أما بعد:
فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية الأولى، لشهر جمادى الأولى، الخميس الأول منه، الرابع عشر من الشهر، عام (1413هـ)، وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ حتى بلغنا إلى قوله تعالى: وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً [النبأ:20].
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله وفي حقوق العباد، أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم، وأما الطغيان في حقوق الآدميين، فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم، هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع، فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار -والعياذ بالله-، ولهذا قال: لِلْطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:22] أي: مكان أوب، والأوب في الأصل الرجوع، كما قال تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:30] أي: رجَّاع إلى الله عز وجل.
- في سورة النساء في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء:168-169].
- وفي سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [الأحزاب:64-65].
- وفي سورة الجن في قوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23].
فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبداً فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة : أن النار والجنة مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ووجد خلافٌ يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار، وزعموا أنها غير مؤبدة، واستدلوا بحججٍ هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى؛ فهو خلافٌ لا معول على المخالف فيه ولا على قوله.
والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالةً صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا الاحتمال، أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر، وأخبار الله عز وجل لا تنسخ، وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما: إما تعمداً من المخبر، أو جهلاً بالحال، وكل ذلك ممتنع في خبر الله، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم المبني على الوحي.
المهم أيها الإخوة! أنه يجب علينا أن نعتقد أمرين:
الأمر الأول: وجود الجنة والنار الآن. وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة، منها قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران:133] والإعداد التهيئة، وهذا الفعل (أُعِدَت) فعل ماضٍ يدل على أن الإعداد قد وقع، وكذلك قال الله تعالى في النار: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ آل عمران:131] والإعداد تهيئة الشيء، والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة ورأى النار.
الأمر الثاني: اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبداً، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها، كما قال تعالى: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها، ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله تعالى: لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً [النبأ:23] لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة، أي: إلى أمدٍ ثم تنتهي، بل المعنى: أحقاباً كثيرة لا نهاية لها.
وهل الماء الذي كالمهل وإذا قُرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟
الجواب: لا. بل بالعكس وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:47-48] وقال الله تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:19-20] ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يُطفئ حرارة بطونهم.
ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف: (عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها). إننا لو قال لنا قائل: إن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة، لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلاً ونهاراً؛ لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا ينقطع، وشباب سكانها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهماً من الدنيا أو ديناراً، قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به، فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة، وهذا الموقف من الهرب من النار؟!
نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم.
الجواب: الجواب على ذلك أن (كان) تارة يراد بها الزمان الماضي مثل أن تقول: (هذا الرجل كان مريضاً فبرئ) وتارة يراد بها تحقق الخبر، مثل قوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:96] هل معنى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:96] كان فيما مضى والآن ليس كذلك؟ لا، لكن المراد تحقق هذا الخبر والوصف، وكذلك قوله تعالى: كَانَتْ مِرْصَاداً [النبأ:21]، يمكن أن يراد بها هذا المعنى أي تحقق كونها مرصاداً، ويمكن أن يكون المراد بها حقيقة الزمن، أي كانت من الآن ومن قبل الآن مرصاداً للطاغين.
الجواب: أولاً: نهنئ هذا الشاب الذي هداه الله فالتزم؛ لأن أكبر نعمة يمن الله بها على العبد أن يهديه ويوفقه لالتزامه شريعة الله، فإن هذا خيرٌ له من كل نعيم الدنيا.
ثانياً: نوجه النصيحة لأبيه، ولا سيما وهو في آخر عمره أن يتقي الله عز وجل، وأن يخشاه ويعلم أن رزق الله لا يجلب بالمعاصي، وأن الرزق الذي يأتي بالمعصية رزق لا خير فيه ولا بركة، بل إنه وبالٌ على صاحبه، وقد جاءت السنة بالتحذير الشديد من الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!).
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأنى يستجاب له) (أنى) هنا استفهام بمعنى: الاستبعاد، أي: يبعد أن الله عز وجل يستجيب لهذا الرجل الذي يأكل الحرام، وكذلك جاء في حديث ابن مسعود : (من اكتسب مالاً -أي: حراماً- فإنه إن تصدق به فلن يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه كان زاده إلى النار).
وأرجو من أخينا الشيخ الكبير أبي هذا الملتزم أن يقبل منا هذه النصيحة وهذه الهدية، فإننا لم نسقها له إلا من أجل مصلحته ومصلحة أولاده من بعده.
أما بالنسبة للشاب الذي يأمره أبوه أن يتولى البيع في هذه البقالة التي فيها ما هو محرم، فإني أقول له: لا تطع أباك في هذا، اجلس في البقالة وبع الشيء المباح ولا تبع الشيء المحرم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما قول أبيك لك: إن هذا شيء لا بأس به؛ لأن الحكومة قد أذنت فيه وسمحت به، فإني أقول:
أولاً: العبرة بما في الكتاب والسنة، لا بعمل الحكومة ولا بعمل الناس؛ لأن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] إن تنازعتم حتى مع أولي الأمر فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]، وهذه الحجة لا تنفعه يوم القيامة عند الله؛ لأن الله يقول: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65] ولا تنفع غيرهم في الدنيا عند العقلاء من الناس المؤمنين بالله؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يقبل عمل الناس أو عمل ولاة الأمور حجةً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة لأبيه في هذا.
ويُخشَى أن يكون من يحتج بعمل الحكومة مشابهاً لمن قال الله فيهم: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:166-167]، وخلاصة الجواب أربعة أشياء:
أولاً: تهنئة هذا الذي مَنَّ الله عليه بالالتزام.
ثانياً: نصيحة الأب بترك هذا العمل المحرم.
ثالثاً: أن الابن إذا أمره أن يبقى في هذا المكان في هذا الدكان فإنه يبيع الحلال ولا يبيع الحرام.
رابعاً: أن المرجع في الأحكام الشرعية ليس إلى إقرار الحكومة أو عدم إقرارها، أو عمل الناس أو عدم عملهم، وإنما المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا. الذي في قلبه إيمان لا يخلد في النار، بل آخر أمره أن يخرج من النار إما بالشفاعة أو بفضل الله ورحمته ويدخل الجنة.
الجواب: الموظف الذي لا يكفيه راتبه لشئونه الخاصة يجوز له أن يعمل العمل الذي لا تمنع منه الحكومة أو يمنع منه النظام.
السائل: النظام يمنع السجل التجاري لعمل مؤسسة؟
الشيخ: إذا كان النظام يمنع فإنه لا يجوز له أن يفتح لا باسمه ولا باسم مستعار؛ لأن الله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] ويقول تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34]. والموظف تقدم للعمل في الحكومة وهو يعلم أن هذا مشروط على كل موظف، فيكون دخوله في الوظيفة التزاماً منه بألا يفتح سجلاً تجارياً أو يشتغل بتجارة.
قد يقول بعض الناس: الحكومة ليس لها حق أن تمنع من ابتغاء رزق الله؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] فأباح الله لنا أن ننتشر في الأرض ونبتغي من فضل الله بعد صلاة الجمعة، فكيف تمنعنا الحكومة من ذلك؟ ا لجواب: نقول له: الحكومة لم تمنعك لكنها قالت: لا أدخل معك في عقد إلا بهذا الشرط، وهذا الشرط مباح، أعني: تركه للتجارة مباح، فإذا كان مباحاً والتزم الإنسان بتركه وفاءً بعهده للحكومة صار هذا جارياً على القواعد الشرعية.
فنقول لهذا الموظف: أنت بين ثلاثة أمور:
- إما أن تدع الوظيفة وتفتح السجل التجاري.
- أو تدع السجل التجاري وتبقى في عملك.
- أو تستأذن من الحكومة وتبين لها حاجتك، وربما إذا بينت لها حاجتك وأن راتبك قليل ومتطلبات حياتك كثيرة ربما تسمح لك.
الجواب: أرى في الوقت الحاضر ألا يذهب إلى ذلك المكان؛ لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة، وفيما نعلم من الأخبار، والله أعلم، أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة، صحيح أنهم صمدوا، ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال، فإذا تبين الجهاد واتضح حينئذٍ نقول: اذهبوا؛ لأن في ذلك خيراً، أما الآن والمسألة وهمية لا نستطيع أن نقول للناس: اذهبوا.
الجواب: الغالب في الأمور أن الناس يكونون فيها طرفين ووسطاً، فهذا القول الذي قاله الأخ يعارض بقول من قال: (من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه)، فمن الناس من يقول: إنه لا طريق إلى العلم إلا بالتعلم من معلم.
ومن الناس من يقول: بل هناك طريق إلى العلم وهو التلقي من الكتب.
والصواب: أن الطريقين صحيحان، التلقي من الكتب والتلقي من أفواه العلماء، ولكن لا بد من شرطٍ أساسي في هذين الأمرين: وهو أن يكون المؤلف موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته.
وكذلك نقول في المعلِّم: لا بد أن يكون موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته، ولكن تلقي العلم من أفواه العلماء أيسر وأضبط وأسرع؛ لأن العلماء كالطباخين الذين جهزوا لك الطعام، بخلاف الذي يعاني طبخ الطعام، فإنه يشق عليه، وربما يأكله قبل أن ينضج، وربما يحرق قبل أن يأكله، فالتلقي من العلماء أيسر وأضبط، ولهذا نرى بعض الإخوة بل بعض العلماء الذين اعتمدوا في علمهم على قراءة الكتب فقط نرى عندهم أحياناً شطحات بعيدة جداً عن الصواب؛ لأنهم لم يتلقوا عن علماء ناضجين، لكن إذا لم تجد العالم الذي تتلقى من فِيه، فاقرأ الكتب، ثم إنه إذا قلنا: إنَّ التلقي من العالم أسرع وأحفظ، فلا يعني ذلك ألا يرجع الطالب إلى الكتب، بل يرجع إلى الكتب ولكن رجوعاً مقيداً بتوجيه العالم الذي يقرأ عليه.
الجواب: الذي أرى ألا يتكلموا فيما يمنع فيه الكلام إلا بإذن؛ لأن طاعة ولي الأمر في تنظيم الأمور واجبة، ونعلم أنه لو أذن للصغار الذين ابتدءوا طلب العلم بالكلام لتكلموا بما لا يعلمون، وحصل بذلك مفسدة واضطراب للناس ربما في العقائد فضلاً عن الأعمال البدنية، فمنع الناس من الكلام إلا بإذن وبطاقة ليس منعاً تاماً حتى نقول: لا طاعة لولاة الأمر في ذلك؛ لأن هذا منع لتبليغ الشريعة، لكنه منع مقيد بما يضبطه بحيث يعرف من هو أهل لذلك أو لا، وكما تعلمون الآن كل من تقدم إلى المسئولين لهذا الأمر وعلموا أنه أهل لذلك أعطوه إذناً، ولم نعلم أنهم قالوا لأحد تقدم وهو أهل لنشر العلم: لا تفعل، والأمر والحمد لله أمر يطمئن إليه الإنسان، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في موضعٍ يمنع فيه الكلام من جهة ولي الأمر إلا بإذن، مثلاً: في المساجد وفي الأماكن العامة، لكن بينه وبين إخوانه، في غرفته، في حجرته، هذا ما فيه بأس، لا يمنع منه أحد.
الجواب: هذا السؤال الطويل وهو سؤال عن قرية كاملة؛ لأن المجمع السكني يجمع أناساً تختلف أفكارهم وأهواؤهم وأعمالهم وأقوالهم، والناصح إذا نصح فليس من شرط النصيحة تقبل المنصوح، أرأيت الله يقول لموسى وهارون: اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:43-44] فقاما بأعباء الرسالة، ولكن هل تذكر أو خشي؟ لا، فلا يشترط في النصيحة أن تكون مقبولة إذا قام الإنسان بما يجب عليه من النصيحة، فقد أدى ما عليه قبل من وجهت إليه فهذا له وللناصح، وإن لم يقبل فللناصح وعليه، ولكن مع ذلك لا أعفي الملازمين ومن تحتهم من أن يناصحوا من فوقهم، فإن رأوا منهم تقبلاً وإلا فليرفع الأمر إلى من فوقهم أيضاً، إما مباشرةً وإما بواسطة من يبلغ إلى المسئولين الذين فوقه؛ لأن تولي غير الصالح للصالحين عكس وانقلاب، إذ أن الواجب أن الصالح هو الذي يكون له الولاية، وليس معنى هذا أننا نريد أن يقفز من مرتبته إلى مرتبة الآخر، لكن نريد أن الذي فوقه إذا لم يصلح يغير إلى شخص آخر صالح، ومع هذا فإني أعتقد أن الصلاح -ولله الحمد- بدأ ينتشر في القطاعات العسكرية وغيرها، وأن من الناس من يجامل بالصلاح في أول مرة، ثم في النهاية يصلح صلاحاً خالصاً لله عز وجل، وأما اختلاف المسئولين الكبار من الرائدين ومن دونهم فإن هذا أمرٌ لا بد منه في الغالب، ولكن خيراً أن يقع من هذا الرجل إصلاح غيره وعقوبة من أساء، ولو كان هو أيضاً صالحاً في نفسه فهذا خير، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ عليه بصلاح نفسه، كما يحاول هو إصلاح غيره.
فالخلاصة الآن: أنني أوصيك بالبقاء على النصيحة، وعقوبة من لك عقوبته، وإذا لم يتنصح من نصحته فإنه من الممكن أن ترفع الأمر إلى من فوقه إما مباشرة إن استطعت، وإما بواسطة غيرك إذا لم تستطع لا سيما إذا كانت معصيته خروجاً من الدين كالذي لا يصلي.
فإن الذي لا يصلي -لا شك عندي أنه- كافر مرتد خارج عن الإسلام (يحشر -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- مع فرعون و
الجواب: أولاً: هذه مسألة بين خصوم، ومن عادتي أنني لا أفتي بمسائل فيها خصوم؛ لأن الله عاتب داود -وهو نبي من الأنبياء- لما حكم قبل أن ينظر في كلام الخصم، فكيف بنا نحن؟!
والشيء الثاني: أن مسائل الأوقاف لا يمكن الفتوى فيها إلا بالنظر في وثيقة الوقف؛ لأنه رب كلمة واحدة تغير مجرى العمل، فلذلك لا يمكن أن أفتي بهذا حتى يتفق عبد الله وعمه محمد على ذلك ويأتون إليَّ بوثيقة الوقف.
السائل: لكن الأصل في الأوقاف؟
الشيخ: ليس لها أصل إلا ما في الوثائق، إلا ما خالف الشرع فيلغى.
الجواب: هذه المسألة بارك الله فيك وهي إقامة المسافر في بلد هل ينقطع بها حكم السفر أو لا ينقطع؟
العلماء مختلفون في هذه المسألة على أكثر من عشرين قولاً ذكرها النووي في المجموع شرح المهذب ، وذلك أن المسألة ليس فيها نص قاطع يفصل بين المختلفين، لذلك ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن المسألة ترجع إلى الاستيطان أو السفر، وأن حال الإنسان دائرة بين الاستيطان والسفر فقط، ويلحق بالاستيطان الإقامة الدائمة التي لم تحدد بعمل ولا زمن، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو الذي تدل عليه ظواهر الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة حرف واحد يدل على تحديد المدة التي تقطع حكم السفر إذا نواها الإنسان، ومن كان عنده دليل في ذلك فليسعفنا به، وأكبر دليل عند الذين حددوا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام إقامات مختلفة:
فمنهم من أخذ بالأدنى، ومنهم من أخذ بالأعلى، فـابن عباس مثلاً قال: (إذا نوى المسافر تسعة عشر يوماً أو أكثر فإنه يتم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بـمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فإذا أقمنا هذه التسعة عشر يوماً قصرنا وإذا زدنا أتممنا).
والإمام أحمد والشافعي وأظن الإمام مالكاً أيضاً يقولون: (إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإذا نوى أربعة فما دونها قصر) لكن الشافعي يقول: (يوم الدخول ويوم الخروج لا يحسب، فالأيام تكون صافية أربعة) وبناءً على هذا المذهب تكون الأيام ستة يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة صافية بينهما، والإمام أحمد يحسب يوم الدخول ويوم الخروج فما هو الدليل في هذا؟
الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي آخر سفرة سافرها قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة ومكث بها يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وفي يوم الخميس ضُحىً خرج إلى منى، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذه المدة يقصر الصلاة، قال أنس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: إلى مكة - في حجة الوداع، فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، فسئل: كم أقاموا في مكة؟ قال: أقمنا بها عشراً)؛ لأنه وصلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج صباح الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الأيام عشرة، أربعة قبل الخروج إلى المشاعر، والباقي في المشاعر، ولكني أقول: هل هذا دليل على التحديد، أم على عدم التحديد؟
هو في الحقيقة دليل على عدم التحديد لا على التحديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: من جلس أكثر من أربعة أيام فليتم، وإنما كانت أربعة أيام مصادفة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون إلى مكة للحج قبل اليوم الرابع، أي: ليس كل الحجيج لا يقدم إلا في الرابع فما بعده، أبداً؛ الحجاج يقدمون في الرابع.. في الثالث.. في الثاني.. في الأول.. في آخر ذي القعدة، بل يمكن من شوال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] أولها شوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع لم يقل للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم، فَعُلِمَ أن الإتمام لا يلزم، ولهذا لما صلى بـمكة عام الفتح قال لأهلها: (يا أهل مكة! أتموا فإنا قوم سَفْرٌ) وكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يقوم أهل مكة فيتمون.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبلغ البلاغ المبين، فإذا علمنا أنه أقام في مكة أربعة أيام قبل الخروج إلى منى وستة أيام بعد ذلك، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فهذه مدد مختلفة ولم يتغير فيها الحكم، فحينئذٍ نقول: العبرة بقطع السفر أن ينوي الإنسان قطع السفر والإقامة المطلقة في هذا البلد، فصار من أهلها ولزمه ما يلزم المقيم، وأما إذا قال: أنا لست من أهل البلد لكني أقمت لشغل، فنقول: إذاً؛ أنت مسافر، لكن مع ذلك هذا الرجل الذي أقام في البلد لا نعفيه من صلاة الجماعة بل نلزمه بصلاة الجماعة والجمعة، إلا إذا فاتته فيصلي ركعتين، كذلك أيضاً لا نرى أن يفطر رمضان ثم يقضيه بعد ذلك، لأنه غير مسافر، لكن لأنه لو ترك صيام رمضان في هذه السنة ثم في السنة الأخرى ثم في السنة الثالثة تضاعفت عليه الأيام، وربما عجز وكسل، ثم إن تأكيد الفطر في السفر ليس كتأكيد القصر، القصر عند بعض العلماء واجب في السفر، ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم يوماً من الأيام وهو مسافر.
وأما الفطر فإن الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يصومون ويفطرون، ولا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، والنبي صلى الله عليه وسلم صام، ولما قيل له: الناس قد شق عليهم أَفْطَر، فلهذا نقول: الصوم لهذا المسافر الذي أقام مدة طويلة لا يؤخر إلى رمضان الثاني، بل يصومه لئلا تتراكم عليه الأشهر فيضعف أو يتهاون.
الجواب: نرد عليهم برد سهل جداً من وجهين:
الوجه الأول: أن الله قال مثل هذا في الجنة قال: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108] فهل يقولون: إن الجنة غير مؤبدة لا يقولون ذلك؛ لأن الله قال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] لكن هنا قال: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] والفرق بينهما ظاهر، فالجنة منة ونعمة، فبين الله فيها أثر المنة والنعمة وقال: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108]، أما في النار فهي انتقام وعدل فختمها الله بقوله: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] ومن فعله لما يريد أن يبقى هؤلاء أبد الآبدين في النار.
الوجه الثاني: أن هذه الآية هب أنها مشكلة، وأن الاستثناء فيها ما نعلم ما وجهه، فهل من طريق الراسخين في العلم أن يأخذوا بالمتشابه ويدعوا المحكم، أو أن يأخذوا بالمحكم ويدعوا المتشابه؟ الثاني.. إذاً، المحكم عندنا ثلاث آيات من القرآن: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23] ثلاث آيات من القرآن صريحة، فلماذا نعدل عنها إلى شيء مشتبه يحتمل أوجهاً، إننا لا نفعل هذا؛ لأن هذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، ولهذا نجد أهل السنة والجماعة في كتبهم يذكرون أن الجنة والنار موجودتان الآن، وأنهما لا يفنيان، فإن قال قائل: كيف أن الله عز وجل يجعل هذا الكافر أبد الآبدين في النار؟ نقول: لأن هذا الكافر أفنى دنياه كلها في معصية الله عز وجل فأفنى الله آخرته كلها في عقابه، ثم هل هذا الكافر ترك أم جاءه نذير؟
الجواب: جاءه نذير رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [النساء:165] بآيات بينات يؤمن على مثلها البشر، فلا عذر له لا في الدنيا ولا في الآخرة، وتأبيد النار ومن فيها لا ينافي الحكمة بل هو غاية في الحكمة.
الجواب: أنا أرجو أن يكون تخلصك لله عز وجل خيراً لك من الدنيا وما عليها، وأما كون من يأتي من بعدك ويأخذه فالإثم عليه هو، أنت خلصت نفسك بأن تقول للشركة: إما أن تشتروها أنتم أيها المؤسسون!
السائل: الشركة باسمها أو فرد من أفراد الشركة؟
الشيخ: باسمها أو فرد من أفرادها، لكن الفرد في النفس منه شيء؛ لأن بيعه على الفرد يعني: التعاون على الإثم.
السائل: ما عندي أي استعداد لأن أبيع على الشركة نفسها؟
الشيخ: إذا كان ما عندك استعداد فاتركه لله، وسيخلف الله عليك.
السائل: أنا بكل طوع سأترك هذا غير أني سأعلم أنه محفوظ لأبنائي من بعدي؟
الشيخ: ما يهمك هذه قدرتك، أنت إذا جاء الورثة من بعدك هم المسئولون، اكتب نصيحة لمن بعدك: بأني أنصحكم ألا تقربوا هذه الشركة، والمشكلة في هذه الشركة ليست مسألة الربا فقط، المشكلة أننا سمعنا أنها تغصب الناس أموالهم، ولا تسمح لهم بالعود لأموالهم على ما سمعنا، سمعنا أن هناك أناساً جنوا، وبعضهم ماتوا، لما حيل بينهم وبين أملاكهم. فالله أعلم، لكن على كل حال تركك إياها خير.
السائل: أترك مالي وإن كان آلافاً مؤلفة؟
الشيخ: أنت قلت: ثلاثمائة سهم.
السائل: تساوي حوالي عشرة آلاف ريال؟
الشيخ: إذا كان كذلك فأمرك سهل.
السائل: أنا لا يضرني تركها.
الشيخ: إذا كان لا يضرك، اتركها ويخلف الله عليك.
الشيخ: ما فهمت وجهة سؤالك؟
السائل: ما نصيحتكم لهم وما هي الأسباب التي يجب أن يتمسكوا بها؟
الجواب: نصيحتي أن أقول: من تمام الالتزام طاعة ولي الأمر في غير المعصية؛ لأننا لا نطيع ولاة أمورنا لأنهم من آل فلان أو من آل فلان، نطيعهم؛ لأن الله أوصانا بذلك قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ونعتقد أن طاعتنا لهم في غير معصية طاعة لله عز وجل، فيقال لهؤلاء الملتزمين: ليس عليكم شيء، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، هذا من طاعة الله، ما دام أنهم لم يأمروكم بشرب الخمر ولا بشيء من المحرمات فأطيعوهم.
السائل: لو حصلت لأحدهم فتنة تجده يرتد عن التزامه، وهذا يحصل كثيراً؟
الشيخ: هذه مشكلة، وهذا أشار الله إليه في القرآن: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11] أعوذ بالله خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11] نقول: يا أخي! اتق الله، ما دمت تعلم أن طاعة ولي الأمر واجبة، ومنعك من أن تتكلم، فطاعته من دين الله، فأنت على خير، عمار بن ياسر عندما كان يفتي بأن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء، وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك، يقول: الجنب يبقى حتى يجد الماء ويغتسل ويصلي، فكان عمار بن ياسر يحدث بأن الجنب يتيمم؛ لأن المسألة وقعت عليه: (لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو و
الجواب: والله! لا نعرف عن الإخوان المسلمين ما هي عقيدتهم. لكن الأشاعرة ، من خير ما رأيت فيما كتب عنهم رسالة صغيرة للشيخ سفر الحوالي ، تكلم فيها بكلام جيد، وبين فيها مخالفتهم لـأهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، وفي الإيمان وفي الوعيد وفي أشياء كثيرة، من أحب أن يطلع عليها فإنه يستفيد.
الجواب: هذا الرجل يقول: كان قبل التزامه يأخذ أموال الناس، وأنه الآن نسي من أخذها منهم، ونسي الأموال، نقول له: تصدق عن أصحابها، فإذا قال: لا أدري كم أخذت؟ نقول: تحقق: إذا قَدَّرت أنه ألف أو ألفين فلا يلزمك إلا ألف، خذ بالأقل.
الجواب: يجوز له أن يبيعه، يعني: يجوز للإنسان إذا تاب أن يبيع التلفاز لشخص لا يستعمله في الحرام وثمنه حلال له.
الجواب: إذا كان يسيء إليك فإنه ليس بمؤمن، ولكن ليس المعنى أنه كافر، بل ليس بمؤمن كامل الإيمان، يعني: نقص من إيمانه شيء؛ لأن نفي الإيمان تارة يراد به الكفر الأكبر، وتارة يراد به العاصي الذي فعل ما ينافي كمال الإيمان، فإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن من فعل كذا، ينظر إذا كان فعله مكفراً كان نفي الإيمان نفياً مطلقاً، وإذا كان فعله لا يكفر كان نفي الإيمان نفياً مقيداً، أي: نفي الإيمان الكامل، فالمعنى: لا يؤمن، أي: الإيمان الكامل بل إيمانه ناقص.
والثانية في نفس الموضوع: ما الذي يجب على هذه المرأة المطلقة، وما هي الأحكام المتعلقة بها؟
الجواب: طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة.
السائل: إذا حكم القاضي بوقوع الطلاق؟
الشيخ: إذا حكم بوقوع الطلاق فإن المرأة إذا انتهت عدتها تتزوج من شاءت.
الجواب: قال الله تعالى عن الملائكة: وَالصَّافَّاتِ صَفّاً [الصافات:1] وقال تعالى عنهم: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات:165-166] فـ(الصافات) هذه يراد بها الجماعات صفاً صفاً؛ لأن الملائكة جندٌ عظيم لا يعلم عدده إلا خالقهم عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطَّت السماء وحُق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) والسماء واسعة: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47] ليس هناك أربع أصابع إلا وفيه ملك! من يحصيهم؟ ثم إنه ثبت أن البيت المعمور في السماء السابعة يطوف به كل يوم ويدخله سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرة أخرى إلى يوم القيامة، من يحصي هذا العدد؟
فلهذا جاءت (الصافات) ونحوها مما هو مؤنث، باعتبار جماعات لا باعتبار كل واحد، ولذلك لما جاء (الصافون) صار المراد بها الجماعة، كل جماعة على انفراد.
الجواب: التخييل هذا حقيقي أم غير حقيقي، إذا خيل للإنسان أن الحبال التي لا تتحرك أنها تسعى هل أثرت عليه؟
حسناً؛ السحر هو كون الإنسان يختل فكره بحيث أنه يرى الجماد: الحبال والعصي التي لا تتحرك يخيل إليه أنها تسعى وهي لا تسعى لكن يخيل إليه هل أثَّر؟
إذاً.. دليلهم كان دليلاً عليهم، نعم. السحر لا يؤثر في قلب الأعيان فلا يجعل الحديد خشباً ونحو ذلك.
السائل: هل الاختلاف كان لفظياً بين أهل السنة والمعتزلة؟
الشيخ: لا، ليس اختلافاً لفظياً، بل حقيقي، فإن السحر يؤثر، يمرض الإنسان، وربما يفسد فكره، وربما يلحقه جنون، وربما يموته.. درجات، والعياذ بالله.
الجواب: هذا الذي نرى في المسألة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مثلاً ثم مات لا يحل للوارث، فإن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه.
الجواب: الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً:
فمن الناس من يثني على هؤلاء كثيراً، وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كبيراً، ويحذر منهم كما يحذر من الأسد، ومنهم متوسط، وأنا أرى أن الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير لم ينله أحد من الدعاة، تأثيرهم واضح، كم من فاسق هداه الله! وكم من كافر آمن! ثم إنه من طبائعهم التواضع والخلق والإيثار، ولا يوجد في الكثيرين، ومن يقول: إنهم ليس عندهم علم حديث أو من علم السلف أو ما أشبه ذلك؟ هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء، وأما تقييد الدعوة بثلاثة أيام أو أربعة أيام أو شهرين أو أربعة أشهر أو ستة أو سنتين فهذه ما لها وجه، ولكنهم يرون أن هذا من باب التنظيم، وأنه إذا خرج ثلاثة أيام وعرف أنه مقيد بهذه الثلاثة استقام وعزف عن الدنيا، فهذه مسألة تنظيمية ليست بشرع، ولا هي عبادة، فأرى -بارك الله فيك- إن كان اتجاهك لطلب العلم فطلب العلم أفضل لك؛ لأن طلب العلم فيه خير، والناس الآن محتاجون لعلماء أهل سنة راسخين في العلم، وإن كان ما عندك قدرة على تلقي طلب العلم، وخرجت معهم لأجل أن تصفي نفسك، فهذا لا بأس به، وهناك أناس كثيرون هداهم الله عز وجل على أيديهم.
الجواب: الذي أرى لهذا الأخ الملتزم أن يبدأ بحفظ القرآن؛ لأن القرآن ترجع إليه كل الأمور: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وحفظ القرآن إن قام يتلوه فله في كل حرف عشر حسنات، وإذا كان يتلوه بتدبر وتفهم للمعنى ازداد إيمانه، والمتون التي أشار إليها من متون العلم كـالألفية وغيرها يجعلها أخيراً، فالذي أنصحه به أن يبادر بحفظ كتاب الله عز وجل قبل كل شيء.
الجواب: إذا سلم عليك رجل من المسلمين أو من اليهود أو من النصارى أو من البوذيين أو من الملحدين الذين لا يعترفون بدين فرد عليهم السلام؛ لأن الله قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، وتأمل قوله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ [النساء:86] لم يقل: إذا حياكم المسلمون، وإنما قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] أي: واحد يحييكم بتحية فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] أنت لا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم ترد عليه وجوباً، ثم إن كان يصرح بقوله: السلام عليكم، قل: عليكم السلام، وإن كان لا يصرح وتخشى أن يقول: السام عليكم، كما كان اليهود يفعلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فقل: وعليكم. وكفى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله آجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر