وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، كان بأمته براً رءوفاً رحيماً، لم يعلم طريق خير إلا دل الأمة عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر الأمة منه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
معاشر المؤمنين! اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم وللأولين والآخرين، وهي سفينة النجاة، وهي باب السعادة بين يدي رب العالمين: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
معاشر المسلمين! كان الحديث في الجمعة الماضية عن نظرة المسلم إلى الكافرين النظرة الشرعية التي ينبغي أن ينظر بها المسلم إلى الكفار، فهي نظرة لا تصل إلى شيء من الإعجاب بحالهم أو مجتمعهم أو طباعهم أو أخلاقهم، بل البراءة والبغضاء والكراهية لمنكرهم وبهتانهم وإفكهم وكفرهم وباطلهم، وهي مع ذلك نظرة منصفة: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].
وهي نظرة منصفة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [النساء:135].
وكذلك -أيها الأحبة- هي نصيحة لكل من أشرب قلبه حب الغرب فأعجب بهم، وأصبح هجيراه وديدنه الحديث عنهم، وتعلق بأفعالهم وطباعهم وسلوكهم، أولئك قوم صدق فيهم قول ربنا عز وجل: إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:139] ثم جرى الحديث أو جرى الوعد أن يكون الحديث هذه الجمعة عن واقع الدعوة إلى الله في بلاد الغرب أو في البلاد الأمريكية، أو في البلاد الكافرة.
أيها الأحبة في الله! إن من المقدمات والمسلمات أن كل داع أو حريص أن يعمل أو ينشأ أو يؤسس عملاً دعوياً لابد أن يدرس البلاد وأهلها وطبعها وواقعها ومجتمعها، ثم بعد تحديده ماذا سيعمل يفكر كيف يعمل، إذ لا ينبغي لمسلم أن يبدأ بالعمل قبل الفكرة، لا ينبغي لأحد أن يشرع في عمل قبل أن يتفكر في غاية عمله، وباعث عمله، وطريقة عمله، وكيفية تقويم عمله هذا، إذ أن من صفات من لا يحمدون أعمالهم أن الفعل يسبق التفكير، والصواب أن الفكر والتدبر يسبق العمل: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سـبأ:46] فلابد من التفكر، ولا بد من التدبر، ولابد بعد التفكر من الشروع بعد اختيار الوسيلة.
والأمر الآخر أن العمل مهما كانت مقاصده وغايته لابد أن تكون وسيلته شرعية، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة كما هو الحال عند أرباب المكر والخديعة ممن يسمون أنفسهم بالسياسيين.
والآن أصبح ما يقارب عشرة ملايين نسمة يصابون بفيروس الإيدز وسيصلون إلى أعدادٍ مضاعفة.
وبعد ذلك فإن هذا قادهم إلى الانطلاق والجري الهائج وراء الشهوة الشاذة المسعورة وغيرها، فـ(70%) من النساء اللائي يعملن مع الرجال يتعرضن للابتزاز من قبل رؤسائهن بل واعتدي على الكثير منهن على إثر الاغتصاب الجنسي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اغتصب أمريكي 23 فتاة خلال 3 أشهر، والكثير منهم لا يحتاج إلى الاغتصاب لأن كل زاوية وطريق ومقهى وحانة واستراحة ما هي إلا مواعيد لضرب الصداقات وإيقاع الخيانات الزوجية، وفي أمريكا ارتفعت جرائم الاغتصاب بنسبة 124% والأعداد والنسب لا تزال في ازدياد وارتفاع.
بعد ذلك يوم أن انتشر الاغتصاب والإباحة الجنسية في بلادهم ابتلي أو حصل لكثير من النساء الحمل -الحبل الغير شرعي- فأقدموا على الإجهاض والتخلص من الأجنة: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ [التكوير:8] يحمل من الزنا نسبة تزيد عن 20% من كل 100 امرأة، وحالات كثيرة من الإجهاض أكثر من هذا، مع أنهم تقدموا تقدماً باهراً في اختراع واكتشاف وسائل منع الحمل حتى لا يقعوا في نتائج الزنا والمعاشرات الجنسية.
أيها الأحبة! صدق ربنا عز وجل حيث يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه:124] بل إن كثيراً ممن يسمون أو يدعون برجال الدين والكنيسة عندهم 80% منهم يمارسون الفاحشة والعياذ بالله سواء مع الراهبات أو مع الأحداث وغيرهم.
فإلى الذين يعجبون بالغرب، وإلى المخدوعين ببلاد الغرب ليقرءوا أرقاماً مختصرةً موجزةً عن الخطف والسرقة والعدوان، والاعتداء والبغاء والشذوذ والدعارة، والانتحار وما أدراك ما الانتحار، بل لقد وجد في بعض الجمعيات التي تساعد المنتحرين أو الراغبين في الانتحار أن يصلوا إلى النهاية في أسرع مدة زمنية مرغوبة مقصودة.
نعم.. لا غرابة أن ينتحروا فليس بين أعينهم نار يخافون منها أو جنة يرغبونها، أو رب يرجون رضوانه جل وعلا؛ حينئذ يكونون كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.
إنك يوم أن تريد أن تدعو إلى الله جل وعلا أو تؤسس عملاً إسلامياً في بلاد كهذه، الإباحة ميسرة، والخمور والمخدرات منتشرة، والجريمة مسيطرة فإنك تحار حيرة بالغة عظيمة.
إن كثيراً من المسلمين تركوا بلادهم دولاً وبلداناً عربية؛ خاصة أيام الستينات التي شهدت عسفاً واستبداداً وطغياناً وظلماً وجبروتاً، في تلك الفترة وما بعدها هاجر كثير من المسلمين، منهم من بحث عن لقمة العيش، ومنهم من بحث عن الأمن والطمأنينة، ولا أمن ولا طمأنينة في تلك البلاد أيها الأحبة، وتبع هذا الانتقال أو هذا السفر أن هاجرت عقول إسلامية جبارة عظيمة عجيبة بلغت من الذكاء والعبقرية شأواً بعيداً، بلغت من الذكاء والعبقرية منزلة رفيعة، فأكبر ناطحة للسحاب في شيكاغو قد خططها أو كان المهندس لها مهندساً مسلماً، كذلك أطباء الجراحة وكثير من أطباء الفلك، وكثير من المخترعين والمكتشفين هم مسلمون يعودون إلى آباء مسلمين وأمهات مسلمات، بل وهم مسلمون إلا أن بعضهم قد نسي علاقته بالإسلام البتة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فالعمل الإسلامي في بلاد الغرب تارة تراه عبارة عن نشاط مجموعة من جالية مهاجرة، وفي الغالب أن ترى الجالية تتركز في منطقة معينة، ففي كل بلد أو في كل ولاية ومدينة تجد أن مسلمين من بلد عربية أو إسلامية معينة يجتمعون هناك، فينشئون مسجداً ومركزاً إسلامياً يجمعون نفقاته من فتات موائدهم ومن باقي أجورهم على قلة ذات أيديهم، فإذا أسسوا هذا المسجد أو المركز كان مكاناً لتجمعهم، وأغلب هؤلاء يكون أثرهم أو يكون هدفهم المحافظة على كيانهم وخصائصهم واجتماعاتهم حتى لا يذوبوا في المجتمع وهيهات..
ألقاه في اليم مكتوفاً وقـال له إياك إياك أن تبتل بالماء |
في مدينة من المدن قابلت مسلماً لا يعرف أبناؤه شيئاً عن الله جل وعلا، ولا عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الإسلام وأحكامه ..! وآخر أولاده لا يقرءون الفاتحة، وآخر أبناؤه لا ينطقون بحرف عربي فضلاً عن كلمة عربية؛ والسبب أن الفكرة كانت في البداية مجرد انتقال إلى بلاد الغرب، ولم يأخذوا لها حسابها وحسبانها.
وحينئذ أتذكر وتتذكرون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) قد يقول قائل خاصة في وقت يكون شغوفاً ولوعاً محباً أن ينتقل إلى تلك البلاد: إن هذا من الرجعية والتشدد والتخلف. لكن من عاش ونظر وفكر وقدر، وقلب الرأي والبصر، وسأل الغادين والرائحين والمقيمين، بل والمتجنسين بالجنسيات الأمريكية هناك أدرك حقيقة هذا، فهذه مسلمة تستنجد بالمسلمين يوم أن دخل ولدها بصديقته الباغية الداعرة في بيتها، ويحميها القانون والبوليس وتحميها الشرطة من أن تمنع ولدها عن الدخول بزانيته ..!
وآخر له بنت مسلمة تصادق فتىً كافراً ويحميها القانون من غيرة أبيها، ويحميها القانون من أن يمنعها والدها وأهلها من أن يعترض .. لماذا؟ لأن من شرط الحصول على الجنسية أن يؤدي المتجنس القسم للخضوع والالتزام والتقيد والانضباط بكل ما يمليه النظام والقانون، ولا يخرج ذلك المتجنس عنه أبداً.
لذا فإن كثيراً من المسلمين على الرغم من أن الجنسيات قد قدمت لهم وأغروا بها إغراءً إلا أنهم رفضوا ذلك، وقالوا: نصبر على البلاء والابتلاء؛ حتى يفرج الله أوضاع بلداننا، فنعود إليها قائدين فاتحين منتصرين.
المهم أن تعلم ما هي المواقف الساخنة الحديدية من غزة أريحا، أو كامب ديفيد، أو أي قضية سياسية، ونحن نقول ونردد هنا وهناك: ليست مهمة المسلمين أن يمدحوا الظلمة أو يعتذروا عن المخطئين والطواغيت، ولكن ليست -أيضاً- مهمتهم أن يصرفوا عقول وجهد وتفكير أبناء المسلمين -خاصة في تلك البلاد- إلى الانشغال بأخطاء هذه النظم والأنظمة، حاجة الناس أن يعبدوا الله وحده لا شريك له على بصيرة، حاجتهم أن يعرفوا كيف يطبقوا العبادة على متابعة شرعية دقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم، ويوم القيامة لن يضيرهم أنهم ما عرفوا عدداً من أخطاء كثير من الأنظمة، وليس بسبب أن يعذبوا لأنهم جهلوا أحوال كثير من النظم والحكام والحكومات، ولكن من قصر في واجب أوجبه الله عليه من عبادة وفريضة، أو وقع في أمر نهى الله عنه من منكر ومعصية أو فاحشة، فإن ذلك يكون سبباً في عقوبته وعذابه.
هذه من القضايا التي أوصي نفسي وأوصي كثيراً ممن يذهبون إلى بلاد الغرب أن يعتنوا بها، أن يهتموا بأن يسرعوا وأن يشتغلوا مع الناس في تعبيدهم لله، مهمة الأنبياء: ما بعث موسى ليشتم فرعون وقارون وغير ذلك، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليشتم أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، لكن هذه قضايا ظهرت في الطريق أثناء تبليغ الدعوة، فكان للأنبياء مع الطغاة مواقف وهذا هو الواجب، ولا يسوغ هذا لأحد أن يعتذر عن ظالم أو طاغوت: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً [النساء:109] لكن باختصار وتأكيد ومزيد منه: إن قضيتنا أن نعبد الناس لله هنا وهناك وفي الشرق والغرب، قضيتنا هي قضية الأنبياء: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].. وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ومعنى يعبدون: أي يوحدون، تعميق التوحيد في نفوس المسلمين أمر عظيم، إذ أن مما يؤلمك أيضاً أن ترى قول الله قد تحقق في بعضهم: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]يقعون في الشرك أو في ذرائعه من حيث لا يشعرون.
ويا أيها الأحباب! إن واحداً من عوام هذا المجتمع الموحد ليفوق كثيراً من المسلمين في بلاد مختلفة، ولست بهذا أسفه أو أجهل أبناء المسلمين فهناك من هو خير منا، وفيهم من هو أقرب وأتقى وأعلم، وكل بحسب درجاته وعلمه وتقواه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ولكن أن نعرف ما هي مهماتنا، مهماتنا التي لأجلها نزلت الكتب وشرعت الشرائع، وخلقت الخليقة، ووجدت الجنة والنار، ويقف الناس فيها للخصومة؛ إنما هي قضية التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له.
أيها الأحبة! هذا ما أحببت أن أقوله حتى تعلموا ما هو واقع الإسلام في بلاد الغرب؛ وحتى لا نحكم بالجفاء والتشاؤم الشديد على جهود إخواننا فلهم جهود جزاهم الله خيراً، ولو قال قائل:
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا |
لقلنا: صدقت وكنت من الصادقين، ولكن إن وجود العمل والجهود والأنشطة لا يعني أن نتباعد وأن نقول لك: مسلم أن الإيجابيات كذا وأن السلبيات والأخطاء كذا، من واجبنا أن نعمق مزيداً من الصواب والإيجابيات، وأن نكافح بالعمل والعلم والدعوة وحسن البلاغ، والجدال بالتي هي أحسن تلك السلبيات.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.
أيها الأحبة! إن قضية من القضايا المهمة والخطيرة في تلك البلاد، ومن الأمور التي ينبغي أن تصرف كثير من جهود الدعاة والغيورين إليها؛ ألا وهي قضية السود في أمريكا.. هذه طائفة أغلب المسلمين منها، وطائفة قريبة للإسلام، ويسمون أنفسهم بالمسلمين الأفارقة في عودة وبحث جاد عن الجذور، ما الذي جاء بأولئك إلى أمريكا، وقد ألف كتاب اسمه الجذور وكان قد لقي رواجاً عظيماً بينهم، يخبر المسلمين السود هناك بأنهم جاءت بهم السفن والأساطيل والبواخر الغربية إلى بلاد الغرب، وهناك عملوا سخرة وأذلاء واستعبدوا لبناء كثير وإنجاز كثير من خط البنية أو أسس التنمية هناك.
ثم بعد ذلك لا يجدون لأنفسهم مكاناً، بل ويجدون عنصرية واحتقاراً وازدراءً، حتى إن بعض المطاعم مثلاً يكتب عليها "ممنوع دخول الزنوج والكلاب" وبعضهم ربما سمحوا للكلاب ولم يسمحوا لهؤلاء بذلك، فهم يكرهون البيض، الكثير منهم يكرهون البيض.
الأمر الآخر: أنهم يجدون من البيض احتقاراً.
الأمر الثالث: أنهم يريدون أن يلتفوا على كيان واحد واجتماع واحد، كانت هذه القضية قد أشغلت فكر رجل اسمه أليجا محمد ، وأصل اسمه: علي جاه محمد، هذا الرجل يقال إنه اعتنق الإسلام، ولكنه خبط وضل ضلالاً بعيداً حتى ادعى النبوة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم بعد ذلك ظهر من أتباعه رجل اسمه مالكم إكس هذا الرجل حج وزار المملكة منذ سنين، ثم بعد ذلك ظهر له أن قيادة السود تحت ذلك الرجل المسمى أليجا محمد أنها في ضلال وخبال، ونسبت أمور كثيرة ليست من الإسلام إليه، فالذي حصل منه أن انشق عنه وخرج عن خطه وتحسن شيئاً كثيراً.
ثم بعد ذلك استطاع بمنّ من الله وفضل ولدٌ لهذا الرجل الذي اسمه أليجا محمد واسمه وارث الدين محمد هو الذي قاد الحملة ضد أبيه، ومن نعم الله أن من قاد الحملة ضد ذلك الرجل هو ولده إذ لو قادها رجل آخر مثلاً من البيض أو من طائفة أخرى لقالوا: مكيدة أو مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين، فلما بين ذلك الابن ضلال أبيه وفساد منهج أبيه ترك الكثير من السود تلك الضلالات وعادوا إلى إسلام صحيح، هذا الرجل يتبعه قرابة المليون ونصف المليون ممن يهتمون بالإسلام على منهج صحيح، ولكن لقلة الدعاة وقلة العلم وقلة الإمكانيات تجد عندهم أخطاء كثيرة.
وإني أنصح من يهتم بالإسلام في الغرب أن يركز على السود تركيزاً عظيماً فإني أرى أنه سيكون لهم شأن بعد عشرين إلى ثلاثين سنة قادمة، سيكون لهم شأن في نشر الإسلام والدعوة إلى الإسلام هناك؛ لأجل ذلك من واجبنا أن نهتم بهم، لهم في الولايات المتحدة ما يقارب ثلاثمائة مسجد في أنحاء مختلفة بين صغير وكبير، ويلقون دعماً من المسلمين خاصة من هذه البلاد جزى الله من أعان على دعمهم ومن بذل في دعمهم خير الجزاء، ولكن لا يزال الدعم أقل بكثير من احتياجاتهم وكفاياتهم، وإننا يوم أن نقول علينا أن نهتم بالسود لا يعني ذلك أن نناصب البيض العداوة أو لا نلتفت إليهم ففي كثير من المراكز عدد من البيض بل ومنهم علماء، وأعرف عدداً منهم أحدهم كان زميلاً لنا في الجامعة اشتغل بالترجمة وتأليف الكتب عن الإسلام نفع الله به الإسلام والمسلمين، ولكن أولئك السود لهم أهمية بالغة وإقبال سريع، وحماس شديد، واستجابة عجيبة، وطواعية أعجب، حينما تؤثر عليهم وتمسكهم بالمنهج الصحيح من الإسلام فإنك ستجني ثمرة ذلك في توطيد الإسلام.
إن المهاجرين يوم أن يبنوا مركزاً -جزاهم الله خير الجزاء وأثابهم ونفع بهم وسددهم وحفظهم وذرياتهم- سيهاجرون يوماً، ولكن أبناء المجتمع الأمريكي الذين هم الأمريكان أصلاً، الذين يحميهم النظام والقانون في بعض القضايا ربما ضغطوا بقوة جنسياتهم ومواطنتهم على القانون فأجبروا هذه البلاد على المشاركة في تحمل شيء من نفقة المسجد أو تحمل شيء من نفقة المعلم، ومن استطاع أن يفقه قانونهم استطاع أن يصل إلى أحكام قانونية عليهم تجعلهم يخدمون الإسلام شيئاً ما.
الحاجة ماسة إلى زيارات دورية متتابعة لعدد من الدعاة والعلماء، وحينما تكون الزيارة لابد أن يوطن الداعية والعالم نفسه أن يسمع هجوماً، وأن يستمع اتهامات، وأن يسمع عبارات مؤلمة جارحة، في مركز من المراكز قال لي رجل: أنت وأمريكا وإسرائيل سواء، أنتم وأمريكا وإسرائيل سواء. فكيف تجيب على مثل هذا؟
تجيب عليه بأن تدنيه وتمسح على صدره، وتبتسم بين عينيه، وتناقشه فقرة فقرة ونقطة نقطة حتى تزول الشبهة التي علقت به، إننا ما ذهبنا ملاكمين ولا مصارعين حتى نتهجم عليهم أو نقذفهم بالشتائم والسباب، وإنما الواجب أن تتحمل منهم الخطأ، وأن تترفق بهم، وأن تجادلهم بالتي هي أحسن، ولو اقتضى الأمر أن تصمت في حال لتجيبهم مرة أو تطرح القضية في حال أخرى لكان هذا أمراً حسناً، فحينما يذهب الداعية أو العالم أو طالب علم إلى هناك من واجبه أن يشتغل في الدعوة والتعليم، وأركز على التعليم بإقامة دروس وحلقات، إن محاضرة تلقيها وتمضي أو خطبة تخطبها وتمضي لا بأس بنفعها، ولكن ثبت أن الذي نفع بإذن الله تلك الحلقات والدورات التي أقامتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إذ غيرت كثيراً من أفكار بعض المنتسبين إلى تلك المراكز، وأصبح هم كثير منهم العودة إلى المنهج الصحيح بدلاً من الاشتغال بأشكال أو أمور لم تنفع الإسلام كثيراً وإن نفعت شيئاً قليلاً.
الأمر الآخر: الفتوى جاهزة في بلدان كثيرة مختلفة، حتى أباحت لبعض النساء أن تجمع بين صلاة الظهر والعصر عند الشاطئ لأن في أداء كل صلاة في وقتها مشقة، والمشقة تجلب التيسير فلا بأس للفتاة المسلمة حينما تسبح على الشاطئ أن تصلي الظهر والعصر جمعاً، ستعجب من ألوان الفتاوى وأشكالها؛ إذاً فمن ذهب إلى هناك فليربطهم بمن يعرف من العلماء الثقات، من العلماء الصالحين الذين يوثق بعلمهم سواءً في مصر أو في سوريا أو في لبنان أو في أي منطقة أو في المملكة خاصة بالدرجة الأولى، المهم نحن لا نتعصب لجنسية العالم بل نتعصب لعلمه وتقواه، فإذا وجد العالم الذي يتقي الله فاحرص أن يكون بينك وبين أولئك سبباً تربطهم به حتى يفتيهم في حاجاتهم وأسئلتهم، ونوازل تحل في أرضهم تحتاج من الفتوى بالدقيقة بل بالساعة وفي كل يوم.
وإنني أقترح أن يوجد لوزارة الشئون الإسلامية خط مجاني مباشر لكل مركز من المراكز الإسلامية، أن المركز من هناك يتصل ونحن الذين ندفع فاتورة الاتصال من أجل الإجابة على أسئلتهم وفتواهم من قبل علمائنا الأجلاء نفع الله بهم وجزاهم خير الجزاء.
إذاً فالحاجة إلى مساعدتهم من أجل توسيع المساجد والعناية بها، وأهم من بناء المساجد والمراكز: القيادات. قبل أن تبني مسجداً أو تتبنى مشروعاً في بناء مسجد أو الالتفاف إلى مسجد مهمل اسأل من الذي سيتولى المسجد، ربما بنيت مسجداً فتولاه فاجر يسب الصحابة، ربما بنيت مسجداً فتولاه قادياني مخرف، ربما بنيت مسجداً فتولاه صوفي مخلط، إذاً الحاجة قبل بناء المسجد أو المركز ماسة إلى أن تعرف من الذي سيقوم عليه، ومن الذي سيعتني به، وهناك طريقة جيدة: هي أن تربط المساجد التي تبنى من أموالنا أو بجهودنا أو بتبرعات المسلمين أمثالكم أن نربطها هنا، إما بالشئون الإسلامية بعد الإفتاء، أو أن نربطها بجمعية تسجل رسمياً في القانون أو في الحكومة الأمريكية لهذه الجمعية نظام يخضعها لمجلس الأمناء، هذا المجلس له الحق أن يختار الإمامة ويعزلهم، ويختار المؤذن ويعزله، وله أن يحدد المنهج والطريقة، ويأذن بالمحاضرة أو لا يأذن بها.
إنك تعجب في أن مركزاً من المراكز جاء فاجر يسب الصحابة يخطب في الجمعة، كيف حصل هذا؟! لما فقد ذلك المركز -وهذه نادرة وأندر من نادرة- مجلساً يعتني عناية دقيقة بالمنهج الصحيح سمح لمثل هذا أن يعتلي المنبر، إذاً فالحاجة ماسة ملحة إلى البحث عن الأئمة والقيادات، وإني أعتبر أن التحدي القائم والمواجهة الخطرة في هذه المرحلة خاصة في الدعوة هناك هي: البحث عن القدرات التي تتولى الإمامة والخطابة والتعليم والإفتاء والتدريس في تلك البلاد، وأين من كان يقول يوماً ما: إننا اكتفينا كفاية زادت عن الحد من خريجي المعاهد العلمية والكليات الشرعية وغيرها؟ إن من يسافر إلى بلاد الغرب يجد أننا بحاجة ماسة إلى أضعاف أضعاف الأعداد الموجودة من حملة الشهادات الشرعية والمعاهد العلمية؛ لأن العالم يحتاجنا، العالم يناديكم يا معاشر المسلمين، إن طالباً لا يملك إلا الكفاءة المتوسطة من المعاهد العلمية يصلح ويكون إماماً وخطيباً ومعلماً لكثير من الأحكام، لا تتصور حجم الجهل بالإسلام وأحكام الإسلام هناك، لذا إذا وجد من أبناء المسلمين خاصة ممن طلبوا العلم الشرعي في حلق الذكر عند ركب العلماء واستفادوا فإنهم يؤهلون بإذن الله إلى هناك، والمترجمون بفضل الله على قدرة وإمكانية أن ينقلوا المعلومة بكل سلامة ودقة.
هذا فيما يتعلق بالمساجد: الحاجة ماسة إلى الأئمة والقيادات، ولا نشترط أن يكون الأئمة سعوديين، من عرفناه بسلامة المنهج وصحة المعتقد فما الذي يمنع أن نتعاقد معه ونرسله إلى هناك ليتولى هذا المركز ويكون عضواً معنا في رئاسة أو تكوين مجلس الأمناء الذي يدير ويوجه هذه المساجد؟ ثم إن الجمعية حينما تسجل بهذه الطريقة في تلك البلاد تكون معفية من الضرائب، وربما وجدت دعماً إلى حد ما، كما لقيت بعض الجمعيات دعماً لأجل نشاطها في السجون الأمريكية وتحذير الناس من المخدرات وغيرها.
إذاً أيها الأحبة! بوسعنا أن نشارك، ويا ليت المسلمين يجتهدون في هذه القضية، إذ بهذا نوشك أن تتكون بين أيدينا جامعة أهلية، نعم إن ظروف الجامعات ونظمها وما يتعلق بها قد يحكمها في عدد المقبولين والذين يمنحون المنح، لكن ما الذي يمنع أن يكون عدد كبير من أولئك حينما يقدمون يرتبون في برامج معينة علمية ودراسة على المشايخ وتعليم اللغة العربية حتى ولو بجهد شخصي؟! وهذه قضية -أيها الإخوة- نحن فرطنا بها كثيراً.. خذ على سبيل المثال ولو خرجنا على قضيتنا قليلاً: كم عدد العمال الذين ينظفون المساجد؟ بعدد المساجد الموجودة بـالمملكة يوجد عمال ينظفون المساجد، فلو أن كل جماعة مسجد اهتموا -وهذا ما قصرت فيه أنا أولاً قبل غيري، لا تظنوا أن عاملنا هنا قد حفظ القرآن والسنة- بعاملهم فعلموه اللغة العربية، وزعوا الأدوار بينهم: أنت تعطيه درساً في العربية، وهذا يعطيه درساً في القرآن، وهذا يعطيه درساً في أحكام الإسلام، بعد أن ينتهي عقده والذي يبلغ مدة سنتين يعود إلى الهند أو إلى بنجلادش أو إلى سيلان أو غيرها يعود إماماً وداعية وعالماً ينفع المسلمين هناك .. هذا لو كان الإسلام يهمنا كثيراً.
أيضاً مما يحتاجه المسلمون هناك أن يفرغ المؤهلون، فإني عجبت من زميل درس معي بالكلية لما وجدته يعمل في وظيفة برمجة الكمبيوتر وهو قادر على أن يتفرغ ويعطي للترجمة والدعوة أمراً كثيراً، فحينما يوجد من أبناء الأمريكان المسلمين سواءً حصلوا هذا بالدراسة هنا أو حصلوه بعلمهم هناك ما الذي يمنع أن يفرغوا إلى أعمال الدعوة وأعمال الترجمة ففي هذا خير عظيم؟
كذلك حاجة الناس عامة هناك إلى أن تصحح معلوماتهم عن الإسلام، الأمريكان لا يعرفون الإسلام إلا أنه اختطاف وقتل وإرهاب وأمور عظيمة صورها الإعلام وصورها الظالمون، فحاجتنا ماسة لإيجاد محطات إسلامية متخصصة للبث عن الإسلام، وهذا ما استبشرت به يوم أن علمت أن واحداً من المسلمين أو من أبناء المسلمين جزاه الله خير الجزاء قد حرص على أن يؤسس عملاً كهذا، يوجد في بعض القنوات برامج في ساعات محددة بالإيجار للتعريف بالإسلام، ولكن حينما تكون محطة كاملة عن الإسلام باللغة التي يفهمها القوم فإن ذلك سيؤثر بإذن الله، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ليتمن الله هذا الأمر، وليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل) حتى لا يقول قائل: إن هذه من الأماني العذبة والأحلام الخيالية .. لا، بل نتكلم اليوم ونحن على ثقة أن رايات التوحيد سترفرف في كل بقعة من بقاع الأرض أياً كانت يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو بوذية.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا وأمراءنا ودعاتنا، ووفقنا جميعاً إلى طاعتك، ربنا لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر المجاهدين في كل مكان، وسدد رصاصهم واجمع شملهم ووحد صفهم، وانصرهم على أعدائهم، ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا صلاح إلا قضيتها، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين!
اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأقم الصلاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر