض خطير وهو السرطان، عافانا الله وإياكم منه، قالوا: ادع الله لها بالشفاء، فهذه المجموعة المباركة دعوتهم لا ترد، فأجبته: فإني داع فأمنوا أي: قولوا: آمين..
اللهم يا ولي المتقين، ويا ولي الصالحين، يا رب العالمين، يا من أنزل الكتاب وأجرى السحاب وهزم الأحزاب ونصر محمداً والمؤمنين، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك أن تشفي هذا المؤمن وتشفي كل مريض بيننا وفي ديارنا، إنه لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً يا رب العالمين، اللهم اشف هذا المؤمن بشفائك الذي لا يغادر سقماً، واشف مرضانا ومرضى المؤمنين يا رب العالمين، وطهر قلوبنا وزك أرواحنا، واجعلنا من صالحي عبادك وأوليائك، إنك رب العالمين وأرحم الراحمين.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: هذه الكلمة هي الأخيرة؛ لأن كثرة العلوم لا تستطيعون تطبيقها، نتعلم مسألة ثم نطبقها، وبهذا يرتفع علمنا، أما أن نسمع ونسمع، كالذي يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره ويخرج بلا شيء، فلو قرأت سطراً واحداً ووجدت حكمة عض عليها بنواجذك، وطبقها حتى تستقر.
بلغني بالمدينة أمس في مركز الجوازات وقرءوا علي الورقة، واليوم أيضاً في القاعدة البحرية التي تحمي ديارنا، قصوا علي القصة بكاملها، وهي:
الآن بمناسبة العطلة الصيفية صدرت منشورات تدعوك لتترفه وتتنزه وتزيل عن نفسك الكروب والهموم: إلى أمريكا بستة آلاف ريال، أربعة عشر يوماً، إلى باريس بأربعة آلاف ريال، على حسابنا تنزل أياماً معلومة في بريطانيا، أما التنزه في بلاد العرب كالسعودية فلا؛ لأنه ليس فيها خمر ولا زنا ولا عهر ولا باطل؛ لأنهم يريدون إفسادنا، وأن تذهب أنوار الإيمان من قلوبنا.
أقسمت بالله على أن صاحب هذه الدعوة ما كان من نفسه يتكلم، وإنما إبليس هو الذي يوحي إليه، وأنها مكر وخديعة لا تقاس، معناها: نأخذ الشبيبة الطاهرة المؤمنة ونفسد قلوبها، وندمر عقولها بمشاهدة الباطل والنظر إلى المنكر وغشيانه وفعله، ونردهم لبلاد الطهر والإيمان كالحيات المسمومة، ألا لعنة الله على الذي يقوم بهذا، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعيش بين ظهراني الكفار، هكذا قرر أبو القاسم، اللهم إلا أن يكون مجاهداً أو تاجراً أو طالب علم، أما أن ننفق أموالنا؛ لنعود مدنسين، ننظر إلى إخواننا ونحن نكرههم لأزيائهم وسلوكهم -هذا هو الواقع- ونعود نتبجح بما رأينا من منظار الخبث والسوء.
إن الذي يدعو لهذه الدعوة عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلا يحل لمؤمن أن ينزل بدار الكفر أو دار الفسق إلا رجل من ثلاثة: طالب علم ما وجده إلا في ذلك المكان يطلبه، أو داعية إلى الله يبلغ دعوته، أو تاجر يجلب أو يوزع بضاعة لينفع نفسه والمؤمنين، أو سفير بعثه الإمام، أما أن ننفس على أنفسنا ونأخذ نساءنا وأطفالنا؛ لنعيش بين الكفار أياماً، ونشاهد الباطل والمنكر، ونواقيس الصلبان، والله ما حل ولا جاز، ولن يستطيع صاحب علم أن يرد هذا الكلام، بلغوا هذا، كل من سمعت أنه يسافر إلى بلاد الكفر قل له: لا يجوز، حرام عليك، اذهب إلى الطائف، إلى أبها، إلى الباحة، إلى الجبال الباردة، ثم لست بحاجة إلى البرد، فبيتك مثلج، وسيارتك مثلجة، إلى أين تذهب؟ احمد الله واشكره وصل بين يديه على هذه النعم التي تتقلب فيها، وتريد أن تتحداه وتخرج من دار الإيمان لتحل دار الكفر ليسخط عليك يا عبد الله، أبناؤنا ما عرفوا هذا، غشوهم وخدعوهم، ما نصحوهم ولا بينوا لهم.
والآن عرفتم أو لا؟ بلغوا هذه الأمانة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الجنة هي دار الابرار للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net