عباد الله: إن المؤمن يخاف ربه في علاقته معه، وكذلك يخاف ربه في علاقته مع الناس، وقد سبق الحديث عن شيء من الأمثلة في خوف المسلم من ربه في تعامله مع الخلق، والله سبحانه وتعالى يحاسبنا على علاقتنا فيما بيننا، بناءً على هذه الحقوق التي أوجبها لبعضنا على بعض وجعلها أحكاماً بين المسلمين.
وقال عليه الصلاة والسلام مستثنياً واحداً من هذا، قال: (لا يحل للرجل أن يُعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) رواه الخمسة وصححه الترمذي .
وعلى الوالد أن يعدل في العطية بين أولاده كما ذكر كثير من العلماء: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] على قاعدة الشريعة في الميراث والعقيقة والشهادة وغير ذلك، فلا يُعطي أحداً من أولاده عطية دون الآخرين بدون مبرر وسبب شرعي، فأما إذا قامت بواحد من الأولاد حاجة ليست عند الآخرين، كمرض أو فقر أو دين أعطاه لسد حاجته.
عباد الله: ما الذي يحمل المسلم على إنفاذ الوصية؟ ما الذي يحمله على أن يأتي بها على الوجه الذي أرادها الموصي دون زيادة ولا نقصان؟ إنه الخوف من عذاب الله: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ البقرة:181] وانظر إلى الوعيد الذي ذكره الله عز وجل بعد أن بيَّن قسمة المواريث فقال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14].
ولا يُمنع المسلم الخاطب الجاد من حقه في رؤية المخطوبة؛ لأجل عادات جاهلية، وأعراف لم ينزل الله بها من سلطان، وإنما يُعطي المسلم الحق لأهله، ويُمَكن الطرفين من رؤية بعضهما بالحلال، والعجب كل العجب ممن يسمح لابنته أن تخرج سافرة في الأسواق والشوارع وبين الرجال، ويتغاضى عن هذا العمل المحرم، ثم إذا أراد الخاطب رؤيتها بما شرع الله تمنع من ذلك وتشدد فيه.
والمسلم كذلك يفي بشروط النكاح؛ لأن نبيه صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم) وقال: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) والمسلم لا يُغلي مهراً؛ ليرهق الزوج ولا يأخذ من البنت ما تحتاج من الصداق، لأن الله قال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4].
وكذلك فإن المسلم يُعاشر زوجته بالمعروف؛ امتثالاً لأمر الله وعاشروهن بالمعروف، فيؤدي حقها في النفقة والسكنى والمبيت وعدم المضارة وعدم الإيذاء فلا يسبها ولا يشتم أهلها، بل يُحسن عشرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العطف في نفسه عندما قال له (فإنهن عوانٍ عندكم) أي: أسيرات فإذا كانت أسيرة في بيتك لا يكاد يوجد لها حول ولا قوة. ولا تخرج إلا بإذنك، فإن من حقها عليك أن تُحسن عشرتها ما دام الشارع قد جعلها تحت سلطانك، هذا الكلام رغم أنف الذين يريدون اليوم أن يصدروا قوانين يزعمون أنها لتحرير المرأة أو لمصلحة المرأة فتسافر بغير إذن زوجها، هكذا يريدون الانحلال، وأن تكون القضية انفلات الأسرة، وأن تخرج المرأة متى ما تريد، وأن تسافر متى ما تريد، وأن تُطلق نفسها متى ما تريد.
ولذلك فإن المسلمين الصادقين تنبعث في نفوسهم المقاومة لهذه التيارات التي تريد اليوم أن تحطم مجتمعات المسلمين باسم تحرير المرأة، وإعطاء المرأة حقوقها، فهم يريدون أن يسنوا القوانين لإعطاء المرأة حقوقها وكأن الله لم يعطها حقوقها، ولم يُنزل قوانين من السماء! فلماذا سنوا القوانين إذا كانت هذه الشريعة موجودة وقوانينها موجودة؟! ألم يكن الأجدر بهم أن يقولوا: هذه الشريعة نحكمها، وهذه قوانين الرب نرجع إليها بدلاً من سن القوانين الجاهلية التي تريد كسر قوامة الرجل على زوجته؟!
انتبهوا أيها المسلمون: كسر القوامة ذلك الوتر الذي يريد أن يلعب عليه هؤلاء؛ لأن قوامة الرجل إذا انكسرت عم الفساد وطم وهكذا تتنقل القضية، ولكن بحمد الله يوجد دائماً في الأمة من يقوم لله بالحجة ومن يُنكر ويعترض ويبين، ولذلك فإن مقاومة الفساد والانحلال واجب على المسلمين جميعاً، وإعلان الإنكار لأي محاولة من أولئك العابثين بشرف المسلمين وعفتهم وطهرهم، يجب أن تتوالى هذه المحاولات وهذه الإنكارات لإبقاء مجتمع الإسلام موافقاً لشريعة الله عز وجل، سواء الذي شرعه في العبادات أو في المعاملات بين الزوجين، أو بين المبتاعين وبين غير ذلك من أحوال المجتمع كافة.
عباد الله! إن المسلم لا يكره زوجته إلا لأمر شرعي ولو كرهها لشيء من خُلقها فليصبر؛ لأن الله ندب إلى ذلك فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وربما رزق منها بولد فجعل الله فيه خيراً كثيراً، كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والمسلم يحافظ على زوجته ويصونها في حجابها وخروجها، ولا يسافر بها إلى أماكن المعصية، ولا يُرغمها على رؤية ما حرم الله، ويحفظها من أماكن المنكرات ومن التشبه بالكافرات.
يا عباد الله! إن اليهود يريدون انحلالاً كاملاً وعرضاً للعورات المكشوفة على الملأ، يريدون أن يعم الانحلال في العالم ليركبوا الحمير عند ذلك بزعمهم، فإن الناس إذا كانوا بغير دين وخلق؛ صاروا كالبهائم أو أحط من البهائم، فعند ذلك يركبهم اليهود. فهل يتفطن المسلمون الذين يجلبون هذه الأطباق الفضائية إلى بيوتهم إلى الخطر الداهم الذي يتهدد أبناءهم، وبناتهم وزوجاتهم وأنفسهم بهذه الشرور.
وإذا كان أول ما جاء لم يكن فيه هذه القنوات الجنسية، فقد صارت الآن فما هو موقفك يا عبد الله؟! هل تقبل مسلسل الإفساد بالتدريج، هل تنطلي عليك القضية؟ هل يتبلد الحس أمام المنكر؟ هل تُبقي هذا المفسد في بيتك وأنت تعلم أن الله عز وجل سائلك عما استرعاك وأي تضييع أعظم من أن يذر المسلم في بيته وسيلة الإفساد تبث سمومها وشرورها بتلك الألوان والجاذبيات وأنواع المناظر على مرأى من بناته وأبنائه من هؤلاء الشباب والمراهقين، بل حتى الصغار الذين صاروا يطلعون على مناظر أرعبت بعضهم، فصاروا يرتجفون من هول ما رأوا وربما أفسدت البعض الآخر الذين انطلقوا يبحثون عن هذه الماهيات ويدققون فيما رأوا.
عباد الله! قليلاً من العودة، قليلاً من التفكير، إننا نحتاج إلى تدبر في الحال، إننا نحتاج إلى وقفة نقف بها أمام هذا التيار الهادر وأمام هذا الإعصار الذي يعصف بديننا وأخلاقنا وعفتنا.
عباد الله! أين تقوى لله؟! عباد الله! أين الخوف من الله؟! عباد الله! أين الذين يخافون اليوم الآخر؟! يا أيها المسلم! يا عبد الله! اتق الله في نفسك وأهلك وزوجك وبيتك وأولادك! والزوج المسلم يرعى حق زوجته حتى في الفراش فلا يطأها في حيضها ولا يأتيها في دبرها. ويأمرها بالصلاة امتثالاً لأمر الله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] ويأمرها بغسل الجنابة لأجل إدراك الصلاة وخصوصاً صلاة الفجر، ولا يظلمها حقها في المبيت ويراعي العدل بين الزوجات إن كان لديه أكثر من زوجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لم يراعِ ذلك، يأتي يوم القيامة وشقه مائلة وقد قال الله: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].
وكذلك فإن الزوج المسلم لا يمنع زوجته من صلة رحمها، وهو ينفق عليها وعلى أولاده، ولا يلعب المسلم بطلاق، ولا يهزل فيه أبداً؛ فإنه أمر عظيم، ألا فليتق الله من يطلق بالثلاث دفعة واحدة، أو من يطلق في حيض أو يُطلق في طهر أتاها فيه، وأعظم من ذلك الذي يسكر ويطلق، ويشرب الخمر ويشرب الحرام الذي حرمه الله من فوق سبع سماوات، ألا فليتقِ الله الرجل الذي كلما أراد أن يلزم شخصاً بشيء حلف عليه بالطلاق، لا تلعبوا بكتاب الله، لا تلعبوا بأحكام الله، فارعوها حق رعايتها، ثم هذا يقول لزوجته: أنت عليّ مثل أمي أنت كأمي إن لم تفعلي كذا ونحو ذلك، ألا إنه منكر من القول وزور كما قال الله عز وجل: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً [المجادلة:2].
والأب المسلم لا ينزع الولد من حضانة أمه ولا يمنعها من رضاعه؛ لأن الله قال: لا تضار والدة بولدها، وهو يُنفق على أولاده امتثالاً لأمر الله الذي قال: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7] آلمتني قصة سمعتها من رجل لما طُلقت ابنته وردت إلى بيته قال لها: لا تحسبي أنكِ تجلسي معنا في البيت مجاناً، عليك أن تواصلي العمل وأن تدفعي لي شهراً ألفاً وخمسمائة، وبعضهم يجبر ابنته على العمل لأخذ راتبها وربما رفض زواجها أصلاً؛ ليجعلها مصدر دخل له، أين الشهامة؟! أين الرجولة؟! أين المروءة؟! أين الإنفاق الذي أمر الله به الرجال؟!
وليتق الله الذين يحلفون بغير الله: (ليس منا من حلف بالأمانة) فلا يحلف المسلم بأي معظم، لا بالكعبة ولا برأس أبيه، ولا حياة أولاده، وإنما يحلف بالله العظيم؛ إذا أراد أن يحلف على الأمر المهم الذي يحتاج إلى القسم واليمين.
ولذلك قال العلماء: الشهادة فرض كفاية ولا يكتم الشهادة إذا تعينت عليه: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] ويشترط للوجوب عليه انتفاء الضرر؛ لأن الله قال: (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ البقرة:282] فلنحذر من الذين يتسرعون في الشهادة، فلا تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن استقاموا على شريعتك، اللهم اجعلنا ممن تمسكوا بدينك، اللهم اجعلنا ممن أقاموا الدين في حياتهم، ولا تجعلنا ممن تعدوا حدودك، ولا انتهكوا حرماتك إنك أنت الرحمن الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! ليس النصر على العدو بكثرة العدد ولا العُدد ولا إحكام الخطط ولا الترتيبات التي يضعها القادة، وإنما على ما ذكر الله بقوله: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:251] فإذن الله إذا جاء؛ لم يقف أمامه شيء البتة، ومن أخذ بأسباب النصر وتوكل على الله وصدق وأخلص؛ فإن الله عز وجل ينصره، وقد رأينا ذلك فعلاً في الواقع الذي يعيشه إخواننا في تلك البلاد، فهم الذين استردوا أربول وجديرمس ورفعوا رايتهم في وسط مدينة شالي بعد أن حاصروا مئات الوحدات الخاصة الروسية في ثلاثة من المباني وردوا الروس مرة أخرى إلى أطراف جروزني الآن في هذه اللحظات، والحمد لله رب العالمين.
إن استمرار الانتصارات سيكون باعثاً للأمل في الأمة، وسيحرك في المسلم مناطق أخرى في العالم للجهاد والاستقلال عن الكفار ما دام النصر ممكناً وهذا ما يرعب الكفرة أشد الرعب، فلذلك يجتمعون بقضهم وقضيضهم على حرب الإسلام وأهله.
عباد الله: لا ننسى أن لدعاء المسلمين أثراً، وأن لإنفاقهم ومددهم لإخوانهم أثراً، والله عز وجل جعل المسلمين جسداً واحداً في شرعه هكذا: (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ورغم تباعد ما بيننا وبينهم من البلدان والمسافات لكننا نواليهم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].
وكذلك ننبذ الكفرة ولو كانوا قريبين ونكرههم على قاعدة البراءة من الكفار، إن قضية الولاء والبراء تتضح أكثر فأكثر من خلال هذه الحروب، وهذه الأولوية للجهاد التي ينصبها الله في أماكن مختلفة من الأرض، وكلما غط المسلمون في سبات، أيقظهم الله بأمر جديد، ألا ترون أن المسلسل يتداعى، وأن القضية لا تتوقف فبعد البوسنة كوسوفا وكشمير وغير ذلك ثم الشيشان ، وكلما نامت الأمة؛ أيقظها الله عز وجل بقضية جديدة، تبعث الأمل وتوقظ روح الجهاد وتحرك النفوس للبذل والعطاء والدعاء.
إن المسلسل ينبئ أن القضية مقبلة على أمر عظيم وشيء كبير، والله يفعل ما يشاء: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253].
اللهم إنا نسألك النصر العاجل لإخواننا في الشيشان وفي غيرها من البلدان، اللهم أعزهم، اللهم وحد كلمتهم واجمع صفوفهم على التوحيد، وسدد رميتهم، اللهم قوِّهم وأنزل عليهم تثبيتاً من عندك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر