معشر الإخوة في الله! لقد تحدثت في خطبةٍ سالفة عن البشائر بنصر هذا الدين، والتمكين له، وضمان بقائه حتى يرث الله الأرض وما عليها، وذكرت بعض ما جاء في هذا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدفي من هذا تأمين عباد الله الغيورين على هذا الدين، وتبشيرهم، وطرد القنوط واليأس عن أنفسهم حتى يفرحوا ويعلموا بأن حافظ هذا الدين هو الذي أنزله سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
وأمر آخر وهو أن يتعظ هؤلاء الذين يكيدون للدين ويدسون له ولأهله الدسائس، حتى يوفروا على أنفسهم الجهد والتعب، ويكفوا عن الحرب على الدين وأهله، سواء منهم المنافقون المندسون في صفوف المسلمين، أو غيرهم من الذين يحاربون الإسلام سراً وجهاراً ونهاراً.
وقد ذكرت أن من بشائر النصر والتمكين لهذا الدين، ما نشاهده -ولله الحمد- من هذه الصحوة المباركة والرجعة المباركة من قبل كثير من المسلمين وخصوصاً الشباب إلى دين الله، ورجوعهم إلى المساجد وإلى التمسك ظاهراً وباطناً بدين الإسلام وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشرت إلى ذلك إشارة أحب أن أبسط القول فيها لأهميتها، وقبل هذا فإن هذه الصحوة -ولله الحمد- موجودة، وقد فرضت وجودها بحمد الله، وفرض الله سبحانه وتعالى وجودها، لا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل، وإن كانت تحتاج إلى كثير من التصحيح والترشيد في بعض مسارها.
ومما يدل على فرضها لنفسها بحمد الله أنها أصبحت واقعاً ملموساً فرض نفسه في كثير من بلاد المسلمين التي كان الإسلام فيها يُحارَب صراحة، ولا تكاد تجد الدعاة والمتحمسين له إلا في غياهب السجون والمعتقلات وحبال المشانق، وأما الآن فقد تغير كثيرٌ من الواقع والأمر -بحمد الله- فخرجوا من السجون والمعتقلات، وأصبحوا يزاحمون على مكاتب الاقتراع ومقاعد المجالس النيابية، ولا أعني بالضرورة من هذا جواز المشاركة في الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله، حتى لا يفهم هذا من كلامي، ولكني أريد أن أنبه على أن هذه الصحوة والرجعة إلى دين الله فرضت وجودها بحمد الله، يبصر هذا كل ذي عينين، ولا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل.
ولهذا هبت الدول الكافرة والمنظمات الفاجرة الماسونية والصهيونية لمقابلة هذه الرجعة واغتيالها في مهدها، وقبل أيام قلائل رفعت المخابرات اليهودية مما يسمى بدولة إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية قراراً، تقول فيه: لقد زال الخطر الشيوعي الآن، لقد زال الخطر الاشتراكي، وأما الخطر الذي يداهم الولايات المتحدة والعالم كله فهو التطرف الديني -على حد زعمهم وتعبيرهم- ولهذا فإنهم رجعوا إلى أنفسهم وأعادوا النظر في حساباتهم وفي مخططاتهم، لا سيما ونحن نستقبل عصر الأقمار الصناعية، والتي لا يملك المسلم وهو يسمع أخبارها وما يخطط له فيها إلا أن يضع يده على صدره ويسأل الله الستر والعافية والسلامة.
ثم يعمل ما وسعه العمل وما وسعه الجهد لمقابلة هذا الكيد الكافر السافر والوقوف له وحماية المسلمين منه، وإذا علمتم -أيها الأخوة- أنه يوجد في ألمانيا وحدها ثلاث محطات تلفازية لبث اللواط والجنس على مدى أربع وعشرين ساعة، وكذلك يوجد في الولايات المتحدة وفي كثير من دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية والدول الشيوعية؛ يوجد أمثال هذه المحطات، وبعد شهور قليلة ستصبح الكرة الأرضة عبارة عن دائرة تلفازية متصلة كما هو الشأن في الإذاعات اليوم، ناهيك عما سيبث في هذه القنوات التلفازية من الأفكار الإلحادية المضللة، والتحريض للعمال وغيرهم، ليثوروا على الدين، وليثوروا على العقائد ولينبذوا الأخلاق وغيرها مما سيعرض في هذه المحطات.
إذا علمتم هذا أدركتم الخطر الذي يداهم المسلمين، والذي ينتظره المسلمون على وجه الخصوص، وتنتظره الصحوة الإسلامية التي يكيد لها اليهود والنصارى، ويكيد لها كل أعدائها، ويهدفون من جعل هذه الأقمار الصناعية أداة لاغتيال هذه الصحوة، إلا أن الله سبحانه وتعالى حافظ دينه ومعلٍ كلمته ومبقٍ شريعته، ونسأله سبحانه وتعالى أن يقتلهم وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يبطل سعيهم ومخططاتهم، كما نسأله سبحانه وتعالى -ونحن نتفاءل- أن تكون هذه الأقمار الصناعية بداية لانتصار هذا الدين، وأن ينشر بها دين الإسلام على وجه البسيطة كلها.
فيتحقق الوعد والبشارة التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخرج الإمام أحمد من حديث أبي رقية تميم الداري وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الله الإسلام، وذلاً يذل به الكفر) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فيجب على الدعاة أنفسهم أولاً وقبل كل شيء أن يتقوا الله في هذه الصحوة المباركة، ويجب عليهم أن يستحضروا الهدف من وراء دعوتهم إلى دين الله سبحانه وتعالى، وأن هدفهم وغايتهم إنقاذ الناس من طريق جهنم، ووضع أقدامهم على طريق الجنة، والسلوك بهم إلى الصراط المستقيم، كما بيّن سبحانه وتعالى في كتابه بقوله آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه من الدعاة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ [يوسف:108].
هذه الدعوة ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، تدعو الناس لإنقاذهم من طريق جهنم ووضع أقدامهم على طريق الجنة، لا تدعوهم لتستكثر بهم من قلة، ولا لتتقوى بهم من ضعف، إلا أن تقوي دين الإسلام ودعوة الإسلام، وإذا ما غاب عن أذهاننا -معشر الشباب والدعاة- هذا الهدف؛ فإنه حري بالدعوة أن تتخبط في مسارها، وأن تتورط في سلوك الدروب الحزبية، وانقسام الجماعات المقيتة التي بليت بها كثير من الدعوات في العالم الإسلامي.
فليتق الله القائمون على الدعوة والقائمون على الصحوة، وعليهم أن يستحضروا الغاية التي يدعون لها، حتى لا تتبعثر الجهود، وحتى لا تجمع كل جماعة لأخرى، وحتى لا ننزلق ونتورط في دروب الحزبية والانقسامات الفردية، فلنتق الله معشر المسلمين! ويكون قدوتنا في هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه كما في البخاري وغيره (أنه زار يهودياً علم أنه مريض، فوجده يحتضر، فقال صلى الله عليه وسلم: قل: لا إله إلا الله، فنظر اليهودي إلى والده كأنه يستشيره وأبوه عند رأسه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال اليهودي المحتضر: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففاضت روحه ومات، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم ويقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
فنحن ندعو الناس لإنقاذهم من النار، لا ندعوهم لأمرٍ آخر، فلنعلم هذا يا شباب الإسلام! حتى نوحد الجهود ونقف صفاً واحداً أمام العدو المشترك الذي يكيد للإسلام وأهله داخل البلاد وخارجها.
يقول الله سبحانه وتعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وأمر سبحانه قبل ذلك بالقراءة التي هي وسيلة العلم الشرعي الصحيح، كما قال سبحانه لنبيه في أول الأمر: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ثم ثنى بالأمر الآخر: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:1-2] فالدعوة لا تكون إلا بعلم شرعي صحيح، ولهذا قال أبو حامد الغزالي في رسالته أيها الولد المحب: إن العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.
فلنحرص يا شباب الإسلام! على الاتصال بعلماء الإسلام ونستفيد من علمهم، ونأخذ من آدابهم ومن أخلاقهم حتى ندعو على طريقة صحيحة سليمة.
فيجب على الدعاة إلى الله أن يكونوا أحرص الناس على التمسك بما يدعون إليه، وأن يكونوا أحرص الناس على الانقياد إلى ما يدعون إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم ومنهم قارئ القرآن، نعوذ بالله من ذلك كما ذكر في الحديث الآخر أن من أهلها إنساناً يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، نعوذ بالله من مخالفة الفعل للقول.
يقولون لي فيك انقباض وإنمـا رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما |
أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما |
ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا مطمع صيرته لي سلما |
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخدم من لاقيت لكن لأُخدما |
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلـة إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما |
فإن قلت زند العلم كابٍ فإنما كبا حين لم نحرس حماه وأظلما |
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما |
ولكن أذلوه فهان ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما |
فموقفنا ليس كلما قرأنا قولاً من أقوال هؤلاء أن نطير بهذه الجرائد والصحف إلى أئمة المساجد، ونتأفف ونتألم ونطلب منهم أن ينبهوا على ذلك، لنعلم أن طريق الدعوة درب صعب وطريق كئود محفوف بالمكاره، مكتنف بالصعوبات؛ لأنه طريق الجنة، والجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات، واعلموا أن هذه الطنطنة والثرثرة لا تضر الدعاة المخلصين إذا ما اتقوا الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120] وكل ما يكيدون فهو كيد الشيطان، وأين كيد الشيطان إلى جنب كيد الله سبحانه وتعالى؟ قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].
فيا معشر الدعاة! قابلوا إساءتهم بالعفو والإحسان، فاعفوا عمن ظلم، واصفحوا عمن أساء إليكم، ومروا بالمعروف وأعرضوا عن الجاهلين، ولا أدعو الدعاة إلى التنازل عن مبادئهم التي يدعون إليها، فإن هذا أمر دونه، خرط القتاد، وإزاحة الرءوس وسفك الدماء، وإزهاق الأرواح، ولكن أدعو إلى ألا ينتقموا لأنفسهم، وليعلموا أن هذه طبيعة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فمن أراد أن يسلكها فليوطن نفسه على هذا، وأمثاله كثير: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].
إن الدعوة حق لكل مسلم.. حق للعامل في معمله، وحق للطالب في مدرسته، وحق للتاجر في متجره، وحق للإنسان في كل مكان، فلنبذل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ونأمر كل مسلم بالمعروف وننهاه عن المنكر.
أيها الإخوة الدعاة! يجب ألا ننسى العامة من حقهم من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأخص أهل القرى وأهل الهجر والبادية، فإن كثيراً منهم على ضلال عظيم، أتعلمون -أيها الإخوة- أن كثيراً من القبائل يوجد فيها الشرك الصراح بالله سبحانه وتعالى، تعبد الأوثان صراحة جهاراً نهاراً كما شاهدنا بعضهم؟! أتعلمون أنه يوجد قبائل كاملة لا يعرف أحدهم كيف يتوجه إلى الصلاة، ولا يعرف أحدهم كيف يصلي، ولا يعرف أحدهم كيف يقرأ الفاتحة، لا يصلون من حين أن يوضع على أحدهم قلم التكليف حتى يتوفاه الله سبحانه وتعالى.
فعلى من تقع المسئولية في إرشاد هؤلاء؟!
لا يجب عليكم -أيها الدعاة- أن تقيموا معسكراتكم ومخيماتكم وتقيموا في المدن وتنسوا هؤلاء من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بل يجب على الدعاة أن ينظموا رحلات دعوية لا سيما في هذه الإجازات كإجازة الربيع والصيف وغيرها؛ وأن ينظموا رحلات وينبثوا في صفوف أهل البادية والقرى، لا سيما في المناطق النائية التي لم تصلها الدعوة، أولم تصلها الدعوة الصحيحة.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه غفور رحيم.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً [النساء:131] ثم اعلموا -أيها الأخوة- أنه على العامة أنفسهم وعلى الآباء وأولياء أمور الشباب المسلم واجب نحو هذه الصحوة، ونحو هذه الرجعة إلى دين الله سبحانه وتعالى، فإنه يجب على الأب إذا ما رأى من ابنه استقامة على طريق الإسلام وعلى الطريق الصحيح، أن يشجعه ويؤيده ويعينه على هذا المسلك، وعليه أن يبين له أن هذا هو الواجب، فلا يجوز له أن يثبطه ولا يخذله، فإن الولد الصالح امتداد لعمل الوالد الصالح بعد مماته، كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، -وذكر منها-: أو ولد صالح يدعو له).
فاتقوا الله أيها الآباء! وأعينوا أولادكم سواءٌ كانوا ذكوراً أم إناثاً على سلوك الصراط المستقيم، بل الواجب عليكم إذا رأيتم منهم انحرافاً أن ترجعوهم وأن تعينوهم على أسباب الاستقامة وأسباب الرشاد، لا يجوز لكم أن تثبطوهم، أو تقفوا في طريقهم، فإن ذلك من مسئوليتكم تجاه هذه الصحوة الإسلامية المباركة، وهذا من الواجب المنوط في أعناقكم، ومن التَّبِعة الملقاة على كواهلكم.
أقول هذا الكلام؛ لأنني لا أزال أسمع من بعض الشباب، بل ومن بعض الفتيات أن والديهم يقفون في طريقهم ويثبطونهم عن التمسك الصحيح، ويرمونهم بالوسوسة والتعقيد، ويرمونهم بالمرض النفسي إذا ما وجدوا من أولادهم استقامة والتزاماً مع رفقة صالحين، فأي جريمة هذه الجريمة؟! أما نتقي الله سبحانه وتعالى، أما نعلم أن الصد عن سبيل الله من أخلاق المنافقين والكافرين المجرمين أعداء الدين؟ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:29-32].. وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:77] ذكر الله سبحانه وتعالى أن الإضلال والصد عن دين الله من أخلاق الكافرين والمنافقين والمجرمين وأعداء الإسلام والمسلمين، فهل يليق -أيها المسلمون- أن نتخلق بأخلاق هذه الفئة؟
هل يليق أن نتخلق بأخلاق الكافرين الذين ذكر الله عز وجل أنهم لا تقر أعينهم حتى نضل السبيل كما قال عز وجل: وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ [النساء:44].
فاتقوا الله عباد الله، واتقوا الله أيها الآباء وساهموا في هذه الصحوة والرجعة إلى دين الله، وأعينوا أبناءكم على التمسك بدين الإسلام، فوالله ما وجد الآباء من انحراف أبنائهم إلا كل عنت ومشقة، وكل قهر ونكد وكمد في الدنيا وبعد الممات.
يأتي إليّ كثير من الآباء يبكون بكاء الثكلى، ويشكون إلي أولادهم الذين تورطوا مع شلل إجرامية، فبلوا باللواط وبالمخدرات وبالجرائم، وكل يوم تستدعي الشرطة والده، كل يوم يتصلون به هاتفياً، أو يقابلونه شخصياً، ويُرفع اسم أبيه مع اسمه كل يوم؛ فيعلمه القاصي والداني والقريب والبعيد، ويكون وصمة عار ونقطة مظلمة في جبين والده، وذلك ثمرة من ثمرات الانحراف -والعياذ بالله- فيا من تقفون لأبنائكم بالمرصاد أمام طريق الاستقامة والصلاح، أيسركم أن تبلوا بأولاد أمثال هؤلاء الأولادٍ؟ أما تتقون الله سبحانه وتعالى؟
اتقوا الله ولا تساهموا في إضلال أبنائكم، اتقوا الله وأعينوهم على التمسك بدين الإسلام، أعينوهم على الالتحاق بشباب الصحوة، مع الرفقة الصالحة الذين تعلمون منهم صلاحاً وفلاحاً في عقيدتهم وأخلاقهم وسلوكهم.
أيها الأخوة! قصص كثيرة وقفت عليها تؤلم ويندى لها الجبين وينفطر لها القلب، المصيبة أن الآباء المصلين الراكعين الساجدين الحاجِّين المعتمرين، يساهمون في إضلال أبنائهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وقفت على قصة فتاة تزوجت من زوج صالح، وكان بيت أهلها منحرفاً فيه كثير من المخالفات، فنقم عليها أهلها، وما نقموا عليها إلا التمسك بدين الإسلام، فكانت إذا ما أتتهم في زيارة، سبوها وشتموها ورموها بالتعقيد والجمود، بل إنهم يشغلون عندها الموسيقى والغناء إمعاناً في صدها عن الاستقامة وعن صراط الله، فحصل أن أصيبت بأزمة نفسية حادة، أصيبت بحالة تشبه الجنون، فهل نريد هذه الحالة أيها الإخوة!
وفتاة أخرى تزوجت من زوج صالح، وسلك معها أهلها مثل هذا المسلك الذي ذكرته في القصة الأولى فنتج عن هذا أن طلقت ابنتهم، ثم انحرفت والعياذ بالله.
ووقفت على قصة شاب صالح استقام، وأرخى لحيته، وقصَّر ثيابه، وسلك مع رفقة صالحين وجلساء طيبين، فوقف له إخوانه بالمرصاد وكادوا له كيداً مبيناً -والعياذ بالله- حتى أنه انحرف عن الجادة المستقيمة، تحت إلحاح وضغوط أهله.
والله لقد رأيت واحداً من إخوانه رفع السماعة متصلاً بوالده في مدينة أخرى، وبشره بأن أخاه قد حلق لحيته، ماذا يسمى هذا أيها الأخوة! أما نتقي الله سبحانه وتعالى، أنريد أن نتخلق بأخلاق الكافرين والمجرمين والمنافقين، حرام علينا، حري بمن ينهج هذا النهج أن يطمس الله على قلبه، وأن يطمس على فطرته، ويحرفه عن دينه، والعياذ بالله.
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أنه واجب عليكم أن تكونوا جنوداً من جنود الصحوة، والرجعة إلى دين الله سبحانه وتعالى، وأن نشجع أهلها وأصحابها، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويشبه هذا موقف بعض الآباء الذين يمنعون أبناءهم عن الذهاب للجهاد في سبيل الله، وإن كان الدافع لكثير منهم الشفقة على أبنائهم، إلا أن هذه الشفقة في غير موضعها، وأنا لا أدعو الأبناء إلى التمرد على آبائهم وعصيانهم، كما لا أجيز للآباء أن يمنعوا أولادهم، ولكني أدعو الأبناء إلى أن يأخذوا برأي آبائهم وأن يطيبوا خواطرهم، كما أدعو الآباء أن يعينوا أبناءهم على طريق الطاعة.
فإن الجهاد في سبيل الله فرض عظيم، يجب عليهم أن يعينوهم عليه، فإن كثيراً من الآباء لا يمانع إذا ذهب ولده في رحلة فساد إلى بانكوك أو مانلا ، ولكن إذا ما فكر في رحلة إلى الجهاد في سبيل الله قامت قيامته وأرغى وأزبد، وقام ولم يقعد.
فنعوذ بالله من انتكاس الفطر، ومن انقلاب الموازين، أما تعلم أيها الأب! أن الشهيد يشفع لسبعين من أهله كلهم قد استوجبوا النار، وحري أن يشفع لك أول ما يشفع إذا ما رزق الشهادة في سبيل الله، فاحرص على أن تعينه على كل خير، وعلى كل فلاح ورشاد.
جعلنا الله وإياكم ممن سلك طريقه المستقيم ونهجه القويم، وحمانا وإياكم من وساوس الشياطين، وفتن المضلين من المنافقين واليهود وأعوانهم.
صلوا على إمامكم ورسولكم فقد أمركم الله بذلكم، فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على الهادي البشير السراج المنير، اللهم صلِّ وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وارض اللهم عن أصحابه وأتباعه على دينه وخص منهم الأربعة المهديين الأئمة الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى صحابة نبيك أجمعين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم من كاد الإسلام وأهله ودعاته بقلمه وبعقله وبلسانه وبكيده وبمخططاته اللهم كد له بكيدك المبين، دمره بكيدك المتين، وخذ لأوليائك منه باليمين حتى يكون عبرة للمعتبرين، اللهم من أنعمت عليه بنعمة العقل فاستعملها ضد أوليائك ودعاتك اللهم اسلبه هذه النعمة، اللهم اجعله مجنوناً أخبل يلعب به الصبيان يا رب العالمين، اللهم من أنعمت عليه بنعمة البيان واللسان فاستعمل ذلك في الصد عن دينك اللهم اسلبه هذه النعمة، اللهم أخرس نطقه وأبكم فمه يا رب العالمين، اللهم من أنعمت عليه بنعمة القلم فكاد لدينك اللهم شل يده، وأعثر قدمه، واجعله عبرة للمعتبرين إنك على ذلك قدير.
اللهم وفق الدعاة في كل مكان، اللهم ارزقهم اتحاد القلوب، وصفاء الكلمة، واجعلهم صفاً واحداً يا رب العالمين! يا ذا الجلال والإكرام! رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم اجعلهم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، وله مغيرين، وبالقسط والعدل قائمين عادلين يا رب العالمين! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اجعلهم يداً حانية على أولئك الصالحين، وسيفاً مصلتاً على رقاب الظالمين والفسقة والزنادقة يا رب العالمين! اللهم انصر بهم الدين، وانصرهم بالدين يا رب العالمين! يا ذا الجلال والإكرام!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر