إسلام ويب

التربية بين المدرسة والبيت [2،1]للشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر في حياة الفرد المسلم بمراحله المختلفة من نطفة، إلى جنين، إلى طفل، ثم شاب، ثم شيخ كبير، يجد أن هناك وسائل عديدة تؤدي دورها في التربية إما سلباً أو إيجاباً، وقد تحدث الشيخ عن ثلاث وسائل مهمة لها دورها الفعال في التربية وصياغة الشخصية عند الأبناء.

    1.   

    نعمة الحياة والعيش في المجتمع المسلم

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أيها الأحبة في الله! أحمد الله وحده لا شريك له الذي منّ علينا وعليكم بالإسلام، وقد ضل عنه خلق كثير، وكتب لنا أن نولد ونعيش ونتربى في مجتمعات المسلمين، فهذه والله نعمة عظيمة، وما ظنكم بواحد منا لو عاش في مجاهل الصين، أو في أفريقيا، أو في دول الإلحاد والإباحية والكفر، لا ينجو من الكفر إلا القليل القليل، فكانت من أعظم المنن وأجل النعم من الله جل وعلا أن عشنا وولدنا وتربينا في هذه المجتمعات الإسلامية، نسأل الله جل وعلا أن يجعل الإسلام قواماً لها في جميع أمورها دقيقها وحليلها.

    ومن نعم الله أيضاً أن منَّ الله على هذه الأمة بنعمة التوحيد، وقد ضلت كثير من الأمم والخلائق عنه، فما أكثر الأمم والدول التي تنتسب إلى الإسلام، وتعد نفسها في قائمة العالم الإسلامي والإسلام منها براء، تحكم غير شرع الله، وتذبح لغير الله، وتدعو غير الله، وتقيم مناسبات بدعية يشرك فيها بالله جل وعلا، وصدق الله العظيم حيث يقول: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

    يظنون أنهم على إيمان، ولكنهم في الحقيقة قد وقعوا في الشرك، ونسبة الإيمان أو الشرك أمر يعود إلى الجملة والفئة العامة، ولا عبرة بالنوادر والقليل، إذ لا تخلو أمة أياً كانت بعيدة أو قريبة من موحد من الموحدين.

    كانت العرب تقر بأن الله هو الخالق وهو البارئ وهو المهيمن وهو المتصرف، وقد ورد ذلك في كلامهم وفي أشعارهم، يقول أحدهم:

    وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

    فالأمر لله نافذ في كل دقيق وجلي، ويقول الآخر منهم:

    ألا قبض الرحمن ربي يمينها     ......................

    إذاً فهو يعرف أن الرحمن هو الذي بيده الأمر النافذ والحكمة البالغة، وإذا قدر أمراً فقدره نافذ سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك يشركون مع الله في عبادتهم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ووداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً وغير ذلك من أوثان وأصنام الجاهلية.

    ما أشبه الليلة بالبارحة! الكفر الذي مضى والوثنية التي سلفت في الأمم الماضية، هو موجود في هذا الزمان، لكن الذي لا يعلم يظن أن الناس كلهم مثل حاله، ولو قدر له أن يرى ما رآه غيره، لرأى الجاهلية الأولى بل أشد منها؛ لأن أهل الجاهلية الأولى كانوا إذا حزبتهم الأمور، واشتدت بهم الكربات، وضاقت عليهم المذاهب، دعوا الله مخلصين له الدين: وإذا ركبوا في الفلك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس:22] أما كفار هذا الزمان فالأمر يشتد بأحدهم وبأفرادهم وبأممهم وبجماعاتهم، ومع ذلك يقولون: دعونا نجرب مذهباً رأسمالياً، دعونا نجرب مذهباً اشتراكياً، دعونا نجرب مذهباً بعثياً، دعونا نجرب طريقة بدعية، يجربون ويجربون وما يزيدهم إلا ضلالاً وخساراً وبواراً.

    فرغم ما حل بهم من المحن والمصائب، ما فكروا يوماً من الأيام أن يتجهوا إلى الله مخلصين له الدعاء، والله يجيب المضطر أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] فالحاصل أن من نعم الله علينا في هذه الدولة ولله الحمد والمنة أن عشنا في مجتمع مسلم.

    1.   

    واقع التربية في مجتمعاتنا

    يا أيها الأحبة! إن الحديث في هذه الكلمة المتواضعة يدور حول التربية، والتربية في واقعنا وفي أرضنا، وفي كل مكان.. وما أجمل الصراحة في الحديث حتى تكون الأدوية على عين المرض!

    التربية في واقعنا وفي مجتمعنا تتنازعها مؤسسات عديدة، وشأن التربية لا يخلو بين الولد وأمه وأبيه ومجتمع قريته المتواضع الصغير، فلا يمكن أن يوجد شذوذ أو جنوح أو نشاز في طريقة التربية، أو في منهجها ووضعها، لأن الذي يصنع شخصية الفرد كان فيما مضى إمام المسجد، جو المسجد، بيئة المسجد، جو القرية، المزرعة، المدينة المحدودة المتواضعة.

    أما الآن فالناس قد انفتحت عليهم السبل، وانفتحت عليهم أمور جديدة، شنّفوا لها الآذان، وفتحوا لها الأسماع، فكان لها دور عظيم في صياغة شخصياتهم، وفي صياغة أنماط حياتهم، ومن ذا يقول: أرى شيئاً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أسمع لهواً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أرى أوضاعاً فلا أتأثر بها؟ والله إن كل واحد منا ليتأثر، سواءً شعر بهذا التأثر أو لم يشعر، لكنه في حقيقة أمره متأثر، لا عصمة إلا للأنبياء، أما سائر البشر فإنهم يتأثرون حتى ولو لم يقارفوا الذنوب والمعاصي، فإن عيشهم في مجتمعٍ تنفتح فيه الذنوب والمعاصي، يؤثر على مدى غيرتهم وإنكارهم للمنكرات.

    ذكر أن واحداً من السلف، كان قافلاً من المسجد عائداً إلى بيته، فرأى في طريقه منكراً، فاشتد غضبه، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه، فلما عاد ما طاق أن يبول إلا دماً، من شدة تأثره، من شدة الهزة العنيفة التي أدركت أعماق أجهزته الباطنية من هذا الجسم، ثم رأى ذلك المنكر فتأثر تأثراً دون الأول، ثم رآه مرة ثالثة ورابعة، فأصبح الأمر عادياً طبيعياً.

    فالإنسان يتأثر، ولو كان لا يقع في أي شيء مما نهى الله عنه، إلا أن الإنسان بحكم اجتماعيته ويتأثره بمن حوله، لا شك ولا ريب ولا محالة أنه يتأثر بالأوساط التي يخالطها.

    معنى التربية وجوها

    وما دام أن الحديث عن التربية أيضاً، فما هو جو التربية؟ وما الذي نعنيه بقولنا: التربية؟

    لن ندقق في التعاريف، فالذي نعنيه في هذه الكلمة بالتربية، هو الجو والحيز الذي يصنع أنماطاً معينة في سلوك الشخص.

    ما الذي يؤثر على هذا فيجعله صادقاً، ويؤثر على هذا فيجعله كاذباً؟

    ما الذي يؤثر على هذا فيجعله أميناً، ويؤثر على هذا فيجعله خائناً؟

    ما الذي يؤثر على هذا فيجعله ورعاً تقياً، وما الذي يؤثر على هذا فيجعله مجرماً لصاً، لا يحلل حلالاً ولا يحرم حراماً؟

    الوسط.. الجو.. البيئة.. لها دور في هذه التربية، والتربية -كما قلنا- نعني بها سلوك الشخص وتصرفاته فحينما نرى شخصاً قد اتسم حديثه بالصدق، واتسمت معاملته بالأمانة، واتسمت عهوده ومواثيقه بالوفاء، نقول: هذا رجل تربيته حقاً إسلامية، حكمنا على هذه التربية من واقع سلوكه وتصرفاته، فهذا هو ما نعنيه بالتربية.

    المسئول عن التربية

    إن المعني بالتربية خاصة، وبالدرجة الأولى في هذا التربية هم نشأنا وأبناؤنا وصغارنا، كيف نربيهم؟ من يتحمل مسئولية التربية؟

    هل هو الأب؟

    هل هي الأم؟

    هل هي المدرسة؟

    هل هي وسائل الإعلام؟

    هل هي الإذاعة؟

    هل هو التلفاز؟

    هل هي الصحف والمجلات؟

    من هو المسئول عن صياغة هذه الشخصية التي هي بمثابة العجينة اللينة الطرية، من خلال ما نسلطه عليها، عبر أي جهاز وعبر أي وسيلة، فإننا نستطيع أن نصنع شخصية بعد مدة، ولو ليست بالكثيرة، وسنراها ماثلة أمامنا.

    إن الذي يحكم هذا الأمر ليس الأب وحده، وليست المدرسة ممثلة في المدير أو في المدرس، وليس جهاز الإعلام، وليس التلفاز وحده، وليست الإذاعة وحدها، وليست الجريدة أو المجلة وحدها، إن الذي يتحمل مسئولية التربية هو مجموع هذه الأجهزة مجتمعة، وأذكر في ندوة سلفت، ولعلها حررت وطبعت، ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟ لإدراكهم أن التربية مهمة حساسة وللإعلام فيها دور، ومن هنا وقف التربيون وقالوا: معاشر الإعلاميين قفوا معنا نناشدكم وتناشدونا، نحدثكم وتحدثونا، ماذا نريد منكم؟ إن جميع الأجهزة التي بين أيديكم ينبغي أن تخضع لنا معاشر التربويين.

    لا شك أن جميع ما نراه من الأجهزة والدوائر، ومن المصالح والمؤسسات، كلها بمجموعها تسعى إلى إيجاد شخصية صالحة، أو ما يسمى بالمواطن الصالح، وإن كانت كلمة الإخلاص والنصيحة قد تغني، وهي أوسع من هذا الأمر، لكن لا مشاحة في الاصطلاح، ما دام أن جميع الأجهزة والدوائر والمؤسسات كبيرها وصغيرها معنية بصناعة هذا المواطن وهذه الشخصية.

    إذاً فإن التربويين هم وحدهم بما لديهم من علوم شرعية، وليس الأمر في قطار التربية وحدها، الذين يقولون: ينبغي أن يوجه هذا الدرس بهذه الطريقة، وينبغي أن يوجه هذا الإعلام بهذه الطريقة، وينبغي أن توجه المجلة والمسلسل والفلم بهذه الطريقة.

    إذاً فالتربية لها دور، ومكانتها والمسئول عنها ليس المدرس وحده، أو الأم أو الأب وحدهما، أو جهاز معين بحد ذاته، لا، الجميع مسئولون عن قضية التربية هذه.

    1.   

    دور المجتمع المحيط بالفرد في التربية

    حينما نرى جنوحاً أو شذوذاً في تصرفات طفل من الأطفال، هذا التصرف هل هو مولود معه؟ حينما يكون التصرف شاذاً، حينما يكون سلوكه نشازاً بين سائر زملائه وإخوانه، هل يمكن أن نقول: إن هذا التصرف الذي فيه جنوح، ولد مع هذا الطفل الذي بلغ السادسة أو السابعة أو العاشرة، أو دون المراهقة؟ كل مولود يولد على الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة..)

    والفطرة بمعناها الصحيح هي فطرة الإسلام بكل ما جاء به الإسلام من الآداب، الفطرة على توحيد الله جل وعلا، وما ينبني على ذلك من آداب وأحكام (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه...) إذا كان يهودياً فالولد ينشأ ويتخرج ويكبر يهودياً: (فأبواه يهودانه أو يمجسانه ..) إذا كان يعيش في أسرة مجوسية، فالشاب يكبر وينمو مجوسياً (أو ينصرانه) فإذا كان المجتمع نصرانياً؛ فإن هذا الشاب يكبر وينمو نصرانياً، ولم يجئ في الحديث قوله: أو يسلمانه أو يمسلمانه، لأن الإسلام هو أصل الأمر الذي نشأ عليه: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30].

    الناس فطروا حنفاء، يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي: (خلقت عبادي كلهم حنفاء ..) على الحنيفية التي تقر بوحدانية الله ووجوده، وصرف جميع أنواع العبادة له لكن: (فاجتالتهم الشياطين)

    إذاً الأجواء والأوضاع التي تحيط بمجتمع أو فرد أو أمة من الأمم لها دور في تغيير سلوكها وتصرفاتها وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172] في تفسير الحديث، وفي بيان هذه الآية، إن الله جل وعلا أخرج ذرية آدم من أصلاب الرجال كأمثال الذر، واستشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا.

    إذاً فكل واحد منا قد شهد سلفاً، وفطر -أيضاً- على وحدانية الله جل وعلا، وعلى هذا الدين، لكن من قدر له أن يعيش في مجتمع المسلمين تكون حياته إسلامية، ومن قدر له أن يعيش في مجتمعات اليهود أو النصارى أو المجوس أو غيرهم، فتكون بيئته وسمته وصبغته مجوسية أو يهودية أو نصرانية.

    هذا فيما يتعلق بالأصل، وبالقاعدة العريضة أن الجميع حنفاء وأهل فطرة وموحدون، لكن ما الذي طرأ؟ ما الذي حدث؟ هذه الأسرة التي احتضنت تلك النطفة، إما أن تكون أسرة احتضنت النطفة من أول يوم ألقيت في رحم أم مؤمنة، إما أن تكون وضعت على ذكر لله جل وعلا: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) من تلك اللحظة، وأثر الشريعة والملة والدين يبدو جلياً واضحاً على هذه النطفة التي تنمو في جوف تلك المرأة، والتي وضعها ذلك الرجل حلالاً، قد اتبع ما جاء وما طلب في ذلك من أوراد وأذكار.

    ثم ماذا؟ هل غذيت هذه النطفة بالحلال أم بالحرام، فإن غذيت بالحلال، فهي لازالت تسير على خط سليم، فإذا ولدت فأول من يصرخ في وجه المولود الشيطان، ولذا يستهل المولود صارخاً، ثم بعد ذلك لا يترك فقيل في يومه أو في ثالثه، وعلى أكثرها في يوم سابعه، يؤذن في أذنه اليمنى ويسمى، وقضية الإقامة محل بحث ونظر.

    إذاً منذ نعومة الشعر والأظفار، وهذا الجنين وهذه النطفة ترعى رعاية دقيقة حتى تكبر رويداً رويداً، والطفل أيضاً يكتسب اللغة اكتساباً، ويكتسب أيضاً جملة من الأمور التي يشاهدها، لذا ترى كثيراً من أبناء المسلمين ليس أمر الصلاة عجيباً أو غريباً لهم؛ لأنه على فطرة في مجتمع مسلم، ومنذ أن ينشأ وهو يرى أمه وأباه وإخوانه في صلاة وعبادة.

    إذاً فهو ينشأ على هذا المنوال، وعلى هذا المسلك، فلا حاجة إذا بلغ أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، في حين أن التكليف والمحاسبة والحساب على الذنوب، والحساب على ما يؤمر به وينهى عنه، إنما يكون بالبلوغ، بعلاماته المختلفة بين الذكور والإناث، لكن لا نحتاج في يوم من الأيام أن نقول له: اشهد أن لا إله إلا الله فقد بلغت التكليف؛ لأن هذه الشهادة وجملة من الأمور والواجبات والمنهيات قد اكتسبها وعرفها، وحصل عليها من واقع الأسرة التي يعيش فيها، فإذا عاش حميداً في أسرة مؤمنة صادقة، بدأ يكتسب إلى جانب اللغة الطباع والأخلاق والمعاملة.

    اللغة اكتساب: أنتم تلاحظون في أي بيت فيه خادمة، فإنها تحدث الطفل بالإندونيسية فيفهمها، ونحن لا نعلم، كلم أي طفل من الأطفال بالفليبينية أو بالإندونيسية: أغلق الباب تجده يغلق، افتح الباب.. يفتح، افعل كذا.. يفعل، لا تفعل كذا لا يفعل.

    الطفل لديه اكتساب على أدق دراسة ثلاث لغات في مرحلة واحدة.

    إذاً فليس عجيباً أن تكون قدرة الاستيعاب والاكتساب لدى الأطفال قوية، فمادام يكتسب ثلاث لغات في آن واحد، والعجيب أن الطفل حينما يأتي عند أمه وأبيه يعرف ماذا يصلح لهم من اللغات فيكلمهم، وقد تخاطبه الخادمة أو يخاطبه السائق بلغة أخرى معينة فتجده يتخاطب معه، ويعرف أنهم لا يتحدثون إلا بهذا، وهؤلاء لا يتحدثون إلا بهذه اللغة.

    إذاً نحن نظن أن هؤلاء الأطفال بلهاء، وأنهم عاجزون عن كثير من الأمور، والله الذي لا إله إلا هو إن الأطفال ليدركون أموراً قد لا يدركها بعض كبار السن، مادام الأمر كذلك ولديهم القدرة على استيعاب هذا المقدار المتباين في الخطاب واللغة والضمير والعبارة، إذاً فالطفل قادر على أن يكتسب ما هو أكبر من ذلك.

    دور الأب في التربية

    إذا شب الطفل رويداً رويداً، تجده يتأثر بأبيه.

    صديق لي مؤذن أولاده دائماً في البيت يؤذنون، وآخر والده خطيب ولده دائماً يرقي على كرسي، والآخر يصعد على وسادة، إن الحمد لله.. إن الحمد لله.. إذاً الطفل يتأثر بوالده حتى فيما قبل مرحلة الدراسة.

    الطفل الذي تجد بيته قريباً من المسجد، تجده أكثر قدرة على الإنصات والمتابعة، والإلقاء وإعادة الأذان من غيره، لما يحيط به.

    يهمنا في الدرجة الأولى أن نعرف وضع الطفل مع والده، شخصية الطفل تكتسب التأثير بالدرجة الأولى من شخصية والده، ولذلك فإن أكبر الجرائم أن يسعى أب من الآباء في إفساد أولاده، وذلك بعدم اجتنابه للمعاصي والمنكرات، وعلى أقل الأحوال حنانيك، فبعض الشر أهون من بعض ألا يرتكب المعصية أمامهم إذا كان واقعاً لا محالة، في حين اتفاق الجميع أن المعصية منبوذة ومرفوضة من صغير وكبير.

    إن الأب من أكبر المؤثرين على ولده، وله أكبر دور في صناعة شخصية ولده، أتلاحظون أباً في مجتمع لا يهمه إلا التدخين ولعب الورق وأمور أخرى، تجد الأطفال يقلدون هذا السلوك بكل دقة.

    يحدثني شاب يقول: كنا صغاراً إذا خرج أبي وأصدقاؤه من المجلس جلسنا وكل واحد منا واضع رجلاً على رجل، واتكأ وأخذ الشيشة، وأخذ بعضنا يتكلم مع بعض، ويضرب الذي بجانبه برأس الشيشة يا فلان! بنفس الطريقة يسترقون الطباع استراقاً شديداً.

    والطفل قد يكون أبوه من أهل الطرب والفن، فتجد الطفل يتقن كيف يمسك العود، وانظر إلى شاب والده ذي صناعة معينة، انظر كيف يستطيع أن يحكم طريقة هذه الصناعة وبكل دقة.

    أعرف رجلاً صرافاً في مكان ما، رأيت مجموعة من أولاده يعدون عملة معدنية بكميات كبيرة، فيعدون بطريقة عجيبة، أحاول أن أعد معهم بنفس الطريقة فلا أعرف، يمكن أنثر هنا ريالاً وهنا ريالاً، أما أولئك فيعدون بطريقة غريبة وسريعة أيضاً، كان والدهم صرافاً، ومنذ الصغر كان يصحبهم إلى محله أو مكان صيرفته، فتأثروا بأسلوبه وطريقة تعامله.

    إذاً أكبر من يصنع شخصية الطفل هو الأب؛ فإذا كان الأب ممن يعتنون بزي معين، ستجد الابن بالضرورة يريد من أبيه أن يعطيه مثلما يلبس، طفل يرى أباه مغرماً بالبنطلون والجاكيت والقميص، يقول: اشتر لي مثل هذا يا أبي، وتجد طفلاً أبوه عالم بطبيعة عمله يلبس المشلح أو شيء من هذا، اشتر لي مثل هذا بالضبط، يأتي له ببنطلون يقول له: لا أريد، أريد مثل هذا الذي أنت تلبسه، ولو أعطيت المشلح الصغير لابن صاحب البنطلون أو العكس، لا أحد من هؤلاء يقبل؛ لأن كل صغير يرى أن صورة والده هي الصورة الأكمل والأسمى والمثلى.

    إذاً فنحن لنا دور في صناعة شخصيات أبنائنا وأولادنا، ولذلك إياك أن يراك ولدك ذليلاً فيتعلم منك الذلة، إياك أن يراك ولدك جباناً أو خواراً أو ضعيفاً فيتعلم منك ذلك، إياك أن يراك ولدك خائناً أو مخادعاً فيتعلم منك ذلك، لو رأى الخيانة والخداع من الآخرين لجاء يخبرك مستنكراً، أما وقد رآها منك فسوف يقلدك مفتخراً.

    إذاً فللأب دور كبير وعظيم في صناعة شخصية ولده، والكثير منا لا يعرف، وإن كان يعرف لا يبالي أن شخصيته لها دور في صناعة ولده، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.

    ونتيجة للجهل بهذا الأمر لا تجد الأب حينما يكون لديه رجال في مجلس علم لا يدعه يجلس، بالعكس دعه يجلس، حينما يرى طريقتك في إدارة حوار، أو طريقتك في إمساك كتاب، أو طرح نقاش، أو طريقتك في طرح قضية معينة، وإن كان لا زال صغيراً على الدخول في أعماق الفكرة، لكن حقيقة الأمر أنه يكتسب رويداً رويداً.

    وأضرب لكم مثالاً عن نفسي، ودائماً الذي يرزق بأول مولود يحتار لا يعرف كيف يربي، حتى وإن درس التربية، لا بد له من نماذج عملية يقتدي بها ويعرفها، لي ولد صغير أسأل الله له الصلاح، ما كنت أعرف كيف أتعامل معه إذا خرج من البيت بدون إذني، لا زال صغيراً عمره أربع سنوات، وبجوارنا في بيت الجيران لعبة يلعب الأطفال بها، لكني لا أريد أن يكتسب هذا الطفل من الخارج شيئاً.

    أعرف أهداف التربية، لكن لا أعرف كيف أتعامل معه، تارة أضرب، وتارة أرفع الصوت عليه، وتارة أهدده بالحرمان، وتارة .. وتارة، قدر لي أن أزور أحد الأصدقاء في دولة ما، ووجدت أطفاله في سن ولدي بالضبط، فكنت جالساً معه في بحث موضوع لا أريد أن يجلس معنا أحد فيه، فقال لأولاده الصغار: لو سمحتم يا فلان وفلان! أنا عندي اجتماع خاص مع عمكم فلان، ورجائي تتيحوا لنا الفرصة نتحدث لبحث الموضوع بصورة من الهدوء، ولو تكرمتم تفضلوا، فهزوا رءوسهم وخرجوا.

    أنا واثق أنهم لم يفهموا شيئاً، لكن أسلوب المعاملة دل على أن هناك نوعاً من الاحترام، لكن المحصلة النهائية نريد منكم أن تتفضلوا مشكورين، ففهموا هذه القضية وخرجوا، أما تفاصيل الكلام ما فهموا منه شيئاً، فقلت له: أنت تتعامل مع الأولاد بالطريقة هذه، قال: بغير هذه الطريقة لا يمكن أن تتعامل مع الطفل، وفعلاً جئت وعدلت أسلوب التربية، الولد مستغرب جداً. أبي ما هو بصاحي!!

    قسا ليزدجروا ومن يك راحماً     فليقس أحياناً على من يرحم

    أحياناً قد تقسو وقلبك كله يتقطع حسرة وشفقة على ولدك، لكن أحياناً تظن أن هذا هو أقرب ما تملك لتوجيه الطفل من مراحل مبكرة، يستغرب ويعجب، خلال فترة معينة استطاع هذا الولد اسأل الله أن يديم علينا وعليكم وعلى ذرية المسلمين الصلاح والهداية والاستقامة، بمجرد الخطاب العادي، يا بني تفضل.. يتفضل، يا بني نصلي.. نصلي، اجلس.. يجلس، اذهب معنا.. يذهب.

    السبب أن البعض لا يستطيع أن يتعامل مع ولده بهذا الأسلوب، وبهذه الطريقة، لماذا؟ مادام لك أكبر أثر في صناعة شخصية ولدك، فثق تمام الثقة أن لديه الاستعداد أن يتقبل منك في المراحل المبكرة، ولا يعني ذلك أن الطفل سيكون ملاكاً لا يخطأ، لا، سيكون عنده أخطاء، وستكون عنده نوع من الغرائز التي تنمو مبكرة، غريزة الاعتداء على الأطفال، وأخذ اللعب التي في أيديهم، غريزة الطمع، يريد أن يكون نصيبه أكثر من نصيب أخته، يريد أن يكون الأول في الخروج والدخول قبل إخوانه.

    مجموعة غرائز معينة، قضية كونه يريد أن يكون الأول، وإذا ركبت السيارة يريد أن يركب في المقدمة، وإخوانه كلهم في الخلف، هي غريزة حب الشهرة، لكنه في هذه المرحلة يترجمها بهذا الوضع، في مرحلة معينة لها صورة، في مرحلة أكبر لها صورة، لكن أصل الغريزة موجودة، غريزة أخذ ما في أيدي الأطفال، حب التملك، وهذه الغريزة تختلف في صورتها بحسب مراحل نمو الإنسان.

    والإسلام بالمناسبة، وهذا كلام جميل قاله الشيخ مناع خليل القطان، في رسالة أنصح الجميع بقراءتها وأسمها تهذيب الغرائز في الإسلام، قال: إن الإسلام لا يكبت الغرائز، ولا يكبح الغرائز، ولكن يهذب الغريزة، توجد غريزة تملك تفصل أبواب التملك في الإسلام مفتوحة، لكن عليها ضوابط، ولها أمور تقيدها، حتى لا تكون حرية التملك سبباً في الاعتداء على حقوق الآخرين، خلافاً للأنظمة الشيوعية التي منعت الإنسان أن يتملك، تقول: أنت إنسان تريد أن تأكل وتشرب، خذ وكل واشرب وأما التملك فليس لك فيه حاجة.

    ولذلك في فترة من الفترات، لاقت الشيوعية عنتاً من إضراب العمال؛ لأنها كبتت هذه الغريزة، يأتي العاملان في مصنع واحد، تجد عاملاً سميناً طويلاً يأكل أربع دجاجات، ويستهلك كذا رطل من الماء والعصير، وثلاثة تباسي رز...الخ وفي النهاية يصنع كرسياً واحداً في اليوم، ويأتي عامل نحيل، لا يشتهي الأكل، يأكل نصف دجاجة، ويشرب كأساً واحداً من العصير أو الماء، وينتج نفس الكرسي، عجيب! هذا ينتج نفس الإنتاج وهذا يأكل أكثر من هذا! ذلك العامل يرى أنه مظلوم، فأضرب عن العمل، وأضربت طوائف كثيرة من العمال عن العمل؛ لأن قضية التملك مكبوتة، كونك تعطيني آكل واشرب وألبس هذا لا يكفي، عندي غريزة أحب أن أتملك، أريد أن يكون لي رصيد، وأريد أن يكون لي سيارة أملكها، أريد أن يكون لي بيت أتملكه، ذلك ما بدأت تتنازل الشيوعية عنه.

    أخيراً ولعلهم -كما يزعمون- في عهد هذا المجرم جورباتشوف هو أوسع من فتح النظم الشيوعية على الإطلاق، ولكن دندنة وشنشنة أخزمية، يراد بها في يوم من الأيام ضربة للمسلمين، أو تصوير جديد للشيوعية بمنطلق أو بصورة جديدة حتى ينخدع المسلمون بها، لكن أما وقد أسفر الصبح لذي عينين، وقد علم الناس وعرفوا مساوئ هذه الشيوعية، وما فيها من كبت للحريات وللحدود وللتملك.

    الأنظمة الرأسمالية تملك ما تشاء، وكانت قبل قضية الرأسمالية في أوروبا أنظمة الإقطاع، أي: أنك تملك مزرعة كبر السويدي والبديعة وشبرى بمن فيها من الناس والبشر، البشر مسخرون والإقطاع تملكه، وكل هؤلاء يكونون عبيداً تحت هذا المالك، أما الإسلام فما فتح هذا الباب على مصاريعه، تملكوا الناس وتملكوا الأرض وتملكوا كل ما فيها، لا، وما حجب الناس أن يتملكوا، بل لهم أن يتملكوا، وقد جاء من الصحابة تجار أثرياء كبار جداً كـعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان وكثيـر منهم.

    الإسلام لم يكبت هذه الحرية ولم يفتحها، بل هذب غريزة حب التملك، الغريزة الجنسية، الرهبنة النصرانية القسس -كما يزعمون- أنهم يحرمون ويتبتلون ذكوراً وإناثاً عن الزواج، وفي المقابل الآخر انفتاح لا أخلاقي وإباحية مطلقة، وأما في الإسلام فنحن لا نطلق هذه الغريزة الجنسية، ولا تكبت كبتاً كما يفعله اليهود والنصارى، لكن تهذب الغريزة الجنسية بالزواج، وبما تملك الأيمان إلى آخر ذلك.

    إذاً الإسلام يهذب الغرائز، ولا يكبتها، وثقوا أن هذا الغرائز أيضاً غرائز فطرية، فيولد الطفل ومعه مجموعة من الغرائز، فإياك أن تكبت الطفل من غريزة، لكن ينبغي أن تهذبها وأن توجهها، ولو انطلقت غريزة من غرائزه في وقت مبكر؛ فعليك أن ترعاها بدقة حتى يحين الوقت المناسب لتحقيق رغبته الغريزية في إطار حدود الشريعة.

    إذاً ينبغي ألا نتجاهل في قضية التربية أن الأطفال والصغار لديهم غرائز فينبغي أن يكون لهم دور، لو سألت الكثير هل كل واحد منكم من الأولاد عنده ما يملكه؟ الطفل يحب أن يتملك، لو تعود الطفل أن تعطيه ريالاً أو ثمانية عشر قرشاً وعودته على التوفير، فستجد في نهاية الأسبوع أنه قد جمع، هل هو خلفه أسرة يكد عليها؟ لا، لكن التملك موجودة، وهو يجمع لكي يشتري لعبة أو حلوى أو أي شيء آخر.

    فهذا الطفل لا بد أن توجه غريزته، يريد الطفل أن يخرج معك، يريد أن يكون في المركب الأمامي في السيارة، تقول له: لا، إذا حفظت هذه السورة أخذتك معي، ويكون لك الصدارة في السيارة، فستجده يحفظ.

    إذاً فليعلم أن الصدارة لا بد أن تكون مقابل أداء أو إعطاء أو إنتاج، فإذا هو أعطى وأدى وأنتج، عند ذلك هو سوف يرتقي هذا المكان، فبهذه الطريقة حينما نوقن تمام اليقين أن لدى أطفالنا غرائز، وحينما نعرف أن هذه الغرائز ينبغي ألا تكبت، وإنما ينبغي أن توجه في وقت مبكر، عند ذلك سيكون للطفل تصرف وسلوك غريب وعجيب بالنسبة لنا؛ لأننا شاهدنا الانفصام في شخصية الشباب، وفي شخصية الأطفال، نتيجة غرائزه الموجودة، والكبت الذي يواجهه، والتعاليم الذي يتلقاها، والواقع الذي يخالف ذلك.

    هذا فيما يتعلق بوضع الأسرة، فالأب يصنع أكبر دور في هذا الأمر.

    دور الأم في التربية

    البنية تتأثر بوالدتها أكبر تأثر، أنا أرى بنيات صغاراً تلبس حجاباً، وعندما يمر رجال تتغطى وهي طفلة صغيرة جداً، لكن أنوثتها مبكرة، ولديها توجه نحو اكتساب صفات الأنوثة، لاحظ هذه الطفلة، إما أن تلف غطاء الرأس بطريقة ما يسمونه الروز، وهي بذلك قد رأت أمها أو أختها تفعل هذه الطريقة، فقلدتها بالضبط، وإما أن تجد الصغيرة تشغل أمها: أعطيني قفازاً مثلما عندك قفاز، وتلبس العباءة بنفس طريقة الحجاب؛ طريقة الستر التي تفعلها أمها.

    إذاً الفتاة معجبة بأمها غاية الإعجاب، وتتأثر بأمها غاية التأثر، إذا كانت الأم من ذوات الموضات والموديلات إلى حد يشغل غالب أوقاتها، لا يهمها في كتاب أو مجلة أو جريدة إلا صفحة الأزياء وعروض الأزياء، ستكون هذه الفتاة أيضاً متأثرة بنفس وضع أمها، ولذلك تلاحظ الطفلة تلف فوطة صغيرة وتضعها في السرير.. هذه بنتي، تقليداً لأمها، الدور الذي مارسته الأم معها، تريد أن تمارس هذه الطفلة ولو في الخيال، استعداداً لاكتساب صفات الأنوثة.

    الأمر الآخر: تجد لها تصرفات وسلوكيات مكتسبة من واقع أفعال المرأة أو أفعال النساء، فإذا كان الفعل الذي تراه في بيتها مع أمها فعلاً سليماً؛ رأيت من الفتاة فعلاً سليماً، وإن كان الفعل خاطئاً رأيت تصرفاً من الفتاة خاطئاً، وعلى أية حال:

    ربوا البنات على الفضيلة إنها     في الشرق علة ذلك الإخفاق

    الأم روض إن تعهده الحيا     بالري أيرق أيما إيراق

    الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعباً طيب الأعراق

    الأم والأب كل منهما له أثر على أطفالهما، فإن كانا مثلين ساميين ملتزمين؛ سيكون الأطفال بإذن الله بنفس المستوى، وإن كانا خلاف ذلك، فإنك لا تجني من الشوك العنب.

    تريد الأب مطبلاً والأم رقاصة والولد إماماً! لا يمكن إلا بمنّ من الله وهداية، فإن الله يخرج الحي من الميت، لكن بالصورة العامة والطبيعية العامة هذه هي النتيجة المتوقعة، ولذلك يعجب الناس حينما تخرج فتاة متحجبة من بيت منفلت؛ لأن الثمرة الطبيعية أن تكون الفتاة منفلتة، فلما خرجت فتاة محجبة ملتزمة كان هذا أمراً داعياً إلى العجب والدهشة والاستغراب.

    ومن العجب أيضاً أن شاباً ملتزماً مستقيماً، محافظاً على الصلاة، في أسرة كلها تفلت وتداخل وفوضى لا انضباط فيها، لا في عبادة ولا في صلاة ولا في مذياع ولا في صوت ولا في موسيقى ولا في غيره، في كل شيء تجد الأمر مفتوحاً على مصاريعه، إذاً تعجب، تقول: كيف خرج هذا الشاب؟! لأن النتيجة المتوقعة أن يكون هذا الشاب كمثل أبيه بلا شك، فلما خرج شخصية أخرى، كان ذلك داعياً إلى الدهشة والعجب والغرابة.

    1.   

    دور المدرسة في التربية

    قد يوجد الشاب وتوجد الفتاة في أسرة ملتزمة مستقيمة، نستطيع أن نقول: إننا نحكم ونجزم بإذن الله جل وعلا، أن يكون الشاب والذكر والأنثى على أحسن صورة، لكن هذا لو قدرنا أن البيت وحده هو الذي يحكم عملية التربية، لكن هناك متحكم آخر في التربية ألا وهو المدرسة.

    المدرسة سواءً كانت مدرسة بنات أو مدرسة بنين، فلا بد أن يكون لهذه المدرسة أثر عظيم.

    أولاً: أول من يكون لـه أكبر الأثر بعد أثر الأب المدرس، والمصيبة العظمى والداهية الدهياء في قضية المدرسة، أن تكون المدرسة صورة مخالفة لما يدرسه الطالب وما يتعلمه وما يتلقاه من التعاليم، الابن الملتزم أو الابن الذي في أسرة مستقيمة صالحة، يجد جل وأغلب أصدقاء أبيه من الملتزمين والمستقيمين وممن عليهم مظاهر السنة، من إعفاء اللحى والالتزام بالزي الإسلامي.

    فيجد أن مدرس الدين الذي يدرسهم التوحيد والفقه، هو مدرس حليق، هو يسمع والده يقرأ مع زملائه عن حرمة التدخين وأضرار التدخين، أنتم لا تظنون أن الأطفال لا يفهمون -كما قلنا- حتى الذي في أول ابتدائي في قرارة نفسه أنه يدور موضوع حول قضية معينة، هو لا يفهم القضية كاملة، لكن لو جلس مجلساً مع أبيه ومع أصدقائه فالمحصلة التي يخرج بها هذا الشباب أن التدخين سيئ، لكن أكثر من هذا لا يعرف، فإذا به يجد الباكيت في جيب المدرس، ويا للأسف إنه مدرس المادة الشرعية، ومن هنا يبدأ الانفصام.

    الأمر واحد من اثنين، إما أن يفهم الطفل أن المدرس مخطئ، وإما أن يفهم الأمر الآخر وهو أنه يمكن أن نفرق بين ما نتلقاه، وبين ما نطبقه، وهذا عين الانفصام الذي دعت إليه النصرانية، وقالوا: لا مانع لدينا أن نتلقى تعاليم الكنيسة في يوم الأحد، في إطار الأحوال الشخصية، لكن ليس للكنيسة سلطان على الأفراد فهم أحرار يفعلون ما يشاءون. إذا وجد هذا الانفصام من مدرس المادة الشرعية، فذلك أكبر خطر على الطالب، ومن واجب الآباء والأمهات أن يطمئنوا على قضية التلقي، من هو الذي يلقن ويجعل أولادك يتلقون؟

    البنية عندما تكون في المدرسة عندها المعلمة هي أفضل صورة بعد أمها، أي شيء المعلمة، قالت المعلمة، فعلت المعلمة، لا تعرف إلا هذا.. المدرسة، الابن لو خالفته في قضية معينة، يقول: أستاذي يقول هكذا، من أنت حتى تخالف الأستاذ؟ الأستاذ له مكانة وله دوره في نفس الصغير، له أكبر الأثر بعد دور الأب.

    إذاً إذا كان دور المدرس مكملاً لدور الأب، كان الابن بإذن الله إلى درجة سبعين في المائة أو ثمانين في المائة، ينال حظه من الاستقامة والصلاح، وتركت العشرين أو الثلاثين في المائة الباقية لوسائل الإعلام، فلها دور في التأثير وفي التوجيه.

    المسألة الأخرى في قضية البنت، إذا كانت ترى من معلمتها سلوكاً وتصرفات جيدة، ترى أن المعلمة حريصة ألا تخرج من المدرسة إلا وقد اعتنت بالحجاب، حريصة ألا يكون منها أي تصرف خاطئ، رأت المعلمة حريصة على الاهتمام بأمور معينة، ولا تعطي الأمور التافهة ذلك الاهتمام، فإن هذه البنت تتأثر بها غاية التأثر، وبالعكس إذا رأت المعلمة بشكل مخالف -لا حول ولا قوة إلا بالله- إذا جاءت المدرسة متغيرة بألوان ومساحيق وأشكال، لا تعجب الصغيرة إلا بهذه المساحيق والألوان، وأول ما ترجع إلى البيت تدخل إلى حجرة أمها، وتجلس عند التسريحة، وهات يا مكياج وعدل وشكل ولون! لأنها أعجبت بهذا المنظر وبهذا الشكل وبهذه الشخصية من معلمتها، ومن ثم فالتقليد طبيعة في الصغار.

    ثم أيها الإخوة! المدرسة قد تشاطر، أو يغلب حظها حظ الأسرة من التربية لماذا؟ أنا أسألكم الآن، هل صافي ما تجلس مع ولدك أربع ساعات في اليوم؟ ثلاثة ساعات صافية؟ ساعتين؟ لا أظن، بالأكثر ساعتين وكثر الله خيرك، المدرسة كم يجلس فيها الطفل؟ ست ساعات متواصلة، مدرس يخرج ومدرس يدخل، مدرس يدخل ومدرس يخرج، كذلك البنية معلمة تخرج معلمة تدخل وهلم جرا.

    إذاً فللمدرسة دور عظيم في التأثير على صناعة شخصية الأطفال من البنين والبنات، ولذا فإني أدعو كل أم أن تتعرف على من يدرس أطفالها، وأدعو كل أب أن يتعرف على من يدرس أطفاله، إذا ذهبت إلى المدرسة ورأيت المدرس غير ملتزم فليس بيدك أن تعدل أو تغير، هذا هو الذي يدرس ولدك، لا ينبغي أن تقول لولدك: المدرس فيه كذا وكذا، هذا أيضاً خطأ؛ لأنه إذا اتخذ من المدرس موقفاً لم يعد لديه أي استعداد أن يقبل العلم منه حتى واحد زائد واحد، خمسة ضرب اثنين، أ- ب - ت - ما عنده استعداد أن يتقبلها.. ما دام جرحت في شخصية المدرس فإنه يبدأ ينظر إلى المدرس باحتقار، وليس عنده استعداد أن يتقبل منه.

    لكن أنت انظر الأوضاع والصور المخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم في شخصية المدرس، والأم تنظر الصور والأوضاع المخالفة لما ينبغي أن تكون عليه المسلمة في شخصية المعلمة، ومن بعيد إلى بعيد تقول: إن الإسلام يأمر بكذا، ويحض على كذا، وينهى عن كذا، ويحث على كذا، يحرم كذا، يوجد كذا، من دون جرح لشخصية هذا الرجل؛ لأن القضية قضية تلقي فهي قضية حساسة، فقد تكون سبباً في حرمان ولدك من قبول العلم والفائدة، لو أسأت تفهيم ولدك هذا الدور المناسب، أو هذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به أنت وبكل دقة.

    هذه من أهم المسائل التي لها أثر عظيم وكبير، والحمد لله فالكثير منا طلبة علم؛ خاصة لو أن الواحد يدرس مواد شرعية، أو يدرس حتى الأطفال، بقدر ما يكون لك دور في التأثير على شخصية المدرس، فإنك بإذن الله تنال أجر التأثير على مئات الطلاب الذين يدرسون تحت يدك، ولذلك كان الاهتمام بالعملية التربوية، والاهتمام بالتربويين والمدرسين من أعظم ما ينبغي أن توجه إليه جهود الدعاة بالدرجة الأولى؛ لأن أولئك لهم دور عظيم في صناعة الأجيال.

    وكم عرفنا من الشباب الصالحين الأتقياء الأبرار، الذين تبوءوا أماكن طيبة في مجالات علمية ومهنية وتقنية وميدانية وغيرها، بسبب دور قام به المعلم فأثر عليهم فاستجابوا له، فمضوا بقية حياتهم على هدى واستقامة، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل على أنفسهم وعلى مجتمعهم وعلى أفراد أسرهم.

    أما الطفل الذي تراه يقلد من المدرس شكل سيارته، يتمنى أن تكون له سيارة مثل سيارة هذا الأستاذ، مصيبة المصائب إذا كان مثل هذا مدرس، قد يستغرب البعض هل يوجد؟ أقول: نعم، وجد في فترة ما، ولكن ولله الحمد والمنة بدأت هذه الظاهرة تتلاشى، لكن في الحقيقة والله يؤلمك أن يقف المدرس أمام الطلاب، لا ينطق القرآن جيداً، ثوبه مسبل، حليق، الباكيت في جيبه، أشياء كثيرة وكثيرة كلها من المظاهر الخاطئة.

    هذا والله يحز في النفس؛ لأن الطفل يرى المدرس هكذا فلا دام المدرس فعل، إذاً لا إنكار ولا غرابة ولا مخالفة فيما فعله المدرس، ومن هنا كان توجيه الدعاة إلى الاهتمام بالمدرسين والمدرسات والمعلمين والمعلمات، وإعطائهم أكبر الأثر وأكبر النصيب من جهود الدعوة، إنهم بذلك يصنعون أفراداً أتقياء أبرار مخلصين لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين ولعامة المسلمين أيضاً.

    1.   

    دور وسائل الإعلام

    الدور الأخير في التأثير في العملية التربوية هو دور وسائل الإعلام، فإن وسائل الإعلام لها دور كبير ليس فقط في صناعة السلوك، بل في صناعة المعتقدات.

    هناك في فلم كرتون يقول: إنسان زرع بذرة فول ونمت هذه البذرة، وشقت السماء، واخترقت السحب، حتى وجد هناك مكان فيه قصر عامر، وهناك دجاجة تبيض ذهباً، وبين فترة وفترة هذه الدجاجة ترسل الذهب، فحاول أن يسرق الدجاجة ما استطاع، في يوم من الأيام أتى بحيلة واستطاع أنه يسرق الدجاجة.

    هذا يكون لدى الأطفال أنه يمكن الذي في السماء إنسان له قصر عامر بهذه الصيغة، وقد يظن أن الشخص صاحب الدجاجة التي تبيض هو الإله، في صورة من الصور.

    مشهد من مشاهد أفلام الكرتون: رعود معينة، ثم ينكشف الأمر فوق السحب، وإذ هناك اثنين يمسكون عصيان ويضربون طبول شديدة، والناس يسمعون الرعود.

    إذاً الطفل في وقت مبكر، يظن أنه إذا كان هناك رعود، فأكيد أن هناك ملائكة تطبل في السماء، فهكذا يدخل في اعتقاده، قلت: نعم، أو قلت: لا، لا يهم، المهم أن هذا هو ما يوجد فعلاً في تصور هذا الطفل، بعد ذلك يأتي واحد معه صحنان يضرب أحدهما على الآخر، فيكون ذلك هو البرق.

    قضية ما يتلقاه الأطفال عبر الشاشات والمسلسلات والأفلام، ليس له دور فقط على سلوكهم وتصرفاتهم، بل له دور على معتقداتهم، وأذكر ذات مرة أنني في خطبة من الخطب، وبصريح العبارة ذكرت اسم المسلسل والحادثة التي حدثت، ذئب أو غيره -كل الحيوانات في الأفلام متكلمة- لما شفي من مرض فيه، قال: تعويذة فلان هي التي شفتني.

    وبالمقابل تجد الأطفال إذا وقع أحدهم منكسراً، يدرون عليه الماء، ويعملون له تعويذة من أجل أن يشفى.

    إذا الأطفال يتأثرون ويكتسبون، والبيت والمدرسة ووسائل الإعلام أياً كان نوعها هي التي تنازع في قضية التربية، لا أقول: تنازع، أي: تجادل، لكن كلٌ ينال نصيبه وينتزع حصته من قضية التربية، ولهذا ما لم تكن وسائل الإعلام بناءة وخيرة، وموجهة إلى ما يبني الفرد بناءً صحيحاً، وإلا فاعلم أنك لن تجني من الشوك العنب.

    ذكرت إحدى المجلات في الكويت أن مسلسلاً فيه أن رجلاً أراد أن يسرق بيتاً، فما استطاع؛ لأن أهل البيت كانوا متيقظين، فأتى ببخاخ مخدر وفي غفلة من أهل البيت استطاع أن يبخ كمية كبيرة عبر النافذة تسللت إلى داخل البيت، حتى نام أهل المنزل، واستطاع أن يدخل المنزل ويسرق ما يشاء.

    بعدها بفترة بسطية حدثت جريمة فيها نوع اغتصاب بنفس الطريقة، شاب جاء وبخ هذا المخدر، ونام أهل البيت واستطاع أن يدخل ويفعل ما بدا له ويخرج.. حتى أذكر أن المجلة قالت: إن التلفزيون يعلمنا الجريمة.

    إذاًً الأفلام والمسلسلات العملية لها أكبر الأثر وأكبر الدور في صناعة السلوك والشخصيات، وبالمناسبة ومادام الحديث أيضاً عن التربية، وأوجه هذا الحديث إلى الأستاذة خاصة، وأيضاً يوجه الحديث للطلاب، أنك في أي مرحلة من مراحل تعليمك أنت لا تزال تربي وتتربى، فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان حفظه الله وحفظ علماء المسلمين أجمعين، كنت مرة أسأله في مسألة معينة، قلت له: أنا أدرس في الكلية وأحد الطلاب سألني كذا، وأجبته بكذا وكذا وكذا، فقال لي: ينبغي أن تعلم أنه في أي مرحلة من مراحل التعليم، أن الإنسان يربي قبل أن يعلم، ولذلك لم يكن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كل سؤال هو الإجابة، بقدر ما يكون للتربية دور في جواب السؤال.

    جاء رجل وقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) الجواب: بعد كذا سنة، لا، الجواب: (وماذا أعددت للساعة؟) توجيه القضية التعليمية إلى تربية في مرحلة من المراحل، قال: (والله ما أعددت كثير عمل، أو صلاة أو صيام، لكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت)

    إذاً النبي صلى الله عليه وسلم وجه هذا الرجل بجواب تربوي، إذاً فالتربية أمر ينبغي أن يكون موجوداً في أي مرحلة من مراحل الحياة، وكل منا لا يزال يتربى، يبلغ الواحد من العشرينات والثلاثينات، ويظن أنه قد اكتسب خبرة في الحياة، وفي يوم من الأيام يمر لك موقف وتعرف أنك أجهل الناس في هذا الموقف.

    إذاً لازلت تتربى، ومن بعد أسبوع يقابلك موقف جديد، فتقول: هذا درس جديد، وبعد أسبوع تأخذ درساً وتقول: هذا درس جديد، وما تزال تتربى حتى يضعك الناس في قبرك، لأن هذه أمور سلوكية، والإنسان لا يمكن أن يحيط بجميع سلوك الناس وتصرفاتهم، ولا يمكن أن يخبر الناس ويحيطهم في إطار التجربة، ولذلك فكل جديد بالنسبة له يمكن أن يستفيد من خلاله قضية أو عملية تربوية.

    1.   

    مدى دور المدرسة والبيت ووسائل الإعلام في التربية

    أيها الأخوة! لو أردنا أن نحدد إلى أي مدى تؤثر هذه الوسائل الثلاث في التربية فنستطيع أن نقول:

    مدى دور الأسرة

    الأسرة لها أكبر دور في التربية وذلك في مراحل الطفولة، المدرسة تشاطر الأسرة هذا الدور أو تماثلها، وكذلك في مراحل ما قبل المراهقة، وبعد ذلك ما لم يكن للمدرس دور عظيم في توجيه المراهقين، في المرحلة الثانوية ونهايات المتوسطة، فتكون هناك تصرفات غريبة وعجيبة.

    أما وسائل الإعلام فلها أثر في قضية التربية منذ الطفولة حتى أكبر سن، الجهات التي تتنازع حصتها في التربية أيضاً دورها محدود في زمن معين، لكن وسائل الإعلام -ولست بهذا أشتم في الإعلام أو أتكلم في الإعلام- لكن أقول: للإعلام دور إما أن يوجه نحو الصلاح، وإما أن يوجه نحو الخراب، إما أن يوجه نحو الخير أو نحو الشر، ودور الإعلام لا يقف عند مرحلة معينة، بل دور الإعلام منذ الطفولة حتى سن متقدمة ومتأخرة.

    يحدثني شاب يقول: والله أخي ليس عنده استعداد أن يتزوج، يقول: لازم أحب قبل أن أتزوج، جاءه هذا الحب من فيلم فيديو أو مسلسل رآه، المهم هو لا يرى عملية الزواج تتم إلا بحب، بغرام، باتصالات.. إلى آخره، وبعد ذلك تحصل قضية الزواج. يابن الحلال تزوج، يقول: سأصبر وأحب ومن ثم أتزوج، ومن هي شقية الحظ التي ستحبك على هذا الوضع، وقد كبر الرجل في السن، لكن لا يزال للإعلام دور مؤثر في شخصيته.

    تصوروا مجتمعاً من المجتمعات؛ مجتمع عفة وطهارة يغزى بالأفلام والمسلسلات، يرى من خلال هذه النافذة العالم المنفتح كما يسمى، وهو العالم المنفلت وليس المنفتح، يرى هذا الوضع المتدهور، يريد أن يقضي هذه الغرائز في إطار معين، يقف أمام أمرين: إما أن يسافر ويفعل ما بدا له، لا أحد يخاف على نفسه ما دام بعيداً، يريد أن يفرغ ما في رأسه، وفي موقعه هنا يخاف، لأن الشريعة مطبقة والحدود تقام.

    يا أخي كم تنفق في سفراتك؟ كم تنفق في كذا؟ ينفق الكثير الكثير، يا أخي ألا ندلك على فتاة بلغت ثلاثين سنة من عمرها تتزوجها، يكون لها دور في الحياة، يعطيها الله جل وعلا ذرية بسببك، يكون لك دور في تكثير نسل أمة محمد، يمكن أن يهب الله لك منها بنتين: (من عال جاريتين حتى تبلغا كانتا له ستراً من النار يوم القيامة) يصيبك خير عظيم من جراء تطبيق قضية شرعية، وقضاء الحاجة والغريزة في إطار بناء الأمة والمجتمع.

    يقول لك: لا، التعدد! مجنون أنت! التعدد مصيبة! وكل ذلك نتيجة الأفلام والمسلسلات التي رآها.

    نقول أيها الإخوة: خلاصة للفكرة أن الجهات التي تتنازع حصتها في قضية التربية من الفرد في المجتمع، البيت والمدرسة والكلية ووسائل الإعلام، البيت له دور محدود، وما لم يضبط هذا الدور بهذه المرحلة، فبعد ذلك لن يستطيع الأب أن يوجه إلا برحمة من الله.

    إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت     ولا يلين إذا لينته الخشب

    ما دام هذا الطفل غصناً غضاً طرياً، تستطيع أن تثنيه كيفما شئت، فيمكن أن توجهه، لكن عندما تهمل فإنك ستفاجأ بالجريمة التي حصلت من الولد، لا حول ولا قوة إلا بالله، في هذه المرحلة الوالد فوت قضية التربية، ومن ثم يريد أن يوجهه، ولكن إن شاء الله وهو لا يعطيك وقتاً؛ لأنك ما أعطيته وقته في طفولته، حتى يعطيك وقتاً في شبابه، فهذه مرحلة قصيرة لكنها حرجة وحساسة، ويمكن أن تصنع شخصية الطفل حتى يكون رجلاً أو قائداً عسكرياً أو تاجراً، أي شخصية تريد أن تصنع من الطفل في تلك المرحلة.

    مدى دور المدرسة والكلية

    المدرسة -كما قلنا- لها دور في مرحلة معينة، فإذا جاوز الطالب المراهقة، فمن النادر أن تبقى تلك الهيمنة أو ذاك الدور الذي يملكه مدرس المرحلة الابتدائية يؤثر به مدرس الثانوي أو المتوسط على طلابه، بل إن فتح الله قلبه وسمع منك فذانك، وإلا ما لم يكن المدرس ماهراً في الدخول إلى نفوس الطلاب، وتحسس مشاكلهم؛ خاصة في مراحل المراهقة التي تشهد تقلبات نفسية، يوم فرحان، ويوم غير ذلك، ويوم يضحك، ويوم عنده تصرف معين، ويوم ضد ذلك، ويوم تلقاه مبكراً إلى المسجد، ويومين لا يصلي، ونوع من المراهقة كالجنون.

    فإذا وجد مدرساً ماهراً للدخول إلى قلبه في هذه المرحلة الحساسة، واستطاع أنه يستوعبها، عند ذلك ننال خيراً عظيماً، أما إذا كان المدرس غير ماهر فثق تمام الثقة أنه لن يكون للمدرس دور على الطالب في هذه المرحلة، ومن باب أولى ألا يكون للمدرس هذا الدور في الكلية، بما أن الرجل قد شب عن الطرق وأصبح كبيراً، ولم يعد أحد يستطيع أن يقول له اذهب يميناً أو يساراً، أيضاً ما لم يكن المدرس في الكلية ماهراً في الدخول إلى قلوب الطلاب، ومحاولة احتواء مشاكلهم، وتحسس المداخل والمنافذ اللينة التي تصل إلى قلوبهم، وعند ذلك قد يوفق للتأثير عليهم.

    مدى دور وسائل الإعلام

    إن التأثير الذي يدوم ولا ينتهي هو تأثير الإعلام، تجد رجلاً كبيراً في السن، نتيجة لمجموعة من الأفلام والمسلسلات، يأخذ من هذا الفيلم نمطاً معيناً في سلوكه، يقول أحدهم: أنا أتابع الأفلام والمسلسلات بكل دقة، ما رأيت إلا ما لا يجوز، صور نساء، مقاطع موسيقية إلى آخر ذلك، قال: لا، أنا آخذ منها الدرس والعبرة، الله أكبر! متى علمتنا الثعالب النصيحة؟ متى عهد أن المنتج أو المخرج الذي ينتج فيلماً فيه اختلاط وعري وترك للحجاب وسفور يمكن أن يعطيك درساً؟ نعم قد يوجد، لكن: وإثمهما أكبر من نفعهما بمراحل كبيرة كبيرة جداً.

    تخاطب رجلاً آخر وقد تجده يتحسر بسبب ظروف معينة لزوجته فهو يريد أن يتزوج، لكنه بين نارين، يقول: أخاف أن يثور المجتمع ضدي، من الذي يثور ضدك؟ إذا كان المجتمع قد تأثر بما يدور في الأفلام فلا شك أنه سيثور ضدك، نتيجة مجموعة أفلام ومسلسلات متتابعة تعرض قضية المرأة، وقد تعرض أيضاً قضية امرأة معينة في ظروف معينة، يتزوجها رجل فتكون زوجة ثانية له، يخفي الأمر في بداية الأمر، أو يتستر عليها في أيام معينة، ثم يكشف فجأة وتقوم القيامة التي لا تقعد.

    فحين تعلم الزوجة تسقط على الأرض مغمى عليها، أو تصاب بالشلل النصفي، أو تفقد الذاكرة لمدة كذا يوم، إذاً لدينا شحنات من مجموع الأفلام والمسلسلات ضد قضية التعليم، وأقول وبصريح العبارة، وقد يوجد من لا يعجبه القول: إنه ما لم نؤمن بهذا المبدأ، وإلا فثقوا أننا سنحرم المئات من الطاهرات العفيفات ممن يرغبن في هذا الشيء، ولا يحققنه بالطريقة المشروعة، سيحرمهم من دورهم في الحياة، ومن الذرية الصالحة، وسيحرم الأمة أيضاً من ذرية يمكن أن توجد منه.

    ثم يا أخي! استكثر من الولد الصالح ما استطعت، وما دمت قادراً على التربية، لكن الإطار العام لكثير من الناس، أنا أريد سيارة، وزوجة وثلاثة أطفال فقط، هذا المبدأ يا إخوان والله شاع في أوروبا مدة معينة، وأصبحت الآن ألمانيا نسبة الكلاب فيها أكثر من نسبة الأطفال، يوجد لكل أسرة في بلجيكا ما يقارب كلبين ونصف في النسبة، وتموت الأسرة وما تجد من يرثها، ولا تجد من يدعو له، نتيجة مبدأ طفل.. طفلين.. ثلاثة.

    أفغانستان لما خاضت قضية الجهاد، واعتدي على العقائد وعلى مقدسات العبادة وعلى الأعراض، وقام الجهاد، لو كانت أفغانستان على طفل طفلين، هل تظنون أن يبقى في أفغانستان رجال، الشباب ماتوا وانتهت المسألة، لا يوجد إلا أطفال صغار، وعجائز وشيوخ كبار، لكن لأن الأسرة الأفغانية أقل ما تجد عند أحدهم ثمانية تسعة عشرة أولاد، وبصريح العبارة صرح بهذا جورباتشوف لنجيب حاكم أفغانستان العميل الشيوعي، في بداية التلميح في قضية الانسحاب، تفعلونها فينا، في البداية نخوض ونقاتل، وفي النهاية تبدءون تعلنون الانسحاب.

    قال: لا نستطيع، الوضع في أي ضاحية وفي أي مدينة من مدن الاتحاد السوفيتي، كل أسرة لا تكاد تملك إلا طفل أو طفلين، واحد يكفي، لم يعد هناك هذا يكبر وهناك طفل جديد، لا. هو واحد، في فترة طفل، وبعد فترة رجل يدخل الجندية، إذا مات، يقول: ليس المأتم يقام في البيت، يقام المأتم في البيت وعند الجيران وتعلق الضاحية الأنوار الخافتة، والحزن والتأبين، وأمور عجيبة جداً، لا يوجد إلا واحد أو اثنين.

    لكن الأسرة التي لديها مجموعة من الأولاد إذا كتب الله لهذا قدراً في وفاته: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] والحمد لله على ما قضى وقدر، فبدله في البيت ستة، يموت هذا في الجهاد فيحل الثاني محله، يموت هذا في الجهاد فيحل الثالث محله.

    إذاً الأسرة المسلمة هي أكثر عنصر من عناصر قوة الدولة أيضاً، لكن حينما تكون الأسر على واحد اثنين، خوفاً على الدخل القومي، خوفاً على الناتج القومي، خوفاً على قضية من أين نمكن لهم حياة رفاهية معينة، نقول: لسنا نحن الذين نرزق عباد الله، اقسموا مجموع ما في الأرض من خيرات على عدد السكان، في العملية الحسابية النتيجة خسارة، لكن الله الذي يزرق العباد سبحانه.

    والله غني عن العباد، وخزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، يده لا تغيظها نفقة، إذاً.. فثق بالله وارتبط بالله، حينما يوجد هذا المبدأ لدى الأسرة المسلمة؛ فسيكون أثره عظيماً.

    هذا الاستطراد قادنا إليه البيان في مسألة أن وسائل الإعلام لها دور مؤثر، ودورها لا يقف عند حد الطفولة أو المراهقة، بل لها دور عظيم، ومن هنا فإني أسأل الله جل وعلا أن يمن على العاملين في هذه الأجهزة الإعلامية، أن يوجهوها لخدمة الإسلام والمسلمين، ونفع أبناء المسلمين، وإذا كان قد عرض أو يعرض شيء يخالف شريعة الله جل وعلا، فالذي نقترح أن يقال للخطأ: هذا خطأ، هذه صورة مجتمع غير مسلم، بهذا الوضع تبرأ الذمة، وإلا فإن الجميع مسئولون أمام الله جل وعلا.

    وأيضاً أناشد جميع هؤلاء الشباب، أن يساهموا بدورهم الفعال، سواءً في التلفاز أو في الإذاعة أو في الصحافة، في تقديم النافع المفيد، في مناسبات كثيرة الجميع يفتح صدره ويديه، قدموا مفيداً وانظروا من الذي يرفضه، وفعلاً نجح لبيان تقصيرنا، أنه لا تكاد تجد مسلسلاً إسلامياً أو إنتاجاً إسلامياً على مستوى فيلم أو على مستوى أدبي رائع.

    بعض الإخوة تفكيرهم كلاسيكي لا يعجبهم هذا الكلام، لكن حقيقة الأمر أنه لا بد أن نواجه أي أمر أمامنا، إما أن نشارك بكل ما نستطيع على مختلف الأصعدة والمجالات، وعند ذلك إذا أثبتنا بالتجربة، أن الخير والدين والشريعة قادرة على استيعاب الجميع، وإلا عند ذلك فسيقول الآخرون: هل يوجد فيلم إسلامي؟ هل يوجد إنتاج إعلامي إسلامي؟ هل توجد صحافة إسلامية؟ فما لم نقدم البديل فنحن محاسبون في هذا الأمر على تقصيرنا، وأيضاً عدم وجود البديل ليس مبرراً للوقوع في المنكرات، أو في استباحة ما حرم الله.

    هذه قاعدة ينبغي أن تعرف، ولا أود أن أطيل أكثر من هذا، أسأل الله جل وعلا أن يجعل فيما سمعتموه خيراً لي ولكم، وإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمن نفسي الأمارة ومن الشيطان، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:182].

    أود أن أنبه الإخوان جزاهم الله خير الجزاء، إلى قضية الجهاد في أفغانستان، وأنتم تعلمون أن الجهاد في أفغانستان في مراحله الأخيرة، وكابل تستعد لتلقي ضربة حاسمة، لعلها أن تكون فتحاً كفتح مكة في رمضان إن شاء الله، ولا شك أن هذا يحتاج إلى دعم قوي ومضاعف؛ لأن القضية ستكون يا منصور أمت أمت، ليس فيها إلا موت، وسيكون استبسال.

    وجميع جهود الحكومة العميلة الآن فقط مركزة في كابل، مع وجود بعض العمليات الاستشهادية في قندهار وفي بعض المناطق، وأبشركم أيضاً باستشهاد بعض إخوانكم من مختلف الدول العربية، ولا زال الشهداء على أرض أفغانستان يروون الأرض بدمائهم، فأسأل الله أن يجمعنا بهم في جناته، لكن لا زالت أفغانستان بحاجة وستظل أفغانستان بحاجة؛ لأن الروس لن يخرجوا منها قصراً عامراً، أو دوحة غناء، أو بستاناً رائعاً، خرجوا عنها إحراقاً للحرث والنسل والزرع، أشلاء متطايرة، أطرافاً متكسرة ومقطوعة، أراضي مزروعة بثلاثين مليون لغم، الآن من أكبر المشاكل التي تواجههم كيف تعود هذه الملايين المهاجرة خارج أفغانستان إلى أرضها، والأرض كلها مزروعة بالألغام.

    القضية محتاجة إلى دعم قوي وقوي جداً، ومن فضل الله على هذه الدولة أنها قد كلفت الهيئة العامة لاستقبال تبرعات المجاهدين، وهي لجنة أنا بعيني رأيت مكتبها في بيشاور، ومكتب طيب ولله الحمد والمنة، والتبرعات تصل والله ثم والله ثم والله، لا نشك إن قرشاً واحداً أو ريالاً واحداً يخرج بفضل الله جل وعلا، الأيدي أمينة يا إخواني فاطمئنوا، وهذه الهيئة انتشرت مكاتبها ولله الحمد وجهودها ملموسة، أرجو من الجميع التبرع والدعم لإخوانهم، وجزاكم الله خير الجزاء.

    1.   

    الأسئلة

    نصيحة أخي الذي له رفقة سيئة

    السؤال: لي أخ نشأ في بيئة خيرة، ولكن فجأة تغير سلوكه وأخلاقه ومستواه الدراسي، ويبدو أن السبب هو رفقة السوء وهم كثيرون، أرجو التوجيه في طريقة التعامل معه خاصة وهو في سن المراهقة، وإبعاده عن هذه الرفقة، وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: غالباً الإنسان لا يتأثر إلا بشيء استحوذ على قلبه، أحب شيئاً، أعجب بشيء، فما لم تكن قادراً على أن تقدم خيراً بأسلوب يأخذ بلبه، ويستطيع أن يكون له أثر طيب في كسب نفسيته، وإلا فلن تستطيع أن تؤثر عليه، أو يكون هناك موقف معين من المواقف قد يكون سبباً في هدايته، وعلى أية حال فالواجب من الجميع: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7].. فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20].. إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] المطلوب منك النذارة والدعوة، والباقي بيد الله سبحانه وتعالى، هذه قاعدة.

    الأمر الثاني: لن يسمع أحد مني ومنك شيئاً إذا كان يبغضنا أو يكرهنا، الذي يبغضك لا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لو تقول له: اصبر لأقرأ عليك صفحة من القرآن، يقول: أرجوك ابعد عني، لا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لكن حينما يكون لك أثر في قلبه؛ فلا بد أن يتأثر منك.

    فهذا الأخ الذي ذكرت من حاله، لا بد أن تكسبه بالهدية، وبالتواضع، وبأيضاً السعة في البرنامج، قد يكون بعض الشباب دائماً وقته قراءة وتخريج وبحث، هذا خير عظيم، هذا عمل لا يقوم به إلا علماء الأمة، لكن لا يطيقه عامة الناس، وعامة الشباب، ساعة وساعة بالنسبة لبقية الناس، ليس الجميع يتحمل هذا الأمر.

    إذاً فأنت تنظر إلى أي مستوى وصل هذا الشخص، ولذلك ينبغي أن تعامله، أما شاب كان أمس في الشارع، ومن ثم تأتي به أربعة وعشرين ساعة حدثنا حدثنا حدثنا، من هو الذي حدثك حتى تشغلني به؟ فيمل منك، لم يعد يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لا أقول يقال، بل بعيني رأيت، كان يوماً من الأيام يحمل كتب الحديث، ويحسن الرواية، وبعد ذلك انقلب ولا حول ولا قوة إلا بالله، السبب، أصبح منبتاً، إن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، شد على نفسه حتى هلكت الناقة في الصحراء، فما استطاع أن يصل بالناقة سليمة ومات في الطريق.

    لكن مثل هؤلاء الشباب يأخذون، ويدعون بالتي هي أحسن، ويمكنون ما بين الأوقات فيما فيه فسحة لهم، ولذلك دائماً أدعو إخواني الشباب إلى استغلال الأندية الرياضية؛ لأن فيها أماكن تستطيع من خلالها إذا كنت نشيطاً واعياً بمجموعة من إخوانك وزملائك، تستطيع أن تجد المكتبة فتقرأ، وتجد المسبح فتسبح، وتجد صالة التنس فتلعب، وتجد المسجد فيكون هناك درس في المغرب، ويجتمعون على صلاة العشاء، تستطيع أن تستوعب الشاب بجميع مراحل وقته.

    عند ذلك إذا بلغ حداً معيناً، هو نفسه يعرف ما يضره وما يسره، ولا تخشى عليه شيئاً كثيراً، بإذن الله يتوجه، لكن شاب عادي دعوته؛ فاهتدى واستقام، حدثته اليوم يقبل، بعده يقبل، ثم يمل، ولذلك أوصيكم ونفسي يا إخوان! بأن نأخذ النفوس بما تطيق، يقول صلى الله عليه وسلم: (عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا) أي: لا تضغط على نفسك، وبعض الناس يفهم كلمة لا تضغط نفسك، لا تشدد يا أخي، أن المعنى: اسمع أغاني، واسحب ثوبك، وعدل واصنع، لا، أعني بكلمة لا تشدد على نفسك، أي: أعط نفسك راحة، امرح مع زملائك، العب معهم كرة، يمكن أن تسبح معهم، يمكن أن يصبح بينك وبينهم أنشطة رياضية، وفي نفس الوقت لا يمرن يوم عليك إلا وقد نلت حظك من كتاب الله، من فقه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأمور النافعة الخيرة.

    مصادقة من يستهزئ بالمسلم الناصح

    السؤال: أنا أرى بعض الناس يستهزئون بأي مسلم إذا نصحهم إلى العبادة، وإذا قلت لهم: هذا حلال وهذا حرام، قالوا: إنك مطوع وهكذا.. فهل أصادقهم؟ أم أقطع صداقتهم برغم أن بعضاً منهم لا يصلون؟

    الجواب: يقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] الفاسق لا يرى المؤمن والمستقيم والملتزم فيتركه يمر دون أذية، بل لا بد أن يفلت عليه واحدة أو اثنتين من بضاعته، والألسنة مغاريف القلوب، ولا يأتينك من واد إلا سيل، كل ما في هذا الوادي سوف يصعد، وما في بطن وجوف هذا الرجل سوف يخرج: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30] مطوع معقد وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:31-32].

    دائماً يجد الشاب الملتزم من يتسلط عليه.

    وبالمناسبة يا شباب الصحوة! يا أيها الجيل المعاصر! من نعم الله عليكم أنتم ما مررتم بعصر كان الملتحي فيه غريباً، الآن شيء طبيعي أن تجد الشباب الملتزم المستقيم في أي دائرة من الدوائر، والله مر وقت إن الإنسان إذا التحى يتلطم من أجل لا يستمر الناس في السخرية، لا أقول: بتسلط، بالعكس كان الناس فيما يتعلق بعدم انفتاحهم أحسن أحوالاً من الآن، لكن مر بالناس زمن كان الالتزام فيه أمراً غريباً.

    أما الآن ولله الحمد، في الزواج تجد الشيخ الفلاني يقوم يلقي كلمة، في مناسبة بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، تجد الحديث يبدأ، في كل مكان الخير موجود معك، الشريط تجده دائماً معك في سيارتك وغرفة نومك، وفي أي محل من المحلات، قديماً كنت لا تجد شريطاً واحداً، والآن تجد الأشرطة بالمحاضرات والندوات والفتاوى والأمور الخيرة. إذاً لا تعجب، البقية القليلة من المستهزئين، وبحمد الله جل وعلا نحن لا نرى شيئاً يذكر، ما رأيكم بإخوانكم في مصر يستهزأ بهم في الكاريكاتير، ومنكم من سمع أشرطة الشيخ أحمد القطان العفن الفني، والذي لم يسمعها أنصحه أن يسمعها، يقول: من الكاريكاتيرات المعلقة عليهم، يقول: أن هناك مسرحاً، وفيه مجموعة من المطاوعة، وراسمهم رسام وواضع لهم لحى، ويقولون بعبارتهم مستهزئين: ينبغي ألا نكون سطحيين، وينبغي أن يكون البحث في حقائق الأمور، ما حكم اللمبات الحمراء على المسرح، هل هي بدعة أم لا؟ ما حكم الموسيقى الهادئة قبل فتح الستارة؟ استهزاء بالدين إلى حد بعيد، واستهزاء بالشباب الملتزم.

    فالحمد لله هنا، هات لي شخصاً يستهزأ بمسلم، لا يستطيع أحد أن يستهزأ بك، بالعكس وأنت ملتزم ترفع رأسك ولا يردك أحد، والخوف على المخالف والذي عنده دخن أو خلل أو معصية، إذاً نحن في هذه البلاد في نعمة وعزة وقوة، أسأل الله جل وعلا أن يزيد الذين اهتدوا هدى، وأن يهدي الضالين إلى الطريق المستقيم.

    فينبغي أن نعامل أولئك الذين نرى منهم شيئاً من الاستهزاء والسخرية باللطف، لو مررت فنهق حمار عليك، هل تنهق عليه؟ لا، بل تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو انطلق كلب وعض رجلك فهل تعضه؟ لا أيضاً لأنه غير لائق، معاملة السفيه بمثله.

    إذا نطق السفيه فلا تجبه     فخير من إجابته السكوت

    فإذا لم يكن عندك بضاعة جيدة تردها عليه وتقدمها له بخير، فلا أقل من أن تسكت.

    يزيد سفاهة وأزيد حلماً      كعود زاده الإحراق طيباً

    جهاز التلفاز عند الجيران

    السؤال: كما تعرفون أن جهاز التلفاز قد انتشر في البيوت، وهذه بلوى، وهناك الأفلام الخاصة بالأطفال قد تؤثر على تربية الطفل، وحاولت منع التلفاز ولكن دون جدوى، فقد يذهبون إلى الجيران لمشاهدة هذه الأفلام، فماذا أفعل؟

    الجواب: الذي أعرف أن هناك فتوى متعلقة بهذا الأمر من هيئة كبار العلماء فلتراجع.

    كيفية التعامل بين الصغير والكبير

    السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حلقة الصلة بين الصغير والكبير مفقودة لعدم التواضع للصغير، والحرص على تفهيمه قبل نومه، كيف السبيل أكرمكم الله؟

    الجواب: يا أخي هذا سؤال وجيه وينبغي أن ينال حظاً طيباً من الكلمة، التأثير على الصغار يا إخواني يحتاج إلى تواضع ورقة، وكثير من الناس حتى أولاده فقط ينظرهم من بعيد ويقبلهم وهو ماشي، الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، كان إذا سجد جاء الحسن أو الحسين فركب على ظهره، فربما أطال السجود حتى ينزل الحسن والحسين باختياره، انظر الرقة واللين للصغير: (إن ابني ارتحلني) أي: جلعني رحلاً وركب على ظهري.

    جلس النبي صلى الله عليه وسلم وفي حجره أحد أبناء بنته، وكان الأقرع بن حابس التميمي أمامه، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل هذا الولد، قال: (أو تقبلون صبيانكم يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجب! أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم) يقول أحمد شوقي:

    أحبب الطفل وإن لم يك لك     إنما الطفل على الأرض ملك

    عطفة منك على لعبته     تخرج المكنون من كربته

    إذا رأيت صغيراً معه لعبة، فبقدر ما تحترمه أيضاً؛ أعط لعبته احتراماً، وامدح لعبته، وسله من الذي أعطاها له، وكيف تفعل بها، وشغلها حتى نراها، ولا بأس. بعض الناس رسمي في الداخل وفي الخارج، لا. إذا دخلت بيتك فاترك الألقاب واترك هذه الأمور كلها، وحتى إذا خرجت من بيتك، ولكن كون الناس يطلقون عليك أمراً معيناً هذا ليس بيدك، لكن إذا دخلت البيت فالعب مع الأطفال، اجعل الطفل إذا كان في خاطره شيء يأتي ويلقي بصدره على صدرك، ويقول: يا أبي! عندي كذا وكذا، لا تجعل حاجزاً بينك وبين ابنك.

    والله أعرف شباباً يقولون لي: نتطارح نحن وآباؤنا، ونمزح معهم، ونصرعه ويصرعنا، وإذا أمرنا بشيء امتثلنا لـه، الكلفة منزوعة بين الأب وابنه، لكن أعرف كثيراً من الناس ينبسط آخر انبساط مع الشلة والأصدقاء، ولكن إذا دخل ولده قفلها، فينبغي أن نزيل الكلفة بين الأب وابنه، كثير منا توجد بينه وبين أخته وبناته فجوة عظيمة، لماذا؟ بالعكس أنت أب، هذه خرجت من صلبك، أنت وليها، هي ستر لك من النار برحمة الله جل وعلا.

    كثير مما نعرف من المشاكل، فتاة تجيء تقص مشكلتها أو ترسلها في رسالة، أبوها موجود لم تقص مشكلتها على أبيها؛ لأنه يوجد حاجز وفجوة بينها وبين أبيها، قد تضطر إلى شخص بعيد حتى تشكو له المشكلة، بالعكس لو كان منذ وقت مبكر قد عود الأولاد والبنات منذ الصغر على الانبساط ونزع الكلفة بين الأولاد والبنات وبين أبيهم، عند ذلك سيكون هذا الأب قريباً.

    إذاً فالتواضع أمر مطلوب، وذكر الحاجات للأبناء أمر مطلوب، وجعل دور للابن في اختيار ما يريد أمر مطلوب، بعض الآباء يدخل ولده عند الحلاق، خذ الماكينة واحلق رأسه أقرع وأخرجه، مسكين الولد الماكينة تشتغل على رأسه والدموع تنهمر، أعطه فرصة يختار الذي يريد، أعطه شيئاً من الحرية، مادام في قضية المباح والمشروع، أما في إطار المحرم فمحل اتفاق أنه لا يمكن، لكن اجعل له حرية الاختيار، لا بد أن تعيطه شخصية واستقلالية، وفرصة يعبر عن رأيه وشعوره في موضوع من المواضيع، ستحقق ما تريد، لكن ما رأيك نفعل كذا؟ أليس الأحسن أن نفعل كذا؟ يقول: نعم. أحسن، هو يظن أنك عملت بمشورته، وأنت أساساً ستطبق هذا الشيء.

    لكن القضية أننا انشغلنا عن أسرنا وأولادنا وبناتنا، ليس عند الواحد استعداد لأن يتفرغ في البيت ولا في اليمين ولا في اليسار، دائماً مشغول عنهم:

    ليس اليتيم من انتهى أبواه من     همِّ الحياة فخلفاه ذليلا

    إن اليتيم هو الذي تلقى له      أماً تخلت أو أباً مشغولا

    هذا والله هو اليتيم.

    إن اليتيم الذي تلقى له أماً تخلت: من مناسبات وروحات وعزائم واتصالات وموضات، أو أباً مشغولاً بتجارته وأصدقائه، والولد من الذي يربيه؟

    ويا إخوان! نحن لا نزال في خير في أمر التربية، لو خرج أحدكم من المملكة إلى أي دولة كافرة، تجد كيف الناس يعانون في تربية أولادهم، في الجو العام عندنا الولد يسمع الأذان، ويسمع الصلاة ويسمع التكبير، ويعرف التوحيد عموماً من واقع المجتمع الذي يعيش فيه، لكن في المجتمعات الأخرى، الشخص المسلم والأسرة المسلمة في المجتمع الجاهلي أو الكافر تعاني معاناة عظيمة، فما بالك لو واحد منا على كثر انشغالاته وجد في مثل هذه المجتمعات، والله يتفلت أولاده من بين يديه.

    وهناك دراسة نتمنى أن ينتهي إعدادها وتقدم في إحدى الصحف، في كولومبيا في منطقة سانتاماريتا في أمريكا الجنوبية، هناك منطقة معينة يوجد فيها أسماء مسلمين أحمد، نايف، سمير، سارة، أسماء كثيرة موجودة لكن نصارى، ومنهم من هو مسلم، لكن لا يعرف الصلاة ولا يعرف يركع، السبب أن الأب مشغول والأم مشغولة، وقضية الدين آخر قضية يهتم بها.

    نحن على انشغالاتنا هذه لو نحن في مجتمع جاهلي، والله يتفلت منا الأبناء والبنات، لكن نعمة من الله أن إطار المجتمع يساهم في بدور التربية، ما هو شعوركم لو أن الابن يخرج فيجد الناس يسكرون في الشارع، ويجد هذا يصاحب من يشاء، ويجد البارة والحانة، كيف تعيش؟! الشاب الذي لا يتلقى أي تربية ينكر الخمر والمظالم، تجده ينكر أموراً معينة، فالمجتمع بدوره العام يسهم بجزء من التربية، والله لو كان هذا الإهمال في المجتمعات الجاهلية لانفلت الأبناء والبنات من آبائهم.

    نصيحة للمدرس المربي

    السؤال: بما أن المحاضرة عن أهمية البيت والمدرسة، لذا أطلب منكم بما أن لكم علاقة بالتعليم، توجيه المدرس أن يكون قدوة؛ بأن يتمسك بالشريعة الإسلامية، وحث الآباء على زيارة المدرسة، وتوجيه المدرسين الذين يراهم لم يتمسكوا بالشرعية الإسلامية، وتطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يكون ما نعمله مخالفاً للتطبيق من المدرسين اليوم؟

    الجواب: والله ها أنت يا أخي الكريم وجهت عنا بالنيابة، ونحن نعيد التوجيه ونكرره، ينبغي أن يكون المسلم قدوة ما أمكن..

    وإذا المعلم لم يكن عدلاً سرى     روح العدالة في الشباب ضئيلاً

    وقد لا يكونون عدولاً إلا برحمة ومنة من الله فيما يؤثر فيهم من جانب آخر، لذا فواجب الجميع إن كانوا مدرسين أن يتقوا الله، وليعلموا أن شخصيتهم وهيكلهم وتجسيمهم أمام الطلاب له في حد ذاته تأثير، فينبغي ألا يتلقى الطلاب منهم إلا كل خير، هذه واحدة.

    الأمر الثاني: الاتصال بالمدارس، وحسن الصحبة بالمدرسين، وإهداؤهم الكتب والأشرطة النافعة، والأشياء الرسمية المصرحة، لا بد أن يكون هذا النشاط قائماً بين أفراد المجتمع وبين الأسرة، من أجل أن يكون البيت تتمة للمدرسة، والمدرسة تتمة للبيت، ولا يوجد ذاك الحاجز أو ذاك التضايق بين الشباب من مدارسهم، بالعكس يشعرون أنه وضع جميل وطبيعي، أن ينتقل في بيئة فيها من المدرسين الأفاضل، ويمارس فيها نشاطاً إسلامياً، وفي صحبة مسلمة.

    اسأل الله للجميع الثبات، وأسأل الله أن يحرم وجوه الحاضرين على النار، اللهم عاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى والمغفرة، اللهم وفق الجميع لما تحب وترضى.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، ولحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768031210